أبحاث

مدخل إسلامي إلى علم الاقتصاد

العدد 38

مقدمة

الجزء الأول : تاريخ ومنهج علم الاقتصاد

الفكر الاقتصادي القديم علم الاقتصاد التقليدي ماركس MARX  النظرية الحدية علم الاقتصاد التقليدي الحديث كينز KEYNES  الصورة المعاصرة

الجزء الثاني : طبيعة ومضمون علم الاقتصاد الإسلامي

سلوك المستهلك .

سلوك المنتج .

آلية جهاز الثمن .

التوزيع .

نظرية تحديد الدخل .

علم الاقتصاد النقدي .

الضرائب والسياسة المالية .

النمو والتنمية وموضوعات أخري .

مقدمة

سوف نستهل هذا البحث بكلمة موجزة عن تطور علم الاقتصاد خلال القرنين الأخيرين ، مع التركيز على المناهج الرئيسية في دراسة هذا العلم غير أن لدينا بعض ما نقوله أيضاً عن الفترات السابقة للقرنين الأخيرين حتى تستقيم النظرة إلي الموضوع .

وسنحاول أن نحدد القضايا التي شدت انتباه أقطاب هذا العلم ، وكذلك المشكلات التي تواجه الفرد والمجتمع في نظرهم . أننا نلاحظ في هذا الصدد أن النظرية الاقتصادية هيمنت فيها النظرة الشكلية على معني علم الاقتصاد وأهدافه ، مما أدي تدريجيا إلي سيطرة الذين يحملون أدوات التحليل وتقنياته على المعني والأهداف . وهذا يقودنا إلي الربع الثاني من القرن العشرين حيث كان علم الاقتصاد مضطراً إلي مواجهة الحقائق والأزمات التي نشأت بعد ذلك . لقد تعرضنا للمضمون المعاصر لعلم الاقتصاد ومداخله المنهجية المتنوعة قبل أن ننتقل إلي الجزء التالي من البحث والذي يتعامل مع موضوعنا الرئيسي ، وهو صلة الإسلام بهذا الفرع من فروع المعرفة .

لقد دارت محاورات حول فكرة أن التراث الإسلامي الاقتصادي كان دائماً متحرراً من الشكلية ومركزاً على المعني والهدف مع مرونة في المنهج . وأن هذا المنظور يتلاءم تماماً مع الهداية الربانية – بأبعادها المتعددة – للفرد والمجتمع . وان علم الاقتصاد يجب أن يفتح ذراعيه لمساهمات الفروع الأخرى للمعرفة ، فالعلم والفن يتعاونان – عن طريق المنجزات الاقتصادية – في تحقيق الصورة الإسلامية للحياة الطيبة . وما الفكر الاقتصادي الإسلامي المعاصر إلا امتداد للتراث الذي أجيد تأسيسه في الماضي .

أننا نحاول أن ندرس طبيعة مجال علم الاقتصاد الإسلامي وذلك بإنشاء هيكل يتلاءم مع المحتوي المعاصر للعلم ، ويصلح لتفسير تطوره عبر التاريخ . أن هذا يقودنا إلي الجزء الثالث والأخيرة من هذا البحث حيث نفحص تطور علم الاقتصاد الإسلامي ، في التحليل السلوكي ، وفي دراسة السياسات وبناء الأنظمة ، بغية تفسير الصيغة الراهنة لهذا الفن ، واختبارها في ضوء النظرية والسياسة الاقتصادية ، مما يتيح لنا فرصة تقديم بعض المقترحات الخاصة بأوليات البحث في علم الاقتصاد الإسلامي كبرنامج للمستقبل .

الجزء الأول

تاريخ ومنهج علم الاقتصاد

الفكر الاقتصادي القديم

لقد كان الإنسان المفكر منتبها دائماً ما حوله من أمور الاقتصاد : كالفقر والغني ، والمقايضة والنقود ، والتجارة ، وتقلب الأسعار ، والضرائب ، وتدخل الحكام وكان أحيانا يتأمل في الازدهار والتأخر الحضاري وما يصحبهما من انتعاش وانكماش اقتصادي . ومن ثم فقد قام بشرح هذه الظواهر ووصف لها علاجاً . ولم يكن مرتبطاً – بصفة عامة – بأي منهج محدد اللهم إلا المنهج الاستقرائي الذي يمكن اعتباره منهجاً معهوداً لديه . وعندما كانت الجماهير – عبر العصور – تستلهم الأديان والفلسفات الكبرى ، كالهندوسية أو البوذية ، أو اليهودية ، أو النصرانية ، أو الإسلام ، كانت الوصايا المقدسة والتعاليم الدينية هي التي تفرض السياسات وتزكي المناهج التي يترجمها ويتحاور بها العلماء مقدمين في النهاية غذاء طازجاً للفكر الإنساني . وهذا ينطبق حتى على وسائل التحايل علي بعض المحرمات كالربا . وقد قام الفكر الديني بإسهام أكبر قدراً في الفكر الاقتصادي . فقد أمدنا بأفكار مرجعته في النقد الجيد للمؤسسات الاجتماعية ، والحكام ، والطبقات المسيطرة في المجتمع .

كان هذا هو الوضع – بصفة عامة – حتى أدم سميث (ADAM SMITH) ومولد علم الاقتصاد التقليدي . لقد كان التجاريون – وهم أصحاب المدرسة الفكرية التي سبقت التقليديين – لا يميلون إلي التجريد والتعميم واستنتاج النظريات الفرضية عن السلوك البشري . ولم ينشئ كتاب المدرسة التجارية نماذج تصورية ، ولا هم ناضلوا لاكتشاف قوانين كونية . ولقد كانوا رجالا عمليين ، يفكرون ويكتبون كمن يساهم في عمل يحرص على تحقيق ناتج معين منه . ولم يخطر ببالهم أن يتخذوا مقاعد النظارة ويقولوا بتحليل مستقبل ايجابي لما يشاهدونه أمام أعينهم من حقائق .

علم الاقتصاد التقليدي

يعتبر كتاب أدب سميث ( ثروة الأمم ) الذي نشر عام 1776 – بحق – مبشرا بعصر جديد لعلم الاقتصاد . لقد ظل سميث يجعل كثيراً من ملامح العصور القديمة ، حيث كان اقتصاده يمثل جزءاً من نظام أخلاقي . لقد كان مهتما بالأهداف والغايات والقيم الأخلاقية للمجتمع ، ولم يكن بعيداً عن تجسيد هذه القيم (1) .

ولكن الرغبة في التجريد والتعميم والوصول إلي قوانين كونية كانت لها متطلباتها . لقد افتراض ” نظاماً منطقياً للعلاقات الاقتصادية مبنياً على قانون الطبيعة البشرية  ( المشابه لقانون الجاذبية لنيوتن ) NEWTON  (2) وجوهر هذا القانون أن المصلحة الذاتية هي التي تفرض النظام على اقتصاديات التبادل المشوشة ، والمصلحة الذاتية هي أيضاً التي تدفع هذا النظام نحو النمو . فالفرد كمستهلك يظهر كممثل رئيسي على المسرح الاقتصادي ، وحيثما تكون رغبته ، تتجه حركة السوق الإلية . وأي تدخل من أطراف أخري ، ولا سيما من الحكومة ، جدير بأن يعكر عمليات التجانس التام للنظام ، ذلك التجانس الذي يحقق أقصي مصلحة اجتماعية من خلال صالح الفرد .

والجدير بالذكر أن نظام الحكم السائد آنذاك كان ملكية مطلقة وهذا النظام لا يعبر عن رغبات الشعب كما هو المفروض في الحكم الجمهوري .

وعلى ذلك فقد قدم سميث دفاعاً أخلاقياً وكتب مسودة علمية لنظام التبادل في السوق . (3)

وكان لسميث انتقادات جانبية للتجار والرأسماليين ، ولكن النظام الذي يسير بدفع ذاتي ظهر له وكأنه أقوي من أن يعترف بالحاجة إلي أي نوع من سلطة الإجبار الاجتماعي لمقاومة مناوراتهم أو يعترف لهم ، أو للاستثمار ، بدور فعال في النظام الاقتصادي كما هو الحال بالنسبة للمستهلكين وطلباتهم .

لقد كانت نظرية القيمة هي لب الاقتصاد عنده . وقد اعتبر العمل جوهر هذه النظرية ولكنه عندما طبقها على السلع الرأسمالية برزت له مشكلة خطيرة وهنا ظهر ريكاردو RECARDO– المهندس الثاني لعلم الاقتصاد التقليدي – ليتشبث بهذه النقطة طوال حياته ، وليقرر أن القيمة النسبية لا تتأثر بالعمل فحسب ولكنها أيضاً تتأثر بالعمل فحسب ولكنها أيضاً تتأثر بمعدل الربح الذي ليس له علاقة بها : ” وفي النهاية نري أن القضية الكبرى للربح والأجور والأرباح يجب حلها بالنسب التي ينقسم إليها الناتج الكلي بين ملاك الأرض والرأسماليين والعمال ، والتي لا ترتبط أساساً بنظرية القيمة ” . (4) لقد أضاف ريكاردو الكثير إلي دقة التحليل الاقتصادي ، وسار بالتجريد شوطاً وصل به إلي مستوي أعلى مما كان عليه عند سميث ، وأبدي نزوعاً كبيراً إلي التحليل المنطقي لفرضياته ،  وإلي تحديد المتغيرات الاقتصادية بمتغيرات اقتصادية أخري . ولكنه لم يستفد كثيراً من نظرات سميث المتعلقة في الحقائق التي كانت معقدة إلي حد لا يقبل دقة التحليل ولكن ريكاردو لم يسمح للاستقراء أن يحول بينه وبين ما وصل إليه من النتائج .

المنطقية الديكارتية . وقد انشغل ريكاردو بقوانين التوزيع انشغالا كبيراً ، أدي إلي ظهور النظرية الاقتصادية التي شكلت في صورتها الماركسية والحدية فيما بعد مزيجاً من نظريتي القيمة والتوزيع اللتين اعتبرتا منذ ذلك الحين جوهر علم الاقتصاد لأكثر من قرن من الزمان .

ولكن قبل أن نصل غلي ماركس أو أصحاب النظرية الحدية ، يجدر بنا أن نشير بإيجاز إلي المدرسة التاريخية التي تأسست في ألمانيا . أن هذه المدرسة لم يكتب لها النجاح في تغيير وجهة علم الاقتصاد السائد آنذاك ، إلا أنها كانت بمثابة تحذير موجه إلي التعميمات والقوانين التجريدية الكاسحة ، ومفاهيم علم الاقتصاد التقليدي .

ماركس MARX

ليس في نيتنا أن نخصص جزءاً كبيراً من بحثنا لماركس ، لا لأننا ننكر عليه الحيز الذي شغله في تاريخ الفكر الحديث عامة والفكر الاقتصادي بوجه خاص ، ولكن لأن الوقت والحيز المحددين يدفعاننا للإيجاز والتركيز على الاتجاه العام لعلم الاقتصاد ، وتطوره عبر الحديين إلي التقليديين الجدد حتى وصوله إلي العصر الذي سيطر فيه كينز . ويكفي أن نلاحظ أن اقتصاد كارل ماركس قام علي أساس نظرية المعرفة التي تختلف عن نظرية المعرفة والوجود الديكارتية التي اختارها التقليديون . لقد أخذ ماركس عن هيجل ( HEGAL)ولكنه تقدم عليه ” بأن أبرز جانب هيجل الصحيح للعيان ” (5) ” فنظرية المعرفة عند ماركس نظرية تجريبية وتاريخية منذ البداية إلي النهاية ” (6) واقتصاده يتبع نظريته في فلسفة التاريخ تبعية مباشرة . ولكن بالرغم من جذوره الضاربة في عالم المادة فقد تعامل كثيراً مع المفاهيم والتجريدات مساهماً بذلك في تراث التقليديين بحيث أعتبر واحداً منهم مع أن نموذجه مختلف عنهم اختلافاً كلياً باعتباره ” ركز على فشل الاقتصاد السياسي التقليدي في وضع حلول ناجحة لمشكلة توزيع الثروة ” (7) .

ولعل هذا هو الشئ الوحيد الذي وقف صامداً من بين النصوص الجافة العنيدة التي . ساهم بها ماركس وتابعوه في علم الاقتصاد . بل ويعتبر من الملامح التي مازالت تجذب كثيراً من الملتزمين بمذهبه ، أولئك الذين قد لا يشاركونه نظرية المعرفة ولا فلسفة التاريخ .

وهناك ملاحظة أخري هامة أننا نري في التخطيط التقليدي أن الوضع النموذجي لا يتم إلا إذا ترك العالم بدون أن تشوبه تدخلات البشر ، نري بالنسبة لماركس أن الوضع النموذجي يجب أن يكون واضحاً وأن يناضل الناس من أجله ” وهذه الفعالية تميز ماركس عن هيجل كما تميزه أيضاً عن الاقتصاديين التقليديين ” (8) وتعيد تأكيد مقدرة نظامه على اجتذاب المواطنين المهتمين بشئون مجتمعهم .

النظرية الحدية

لا تتعلق ثورة الحديين في علم الاقتصاد إلا بعامل من عوامل التحليل ، فهي لا تقدم نظرية جديدة لحل مشكلات الإنسان الاقتصادية . وإنما كل أهداف البشر صارت قابلة للحصر في القاسم المشترك – المنفعة – المسموح له بالزيادة والنقصان بكميات قليلة ودقيقة تفتح المجال لتطبيق حساب التفاضل . لقد كانت السلع الاستهلاكية ، بطبيعة الحال ، لا تتاح إلا في وحدات هو افتراض قابليتها للتجزئة وقد طبق نفس المنهج فيما بعد عوامل الإنتاج التي افتراض فيها القابلية للزيادة والنقصان بكميات قليلة ، وأن يكون أحدها صالحا لأن يحل محل الأخر عند حد معين ، كما افترض الحديون أن المستهلك العاقل لديه كل المعلومات التي يحتاجها ليخطا بين بدائل لا حصر لها ، حتى تتساوي المنفعة عند حد معين ، ومن ثم تبلغ أقصي درجة ممكنة لها . وينطبق نفس الفرض على المنتج الذي يمكنه أن يستبدل عاملاً من عوامل الإنتاج بعامل أخر حتى تتساوي الإنتاجيات الحدية لكافة العوامل عند خط معين . لقد استبعدت حواجز العالم الحقيقة من عدم القابلية للتجزئة ، والتنافر ، وجمود عمليات الإنتاج ، والفروق النوعية الأساسية في وحدات العمل المختلفة ، بين العامل من جهة ورأس المال من جهة أخري . . الخ .

كل هذا صرف بعيداً لتبدو النظرية كاملة ولا عائق أمامها في عالم من المنافسة الكاملة حيث كل المعنيين بالأمر لديهم كل المعلومات اللازمة .

لقد كانت النتائج مدهشة حقاً فالمستهلكون في أقصي حالات الرضا ، والمنتجون يحصلون على أعلي حد من الأرباح ، والموارد الاجتماعية تنال أقصي حظ من حسن التوزيع .

كما ضمنت النظرية لكل عامل من عوامل الإنتاج عائداً معادلا مساهمته في الناتج المشترك ، أي أن سعر العامل يعادل إنتاجيته الحدية .

لقد تطلبت هذه النظرية – حتى يكتمل تحقيقها – مرور أكثر من نصف قرن من الزمان بعد جون سيتوارت ميل ( J . S . MILL )  ( 1816 – 1873 ) الذي كان كتابه ( مبادئ في الاقتصاد السياسي ) أخر مساهمات التقليديين التي احتفظت بجذورها العميقة في واقع  اقتصاديات الإنسان – لقد أستطاع جيفونس ، ( JEVONS )ومنجر ، ( MENGER )  وفايزر ، ( WIESER )ووالرس ، ( WALRAS )وبويم باورك ،   (  BHOEM  BAWERK )وكلارك ، ( CLARK )أن يخلعوا نظرية تكاليف الإنتاج عن عرشها ، وأن يقلدوا التاج للنظرية الموضوعية للقيمة والتوزيع ومنذ ذلك الحين كان واضحاً – كما قال فايزر – ” الآن صار منطلق النظرية من داخلها ، من ذهن الرجل الاقتصادي ” (9) لقد كان المهم هم المنهج ، وكل ما كان يعوق هذا المنهج أستبعد ببساطة . وإذا كان النظام نفسه يضمن كما له وتمامه ، لم يكن هناك مكان لسياسة ما . كانت السياسة الوحيدة التي يمكن أن تنشأ آنذاك هي أن تدع الأمور تشق طريقها دون أن يعوقها عائق .

علم الاقتصاد التقليدي الحديث

جاء ألفرد مارشال : ( ALFRED  MARSHALL )( 1842 – 1924 ) يبعث نموذج سميث القوي الصلة بالواقع الاجتماعي والذي يعتمد على القياس حيث يفشل الاستدلال ، كما أنه استوعب النظرية لجدية في هيكلها التقليدي ، مفسراً إياها  – عند الضرورة – تفسيرا حديد . ومعزز نظرية القيمة والتوزيع بتقديم منحنيات العرض والطلب المتقاطعة الشهيرة ، ومحللا – بالتفصيل – الأشكال المختلفة للتوازن .

إن المدرسة التقليدية الحديثة في علم الاقتصاد ترمز إلي انتصار رأسمالية المشروع الحر على اشتراكية مناهضيه لقد تم الآن انتصار الطريقة على المعني ، والوسائل على الهدف ، والتحليل على المضمون نفسه الذي ينم تحليله . لقد أشارت إلي هذا الانتصار المناظرات التي كانت تدور حول طبيعة علم الاقتصاد وهل هو علم واقعي أم على معياري . فمثل هذا الجدل لم يكن له مكان منذ قرن واحد من الزمان ، عندما كان التحليل وسيلة لتعزيز قدرة الإنسان على التحكم في اقتصادياته ، وليس هدفاً في ذاته وهذا ما عناه الاقتصاد الوضعي .

لقد كانت تحليلات علم الاقتصاد التقليدي الحديث تعيش في عالم وهمي من المنافسة الكاملة وتوفر المعلومات حيث يؤدي التحليل الحدي إلي تحقيق المنفعة القصوى والحد الأعلى للإنتاج . كما كان حل المشكلة الاقتصادية المركزية في اعتقادهم يمكن في تخصيص الموارد النادرة . لقد تجاهل هذا التحليل عاملي الزمان والمكان ، كما تجاهل تنوع الثقافة والتقاليد والملامح الأخرى التي تميز الإنسان عن غيره من البشر ، والتي تميز بين مجتمع وأخر ، وبين عقيدة وأخري ، وبين فترة تاريخية و   أخري .

ولم يقتصر التقليديون الجدد على مناقشة نظرية القيمة والتوزيع ، بل ناقشوا أيضاً النقود ، ولكن تحليلهم لها كان تحليلاً رقمياً فقط لانها لا تعدو في نظرهم كونها وسائل للحساب ، لأن الحساب الحدي لا يستطيع أن يتعامل إلا مع الأرقام ، فليس له مجال مع الفكر والتأمل وتوقعات المستقبل ، كما أنهم اهتموا أيضاً بالتجارة الدولية ، على افتراض قابليتها الكاملة للحركة . لقد جابهوا التعقيدات العالمية الواقعية باختيار واحد فقط . وهو التجارة الحرة – أما النمو والتطور فيعتبر فكرة غربية على نظام يتصور أنه يمكن أن يصل بالإنتاج إلي الحد الأقصى بواسطة توزيع مثالي للموارد مع استبعاد عاملي الزمن وعدم الثقة ومع إنكار التغيرات التقنية الحقيقية .

أما عن المالية العامة ، فقد وجدت لها مكاناً بصعوبة في دائرة اهتمام ذلك النظام – نظام ” دعه يعمل ” . فعلاقات العمل والعلاقات الصناعية ليس في نطاقها أمر يبحث عنه إلا إنكار أي نفع يتوقع من اللجوء إلي النظم الاتحادية والنقابية . فماذا بقي بعد ذلك ؟

ظلت مبادئ مارشال المرجع الأم في علم الاقتصاد حتى بعد الربع الأول من القرن العشرين . ولكن أفكاراً جديدة مقلقة ظهرت على السطح ، فتحليل شمبيتر ( SCHUMPETER )لوضع المقاولين ، وأفكار نايت ( KNIGHT )حول تعميم عدم الثقة ، كل هذا كان من الصعب أن يتناسب مع عالم التقليديين الجدد .

لقد ظهر الخلل في نظرية القيمة والتوزيع التي جاء بها التقليديون الجدد كالتوازن في حالة المنافسة الكاملة ، وكتوزيع الإنتاج الذي لا يترك فائضاً ، وغير ذلك مما يعتمد على فرضية النسب الثابتة للعائدات . وجاءت أعمال بيروسرافا ، ( PIERO SRAFFA )تتبعها أعمال جوان روبنسون ، ( JOAN  ROBINSON )  وتشامبرلين  ،                  ( CHAMBERLINE )لتحطم ذلك الصرح المتناسق الذي شيده التقليديون خلال القرن الماضي .

فالسلع كانت دائماً متباينة الخواص ، وغير قابلة للتجزئة ، ومرونتها لم تكن كاملة ، وأعداد البائعين والمشترين لها لم تكن بالضرورة كبيرة ، أما الأسعار فبعضها كان صعب الحركة ، حيث كان الموارد باستطاعته أن يؤثر في الطلب من خلال الإعلان عن سلعته ، وفوق كل ذلك لم تكن المعلومات كاملة . وكنتيجة لهذه النظرات الحديثة تزعزعت الثقة في آلية العلمية الاقتصادية وبدأ الشعور بضرورة تدبير هذه العملية إلي حد ما ولم تكن النظرة الأكاديمية هي التي فرضت هذه الحقائق على الاقتصاديين ، ولكن الذي فرضها هو الواقع الذي داهمهم في صورة الكساد العظيم عام 1929 . وإذا عبرنا عن ذلك بشكل معتدل قلنا ” أن جماهير العاطلين ووقف التسهيلات الإنتاجية خلال الكساد جعل كثيراً من الاقتصاديين يتحقق من أن مشكلات الاقتصاد الرئيسية بعيد كل البعد عن النظرية الاقتصادية التقليدية وأن أدوات التحليل الجزئية التي اعتمدوا عليها في الماضي لتطبيق ( منطق الاختيار ) لم تعد ملائمة على الإطلاق للامساك بمشاكل المجتمع التي واجهوها آنذاك ” . (10)

كينز ( KEYNES )

قدمت النظرية العامة لكينز ( 1936 ) مجموعة جديدة تماماً من الأدوات منفصلة بذلك عن تقاليد التحليل الحدي السابق لقد وظف كينز أدوات جديدة كالطلب الكلي والعرض الكلي والادخار والاستثمار وحجم العمالة والدخل القومي . ونبذ افتراض توفر المعلومات الكاملة والحقائق الكاملة ، حيث أن الجهل يعم اتخاذ القرارات ويؤكد الطبيعة الحقيقية للتوقعات التي يقوم عليها الاستثمار . كما أنكر كينز الرابطة السببية بين الفائدة والادخار . مؤكداً على صرامة معدلات الأجور ، وملاحظاً أن النقود تعتبر أكثر من مجرد وسيلة للحساب وذلك بأن جعل تفضيل السيولة النقدية عاملاً حاسماً في تحليلاته ، ولم يتأثر كثيراً بالافتتان التقليدي بالتوازن ، ولذلك كانت كافة أجهزة التحليل التقليدية غير ذات قيمة عند كينز ، وان لم يعلن ذلك ، غير أنه أنزلها منزلة أدني من ذي قبل ، بأن جعلها قاصرة على استعمالات معينة ، واستكملها – إن لم يكن استبدلها تماماً – بمجموعة جديدة من أجهزة التحليل .

وكانت أهم هذه التغيرات كلها ، تفضيل كينز للحقائق الاجتماعية التي ذكرتنا بحقيقة هامة هي أن علم الاقتصاد – في النهاية لابد أن تكون علماً هادفاً .

وبينما كان التقليديون على يقين من أنهم فهموا طبيعة البشر حق الفهم ، نري أن كينز لم يكن يتظاهر بذلك . وبينما كانوا يستنتجون من اعتقاداتهم نتائج جديدة يبنونها على ما اعتقدوا أنهم عرفوه وتيقنوا منه ، نري ان تحليلات كينز كانت تعتمد فقط على الحقائق التي كان يلاحظها بنفسه ، وكانت دائماً في صورة احتمالات أكثر منها حتميات كالتي قررها أسلافه . وبخلاف أصول الفلسفة الديكارتية التي اعتمد عليها منهجهم التقليدي ، كان منهج كينز شبيها بالفلسفة الوجودية . ونحن نجد من الصعب أن ننسب إلي كينز منهجا محددا فقد كان برجماتيا ، يستعمل الاستنتاج أحيانا ولكنه غالبا ما يسير خلف الحقائق التجريبية وخلف الإحساس بما هو مقبول ومرغوب .

لقد كانت جهوده في سبيل الفهم والتحليل مجرد وسائل تستهدف حسن إرادة النشاط الاقتصادي للإنسان . ويمكننا أن نعثر لدي الاقتصاديين التقليديين على كثير من موضوعات علم الاقتصاد الكلي ( MACRO)وعلى بعض التحليلات الاقتصادية الكلية ولكن الذي لا يمكننا العثور عليه لديهم هو السياسة الاقتصادية الكلية . وبمجرد أن ظهرت السياسات الاقتصادية ، وجدنا أن المؤسسات الاجتماعية المسئولة بالدرجة الأولي عن تطبيق هذه السياسات – أي الدولة – ظهرت كأحدي العوامل الرئيسية على المسرح الاقتصادي .

إن واحداً من أعظم مساهمات كينز – في الواقع – هو إدراكه لحقيقة أن السوق لا يمكن أن يعتمد عليه بصفة دائمة وأنه لابد من اللجوء إلي تدخل الدولة ، حتى في النظام القائم على المشروعات الحرة .

الصورة المعاصرة

لم يعد الاقتصاد كما كان قبل كينز . مع أن النظرية التقليدية الجديدة حاولت تجديد نفسها بإعادة تفسير كينز وشرحه وإدخال متغيرات على نموذجه ، لا يسمح المجال للتعرض لها . ولم يحدث شئ ذو أهمية يمكن مقارنته بالنظرية التقليدية ، أو

بالنظرية الحدية ، أو بالنقد الماركسي أو بالتركيب التقليدي الجديد . وعلى ذلك فان علينا الآن أن نلقي نظرة خاطفة على الوضع الحاضر لعلم الاقتصاد ، حيث تواجهنا ثلاث ملاحظات واضحة :

1 – استيعاب علم الاقتصاد الرئيسي للإسهامات الكينزية في النظرية التقليدية الجديدة وذلك بإضافة نظرية الاقتصاد الكلي ( MACRO )المتضمن نظريات الاقتصاد الكلي في التوزيع وبالسماح للاقتصاد الكلي بالسيطرة على دراسات السياسات . وذلك مع الالتزام بنظريات الاقتصاد الجزئي ( Micro )الخاصة بالقيمة والتوزيع والمتمركزة حول الاختيار الرشيد ، والعرض والطلب والمنافسة بأشكالها المختلفة ، والتوازن والناتج الأقصى لعمليات السوق .

2 – بعث المنهج التطوري التاريخي والمنهج القائم على المؤسسات ، أو بعثهما معاً في المنهج التطوري وتبني الانفتاح على أفكار وطرق فروع المعرفة الأخرى مثل علم الاجتماع والعلوم السياسية . وبدلا من مجرد التركيز على سؤال ” ماذا يوجد ” فان التطوريين يسألون :

” كيف ” وصل الاقتصاد هناك إلي أين يقودنا ؟ فقد شد جالبرث

( GALBRAITH )الانتباه إلي عدد من العوامل التي عجز علم الاقتصاد عن التنبيه لها ، مثل ” القوة ” باعتبارها أبرز هذه العوامل . لقد شهدت فترة ما بعد الحرب طفرة في الكتابات عن النمو والتنمية محللين أسباب التخلف ومستكشفين الاستراتيجيات الممكنة للتنمية . وقد أظهرت هذه الكتابات الاعتبارات التاريخية والاجتماعية على السطح ، ووضعت حدوداً للقوانين الاقتصادية التجريدية وكتاب ميردال

( MYRDAL )” المسرحية المأسوية ” يمثل هذا المنهج : ” إن اقتصاديات التنمية تؤكد على ضرورة استعمال طرق أخري مع آلة السوق لانجاز المطلوب وعلى أن للدولة دور فعال في هذا الصدد .”

3 – اتخاذ النقد الماركسي للرأسمالية شكلاً أكثر إيجابية في كتابات مؤلفين مثل باران ( BARAN )وسويزي ” SWEEZY ”  اللذين كانا مسلحين بتصورات جديدة مثل الفائض المرتقب . فقد أشارا إلي التكاليف التي يستلزمها النمو في الوضع الرأسمالي للمشروع الحر . وعلي ذلك التقيا مع فبلن ” VEBLEN “الذي كشف – في وقت مبكر – عن طبيعة المنافسة الصارمة . لم يظهر الماركسيون كثيراً من النجاح ، أيا ً كان ، في تشييد نظرية لتنظيم القوي المنتجة هم تكلموا عن نظرية مميزة للسلوك الاقتصادي المناسب للمجتمع الاشتراكي . لقد كانت هناك نتيجة ثانوية لجهودهم ، ورغم ذلك ، هي القبول العالمي لنظرتهم الواقعية بأن السوق والتخطيط يتمم أحدهم الأخر ، وأن التحليلات الاقتصادية تتحدي أي منهج جامد لعلم الاقتصاد .

وتظل لعلماء الأصليين أهميتهم أيضاً طالما وضعنا في الاعتبار انتقاداتهم لعلم الاقتصاد التقليدي الحديث .    ولكنهم وقفوا عند هذا الحد وفشلوا في إنشاء بديل قابل للتطبيق . إنهم كانوا موفقين في أخذهم على علماء الاقتصاد تركيزهم الأساسي على تغييرات وتحولات صغيرة حدية من خلال النظام الرأسمالي ، الذي منعهم من تحليل الإنتاج والتوزيع تحليلاً يحمل معني أو هدفاً ، لأن مثل التحليل يتطلب غالباً تغييرات كمية كبيرة . كما فشلوا في أن يضعوا في الاعتبار المحددات الفعلية – الاقتصادية الاجتماعية – للإنتاجية ، وطرحوا جانباً متغيرات اجتماعية وسياسية هامة من تحليلهم .

كما لم يكن لديهم منهج يتعاملون به مع التكاليف السالبة خارج نظام السوق كالتلوث ونضوب الموارد . هذا وغيره من الانتقادات الأخرى العديدة كان له تأثير كاف لكي يهز إيمان الإنسان بالنظريات والمنهج التي وصلت إليه . ولكن السؤال هو . . إلي أين نتحرك من هذا المكان ؟

وعلى الرغم من تحليلنا النقدي السابق فان قرنين من التنظير الاقتصادي قد أضافا إضافة فعلية إلي نظرة الإنسان إلي حياته الاقتصادية وقابليته لتوجيه اقتصاده للخير أو للشر . إن الإنسان لا يمكنه أن يفقد الرؤية للحقائق المركبة إلا على حسابه ، ولكنه ينفعه إدراك التماثلات الحتمية واكتشاف الاتجاهات العامة بعيدة المدى رغم وجود التنوع المعقد .

إن تحليل العرض والطلب ، والوتد الذي غرسته التحليلات التقليدية القديمة .

والحديثة يعتبر واحداً من هذه الأمثلة . وإذا ركزنا على الهامش لدراسة التحولات التي تحدث في المتغيرات الاقتصادية ، لوجدنا أنه يعتبر في حد ذاته تقنية ذات فائدة . ذلك إذا تعلمنا كيف نستبعد الأمر من أذهاننا عندما تكون المتغيرات غير عادية .

إن تصور التوازن يساعد أيضاً على الفهم بشرط أننا لا نضيف أي معني أخلاقي له . وألا تغيب عن بالنا الأشياء الأخرى المفترضة . وهناك أمثلة كثيرة يمكن الاستشهاد بها خاصة عندما نضع في الاعتبار التفسير المعاصر للنظريات الاقتصادية وهو غالباً ما يكون أكثر اعتدالاً ومراعاة للواقع .

لقد لاحظنا أن أحد عوائق السوق الرئيسية هو أنه ” لا يوفر من داخله أي توزيع للدخل صالح للقبول ” (11) فدمج التوزيع كمتغير تحليلي في الهيكل النظري لعلم الاقتصاد يجب أن يتم من خلال التحليل الايجابي والأسس المعيارية ” (12) . ومنذ كانت ” الأسس التنظيمية للنظام الاقتصادي والقائمة على القيم التبادلية ، متضاربة مع متطلبات البيئة وإرضاء حاجات الإنسان الأساسية ” (13) فانه يصبح من المطلوب وضع منهج للمشاكل الاقتصادية أكثر اتساعاً . وهذا هو الذي دعا كاب

( KAPP )إلي ملاحظة أن ” المهمة الجديدة لعلم الاقتصاد هي شرح الطريقة التي يحقق بها الأهداف الاجتماعية الكلية المقررة بأقل ما يمكن من التكلفة الاجتماعية وأكبر ما يمكن من الفعالية ” (14) .

وهنا تبرز ( النزعة الجماعية للأهداف الاجتماعية ) كمشكلة معرفية .

كما أن مقولة أن السوق يترجم التفصيلات الفردية إلي أهداف اجتماعية ، أصبح من المتعذر قبولها . وكون العملية الديمقراطية يمكنها أن تفعل ذلك ، يدفعنا إلي التساؤل عما إذا كان الأفراد يعرفون دائماً ما هو الأفضل لهم . وزيادة على ذلك فان الاختيار يتضمن كلا من التفضيلات والفرص (15) ولكي نوسع ونعادل الفرص أمام كل فرد نضطر أن ندفع قضية الأهداف الاجتماعية إلي الأمام .

لم يضع علم الاقتصاد الغربي في اعتباره إمكانية الرجوع إلي بعض المصادر التي تتعدي سلم التفضيل البشري للوصول إلي الأهداف الاجتماعية .

فقد أقرت كل المدارس في علم الاقتصاد المصلحة الشخصية وتتبعت التقدم المادي كمعيار بالرغم من بعض الجهود الخفيفة التي بذلت في مناقشة طريقة الحياة المتضمنة أبعاداً غير مادية . تلك المصلحة الشخصية وذلك التقدم المادي وحدهما لا ينسجمان مع الوضع الإنساني في الدعوة إلي تفجير إمكانات تغيير الموقف المعاصر ، ذلك الموقف المؤدي إلي خلق ثقافة غربية مادية يساهم فيها علم الاقتصاد بسهم   وافر .

ولتلخيص ذلك نقول أن علم الاقتصاد كعلم مستقل في الغرب بلغ نضجه في مناخ ثقافي يعبد المادة ، ويستسلم للمصلحة الشخصية باعتبارها محركاً بشرياً عادياً . انه يطري الفردية ويزدري تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية . وبالرغم من اعتراف الغرب بحاجته إلي بعض إجراءات الدولة حالياً إلا أن الانتباه مازال مركزاً على نظرية الاختيار الرشيد ، ومازالوا ينظرون إلي السوق على أنه الأداة الرئيسية التي تقوم بترجمة التفضيلات الفردية إلي حلول اجتماعية للإنتاج والتوزيع والاستهلاك أما كيف ولماذا هذه التفضيلات أمر لا يبالي به علم الاقتصاد . لقد استخدمت التقنيات الرياضية لدراسة العلاقة الوظيفية بين المتغيرات الاقتصادية الكلية والجزئية ، وأصبح هناك تحيز قوي ضد أي تغيرات تستعصي على المعالجة الرياضية . كما أن العوامل غير الاقتصادية تستبعد عموما من التحليل . والقوانين السلوكية والعلاقات الوظيفية التي تدرس في حدود تقليل التكاليف إلي الحد الأدنى أو رفع العوائد إلي الحد الأعلى ، هي التي تميل إلي لب النظرية الاقتصادية . وهذا اللب محاط بدراسات تتعلق بالسياسة النقدية والمالية ، وبالتوزيع والنمو والتنمية والعمل والتنظيم والعلاقات الاقتصادية الدولية ، إلي غير ذلك مما يتصل بالأهداف والسياسات المختارة . وإذا استعملنا التصورات والأدوات الكاملة للتحليل النظري ، فسوف نجد أن هذه الدراسات تتسع أيضاً لأوضاع المراقبة والتخطيط ، وتميل إلي التكامل مع الموارد الاجتماعية والتاريخية .

إن الاختلافات حول المشاكل الجارية تلك الاختلافات بين التيار الرئيسي لعلم الاقتصاد في وضعه المحافظ – فريدمان  ( FRIEDMAN )– أو في وضعه المتحرر – صامويلسون ( SAMUELSON )من جهة وبين علم الاقتصاد الراديكالي والماركسي من جهة أخري . معظمها يدور في هذه المجالات لا أكثر فهم يختلفون على فروض أساسية كبديهية المصلحة الشخصية أو أفضلية التقدم المادي أو قدرة الإنسان على معرفة أين تكمن مصلحته .

الجزء الثاني

طبيعة ومحتوي علم الاقتصاد الإسلامي

لكي يكون ذا معني للحياة ووثيق الصلة بها ، لابد لعلم الاقتصاد أن يعترف بهدفه بصراحة انه حرص الإنسان على بقائه . وبالتالي على أولية إشباع حاجاته مما يدفعه لفهم الطبيعة والمجتمع . فالإنسان كائن اجتماعي والمجتمع يتطلب نظاماً منضبطاً عادلاً . لقد كان لدي المفكرين الاجتماعيين دائماً اهتمام عظيم بالعدالة ، خاصة أولئك الذين يتأثرون بالأخلاقيات . ثم جاءت الاهتمامات بالاستعمال الكفء للموارد ونموها ، مع أمل في الدعة والراحة والكرامة التي يمكن للطبيعة أن توفرها ، وبأن تحقق هذه الغايات من خلال هيكل من الحرية يعتبر أساسياً للإنسان . وبمجرد أن يعرف الهدف الأخلاقي لعلم الاقتصاد فان تقنيات التحليل سوف تتوقف عن أن تكون أهدافاً في حد ذاتها تحدد مضمون علم الاقتصاد وتستبعد منه مالا تستطيع المناهج تناوله مهما كان ضرورياً للهدف الكلي . أن الأزمات المنهجية الحالية في علم الاقتصاد نتجت – إلي حد ما – عن شعورهم بأفضلية الغايات على وسائل التحليل .

التراث الإسلامي من الفكر الاقتصادي

ظل الفكر الاقتصادي في الإسلام مستهديا بالغاية الأخلاقية امتثالا للتعاليم الإسلامية الواضحة التي جعلت الأهداف الاجتماعية والأنماط السلوكية للأفراد مرتبطة أوثق الارتباط بحياتهم الاقتصادية .

لقد رسم القران نفسه هيكلاً محدداً لتنظيم حياة الإنسان الاقتصادية فأعطي بذلك نموذجاً مميزاً للاقتصاد الإسلامي (16) وإذا ما لاحظنا الملامح التي تميز الحياة البشرية لوجدنا أن الطبيعة مسخرة للإنسان ، فهو يستمد منها معيشته بما يفي بحاجات الجنس البشري كله . وله أن يضمن هذا من خلال جهوده التي يبذلها حيث منحت له حرية التملك والاستغلال ، ومن هنا وجب أن يكون التعاون والإحسان مقدماً على الانكباب على الذات ، ومنفضلاً على الجشع الذي يلازم البشر في سلوكهم الاقتصادي . أن الله سبحانه وتعالي هو المالك الحقيقي ، ولذلك فان الممتلكات التي يتداولها الإنسان ما هي إلا أمانة استخلفه الله فيها . بحيث يدور النشاط الاقتصادي كله في فلك هذا الاستخلاف .

أن الفقر أمر واقع مجرب ، ومن ثم فان على الأثرياء أن يضحوا ببعض ما يملكون لصالح المعوزين . والتجارة أمر مشروع ولكن التعامل الربوي محرم . والإسراف سلوك مرذول ، وعلى الإنسان أن يسعي إلي الاقتصاد والاكتفاء . أننا مطالبون بأن نتعامل مع الثروة العالمية على أنها مادة لحياة أخلاقية طيبة ، تؤدي بنا إلي النعيم المقيم ، فالثروة ليست في ذاتها غاية تشد إليها الركوب .

ولقد عزز الرسول صلي الله عليه وسلم هذا المفهوم في أحاديثه الشريفة إلينا ، التي تحثنا بوضوح  على السلوك التعاوني ، وتدعونا إلي استخدام ما وهبنا الله من طيبات بما فيها مواهبنا الخاصة – بطريقة تكفل لنا أن نحيا ، وأن نعين غيرنا أن يحيا ، حياة رغدة طيبة ، تحقق المثل الأخلاقية العليا .

وعلى هذه القاعدة من المبادئ أدار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم شؤون الاقتصاد في الدولة الإسلامية الأولي ، ومنها استمد الفقهاء أحكام المعاملات الاقتصادية في الشريعة الإسلامية الغراء ، وعليها اعتمد العلماء والمفكرون الاجتماعيون في مواجهة الأوضاع الاقتصادية بإبداء الآراء والتوصية بالسياسات – ومن ذلك ما أكده أبو يوسف ( 821 – 798 ه ) من ضرورة تفشي الوفاء وسيادة العدالة وتذكير الحكام بمسئولياتهم في هذا الصدد . (17) فقد تحدث عن كفاءة الإدارة وعن ضرورة تجنب الفقد و ( الضياع ) وأشار إلي عدم التعدي على الحرية الشخصية ما لم يكن ذلك التجاوز أمراً حتما لا يمكن تفاديه .

وتحدث عن السلطة الاجتماعية ووجوب وضعها في خدمة التنمية وقد استمد أهدافه من القرآن الكريم والسنة النبوية ، ولم يتردد في الاستعانة بالعرف الصحيح السائد كمصدر من مصادره ، لاستكمال أبحاثه .

كان منهجه مرناً يلجأ إلي الاستدلال عندما يحتاج إلي الدليل ، ويلجأ إلي حقائق الحياة الجارية يستنطقها ويستنتج منها ، وهو في هذا وذاك يسعي لهدف معين من وراء تحليله ولكنه أمين كل الأمانة للحقائق .

وعندما كان يوصي بسياسة معينة كان يربطها بالأهداف العليا ، بالوفاء باحتياجات الناس ، بتوفير العدالة ، برفع الكفاية ، بتحقيق النمو ، بضمان الحرية .

نجد هذا الرابط واضحاً في كتاباته عن مسئولية الحاكم الاقتصادية وعند حديثه عن نظام الخراج.

وما ذكرناه عن الفقيه “أبو يوسف” يمكن أن يندرج بصفة عامة علي الفكر الاقتصادي فر تراثنا الإسلامي . وهذا لا يعني إنكاراً للتنوع والتباين في أعمال العلماء مثل أبي يوسف وأبي عبيد وابن خلدون وابن تيميه والغزالي والطوسي وولي الله الدهلوي . ولا يتسع المجال هنا لاستعراض الملامح الفكرية المميزة لكل منهم (18) .

وإنما الذي يعنينا هنا هو العناصر المشتركة لكل هؤلاء المفكرين المسلمين والتي أشرنا إليها آنفاً . هؤلاء جميعاً قاموا بتحليل الواقع الاقتصادي في أزمنتهم ، مستندين في تحليلهم إلي الأهداف الاجتماعية لسلوك الأفراد ، والتي استنبطوها من أحكام الشريعة الغراء ، وطوروها في صور من التوصيات والإرشادات بغية إتباع سياسة تحول واقعهم إلي واقع آخر ، يحقق ما يعتقدونه من قيم إلي واقع آخر ، يحقق ما يعتقدونه من قيم وأهداف إسلامية عليا . وقد كانوا – عند قيامهم بهذا التحليل – متأثرين بما كان سائداً في أزمنتهم من أحوال اجتماعية وسياسية وبما كانوا يشعرون به في حدود إمكاناتهم . أي أن منهجهم لحل المشاكل كان منهجاً علمياً ، ثم أن بعضهم مثل ابن خلدون وولي الله الدهلوي حاولوا تعميم أفكارهم بما يجاوز حدود زمانهم ومكانهم ، كما حاول الفقهاء منهم أن يستنبطوا قواعد وقوانين – من نصوص معينه – لها صلاحية عامة لا يحدها الزمان والمكان . ولن ندخل هنا في تفاصيل الوسائل التي اتبعها العلماء المختلفون في استنباط أحكامهم . ولكننا نكتفي بالإشارة إلي أنهم كانوا يتمتعون بعقول متفتحة ، يعالجون بها مناهج العلم والتفكير . لقد هدتهم نظريتهم في المعرفة إلي أن الله وحده هو العليم وأن المعرفة عند البشر مشوبة بالعجز الدائم حتى فيما يتصل مباشرة بمعرفة الإنسان لنفسه .

وكما أن الإنسان محدود المعرفة ، فهو كذلك عاجز عن تمييز الخير من الشر ومن ثم كانت حاجته الماسة إلي الهداية من الله سبحانه وتعالي . تلك الهداية التي حملها الأنبياء إليه عبر الزمن ، ونطقت بها الكتب المقدسة التي بين أيديهم .

فالهداية الربانية – بناء علي ما تقدم – هي نقطة الانطلاق لتيار الفكر الاجتماعي والاقتصادي بغير استثناء . وعلي المفكر أن يتحري مقاصد الشريعة الغراء بادئ ذي بدء ، وأن يعرف القواعد التي وضعت لتحقيقها . وبالرجوع إلي المشكلات الاقتصادية الفعلية التي يواجهها الفرد والمجتمع والتي لا يجد لها حلاً مباشراً في النصوص الشرعية ، عليه أن يحاول الأخذ بالقاعدة المناسبة ، تارة بالقياس حيثما يكون ذلك ممكنا ، وتارة باستعمال عقله في ضوء المصلحة العامة عندما لا يتوفر بين يديه ما يقيس عليه من النصوص . ولكي نسن قانونا للمجتمع ، أو نرشد سلوكا للأفراد أو نوصي بسياسة حكيمة لوالي الأمر ، فعلينا أن نلجأ في كل ذلك إلي الواقع فنحلل عناصره تحليلا موضوعيا ، غير متأثرين بأي فكرة أو انطباع غير مستنبط من الكتاب الكريم أو السنة النبوية الشريفة .

مكونات ثلاثة لعلم الاقتصاد الإسلامي

ويمكننا أن نحدد لعلم الاقتصاد الإسلامي ثلاث مكونات : الأول منها يستهدف الغايات والقيم الإسلامية التي تتصل بالعلوم الاقتصادية .

ويتضمن هذا القسم مقاصد السياسة الاجتماعية بوجه عام ، وأحكام السلوك وقواعده ونماذج التعامل بين الأفراد وغير ذلك مما يمكن تصنيفه ضمن علوم “النقل” أو العلوم الشرعية كما كان يسميها علماء السلف الصالح في هذه الأمة .

إلا أن العقل – في مقابل النقل – له أيضاً دوره الحيوي الذي يقوم به علي مستويين اثنتين : أولهما أنه يؤدي وظيفة التعليل المنطقي أو القياس ذلك السبيل الممهد لترجمة نصوص القرآن والسنة النبوية إلي أحكام وسياسات قابلة للتطبيق علي أوضاع واقعية غير مغطاة ، مباشرة ، بهذه النصوص .

ثانيهما أن العقل مدعو للبحث عن المصلحة المرسلة والاستحسان ، لتحقيقها في المناطق التي لم يستطع القياس أن يمتد إليها . ومن ثم لا مناص فيها من الاجتهاد . هنا ، يمكن للعلوم الشرعية والعلوم الاقتصادية أن يتداخلا معا فأما الأولي فأمرها واضح ، وأما الأخرى فهي مطلوبة لتحديد مدي وثاقة الصلة بين مبدأ إسلامي معين وبين الشئون الاقتصادية . أن الاقتصاديين المتخصصين في معرفة المشكلات والعمليات الاقتصادية هم الذين يمكنهم أن يتحسسوا مثل هذه العلاقة بين حكم شرعي معين أو بين القواعد الشرعية العامة ومشكلات اقتصادية واقعة .

وسواء كانت المعرفتان – الشرعية والاقتصادية – متوفرتين في شخص واحد أو عدة أشخاص لديهم ثقافات شرعية واقتصادية يتبادلونها فيما بينهم ، فان ذلك أمر تفصيلي مرجعه إلي التنظيم . أن الذي يعنينا عند تحديد طبيعة ومجال علم الاقتصاد الإسلامي ومنهجه هو أن هذا الجزء يعد قسما متكاملا من علم الاقتصاد الإسلامي . ذلك العلم الذي يبدأ أول ما يبدأ بفهم القيم والأهداف الربانية العليا التي يستحيل تصور العلم بدونها .

فإذا انتقلنا إلي المحتوي الثاني لعلم الاقتصاد الإسلامي لوجدنا أنه يتضمن تحليل السلوك البشري وتحليل العلاقات الاجتماعية والعمليات والمؤسسات المتصلة بإنتاج وتوزيع واستهلاك الثروة ، إشباعا لحاجات المجتمع وإسهاما في تقدمه . تلك هي المهمة التي يتوجب علي الاقتصاد الإيجابي أن يقوم بأدائها . إلا منهجه – كما رأينا أنفا – قد حدد له مجالاته . فعلم الاقتصاد الإسلامي منفتح لمختلف المناهج ، بما فيها المناهج التاريخية والاجتماعية فالاقتصاديون المسلمون يمكنهم أن ينهلوا من معين التراث العلمي وأن يفيدوا من الإسهامات السابقة عند محاولتهم فهم الواقع الاقتصادي المعاصر . أنهم – مع ذلك – يدركون أن علم الاقتصاد الحديث يفترض – ضمنا – صلاحية النماذج الغربية للسلوك صلاحية عالمية شاملة . (19) وحيث أن هدفهم الأول من الدراسة هو الواقع الاقتصادي الذي يعيشونه في بلدانهم فانه من الأفضل ألا يبدؤا بأفكار مسبقة عن الدوافع البشرية … وحتى عندما يواجهون بوجود دوافع معينة لا تتفق مع القيم الإسلامية فعليهم أخذها علي علاتها . ثم عليهم أن يتحركوا – متجاوزين الواقع القائم – ليتحروا العناصر التاريخية أو الأعراف التي تعتبر مسئولية عن هذه الدوافع . ولنضرب مثلا بدرجة العزوف عن المخاطرة بين المدخرين (المودعين) في المجتمع المعاصر .

ولنقارن هذا المجتمع الذي أصبح معتادا علي الفائدة بالنظام الإسلامي القائم علي المشاركة في الأرباح حيث لا وجود للفوائد الربوية .

فحيث لا يكون أمرا واقعيا أن ننكر وجود درجة عالية – نسبياً – من العزوف عن المخاطرة في المجتمع المعاصر ، فأنه من السذاجة أن نعتبر هذا العزوف طبيعياً أو عالمياً ويمكننا أن نطبق نفس المفهوم علي مدي تحديد المصلحة الخاصة لسلوك المستهلك أو المؤسسة ، أو نطبقه علي تفضيل السيولة أو علي الطلب علي النقود بدافع المضاربة .

إن تحليل الواقع يجب أن يضع في اعتباره لماذا أصبح الواقع كذلك ، وكيف وصل إلي ما وصل إليه وما هي الطرق الممكنة لتغييره تحت تأثير ظروف مختلفة ، وبتوجيه قيم مختلفة ، وفي ظل تنظيمات مؤسسية مختلفة .

إن هذا يقودنا إلي المحتوي الثالث لعلم الاقتصاد الإسلامي :

وهو البحث في كيفية تحويل ما هو كائن إلي ما يجب أن يكون .

وهذا البحث يتم علي مرحلتين : الأولي أننا يجب أن نسأل :

ماذا تكون النتيجة لو تصرف كل عنصر اقتصادي (ولنتجاهل عنصر الدولة) كما يجب عليه أن يتصرف ؟ وهو ما حددناه في المحتوي الأول لعلم الاقتصاد الإسلامي .

ثم تقوم الدولة في المرحلة الثانية بإجراءات وأنشطة علاجية تكمل بها ما يفتقده السوق أو تزيد عليه . وهي تقوم بذلك تحت مظلة من القيم الإسلامية ، واضعة نصب عينيها تأكيد الأهداف التي حددناها في المحتوي الأول الموضح سابقاً . وبعبارة أخري : يجب تحقيق الأهداف التي حددتها الشريعة الغراء والطريق إلي تحقيقها أولا عبر إجراءات تتخذ في السوق وتكون موجهة توجيها إسلامياً قدر الإمكان – ثم علي الدولة أن تتولي بقية الأمر .

ويعتبر هذا المحتوي قسما مميزا في علم الاقتصاد الإسلامي باعتباره مكملا ضروريا للمحتوي الأول . فهو يتضمن تحليلا قائما علي مجموعة جديدة من الفرضيات والدراسات المتعلقة بالسياسات .

ويعتبر علم الاقتصاد الإسلامي – بناء علي ما تقدم – علما يحلل الحقائق ، وفنا يبحث عن الوسائل التي تؤدي إلي خلق نظام جديد . وكلاهما – العلم والفن يمكن التمييز بينهما تصوريا ، وقد حاولنا ذلك عندما قمنا بتعريف محتوى علم الاقتصاد الإسلامي آنفاً ، ولكن رجل الاقتصاد لا يمكنه دائما الإبقاء عليهما منفصلين . ولسنا – في الحقيقة – في حاجة لهذا الفصل طالما أننا لا نقع فريسة التصور الساذج لوجود أشياء في الواقع غير موجودة وذلك عندما نبحث – مثلاً في النظم التي نرغب في تحقيقها .

لقد كان الأساتذة الأولون – أمثال أدم سميث وجون ستيوارت ميل وحتي الفريد مارشال يربطون دائماً بين العنصرين العلم والفن في كتاباتهم كما كانت النظرية العامة لكينز محاولة لبيان كيفية التحكم في الاقتصاد ، بقدر ما كانت تحليلاً لكيفية قيام الاقتصاد – فعلاً – بوظائفه .

الجزء الثالث

تطور علم الاقتصاد الإسلامي

كانت الاهتمامات الإسلامية الأولي – المتعلقة بحياة الإنسان الاقتصادية – تتصل دائماً بإشباع الحاجات ، وبالعدالة وبالكفاية ، وبالنمو ، وبالحرية – مرتبة هذا الترتيب تقريباً – طبعاً للأحوال التي يتناول فيها الكاتب موضوعه . وكان لهذه الأهداف جذور قوية من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وقد شكلت هيكلاً يتسع – في الغالب – لكل المساهمات السابقة في الموضوع .

ومن جهة أخري ، نجد أن الاقتصاد الحديث قام بالتركيز على الكفاية والنمو أولاً ، أما قضايا العدالة وإشباع الحاجات فقد تعرض لها تحت ضغط الأزمات الاقتصادية وهجوم جماعات متطرفة . وقد كان رد الفعل التقليدي على هذا الهجوم – بصفة عامة – هو أن جعلوا من تمجيد الحرية فرساً يمتطون صهوته . ولم تنل هذه الأهداف دراسة متناسقة من قبل مدارس علم الاقتصاد المختلفة . ولكن الاقتصاد الإسلامي – اعتماداً على النظرة شاملة للحياة والمجتمع ، واستمراراً واستكمالاً للتراث العلمي السابق – تميز بوظيفته الثلاثية المتمثلة في تحديد الغايات والقيم الإسلامية ، وفي تحليل الواقع الاقتصادي القائم وفي تحديد الطرق والوسائل اللازمة لتحويل النماذج الحالية إلي أخري مرغوب فيها . ويتضح هذا الاهتمام من الكتابات التي ظهرت عن نظم الاقتصاد الإسلامي . لكن ليس هذا هو ما يشد اهتمامنا حالياً ، وإنما علينا أن نركز على المساهمات ذات الطابع النظري التي يقوم بها اقتصاديون مسلمون معاصرون . وبين أيدينا بحث مقارن حديث (20) يمكننا أن نشير فقط إلي النقاط الرئيسية فيه بدون الإحالة إلي مؤلفين بعينهم .

نلاحظ أن معظم الأعمال النظرية التي تمت حتى الآن هي محاولات الإجابة على السؤال التالي : كيف يمكن لعنصر اقتصادي معين أن يتصرف تحت تأثير الأهداف والقيم الإسلامية ؟ وكيف ستنتظم الأمور تبعاً لذلك ؟

وغالباً ما يتقدم المحلل خطوة أبعد من ذلك لمناقشة الدور العلاجي أو المتمم الذي تقوم به الدولة الإسلامية بغية الوصول إلي نظام للأمور مرغوب في إقامته .

سلوك المستهلك

نري أن الاقتصاديين المسلمين إذا طبقوا ذلك المنهج على المستهلك خرجوا بالنتائج الرئيسية التالية :

أ – الانصراف عن استهلاك أنواع السلع المحرمة ( كالخنزير والخمور مثلا ) فليس هناك طلب سوقي عليها ولا توجد موارد مخصصة لإنتاجها ( وللتبسيط نتجاهل طلب غير المسلمين ) .

ب – الاعتدال في الاستهلاك كنتيجة لتجنب الإسراف والفقر ، وكنتيجة لهبوط الطلب على السلع الكمالية . فالدولة – في تصورهم – عليها أن تحرص على مزيج معين من الإنتاج ، تضن فيه بمواردها عن أن يبتلعها الانفاق على كماليات لا تسمح بها ظروف المجتمع .

ج – سلوك المستهلك موجه نحو الرفاه ، وهذا يتضمن أيضاً العمل لما بعد الموت متمثلاً في مراعاة رفاه الآخرين .

د – افتراض عقلانية السلوك كما هو مذكور في الفقرة السابقة .

ه – طالما أن آلية السوق لا تخدم إلا الذين يملكون القوة الشرائية ، فان احتياجات المستهلك التي لا تسندها قوة شرائية – خاصة عندما تكون هذه الاحتياجات لضرورة البقاء – تتطلب اتخاذ إجراءات اجتماعية معينة وهذه الإجراءات يمكن أن تشمل واحداً أو أكثر من الصيغ الآتية :

1 – تحويل القوة الشرائية من الأغنياء إلي الفقراء تحويلاً مباشراً أو بواسطة تدخل الدولة .

2 – دعم إنتاج الضروريات لزيادة العرض أو لخفض الأسعار أو لهما  معاً .

3 – التحكم في الأسعار لترشيدها واتخاذ وسائل مباشرة أخري لإشباع الحاجات .

هذه النتائج تتصل بالقسم الثالث من علم الاقتصاد الإسلامي طبقاً لمخططنا . أما الكتابات المتعلقة بالقسم الأول ، بالأهداف وبالقيم ، فإنها متوفرة في الإنتاج الفكري الحديث للاقتصاديين المسلمين . أما عن تحليل سلوك المستهلك تحليلاً واقعياً ، وهو ما يتضمنه الجزء الثاني من تقسيمنا ، فانه لم يحرز أي تقدم ذي بال منذ التحليل التقليدي القديم . وفي الحقيقة لم يعره أحد اهتماماً كثيراً حتى الآن على الرغم من الشعور العام بقصور التحليل التقليدي حيث لم يدخل في حسابه السلوك الغيري ولا تأثير العادات والتقاليد .

أما بخصوص تحويل الواقع القائم إلي النظام الإسلامي المأمول ، فان التركيز كله على الاهتمام بالتربية وبغرس القيم الإسلامية في الأفراد ، وعلى قيام بعض الفئات والمؤسسات بأعمال تطوعية في المجتمع ، وعلى وجوب اتخاذ الدولة لإجراءات معينة بواسطة أجهزة الإعلام أو التوجيه والتخطيط والتدخل المباشر . ولكن هذا التناول يفتقر إلي التفاصيل بسبب تجاهل الجزء الثاني من تقسيمنا ؟ وهو تحليل السلوك الواقعي للمستهلك في المجتمعات الإسلامية المعاصرة .

سلوك المنتج

أ – تحقيق أقصي ربح . وهذا تحدده المصلحة العامة ، تلك المصلحة التي تتضمن أهدافاً أخري أيضاً ، مثل زيادة فرص العمالة ، ومثل المحافظة على انخفاض أسعار الضروريات ومثل زيادة عرض سلع معينة لها أولوية اجتماعية .

ب – التعاون مع المنتجين الآخرين بهدف تحقيق غايات اجتماعية . بالرغم من أن مفهوم التعاون يحظي باهتمام كبير ، وعليه تركيز شديد في السلوك الإسلامي خاصة بين المنتجين ، إلا أنه ليس من الواضح أي صور التعاون نتوقع الأخذ بها وإلي أي حد سيكون المردود مختلفاً عما نحصل عليه من أي نموذج أخر منافس . قد يجرنا التعاون لتحقيق أقصي ربح إلي الاحتكار . وهو بناء على ذلك أمر مرفوض ، لأن الاحتكار بهذا المعني مجمع على تحريمه إسلامياً . ولكن المقصود هو التعاون الذي يحقق بعض أهداف أخري ذكرناها أنفاً . وطالما أن هذه الأهداف تحمل طابعاً اجتماعياً ، لذا فان تتبعها يتطلب معلومات أكثر مما هو متوفر عادة لدي المنتجين الأفراد .

ومن ثم فان التعاون لتدعيم المصلحة الاجتماعية ولتحقيق الصالح العام ، يتطلب تدخل مؤسسات اجتماعية أخري ، وخاصة مؤسسة الدولة . وقد يتطلب نوعاً مختلفاً من التفاعل مع المستهلكين والعمل .

ولعل من المفيد أيضاً دراسة بعض الحالات للتعرف على سلوك المنتجين المسلمين في الماضي والحاضر . وهذا النوع من الدراسات غير متاح حالياً . كما أن كيفية تحول السلوك السائد حالياً إلي السلوك المأمول ، أمر يتطلب مناقشة تفصيلية لم يتوفر بعد ، أن المادة المتوفرة فقط هي المادة المرتبطة بالمحتوي الأول وبتأثير القيم الإسلامية على السلوك كما أشرنا أنفاً .

آلية الثمن

من المتفق عليه أن شكل منحنيات العرض والطلب كما صورها التحليل التقليدي مازال صالحاً طالما توفرت الشروط المعتادة لصلاحيته ولكننا لا نقبل من الوجهة الأخلاقية – تلك الأسعار التي تحددها منحنيات العرض والطلب إلا إذا كان السوق خالياً من المخادعة والقهر والاكتناز والاحتكار وغير ذلك من الآفات ، وما يمكن من توزيع الدخل والثروة توزيعاً عادلاً .

من الملاحظ أن الشرط الأخير ليس متوفراً في أي مجتمع معاصر ، وعلى افتراض أن الشرطين متوافران فان الأسعار الناتجة ، وان كانت مقبولة ، إلا إنها ليست مقدسة . فقد نظل السلطة الاجتماعية تعترض ، طالما لا يمكن تجنب اعتراضها الذي يرمي إلي أهداف اجتماعية معينة . ولكن من الأفضل محاولة اتخاذ وسائل أخري بحيث تكون وسيلة التحكم في الأسعار هي الملاذ الأخير وهذا يحقق أهدافاً أخري كالحرية والكفاية ، ويقتصر الاستثناء على الوضع الذي يستحيل فيه كفالة العدالة وضمان إشباع الحاجات ، ويركز علم الاقتصاد الإسلامي على تأثير الأهداف والقيم الإسلامية على قيام السوق بوظائفه ويأمل في أن يصل إلي نتائج أفضل بالنسبة لتخصيص الموارد وإشباع الحاجات ، بدراسة حالات ميدانية ، ولو من بطون المراجع التاريخية لصدر الإسلام .

التوزيع

من المسموح به أن تترك الأجور للسوق يحدد مستواها ، طالما هناك حد أدني إجباري لا يسمح بالتدني عنه . ويتطبق نفس المبدأ على الأرباح وعلى معدلات اقتسامها ( بين مقدمي رؤوس الأموال النقدية وبين الذين يستخدمونها في المشروعات الإنتاجية ) ، كما ينطبق أيضاً على الريع . ويعتبر التوزيع – لسوء حظه واحداً من المجالات التي نالها أقل نصيب من الأبحاث في علم الاقتصاد الإسلامي .

ويتجلي هذا العجز بوضوح إذا تأملنا طبيعة الريع وتبريره في اقتصاد إسلامي . أن نظرية التوزيع لها أولوية مطلقة لصلتها بالعدالة وإشباع الحاجات .ويؤكد الاقتصاديون المسلمون على أن الحد من التفاوت الاجتماعي في توزيع الدخل والثروة يعتبر هدفاً سياسياً .

إن نظرية التوزيع في الاقتصاد الكلي القابلة للتطبيق على مجتمع إسلامي لها صلاحية اختيار السياسات والبدائل الممكنة في هذا الصدد . لقد نوقش الموضوع بصفة عامة عند الحديث عن الزكاة أو عند الحديث عن أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية . ولكننا في أمس الحاجة إلي معالجة أكثر شمولاً على مستوي الاقتصاد الجزئي والكلي تضم المحتويات الثلاثة لعلم الاقتصاد الإسلامي ( الغايات والقيم – الواقع المعاش – وضع السوق تحت تأثير النماذج الإسلامية للسلوك ، والسياسة الموجهة للتحول نحو النموذج المأمول ) وعلي أساس مثل هذه الدراسة فقط يمكن أن نتصور دور الدولة الإسلامية في ضمان عدالة توزيع الدخل والثروة منذ اللحظة الأولي ، ودورها في الحفاظ على التوازن على مدار الزمن وفي غياب هذا العمل الأساسي ستختلف الآراء بين اقتراحات تحررية تدعو إلي التحول الاشتراكي ومحاولات تشريعية حرفية تعمل على تكريس الأوضاع  الراهنة  .

نظرية تحديد الدخل

يستخدم بعض الكتاب أدوات كينز الأساسية في تحليل وذلك لتحديد الدخل في المجتمع الإسلامي ، ذلك لتحديد الدخل يلعب الأرباح دوراً حاسماً حيث تختفي الفائدة من المسرح . كما أن هناك نقطة أخري ذات مغزي وضعت حديثاً ، هي تكامل قرارات الادخار والاستثمار في الاقتصاد اللاربوي .

وكذلك العلاقة المباشرة الناتجة عن ذلك بين قطاعات الاقتصاد التمويلية والحقيقية .

فالمشروع الإنتاجي في الاقتصاد الإسلامي سوف يمول بالمشاركة والقروض تلعب دوراً حدياً لا أكثر .

وسوف يكون العامل الحاسم في تحديد سلوك كل من المستثمرين والمدخرين بناء على ذلك . هو التوقعات المتعلقة بالإنتاجية . وقد نوقشت فكرة أن الزكاة سوف تحد من المدخرات العاطلة وتشجع المشروعات على ذلك سوف تتشجع المشروعات الإنتاجية نظراً لاستبدالها الارتباطات التعاقدية بالفائدة ، باتفاقات مشاركة في العوائد الفعلية . كما نوقشت فكرة أن التأثير العمومي سيزيد من حجم الاستثمار ومن ثم يؤدي إلي مستوي أعلى من الدخل والعمالة ، مع افتراض بقاء العناصر الأخري على ما هي عليه .

علم الاقتصاد النقدي

إن استبدال نظام الفائدة بنظام اقتسام الأرباح ستظهر له نتائج بعيدة   الأثر .

ونلاحظ فيما يلي بعض النقاط الهامة :

أ – سوف يصبح توليد النقود استثماراً موجهاً ، وسوف يتوقف عن كونه معتمداً على الإقراض كما هو حالياً . وهذا ينطبق على النقود القوية التي تصدرها البنوك المركزية ، كما ينطبق على الائتمان الذي تولده البنوك التجارية .

وهذه العلاقة المباشرة تجعل من الممكن السيطرة على عرض النقود بحيث تسير جنباً إلي جنب مع نمو الاقتصاد . وذلك بكفاءة أكثر مما هو عليه الحال في النظام الراهن .

ب – من الممكن أن يكون الطلب على النقود دالة لمستوى الدخل وللتغيرات المتوقعة في إنتاجية الاستثمار التي يعكسها معدل الربح .

ومن ثم نوقشت فكرة أن الطلب على النقود سيكون أكثر استقراراً في الاقتصاد الإسلامي عنه في نظام الفوائد الربوية .

هناك كتابات كثيرة حول كيفية تنظيم أعمال المصارف على غير أساس من الفوائد ، ولكن التحليلات الخاصة بالمشاركة في الربح ونتائجها على المدخرات وعلى الاستثمار وعلى تخصيص الموارد لم تبحث بحثا كافيا وبرغم ذلك . فقد توفر عدد من الكتابات عن السياسة النقدية في نظام قائم على المشاركة في الأرباح ، تقترح أدوات لهذه السياسة وتتوقع نتائج أفضل متمثلة في العدالة والكفاية والاستقرار والنمو .

الضرائب والسياسة المالية

كما نوهنا أنفا ً هناك بعض الجهود المتواضعة لتحليل تأثير الزكاة على التوزيع وعلى تحديد الدخل ولكن قليلا من البحوث قدمت لتصوير هيكل الضرائب الكلي لاقتصاد إسلامي حديث يتضمن الضرائب الشرعية والضرائب التي تضطر الدولة لفرضها باعتبارها قائمة على توفير المنافع العامة .

كما أننا مازلنا في حاجة إلي استكشاف إمكانية وضع نماذج قائمة على بيانات مستقاة من دولة معينة لخدمة هذه الدراسات .

النمو والتنمية وموضوعات أخري

يؤكد المساهمون في مثل هذه الميادين على أن الطبيعة الشمولية لمفهوم التنمية كتقدم مادي يجب أن تكون مصحوبة بالعدالة والاعتبارات البيئية والتفوق الأخلاقي من خلال التربية والتدريب . ولكن لا تتوفر توصيات خاصة بالسياسات التي ستنتج عن تطبيق مثل هذا المفهوم في دولة من الدول .

وتنطبق نفس الملاحظة على مجالات أخري كالعمل والعلاقات الصناعية والسكان . إن المناقشات التي حصرت – بصفة عامة – في المبادئ والمتطلبات المتعلقة بالجزأين الثاني والثالث من علم الاقتصاد الإسلامي مازالت غير مستوفاة . ونفس الملاحظة يمكن أن تقال عن العلاقات الاقتصادية الدولية .

وحتى أهداف السياسة بمضمونها الدولي لم تبحث أو تناقش مناقشة منضبطة .

لقد بذلت محاولات مستقلة لتحليل الواقع المعاشي ، ومحاولات لوضع استراتيجيات التحول الإسلامي للعلاقات الاقتصادية الدولية .

 ولكن هذه المحاولات قاصرة على دول إسلامية معينة . ومازلنا في حاجة إلي تبني دراسة تقوم على هيكل أكثر شمولاً وعالمية .

وقد لوحظ أن النظرة الإسلامية لم تهتم بكل أبعاد الإدارة الاقتصادية وكل مجالات النشاط الاقتصادي . وأن اهتماماً أكبر قد أعطي للسلوك الإسلامي ولتأثيره في الأدوات الاقتصادية وفي العلمية الآلية للسوق .

لقد حظي القطاع النقدي ببعض العناية لأن تحريم الفائدة يعتبر أساساً إسلامياً رئيسياً في الشئون الاقتصادية .

وقد تحدثوا عن المحتوي الثاني – تحليل الواقع – بضعف شديد . قد يكون أحد الأسباب كامنا في عدم توفر بيانات تجريبية تتصل بمثل هذه الدراسات . إن معظم الأبحاث النظرية تنتمي إلي محتوي الثالث ولكنها أيضا تعاني من ندرة المواد المتعلقة بالمحتوي الأول وهو استنباط الأهداف والقيم الإسلامية المتصلة بمجالات النشاط الاقتصادي المختلفة .

وهذا ينطبق حتى الآن على اقتصاديات النقود التي لها أولوية في علم الاقتصاد الإسلامي المعاصر . هناك سبب رئيسي لهذا العجز العلمي هو عدم قابلية الاقتصاديين المسلمين المحترفين للتقدم  والنمو في استيعاب القرآن والسنة والفقه والتاريخ الإسلامي .

كما أن المساهمات التي بين أيدينا لعلماء الشريعة تفتقر بالاقتصاد لأنهم غير مطلعين على القضايا المرتبطة بعناصر الاقتصاد الحديث المختلفة .

ان نمواً صحيحاً لعلم الاقتصاد الإسلامي كفرع من فروع المعرفة أو بعبارة أخري إن أسلمه علم الاقتصاد أسلمه شاملة تتطلب بجانب المساهمات الفردية الرائدة جهوداً مؤسسية منظمة لا يستطيع تحملها إلا الجامعات ومعاهد التعليم العالي ومراكز الأبحاث .

إن التقدم الذي أحرزناه حتى الآن والذي يرجع غالباً لجهود فردية يعتبر – إذا قيس بالوضع الراهن لعلم الاقتصاد ، وإذا قيس بالاحتياجات الملحة للمجتمع – تقدما مناسباً ومتشجعاً إلي حد كبير .

الهوامش والمراجع

·  بحث مقدم إلي حلقة ” أسلمه المعرفة ” بالجامعة الإسلامية ، باكستان ، 5 – 8 يناير 1982 والتي نظمها المعهد الدولي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية والبحث مترجم عن الأصل الانجليزي :

SIDDIQI , MUHAMMAD NAJATULLAH . An  Islamic Approach to Economics

وقد طبع في صفحات 168 – 189 في :-

Knowledge For What , Islamad , The Insitute of Education , Islamic University , 1982 .1 – Piero  V . Mini Philosophy and Economics : The Origin and Devlopment of Economic Theory .

Gainesville : University Press of Florida , 1974 , p. 64

2 – Phyllis Deen . The Evolution of Economic Ideas . London & New York : Combridge University Press , 1978 , p . II .

3 – E . Ray Canterbery : The Making of Economies P .5 . Wads Worth Canterbery     Inc .       Belmont  California , 1976 .

4 – From a Ietter of David Ricardo to J . R . McCulloch , Quoted by Piero V . Mini op . Cit .p . 174.

5 – Piero V . Mini , op . Cit . p . 174 .

6 – Piero V . Mini , op . Cit . p . 177 .

7 – Phyllis Deen , op . Cit . p . 16 .

8 – Piero V . Mini , op . Cit . p . 167 .

9 – Quoted by Piero V . Mini op . Cit . p . 105 .

10 – Sachs ( editor ) Main Trends Economics . London : George Allen & Unwin , pp 18

This Point has been stressed by many historians of Economic thought , see amongst them Sydney Weintraub : Modern Economic Thought , Oxford : Blackwell , 1977 , pp . 34

11 – Kenneth J . Arrow . The Limits of Organisation , New York : W.W. Norton & Co ., 1974 , p . 22

12 – Kurt Dopfer ( editor ) The Economics of the Future : Towards a New Paradigm . Colorado : Westview Press , 1976 , p . 29 .

13 – K . William Kapp . ( The Open System Character of the Economy and its Implications ) in Kurt dopfer , op . Cit . p . 95

14 – K . William Kapp . op . Cit . p . 102

15 – K . E . Boulding . Economics Asa Science New York : McGraw Hill 1970 , p . 124 .

16 – For references on this point and What Follows the reader may refer to the author`s Muslim Economic  Thinking :       A       Survey     of  Contemporary          Literature . , Chapters one and two and the relevant items in the bibliography appended to th same Volume . Leicester : The Islamic Foundation , 1981 .

17 – For references on Abu Yusuf see the bibliography mentioned above and the author`s paper on Recent Writings on the History of Economic thought in Islam ` Published by the International Centre For Research in Islamic Economics , Jeddah . The Best Reference is , however , Abu Yusuf `s

Kilab al Kharaj .

18 –This has been attempted in the paper on ( Recent Writings on the History of Economic Thought in Isalm mentioned above .

19 – Joan Robinson . Exercises in Economic Analysls . London : Macmillan , 1963 , p . XVII .

20 – Muhammad Najathullah Siddiqi . Muslim Economic Thinking . op . Cit .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر