أبحاث

مبادئ وضوابط ومعايير التمويل الإسلامي

العدد 156

مقدمة:

التمويل في الأساس مأخوذ من المال، والمال في الاصطلاح الشرعي أعم من النقود أو الذهب والفضة ويشمل الأشياء التي يجوز الإنتفاع بها، ولها قيمة لدى الناس.

أما التمويل الإسلامي بالمفهوم المعاصر، يمكن ان يقال عنه هو عبارة عن علاقة بين المؤسسات المالية بمفهومها الشامل و المؤسسات أو الأفراد، لتوفير المال لمن ينتفع به سواء للحاجات الشخصية أو بغرض الاستثمار عن طريق توفير أدوات مالية متوافقة مع الشريعة، مثل عقود المرابحة أو المشاركة أو الإجارة أو الاستصناع أو السلم أو القرض.

وتعد عملية التمويل واحدة من أهم المعوقات التي تواجه معظم الدول والمؤسسات والأفراد؛ فعدم وجود التمويل لا يمكنِّهم من إقامة المشروعات التي تغير في زيادة معدلات النمو للدول وزيادة الاستثمارات للشركات والأفراد، ومن جانب آخر فإن مصادر التمويل في صورة قروض بفائدة ترهق هذه الدول للشروط القاسية التي تفرضها مؤسسات التمويل الدولية على هذه الدول، وبالنسبة للأفراد والمؤسسات فإن فوائد هذه القروض بمثابة تكلفة ثابتة ترهق كاهل هذه المشروعات وتجعلها تفقد ميزة تنافسية مع المشروعات الأخرى من حيث سعر منتجاتها، كما يتخوف عدد لا بأس به من الراغبين في إقامة مثل تلك المشروعات من شبهة الربا التي تلحق بالقروض بفائدة، ومن هنا توجد مجموعة من المميزات التي تجعل اعتماد أساليب التمويل الإسلامي واجبة التطبيق من أجل النهوض بالمشروعات ورفع الحرج الشرعي عن الراغبين في إقامتها.

ونظراً لهذه الأهمية الكبيرة للعمليات التمويلية، فسوف نتطرق في هذا الموضوع إلى التعرف على ماهية التمويل الإسلامي، وضوابطه ومعاييره، والمبادئ التمويلية المستخلصة من فقه العقود والشركات وكذلك الفرق بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي.

الفصل الأول

ماهية التمويل الإسلامي

ينصرف المعنى العام للتمويل إلى تدبير الأموال اللازمة للقيام بالنشاط الاقتصادي. وتعتمد المشروعات في الأساس على مواردها الذاتية لتمويل أنشطتها الاقتصادية، فإذا لم تفي بذلك اتجهت تلك المشروعات إلي غيرها ممن يملكون فائضا من الأموال لسد هذا العجز، ولهذا ينصرف المعنى الخاص للتمويل إلى أنه “نقل القدرة التمويلية من فئات الفائض المالي إلى فئات العجز المالي”. كما يقصد به كذلك “تدبير الأموال اللازمة لبدء مزاولة النشاط الاقتصادي والاستمرار فيه”. ويعني أيضاً “إنفاق المال بغية استخدامه في عمليات اقتصادية للحصول على مردود أو نتيجة”(1).

وقد يكون هذا النقل للقدرة التمويلية بين مشروع وآخر، كما قد يكون بينهما وسيطا ماليا كمؤسسات التمويل. وعلى ذلك يمكن القول أن تمويل المشروعات الناشئة يعنى إمداد تلك المشروعات بالأموال اللازمة للقيام بنشاطها الاقتصادي.

1- تعريف التمويل الإسلامي

تعددت التعاريف الخاصة بالتمويل الإسلامي، ومن بينها:

– أن يقوم الشخص بتقديم شيء ذو قيمة مالية لشخص آخر إما على سبيل التبرع أو على سبيل التعاون بين الطرفين من أجل استثماره بقصد الحصول على أرباح تقسم بينهما على نسبة يتم الاتفاق عليها مسبقا وفق طبيعة عمل كل منهما، ومدى مساهمته في رأس المال واتخاذ القرار الإداري والاستثماري(2)، ومن الملاحظ على هذا التعريف أنه حصر التمويل فقط على أن يكون بين شخصين دون أن يشمل التمويل الذي قد يكون من الدولة أو من المؤسسات المالية والمصرفية.

– تقديم ثروة عينية أو نقدية بقصد الاسترباح من مالكها إلى شخص آخر يديرها ويتصرف فيها لقاء عائد تبيحه الأحكام الشرعية(3).

ونلاحظ أن التعريف اقتصر فقط على التمويل الاستثماري دون أن يشتمل على التمويل التطوعي كالهبة والتبرع كوسائل وعقود تمويل في الإسلام كما أنه لم يشتمل كذلك على صيغة القرض الحسن.

– ومن أكثر التعاريف تقارباً مع مفهوم التمويل الإسلامي “تقديم ثروة عينية أو نقدية إما على سبيل اللزوم أو التبرع أو التعاون أو الاسترباح من مالكها إلى شخص آخر يديرها ويتصرف فيها لقاء عائد معنوي أو مادي تحث عليه أوتبيحه الأحكام الشرعية”(4).

2- أهمية التمويل الإسلامي

إن أهمية التمويل الإسلامي نابعة من خصائص التمويل الإسلامي المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحاء كمنهج متكامل للحياة، وللدور الرائد المتكامل الذي تحققه مصادر التمويل الإسلامي في تلبية احتياجات الفرد المسلم بما يكفل تحقيق التنمية الحقيقة للفرد والمجتمع.

فالتمويل الإسلامي بصفته نابعا من المبادئ السمحاء للإسلام لا يقتصر على تلبية حاجات الفرد المادية فقط، بل إنه يوازن وبشكل دقيق بين الحاجات المادية والحاجات المعنوية، فهو بقدر ما يكون قادرا على تلبية الحاجات المادية فإنه وبمصادره المختلفة يربى في الفرد المسلم صفات الأمانة والثقة بالنفس والإخلاص والإتقان في العمل، ويربي فيه صفة الرقابة الذاتية والخوف من الله Uأولا وأخيرا.

كما أن التمويل الإسلامي أسلوب مثالي في الموائمة بين حاجات الفرد وحاجات المجتمع؛ فهو يركز على الفرد من منظور مصلحة المجتمع حيث أنه ينمي في الفرد المسلم شعوره بانتمائه لدينه ووطنه ومجتمعه، وبالتالي فإن التمويل الإسلامي بمصادره المختلفة يوجه سلوك الفرد وأهدافه نحو تحقيق النفع له ولمجتمعه باعتباره جزء لا يتجزأ من المجتمع.

3- أهداف التمويل الاسلامي

لا شك أن التمويل الإسلامي عندما وجد وأسس كان له أهداف سامية، حيث أنه كما هو معلوم أن الأمة الإسلامية وخلال عدة قرون، وبعد حالة الضعف التي كانت تعيشها المجتمعات الإسلامية، خصوصا في فترة الاستعمار، أصبحت تعيش على ما يقدم لها من خلال ثقافات أخرى لا تراعي المبادئ والأسس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، وهذا بلا شك نتج عنه أحد خيارين، إما مواكبة الاتجاهات الاقتصادية للعالم المتقدم حتى وإن كانت لا تتوافق مع شرع الله، أو العيش في عزلة تزيد من حالة المعاناة والفقر التي يعيشها العالم الإسلامي تلك الفترة(5).

وبالتالي كان لزاما على المختصين، والباحثين في علوم الشريعة والاقتصاد محاولة إيجاد بدائل، تتميز بأنها لا تتعارض مع الأصول والأسس التي قررتها الشريعة الإسلامية، وفي نفس الوقت تتناسب مع التقدم الذي يشهده العالم اليوم في الاقتصاد والتنمية، ولذلك نجد أنه كان لا بد من وجود مشاركة بين الباحثين في علوم الشريعة وخصوصا في علوم المعاملات المالية، والمختصين في الاقتصاد والعلوم المالية، لمحاولة الاقتباس من العقود التي تمت دراستها في كتب الفقه من قبل، ومحاولة تطبيق قواعدها على صيغ متقاربة معها في الأصول، وإن كانت قد تختلف عنها نوعا ما في التطبيق، بغرض تطوير تلك الصيغ لإيجاد صيغ جديدة، يمكن ان تكون بديلا للصيغ المنشرة في المؤسسات المالية في العالم والتي تعتبر غير متوافقة مع الشريعة، وفي نفس الوقت تساهم مثل هذه الصيغ في الحركة التنموية للمجتمعات الإسلامية، وتحقق رغباتهم وحاجاتهم سواء كانت الرغبات والحاجات على مستوى الأفراد أو المؤسسات.

وبالتالي يمكن تلخيص بعض أهداف دراسة التمويل الإسلامي بما يلي:

– إيجاد بدائل للتمويل غير المتوافق مع الشريعة مثل القرض بفائدة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.

– تحقيق التنمية للمجتمعات الإسلامية.

– إيجاد فرص عمل من خلال توفير أنواع من التمويل التي تقدم للشركات الكبرى وهذا بالتالي يساهم في توفير فرص عمل لديها للأفراد، أو توفير رأس مال صغير للأفراد لإنشاء مشاريع ناشئة تفيد المجتمع.

– تحقيق عوائد جيدة لأصحاب رؤوس الأموال عبر إدخارها لدى مؤسسات مالية تقدم أدوات إستثمارية متوافقة مع الشريعة، وهذه المؤسسات تمارس دورها باستثمار تلك الأموال لأصحابها.

4- خصائص التمويل الإسلامي

تنبع خصائص التمويل الإسلامي من نظرة الإسلام إلى المال، وهي أن المال هو في الأساس مال الله وأن الإنسان ما هو إلا مستخلف على هذا المال في هذه الأرض ويجب عليه أن يسير بهذا المال وفقا لأوامر الله ومقاصده من خلق هذا المال(6)، ووفقا لهذا الأساس نستنبط أن أهم الخصائص المتعلقة بالتمويل الإسلامي هي كما يلي:

أولاً:استبعاد التعامل بالربا أخذا وعطاء: وتستند هذه الخاصية إلى القاعدة الإسلامية الخاصة بحرمة الربا وحرمة التعامل به والمتمثلة بقوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:279].

وتعتبر هذه الخاصية من أهم الخصائص التي تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تهدف لتحقيقها المشروعات الناشئة، فهي تمنع الظلم، وتحد من تركز الثروة، وتحد من البطالة، وتضمن حق الفقير في تنمية موارده ومواهبه وإبداعاته.

ثانياً:توجيه المال نحو الاستثمار الحقيقي: من أهم الخصائص التي تميز التمويل الإسلامي الاستثماري للمشرعات الناشئة هو توجيه المال نحو الاستثمار الحقيقي الذي يهدف إلى امتزاج عناصر الإنتاج ببعضها البعض، وبالتالي فإن أي ربح ينتج عن هذا الاستثمار يكون ربح حقيقي يظهر في زيادة عناصر الإنتاج، مما يبين لنا قدرة مصادر التمويل الاستثماري الإسلامية على تنمية طاقات المجتمع وموارده وقدراته.

ثالثاً:توجيه المال نحو الإنفاق المشروع: إن من الخصائص التي تميز التمويل الإسلامي للمشروعات الناشئة، أن يكون هذا التمويل في مشاريع مباحة من وجهة نظر الشرع، فلا ينفق على المشاريع المخالفة لمقاصد الشارع الحكيم والتي تؤدي إلى مفسدة الفرد والمجتمع.

رابعاً:التركيز على توجيه سلوك الفرد نحو الأخلاق الفاضلة: إن من خصائص التمويل الإسلامي للمشروعات الناشئة هي تربية روح الفرد على الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة، فهو يربي فيه صفات الأمانة والثقة بالنفس والإخلاص والإتقان في العمل مما يوفر فرص أكبر لنجاح المشروعات وبالتالي نجاح عملية التنمية.

خامساً:التركيز على طاقات الفرد ومهاراته وإبداعاته: من أهم خصائص التمويل الإسلامي هي التركيز على تنمية طاقات الفرد والتركيز على حاجاته ومهاراته الريادية والإبداعية بحيث يكون التمويل الإسلامي قاعدة الانطلاق لهذه الطاقات والإبداعات التي يعول عليها في تقدم المجتمع، فالتمويل الإسلامي يعد أداة للتنمية التي لن تتحقق من غير الاهتمام بالفرد وطاقاته(7).

5- طرق التمويل الإسلامية

تحتاج المؤسسات إلى رؤوس أموال لتمويل مشاريعها الاستثمارية وذلك حسب احتياج المشروع لذا تلجأ إلى عمليات أو طرق للحصول على هذه الأموال وفي هذا الإطار توجد طريقتان للتمويل:

أولاً: التمويل المباشر:يتجسد التمويل المباشر بين المقرض والمستثمر دون تدخل أي وسيط مالي مصرفي أو غير مصرفي، وذلك سدادا للعجز المتواجد في الموارد المالية للوحدات أو المؤسسات أو الهيئات لتمويل مشاريعها الاستثمارية(8).

ويتمثل أيضا في قيام الوحدات ذات العجز –المفترضين- بإصدار حقوق مالية على نفسها في شكل أسهم أو سندات -الأصول المالية- وبيعها مباشرة إلى الوحدات ذات الفائض –المدخرين- وبالطبع تكون الأصول المالية في هذه الحالة أصولا مباشرة أو أولية لأن الذي يصدرها هو المقترض النهائي(9).

وتعتبر قناة تمويلية يتم بواسطتها انتقال الأموال من الوحدات المقرضة -المدخرة- إلى الوحدات المقترضة –المستثمرة- مباشرة.

إلا أن هذه القناة التمويلية البسيطة تعاني من بعض المعوقات أهمها(10):

– صعوبة إيجاد الوحدات المدخرة التي تقبل بتمويل المشروع لأنها تعتمد على الاتصال والمعرفة الشخصية.

– أن المبالغ التي يمكن أن يحصل عليها المستثمر بهذه الطريقة محدودة بإمكانيات شخص مدخر واحد أو أشخاص معدودين.

– يجب أن يحصل توافق بين الوحدات المدخرة والوحدات المستثمرة على شكل مبلغ القرض حتى بعد حصول الاتصال أو التعارف بينهم.

– أن تكلفة البحث وإيجاد فرص الاستثمار المالي والتأكد من مخاطرها من قبل المدخرين وتكلفة البحث وإيجاد الوحدات المدخرة التي ترغب في إقراض المبالغ المطلوبة من المستثمرين تكون مرتفعة في هذا الأسلوب من التمويل قياسا بحجم وعدد صفقات الاقتراض الشخصي.

(شكل:1)

شكل يصعب رفعه على الموقع

أنواع التمويل(11)

ورغم ما توفره هذه القناة التمويلية من مزايا في سرعة توفير الأموال وتسويق الأدوات المالية بفضل ما لديها من معلومات وخبرات عن الأسواق المالية فإن المدخر في الأخير هو الذي يتحمل مخاطر الأدوات المالية المباشرة في حالة تغير مسيرة الجهة التي أصدرتها سواء كان ذلك في شكل تسديد قيم أدوات الدين أو توزيع الأرباح على الأسهم.

ثانياً: التمويل غير المباشر:إن الصعوبات التي يواجهها المدخر والمقترض في التمويل المباشر هي التي أدت إلى نشوء قناة التمويل غير المباشر والتي يتم من خلالها انتقال الأموال بطريقة غير مباشرة من المدخر إلى الوحدات الانفاقية العجزية وذلك بتدخل الوسطاء الماليين كالبنوك التجارية وشركات التأمين وجمعيات الادخار والإقراض(12).

ونقول أنها تتم عن طريق الأسواق المالية بواسطة الأموال المالية الوسيطة -مصرفية أو غير مصرفية-، وذلك بقيام المؤسسات المالية بتجميع المدخرات النقدية من الوحدات التي لديها فائض في السيولة النقدية -أفراد ومشروعات- لتوزيع هذه المدخرات على الوحدات التي هي بحاجة لها فهي تقرض ثم تقترض(13).

(شكل:2)

شكل يصعب رفعه على الموقع

قنوات التمويل غير مباشرة(14)

ونقول أيضا أن قيام المؤسسات المالية -الوسطاء الماليون- بالحصول على الموارد المالية من الوحدات ذات الفائض مقابل إصدار أصول مالية على نفسها وبيعها لهذه الوحدات ذات الفائض، وبالطبع تكون هذه الأصول من قبل الأصول المالية غير المباشرة لأن الذي أصدرها هي منشآت الوساطة المالية(15).

ومن مزايا التمويل غير المباشر(16):

– تستطيع البنوك تحقيق عائد صاف أكبر على المدخرات مقارنة بقنوات التمويل الأخرى.

– يستطيع المدخر أن يساهم في الأسواق المالية بمبالغ صغيرة من خلال إيداعها في البنوك أو المؤسسات الوساطة الأخرى.

– إن المدخر بإيداعه ما يدخر في البنوك تصبح له بدائل أكبر في استثمار مدخراته ولا يتقيد بأدوات مالية معينة تصدرها شركة معينة ويتحمل مخاطرها لوحده.

– إن مؤسسات الوساطة المالية والبنوك بشكل خاص توفر حماية وضمانة لمودعيها من خلال تجميع المخاطر.

6- أنواع التمويل

1/6/1: التمويل الداخلي: يقصد بالتمويل الداخلي المتولد من العمليات الجارية للشركة أو من مصادر عرضية دون اللجوء إلى مصادر خارجية، فالتمويل الداخلي لا يقتصر على الربح المحتجز وإنما على الأموال المنجزة لأسباب أخرى قبل اللجوء إلى الربح القابل للتوزيع والتي تشكل في مجموعها الفائض النقدي المحتجز لإعادة استثماره حيث ينقسم إلى(17):

1- الاستثمار السلبي: وهو عبارة عن الاستثمارات التي لم يتم صيانتها ولا تجديدها فتلجأ المؤسسة إلى التنازل عنها بالمقابل، وتدرج هذه الأموال ضمن أصول الميزانية وتستعمل لتمويل المشروع.

2- التمويل الذاتي: يعتبر التمويل الذاتي عنصر داخلي يمثل محرك نمو المؤسسة كما يعمل على رفع استقلاليتها المالية اتجاه دائنيها ويسمح لها برفع إمكانية حصولها على ديون في حالة طلبها لأنه يضمن التسديد، فمبلغه يمثل مؤشر متعلق بنجاح المؤسسة، ومن جهة أخرى يبين قدرة المؤسسة على التسديد ويمثل مقياس المخاطرة الذي على أساسه يقوم حاملي رؤوس الأموال باتخاذ قرار الاستثمار في أي مؤسسة.

ثانياً: التمويل الخارجي:يتمثل التمويل الخارجي في مختلف التمويلات التي بإمكان المؤسسات الحصول عليها من خارجها وباختلاف الطرق المستعملة في ذلك سواء كان ذلك بالاقتراض أو بزيادة حصص المساهمين، إذ أن هذا المصدر مرتبط ارتباطا وثيقا بالمصدر الأول -التمويل الذاتي- فمن أهم مصادره نذكر زيادة حصص المساهمة -رفع رأس المال- قروض متوسطة وطويلة الأجل(18).

7- مصادر التمويل الإسلامي

تتعدد مصادر التمويل المتاحة في الإسلام، وهي كما يلي:

– تمويل ذاتي.

– تمويل تعاوني.

– التمويل الإلزامي.

– التمويل الاستثماري.

أولاً: التمويل الذاتي:ويتمثل في الادخار، ويعرف الادخار في الاقتصاد الإسلامي بأنه: ذلك الجزء من دخل الفرد الذي لا ينفق على السلع الاستهلاكية والخدمية ولا يخصص للاكتناز(19).

وتأتي أهمية الادخار في الإسلام من أهمية موضوع الادخار في عملية التنمية، فالادخار من الأدوات الإسلامية التي يضبط بها الاستهلاك الترفي المحرم في الإسلام وبالتالي توجيه الأموال نحو الإنفاق الاستثماري الذي يعود بالنفع على الفرد والمجتمع(20).

والادخار كذلك من الأدوات الإسلامية الفاعلة في توزيع الثروة والدخل في المجتمع عن طريق استخدام الأموال المدخرة في الاستثمار وتحسين الإنتاج، وجاء تشجيع الإسلام على الادخار عن طريق العديد من القواعد الشرعية الواردة في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء: 29]. وقوله تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

كما شجع الإسلام الادخار عن طريق الحث على العمل والكسب باعتباره من أهم مصادر الادخار، ونهى عن إضاعة المال والتبذير والإسراف وحارب الفقر والكسل وغيره من العوامل المعوقة للادخار.

ومما سبق يتضح لنا أهمية الادخار في الإسلام وأهمية أن توجه المدخرات نحو الاستثمار كمصدر هام وحيوي من مصادر التمويل لهذه الاستثمارات، ويتضح لنا كذلك إن الإستراتيجية الإسلامية لرفع مستوى الادخار لها أبلغ الأثر في تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد والمجتمع وبالتالي تحقيق عملية التنمية الشاملة.

ثانياً: التمويل التعاوني -التكافلي-: وهذا النوع من التمويل هو من أهم ما يميز مصادر التمويل في الإسلام عن مصادر التمويل في النظم الاقتصادية الوضعية.

فالإسلام دين الرحمة، وقد ركز الإسلام على التمويل التعاوني والتكافلي كمصدر من مصادر التمويل لضمان حق الفرد في العيش بكرامة وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تشجع المؤمنين على التكافل الاجتماعي والتمويل التعاوني الذي لا يرجى ثوابه إلا من الله U.

ومن أهم أنواع التمويل التعاوني الإسلامي ما يلي:

1- التمويل بالقرض الحسن: والقرض في الإسلام هو: دفع مال أو تمليك شيء له قيمة بمحض التفضل على أن يرد مثله أو يأخذ عوضاً متعلقاً بذمة(21).

وصيغة القرض الحسن تعتبر من أبرز صيغ التمويل التعاوني القائم على أساس إعطاء الحق للمقترض على الانتفاع بالمال على أن يرد مثله، وهذه الصيغة من الصيغ التي تنفرد بها الشريعة الإسلامية في تمويل المحتاجين والفقراء.

وقد شجع الإسلام على التمويل بالقرض الحسن باعتبارها من أهم مصادر التمويل التعاوني، قال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}[البقرة:245].

وللقرض الحسن فوائد كثيرة أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وأنها تنمي في المجتمع المسلم التكافل والتراحم، وكذلك فالقرض الحسن أجيز استثناء لما فيه من رفع للمشقة ودفع للكرب وتحقيق لمصالح المجتمع.

2- التمويل بالهبة: والهبة تطلق على ما لا يقصد له بدل وهي: تمليك بلا عوض(22).

وهذا المعنى عند العلماء يشمل الهبة والوصية والهدية والصدقة والعارية، وبعض العلماء يرى أن العطية تشمل الجميع، وممكن أن نوضح الفرق بين كل منهم على النحو الآتي:

– الهبة: تمليك لعين بغير عوض عن غير احتياج.

– الصدقة: تمليك لعين بغير عوض عن احتياج.

– العارية: تمليك لمنفعة بغير عوض. (إعارة – استعارة).

وهناك فرق بين الهدية والصدقة لأن رسول الله rكان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فالهدية إعطاء شيء لشخص للتقرب إليه محبة له. بينما الصدقة إعطاء شيء لمحتاج للتقرب به إلى الله.

والأصل في الهبة عدم الاشتراط فيها فلا يجوز للواهب أن يعلقها على شرط فهي تعطى للشخص و هو حر التصرف فيها فيجوز أن يستخدمها في كل ما هو مباح ومنها التمويل لمشروع خاص بالموهوب له.

3- التمويل بالوصية: وهي هبة الرجل ماله لرجل آخر بعد موته.

وقد اعتبر الشارع الحكيم الوصية كمصدر من مصادر التمويل الاجتماعي في الإسلام، قال تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة:180].

4- التمويل بالوقف: والوقف هو: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة(23)، والوقف جائز بالإجماع وله العديد من الأشكال منها أوقاف المساجد، وأوقاف الأراضي، وأوقاف دور العلم، والمدارس، والمستشفيات…

5- التمويل عن طريق إحياء الموات: والأرض الموات هي: أرض خارج البلد لم تكن ملكاً لأحد ولا حقا خاصا له(24).

ولقد حث الإسلام على إحياء الأرض الموات وأشترط لتملكها استثمارها وتنميتها وهو ما يبينه حديث المصطفى r: “من أحيا أرضاً ميتة فهي له”(25)، ويعتبر إحياء الموات من أنسب مصادر التمويل الملائمة لطبيعة مشروعات استصلاح الأراضي وعمارتها والاستفادة من خيراتها.

ثالثاً: مصادر التمويل الإلزامي:وهي تتمثل في الدولة الإسلامية ومؤسسة الزكاة والإرث.

1- الدولة: تعد الدولة من أهم مصادر التمويل الإسلامي لتمويل قطاع المشروعات الناشئة، وذلك للدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به في سبيل دعم وتطوير المشروعات الناشئة وبما يكفل لها التطور والنجاح. والدولة هي البلد الذي يسود فيه الحكم الإسلامي وتجري فيه أحكامه(26).

ولقد استعرض الكثير من الباحثين العديد من الأهداف للاقتصاد الإسلامي، إلا أن أهم الأهداف وأشملها هي ما يلي(27):

– الضمان الاجتماعي: لقد فرض الإسلام على الدولة ضمان معيشة الأفراد ضماناً كاملاً، حيث يجب على الدولة أثناء تطبيقها لهدف تحقيق الضمان الاجتماعي أن تراعي مبدأين أساسيين(28):

*مبدأ التكافل العام: حيث يجب على الدولة أن تلبي حاجات الفرد الضرورية والكمالية، حيث يجب عليها ألا يقتصر دورها على تحقيق حد الكفاف للفرد المسلم بل أنها ملزمة في تحقيق حد الكفاية، فحد الكفاية هو الحد الذي تكون فيه مسئولية تحقيقه إما عن طريق الأفراد في المجتمع أو عن طريق المجتمع بكامله حيث تقوم به الدولة نيابة عن المجتمع.

*مبدأ حق الأفراد في الموارد العامة للدولة: فالدولة يجب عليها أن تستخدم مواردها العامة في تحقيق الضمان الاجتماعي عن طريق توزيع الثروة وإقطاعها إقطاع إرفاق لبعض أفراد المجتمع.

– تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة: إن تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة في البلدان الإسلامية يقتضي تنمية الدولة لقطاع الأعمال بشكل عام، ولتحقيق ذلك يجب على الدولة أن تراعي المقاصد العامة والتي من أهمها أن تكون موجهة وفقاً لمعايير الشرع والدين، تلك المعايير التي تكفل تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة كون أساس التنمية الحقيقية في الإسلام هي التوازن بين الجانبين المادي والاجتماعي القائمة على علاقة الإنسان بالله وبالكون وبالإنسان.

– التوازن الاجتماعي: ينفرد الاقتصاد الإسلامي عن الاقتصاديات الوضعية في أن من أهم أهدافه هدف تحقيق التوازن الاجتماعي بعكس الاقتصاديات الوضعية التي تكرس بمفاهيمها ومبادئها مبدأ التفاوت الاجتماعي، فالإسلام دين العدالة الشاملة، وقد أمر الإسلام الدولة بتحقيق هدف التوازن الاجتماعي ومنع تركز الثروات بيد طبقة معينة من الناس، وقد شرع الإسلام العديد من الآليات التي تكفل توزيع الثروة وعدم تركزها في يد طبقة معينة من الناس وأهمها الزكاة، والصدقات، والأوقاف والوصية، والميراث، والكفارات…، وغيرها من الآليات التي تكفل حق جميع أفراد المجتمع في الاستفادة من المال الذي خلقه الله عز وجل، ومن أكثر هذه الآليات فاعلية هي تداول الثروة عن طريق استثمارها وتشغيلها وتوجيهها نحو التنمية الحقيقية الشاملة بما يكفل استفادة جميع أفراد المجتمع من الثروات المتاحة(29).

ويجب على الدولة لتحقيق هدف التوازن الاجتماعي ضمان تطبيق الآليات الإسلامية ومن ضمنها تشجيع مؤسساتها والمؤسسات الخاصة على توجيه الأموال والثروات نحو الاستثمار الحقيقي والتنموي الذي يحقق مبدأ توزيع الثروة بين كافة أفراد المجتمع، وبالتالي تحقيق التوازن الإجتماعي.

2- الزكاة: يقصد بالزكاة: إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصاباً إن تم الملك وحال الحول(30).

وقد شدد الله عز وجل في العديد من الآيات القرآنية على ضرورة اعتبار الزكاة من أهم مصادر التمويل الإسلامي لضمان عيش الفرد المسلم بكرامة عن طريق تلبية متطلباته واحتياجاته المادية والروحية على حد سواء.

وتنبع أهمية الزكاة كمصدر من مصادر التمويل الإسلامي من آثارها الاقتصادية والاجتماعية وآثارها الروحية، فمن أهم آثار الزكاة الاقتصادية أنها من أهم الأدوات الإسلامية التي تساهم في إعادة توزيع الثروة بين كافة أفراد المجتمع، إضافة إلى أنها أداة إسلامية فاعلة في توجيه المال نحو الاستثمار والتنمية وبالتالي فهي تنمي الثروات وتحد من البطالة.

كما تتمثل آثار الزكاة الاجتماعية في النهوض بالطبقة الفقيرة إلى الحياة الكريمة وطمأنينة النفس واستقامة السلوك، إضافة إلى أنها تقلل من شعور المجتمع بالتفاوت الطبقي وتلعب دوراً كبيراً في تطهير النفس من الأحقاد وبالتالي تحد من الجريمة وتحافظ على الأمن في المجتمع، إضافة إلى كونها أداة لتطهير المجتمع من أمراض الشح والبخل، وتربي القيم والأخلاق كالكرم والجود.

ومن أهم آثارها الروحية أنها تبعث في النفس الطمأنينة كونها تشعر الفرد بحلاوة الإيمان بالله Uعن طريق شكر النعمة، إضافة إلى أنها تشعر الفرد بانتمائه لمجتمعه من خلال إعانة الفقير وإغاثة الملهوف.

3- الإرث: الإرث في الإسلام: انتقال ملكية الشيء من إنسان إلى آخر(31). قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا}[الأحزاب:27]. والإرث في الإسلام من أهم مصادر التمويل الإلزامي، ويعتبر من الوسائل التي عني الإسلام بشرحها وتبيينها للناس وذلك لما لها من أهمية كبيرة في تداول الثروة وتوزيعها في المجتمع ومنع تركزها بيد أشخاص قلائل، وانتقالها إلى أكثر من شخص يتيح التمويل بدرجة أكبر.

رابعاً: التمويل الاستثماري:من أهم مصادر التمويل الاستثماري هو الشركات والمصارف الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى.

1- الشركات: تعرف الشركة في الفقه الإسلامي بأنها: اختصاص اثنين فأكثر بمحل واحد(32).

وتنقسم الشركة في الإسلام إلى ثلاثة أقسام هي:

– شركة الإباحة: وهي اشتراك العامة في حق تلك الأشياء المباحة التي ليست في الأصل ملكاً لأحد كالماء بأخذها وإحرازها(33).

– شركة الملك: وهي التي تقوم على ملك اثنين أو أكثر لمال أو دين بسبب من أسباب الملك أو الدين ليس فيها قصد الإستباح وليست بقصد التجارة وإنما حيازة على الشيوع، ولذلك فإن الربح والخسارة يكونان بحسب حصص الملكية(34).

وتنقسم شركة الملك إلى قسمين:

*شركات ملك اختيارية: وهي التي تنشأ عن طريق الشراء أو الهبة أو عن طريق خلط مالين بقصد.

*شركات ملك إجبارية: وهي التي تنشأ عن طريق الإرث.

– شركة العقد: وهي عقد بين المشاركين في رأس المال والربح أو في الربح فقط(35). وهي أنواع(36).

*شركة الأموال: وهي أن يخلط اثنان ماليهما بقصد الاسترباح، وتقسم الأرباح بنسبة رأس المال مالم يتفقا على خلاف ذلك، أما الخسارة بحسب نصيب كل شريك في رأس المال ولا يجوز الاتفاق على خلاف ذلك(37).

*شركة الأبدان –الأعمال-: وهي الشركة التي تعتمد على الجهد البدني أو الفكري حيث يشترك اثنان أو أكثر في عمل معين أو في تقبل الأعمال ويكون ما يكسبان مشتركاً بينهما حسب الاتفاق(38).

*شركة الوجوه: وهي شركة تقوم على أساس وجاهة الشريكين وثقة التجار فيهما، حيث يشترك اثنان ليس لهما مال ولكن لهما وجاهة عند الناس فيقولان اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة ونبيع بالنقد على أن ما رزقنا الله سبحانه من ربح فهو بيننا على شرط كذا(39).

*شركة المضاربة: وهي شركة بين رأس مال من شخص رب المال- وعمل من شخص آخر – المضارب، أي أن الشريكين يقتسمان الربح فيما بينهما والخسارة يتحملها رب المال ما لم يكن المضارب متعدياً أو مقصراً. والمضاربة إما أن تكون مطلقة لا تتقيد بزمان ولا مكان ولا نشاط معين، أو مقيدة؛ أي بزمان أو مكان أو نشاط.

2- المصارف الإسلامية: وهي: المؤسسة المالية التي تزاول الأعمال المصرفية وتستثمر الودائع وفق أحكام الشريعة الإسلامية(40).

3- مؤسسات التمويل الإسلامية الأخرى: تعتبر هذه المؤسسات من أهم مصادر التمويل الاستثماري، وتتشابه هذه المؤسسات إلى حد كبير مع المصارف الإسلامية من حيث أن كل منها تستثمر أموال الغير في تمويل المشروعات الاستثمارية الربحية مقابل الحصول على عائد تبيحه الأحكام الشرعية، إلا أنها تختلف عن المصارف الإسلامية في الهيكل التنظيمي لكل منها، إضافة إلى مصادر الأموال في مثل هذه المؤسسات تختلف عن مصادر الأموال في المصارف الإسلامية، حيث تقتصر مصادر الأموال في مثل هذه المؤسسات على الودائع الاستثمارية فقط، دون أن تعني بجذب الودائع الجارية، وبالتالي تختلف الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات عن الخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية، حيث أن هذه المؤسسات لا تهتم بتقديم جميع الخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية، وإنما تركز فقط على تقديم خدمة استثمار أموال الغير مقابل نسبة من العائد المتحقق.

الفصل الثاني

ضوابط ومعايير التمويل الإسلامي

هناك العديد من الضوابط والمعايير التي يجب مراعاتها في التمويل الإسلامي، وسنوضح هذه الضوابط والمعايير بما يتلائم مع تنوع مصادر التمويل كما يلي:

1- ضوابط التمويل الإسلامي

كل فعل للإنسان له حكم فى الشريعة، وله مجموعة من الضوابط والشروط التى توفر له الصحة وبلوغ الثواب، وكل أمر ونهى لابد له من كلمة تراعى مصلحة العباد، فالشريعة مبنية على تحقيق مصالح العباد، فمثلاً حرمت الشريعة الغش لحفظ المال الذى به قوام الدنيا وتعامل الخلق، وهكذا.

والتمويل الإسلامي ينضبط بمجموعة من الضوابط الحاكمة له، سواء بالحظر أو الإباحة أو الوجوب، وسواء كان ذلك من حيث المجال أو الصيغة أو الغاية منه… إلخ.

وقد يكون الضابط نص مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: 275] الذى يفيد إباحة البيع وتحريم الربا فى الكسب والتعامل، أو يكون الضابط قاعدة منهجية مثل الصدق والوفاء، وغيرها من القيم الأخلاقية التى يلتزم بها المسلم فى نشاطه الاستثمارى. وفيما يلى أهم الضوابط للتمويل فى الشريعة الإسلامية:

أولاً: الضوابط العقيدية:وهي مجموعة من المبادئ العقيدية الثابتة التي أوجب الشارع على المسلم الإيمان بها إيماناً عميقاً وذلك بوصفها مبادئ توجه سلوك المستثمر عقيدياً وتحدد المنطلق الذى ينبغى أن ينطلق منه التمويل والاستثمار في المشروعات. ويمكن تقسيم المبادئ العقيدية إلى أربعة مبادئ هى:

1- مبدأ ملكية الله المطلقة للمال: فهذا المبدأ أو الضابط يقرر أن الأموال التى تحت يد المسلم ملك لله فى أصلها، وأنه سبحانه وتعالى هو المالك الحقيقى الأصيل لها، وأن وجودها فى يد الإنسان لا يعنى خروج المال عن ملكيته U.

وهذا المبدأ يمثل فى حقيقته ضماناً لتوجيه المال فيما يعود بالنفع والفائدة على الممول أو المستثمر من جانب، وعلى عموم الأمة من جانب آخر، ويعتبر هذا المبدأ رقيب عتيد على المستثمر المسلم وحافظ أمين على سلامة منهجه فى استثمار أمواله وبدونه ليس هناك فرق بينه وبين الآخرين حيث إن الربح وحده هو الموجه الاستثمارى لهم.

2- الإيمان بمبدأ الاستخلاف فى المال: مبدأ الاستخلاف فى الأموال هو تمليك المالك الحقيقي – عز وجل- إنساناً حق الانتفاع والتصرف فى أموال سبق أن ملَّك -جل شأنه- غير ذلك الإنسان حق الانتفاع فى ذات الأموال، بعبارة أخرى هو استرداد الخالق صلاحية التصرف فى أموال استهلاكاً واستثماراً من وكيل ومنح تلك الصلاحية لشخص آخر.

ومعنى الاستخلاف فى المال كما تقرره النصوص الشرعية أن ملكية الإنسان مجازية للأموال، وتكون ملكية حق التصرف والانتفاع والاستهلاك والاستثمار، ولكن لابد أن يتصرف فى تلك الأموال وفق إرادة المستخلَف جل جلاله. وبناءً على ذلك فإن على مالك الأموال استحضار الأمور التالية عند تصرفه فى أمواله استثماراً واستهلاكاً:

– مراعاة مقصد المالك الأصيل لإرادته وعدم تجاوز نطاق الحدود المرسومة له فى التصرف فى هذا المال استهلاكاً واستثماراً(41).

– ضرورة اعتقاد وإيمان المستثمر بأن الاستخلاف فى المال أمر موقوت ومؤقت ولا يدوم إلى الأبد، لأنها لو اتصفت بالدوام والاستمرار لأخلَّت بمبدأ الاستخلاف.

– ما دام المستثمر للمال وكيلاً أو مستخلفاً للمال استهلاكاً واستثماراً فإن مقتضى الاستخلاف والوكالة أن يلتزم الوكيل بتعليمات الموكِّل، فلا يجوز له أن يتصرف فى شيء يحوزه تصرفاً يخل بحق المالك أو يخرج عن أحكامه وشروطه المنظمة للتعامل فيه(42).

وبذلك فإن مبدأ الاستخلاف فى ملكية الأموال وحيازتها يحتم على مستثمرها الانقياد والخضوع لإرادة المستخلف جل شأنه، وعلى السعي نحو تطبيق مراده وغايته ومقصده من الاستخلاف فى التصرف فى الأموال استهلاكاً واستثماراً، كما أنه يتحتم عليه اتباع تعليماته وإرشاداته فى استثمار المال، وعدم الانحراف وتجنب وسائل الاستثمار والتمويل غير المشروعة، وبذلك يتمكن من الامتثال لما يريده منه مستخلفه – جل جلاله-، وكذلك تقبَّل المستثمر المسلم لأوامر المالك الحقيقي الأصيل وتوجيهاته بتنمية الأموال واستثمارها فيما يعود على المستثمر والجماعة بالنفع العظيم والخير الكثير.

3- الإيمان بمبدأ ملكية الإنسان المقيدة للمال: يقوم هذا الضابط على النظر إلى اعتبار أن ملكية الأفراد والجماعات للأموال التى تحت أيديهم ملكية مجازية، كما يهدف هذا الضابط إلى تذكير المستثمر والممول بأن ملكية الأموال ليست أبدية ولا مطلقة وإنما هى تابعة لملكية الله المطلقة في كل شيء بما فيها المال.

وجدير بالذكر أن نفرق بين نوعين من الملكية، حيث هناك الملكية المطلقة والأخرى الملكية المقيدة، فالملكية الأولى دائمة والثانية مجازية، وأيضاً الملكية الأولى صاحبها هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لا يطرأ عليه تغير ولا يقبل انتقالا ولا تحول بل هو دائم فى السماوات والأرض، وهذا ينفى الملكية المطلقة للمال بالنسبة للإنسان.

4- الإيمان بمبدأ ابتغاء مرضاة الله من الاستثمار والتمويل: إن لكل عمل يقوم به المسلم فى حياته غاية وهدفاً، يرتبط قبول ذلك العمل وعدم قبوله بغايته والهدف منه، وأنه يجازى عليه حسنًا وسوءًا بناءً على الغاية والدافع الباعث عليه، ويقوم ربط تصرفات المسلم كلها بغاياتها وأهدافها على الأساس العقدى الثابت فى الإسلام، والذى يتمثل بربط الدنيا بالآخرة.

ولهذا فإن هذا الضابط لا يضبط التمويل والاستثمار وحدهم، وإنما يعد فى حقيقته ضابطاً لكل نشاط يمارسه المسلم في حياته، والضابط العقدى المعنوى الذى لا يطَّلع عليه أحد سوى المستثمر نفسه، وكلما جعله نصب عينيه فإن التوفيق والسلامة نصيبه وحليفه فى جميع نشاطاته، ونضيف إلى ذلك أن هذا المبدأ أو الضابط الذى يسعى المسلم إلى تحقيقه فى استثمار أمواله يختار النشاط الاقتصادى المجال الذى يحقق له فى النهاية رضا الله مع أنه قد يكون ربحه المادى قليلاً، ويرفض أن يشترك فى مجال لنشاط اقتصادى فيه غضب الله مع أنه قد يجنى من ورائه ربحاً مادياً كثيراً لأن للمسلم مقاييسه الخاصة التى يزن بها مقدار الخسارة ومقدار الربح(43).

وبهذا فإن هذا الضابط من الضوابط التى تضبط سلوك الممول والمستثمر المسلم، ويعد ضابطاً وقائياً له من استثمار أمواله فيما يغضب الله ولا يرضاه، بل أن هذا الضابط يوجه المستثمر المسلم لئلا يدفع بأمواله نحو أنشطة استثمارية توجب غضب الله، ويصونه فى الوقت نفسه من التورط فى أى نشاط استثمارى لا يحقق هذا الهدف ولا يتحصل على هذه الغاية منه.

ثانياً: الضوابط الخلقية:تعنى الضوابط الخلقية -من منظور هذه الدراسة-: مجموعة من المبادئ والقيم الخلقية الثابتة التى توجه سلوك الممول والمستثمر، والتي أوجب الشارع الحكيم على المستثمر الالتزام بها عند استثمار ماله، وذلك بغية تحقيق مقاصد الشرع المتمثلة فى الحفاظ على استدامة تنمية المال وعلى ديمومة تداوله، وتحقيق الرفاهية الشاملة للفرد والجماعة تحقيقاً للقيام بواجب الخلافة لله وعمارة الأرض.

والضوابط الخلقية لها دور جل وأكيد فى توجيه استثمار المسلم لأمواله، وإخضاع تمويله واستثماره لتحقيق مقاصد الشريعة وأهدافها من المعاملات المالية عامة، ومن النشاط الاستثمارى خاصة، لم يكن غريباً فى شيء ربط الإسلام النشاط الاستثمارى بها فى كل الأحوال بغض النظر عن عائد ذلك الالتزام(44).

وأياً ما كان الأمر فلم يكن ثم عجب من ربط الإسلام الاستثمار بالأخلاق وإلزام المستثمر المسلم بالتزام تلك الأخلاق النافعة في الدنيا والآخرة، وإذا كان الأمر كذلك، فمن المهم أن نبين المبادئ الخلقية التي لا قيام لتمويل أو استثمار صالح نافع للفرد والجماعة بدون الالتزام بها، ولا يمكن فى الوقت نفسه أن يخلو استثمار من التأثر بها إن إيجاباً أو سلباً، فيمكننا اعتبارها أمهات الأخلاق فى مجال استثمار المال وهى:

1- الالتزام بمبدأ الصدق: نقصد بالصدق فى مجال تمويل واستثمار الأموال، التزام المسلم بقول الحق عند استثمار أمواله بيعاً أو شراءً، فإذا دفع بأمواله إلى عمليات تجارية بغية تنميتها واستثمارها فينبغى عليه أن يلتزم قول الحق والصدق بغض النظر عن الأثر المادى الذى سيترتب عليه التزامه بهذا الخلق إن ربحاً أو خسارة، وليكن مبعث ذلك الالتزام به فى جميع أحواله، ومع كل الناس وفى كل زمان ومكان.

فالمستثمر المسلم ملزم إذا كان بائعاً بإخبار المشترى عن حقيقة السلعة التى يبيعها له، وعدم وصفها بأوصاف كاذبة أو الدعاية لها بطريقة خادعة، وهو ملزم أيضاً إن كان مشترياً بقول الحق أثناء مساومته لسلعة من السلع، والابتعاد عن الحلف والكذب بغية إقناع البائع بما يقوله والتحايل عليه. ويعود ربط الإسلام استثمار الأموال بضابط الصدق إلى اعتبارات جمة نذكر منها ما يلى:

– كون التمويل والاستثمار نشاطاً اقتصادياً يقوم فى صميمه على التبادل والمقايضة والمعاوضة، مما يجعله وطيد الصلة بالاحتكاك المستمر بين المستثمر وغيره من البشر، مما يجعل الالتزام بقول الحق أمراً مهماً.

– كون التمويل والاستثمار فى حقيقته نشاطاً مزدوجاً يتم بناءً على اقتناع أحد الطرفين بما يقوله الآخر، وهذا يقتضى من المسلم إن كان بائعاً أو مشترياً ألا يكون ممن يسلك مسلك الخداع والكذب والتمويه.

– كون التمويل والاستثمار يقوم نجاحه الدائم فى الواقع على ما يتميز به المستثمر من نـزاهة وصدق ووضوح حيث إن صدق المستثمر فى استثماره وعدم غشه للطرف الآخر يؤهله النجاح، وأن ثقة الناس فى المرء تدفعهم إلى الإقبال على التعامل معه بيعاً وشراءً.

ولكى يتحقق للمستثمر المسلم الشعور بمبدأ الصدق وحسن الخلق أثناء الاستثمار لابد أن يلتزم بما يلى:

– عدم الغرر.

– ترك الثناء على السلعة.

– ألا يكتم من عيوبها وخفاياها وصفاتها شيئاً.

– ألا يكتم من وزنها ومقدارها شيئاً.

– ألا يكتم سعرها المتداول به فى السوق.

وبعد العرض لهذا الضابط نذكر بأن هذا الضابط يعد بحق من أهم الضوابط الخلقية الروحية الموجهة لسلوك الممول والمستثمر المسلم، ويعد ضابطاً ذا دافع عقيدى إيمانى لعدم تأثره بعائده المادى ربحاً وخسارة.

2- الالتزام بمبدأ الأمانة: يراد بهذا الضابط أن يلتزم المستثمر عند استثمار أمواله برد كل حق إلى صاحبه -قل أو كثر-، ولا يأخذ أكثر مما له، ولا ينقص من مستحقات الآخرين ما هو لهم من ثمن أو أجر أو جعالة أو عمولة، ويعنى أيضاً أن يلتزم المستثمر المسلم بالوفاء بعهوده وعقوده مع الآخرين وألا يخون أحداً بيعاً أو شراءً(45).

والأمانة هى رأس مال مستثمر الأموال، والركن الركين الذى يتوقف توافره نجاح استثماره، فالذى يأمنه الناس فى معاملته استهلاكاً واستثماراً تجد لسلعته رواجاً وانتعاشاً ويزداد ربحاً عند الله وعند الناس، والأمانة دعامة بقاء الإنسان مستثمراً وباسطة ظلال المن والراحة ورافعة أبنية السلطان وروح العدالة وجسدها..(46).

وقد شرع الإسلام طرقاً عديدة للاستثمار من بيع وشراء وشراكة وقراض، فإنه لا وجود لهذه المعاملات إذا لم يكن هناك التزام بالأمانة والصدق فى التعامل والابتعاد عن الغش والخيانة، بما يعنى أنه بدون هذا الضابط لن يكون هناك استثمار عن طريق الشركات التى مبناها الأمانة، كشركة العنان والمعاوضة، وبانعدام الثقة بين المضارب ورب المال تتعذر المضاربة، كما لن يكون هناك عقد مرابحة شرعى إذ أن المشترى تظل شكوكه إزاء الأخبار التى ينقلها إليه المستثمر حول السعر الحقيقى للبضاعة محل المرابحة، وبذلك تخلو الساحة الاستثمارية من هذه العقود والمعاملات ويزول الاستثمار، وتصاب الأمة برمتها بالركود الاقتصادى والتخلف التنموى.

3- الالتزام بمبدأ الوفاء: إن النشاط الاقتصادي عامة والنشاط الاستثماري خاصة يقوم على تبادل المنافع والمقايضة بين الأعيان والأثمان، ومن ثَمَّ يجب على المستثمر المسلم أن يلتزم بمقتضى الشروط والعقود والالتزامات المالية بينه وبين غيره.

والابتعاد عن الخيانة وعدم الوفاء بوعد أو بشرط سواء كان التعامل مع مسلم أو غير المسلم وسواء كانت المعاملة فى دار الإسلام أو فى غيرها، والإسلام قد عنى فى جميع تشريعاته بإلزام المتعاقدين بالوفاء بالعقود. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1].

فالوفاء بالعقود فى النشاط الاستثمارى يظل رقيباً على المستثمر المسلم بحيث يدفعه إلى أخذ الحيطة والحذر قبل إبرام العقود والالتزام بها، وقيل قبل قبول شرط من الشروط، بل إن هذا الضابط يجعل المستثمر المسلم مثالاً للانتظام والاستقامة والعدالة ونموذجاً حياً عملياً لتعاليم الإسلام القائمة على الانضباط والنظام.

4- الالتزام بمبدأ العدل: يقصد بهذا المبدأ التزام الأطراف فى العملية الاقتصادية الاستثمارية بمبدأ العدل بحيث لا يضر طرف بآخر، ولا تربح جهة على حساب أخرى، ولا ينمى أحد أمواله على حساب تدمير أموال غيره.

ومن المعلوم أن نظرة المذاهب الاقتصادية أو الفكرية إلى العدل تتفاوت فيما بينها، حيث نجد أن المذاهب الوضعية تميل إلى اعتبار العدل قيمة نسبية غير مطلقة، فنجد تلك المذاهب أو غيرها من المذاهب الحرة لا ترى من حرج أن يقوم الاقتصاد على الربا وعلى الجور وعلى امتصاص ممتلكات الضعفاء والفقراء، كما أنها لا تمانع فى أن يشيع الاحتكار فى المجتمعات ما دامت تلك الأمور السابقة تحقق المزيد من الأرباح والفوائد، ولكن نجد أن المذهبية الإسلامية تنظر إلى العدل بوصفه قيمة مطلقة لا نسبية، حيث إن المراد بالعدل فى مجال استثمار الأموال هو أن يلتزم المسلم عند استثمار أمواله بالإنصاف وعدم الجور على الصديق أو العدو ومع المسلم وغير المسلم، بحيث لا يستثمر أمواله فى تعامل يقوم على تعمد خسارة الآخرين وظلمهم وأكل أموالهم بالباطل، كما لا يستثمر ماله فى عقود تقوم على الاحتكار أو نجش الناس أشياءهم أو تطفيف الكيل والميزان؛ فالإسلام لم يحرم الفوائد والبيوع المحرمة إلا بسبب تخلف هذا المبدأ وبسبب كونه منبثقاً من الظلم والإضرار بالآخرين.

ثالثاً: الضوابط الاجتماعية(47):نقصد بها “مجموعة من المبادئ الاجتماعية التى أوجب الشرع على المستثمر المسلم الالتزام بها عند استثمار أمواله لئلا يؤدى استثماره إلى الإضرار بالمجتمع الإنسانى فى مقوماته الأساسية”.

فنحن نجد أن الإسلام استهدف منذ أيامه الأولى القضاء على الصراع الطبقى الناجم عن سوء توزيع الثروة فى المجتمع وإزالة الفوارق بين الأغنياء والفقراء، وهذه المعانى تتجلى بحيث يوضع الفقير أميناً على أموال وممتلكات الأغنياء ويستشعرون بأنهم أفراد من المجتمع لهم قيمتهم وملكاً لهم.

ولهذا يمكننا أن ندرك أن تذكِرة المستثمر المسلم لهذه المبادئ عند استثمار أمواله أمر مهم جداً لئلا ينجرف به الجرى وراء الكسب المادى الرخيص.

من هذا نخلص أنه، بالإضافةإلى أمهات الأخلاق في مجال استثمار الأموال – والتي سبق الإشارة إليها-،هناك ثلاث ضوابط أساسية ينبغى على المستثمر المسلم مراعاتها عند التمويل والاستثمار وهى:

1- الابتعاد عن الاحتكار: هناك تعريفان شهيران للاحتكار: أولهما: يعرف الاحتكار بأنه: “حبس ما يضر بالناس حبسه بقصد إغلاء السعر”(48).

والثاني فيعرف الاحتكار بأنه: “حبس الأقوات بغير إغلاء السعر”(49).

فالتعريف الأول ينحصر فى الجانب الأعم الشامل بالنسبة للإسلام حيث النظرة الشاملة المتكاملة للاحتكار، بعكس التعريف الثانى الذى يقصر الاحتكار على جانب الطعام والشراب.

والاحتكار من المنظور الإسلامى  ليس بوسيلة استثمار مشروعة؛ لما فيه من أضرار بالمجتمع، وبما يقوم به من الحيلولة دون استقرار المجتمعات اجتماعياً وتضييق على الناس فى أرزاقهم وأقواتهم، فضلاً عن كون الاحتكار إهداراً لحرية التجارة والصناعة، وكذلك نجد أنه يتحكم فى السوق ويفرض على الناس ما يشاء من أسعار.

وكذلك لا بد أن نوضح أن صور الاحتكار فى العصر الحديث قد تعددت بشكل كبير حتى وصل الأمر إلى المحتكر أن يقوم بإتلاف السلعة وقذفها فى البحور والأنهار حتى يحافظ على سعرها، وهذا ما حدث فى البرازيل حيث أحرقت الدولة مئات الملايين من الأطنان من محصول البن للمحافظة على سعره بالرغم من حاجة بعض الدول إليه، حتى الأفراد فى دولة البرازيل نفسها(50).

ولما كان الاحتكار قد حرمه الإسلام فإنه يجب على المستثمر المسلم عدم استثمار أمواله في مشروعات احتكارية؛ حتى يتحقق الاستقرار فى المجتمع والرفاهية والمحبة والإخاء وإزالة الحقد والكراهية بين الأفراد.

2- الابتعاد عن الربا: الربا من البيوع الفاسدة المنهى عنها نهياً مغلظاً. ويقصد به زيادة أحد البديلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض، وينقسم إلى قسمين:

الأول: ربا النسيئة: وهو أن تكون الزيادة المذكورة فى مقابل “تأخير الدفع” ومثال ذلك: ما إذا اشترى إردباً من القمح فى زمن الشتاء بإردب ونصف يدفعها فى زمن الصيف، فإن نصف الإردب الذى زاد فى الثمن لم يقابله شىء من المبيع، وإنما هو فى مقابل الأجل فقط، ولذا سمى بربا النسيئة أى التأخير. قال رسول الله r: “لا ربا إلا فى النسيئة”(51).

الثانى: ربا الفضل: وهو أن تكون الزيادة المذكورة مجردة عن التأخير، فلم يقابلها شيء، وذلك كما إذا اشترى إردباً من القمح بإردب وكيلة من جنسه مقايضة، بأن استلم كل من البائع والمشترى ماله، وكما إذا اشترى ذهباً مصنوعاً زنته عشرة مثاقيل بذهب مثله قدره اثنا عشر مثقالاً. قال رسول الله r: “الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد”(52).

3- الابتعاد عن الاستثمار فى السلع الضارة وتجنب التعامل فى الأعيان المحرمة: إن المستثمر المسلم مطالب بأن يوجه أمواله نحو المشروعات التى تنتج طيبات مشروعة لتشبع الحاجات السوية للإنسان، ذلك أن من أهداف الاستثمار إشباع حاجات الإنسان على اختلاف أنواعها بما يحفظ عليه دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله، ولا وسيلة لتحقيق ذلك إلا بالتعامل مع الطيبات، كذلك لابد من تجنب التعامل فى الأعيان المحرمة، كالخمر والخنـزير والمخدرات لما فيها من إتلاف المال وتبديد الثروة فيما لا مصلحة فيه لكونها تذهب العقل وتدمره والشرع من مقاصده الحفاظ على العقل، ولما تورثه أيضاً من العداوة والبغضاء.

وقد اتفق الفقهاء على أن قيمة الأشياء تنبع من مدى نفعها وفق الضوابط الشرعية والمنفعة، وإشباع الحاجات بما يحفظ عليه المقاصد الشرعية(53).

إن معيار تقييم المشروعات الاستثمارية فى الإسلام مبنى على إنتاج الطيبات من السلع والخدمات، فسيادة المستهلك تكون محدودة برضاء الله واجتناب نواهيه، وبذلك فإن المشروعات المطروحة، التى تقوم على إنتاج منتجات ضارة بالإنسان أو لا تساهم فى إشباع حاجته – تخرج من إطار الاختيارات المطروحة، فهى ليست محلاً للبحث والتقييم(54).

وخلاصة القول أن على المستثمر المسلم أن يلتزم بالمعايير والمبادئ الاجتماعية الثلاثة وينطلق باستثمارته منها واضعاً نصب عينه نيل مرضاة الله وتحقيق الغاية من استخلافه فى هذه الأموال المتمثلة فى إقامة حياة سعيدة لكل أفراد المجتمع وتحقيق الرفاهية الشاملة للبشرية جمعاء، وكلما استشعر المستثمر المسلم هذه الغاية السامية حق له أن يوصف بالمستثمر الإنسانى الذى يسعى إلى إسعاد البشرية.

رابعاً: الضوابط الاقتصادية:يقصد بها مجموعة من المبادئ الاقتصادية العامة التى يؤدي التزام المستثمر المسلم بها إلى تحقيق مقاصد الشرع المتمثلة فى استمرار تداول المال وفى تحقيق الرفاهية الكاملة للفرد والجماعة، والقيام بمهمة الخلافة لله وعمارة الأرض، وهذه المبادئ فى جملتها مرنة، ودوائرها خاضعة للظروف والأزمنة والأحوال، كذلك لأن ضبطها يتأثر بجملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وهى تلك الضوابط المتعلقة بالمحافظة على المال وتنميته ووجوب مراعاة الأولويات الاقتصادية الإسلامية عند استثماره، وهى الضوابط التى ترد على تملك المال واستثماره على وجه الخصوص، ونوجز الضوابط الاقتصادية فيما يلى:

1- الالتزام بمبدأ حسن التخطيط عند التمويل والاستثمار: ويقصد به ضرورة التزام المستثمر المسلم بحسن التخطيط عند استثماره لأمواله، بحيث لا يقدم على الاستثمار دون استيعاب للمجال الذى يبغى الاستثمار فيه، حيث إنه من الخطأ الجسيم أن يقتحم المستثمر المسلم مجالات للاستثمار دون أن تكون له الخبرة الكافية والمعرفة العلمية بذلك المجال؛ حتى لا يفقد أمواله بسبب جهله لهذا المجال.

2- الالتزام بتوجيه استثمار المال إلى جميع المجالات التى تمليها حاجة المجتمع لكي يتحقق التوازن فى المجتمع الاقتصادى الإسلامى ، فإنه يتعين أن يتوازن كيانه الاقتصادى بقدر ما أتيح له من موارد وإمكانيات، وذلك بتوزيع الاستثمارات التى تمليها ضرورات المجتمع على جميع المجالات فى توازن قويم على هذه الموارد والإمكانيات، فلا يقتصر الاستثمار فى مجالات الزراعة وتترك المجالات الأخرى الصناعية، والتجارية، والخدمات(55).

ويؤدى تعدد وتنوع مجالات الاستثمار إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى والذى يعتبر مبدأً اقتصاديًا وسياسيًا مهماً؛ حيث إنه يهيئ الدولة للاستفادة من جميع الموارد والإمكانيات المتاحة، وتهيئة أفراد الدولة لأن يكونوا أهلاً لتنفيذ الاستفادة من هذه الموارد والإمكانيات، وبذلك يتحقق الاستقلال الاقتصادى للمجتمع الإسلامى ، وإبعاده عن أخطار التبعية الاقتصادية.

ولكى تستطيع الدولة تحقيق التوازن بين مجالات الاستثمار، فإن الإسلام يلزم المستثمر المسلم برسم سياسته الإسلامية فى توازن قويم بين مجالات الاستثمار المختلفة، فى ضوء ما تمليه حاجة المجتمع، ما دام استثماره يحقق له ربحًا معتدلاً ويخدم فى الوقت نفسه المجتمع الذى يعيش فيه(56).

3- مراعاة المنافع المستقبلية: إن الإسلام لم يقتصر على توليد عائد كافٍ للأجيال الحاضرة فحسب بل يمتد إلى الأجيال القادمة ومدى استفادتها منه، لذا فإنه يلزم اهتمام المسلم بمراعاة اختيار المشروعات التى يمتد أثرها إلى أكبر قدر ممكن من الزمن لإفادة الأجيال القادمة، لما فى ذلك من أجر عظيم بعد موته، كما يقول الرسول r: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”(57).

والموازنة بين مصالح الأجيال الحاضرة والأجيال القادمة أمر ضرورى عمل به الصحابة y، وذلك كما فعل عمر بن الخطاب tفى عدم تقسيم أرض العراق على الفاتحين بل فرض الخراج عليها لمصلحة أجيال المسلمين القادمين.

ومما يؤكد ذلك قول الله U: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر: 10]. وتوضح الآية الكريمة أن المقصود من الذين جاءوا من بعدهم التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة.

وتأسيسًا على ذلك يلزم مراعاة اختيار المشروعات التى تمتد لأطول مدة ممكنة من خلال قدرتها على توليد عائد كبير يقدم جزءًا منه فى الإنفاق الاستهلاكى، وجزءًا فى التكوين الرأسمالى الذى يمول المشروعات بطاقات متجددة ومتزايدة، وبذلك يتسع مداه المادى والزمنى إلى الأجيال القادمة(58).

ويجب أيضاً اختيار المشروعات التى تدر عائدًا كافيًا لأكبر عدد ممكن من الأحياء، فيعتبر المشروع أكبر كلما ساعد عدد أفضل من المسلمين على تحقيق هذا الواجب أى تحصيل عائد كافٍ إسلاميًا، ولا يعنى تحقيق هذا الهدف زيادة عدد العاملين فى المشروع وإلا أدى ذلك إلى زيادة التكاليف مما يوقع المشروع فى خسارة، ومما يؤدى إلى حرمان أصحاب المشروع من تحقيق هدف اكتساب الرزق، حيث إن الهدف الرئيسى للنشاط الاقتصادى هو تحقيق عائد حلال سواء كان فى صورة أجور أو إيجارات أو أرباح لكل العناصر المشاركة فى العملية الإنتاجية.

إن الإسلام لم يهتم بما يحدثه المشروع من منافع للعناصر المشاركة فى العملية الاستثمارية فحسب، بل يهتم بما يحدثه المشروع من آثار خارجية كرفع المستوى الثقافى والاجتماعى للمجتمع الذى يقام فيه المشروع، وهذا الأمر لا نجده فى الفكر التقليدى الذى تتركز اهتماماته بدرجة كبيرة على الآثار الذاتية للمشروع مما يعني أن الإسلام يهتم بالجدوى الاجتماعية بدرجة أكبر مما هو موجود في الفكر التقليدي(59).

4- الالتزام بالأولويات الاقتصادية للمجتمع: ويمثل هذا الالتزام أحد الضوابط الاقتصادية التى يفرضها المنهج الإسلامى للاستثمار على مالك المال، حيث يلزم الإسلام مالك المال بأن يراعى عند توجيه ماله للاستثمار احتياجات وأولويات مجتمعه وجماعته الإسلامية؛ فهو مطالب بتوجيه استثماراته وفق الترتيب الشرعى للأولويات الإسلامية من ضروريات وحاجات وتحسينات(60)، وذلك وفق القواعد الترجيحية التى ذكرها علماء المسلمين، لا توجه الاستثمارات -مثلاً- لإنتاج الحاجات وهناك ضروريات للمجتمع لم يتم إشباعها بعد، كما يجب ألا توجه الاستثمارات للتحسينات، وهناك حاجيات للإشباع.

ويتضمن هذا المبدأ أيضًا تنويع مجالات الاستثمار لسد الحاجات المقررة للمجتمع، وهذا فرض كفائى، بمعنى ضرورة أن يتم العمل على توفير كل ما يحتاجه المجتمع من صناعة وزراعة وتجارة وخدمات؛ حتى يكتفى المجتمع كله ويستغنى عن غيره، فإذا تقاعس المستثمرون والمنتجون عن إنتاج صنف معين لازم للناس أثم المجتمع كله، حتى يقوم أحدهم به، وعلى ولى الأمر إجبار المتخصصين على ذلك(61).

5- الالتزام بالمحافظة على المال وتنميته: إذا كان الإسلام قد أوجب على المسلم ضرورة استثمار ماله وعدم تركه عاطلاً من أجل المحافظة عليه، فإن الإسلام قد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أوجب عليه مجموعة أخرى من الالتزامات عند قيامه بهذا الاستثمار من أجل تحقيق هذه الغاية، ومن أهم هذه الالتزامات:

– وجوب اتباع أرشد السبل فى الاستثمار(62). فتعاليم الإسلام تفرض على المسلم عندما يباشر عمله أن يتقنه وأن يعتمد على أحسن الطرق لتحقيق هذه الغاية.

– تجنب السفه فى إدارة المال. فالإسلام يطالب المسلم بألا يوكل أمر المال إلى من لا يحسن القيام عليه بصفة عامة وذلك لأجل المحافظة عليه لقوله تعالى: {ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا}[النساء:5]. ويتضمن هذا المبدأ أيضًا ضرورة العمل على اختيار أصحاب الكفاءة والخبرة فى القيام على أمر توظيف واستثمار المال.

– وجوب العمل على تحقيق الربح: فأحد الغايات الأساسية لاستثمار المال فى الإسلام هى تحقيق ثمرة وغلة الاستثمار، وهذا لا يتحقق إلا بجعل الربح أحد الأهداف الأساسية التى يسعى إليها هذا الاستثمار؛ وذلك للمحافظة على أصل المال وتنميته.

6- الالتزام بمبدأ المفاضلة بين وسائل الاستثمار: حيث يكون من الضرورة بالنسبة للمستثمر المسلم أن يلتزم بمبدأ اتباع أقوم الطرق وأرشدها عند الاستثمار فيبتعد كل البعد عن الاستثمار بوسائل هو فى غنى عنها ولا تحقق له إلا مصالح دنيوية فقط، ولابد للمستثمر المسلم أن يقوم بدراسة الوسائل والأساليب الحديثة فى ضوء الوقائع القديمة واستلهام أحكام مناسبة لهذه الأساليب الجديدة.

ولا بد لنا أن نذكر أن صلاحية أى أسلوب استثمارى وعدم صلاحيته متوقفة علي عامل الزمان والمكان والحال، فما يكون صالحاً فى بقعة ربما لا يكون صالحاً فى بقعة أخرى، وما يكون أسلوباً مقبولاً فى زمان لا يلزم منه أن يكون مقبولاً فى أزمان أخرى، الأمر الذى يبرر ضرورة الانطلاق من الواقع نحو الامتثال إلى الأسلوب الأنسب والأجدى والأقدر على جلب الأرباح والعوائد.

وجدير بالذكر أن هناك مبادئ أخرى لا تقل أهمية عن تلك المبادئ – السابق دراستها- لابد للمستثمر المسلم أن يراعيها عند استثماره للمال، ونذكر منها إجمالاً:

– عدم الغرر.

– عدم أكل أموال الناس بالباطل.

– الالتزام بقاعدة الغنم بالغرم.

– الالتزام بقاعدة لا ضرر ولا ضرار.

2- معايير التمويل الإسلامي

أولاً: المعايير الشرعية(63):

أ- عدم التعامل بالربا.

ب- تمويل المشروعات المباحة شرعا، فلا يجوز التمويل لمشاريع محرمة شرعاً.

ثانياً: المعايير الفنية:لا بد من أخذ الاعتبارات الفنية والاقتصادية في الحسبان قبل البدء بالتمويل لاسيما في التمويل الاستثماري وأهم هذه المعايير:

معايير السلامة المالية(64)؛ والتي تعتمد على:

1- قدرة العميل المالية.

2- قوة مركزه المالي.

3- التعرف على حالة السيولة والتدفقات النقدية.

4- مراجعة الوثائق والمستندات الثبوتية.

ثالثاً: المعايير الإدارية:

1- معايير متعلقة بشخص طالب التمويل: وتشمل تقييم صاحب المشروع الصغير من حيث الالتزام الديني، والخلق، والأمانة، والقوة {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]، والكفاءة، والخبرة.

2- معيار دراسة جدوى المشروع: وتشمل دراسة جدوى المشروع وعناصر النفقات والإيراد في المشروع، والفترة اللازمة لاستعادة المبالغ المستثمرة.

3- معايير المتابعة والإشراف: وهو من أهم معايير التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة، إذ أن مانح التمويل لاسيما في التمويل الاستثماري وتمويل الدولة يجب ألا يقتصر دوره على منح التمويل بل يجب عليه متابعة النشاط وتقييمه ورفده بالمعلومات اللازمة، وذلك لأن التمويل الإسلامي بطبيعته إنما يكون تمويل لمشاريع تمتزج فيها عناصر الإنتاج ومن ثم لزم المتابعة من أجل ضمان نجاح هذه المشاريع وتحقيق التنمية.

4- معايير الضمانات المالية: إن صيغ التمويل الإسلامي لا تتطلب ضمانا على الربح أو الخسارة وإنما يكون الضمان على التعدي والتقصير فيجب التأكد منها(65).

الفصل الثالث

المبادئ التمويلية المستخلصة من فقه العقود والشركات

1- مبدأ استحقاق الربح:

يستحق الربح فى الشريعة الإسلامية بالمال أو العمل أو الضمان، يعنى ذلك أن الربح -وهو الزيادة الصافية فى المال – قد يستحق للمالك، وقد ينشأ هذا الربح نتيجة لزيادة طبيعية لم يدخل فى تحقيقها عمل مثل أن تنمو إبل فتكون هذه الزيادة ملكًا لصاحب الإبل، وكذلك يمكن حصول الربح بسبب آخر خارج أيضًا عن تصرف المالك وناشئ عن عوامل اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك، كأن ترتفع قيمة ما يملكه لزيادة فى الخلق، أى تغير فى الطلب، فيربح المالك تلك الزيادة دون أن يساهم بعمل فى حصولها(66).

ومن جهة أخرى، يمكن أن يستحق الربح لصاحب العمل، مثال ذلك الشريك المضارب فى المضاربة، فإنه يستحق الربح بعمله، وكذلك الشريك المزارع فى مزارعة أو العامل فى مساقاة، فكل منهما يستحق ربحًا إذا ظهر ربح نتيجة لعمله.

وكذلك فإن الربح يستحق بالضمان أيضًا كما هو الحال فى شركة الوجوه وفى شركة الأعمال، إذ يستحق الطرف الذي قد لا يقدم العمل بنفسه فى شركة الأعمال أو الصنائع الربح، لمجرد تقبله للعمل أي ضمانه لإنجاز ذلك العمل، وكذلك فإن الشريك فى شركة الوجوه يستحق الربح بسبب ضمانه لما تستلفه الشركة من مال. فالضمان الذي يستحق به الربح هو إذن ضمان لإنجاز عمل أو لسداد مال.

من ذلك يتبين أن الشريعة الإسلامية تتيح لعنصري الإنتاج، العمل ورأس المال، أن يدخلا فى توليفة الإنتاج على أساس الربح. ومن جهة أخرى فإن العمل يمكنه أن يدخل فى توليفة الإنتاج على أساس الأجر وليس الربح، والأجرة هى ثمن المنفعة المعينة فى عقد الإجارة وهى كما يقول الفقهاء عقد يفيد تمليك المنفعة بعوض(67).

أما بالنسبة للمال، فإن كان مالاً عينيا كالآلة أو العقار أو الأرض فإن هذا الأصل الثابت يمكن أن يدخل توليفة الإنتاج على أساس الأجر الثابت أيضًا، فتؤجر الآلة أو الأرض لمن يستثمرها لقاء أجر ثابت محدد مسبقًا على أساس الزمن مقدرًا بالساعة مثلاً للعامل أو الآلة أو على أساس الإنتاج مقدرًا بعدد الوحدات المنتجة؛ أي أنه يمكن أيضًا لرأس المال العيني، أو العمل، أن يدخل فى الدورة الإنتاجية على أساس الأجر وليس على أساس الربح.

أما رأس المال النقدي فلا يمكنه دخول الدورة الإنتاجية على أساس الأجر؛ لأن طبيعته لا تسمح بذلك؛ إذ لا يمكن استخلاص منفعة منه مع بقاء أصله كما هو الشأن بالنسبة للعمل أو الآلة أو الأرض. إن استخلاص منافع النقود لا يتم إلا بمبادلتها بغيرها من الأعيان أو المنافع وليس باستعمالها نفسها، وبذلك فإن النقود تستهلك عند استخلاص المنافع منها؛ أى أنها تتخلى عنها لقاء الحصول على أعيان أو منافع.

2- مبدأ استمرار المالك

يقتضى فقه الشركات والمضاربة بالشريعة الإسلامية أن المِلك يستمر لصاحبه حتى ولو تغيرت أوصاف المملوكات، فما يضعه الشركاء فى الشركة من مال يبقى مملوكًا لهم، لذلك يستحق الشريك حصته من الربح ولو كان شريكًا غير عامل؛ بمعنى أنه لو كان لا يقدم العمل لأنه مالك لما وضعه من رأس مال فى الشركة، وملكيته هذه تستمر – ولو أنها أصبحت حصة شائعة من مجموع – على الرغم من شراء أموال وعروض بذلك المال.

وكذلك الأمر فى المضاربة؛ فإن ملكية رب المال لمال المضاربة تستمر رغم قيام المضارب بعمليات الشراء، كأن يشترى بضاعة بذلك المال.

وقد رتب الفقهاء على استمرار الملك هذا نتائج مهمة منها ما يتعلق بكيفية التعامل مع موجودات الشركات من حيث ارتباطها بذمم الشركاء أنفسهم؛ على أن المهم منها بالنسبة لهذه الورقة نتيجتان:

أولاهما: أن الربح لرب المال فى المضاربة وكذلك للشريك الذي قد لا يقدم عملاً فى شركة العنان إنما يستحق بسبب استمرار الملك. فإذا ظهر ربح فإن نصيب المالك فيه قائم ومستحق ترتيبًا على مبدأ استمرار ملكه لحصته فى موجودات الشركة المادية والمعنوية.

وثانيتهما: أن الخسارة إن وقعت فإنما هى نقص فى الملك؛ أي أن الخسارة توزع حسب حصص الشركاء فى رأس المال بغض النظر عما اتفقوا عليه من حصص توزيع الربح. فالخسارة فى شركة العنان يتحملها أصحاب المال بنسبة أموالهم دون أي اعتبار لنسبة توزيع الأرباح فيما بينهم، وكذلك دون اعتبار لمدى مساهمة كل منهم فى الإدارة. أما فى المضاربة فإن رب المال يتحمل الخسارة وحده؛ باعتبار أنه مالك لمال المضاربة وقد نقص. ولا يقع شيء منها على الشريك المضارب(68).

3- مبدأ ارتباط الربح بالمخاطرة

يختلف الربح عن الأجر اختلافًا جوهريًا، فالربح يعتمد على مفهوم المخاطرة، فى حين أن الأجر عوض فى عقد يفيد التمليك. فالإجارة بذلك نوع من بيع المنفعة وهى لا تتضمن المخاطر من حيث تحصل الأجر أو استحقاقه بمجرد تسليم المبيع أي المنفعة التي يتم تمليكها لقاء الأجر. أما الربح فإنه من نصيب ذلك العنصر من الإنتاج الذي يقبل المخاطرة، فيدخل فى الدورة الإنتاجية على أساس ضمانه لما قد يقع من خسارة.

فطبيعة الحياة الاقتصادية تتضمن مخاطر الخسارة، والمستقبل لا يعلمه إلا الله تعالى. والمنتج، أى منتج، إنما ينتج ليبيع بعد تاريخ الإنتاج فى العادة أي أنه ينتج للسوق، فهو يضع نفسه موضع تحمل المخاطرة التي تتعلق بظروف الغد من تغيرات فى الطلب وما يؤثر عليه، أو تغيرات فى العرض وما يؤثر عليه.

كذلك فإن المالك لأي شيء يتحمل أيضًا نوعًا من المخاطر يتعلق بما قد يطرأ على الشيء المملوك من تغيرات مادية أو قيمية بسبب عوامل كثيرة منها ما هو طبيعي ومنها ما هو سوقي. إذن لابد فى الحياة الواقعية من مخاطرة ينبغي أن تُتحمل، والفريق الذي يقبل الدخول فى الدورة الإنتاجية على أساس تحمل المخاطرة هو ذلك الفريق الذي يستحق الربح.

بذلك يلاحظ أن هناك فارقًا مهماً بين التمويل الإسلامي والتمويل الربوى، ويمكن تلخيصه بالقاعدتين التاليتين:

1- يمكن فى التمويل الإسلامي لكل من المال أو العمل أن يدخل الدورة الإنتاجية على أساس الربح المرتبط بتحميل المخاطر، أما فى التمويل الربوى فإن المستحدث (المدير) وحده يتحمل جميع مخاطر الإنتاج، وهو وحده يستحق الربح، لا يشاركه فى المخاطر رأس المال.

2- لا يبيح النظام التمويلي الإسلامي لصاحب رأس المال النقدي أن يدخل الدورة الإنتاجية دون تحمل مخاطرها، فى حين أن دخول هذه الدورة على أساس الأجر الثابت الذي لا مخاطرة فيه يمكن لرأس المال العيني أي الأصول الثابتة مثلاً وللعمل سواء بسواء.

4- مبدأ ارتباط التمويل بالجانب المادي من الاقتصاد

يلاحظ مما سبق أن جميع صيغ التمويل الإسلامية المستنبطة من فقه الشركات (وكذلك تلك المستنبطة من فقه البيوع) تجعل التمويل الإسلامي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالجانب المادي من الاقتصاد، بمعنى أن التمويل لا يقدم على أساس قدرة المستفيد على السداد فقط وإنما على أساس مشروع استثماري معين تمت دراسته ودراسة جدواه ونتائجه المتوقعة، وقَبِل كل من الممول والمستفيد من التمويل بهذه الدراسة، واشتركا فى التوقعات وأقدما بذلك على إنشاء العلاقة التمويلية بينهما.

يقابل ذلك أن التمويل الربوى لا يشترط فيه أن يكون مقتصرًا على تمويل عمليات تتعلق حقيقة بالدورة الإنتاجية، وإنما يمكن أن ينفصل التمويل من الجانب المادي فتنفصل السوق المالية عن السوق المادية للسلع والخدمات.

وفى مقابل ذلك فإن التمويل الربوى ظاهرة نقدية بحتة، فهو يقدم على أساس القدرة على السداد، دون أن يكون بالضرورة مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات المادية لكمية السلع والخدمات وأسلوب إنتاجها وتداولها، ولهذا نتيجتان مهمتان ينبغي التنبيه إليهما هما:

أولاً: أن التمويل فى الإسلام لا يصح فى حالة تدوير الديون وقلبها، فإن تأجيل سداد الديون أو إعادة جدولتها ظاهرة لا ترتبط بالإنتاج وإنما ترتبط بالذمم فقط؛ أي أنها ظاهرة مالية وليست مادية. لذلك فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح إعادة الجدولة بفوائد أو بزيادات على مقدار الدين، فالدين الذي يقلب إلى تاريخ لاحق لم يؤد بذلك إلى زيادة فى كمية السلع والخدمات المنتجة ولا فى تداولها، فلا يصح أن يعتبر نوعًا من التمويل الإسلامي.

وإنما يمكن أن تتم جدولة الديون فى الإسلام على مبدأ القرض الذي لا يبيح للدائن الحصول على أية زيادة فى أصل الدين، فى حين أن التمويل الربوى يتقبل اعتبار تأجيل الديون لمواعيد لاحقة على أية تمويل تنشأ عنه زيادة فى مقدار الدين ومكاسب جديدة للممول، وهو عين “ربا النسيئة في الجاهلية المحرم شرعاً”.

ثانيًا: ارتباط التمويل بالجانب المادي للدورة الإنتاجية يمنع قيام أي تمويل شخصي، فى حين أن ذلك ممكن فى حالة التمويل الربوى، وبعبارة أخرى فإن عملية التمويل الإسلامي سواء تمت بالصيغ المستقاة من فقه الشركات أو بتلك المستقاة من فقه البيوع، لابد لها أن ترتبط بمشروع معين أو سلعة معينة يتم الاتفاق عليها مسبقًا ولا يحق للمستفيد من التمويل تحويل ذلك التمويل إلى أي استعمال آخر.

ومعروف مقدار المآسي – على المستوى الفردي وعلى مستوى الدول – التي أدى إليها التمويل الربوى بعدم ارتباطه بمشروع محدد أو بسلعة معينة، مما جعـــل كثيراً من القروض تستعمل لأهداف بعيدة عما أعطيت من أجله مما أثر كثيرًا حتى على القدرة على السداد نفسها.

وينبغي أن نضيف إلى هاتين النتيجتين نقطة ثالثة تتعلق بجميع صيغ التمويل الإسلامية المستوحاة من فقه الشركات، وهذه النقطة تستند إلى طبيعة تلك الصيغ، ذلك أن العائد الذي يحصل عليه الممول يرتبط ارتباطًا أصيلاً بنتيجة المشروع الذي تم تمويله، وليس بمقدار التمويل ولا بذمة المستفيد من التمويل.

يعنى ذلك أنه فى حالة فشل المشروع وعدم قدرته على تحقيق قيمة مضافة للمجتمع لا تنشأ أية مكاسب للممول؛ أي أن الممول لا تترتب له قيمة مضافة عند عدم تحقق أية قيمة مضافة من المشروع نفسه.

فى حين أن التمويل الربوى يحقق مكاسب للممول فى مثل تلك الحالة، على الرغم من أن المجتمع لم يحقق أية قيمة مضافة نتيجة لتلك العملية التمويلية؛ لأن المشروع الممول قد خسر.

وينشأ عن ذلك أنه فضلاً عما فى التمويل الإسلامي من العدالة مقابل الظلم فى التمويل الربوى الذى هو ظاهر مما سبق، فإن التمويل الربوى يتيح للممول تحقيق توزيع عكسي فى مجموع الدخل أو المنتج الاجتماعى؛ أى قد يأخذ جزءًا من مجموع ذلك المنتج دون أن يكون قد قدم أي شيء فيه. وفى ذلك خلق عوائد مالية لا يبررها ما يقابل ذلك من منتجات من السلع والخدمات فى المجتمع(69).

الفصل الرابع

الفرق بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي

هناك فروقا جوهرية تميز التمويل الإسلامي الاستثماري عن التمويل التقليدي، ويتركز الفرق بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي في نقاط رئيسية هي:

1- ملكية رأس المال

يستمر ملك رأس المال في التمويل الإسلامي للمالك، بينما تنتقل الملكية لرأس المال للطرف الآخر في التمويل التقليدي(70).

2- الربح والخسارة

– يشترك الطرفان في الربح قل أو كثر حسب اتفاقيهما في التمويل الإسلامي، بينما لا ترتبط الزيادة التي يحصل عليها الممول في التمويل التقليدي بربحية المشروع ولا بحصة المستفيد من التمويل.

– الخسارة تقع على رب المال في التمويل الإسلامي، بينما لا يتحمل الممول في التمويل التقليدي أي خسارة، بمعنى آخر أن المستفيد في التمويل الإسلامي لا يضمن الخسارة إلا في حال التعدي أو التقصير لأن يده يد أمان بينما في التمويل التقليدي تعتبر يده ضمان.

– الربح في التمويل الإسلامي ربح حقيقي لأنه ناتج عن زيادة في عناصر الإنتاج، بينما في التمويل التقليدي ربح وهمي(71).

3- طبيعة نشاط الاستثمار

– ينحصر التمويل الإسلامي بالأعمال الاستثمارية المتوقع ربحها، بينما يمكن تمويل أي نوع من الأعمال الاستثمارية في التمويل التقليدي(72).

– يقتصر التمويل الإسلامي على الأعمال الموافقة للشرع، بينما يمكن تمويل أي نوع من الأعمال في التمويل التقليدي “مَرقص، بار”.

– يشترط في التمويل الإسلامي التركيز على المشاريع التي تمتزج فيها عناصر الإنتاج، بينما لا يشترط ذلك في التمويل التقليدي، فمثلا قد يستخدم المستفيد المال في إقراضه بالربا.

4- طبيعة التمويل

يتم التمويل الإسلامي عن طريق النقود أو عن طريق الأصول الثابتة، بينما في التمويل التقليدي يكون التمويل عن طريق النقد فقط(73).

5- صيغ التمويل

تختلف صيغ التمويل الإسلامي عن صيغ التمويل التقليدية اختلافا جوهريا من حيث طبيعة كل منهما، فبينما ينظر إلى التمويل التقليدي على أنه قروض للمتعاملين واجبة الرد بسعر فائدة محدد مسبقا بغض النظر عن نتائج أعمال المقترض فردا كان أو شركة، يتخذ التمويل الإسلامى  صورا متعددة حيث تقوم المعاملات الإسلامية على تضافر عنصري العمل والمال، إلى جانب مراعاة الاعتبار الأخلاقي بحيث لا تتعارض هذه المعاملات مع أحكام ومقاصد الشريعة، وهو ما يستلزم أن يتقي الفرد ربه في كل ما يأتي به من عمل، مع مراعاة مصلحته الذاتية، وهو ما يضفي على النشاط الاقتصادي في الإسلام طابعاً أخلاقياً خاصاً يميزه عن النظم الوضعية.

وبناء على ذلك تتميز صيغ التمويل الإسلامي بالتعدد والتنوع، ويظهر ذلك فيما يلي:

أولاً: المشاركة:يعتبر التمويل بالمشاركة أحد صيغ التمويل الإسلامية.

1- مفهوم المشاركة: تعرف المشاركة بأنها عقد بين طرفين يقدم كل منهما مقداراً معلوماً من رأس المال، ويكون فيه الحق بالتصرف في المال تصرفا كاملاً باعتباره شريكا ومالكا له ويتم توزيع الربح حسب ما يتم الاتفاق عليه ببن الطرفين، أما الخسارة فتوزع حسب نسبة المشاركة برأس المال(74).

وبذلك فإن الممول لا يحصل على فائدة ربوية كما هو الحال فى التمويل التقليدي، وحينما يحقق المشروع ربحاً فعلياً، فإنه يتم توزيعه كما يلي(75):

– حصة للشريك من صافى الربح مقابل عمله وإدارته وإشرافه على العملية أو المشروع.

– الباقي يوزع بين الشريك والممول الذي قدم التمويل وذلك بنسبة ما قدمه كل منهما إلى التكلفة الكلية للعملية.

أما فى حالة الخسارة، فيتم توزيعها على الشريك والممول بنسبة تمويل كل منهما.

ويتضح من المفهوم السابق أن المشاركة تختلف عن المضاربة، حيث إنه فى حالة المضاربة يقدم أحد الطرفين المال ويقدم الطرف الآخر العمل، أما فى المشاركة فإن طالب التمويل عادة ما يشارك بحصة فى التمويل يختلف مقدارها حسب طبيعة العملية، بينما يشارك المصرف الإسلامي بالجزء الباقي.

2- مشروعية التمويل بالمشاركة: لقد ثبت الدليل الشرعي على التمويل بالمشاركة من الكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب الكريم قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}(76). ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: قال تعالى فى حديثه القدسي: “أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما”(77).

أما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز المشاركة منذ بعثة رسول الله rإلى يومنا هذا دون اعتراض أو إنكار من أحد من الفقهاء. أما فى حالة الخسارة، فيتم توزيعها على الشريك والمصرف بنسبة تمويل كل منهما.

3- أنواع المشاركة(78): تنقسم الشركات فى الفقه الإسلامي إلى شركات أملاك وشركات عقود كما يتضح من الشكل التالي:

الشركات

شركات الأملاك

شركات العقود

أختيارية

جبرية

بالأموال

بالأبدان

بالوجوه

أ- شركات الأملاك(79): تعنى شركات الأملاك امتلاك شخصين أو أكثر عينًا أو دينًا بسبب من الأسباب الملك ودون إبرام عقد، وتنقسم شركات الأملاك إلى:

– شركات أملاك جبرية: وتعنى الجبرية اجتماع شخصين أو أكثر فى ملك عين أو شيء له قيمة مالية قهرًا، دون أن يكون لهم دخل فعلى فى أحداث الملكية مثل الميراث(80).

– شركات أملاك اختيارية: وهى شركات نشـأت باختيار وإرادة الشريكين، بمعنى اجتماع شخصين أو أكثر فى ملك عين أو مال باختيارهما، مثال ذلك الهبة أو الوصية(81).

ب- شركات العقود: هى عقد بين شخصين أو أكثر على الاشتراك فى عمل معين أو ربح معين، وقد عرَّفها أحد الفقهاء بقوله: هى أن يعقد اثنان أو أكثر عقدًا على الاشتراك فى المال وما نتج عنه من ربح(82).

وتنقسم شركات العقود إلى ثلاثة أنواع:

– شركات أموال: وهى عقد بين اثنين أو أكثر، بمقتضاه يدفع كل منهما مبلغًا من المال لاستثماره بالعمل فيه، على أن يحصل كل واحد منهم على نسبة من الربح الناتج يتم الاتفاق عليه فيما بينهم(83).

– شركات الأعمال: وتسمى شركة الأبدان أو شركة الصنائع، وصورتها أن يتفق صانعان أو أكثر على تقبل عمل من الأعمال والاشتراك فى أدائه معًا، ويكون الكسب بينهما تبعًا لما اتفقا عليه(84)، ولذلك يطلق عليه أيضًا شركة التقبل.

– شركات وجوه: وصورتها أن يشترك اثنان أو أكثر ليس لهما مال، ولكن لهما وجاهة عند الناس توجب الثقة، على أن يشتريا سلعة بثمن مؤجل ويكون الربح بينهما(85).

4- شروط التمويل بالمشاركة: من شروط التمويل بالمشاركة ما يرتبط بالعاقدين، ومنها ما يرتبط برأس المال، وأخيرًا هناك شروط توزيع الأرباح والخسائر، كذلك بعض الشروط التنفيذية. وفيما يلي إشارة سريعة لكل مجموعة منها:

– شروط العاقدين: يشترط فى كل شريك أن يكون أهلاً للتوكيل والتوكل، ومعنى ذلك أن يكون الشريك متمتعًا بالأهلية الكاملة التي تجعله أهلاً للتصرف بالأمانة وبالوكالة فى آن واحد(86).

كذلك فقد أورد ابن قدامة(87) أنه لا يشترط فى العاقدين أن يكونا مسلمين، فيجوز مشاركة المسلم للكتابي – اليهودي أو النصراني – ولكن مع اشتراط الرقابة على الكتابي، وهذا ما اطمأن إليه المالكية والحنابلة، فقد اشترطوا ألا ينفرد بالإدارة دون رقابة. وقد كره الشافعى مشاركة المسلم لغير المسلم مستدلاً على ذلك بما روي عن هشام عن الحسن أنه روي عن رسول الله rأنه “لم يكن يرى بأسا بشركة اليهودي والنصراني إذا كان المسلم هو الذي يرى الشراء والبيع”(88).

– شروط رأس المال: كما سبق ذكره فإن المشاركة تكون باشتراك الطرفين المتعاقدين فى رأس المال دون اشتراط تساوى حق كل منهما فيه، وقد اشترط فى رأس المال ما يلي:

*أن يكون رأس المال من النقود المتداولة التي تتمتع بالقبول العام والمعترف بها فى تقييم الأشياء، كما أجاز بعض المالكية والحنابلة(89) أن يكون رأس المال من القروض على أن يتم تقديمها عند التعاقد.

* أن يكون رأس المال محددًا تحديدًا كافياً عند التعاقد، وأن يكون معلوم القدر والجنس والصفة.

* ألا يكون رأس المال دينًا فى ذمة أحد الشركاء.

– شروط توزيع الأرباح والخسائر(90): مما لا شك فيه أن عملية المشاركة ليس من الضروري أن ينتج عنها ربح دائمًا، وإنما قد تربح تلك العملية أو تخسر، فكيف يكون موقف الشريكين فى كل حالة؟

فى حالة الربح: من الضروري أن يتضمن عقد المشاركة قواعد توزيع الربح أو الخسارة، ويتم ذلك بشكل واضح لا يحتمل معه أي لبس أو غموض عند التوزيع، ذلك أن الربح هو المعقود عليه فى المشاركة، وجهالة المعقود عليه تؤدى إلى فساد العقد.

لا يعنى تحديد تلك القواعد أن يتم تحديد قيمة ما يحصل عليه كل طرف من الأطراف، وإلا خرجت بذلك عن نطاق المشاركة الشرعية، ولذلك فإن نصيب كل من الشركاء فى الربح هو جزء شائع فى الجملة غير محدد المقدار، وذلك بأن يكون لكل منهم نسبة مئوية، أو كسر اعتيادي – ربع، ثلث، نصف – أو نحو ذلك مما يرزق به الله من الربح الفعلي.

كذلك فإن الربح المقصود حالاً هو صافى الربح لا مجمل الربح، وبمعنى آخر هو الربح القابل للتوزيع بعد خصم كافة المصروفات والتكاليف اللازمة لتنفيذ العملية حتى يتم التحصيل أي المصروفات المطلوبة لتقليب رأس المال فى دورة تجارية كاملة.

يتم تقسيم الأرباح حسبما ذكر فى العقد من اتفاق حول توزيع الأرباح، وليس من الضروري أن يتساوى نصيب كل من الطرفين فى الربح، حتى وإن تساوى نصيبهما فى رأس المال، وهذا ما اطمأن إليه الإمامان أبو حنيفة وابن حنبل، وحجتهم فى ذلك أن الربح مثلما يستحق بالمال يستحق كذلك بالعمل فى المضاربة، فقد يكون أحد الشركاء أقدر على العمل ولديه الخبرة والدراسة والوقت اللازم لإنجاز العملية، فيستحق بذلك جزءًا من الربح عن عمله وإدارته للعملية موضوع المشاركة وجزءًا آخر لماله، وقد أشار الكاسانى إلى ذلك بقوله: “ولا يشترط فى الضمان – شركة الضمان – المساواة فى الربح فيجوز متفاضلاً أو متساويًا والأصل أن الربح إنما يستحق عندنا إما بالمال وإما بالعمل وإما بالضمان”.

إذا شرط أحد الشركاء أن يكون لنفسه مبلغًا محددًا من الربح فسدت المشاركة.

فى حالة الخسارة: ليس من المقصود الاعتماد الجازم أن أى مشاركة فعلية لابد أن ينتج عنها أرباح، فالخسارة أيضًا واردة، فكيف يمكن توزيع الخسارة فى حالة وقوعها؟ ومن يتحمل الخسارة؟ فى هذه الحالة نفرق بين حالتين: أن تكون الخسارة راجعة إلى تقصير أو إهمال المشارك أو مخالفته لشروط العقد فيتحمل المشارك وحده مقدار الضرر الذى وقع على شريكه، وأما إذا كانت الخسارة بسبب ظرف لا دخل للمشارك فيها فإنها توزع بين الشريكين بنسب مشاركة كل منهما فى رأس مال العملية.

– شروط التنفيذ(91): من المعلوم أن عقد المشاركة يقوم أساسًا على الأمانة والوكالة، فكل شريك قد ائتمن شريكه وأذن له بالتصرف فى ماله، وذلك مقابل نسبة مشاعة من الربح يأخذها الشريك مقابل إدارته وتنفيذه للعملية، إلى جانب نصيبه فى الباقى من الربح بنسبة مشاركته فى رأس مال العملية.

من هذا المنطلق فإنه يحق للشريك التصرف بالبيع أو الشراء نقدًا أو أجلاً، وبالأصالة عن نفسه ونيابة عن الطرف الآخر، وله القيام بكل عمل يقره العرف والعادة بما فيه مصلحة الطرفين وحسن سير العملية، إلا أنه لا يجوز للشريك القيام ببعض الأعمال دون إذن شريكه، فلا يجوز للشريك دفع مال الشركة مضاربة لغيره، أو توكيل غيره بالعمل فى المال، كذلك لا يجوز له خلط ماله الخاص – غير نصيبه فى المشاركة – بمال المشاركة دون إذن صاحبه، كما لا يجوز له الهبة أو العتق من مال الشركة.

– فسخ عقد المشاركة: اختلف العلماء فى جواز فسخ عقد الشركة: فذهب جمهور الفقهاء إلى إعطاء حق فسخ عقد المشاركة لكل واحد من الشركاء وقتما يشاء، ففى رأيهم أن عقد المشاركة من العقود الجائزة(92).

هناك حالات خاصة يفسخ فيها عقد المشاركة، كموت أحد الشركاء أو إفلاسه أو هلاك رأس مال الشركة.

فى حين يرى المالكية أن عقد المشاركة ملزم بمجرد توقيعه.

5- أساليب التمويل بالمشاركة: تتعدد أساليب التمويل بالمشاركة، حيث أفرزت تجربة تطبيق نظام المشاركة عددًا من الأشكال استجابة لطبيعة الممارسة وما يحكمها من متغيرات، ويمكن تصنيف التمويل بالمشاركة إلى مجموعات كثيرة(93).

– فمن حيث الأنشطة الاقتصادية يمكن تصنيف التمويل بالمشاركة إلى أربعة أنواع: تمويل أنشطة زراعية بالمشاركة، تمويل أنشطة صناعية بالمشاركة، تمويل أنشطة عقارية بالمشاركة، تمويل خدمات مشتركة.

– ومن حيث الشكل القانونى يمكن تصنيف التمويل بالمشاركة إلى: شركات مساهمة، شركات أشخاص، حرفيين أفراد.

وبالنسبة لاستمرارية التمويل يمكن تصنيف التمويل بالمشاركة إلى: تمويل صفقة واحدة، تمويل مشاركة متناقصة -أي منتهية بالتمليك للعميل-، تمويل مشاركة مستمرة -أي تتوافر نسبة الاستمرار فيها-.

ثانياً: المضاربة:هي الوسيلة التي تجمع بين المال والعمل بقصد استثمار الأموال التي لا يستطيع أصحابها استثمارها، كما أنها الوسيلة التي تقوم على الاستفادة من خبرات الذين لا يملكون المال، وهي أحد أساليب التمويل الإسـلامية.

1- مفهوم المضاربة: المضاربة عقد بين طرفين أو أكثر يقدم أحدهما المال والأخر يشارك بجهده، على أن يتم الاتفاق على نصيب كل طرف من الأطراف بالربح بنسبة معلومة من الإيراد(94).

وهكذا يمكن القول إن المضاربة هى التقاء بين صاحب الخبرة وصاحب المال؛ أحدهما يقدم المال والثانى يشارك بخبرته ثم يقتسمان نتيجة هذا التمازج بنسب يتم الاتفاق عليها، وبذلك يعتبر وسيلة شرعية لإدخال الأصول إلى النشاط الاقتصادى للاستفادة منها بدلاً من اكتنازها وذلك عن طريق عمل مشترك بين صاحب المال وصاحب العمل أو الخبرة(95).

2- دليل مشروعية المضاربة: أجيزت المضاربة بالإجماع المستند إلى السنة التقريرية، فقد ورد أن العباس بن عبد المطلب كان إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه ألا يسلك به بحرًا ولا ينـزل واديًا ولا يشترى من ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامنه، فرفع شرطه إلى رسول الله rفأجازه(96).

كما روى عن صهيب tأن رسول الله rقال: “ثلاث فيهن البركة، البيع إلى أجل، والمضاربة، وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع”(97). وقد ذكر بعض الفقهاء أن قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}(98)، وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}(99) ذكروا أن عموم هذه الآيات وإطلاقها يقتضى العمل بالمضاربة.

3- أركان المضاربة: لقد ذكر الإمام النووى أنها خمسة(100):

الركن الأول: رأس المال.

الركن الثانى: العمل.

الركن الثالث: الربح.

الركن الرابع: الصيغة.

الركن الخامس: العاقدان.

4- الشروط المتعلقة بالعمل(101):

– يجب أن يكون رأس المال المضارب به نقدا ومعلوما.

– أن المضارب لا يضمن رأس المال المضارب به في حالة الخسارة إلا إذا أثبت صاحب المال أن تقصير المضارب هو السبب وراء هذه الخسارة.

– يمكن للمصرف أن يطالب بضمان يقدمه المضارب يحفظ فيه حقه في حالة تقصيره عن تنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها.

– يجب أن يتم تحديد نصيب كل طرف من الأرباح كنسبة من الأرباح، ولا يجوز أن يكون الربح مقدارا محددا لأنه قد تكون الأرباح المتحققة أقل من ذلك.

– يجوز الاتفاق على وقت المضاربة ومكانها.

كما أننا نلاحظ أن المضاربة تقوم على طرفين، أحدهما صاحب المال الذى يقدم أموال المضاربة فقط وليس عليه عمل، والثانى هو المضارب الذي عليه العمل وحده.

وقد اشترط العلماء فى العمل ألا يضيِّق صاحب المال على العامل بتعيين شىء نادر يعمل فيه، فلابد وأن يفسح المجال للمضارب لتحريك المال واستثماره.

وقد قسم بعض العلماء أنواع العمل التى يجوز للعامل أن يعملها وما لا يجوز له إلى ثلاثة أنواع(102):

– نوع يملكه المضارب بمطلق عقد المضاربة، وهو ما كان معتادًا بين التجار كالرهن والارتهان والإيجار والاستئجار للركوب أو الحمل أو الشراء له وتأخير الثمن إلى أجل متعارف عليه.

– ونوع يملكه بمطلق العقد ويملكه إذ قيل له اعمل برأيك، ومثل ذلك دفع المال للمضاربة، وخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره؛ لأن رب المال رضى بشركته لا بشركة غيره.

– ونوع لا يملكه بمطلق العقد ولو قيل له اعمل برأيك إلا أن ينص عليه، وهو الاستدانة وكذلك الهبة والعتق؛ لأن ذلك ليس من باب التجارة.

5- أشكال المضاربة: المضاربة هي اتحاد عنصر المال من جانب والعمل من جانب آخر، وقد ورد فى كتب الفقه أن المضاربة يمكن أن تأتى على أكثر من شكل كما يلى(103):

– المضاربة الخاصة: بمعنى أن المال والعمل مقدمان من شخص واحد.

– المضاربة المشتركة: يتعدد فيها أصحاب الأموال وأصحاب العمل.

– المضاربة المطلقة: وهي التي لا يقيد فيها صاحب المال المضارب بنوع محدد من الاستثمار أو التجارة وإنما يكون له مطلق الحرية في اختيار النشاط الذي يراه مناسبا.

– المضاربة المقيدة: وهي المضاربة التي يلزم فيها صاحب رأس المال المضارب باستخدام الأموال في نشاط أو تجارة معينة من قبله.

ثالثاً: المرابحة:

1- مفهوم المرابحة: المرابحة فى اللغة من الربح وهو النماء فى التجارة لقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}(104) وفى هذا المعنى ذكر بعض العلماء أن المقصود هو: فما ربحوا فى تجارتهم(105).

أما فى الاصطلاح بين علماء الشريعة فالمرابحة هي بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح(106)، وصورة المرابحة أن يشترى شخص بضاعة بمبلغ ألف جنيه مثلاً ثم يجىء شخص آخر فيطلب شراء هذه البضاعة بثمن شرائها مضافًا إليه مبلغ معين كربح، وهنا لابد للمشترى الثانى أن يكون عالمًا بأن البضاعة التى بيعت له بألف ومائة جنيه – مثلاً – قيمتها الأصلية ألف جنيه والمائة الزيادة إنما هى ربح للمشترى الأول.

2- مشروعية المرابحة: المرابحة بيع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع(107):

فمن الكتاب قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}(108). وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(109).

ومن السنة قوله r: فإذا اختلفت فيه الأوصاف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد”(110).

وقد أجمعت الأمة على جواز بيع المرابحة دون أن ينكر ذلك أحد من الأمة الإسلامية.

3- شروط بيع المرابحة(111): لما كان بيع المرابحة نوعاً من البيع، فإنه يشترط فيه ما يشترط فى عقود البيع بصفة عامة، إلا أن للمرابحة فوق ذلك شروطاً خاصة:

– أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشترى الثانى، فإن لم يكن معلوماً فسد العقد.

– أن يكون الربح معلومًا لأنه جزء من الثمن.

– أن يكون رأس المال من ذوات الأمثال كالمكيلات، ولذلك لا يصح بيع النقود مرابحة.

– ألا يكون الثمن فى العقد الأول مقابلاً بجنسه من أموال الربا.

– أن يكون العقد صحيحًا من كل جوانبه.

رابعاً: المعاوضات:ترتبط البيوع بصفة عامة بالمبيع والثمن، والعلاقة بينهما توضح أقسام البيع المختلفة فبيع المقايضة هو بيع العين بالعين، وبيع الصرف هو بيع الثمن بالثمن، والبيع المطلق هو بيع العين بالثمن ويكون إما بثمن عاجل وهو البيع النقدي أو الحاضر أو الحال، أم بثمن مؤجل وهو البيع المؤجل أو بيع الآجل، أما بيع الثمن بالعين فهو مبادلة يعجل فيها الثمن ويتأخر تسليم المبيع لأجل معلوم، وقد يدفع الثمن دفعة واحدة عند التعاقد وهو ما يعرف ببيع السَّلَم، أو مؤجلاً على فترات ويسمى بيع الاستصناع. ونتعرض فيما يلى لبعض أنواع وصور البيوع والإجارة.

– البيع الحاضر: وهو بيع العين بالثمن مع دفع الثمن حالاً (نقداً) وتسليم المبيع. ولا ينفصل الثمن عن الربح.

– بيع المرابحة: وهى بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح معلوم، بأن يكون مبلغاً مقطوعاً أو نسبة من الثمن الأول.

خامساً: السلم:

1- المقصود ببيع السلم هو بيع شيء يقبض ثمنه مالاً وتأجيل تسليمه إلى فترة قادمة وقد يسمى بيع السلف.

فصاحب رأس المال يحتاج أن يشتري السلعة وصاحب السلعة يحتاج إلى ثمنها مقدما لينفقه على سلعته حتى يصفها. وبهذا نجد أن المصرف أو أي تاجر يمكن له أن يقرض المال للمنتجين ويسدد القرض لا بالمال النقدي – لأنه سيكون قرضاً بالفائدة- ولكن بمنتجات، مما يجعلنا أمام بيع سلم يسمح للمصرف أو للتاجر بربح مشروع، ويقوم المصرف بتصريف المنتجات والبضائع التي يحصل عليها، وهو بهذا لا يكون تاجر نقد وائتمان بل تاجر حقيقي يعترف الإسلام بمشروعيته وتجارته، وبالتالي يصبح المصرف الإسلامي ليس مجرد مشروع يتسلم الأموال بفائدة لكي يوزعها بفائدة أعلى، ولكن يكون له طابعه الخاص حيث يحصل على الأموال ليتاجر ويضارب ويساهم بها.

وهكذا يمكن أن يكون عقد السلم طريقاً للتمويل يغني عن القرض بالفائدة، فأصحاب السلع والبضائع يمكنهم أن يحصلوا من المصرف على ثمن بضائعهم مقدما على أن تسلم للمصرف مستقبلا ليتاجر بها، كما يمكن للمصرف أن يستخدم بيع السلم في بيع تجارته(112).

2- مشروعية السلم: إن المستند الشرعي قوله r: “من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم”(113).

3- شروط السلم: لأن السلم على غير القياس فقد وضع العلماء شروطاً وقيوداً تحفظ للسلم إباحته ومنها(114):

– بيان الجنس والنوع والصفة في الثمن تجنبا للنـزاع.

– بيان جنس ونوع وصفة المسلم فيه(السلعة).

– أن يكون المسلم فيه مؤجلا إلى أجل معلوم.

– أن يكون المسلم موجودا عند حلول الأجل.

– يشترط في المسلم فيه أن لا يكون من جنس الثمن وأن لا يكون متفقا معه في على ربوية.

– البعض اشترط بأن لا يقل الأجل عن شهر واحد، ذلك لأن الشهر أقل مدة يمكن أن تتحقق فيها الفائدة من بيع السلم.

– يجب أن يكون الثمن معجلاً.

– أهلية العاقدان للتصرف.

– معلوم الأجل منعاً للجهالة(115).

4- أركان السلم: السلم عقد من العقود له أركانه تتمثل في:

– العاقدان: وهما رب السلم أى المشترى، والمسلم إليه أى البائع.

– المعقود عليه: وهو رأس مال السلم أى الثمن، والمسلم فيه أى المبيع.

– الصيغة: وهو ما ينعقد به العقد وقد اشترط بعض الفقهاء لفظ السلم أو السلف لصحة العقد. 

سادساً: البيع الآجل:

هو بيع العين بثمن مؤجل وتختلف طريقة دفع الثمن المؤجل من حيث سداده دفعة واحدة فى نهاية الأجل المحدد، وفى هذه الحالة يعرف ببيع النسيئة، أو سداده على أقساط محدودة على فترات زمنية وفقاً للأجل المحدد ويعرف ببيع التقسيط، ويشترط فى البيع الآجل معلومية الأجل ومواعيد الأقساط.

سابعاً: التأجير:

هو تشغيل الأموال فى غير عمليات البيع والشراء حيث يقوم مالك الأصول المختلفة (معدات وآلات…) بتأجيرها إلى المستفيد لقاء أجر معلوم، وتتعدد الأشكال من حيث انتهاء الفترة الإيجارية بتملك المستفيد أو بعودة الأصل إلى مالكه الأصلي – المؤجر-، وعادة ما يكون التملك بسعر رمزي نظراً لاستيفاء البائع لثمن الأصل من القيمة الإيجارية.

ويساعد أسلوب التأجير على امتلاك منفعة العين محل التأجير دون امتلاك العين ذاتها وهو ما يخفض من حاجة المستفيد إلى سيولة تتمثل فى ثمن المعقود عليه.

ويطلق لفظ التأجير التشغيلي على قيام مالك الأصل بتأجير منفعتها لمدة محددة يتفق عليها ويعود الأصل إلى مالكه فى نهايتها، ثم يقوم بدوره بالبحث عن مستخدم آخر يرغب فى استئجاره. ويتناسب هذا النوع مع الأصول ذات القيمة المرتفعة أي التي تتطلب إنفاق استثماري كبير لامتلاكها، والتي من أمثلتها الطائرات والسفن أو بعض المعدات الصناعية والزراعية(116).

ثامناً: التأجير المنتهى بالتمليك:

تعتبر من الأساليب التمويلية المستحدثة، حيث يمكن استخدامها بواسطة المؤسسات المالية – البنوك- فى تلبية رغبات عملائها فى امتلاك أصل أو أكثر بأسلوب الإيجار، وهنا تخرج هذه الأصول المؤجرة إلى ملكية المستأجر، بأحد صورتين(117):

الأولى: عقد إيجار ينتهي بوعد بهبة العين (المعقود عليه) المستأجرة بعد سداد كافة الأقساط الإيجارية مع ملاحظة أن تكون الهبة بعقد منفصل.

الثانية: عقد إيجار مع وعد بيع العين المستأجرة (المعقود عليه) فى نهاية المدة الإيجارية وبعد سداد كامل الأقساط، مقابل مبلغ رمزي أو حقيقي.

ويمكن أن يستخدم هذا الأسلوب فى مجال العقارات وأجهزة الكمبيوتر والآلات والمعدات المختلفة. 

تاسعاً: الاستصناع:

1- معناه ومشروعيته: يعرف بأنه عقد مع أهل الصنعة على أن يعلموا شيئاً، أو عقد على مبيع فى الذمة شرط فيه العمل، ويكون أطراف العقد المشترى ويطلق عليه المستصنع والبائع وهو الصانع، والشيء المصنوع.

وهو عقد مستقل عند الأحناف، فى حين أنه يندرج ضمن عقد السلم عند المالكية والشافعية. والاستصناع هو: طلب الصنعة وتعددت تعريفاته فهو طلب العمل من الصانع فى شئ مخصوص على وجه مخصوص، وهو بيع عين موصوفة فى الذمة لا بيع عمل، وهو عقد على مبيع فى الذمة(118).

ويذكر أن الناس تعاملوا بهذا العقد منذ زمن رسولنا محمد rالذي استصنع خاتماً وقيل أنه استصنع منبراً.

2- خصائص عقد الاستصناع(119):

– أن المبيع ديناً فى الذمة ثابتاً، ومن ثم فيمكن أن يكون من الأموال القيمية التي لها مواصفات خاصة وفقاً لما يريده المستصنع.

– إن العبرة بالمواصفات التي صدرها المستصنع عند التعاقد. وهو ملزم للطرفين فى حالة استيفاء كامل للمواصفات المطلوبة.

– عقد الاستصناع ينشأ عنه إثبات ملكية العين المصنوعة للمستصنع وحق الصانع فى الثمن المتفق عليه.

– يجوز أن يقسم الثمن جزء عند التعاقد، والباقي عن استلام العين المصنوعة.

– تحديد مدة العقد (فترة تسليم العين المصنوعة للمستصنع).

– تحديد مكان تسليم المبيع.

– أن يكون محل العقد معلوم الجنس والنوع والصفة والقدرة، وهذا التحديد الدقيق يجعل الوقوع في النـزاع والخلافات بين الصانع والمستصنع في أضيق الحدود.

– أن يكون محل العقد مما يجعل فيه التعامل بين الناس استصناعاً مثل الأحذية والملابس والأثاث.

– أن يقدم الصانع مستلزمات الصناعة(120).

3- خواص عقد الاستصناع:

– جواز أن يكون المبيع غير موجود وقت التعاقد مثله فى ذلك مثل عقد السلم.

– جواز كون الثمن فيه يمكن تأجيله ولا يشترط تعجيله كما فى السلم(121).

ومن فوائد الاستصناع أنه يشجع الإنتاج والعمل وتشغيل الأيدي العاملة ويزيد النشاط الاقتصادي ويؤمن عملية التسويق.

هذا ويمكن للمصارف الإسلامية الآن الدخول في عمليات الاستصناع، كمثال يمكن لها أن تجعل عقود استصناع عن طريق امتلاكها المصانع والقيام بالتصنيع، أو أن تكون صانعا ومستصنعا في نفس الوقت وهو ما يعرف بـ -الاستصناع الموازي- وهذا النوع هو الأكثر ملائمة لعمل المصارف الإسلامية(122).

عاشراً: المتاجرات(123):

هو تعبير مشتق من التجارة، والتجارة تقوم في مجمل أحكامها على عقد البيع ومن ثم فإن هذه الصيغة – إن صح إن لها تميز – فإنه يجب أن تنضبط في إطار أحكام عقد البيع.

وعموماً فإن هذه الصيغة للتوظيف – المتاجرة- تدخل في إطار صيغ التوظيف المباشر، والتي تعني قيام الممول – المصرف بواسطة موظفيه وخبراته- بتشغيل ما تجمع لديه من أموال سواء من حقوق الملكية أو من حسابات الاستثمار، وأن يتحمل هو فقط المخاطرة الناشئة من ظروف هذا التشغيل، وعليه أن يختار المجالات التي تكون أقل مخاطرة من غيرها، وذلك في إطار الأسس والمبادئ التي يقررها الفكر الإسلامي والضوابط الحاكمة لوظيفة المال. وهذه الصيغة التشغيلية تحكمها حدود معينة هي:

– مدى تنوع الخبرات الفنية لدى جهاز التوظيف بالمصرف.

– المتاح لديه من أموال قابلة للتوظيف والاستثمار.

– المتطلبات الإدارية التي تستلزمها هذه الصيغة عند اختيار الفرصة التشغيلية ودراستها واتخاذ قرار الاستثمار فيها ومتابعة التنفيذ والرقابة عليها.

1- أنواع المتاجرة: والمتاجرة نوعان:

– متاجرة مباشرة: وهي الشراء والبيع مباشرة باسم الممول –المصرف- ولصالحه وذلك بهدف تقليب المال وتحريكه في عملية التجارة للحصول على ربح حلال من الفرق بين تكلفة الشراء وسعر البيع، ولتحقيق مصلحة أفراد المجتمع بتوفير احتياجاتهم من السلع والبضائع المختلفة.

– متاجرة غير مباشرة: فهي التي تتم من خلال إنشاء شركة تجارة مستقلة أو إدارة تجارية مستقلة، لا تمت بصلة تنظيمية لإدارة التمويل.

2- صيغ المتاجرات(124): يمكن أن تتم من خلال الأشكال التالية:

– من خلال إدارة متخصصة تجارية كجزء من قطاع الاستثمار أو مستقلة عنه.

– أو من خلال شركة تجارية تابعة للبنك.

– أو من خلال إدارة التمويل والاستثمار كعمليات محددة.

– أو بطريق غير مباشر عن طريق المتعاملين وطالبي التمويل أنفسهم، كأن يتحملوا مسئولية بعض المهام الخاصة بهذه العملية.

وبطبيعة الحال فإن لكل شكل منها متطلبات ومقومات، ومزايا وعيوب لكنها جميعاً يتم تطبيقها في الواقع.

ومما سبق يتضح لنا أن من أهم الفروق بين التمويل التقليدي والتمويل الإسلامي ما يلى:

– التمويل الإسلامى غالبا ما يساعد على توسيع قاعدة المشاركة فى ملكية المشاريع، بحيث تتاح الفرصة لعدد غير قليل من صغار الممولين فى أسهم الشركات والقطاعات الانتاجية المختلفة على عكس مما هو معروف فى التمويل التقليدى الذى يؤدى إلى تضييق قاعدة المشاركة وحصر ملكية المشاريع بفئة قليلة من أصحاب رؤوس الاموال.

–  يساهم التمويل الإسلامى  إلى حد كبير فى تحقيق التوزيع العادل وإيجاد التوازن الذى يحول دون تكدس الثروات بأيدى المرابين أو كبار التجار من أصحاب رؤوس الأموال كما هو الشأن فى النظام التقليدى.

– يستمر ملك رأس المال فى التمويل الإسلامى  للمالك بينما تنتقل الملكية له فى التمويل التقليدى إلى الطرف الاخر.

– يتحمل رب المال فى التمويل الإسلامى  الخسارة حالة عدم وجود تقصير أو إهمال من العامل، بينما لا يتحمل رب المال فى التمويل التقليدى أى خسارة.

– ترتبط الزيادة التى يحصل عليها رب المال والعامل فى التمويل الإسلامى  بمقدار الربح المتحقق من الاستثمار المشترك بين الطرفين ووفق النسب المتفق عليها، بينما فى التمويل التقليدى لا علاقة للممول بالربح والخسارة، وقد لا تقف الفائدة على نسبة معينة بل تختلف فى العقد الواحد بين شهر وأخر، فى حين لا يمكن أن تزيد فى التمويل الإسلامى  عن الحد المتفق عليه فى كل عقد على حدة.

– يتم التمويل الإسلامى  عن طريق النقود وعن طريق الاصول بينما لا يقع التمويل التقليدى إلا عن طريق النقود فقط.

* * *

 

الهوامش

(1) سليمان ناصر، تطور صيغ التمويل قصير الأجل للبنوك الإسلامية ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1998، ص12.

(2) فؤاد السرطاوي، التمويل الإسلامي ودور القطاع الخاص، دار المسيرة، عمان، ط1، 1999م، ص97.

(3) منذر قحف، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي، تحليل فقهي واقتصادي، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 1991م، ط1، ص12.

(4) محمد عبد الحميد محمد فرحان، التمويل الإسلامي للمشروعات -دراسة لأهم مصادر التمويل، رسالة ماجستير، الأكاديمية العربية لعلوم المالية والمصرفية، كلية العلوم المالية والمصرفية، قسم المصارف، 2010 ص31.

(5) المرجع السابق: ص32

(6) أحمد جابر بدران، خصائص وضوابط التمويل الإسلامي، بنك الكويت الصناعي، ط1، الكويت 2007، ص32

(7) محمد عبد الحميد محمد فرحان، التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة “دراسة لأهم مصادر التمويل”، بحث غير منشور، ص33.

(8) موريس نصر، المصارف والأعمال المصرفية، بيروت، 1989، ص89.

(9) إسماعيل أحمد الشناوي، عبد النعيم مبارك، اقتصاديات النقود والبنوك والأسواق المالية، الدار الجامعية، ص120.

(10) عبد المنعم السيد علي ونـزار سعد الدين العيسي، النقود والمصارف والأوراق المالية، الدار الجامعية للنشر والتوزيع (ردمك)، ط3، 2004، ص90.

11)) عبد المنعم السيد علي، نـزار سعد الدين العيسي، مرجع سابق، ص89.

(12) المرجع السابق، ص92.

(13) موريس نصر، المصارف والأعمال المصرفية، مرجع سابق، ص89.

(14) عبد المنعم السيد علي، نـزار سعد الدين العيسي، مرجع سابق، ص92.

(15) إسماعيل أحمد الشناوي، عبد النعيم مبارك، مرجع سابق، ص120.

(16) المرجع السابق، ص93.

(17) عبد الغفار حنفي، الإدارة المالية، مدخل اتخاذ القرارات، مطبعة الإشعاع، ط1، الإسكندرية، 2002، ص413.

(18) ميلود أبو بكر، اختيار الاستثمار وتقييم المشاريع، دار الأفاق الجزائرية، ص25.

(19) أحمد صبحي العيادي، الأمن الغذائي في الإسلام، دار النفائس، عمان، ط1، 1999، ص441.

(20) قطب مصطفى سانو، المدخرات أحكامها وطرق تكوينها واستثمارها في الفقه الإسلامي، دار النفائس، عمان، ط 1، 2001، ص70 وما بعدها.

(21) عبد الرزاق الهيتي، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، 1998 م، ص371.

(22) فؤاد السرطاوي، التمويل الإسلامي ودور القطاع الخاص، مرجع سابق، ص176.

(23) عبد العزيز الخياط، المجتمع المتكافل في الإسلام، دار السلام للنشر، والتوزيع، القاهرة، ط 3، 1986، ص183.

(24) مصطفى السباعي، الفقر، الجوع، الحرمان مشكلات وحلول، دار الوراق، بيروت، ط 1، 2002، ص55.

(25) 11318 سنن البيهقي الكبري 6/99.

(26) محمد عمر زبير، دور الدولة في تحقيق الاقتصاد الإسلامي، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جده، ط1998م، ص15.

(27) محمد عمر زبير، دور الدولة في تحقيق الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص17 وما بعدها.

(28) علي كنعان، الاقتصاد الإسلامي، دراسة في اقتصاديات المال ودور الدولة في الاقتصاد، دار الحسيني، دمشق، ط1، 1997م، ص124.

(29) المرجع السابق ص125

(30) محمد عثمان شبير، استثمار أموال الزكاة رؤية فقهية معاصرة، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، المجلد الخامس، العدد 21، 1994م، ص285.

(31) أحمد محي الدين العجوز، الميراث العادل في الإسلام، مؤسسة المعارف، بيروت، ط1، 1986، ص10.

(32) جبر محمود الفضيلات، المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، الجزء الأول، الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 298.

(33) المرجع السابق، ص304.

(34) أحمد السعد، التأصيل الشرعي لأساليب الاستثمار الإسلامي، بحث غير، منشور، البنك الإسلامي الأردني، ص61.

(35) المرجع السابق، ص62.

(36) عبد العزيز الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، المعهد العربي للدراسات المالية والمصرفية، عمان، ج2، ص38.

(37) أحمد السعد، التأصيل الشرعي لأساليب الاستثمار الإسلامي، مرجع سابق، ص64.

(38) عبد العزيز الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، مرجع سابق، ص54.

(39) المرجع السابق ص67، نقلاً عن، بدائع الصنائع للكاساني، تحقيق الشيخ علي محمد عوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، 6/57.

(40) عبد العزيز الخياط، إدارة العمليات المصرفية الإسلامية، الأكاديمية العربية، ص3.

(41) تاريخ الملكية “والاستخلاف” فلسان شالاى ترجمة صالح كنعان، دار المريخ، الرياض، سنة 1998، ص27 وما بعدها.

(42) أحمد مصطفى عفيفى، “معايير استثمار المال فى السلام، مجلة الاقتصاد الإسلامى  العدد،17 السنة الخامسة عشر، محرم 1416هـ/1995م، ص46 وما بعدها.

(43) أحمد يوسف “القيم الإسلامية فى السلوك الاقتصادي”، دار الثقافة، القاهرة طبعة 1990م، ص48 وما بعدها.

(44)رفعت العوضي، ضوابط ومعايير الاستثمار في المنهج الإسلامي، مجلة البنوك الإسلامية، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة، العدد 21، يونيو 1981،ص21.

(45) يوسف القرضاوى، دور القيم والأخلاق فى الاقتصاد الإسلامي، مكتبة وهبة القاهرة طبعة أولى 1993، ص273،272.

(46) أبو حذيفة إبراهيم بن محمد، آداب التاجر وشروط التجارة، دار الصحابة للتراث، طنطا الطبعة الثانية، 1990 ص30.

(47) رفعت العوضي، ضوابط ومعايير الاستثمار في المنهج الإسلامي، مرجع سابق، ص22

(48) محمد رواس قلعجي، حامد صادق قنيبي معجم الفقهاء، بيروت، دار النفائس سنة 1985م، ص25.

(49) ابن قدامة المقدسى، الكافى فى فقه الإمام أحمد، طبعة المكتب الإسلامى  للطباعة والنشر، الطبعة الثانية 1399هـ،حـ،2 /422.

(50) شوقى عبده الساهى، المال وطرق استثماره فى الإسلام، مطبعة الجيش، القاهرة، طبعة ثانية 1984م، ص155.

(51) 2069 صحيح البخارى 2/762.

(52) 1587صحيح مسلم 3/1211.

(53) محمد عبد المنعم أبو زيد، النشاط الاستثمارى للمصارف الإسلامية ومعوقاته، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية التجارة / جامعة الإسكندرية 1991 غير منشورة، ص16.

(54) رفعت العوضي، ضوابط ومعايير الاستثمار في المنهج الإسلامي، مرجع سابق، ص10.

(55) محمد عبد الله العربى، استثمار الأموال في الإسلام، مجلة البنوك الإسلامية، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة، العدد 50، مايو 1986، ص26، 27.

(56) قاسم عطا محمد القيسى، ضوابط وأساليب استثمار الأموال فى الإسلام، مرجع سابق، ص32.

(57) 2494 صحيح ابن خزيمة 4/122.

(58) محمد أنس الزرقاء، القيم والمعايير الإسلامية فى تقويم المشروعات، مجلة البنوك، الإسلامية للاتحاد الدولى للبنوك الإسلامية، القاهرة، العدد،30 يونيو،1983 ص،18، 19.

(59) عبد المنعم حبيب، معايير اختيار المشروعات، (برنامج صيغ الاستثمار الإسلامية)، مركز الاقتصاد الإسلامى ، المصرف الإسلامى  الدولى للاستثمار والتنمية، القاهرة، د.ت، ص284.

(60) عبد الرحمن يسرى، قضايا إسلامية معاصرة في النقود والبنوك والتمويل، الدار الجامعية، الإسكندرية، 2004، 37-39.

(61) محمد عبد الله العربى، استثمارات المال فى الإسلام، مرجع سابق، ص26-27.

(62) المرجع السابق، ص27.

(63) منير سليمان الحكيم، دور المصارف الإسلامية في تمويل المشروعات الصغيرة، دراسة لدور العقود الإسلامية في التمويل، الأكاديمية العربية، عمان، 2003م، ص19.

(64) عبد الحميد البعلي، إمكانيات ابتكار الأساليب والأدوات والعمليات الجديدة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، الملتقى السنوي السادس للأكاديمية العربية، ص27.

(65) د. محمد عبد الحميد محمد فرحان، التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة “دراسة لأهم مصادر التمويل، بحث غير منشور، ص38.

(66) د. منذر القحف، فقه الشركات في الشريعة الإسلامية، بحث غير منشور.

(67) د. علي جمعة محمد مرجع سابق ص12.

(68) محمد عبد المنعم أبو زيد – المضاربة وتطبيقاته العلمية في المصارف الإسلامية – المعهد العالمي للفكر الإسلامي القاهرة – ط1، سنة 1996م، ص 18.

(69) د. فؤاد السرطاوي – التمويل الإسلامي ودور القطاع الخاص – دار المسيرة، عمان – 1999 ط1 ص165.

(70) فؤاد السرطاوي، التمويل الإسلامي ودور القطاع الخاص، مرجع سابق، ص100.

(71) الغريب ناصر، أصول المصرفية الإسلامية وقضايا التشغيل، 1996م، ص286.

(72) منذر قحف، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي، تحليل فقهي واقتصادي، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي، تحليل فقهي واقتصادي، مرجع سابق، ص52.

(73) فؤاد السرطاوي، التمويل الإسلامي ودور القطاع الخاص، مرجع سابق، ص100.

(74) محمد صالح الحناوي، عبد السلام سعيد الفتاح، المؤسسات المالية البورصة والبنوك التجارية، الدار الجامعة، القاهرة، 2000، ص406.

(75) الغريب ناصر برنامج التمويل بالمشاركة، مركز الاقتصاد المصرف الإسلامي الإسلامى  الدولى للاستثمار والتمويل، القاهرة، 1988 ص6.

(76) سورة ص، الآية 24.

(77) حديث رقم 11206 سنن البيهقي الكبري 6/78.

(78) حسنى خليل محمد، الشركة فى الفقه الإسلامى ، مؤتمر المنهج الاقتصادى فى الإسلام بين الفكر والتطبيق، كلية التجارة، جامعة المنصورة، 1983 صـ11. وانظر: محمد رضا عبد العليم، أشكال وأساليب الاستثمار، نفس المؤتمر السابق، صـ8.

(79) علي عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة 1980، صـ33.

(80) على الخفيف، الضمان فى الفقه الإسلامى ، القسم الأول، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1971 صـ6.

(81) السيد سابق، فقه السنة مكتبة الآداب، المطبعة النموذجية 1977. 3/191،

(82) على عبد الرسول، المبادئ الاقتصادية فى الإسلام، مرجع سابق، ص33. وانظر: عبد الرحمن الجزيري، الفقه في المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، صـ3.

(83) عبد الرحمن الجزيرى، الفقه فى المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، بدون سنة نشر، ص65.

(84) المرجع السابق، ص66.

(85) المرجع السابق، ص68.

(86) الغريب ناصر، صيغ الاستثمار وتشغيل الأموال فى الفكر الإسلامي، مركز الاقتصاد الإسلامى ، المصرف الإسلامى  الدولى للاستثمار والتنمية، القاهرة 1994، ص 139.

(87) ابن قدامة، المغنى ومعه الشرح الكبير، نشر رئاسة البحوث الرياض، 1981، ج،5 ص30.

(88) 19982 مصنف ابن أبي شيبة 4/269.

(89) الوليد بن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1403هـ، ج3 ص383.

(90) سمير رمضان الشيخ، البنوك الإسلامية خصائصها أهميتها ومقومات نجاحها، برنامج التمويل بالمشاركة، مركز الاقتصاد الإسلامي، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، القاهرة، 1994، ص13. وانظر: الغريب ناصر، صيغ الاستثمار وتشغيل الأموال فى الفكر الإسلامي، مرجع سابق، 1990، ص141.

(91) المرجع السابق، ص143. وانظر: سمير رمضان الشيخ، برنامج التمويل بالمشاركة، مرجع سابق، ص62. وانظر: الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، التنظيم فى البنوك الإسلامية، الجزء الثالث، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة، 1980،ج1، ص333. وانظر: السيد سابق، فقه السنة، مرجع سابق، المجلد الثالث، ص335.

(92) ابن قدامه، المغني، مرجع سابق، ج3، ص170.

(93) سيد الهوارى، موسوعة الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية للاستثمار، القاهرة 1982، ج5، ص207.

(94) عبد الحميد محمود البعلي، أساسيات العمل المصرفي الإسلامي، مرجع سابق، ص68.

(95) إبراهيم فاضل يوسف، عقد المضاربة، رسالة ماجستير منشورة، مطبوعات ديوان الأوقاف بالعراق (بغداد، 1973)، ص28-29.

(96)11391 سنن البيهقي الكبرى 6/111.

(97) 2289 سنن ابن ماجه 2/768.

(98) المزمل: 20.

(99) البقرة: 198.

(100) موسوعة البنوك الإسلامية، الجزء الشرعى، الاتحاد الدولى للبنوك الإسلامى ، القاهرة 1982، المجلد الأول، ص298.

(101) فلاح حسن الحسيني، مؤيد عبد الرحمن الدوري، إدارة البنوك، مرجع سابق، ص202.

(102) المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدئ، المكتبة التوفيقية مصر بدون سنة نشر، ج،3 ص210-،211. وانظر: موسوعة البنوك الإسلامية، مرجع سابق ج،1 ص310.

(103) ابن قدامة، المغني، مرجع سابق، ج5 ص11-12. فلاح حسن الحسيني، مؤيد عبد الرحمين، إدارة البنوك، مرجع سابق، ص201.

(104) البقرة: 16.

(105) حسن الأمين، المضاربة الشرعية وتطبيقاتها الحديثة، الناشر المؤلف القاهرة 1998 صـ26.

(106) الزرقاني، شرحه على مختصر خليل، دار الفكر، بيروت 1978 ج5، ص173.

(107) عبد الحميد البعلى، فقه المرابحة في التطبيق المعاصر، مكتبة السلام العالمية، القاهرة 1988، ص13.

(108) البقرة: من الآية 275.

(109) البقرة: من الآية 275.

(110) 22779 مسند الإمام أحمد بن حنبل 5/320.

(111) محمد مصطفى الحسينى، الفقه الإسلامى  فى أحكام العقود، الناشر المؤلف القاهرة، 1980، ص48-49.

(112) محمد صالح الحناوي، المؤسسات مالية البورصة والبنوك التجارية، مرجع سابق، ص411.

(113) 2125 صحيح البخاري 2/781.

(114) حسين محمد سمحان، العمليات المصرفية الإسلامية، مفهوم ومحاسبة، مرجع سابق ص71.

(115) محمد عبد العزيز، عقد السلم وتطبيقاته العملية في المصارف الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1996، ط 1، ص14.

(116) محمد عبد العزيز، عقد الإجارة وتطبيقاتها العلمية في المصارف الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1996، ط1 ص18.

(117) محمد عبد العزيز، التأجير التمويلي – سلسة نحو وعي اقتصادي إسلامي المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية – مركز الاقتصاد الإسلامي، القاهرة 1998، الطبعة الأولى ص23.

(118) فياض عبد المنعم حسنين – بيع الاستصناع وتطبيقاته المعاصرة – سلسة نحو وعي اقتصادي إسلامي – المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية مركز الاقتصاد الإسلامي – القاهرة 1997، ص1.

(119) المرجع السابق، ص 2 وما بعدها.

(120) حسين محمد سمحان، العمليات المصرفية الإسلامية، مرجع سابق، ص75.

(121) فياض عبد المنعم حسنين، بيع الاستصناع وتطبيقاته المعاصرة، مرجع سابق ص 12.

(122) حسين محمد سمحان، العمليات المصرفية الإسلامية (مفهوم ومحاسبة)، مرجع سابق ص75.

(123) الغريب ناصر، أصول المصرفية الإسلامية وقضايا التشغيل – توزيع دار أبوللو للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة ط1 1996م، صـ141.

(124) المرجع السابق صـ142.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر