أبحاث

الخبرة العلمية الحديثة وصلتها بالاجتهاد

العدد 41

إن مسألة العلاقة بين الاجتهاد والخبرة العلمية الحديثة، تُطرح في عهد تتصادم فيه تارة بالعنف المكشوف وتارة بالتسرب المستتر، حضارتان متداخلتان إحداهما قوية برسالتها الروحية وضعيفة في وسائلها المادية، والأخرى قوية بماديتها وتقنيتها وضعيفة في قيمها الروحية.

ولما كان الهدف من الاجتهاد اليوم هو في نفس الوقت إحياء الشريعة والقيم الإسلامية والخروج من التخلّف العلمي والضعف المادّي، فإنّ المنهج الاجتهادي يجمع حتمياً بين العمل لتثبيت الإسلام رسالة وكياناً وشريعة ونظاماً والعمل لترقية المجتمع الإسلامي علمياً وحضارياً.

هذا المنهج لا يتحقق إلا في الصلة العملية المتينة بين الخبرة العلمية التشريعية والخبرة العلمية والتقنية الحديثة.

____  .  ____

تتمّيز الحضارة العصرية بتقدم هائل في العلوم الطبيعية والتقنية والبشرية لم تكن تخطر ببال المجتهدين القدماء، بينما تفتح للمجتهدين المعاصرين آفاقاً نظرية وعملية تتطلب منهم في نفس الوقت خبرة غزيزة بأصول الدين والشريعة، وخبرة واسعة بالتطورات التي حصلت في ميادين المعرفة النظرية منها والتطبيقية.

هاتان الخبرتان المتكاملتان اللتان لا تنفصلان في منهجية الاجتهاد التشريعي في عصرنا هذا، قد لا تجتمعان إلّا في النادر عند رجل واحد، بل قد يستحيل تواجدهما، إذا اعتبرنا تفرع الاختصاصات العلمية الحديثة.

لهذا يتبّين لنا أنه ليس من الواقعي أن نحاول إيجاد المجتهد المثالي الجامع بين الاختصاصات، وإنما إعداد المجتهد من جهة والخبير من جهة أخرى ليتحقق التبادل المستمر بينهما.

لهذا أيضاً كان الهدف من هذا البحث هو إبراز أهمية بل حتمية ذلك الترابط  المنهجي عن طريق الارشاد والاسترشاد بين الاختصاص الفقهي التشريعي، والاختصاص العلمي التجريبي. ولعل أفصح دليل على ذلك يظهر في مجال الخبرة العلمية الحديثة المتعلّقة بالطبّ. لقد توصّلت العلوم النظرية والتطبيقية إلى تحقيق وسائل واكتشاف مناهج تسمح بمبادرات علاجية ووقائية خطيرة في مضمونها وفي عواقبها البشرية والمعنوية، ولابدّ لها أن تثير تساؤلات خلقية وإنسانية وفقهية، على المجتهد أن يعطي رأياً واضحاً ومقنعاً فيها، نذكر من بين إمكانيات الطبّ الحديث:

– الاختبارات البيولوجية والعمليات الجراحية المدعّمة بوسائل التعقيم والانعاش الطّبي المكثّف.

– التقاط الأعضاء وحفظها وادخارها في حالة حياة طويلة الأمد.

– زرع الأعضاء لتخلف أو لترقع أعضاء افتقدت أو ضاعت وظيفتها كعظم أو جلد أو دم أو عين أو كلى.

– إبقاء الجسد في حالة حياة عضوية مصطنعة وذلك بوسائل الإنعاش المكثف الذي يحافظ مثلاً على نبض القلب وحركات التنفس، والتبادلات الفزيولوجية الأساسية.

– إبقاء الجسد في حالة حياة عضوية مصطنعة وذلك بوسائل الإنعاش المكثف الذي يحافظ مثلاً على نبض القلب وحركات التنفس، والتبادلات الفزيولوجية الأساسية. أهم المسائل التي تطرح على ضمير وحذافة المجتهدين تقع في الميادين الآتية:

– زرع الأعضاء- استعمال موانع الحمل وتحديد النسل- الإنعاش الطّبي وعلاقته بالموت.

– معاملة الجثت لمصلحة أو لحاجة شرعية أو علمية.

النوع الأول من الأسئلة: يتعلّق بقضايا نقل وزرع الأعضاء ولما كان على المجتهد أن يستنير فيها بخبرة الاختصاص فإننا وضعنا لذلك جدولاً نموذجياً مرتباً لبعض العمليات الطبية، مع ذكر نوعيتها وعواعبها المنتظرة للمعطي والمتلقي، واحتمالاتها الأدبية والشرعية وذلك في حالتيين:

– حالة نقل الأعضاء من الحّي إلى الحّي.

– حالة نقل الأعضاء من الميّت إلى الحّي.

زرع الأعضاء

 

نوع العملية حالة المعطي الخطر على

المعطي

الفائدة

للمتلقي

نسبة

النجاح

الاحتمالات الأدبية والاجتماعية

والشرعية

زرع الدم وهو

عضو سائل

متجدد

حي

 

ميت

 

++

 

++

+

 

+

– إنقاذ الحياة

– هل هنالك فرق شرعي بين

دم الحي ودم       الميت؟

 

ترقيع اعضاء

(جلد – عظم )

حي

 

ميت

؟

 

+

 

+

+

 

+

فائدة علاجية
زرع الأعضاء

الحسية

(قرنية العين )

 

حي

 

………..

ميت

/////////////

/////////////

………….

/////////////

///////////

………….

++

//////////

//////

………..

+

– لا يمكن إباحته لو كان برضى

المعطي

…………………………………..

– فائدة علاجية كبيرة.

أعضاء أو أجزاء

أساسية( كبد

بنكرياس كلي )

حي

 

ميت

+

 

+

 

+

؟

 

+

هل يسمح للحي أن يعطي عضوا

حيويا ولو برضاه؟

هل لأهل الميت حق للرفض؟

 

أجزاء تؤخذ من

الجنين السقط

( خلايا عضو

مخ بنكرياس )

 

——————

زرع القلب

 

حي

 

ميت

 

 

————-

حي

ميت

 

 

 

 

 

 

 

———–

———–

 

 

++

 

+

 

 

————-

؟+

————-

؟+

 

؟+

 

 

———–

؟

———–

هل يعتبر السّقط حيا ولو كان

غير قابل للحياة؟

 

 

 

————————————

هل تجوز العملية إذا كانت نسبة

النجاح ضئيلة؟

الأعضاء التناسلي

( مبيض خَصية )

حي

 

ميت

؟

 

؟

 

؟

؟

 

؟

تختلف الحكم إذا كان الهدف

علاج العقم الذي هو ليس حيوي

أو علاج أمراض عديدة

 

تلقيح النطف حي

 

ميت

 

؟

 

؟

؟+

 

؟+

– خطر إختلاط الأنساب إلّا في حالة

زوجين متراضيين.

– إذا كان المُعطى ميتا فذالك

ادْهىّ وأخطر

– = ضئيل                  + = معتبر             ++ = ضروري       ؟ = غير واضح

النوع الثاني من الاسئلة يدور حول وسائل منع الحمل نعرضها في جدول يتناول نوعية الوسيلة وآثارها على الزوجين وعواقبها واحتمالاتها الأدبية والشرعية.

نوعية                            الوسيلة أثرها على

المرأة

أثرها                          على

الرجل

أثرها على

الأنجاب

عواقبها                           الإجتماعية احتمالاتها الخلقية               والشرعية  
العزل بتر للذة ؟

 

مانع في

الغالب

؟

 

فيه اجتهادات سابقة

محل إجتهاد فردي

 
الغسل والادوية

المحلية

 

مانع نسبي ؟ محل إجتهاد فردي  
السد الآلى مانع إلا في

النادر

؟ محل إجتهاد فردي  
العقاقير

الهرمونية

إمكانية                      إضرارعامة

مع طول

المدى

مانعة إلا في

النادر

معتبرة إذا كانت

عملية جماعية                     ثأثير على السلوك

 

– تستوجب مراقبة طبية

– محل إجتهاد فردي

– هل تدخل في سياسة

عامة؟

 
اللولب

المعقم

(Sterilet)

إمكانية                     إضرار محلية

 

مانع إلا في                      النادر معتبرة إذا كانت                       عملية جماعية – مبررات طبيّة محدودة

– خطورة المبرّر

الإجتماعي

 
ربط البوق تعقيم نهائي مانع                       قطعي غير معتبرة

إلا إذا كانت

عملية جماعية

– مبررات  طبيّة محمدودة

– خطورة المبرّ             الإجتماعي

 
ربط الأسهر

عند الرجل

تعقيم

نهائي

مانع قطعي عواقب نفسية                    وإجتماعية خطيرة – مبرر فردي محدود

وخطير

 
الإجهاض خطورة نسبية قتل الجنين فاحشة إلا لسبب

طبي خطير

– هل هناك مرحلة

للإجهاض لا تعتبر قتلاً

– خطيرة إذا كانت

ضمن سياسة عامة

 
الوأد قتل النفس عادة وثنية قديمة

وحديثة

– تحريم لا اجتهاد فيه  

ملاحظة= ليس المقصود من هذا الجدول ابداء حكم وانما عرض منهجية تعين المجتهد على تقرير الحكم.

النوع الثالث من الأسئلة: هو في الحقيقة سؤال واحد يتعلّق بإجراءات التنشيط الطّبي المكثّف الذي يمدُّ حالة الحياة العضوية لجسم فَقَدَ وعبَه وإحساسه العصبي.

والسؤال هو: متي وكيف يكون إنهاء عملية التنشيط الطبي بالنسبة لضآلة ولربما لفقدان الأمل في إنعاش المريض المستميت.

واضح هنا أنّ الحيرة يشترك فيها صاحب الحرفة وصاحب الحكم الشرعي. والحيرة متعلقة بصعوبة أو استحالة تحديد معني الموت الحقيقي ونسبة الأمل في انقاذ الحياة.

النوع الرابع من الأسئلة: يتعلّق بمعاملة الجثث لدافع علمي أو تعليمي أو جنائي.

فقد يطلب تشريح الجثّة لا ستقصاء الأسباب الجنائية أو الطبيعية التي أدّت إلى الموت، وقد يتطلب لحاجة الباحثين والمجّربين والمعلّمين وفي كل الحالات قد تتضحلاالفائدة العلمية والانسانية ولكن ما هو موقف الفقه باعتبار المقاييس الانسانية والخلقية والدينية الأخرى التي تتدخّل في الحكم الشرعي؟

الخلاصة:لم يكن غرضنا في هذه العروض محاولة الاجابة على الأسئلة المطروحة ولا حتى إحالتها المباشرة للسادة المختصّين بالفقه والتشريع، وإنما كان هدفنا إلقاء بعض الأضواء على منهجية الاجتهاد وآفاقه الجديدة المرتبطة بالتطورات الهائلة التي حقّقتها الخبرة العلمية الحديثة، وذلك إضافة للمقاييس الأساسية التي يتركّز عليها الاجتهاد التشريعيّ في الإسلام، والتي نذكر منها:.

– التقّيد بالنصوص التشريعية الأساسية.

– احترام الحياة البشرية وحقّ النفس البشرية في الحياة والكرامة- اعتبار المصلحة الخاصّة والعامّة- نية الاستصلاح وردع الفساد- دفع الضرر على الأفراد والجماعات.

والله الموفّق والهادي لطريقه المستقيم

New layer…
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر