أبحاث

الاجتهاد والتجديد: دراسة أصولية

العدد 131

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

وبعد …

فمن المعلوم أن الله تعالى قدّر للشريعة الإسلامية الخلود، ومن لوازم ذلك صلاحيتها لكل زمان ومكان، فأنزل الله تعالى على نبيه  القرآن الكريم، ذلك الدستور الكامل الذي قال عنه جل وعلا: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : 41-42] .

وأمر رسوله ببيانه، وذلك بقوله: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : 44] .

وأوجب الله تعالى على الأمة طاعة رسوله في كل ما يأمر وينهى، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) [الحشر: 7].

فالله تعالى جعل كتابه الكريم مع سنة نبيه المصدر الأساس في التشريع في كل الأمور، ومع ذلك لم يهمل الله تعالى عقول هذه الأمة التي جعلها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، ولم يعطل مداركها حتى لا تقف متحيرة أمام الوقائع والمستجدات التي تستجد مع تغير العصر، بل إنه تعالى دفعها إلى التفكير الدائم في الإنسان والكون والحياة وجعل التفكير فريضة إسلامية، وحثّها على العمل الدؤوب لصالح الأمة، وحملَها على الاجتهاد لاستنباط أحكام الجزئيات المستحدثة من الأصول الثابتة والقواعد والكليات المقررة، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 83].

ولما كان إعمال الفكر في نصوص الكتاب والسنة وسيلة التعرّف على الأحكام غير المنصوص عليها، وكان الاجتهاد طريقاً لازماً للوقوف على مقاصد الشريعة وسبيل من سبل الحفاظ على خلودها ومرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، فتح الإسلام باب الاجتهاد أمام علماء الأمة الأكفاء الذين حصّلوا شروط الاجتهاد، وذلك لتلبية حاجات الناس حسب تجدد المصالح وتغير الأعراف والزمان.

لذلك عزمت مستعينا بالله تعالى على كتابة هذا البحث، الذي عنونته بـ “الاجتهاد والتجديد” (دراسة أصولية) وضمنته مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة

أما التمهيد فنذكر فيه:

أولا تعريف الاجتهاد .

ثانيا: تعريف المجتهد .

ثالثا: الحاجة إلى الاجتهاد.

الفصل الأول: حقيقة الاجتهاد ، وفيه مباحث:

المبحث الأول: شروط الاجتهاد .

المبحث الثاني: ضوابط الاجتهاد.

المبحث الثالث : لا اجتهاد مع النص .

الفصل الثاني : أحكام الاجتهاد، وفيه مباحث :

المبحث الأول: الحكم الشرعي للاجتهاد .

المبحث الثاني: تجزؤ الاجتهاد ..

المبحث الثالث: نقض الاجتهاد بالاجتهاد .

المبحث الرابع: خلو العصر عن المجتهدين .

الفصل الثالث : زمن الاجتهاد، وفيه مدخل ومبحثان:

المدخل: شمول الاجتهاد .

المبحث الأول: الاجتهاد في عصر الرسول .

المبحث الثاني: الاجتهاد بعد عصر الرسالة .

الفصل الرابع: علاقة الاجتهاد بالتجديد، وفيه مباحث:

المبحث الأول: معنى التجديد وأدلته .

المبحث الثاني: آراء العلماء في التجديد ..

المبحث الثالث: مجالات التجديد.

الخاتمة: في أهم نتائج البحث

وقد راعيت في كتابة هذا البحث سهولة الأسلوب ووضوح التعبير، وابتعدت بقدر الإمكان عن الغموض والتعقيد في الصياغة.

ولا أدعي أنني بلغت الكمال فيما كتبت، فالكمال لله تعالى وحده، فإن كنت قد أصبت بعض التوفيق فمن عظيم فضل الله عليّ، وإن كانت الأخرى فحسبي أني لم أقصر وبذلت كل جهدي؛ لذا ألتمس من القارئ الكريم غض البصر عما يقع فيه القلم من سقطات وزلات.

والله تعالى أسأل أن يعم النفع به إنه سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.                                   د. عبد الله ربيع عبد الله

التمهيد

أولا : تعريف الاجتهاد

الاجتهاد لغة(1): بذل الوسع والمجهود في طلب المقصود ونيله.

وهو افتعال من “الجهد” بفتح الجيم وضمها، أي: الطاقة والمشقة، فالافتعال فيه للتكلف لا للتطوع.

وهذه الصيغة مصدر لميزان الفعل الماضي “افتعل” وهي تأتي لستة معان:

1- الاتخاذ، مثل: اختتم فلان، أي اتخذ خاتما.

2- الاجتهاد والطلب، مثل: اكتتب، أي اجتهد وطلب الكتابة.

3- التشارك، مثل: اختصم محمد وخالد، بمعنى اختلفا.

4- الإظهار: مثل: اعتذر فلان، أي أظهر العذر.

5- المبالغة في معنى الفعل، مثل: ارتد فلان، أي بالغ في الردة.

6- قد يأتي مطاوعا للمضعّف ومهموز الثلاثي، مثل قرّبته فاقترب، وأنصفته فانتصف.

والجهد: بالفتح والضم، قيل: بمعني واحد، فهما الطاقة والمشقة، وقيل: الجهد بالفتح: المشقة والمبالغة والغاية، وبالضم: الوسع والطاقة.

فمادة “جهد” تدور حول المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول وعمل في الواقعة المقصودة لتحصيل أمر شاق، ولذلك فإن “الاجتهاد” لا يستعمل إلا فيما فيه كلفة ومشقة وجهد، فيقال: اجتهد في حمل حجر الرحا، ولا يقال: اجتهد في حمل النواة.

الاجتهـاد اصطلاحا: عــرَّف الأصوليون الاجتهاد بتعريفات كثيرة منها تعريف الجصاص بأنه “بذل المجهود فيما يقصده المجتهد ويتحراه” اهـ(2).

ومنها تعريف الإمام أبي الوليد الباجي وإمام الحرمين بأنه “بذل الوسع في بلوغ الغرض”(3).

ومنها تعريف الإمام ابن السمعاني بأنه “بذل الجهد في استخراج الأحكام من شواهدها الدالة عليها بالنظر المؤدي إليها” اهـ(4).

ومنها تعريف الإمام الغزالي بأنه “بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة، والاجتهاد التام: أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب“(5).

ومنها تعريف الإمام فخر الدين الرازي بأنه: “استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع فيه”(6).

وتابعه عليه الصفي الهندي والشوكاني(7).

ومنها تعريف ابن الحاجب بأنه “استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي” اهـ وتابعه عليه جماعة من العلماء(8).

ومنها تعريف ابن مفلح والمرداوي بأنه: استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي(9).

ومنها تعريف الدهلوي بأنه: استفراغ الجهد في إدراك الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلى أربعة أقسام الكتاب والسنة والإجماع والقياس(10).

وهذه التعريفات وإن اختلفت ألفاظها إلا أن من يدقق النظر فيها يجدها متحدة في المعني.

وإذا كان الاجتهاد في اللغة افتعالا من “الجهد”، ومادة “جهد” تدور حول المبالغة واستخراج ما في الوسع والطاقة من قول وعمل في الواقعة المقصودة لتحصيل أمر ما، فهو في اصطلاح الأصوليين لا يكاد يخرج عن هذا المعني، فالاجتهاد اصطلاحا: عبارة عن استفراغ الفقيه الوسع وبذله للمجهود حتى يتوصل به إلى الحكم الشرعي.

فالتعريفات الاصطلاحية تتخذ من المعني اللغوي للاجتهاد أساساً، ثم تزيد عليه قيودا تحصره في اجتهاد الفقيه لاستنباط الأحكام الشرعية العملية دون غيرها، ذلك لأن المقصود الاجتهاد الخاص ببيان الأحكام الشرعية العملية(11).

والتعريفات الاصطلاحية للاجتهاد لا يخلو أكثرها من مناقشات واعتراضات، إلا أنه يلاحظ أن هذه المؤاخذات تعتبر من المؤاخذات اللفظية التي لا أثر لها ولا ينبني عليها خلاف حقيقي، ومع ذلك فإن هناك من التعريفات ما يسلم عن هذه المؤاخذات، كتعريف الإمام القرافي في “نفائس الأصول” له بأنه: “بذل الوسع في الأحكام الفروعية الكلية ممن حصلت له شرائط الاجتهاد(12).

وتعريف تاج الدين الأرموي والبيضاوي له بأنه: “استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية”(13) اهـ وتعريف الإمام النسفي بأنه:”بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريقه(14). وتعريف الإمام الزركشي له بأنه: “بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط” اهـ(15) فهذه التعريفات تسلم مما أخذ على غيرها، فهي تفيد أن الاجتهاد يقوم على بذل الجهد واستفراغه في الوقائع المختلفة للوصول منها إلى إدراك الحكم الشرعي العملي بطريق الاستنباط من شخص توفرت فيه شروط الاجتهاد، ولا تختلف إلا في بعض هذه القيود التي تزيد هذا التعريف جلاءً وظهوراً.

ولذا فإنه من الممكن أن نذكر تعريفاً للاجتهاد يجمع بين تعريفات الإمام القرافي، وتاج الدين الأرموي والبيضاوي، والزركشي، فيكون التعريف هو:

“بذل الوسع في درك الأحكام الفرعية الكلية بطريق الاستنباط ممن حصلت له شرائط الاجتهاد”.

شرح التعريف المختار:(16)

قولنا: “بذل الفقيه الوسع” بذل، جنس في التعريف يشمل كل بذل، ولفظ الفقيه لا بد منه، فإن بذل غير الفقيه وسعه لا يسمى اجتهاداً اصطلاحاً، وبذل الفقيه الوسع، يخرج ما يحصل مع التقصير، فإن معنى بذل الوسع: أن يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب.

وقولنا: “في درك الأحكام”: قيد خرج به بذل الوسع في فعل من الأفعال، كبذله في فعل من الأفعال العلاجية مثلا، ودركها أعم من أن يكون على سبيل القطع أو الظن.

وقولنا: “الفرعية” لإخراج الأحكام العلمية، والعرفية، واللغوية، والحسية، والعقلية، فإنها ليست من الاجتهاد اصطلاحاً.

وقولنا: “الكلية”: لإخراج الأمور الجزئية التي لا تتعدى لغيرها، كالاجتهاد في قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وطهارة الأواني والثياب، وتعيين إحدى الجهات لاستقبال الكعبة، فهذه أمور جزئية لا تتعدى تلك الصور، ولا يسمي الناظر فيها مجتهداً بالوضع العرفي الفقهي، بل بالوضع اللغوي بخلاف الفتاوى فإنها عامة للخلق إلى يوم القيامة.

وقولنا:” بطريق الاستنباط”: ليخرج به بذل الوسع في نيل تلك الأحكام من النصوص ظاهراً، أو بحفظ المسائل واستعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتب العلم، فإن ذلك وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي، فإنه لا يصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي.

وقولنا:” ممن حصلت له شرائط الاجتهاد:” قيد يخرج به اجتهاد العامي ونحوه، فإنه لا يسمي اجتهاداً اصطلاحاً.

ثانيا: تعريف المجتهد:

اختلف الأصوليون في تعريف المجتهد، وتنوعت مداخلهم ووجهة نظرهم في تحديد حقيقته، فمنهم من نظر إلى تعريف الاجتهاد ثم استخلص تعريف المجتهد في ضوئه كالإمام الإسنوي، رحمه الله تعالى، إذ نظر إلى تعريف الاجتهاد عند البيضاوي، رحمه الله، بأنه:” استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية” اهـ(17) ثم عرف المجتهد في ضوئه فقال: “فالمجتهد: هو المستفرغ وسعه في درك الأحكام ا هـ(18) .

وكذلك فعل الشوكاني، رحمه الله، فقد عرف المجتهد بأنه:” الفقيه المستفرغ لوسعه لتحصيل ظن بحكم شرعي” ا هـ(19) وذلك بعد أن انتهي من عرض تعريفات الاجتهاد.

وهناك فريق ثان من الأصوليين عرَّفوا المجتهد في ضوء ما يجب أن يتوفر فيه من شروط، وبذلك صرح الآمدي، رحمه الله تعالى، حيث قال في الإحكام: ” وأما المجتهد: فكل من اتصف بصفة الاجتهاد “ا هـ(20).

وقد تابع الآمدي على ذلك جماعة منهم: العضد والطوفي والبخاري وابن السبكي(21) .

وقد أغرق جماعة في تحديد بعض هذه الصفات وذكرها صراحة ضمن تعريف المجتهد كابن السبكي(22) والزركشي(23)، وأرى أن أعرف المجتهد في ضوء التعريف المختار للاجتهاد(24)، فأقول: المجتهد هو الباذل وسعه في درك الأحكام الفرعية الكلية بطريق الاستنباط وقد حصلت فيه شرائط الاجتهاد.

وقد سبقت إشارة موجزة في شرح التعريف المختار للاجتهاد، ومنها يتبين تعريف المجتهد.

ثالثا: الحاجة إلى الاجتهاد

والاجتهاد ضروري من جهتين:

الجهة الأولى: ظنية أغلب النصوص من جهة الدلالة؛ حيث تحتمل كثير من النصوص أكثر من وجه، وهذا غاية الحكمة من الله تعالى، حيث جعل المسائل الفرعية محل نظر واجتهاد، وذلك توسعة على الأمة، وهو أمر لازم مع ختم الرسالة من ناحية، ومع عالميتها من ناحية أخرى.

وظنية الدلالة في النصوص مزية كبرى، فحتى تكون الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، لابد أن يكون تشريعها مرناً يقبله كل الأفراد بكل الثقافات والحضارات(25).

الجهة الثانية: أن النصوص محصورة والوقائع والحوادث غير محصورة.

قال إمام الحرمين الجويني: “القياس مناط الاجتهاد وأصل الرأي، ومنه يتشعب الفقه وأساليب الشريعة، وهو المفضي إلى الاستقلال بتفاصيل أحكام الوقائع، مع انتفاء الغاية والنهاية، فإن نصوص الكتاب والسنة محصورة مقصورة، ومواقع الإجماع معدودة مأثورة … ونحن نعلم قطعا أن الوقائع التي يتوقع وقوعها لا نهاية لها، والرأي المبتوت المقطوع به عندنا أن لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى متلقى من قاعدة الشرع، والأصل الذي يسترسل على جميع الوقائع القياس، وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال“(26).

وقال أيضا: “نحن نعلم قطعا أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتهم، تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عد ولا يحويها حد، فإنهم كانوا قائسين في قريب من مائة سنة، والوقائع تترى … وما سكتوا عن واقعة صائرين إلى أنه لا نص فيها، والآيات والأخبار المشتملة على الأحكام نصاً وظاهراً بالإضافة إلى الأقضية والفتاوى كغرفة من بحر لا ينزف“(27).

وقال أيضا: “ومن أنصف من نفسه لم يشكل عليه إذا نظر في الفناوى والأقضية- أي فتاوى الصحابة والتابعين- أن تسعة أعشارها صادرة عن الرأي المحض والاستنباط، ولا تعلق لها بالنصوص والظواهر“(28).

وقال الإمام ابن السمعاني: “ولأن علم الفقه علم على منهج الازدياد، لأنه العلم بأحكام الحوادث، ولا حصر ولا حد للحوادث، ولا حصر ولا حد للعلم بأحكامها وموجبها”(29).

وقال الإمام الغزالي: “الوقائع شتى، وهي لكثرتها لا ضبط لها”(30).

المبحث الثاني: شروط الاجتهاد

المجتهد حتى تتحقق فيه القدرة والتمكن من استنباط الأحكام الشرعية، والإحاطة بمدارك الأحكام اشترط الأصوليون فيه عدة شروط:(31)

ومن هذه الشروط:

1-البلوغ والعقل: فالصبي لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله، وغير العاقل لا تمييز له يهتدي به لما يقوله فلا يعتبر قوله.

2-العدالة: هي شرط للاعتماد على قوله وقبول فتواه من غيره، أما في حق نفسه فيجوز للفاسق أن يجتهد ويأخذ باجتهاد نفسه، وعلى هذا فإنه يظهر أن هذا الشرط ليس شرطا للتمكن من الاجتهاد، وإنما هو شرط لقبول الفتوى منه(32).

3- معرفة القرآن الكريم:

فإنه الأصل الجامع لأسرار الشريعة وأحكامها، ويكفي منه ما يتعلق بالأحكام(33).

ومما يعين على فهم القرآن الكريم، والوقوف على دقائقه وأحكامه أمران:

أولهما: معرفة أسباب النـزول:

ثانيهما: معرفة الناسخ والمنسوخ:

ومعرفة الناسخ والمنسوخ من الأمور المهمة وذلك حتى لا يستدل المجتهد بآية من الآيات على حكم وهي منسوخة، أو يترك العمل بآية محكمة على ظن أنها منسوخة؛ فيقع في الحكم بالمنسوخ المتروك، أوترك المحكم غير المنسوخ(34).

4- العلم بالسنة النبوية المشرفة: والمشترط معرفته من السنة معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة بالأحكام دون غيرها مما يتعلق بالقصص والمواعظ والآداب(35).

ومما يعين على المعرفة التامة للسنة النبوية المشرفة، أمور:

أ- معرفة أسباب ورود الحديث:

وهي لا تقل أهمية بحال عن معرفة أسباب نزول القرآن الكريم “فإن معرفة أسباب ورود الحديث ألزم لمن يريد فهم السنة ؛ لأن القرآن الكريم بطبيعته عام لكل الأحوال والأمكنة والأزمنة، أما السنة فكثيرا ما تأتي لعلاج قضايا خاصة وأوضاع معينة يتغير الحكم بتغيرها.

ب-معرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث:

حتى لا يفضي الأمر إلى إثبات المنفي ونفي المثبت، ويكفيه من معرفة الناسخ والمنسوخ أن يعرف أن دليل الحكم الفلاني غير منسوخ(36).

ج- معرفة الرواية، وحال الرواة قوة وضعفا، وتمييز الصحيح من الفاسد، والمقبول من المردود، أي أنه لا بد من العلم بأصول الحديث وعلومه، والاطلاع على علم الرجال، وشروط القبول، وأسباب الرد للحديث، ومراتب الجرح والتعديل، وغيرها مما يتضمنه علم المصطلح، ثم تطبيق ذلك على ما يستدل به من الحديث(37).

5- أن يكون عالما بمواضع الإجماع والاختلاف حتى لا يفتي بخلاف الإجماع، فلا بد أن يعرف ما ينعقد به الإجماع، وما لا ينعقد به، ومن يعتد به فيه ومن لا يعتد به، فيتبع الإجماع(38).

6- أن يكون عالما بالقياس: أي لا بد أن يعرف أركانه، وشروطه، وأنواعه، وأقسامه، والطرق الدالة على العلة(39).

7- أن يكون عارفا بلسان العرب وموضوع خطابهم: وذلك لأن شرعنا عربي، فلا يمكن التوصل إليه ومعرفة أحكامه على وجهها إلا بفهم كلام العرب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(40).

9- أن يكون المجتهد فقيه النفس: أي أن يكون المجتهد شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام بحيث يكون له قدرة على التصريف، أو يكون الفقه له سجية وطبيعة، والمرادأن يكون له قوة الفهم على التصرف، فمن كان موصوفاً بالعجز عن التصرف فليس من أهل الاجتهاد(41).

10- أن يكون عالماً بدليل العقل: أي أن يعرف المجتهد أن الأصل البراءة، وأنه لا حكم إلا بالشرع(42).

11- أن يكون عالما بالفروع الفقهية: وقد اشترطه بعض العلماء(43).

هذه أهم ما اشترط في المجتهد من شروط، ذكرتها مجملة خشية الإطالة، وهناك أمور غير هذه قد اشترطها بعضهم، لكن بشيء من التأمل يدرك أنها ترجع لما ذكر لا تخرج عنه بحال، واعلم أن هذه الشروط في المجتهد المطلق، أما المجتهد في حكم خاص فإنما يحتاج إلى قوة تامة فيما هو مجتهد فيه.

المبحث الثالث: لا اجتهاد مع النص

هذه العبارة ذاعت واشتهرت بتعميم وإطلاق، تعميم في فهم معنى النص، وتعميم في الغاية من الاجتهاد مع وجود النص، حتى إنه ليخيّل للناظر من أول وهلة أن هناك تناقضاً كاملاً، فوجود النص يمنع ويلغي وجود الاجتهاد، ووجود الاجتهاد لا يأتي إلا إذا انعدمت النصوص، والأمر في حقيقته على خلاف ذلك.

ولنبدأ أولاً بتحديد معنى النص والاجتهاد، ثم نبين العلاقة بينهما ثم ضرب الأمثلة.

أولاً: معنى النص لغة

إن النص من حيث اللغة إنما يشمل مطلق المكتوب والملفوظ، فكل عبارة مأثورة أو منشأة تسمى نصاً، هذا هو المعنى اللغوي العام للنص.

ومن اللغويين من خصصه كما جاء في لسان العرب عن ابن الأعرابي أنه قال: النص هو الإسناد إلى الرئيس الأكبر والنص: التوقيف، والنص: التعيين على شيء ما .

أما الأزهري فيقول كما جاء في لسان العرب: النص: أصله منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها، وهذا المعنى الذي يجعل كل عبارة أو ملفوظ أو مأثور نصاً، هو الذي انطلق من الفقهاء عندما قالوا عن معنى النص في القرآن وفي السنة أنه : ما دل ظاهر لفظهما عليه من الأحكام(44).

فالنص هنا ليس أي ملفوظ وأية عبارة، وإنما هو ثمرة العملية العقلية، ونهاية الاجتهاد .

ثانياً: معنى النص في الاصطلاح

أغلب الأصوليين لا يطلقون النص على مطلق العبارة والملفوظ، بل على ما بلغ في التحديد والظهور مبلغ الحكم القاطع المتعين، الذي لا يقبل الاحتمالات، فكأنهم خصوه بالأحكام القطعية المستنبطة من العبارات وليس بمطلق العبارات.

فالإمام النسفي يعرفه بأنه: ما ازداد وضوحاً على الظاهر لمعنى في المتكلم لا في نفس الصيغة(45).

وقال الجرجاني في التعريفات: النص ما لا يحتمل إلا معنى واحداً، وقيل: ما لا يحتمل التأويل(46).

وقال الإمام القرافي: والنص فيه ثلاثة اصطلاحات:

أحدها: ما دل على معنى قطعاً، ولا يحتمل غيره قطعاً، كأسماء الأعداد نحو: أحد، اثنين، ثلاثة .

والثاني: ما دل على معنى قطعاً، وان احتمل غيره، كصيغ الجموع في العموم، تدل على أقل الجمع قطعاً مع احتمال الاستغراق، فدلالتها على أصل المعنى قطعية وعلى الأفراد ظاهرة .

والثالث: ما دل على معنى كيف كان .

ذكر هذه الاصطلاحات الثلاثة الإمام القرافي، ثم شرح كلامه فقال: فإن قلنا: إن اللفظ إما نص أو ظاهر، فمرادنا القسم الأول، وأما الثالث فهو غالب الألفاظ، وهو غالب استعمال الفقهاء، يقولون: نص مالك على كذا، أو لنا في المسألة النص والمعنى، ويقولون نصوص الشريعة متضافرة بذلك، وأما القسم الثاني فهو كقوله تعالى: (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ) (سورة التوبة/5) فهو يقتضي قتل اثنين جزماً، فهو نص في ذلك مع احتماله لقتل جميع المشركين(47).

وقال الطوفي: ومأخذ هذه الاصطلاحات: أن من لاحظ معنى النص لغة، حمل عليه الاصطلاح الأول، لأنه بلغ منتهى البيان وغايته، ولهذا قال القاضي أبو يعلي في العدة والباجي في الإشارة: النص قيل: ما رفع في بيانه إلى أقصى غايته، ومنه منصة العروس؛ لأن العروس ترفع عليها على سائر النساء وتنكشف لهن .

ومن لاحظ أصل الظهور والارتفاع، حمل عليه الاصطلاح الثالث.

ومن توسط بينهما حمل عليه الاصطلاح الثاني(48).

وقال التهانوي: للنص في عرف الأصوليين معان خمسة:

المعنى الأول: كل ملفوظ مفهوم المعنى من الكتاب والسنة، سواء كان ظاهرا ً، أو نصاً، أو مفسراً، حقيقة أو مجازاً، عاماً أو خاصاً…

والمعنى الثاني: ما ذكره الشافعي، فإنه سمى الظاهر نصاً، والنص في اللغة بمعنى الظهور.

والمعنى الثالث، وهو الأشهر: ما لا يتطرق إليه احتمال أصلا، لا على قرب ولا على بعد كالخمسة مثلا، فإنه نص في معناه لا يحتمل شيئا آخر، فكلما كانت دلالته على معناه في هذه الدرجة سمي بالإضافة إلى معناه نصاً .

والمعنى الرابع: ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل، أما الاحتمال الذي لا يعضده دليل فلا يخرج النص عن كونه نصاً .

والمعنى الخامس: الكتاب والسنة، أي ما يقابل الإجماع(49).

هكذا دار معنى النص بين مطلق لفظ الكتاب والسنة وبين ما لا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل من لفظهما، وما هو ظاهر من لفظهما، وما هو مفهوم المعنى من لفظهما .

أما المعنى الأشهر للنص فهو لفظ الكتاب والسنة الذي لا يتطرق إليه احتمال أصلاً لا على قرب أو على بعد فهو نص، أي أنه متعين في معناه لا يحتمل شيئاً آخر كالحقائق الملموسة المتحققة وكقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1] ومثل قوله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ) [الفتح : 29] والعدد كلفظ مائة، لا يمكن أن يكون له معنى آخر غير هذا العدد، فنحن هنا أمام معنى للنص يختص بما هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة في الثوابت التي لا يصيبها التحول ولا تعرض لها الاحتمالات أصلاً، لا من قريب ولا من بعيد .

العلاقة بين النص والاجتهاد

العلاقة بين النص والاجتهاد علاقة تلازم ومصاحبة دائماً، لأن موقف المجتهد أمام النص كتاباً أو سنة لا يعدو أن يكون واحداً مما يأتي:

1- أن يكون النص ظني الثبوت، وهنا لا خلاف على ضرورة الاجتهاد في مدى ثبوت هذا النص.

2- أن يكون النص ظني الدلالة وهنا لا خلاف على ضرورة الاجتهاد فيما يدل عليه هذا النص.

3- أن يكون النص ظني الدلالة والثبوت، وهنا لا خلاف على ضرورة الاجتهاد في مدى دلالته وثبوته.

4- أن يكون النص قطعي الثبوت والدلالة(50)، وهذا النوع هو الذي يحتاج إلى تفصيل، وذلك لأن وجود النص قطعي الثبوت والدلالة لا يغني عن الاجتهاد، وإنما حقيقة الأمر هي تحديد طبيعة وحدود الاجتهاد اللازم مع هذا النص قطعي الدلالة والثبوت .

فالنصوص القطعية الثبوت أو الدلالة ينحصر عمل العقل في فهمها في إدراك المعاني الدالة عليها واستيعابها وتمثّلها، وليس له مدخل في البحث عن احتمالات في تعيين المراد الإلهي، لأن البحث عن الاحتمالات في هذا النوع من النصوص من شأنه أن يؤدي إلى اعتبار أن يكون لجميع النصوص ظواهر وبواطن، وهو قول كفيل بأن يهدر دلالة اللغة التي تواضع عليها الناس أصلا، ويتبع ذلك إهدار أغراض الوحي، وهو ما آل إليه أمر الغلاة من الباطنية في إهدارهم لتكاليف الشريعة(51).

فالاجتهاد في فهم النص لإنزال أحكامه منازلها هو أمر لا بد منه مع أي نص من النصوص قطعية الدلالة والثبوت .

وكذلك الاجتهاد في المقارنة والموازنة بين هذا النص ونظائره الواردة في موضوعه والموافقة أو المخالفة لمعناه، أمر لا خلاف فيه.

والاجتهاد في استنباط الجزئيات والفروع من النص قطعي الدلالة والثبوت يعني التلازم الضروري بين هذا النص وبين الاجتهاد(52).

فلا تناقض بين النص والاجتهاد، ولكن الأمر الذي يثير اللبس هنا إنما جاء من عدم التمييز بين النصوص الدينية التي تعلقت بالثوابت الدينية وتلك النصوص التي تعلقت بالمتغيرات من الفروع الدنيوية .

ففي النصوص التي تعلقت بالثوابت الدينية من عقيدة وشريعة في علوم عالم الغيب وشعائر العبادات والأمور التعبدية التي لا مجال للعقل فيها، استأثر الله تعالى بعلم حكمتها، ومن ثوابت الواجبات والحقوق والمعاملات الدنيوية لمقاصد الشريعة وقواعدها وحدودها، في مثل هذه النصوص يقف نطاق الاجتهاد عند الفهم واستنباط الفروع وربطها بالأصول والمقارنة والترجيح وتخريج الأحكام .

فالاجتهاد قائم حتى مع هذه النصوص قطعية الدلالة والثبوت والمتعلقة بالثوابت، ولكنه لا يتعدى منها ومعها هذه الحدود .

إن الأحكام المستخرجة بالاجتهاد من الدلالات القطعية لهذه النصوص قطعية الثبوت، لا يجوز تغييرها ولا تجاوزها أو استبدالها بدعوى جواز الاجتهاد فيها، لأن الاجتهاد في هذه النصوص مع قيامه ووجوده ولزومه لا يجوز أن يتعدى حدوده التي هي حدود الفهم والاستنباط والتفريع والترجيح والتحرير، ولا يمكن التغيير أو التعطيل أو التجاوز أو الاستبدال.

وذلك لأن هذه النصوص إما أنها تعلقت بثوابت دينية أو دنيوية، فلا يجوز تجاوز أحكامها أو تغييرها أو تعطيلها أو استبدالها، وإلا خرج الأمر عن الاجتهاد إلى نسخ الشريعة، وإما لأنها تعلقت بالسمعيات الغيبية والأحكام التعبدية التي لا يستقل العقل بإدراك الحكمة منها والعلة الغائية وراءها فلا بد فيها من الوقوف عند دلالات النص(53).

فمن الثوابت أولا: “العقائد” التي تمثل فكرة الإسلام الكلية عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وموقف الإسلام هنا موقف المخبر عن حقيقة هذه الأشياء الموجب للإيمان بها كما هي بلا تهوين ولا تهويل.

وهذه الأشياء ليست إلا حقائق ثابتة غير قابلة للتطور أو التغيير.

ومن الثوابت ثانيا: “العبادات” التي فرضها الله تعالى على عباده قياماً بواجب شكره وحق ربوبيته لهم، مثل أركان الإسلام الأربع: الصلاة والصيام والزكاة والحج، وما يكمّلها من نوافل تُقَرِّبُ المرء من ربه، وما يَلْحَق بها من عبادات أخرى مثل الذكر والدعاء وتلاوة القرآن.

فهذه العبادات ثابتة باقية لا يدخل عليها تطوير ولا تغيير في جوهرها وأصولها، ولكن قد نجد في أداء هذه الفرائض مسائل قد يحدثها التطور، فتحتاج إلى اجتهاد جديد في ضوء النصوص الثابتة والقواعد الشرعية المقررة، كالصلاة بالنسبة لرواد الفضاء، وأين تكون قبلة من يصلي فوق القمر؟ والصلاة والصيام في المناطق القطبية والقريبة منها، وصلاة من لايجد وقت العشاء، وإحرام ركاب الطائرات في الحج أوالعمرة، والزكاة في الأموال النامية الجديدة كالمصانع والأسهم وغيرها، وتناول الحقن المغذية أثناء الصيام، وتسجيل القرآن الكريم على اسطوانة أو شريط هل له حكم المصحف أم لا؟

ومن الثوابت ثالثا: “القيم الأخلاقية العليا” التي تحدد علاقة الإنسان بربه، كالإخلاص له والرجاء في رحمته والخشية من عقابه، وكذلك التي تحدد علاقته بنفسه، كالنظافة والعفة والحياء والصبر والشجاعة والعزة ومحاسبة النفس، وكذلك التي تحدد علاقته بأسرته مثل الرعاية لحقوق الزوجية والبنوة وبر الوالدين وصلة الرحم، وكذلك التي تحدد علاقته بالمجتمع، مثل الصدق وإنجاز الوعد والوفاء بالعهد ورعاية الأمانة ورحمة الصغير وتوقير الكبير والعدل مع الصديق والعدو والبر بالناس وفعل الخير للجميع، وغير ذلك من مكارم الأخلاق التي بعث النبي ليتمها.

ومن الثوابت رابعا: “الأحكام القطعية” في شئون الفرد والأسرة والمجتمع والحكم والخلافات الدولية، التي تَثْبُتُ بالنصوص القطعية وأجمعت عليها الأمة، وذلك مثل إباحة الطلاق، وتعدد الزوجات بما يتبعها من قيود وشروط، وإيجاب النفقة على الزوج وإعطائه درجة القوامة على الأسرة، وتوريث الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، ومثل شرعية الملكية الفردية، وحل البيع وحرمة الربا، وإيجاب الرضا في العقود، والوفاء بها والترخيص في بيع السلم، وجواز الرهن والوكالة والحوالة ونحوها من العقود، ووجوب إقامة الحدود بشروطها على المرتكبين لما يستحق الحد، والتعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.

وما عدا هذه الثوابت نجد جُل أحكام الشريعة قابلة للاجتهاد وتعدد الأفهام، والاجتهاد علاقة ثلاثية بين المجتهد وبين الواقعة والدليل(54).

فالنصوص القطعية الدلالة والثبوت، والتي تعلقت بأمور هي من الفروع الدنيوية ومن المتغيرات فيها، والمعللة بعلة غائية، هي التي يثير الموقف منها اللبس الذي نحاول إزالته .

فالنصوص الدينية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتحقيق مصالح العباد في فروع المتغيرات الدنيوية، ليست مرادة لذاتها، وإنما هي مرادة لعللها وغاياتها ومقاصدها، فأحكامها المستنبطة منها تدور مع هذه العلة الغائية التي هي المصلحة وجودا وعدما، ويدل على ذلك اتفاق الأصوليين على ضرورة الاجتهاد في الأحكام التي ارتبطت بعلة تغيرت، أو بعادة تبدلت، أو بعرف تطوّر، حتى ولو كانت هذه الأحكام مستندة إلى نص، وتم عليها إجماع في العصر الذي سبق تغير العلة وتبدل العادة وتطوّر العرف .

فوجود النص لم يمنع من الاجتهاد الذي يثمر حكما جديدا يحقق المصلحة، التي هي الغاية من النص المتعلق بالمتغيرات الدنيوية في الفروع، بل إن المنع من الاجتهاد مع النصوص المتعلقة بالثوابت ليس مرجعه وجود هذه النصوص، بل مرجعه حِكَمِها وغاياتها والمصالح التي جاءت لها .

وعلى ذلك فالاجتهاد مع وجود النص قطعي الدلالة والثبوت، المتعلق بالمتغيرات من الفروع الدنيوية، ليس معناه الاجتهاد الذي يرفع الحكم المستنبط من هذا النص رفعا دائما ومؤبدا، فهو اجتهاد لا يتجاوز النص فيلغيه، وإنما يتجاوز الحكم المستنبط منه، وهذا التجاوز للحكم ليس موقفا أبدياً؛ لأن حقيقة الاجتهاد هنا هي: اجتهاد في مدى توافر الشروط اللازمة لإعمال هذا الحكم المستنبط من هذا النص، على النحو الذي يحقق حكمته وعلته والمصلحة المبتغاة منه، فإذا توفرت الشروط فلا تجاوز للحكم، وإذا لم تتوفر أثمر الاجتهاد حكماً جديداً، دون أن يلغي النص ويعدمه، ودون أن يلغي الحكم الذي تجاوزه إلغاءً دائماً، فإذا عادت وتوفرت شروط إعماله عاد الاجتهاد إلى ذات الحكم بعد تجاوزه، وتجاوز عن الحكم الجديد لافتقاره في هذه الحالة إلى شروط الإعمال .

فحقيقة الاجتهاد وجوهره هنا هو: الاجتهاد في شروط إعمال النصوص وأحكامها.

ويجدر بنا هنا أن نذكر أمثلة لاجتهادات الصحابة وحكمهم فيها بأحكام جديدة مخالفة لما كان في أيام رسول الله r، وهذه الاجتهادات تدل في حقيقتها على ذروة الاجتهاد وتحري المصلحة للأمة، وعلى ذروة الحرية في البحث، فهناك بعض الصور التي اجتهد الصحابة فيها، وأداهم اجتهادهم إلى حكم جديد يخالف ما حكم به الرسول لتغير الظروف في أيامهم عما كانت عليه في أيام الرسول r، فحكموا بناءً على هذه الظروف بما يحقق هدف الشريعة الإسلامية من المصلحة للناس , وكان ذلك ذروة الاجتهاد منهم(55).

المثال الأول: سهم المؤلفة قلوبهم

لقد كان نصيب المؤلفة قلوبهم من الصدقات سهما حدده النص القرآني، حيث قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60] وكان الرسول يعطيهم وهم ليسوا على إسلام صحيح صادق، بل متأرجحين، ليتألف بالعطاء قلوبهم، وسار أبو بكر t في خلافته على ما سار عليه رسول الله r، حتى جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فسألا أبا بكر: يا خليفة رسول الله: إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة فإن رأيت أن تعطيناها ؟ فأقطعهما أبو بكر t إياها على أنهما من المؤلفة قلوبهم، وكتب لهما عليها كتاباً بذلك وأشهد عليه، ولم يكن عمر t حاضراً، فذهبا إلى عمر ليشهد فعارض عمر t ذلك بشدة ومحا الكتابة، فتذمرا وقالا مقالة سيئة، فقال لهما إن رسول الله كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أغنى الإسلام، اذهبا فاجهدا جهدكما لا يرعى الله عليكما إن رعيتما(56).

والشاهد هنا أن عمر t اجتهد مع وجود هذا النص القرآني القطعي الثبوت والدلالة، والذي كان حكمه مستقرا أيام الرسول r، فعمر t اجتهد، مع وجود هذا النص القرآني القطعي الثبوت والدلالة، عندما تخلفت شروط إعمال حكم هذا النص، فلم يعد ضعف المسلمين الذي يدعوهم إلى تألف قلوب المشركين قائما، فعمر t اعتبر أن السبب الآن غير قائم، فلا داعي للإعطاء، ومعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فعمر t لم يقف جامداً عند حدود النص وظاهره، ولا حدود الفعل، بل غاص إلى سببه وعلته .

وليس معنى ذلك أن هذا الحكم القرآني قد ألغاه عمر رضي الله عنه، أو أوقفه نهائياً أو نسخه، بل أوقفه مؤقتا لعدم وجود الداعي إليه في رأيه، كذلك رأي أبي بكر t حين وافق عمر، ورأيُ الصحابةِ رضوان الله عليهم حين وافقوا موافقة سكوتية ولم يعارضوا ذلك .

ولهذا يمكن إعمال هذا النص حين توجد أسبابه، فليس ما فعله عمر t ووافقه عليه الصحابة رضوان الله عليهم، نسخاً للقرآن أو إيقافا لحكم إلى الأبد، بل هو فهم للآية، ولسبب الحكم وعلته، ولدوران الحكم مع العلة وجودا وعدما، ولذلك لو رأى الحاكم المسلم في أي زمان وفي أي مكان أن مصلحة الأمة تقتضي تألف قلوب الأعداء بسهم من الصدقات، فسيكون اجتهاداً جديداً يعيد حكم هذا النص إلى الإعمال، ويخرجه من حكم موقوف التنفيذ إلى حكم واجب النفاذ(57).

والإعزاز كما يرى بعض المحدثين، هنا مقصد وليس علة، حسب التعريف الأصولي للعلة بأنها “وصف ظاهر منضبط”، لأن الإعزاز وصف ظاهر متغير بتغير الأحوال، وبالتالي فهو غير منضبط، وعلى هذا فعمر t قد فهم علة النص ودلالة الآية من خلال المقصد، لأنه اعتبر الظروف التي تغيرت، فأصبح تقوي المسلمين بهؤلاء المؤلفين غير مطلوب في زمانه(58).

المثال الثاني: حد السرقة

ثبت حد السرقة بالآية القرآنية القطعية الثبوت والدلالة، حيث قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [النور: 2].

فقد اجتهد سيدنا عمر t، ورأى أن لا يقيم حد السرقة في عام الرمادة، فهو t قد راعى علة الحد وظروفه ودار مع العلة، وإن أدى ذلك إلى تخصيص النص، أو ترك ظاهره، وهذا الاجتهاد من سيدنا عمر t لم يقل أحد إنه عنى به تجاوز النص، ولا أنه قد تجاوز الحد المأخوذ منه دائما ومطلقا، فعندما تجاوز المجتمع حالة المجاعة، وتوفرت الشروط لإقامة حد السرقة، عادت الدولة الإسلامية إلى تطبيقه من جديد .

المثال الثالث: تقسيم الغنائم

كانت الغنائم في عهد رسول الله كما حدث في توزيع غنائم خيبر بعد فتحها تقسم حسب الآية الكريمة (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال: 41] ثم توزيع الباقي، وهو أربعة أخماس على مقاتلة جيش الفتح، واستمر الأمر على ذلك في عهد رسول الله وأبي بكر الصديق t، ومدة من خلافة عمر t، حيث كان يوزع أربعة أخماس الغنائم على الفاتحين من الجيش، ولم يكن هناك من يُفَكِّرُ في غير ذلك، حتى فتح الله على المسلمين أرض العراق والشام ومصر على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t، فطلب مقاتلو جيوش الفتح من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t، إعمال السُنّة وتوزيع أربعة أخماس سواد العراق وأرض مصر والشام على الفاتحين، لكن عمر t، رأى أن المصلحة التي اقتضت التوزيع عند فتح خيبر، قد تبدلت أمام وضع هذا الفتح الجديد، وأنه لا بد من اجتهاد جديد لاستنباط حكم جديد يحقق هذه المصلحة التي استجدّت.

وطلب t من أهل الرأي في الدولة الإسلامية، الاجتهاد مع وجود هذه السُنّة العملية التي سبق وانعقد الإجماع عليها في عهدي النبي وأبي بكر الصديق t، وقال لمخالفيه عن طلبهم قسمة الأرض المفتوحة: ما هذا برأي ولست أرى ذلك، إنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، ووالله لا يفتح بعدُ بلد فيكون فيه كبير نيل، بل عسى أن يكون كلاًّ على المسلمين، فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها(59) وأرض الشام بعلوجها، فما يُسَدّ به الثغور ؟ وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أرض الشام والعراق؟ لقد غنّمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم، فقسّمت ما غنموا من أموال بين أهله، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية، يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين المقاتلة والذرية ولمن يأتي من بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لا بُدّ لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام، كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر، لا بد لها من أن تُشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضين والعلوج؟ إذن أترك مَن بعدَكم من المسلمين لا شيء لهم، كيف أُقسّمه لكم وأدع من يأتي بغير قسم؟!

وكان في الداعين إلى القسمة نفر من كبار الصحابة رضوان الله عليهم، مثل بلال بن رباح، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، رضي الله عنهم جميعا، وكان منطقهم هو منطق من يدعو إلى إعمال حكم السُنّة النبوية، وقالوا له منكرين: أتقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يستشهدوا؟ ولأبناء أبنائهم ولم يحضروا؟

وتمسك عمر t، برأيه وكان معه عثمان وعلي وطلحة رضي الله عنهم، وطال الأخذ والرد، ثم احتكم الجميع إلى هيئة تحكيم فأرسل عمر t إلى عشرة من الأنصار خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم، وحدثهم عمر t، بوجهة نظر المعارضين ووجهة نظره، وقال لهم: إني لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حُمّلت من أموركم، فإني واحد كأحدكم وأنتم تقرّون بالحق، خالفني من خالفني ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي، معكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمر أريده، ما أريد به إلا الحق .

ونظرت هيئة التحكيم في الأمر، فصوبت اجتهاد عمر t ومن معه مع وجود السُنّة العملية المتمثلة في قسمة أرض خيبر، وقالوا له: الرأي رأيك، فنعم ما قلت ونعم ما رأيت.

وانتهى الأمر على ما رأى عمر t، وصارت الأرض ملكاً للدولة يُجْبَى إليها خراجها، وتستعين به على قضاء مصالح المسلمين عامة، وعند ذلك كتب عمر t، إلى قادة جيوش الفتح بهذا الاجتهاد الجديد .

فنظرة عمر t، نظرة جديدة قامت على اجتهاد منه، ميدانه شروط عمل حكم النص، توخى عمر t في هذا الاجتهاد مصلحة المسلمين وغاير الطريقة التي كانت تتبع من قبل للظروف التي رآها(60).

المثال الرابع: قتل الجماعة بالواحد

الأصل في القصاص المساواة، النفس بالنفس والعين بالعين، مما كان في شريعة من قبلنا وصار شرعاً لنا، لقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) [المائدة: 45] ولكن عمر t حين نظر قضية رُفِعَت إليه اشترك فيها سبعة من أهل صنعاء في قتل واحد، توقف أول الأمر واستشار عليا t فاستقر رأيهما على قتلهم جميعاً، وأرسل عمر t إلى عامله يعلى بن أمية t الذي رفع إليه هذه القضية يقول: اقتلهم، لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً.

وهذا اجتهاد من عمر t في النص، تعدى ظاهره إلى العلة من تشريعه وهي حفظ الحياة، فلو ترك المشتركون في القتل دون إقامة القصاص عليهم؛ لشاع القتل بالاشتراك للتخلص والفرار من القصاص، ولضاعت الحكمة من القصاص وهي حفظ الحياة، المدلول عليه بقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 179] وهدف عمر وعلي رضي الله عنهما، إلى تحقيق المصلحة من قتل جميع المشتركين سدًّا لباب أوسع من الفساد(61).

وعلى ذلك فالنصوص في نظر الشريعة الإسلامية إذا وردت فيما هو معقول يستقل العقل بإدراكه، من شئون عالم الشهادة وتعلقت بما له حكمة وغاية، وخرجت عن نطاق الثوابت، فإن أحكامها تدور مع عللها وجودا وعدما، فالأحكام هنا لا تراد لذاتها، وإنما للمصالح التي شرعت لتحقيقها، بل إن النصوص نفسها ليست مرادة لذاتها وإنما لمصالح العباد التي ما جاءت الشريعة الإسلامية إلا لتحقيقها .

الفصل الثاني

أحكام الاجتهاد

المبحث الأول: الحكم الشرعي للاجتهاد

ونعني بذلك: حكم الاجتهاد باعتباره ممارسة وفعلا، أي وصف الشارع للاجتهاد بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما من الأحكام التكليفية الخمسة(62) .

فالاجتهاد تكلم عن حكمه العلماء قديما، فمنهم من نص على وجوبه كالإمام مالك بن أنس -رحمه الله تعالى – كما نسبه إليه القرافي وابن جزي(63).

وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الاجتهاد فرض كفاية، وقد عقد الإمام السيوطي – رحمه الله – في كتابه “الرد على من أخلد إلى الأرض” باباً في ذكر نصوص العلماء على أن الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفايات، وأنه لا يجوز شرعاً إخلاء العصر منه، ساق فيه حوالي سبعة عشر نصاً عن الأئمة الأعلام أن الاجتهاد في كل عصر فرض(64).

وممن نص على كون الاجتهاد واجباً على الكفاية الشهرستاني، إذ صرح في عبارة بأن الاجتهاد واجب، ثم نص في أخري على أنه واجب على الكفاية(65).

والواقع أن الاجتهاد في حق العلماء على خمسة أنواع:

النوع الأول: أن الاجتهاد في حقهم فرض عين، وذلك في أربع حالات:

أولها: على كل مسلم وجد في نفسه الأهلية لأداء الاجتهاد بأن تحققت فيه شروطه.

ثانيها: اجتهاد المجتهد في حق نفسه فيما نزل به، لأن المجتهد لا يجوز له تقليد غيره، لا في حق نفسه، ولا في حق غيره.

ثالثها: اجتهاد المجتهد في حق غيره إذا خيف فوات الحادثة دون حكمٍ شرعيٍ، فإن تضيق الوقت تعين على الفور، وإن اتسع فعلى التراخي.

رابعها: يكون واجباً عينياً في حق المجتهد الذي توجه إليه صاحب النازلة بالاستفتاء، أو أحيلت إليه بصفته قاضياً.

النوع الثاني: أنه يكون واجباً كفائياً، و ذلك في حالتين:

أولاهما: إذا نزلت بالمستفتي حادثة فاستفتى أحد العلماء، توجه الفرض على جميعهم، وأخصهم بالفرض من خص بالسؤال عنها، فإذا أجاب هو أو غيره سقط الفرض، وإلا أثموا جميعا.

وإن أمسكوا مع التباسه عليهم عُذروا، ولكن لا يسقط عنهم الطلب، وكان فرض الجواب باقياً عند ظهور الصواب.

ثانيتهما: إن تردد الحكم بين قاضيين مشتركين في النظر، فيكون فرض الاجتهاد مشتركاً بينهما، فأيهما تفرد بالحكم فيه سقط فرضه عنهما.

النوع الثالث: أنه يكون مندوباً في حالتين:

الأولي: فيما يجتهد فيه المجتهد من غير النوازل يسبق إلى معرفة أحكامها قبل حدوثها.

الثانية: في الجواب عن استفتاء في نوازل يتوقع نزولها، ولم تنزل بعد.

النوع الرابع: أنه يكون مكروهاً، وذلك يكون في المسائل الافتراضية التي لم تجر العادة بوقوعها، والألغاز، والأحاجي التي لا ثمرة من ورائها، فالاشتغال بها يكون مكروهاً شرعاً، لأنه اشتغال بما لا يجدي، وأقل ما يقال فيه هو الكراهة.

النوع الخامس وهو الأخير: أنه يكون حراماً، وذلك في حالتين:

الأولي: إذا كان في مقابلة نص فهو حرام ؛ إذ لا اجتهاد مع النص، وكذلك إذا صادم الإجماع.

الثانية: اجتهاد غير المجتهدين فهو في حقهم حرام ؛ إذ ليسوا أهلاً للنظر في الأدلة الشرعية وفهم الأحكام منها، مما يفضي بدوره إلى الضلال، وما أدى إلى الحرام فهو حرام(66).

والحقيقة أن هذا النوع ليس اجتهاداً، ولا يصدق عليه الحد أيضا، والتقسيم إما لأنه أريد به مطلق بذل الطاقة في استخراج الحكم، أو هو كتفسير الفرس إلى الفرس المركوب وعلى شبحه المرسوم على اللوح(67).

المبحث الثاني: تجزؤ الاجتهاد

الأصوليون بحثوا ما سموه “الاجتهاد الجزئي”، أي الاجتهاد في مسألة من المسائل الشرعية .. ليصلوا لحكمٍ فيها .. مما يعرض للناس من مشاكل في الحياة … هل يجوز له أن يجتهد فيها، أو لا بد أن يكون مجتهداً عاماً في كل الأحكام الشرعية ومؤهلاً له حتى يجتهد في مسألة خاصة ؟

قال أغلب العلماء المعتد برأيهم بجواز تجزؤ الاجتهاد، يعني الاجتهاد في مسألة دون مسألة .. ومن هؤلاء: الإمام الغزالي، والكمال بن الهمام والرازي والرافعي وابن السبكي وابن دقيق العيد وابن تيمية وغيرهم، واستدلوا على ذلك: بأن التقليد في حالة القدرة على الاجتهاد منهي عنه، وبأنه لو لم يتجزأ الاجتهاد لكان كل مجتهد يعلم الجميع، وقد سئل الإمام مالك عن عدة مسائل فقال لا أدري في كثير منها .. وقالوا إن شروطه هي الشروط في المجتهد العام(68).

يقول الإمام الغزالي: ” وليس الاجتهاد عندي منصباً لا يتجزأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض، فمن عرف النظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسية، وإن لم يكن ماهراً في علم الحديث، فمن ينظر في مسألة المشرّكة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفاً بأصول الفرائض ومعانيها ؛ وإن لم يكن قد حصّل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات، أو في مسألة النكاح بلا ولي، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها، ولا تعلق لتلك الأحاديث بها، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها قطعا، ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمى وطريق التصرف فيه، فما يضرّه قصوره عن علم النحو الذي يعرّف قوله تعالى: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) [ المائدة: 6] وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كل مسألة، فقد سئل الإمام مالك، رحمه الله تعالى، عن أربعين مسألة، فقال في ستة وثلاثين مسألة منها لا أدري، وكم توقف الشافعي، رحمه الله تعالى، بل الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، في المسائل، فإذاً لا يشترط إلا أن يكون على بصيرة فيما يفتي، فيفتي فيما يدري، ويدري أنه يدري، ويميّز بين مالا يدري وبين ما يدري، فيتوقف فيما لا يدري ويفتي فيما يدري . اهـ(69).

ويقول ابن تيمية: ” فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزيء والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز، وقد يكون الرجل قادراً في بعض عاجزاً في بعض، لكن القدرة على الاجتهاد لا تكون إلا بحصول علوم تفيد معرفة المطلوب “(70).

وقال في موضع آخر: والاجتهاد ليس هو أمر واحد لا يقبل التجزيء والانقسام، بل قد يكون الرجل مجتهداً في فن أو باب أو مسألة، دون فن وباب ومسألة، وكل أحد فاجتهاده بحسب وسعه”(71).

وفي كتاب الإحكام للآمدي، بعد أن ذكر شروط المجتهد قال: “وذلك كله إنما يشترط في حق المجتهد المطلق المتصدي للحكم والفتوى في جميع مسائل الفقه، وأما الاجتهاد في حكم بعض المسائل، فيكفي فيه أن يكون عارفاً بما يتعلق بتلك المسألة، وما لا بد منه فيها، ولا يضره في ذلك جهله بما لا تعلق له بها، مما يتعلق بباقي المسائل الفقهية”(72).

وقال في موضع آخر: ” والمكلّف إذا حصلت له أهلية الاجتهاد بتمامها في مسألة من المسائل، فإن اجتهد فيها وأداه اجتهاده إلى حكم فيها، فقد اتفق الكل على أنه لا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين، في خلاف ما أوجبه ظنه وترك ظنه، وإن لم يكن قد اجتهد فيها فقد اختلفوا فيه(73).

ويقول الشيخ المراغي معلقاً على هذا: ” هذه آراء علماء الأصول في الاجتهاد الجزئي، وهي صريحة في حرمة التقليد على من يقدر على الاجتهاد في وقائع خاصة، سواء كان المقلَّد (بفتح اللام) صاحبياً، أم تابعياً، أم إماماً من الأئمة الأربعة وغيرهم”(74).

المبحث الثالث: نقض الاجتهاد

نقض الاجتهاد إما أن يكون باجتهاد أو بغير اجتهاد.

وقد اتفق الأصوليون على أن الاجتهاد يُنْقَضُ إذا خالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً(75)، والمراد بالقياس الجلي ما كانت العلة فيه منصوصة أو كان مقطوعاً فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع(76).

وأضاف الإمام الغزالي: ما إذا نبهنا لأمر معقول في تحقيق مناط الحكم أو تنقيحه بحيث يعلم أنه لو تنبه له لعلم قطعا بطلان حكمه، فيُنقض الحكم(77).

وأضاف الإمام القرافي: القواعد الشرعية فينقض الاجتهاد بمخالفتها، حيث قال: والحكم الذي ينقض في نفسه ولا يمنع النقض هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي(78).

وأضاف ابن بدران: أن الاجتهاد ينقض إذا تيقن خطؤه، حيث قال: وقال داود وأبو ثور: ينقض ما بان خطأ، قلت: وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه(79). وهو رأي الإمام السبكي حيث قال في فتاويه:- لا شك أن الحكم ينقض لتبين خطئه، ولا شك أن الحاكم منصوب لأن يحكم بحكم الشرع، وأحكام الشرع منوطة بأسباب تتعلق بوجودها، ووجودها يثبت عند الحاكم بطريق شرعي، فالخطأ لا يعدو هذه المواطن الثلاثة:

أحدها: أن يكون في الحكم الشرعي، بأن يكون حكماً بخلاف النص أو الإجماع أو القياس الجلي، فينقض إذا تبين ذلك؛ لتحقق الخلل في الحكم … والخلل هنا في الحاكم لا في الحكم لكنه قريب منه .

الموطن الثاني: أن يحصل الحكم على سبب غير موجود ويظن القاضي وجوده ببينة زور ونحوها، فإذا انكشف ذلك ينقض في بعض المواضع بالإجماع، وفي بعضها بخلاف فيه، والخلاف هنا في السبب ووضع الحكم في غير محله …فالخطأ في السبب لا في الحكم والمخطئ هو الشاهد لا الحاكم .

الموطن الثالث: أن يكون الخلل في الطريق، كما إذا حكم بشهادة كافرين، فإذا تبين ذلك ينقض سواء أكان المشهود به صحيحاً أم لا ؛ لأن المعتبر من الحكم ما كان بطريقه الشرعي، فإذا كان بغير طريقه الشرعي فقد حصل الخطأ في الطريق فننقضه لوقوعه على غير الوجه الشرعي، والخطأ هنا من القاضي في اعتقاده عدالة الشهود … ولو حكم بشهادة فاسقين اعتقد عدالتهما نقض في الأصح كالكافرين . اهـ وتبعه على ذلك الإمام السيوطي(80).

وأما نقض الاجتهاد باجتهاد آخر فقد قال الآمدي: اتفقوا على أن حكم الحاكم لا يجوز نقضه في المسائل الاجتهادية لمصلحة الحكم، فإنه لو جاز نقض حكمه إما بتغير اجتهاده أو بحكم حاكم آخر؛ لأمكن نقض الحكم بالنقض، ونقض نقض النقض إلى ما لا نهاية، ويلزم من ذلك اضطراب الأحكام وعدم الوثوق بحكم الحاكم وهو خلاف المصلحة التي نُصب الحاكم لها(81).

وهو ما عبر عنه السيوطي بقوله: وعلته أنه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأول، فإنه يؤدي إلى أنه لا يستقر حكم، وفي ذلك مشقة شديدة، فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض وهلم جرا(82).

وكون الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد اعتبر من القواعد الكلية التي يبنى عليها الكثير من الأحكام.

وأصل هذه القاعدة في قواعد الإمام الكرخي: الأصل أنه إذا مضى بالاجتهاد لا يفسخ باجتهاد مثله ويفسخ بالنص(83).

دليل هذه القاعدة: إجماع الصحابة y كما يرى ذلك السيوطي حيث قال: الأصل في ذلك إجماع الصحابة y نقله ابن الصباغ، وأن أبا بكر t حكم في مسائل خالفه فيها عمر t ولم ينقض حكمه، أي بعد أن تولى عمر t وحكم عمر في المشرّكة بعدم المشاركة ثم بالمشاركة، وقال: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا اليوم، وقضى في الجد قضايا مختلفة(84).

لكن ما المراد بالاجتهاد هنا؟

ليس المراد بالاجتهاد هنا ذلك الاجتهاد الاصطلاحي الذي مرّ تعريفه وإنما يراد به معنى أعم وأشمل، وذلك ثلاثة أنواع:

النوع الأول: اجتهاد المجتهد في المسائل الظنية التي لم يرد فيها دليل قاطع.

النوع الثاني: الحادثة التي وقع فيها الحكم من القاضي.

النوع الثالث: مسائل التحري.

أما النوع الأول: فإن المجتهد إذا حكم في المسائل الظنية التي لم يرد فيها نص قاطع ولم يصادم في حكمه الكتاب ولا السنة ولا الاجماع نفذ حكمه، ولا يجوز نقضه لا من قِبله إذا تغير اجتهاده، ولا من مجتهد آخر يرى خلافه، لأنه لو نقض به لنُقض أيضاً، ولكن إذا تبدّل اجتهاد الحاكم في غير تلك المسألة أو الحادثة، فله أن يحكم فيها بحسب اجتهاده الثاني ولا ينقض الأول؛ حتى لا يتسلسل الأمر ولتستقر الأحكام .

قال في المستصفى: المجتهد إذا أداه اجتهاده إلى أن الخلع فسخ لا طلاق، فنكح امرأة خالعها ثلاثاً ثم تغير اجتهاده – أي رأى أن الخلع طلاق – لزمه تسريحها ولم يجز له إمساكها على خلاف اجتهاده، ولكن لو حكم بصحة النكاح بعد أن خالع الزوج، ثم تغير اجتهاده لم يفرق بين الزوجين ولم ينقض اجتهاده السابق بصحة النكاح لمصلحة الحكم(85).

النوع الثاني: إذا حكم القاضي المقلد في المسائل الاجتهادية وكان حكمه مقيداً بمذهب ما أو باللوائح والأنظمة الآمرة من الحاكم . فهذا أيضاً لا يجوز نقضه .

وهذا معنى قول الفقهاء: “الدعوى متى فصلت مرة بالوجه الشرعي لا تنقض ولا تعاد” فلو حكم القاضي برد شهادة فاسق ثم تاب وأعادها لم تقبل، بخلاف شهادة الصبي والعبد.

النوع الثالث: الاجتهاد بمعنى التحري، مثل لو تغير اجتهاده في القبلة عمل بالثاني، ولم يبطل الأول . حتى لوصلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد، صحت صلاته ولا قضاء عليه ولا إعادة . وكذلك لوتحرَّى في ثياب اختلطت طاهرة منها بنجسة أو أواني ماء وصلى ببعضها أو توضأ ببعضها باجتهاده، ثم تغير اجتهاده فلا ينقض اجتهاده الجديد اجتهاده السابق ولاقضاء عليه ولا إعادة(86).

ومعنى هذه القاعدة – الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد – أن من اجتهد في حكم حادثة فأفتى بها أو قضى ثم وقعت أخرى نظيرها فتبدّل فيها اجتهاده إلى حكم مخالف، فلا تنقض فتواه وقضاؤه السابقان، وإنما يعمل باجتهاده الجديد في الحادثة الجديدة، إذ لو ساغ نقض العمل بالفتاوى والأحكام الاجتهادية كلما تبدل اجتهاد المجتهد؛ لما استقر حكم في حادثة؛ لأن الاجتهاد عرضة للتبدّل دائما بتبدّل وجهات النظر في الدليل.

وكما لا ينقض اجتهاد المجتهد بتبدّل اجتهاد نفسه لا ينقض باجتهاد مجتهد غيره، بل على كل مجتهد أن يحترم اجتهاد سواه؛ لعدم المرجح بعد تحقق رتبة الاجتهاد فيهما(87).

المبحث الرابع: خلو العصر عن المجتهدين

اختلف العلماء في جواز خلو العصر – أي عصر- عن المجتهدين:

فذهب بعض العلماء إلى جواز خلو العصر من مجتهد، سواء كان مجتهداً مطلقاً أم مجتهداً في مذهب المجتهد، وأيدوا ذلك بالواقع التاريخي في نظرهم، وعزاه الزركشي إلى الأكثرين(88). وبه جزم الإمام فخر الدين الرازي، حيث قال: فقد انعقد الإجماع في زماننا هذا على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى – وهو الفتوى بما يحكيه عن الغير – لأنه ليس في هذا الزمان مجتهد، والإجماع حجة(89). وإليه ذهب الآمدي والكمال بن الهمام وابن السبكي وابن عبد الشكور وغيرهم.

قال الآمدي: اختلفوا في أنه هل يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، فمنع منه قوم كالحنابلة وغيرهم، وجوزه آخرون، وهو المختار(90).

وقال ابن الحاجب: يجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافاً للحنابلة(91).

وقال الكمال بن الهمام: يجوز خلو الزمان عن مجتهدكما هو المختار عند الأكثر منهم الآمدي وابن الحاجب خلافا للحنابلة، والأستاذ أبي إسحاق، والزبيري من الشافعية، في منع الخلو مطلقا، ولابن دقيق العيد في منعه قبل أشراط الساعة الكبرى(92).

وقال ابن السبكي: ويجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافا للحنابلة مطلقاً، ولابن دقيق العيد في منعه الخلو عنه ما لم يتداع الزمان بتزلزل القواعد , فإن تداعى بأن أتت أشراط الساعة الكبرى، جاز الخلو عنه، والمختار لم يثبت وقوعه(93).

وجاء في مسلم الثبوت لابن عبد الشكور وشرحه: يجوز خلو الزمان عن المجتهد شرعاً، خلافا للحنابلة والأستاذ، فإنهم لا يجوزونه شرعاً وإن جاز عقلاً(94).

وقال الزركشي: وقال الرافعي: الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم، ولعله أخذه من الإمام الرازي أو من قول الغزالي في الوسيط قد خلا العصر عن المجتهد المستقل(95) ونقل الاتفاق فيه عجيب والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة، وساعدهم بعض أئمتنا، والحق أن الفقيه الفطن القيّاس كالمجتهد في حق العامي لا الناقل فقط(96).

وقالت الحنابلة: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد، وهو ما جزم به ابن عقيل، حيث قال: لا يجوز خلو عصر من الأعصار من مجتهد يجوز للعامي تقليده، ويجوز أن يولَّى القضاء خلافا لبعض المحدثين في قولهم: لم يبق في عصرنا مجتهد(97).

وقال ابن مفلح: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد عند أصحابنا وطوائف، قال بعض أصحابنا: ذكره أكثر من تكلم في الأصول في مسائل الإجماع(98).

قال إمام الحرمين في البرهان: ذهب بعض أهل الأصول إلى أنه لا يجوز انحطاط علماء العصر عن مبلغ التواتر، فإنهم قِوَمَةٌ للملة وحفظة للشريعة، وقد ضمن الله تعالى قيامها ودوامها وحفظها إلى قيام الساعة، ولو عاد العلماء إلى عدد لا ينعقد منهم التواطؤ، فلا يتأتى منهم الاستقلال بالحفظ. ثم يقول: وقال الأستاذ: يجوز بلوغ عددهم إلى مبلغ ينحط عن عدد التواتر، ولو أجمعوا كان إجماعهم حجة، ثم طرد قياسه فقال: يجوز أن لا يبقى في الدهر إلا مفتٍ واحد، ولو اتفق ذلك فقوله حجة كالإجماع(99).

وقال ابن بدران: هل يجوز خلو العصر عن المجتهدين أو لا؟ ذهب أصحابنا إلى أنه لا يجوز خلو العصر عن مجتهد، وإلى ذلك ذهب طوائف….ثم قال: واختاره القاضي عبد الوهاب المالكي وجمع من المالكية ومن غيرهم وصرح به ابن بطال في شرح البخاري(100).

وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري كما حكى ذلك السيوطي ثم قال: فقال الأستاذ: وتحت قول الفقهاء: لا يخلي الله تعالى زماناً من قائم بالحجة، أمر عظيم، وكأن الله تعالى ألهمهم ذلك(101)، ومعناه أن الله تعالى لو أخلى زماناً من قائم بالحجة لزال التكليف، إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة، وإذا زال التكليف بطلت الشريعة، وقال الزبيري: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان، ولكن ذلك قليل في كثير، فأما أن يكون غير موجود، كما قال الخصم، فليس بصواب؛ لأنه لو عدم الفقهاء لم تقم الفرائض كلها، ولو عطلت الفرائض كلها لحلّت النقمة بذلك في الخلق، كما جاء في الخبر: “لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس”(102) ونعوذ بالله أن نؤخذ مع الأشرار(103).

وقال ابن دقيق العيد كما نقل عنه الزركشي: وهذا هو المختار عندنا، لكن إلى الحد الذي ينتقض به القواعد بسبب زوال الدنيا في آخر الزمان، وقال في شرح خطبة الإلمام: والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة، والأمة الشريفة لا بد لها من سالك إلى الحق على واضح المحجة، إلى أن يأتي أمر الله في أشراط الساعة الكبرى، ويتتابع بعده ما بقي معه إلى قدوم الأخرى، ومراده بالأشراط الكبرى: طلوع الشمس من مغربها مثلا، وله وجه حسن، وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ وهو ترك الاجتهادالذي هو فرض كفاية(104).

وقال الإمام السيوطي: فإن الناس قد غلب عليهم الجهل وعمهم، وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى الاجتهاد وعدوه منكراً بين العباد، ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة من كل قطر(105).

وقال صاحب فواتح الرحموت: “ثم إنه استدل بما صرح به الإمام حجة الإسلام قدس سره والرافعي والقفال بأنه وقع في زماننا هذا الخلو، وفيه ما فيه، لأن وقوع الخلو ممنوع، وما ذكر مجرد دعوى، والإمام حجة الإسلام وإن كان من جملة الأولياء، لا يصلح حجة في الاجتهاديات، ثم إن من الناس من حكم بوجوب الخلو من بعد العلامة النسفي واختتم الاجتهاد به، وعنوا الاجتهاد في المذهب وأما الاجتهاد المطلق فقالوا: اختتم بالأئمة الأربعة حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤلاء على الأمة، وهذا كله هوس من هوساتهم لم يأتوا بدليل ولا يعبأ بكلامهم وإنما هم من الذين حكم الحديث أنهم “أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”(106) ولم يفهموا أن هذا إخبار بالغيب في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى(107).

قال الإمام الزركشي في البحر: وأما قول الغزالي: وقد خلا العصر عن المجتهد المستقل فقد سبقه إليه القفال شيخ الخراسانيين، فقيل: المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه، ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك، وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد، والقفال نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصبرة: تسأل عن مذهب الشافعي أم ما عندي، وقال هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين: لسنا مقلدين للشافعي t بل وافق رأينا رأيه، فماذا كلام من يدعي رتبة الاجتهاد، ولم يختلف اثنان أن ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد وكذلك ابن دقيق العيد كما قاله ابن الرفعة.

ثم قال الزركشي: والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق، لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة، وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب، وحينئذ فلا يجوز العمل بغيرها، فلا يجوز أن يقع الاجتهاد إلا فيها(108) .

قال الإمام السيوطي: لهج كثير من الناس اليوم بأن المجتهد المطلق فقد من قديم، وأنه لم يوجد من دهر إلا المجتهد المقيّد، وهذا غلط منهم ما وقفوا على كلام العلماء، ولا عرفوا الفرق بين المجتهد المطلق والمجتهد المستقل، ولا بين المجتهد المقيد والمجتهد المنتسب وبين كل مما ذكر فرق، ثم ذكر الفروق(109).

وقال الإمام الشوكاني: قول هؤلاء القائلين بخلو العصر عن مجتهد مما يقضي به العجب، فإنهم إن قالوا ذلك باعتبار المعاصرين لهم، فقد عاصر القفال والغزالي والرازي والرافعي من الأئمة القائمين بعلوم الاجتهاد على الوفاء والكمال جماعة منهم، ومن كان له إلمام بعلم التاريخ واطلاع على أحوال علماء الإسلام في كل عصر لا يخفى عليه مثل هذا، بل قد جاء بعدهم من أهل العلم من جمع الله له من العلوم فوق ما اعتبره أهل العلم في الاجتهاد.

وإن قالوا ذلك لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار أن الله تعالى رفع ما تفضّل به على مَن قبل هؤلاء من هذه الأمة من كمال الفهم وقوة الإدراك والاستعداد للمعارف، فهذه دعوى من أبطل الباطلات، بل هي جهالة من الجهالات.

وإن كان ذلك باعتبار تيسر العلم لمن قبل هؤلاء المنكرين وصعوبته عليهم وعلى أهل عصورهم، فهذه دعوى باطلة، فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسّره الله للمتأخرين تيسيراً لم يكن للسابقين، لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت، وصارت في الكثرة إلى حد لا يمكن حصره، والسُنة المطهرة قد دونت، وتكلم الأئمة على التفسير والترجيح والتصحيح والتجريح بما هو زيادة على ما يحتاجه المجتهد، وقد كان السلف الصالح ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد من قطر إلى قطر، فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجتهاد على المتقدمين، ولا يخالف في هذا من له فهم صحيح وعقل سوي.

وإذا أمعنت النظر وجدت هؤلاء المنكرين إنما أتوا من قبل أنفسهم، فإنهم لما عكفوا على التقليد، واشتغلوا بغير علم الكتاب والسنة، حكموا على غيرهم بما وقعوا فيه، واستصعبوا ما سهّله الله على من رزقه العلم والفهم، وأفاض على قلبه أنواع علوم الكتاب والسنة.

ولما كان هؤلاء الذين صرحوا بعدم وجود المجتهدين شافعية فها نحن نوضح لك من وجد من الشافعية بعد عصرهم، ممن لا يخالف مخالف في أنه جمع أضعاف علوم الاجتهاد، فمنهم “ابن عبد السلام” وتلميذه “ابن دقيق العيد” ثم تلميذه “ابن سيدالناس” ثم تلميذه “زين الدين العراقي”ثم تلميذه “ابن حجر العسقلاني” ثم تلميذه “جلال الدين السيوطي” فهؤلاء ستة أعلام، كل واحد منهم تلميذه من قبله، قد بلغوا من المعارف العلمية ما يعرفه من يعرف مصنفاتهم حق معرفتها، وكل واحد منهم إمام كبير في الكتاب والسنة، محيط بعلوم الاجتهادإحاطة متضاعفة، عالم بعلوم خارجة عنها.

ثم في المعاصرين لهؤلاء كثير من المماثلين لهم، وجاء بعدهم من لا يقصر عن بلوغ مراتبهم والتعداد لبعضهم فضلا عن كلهم يحتاج إلى بسط طويل … وبالجملة فتطويل البحث في مثل هذا لا يأتي بكثير فائدة، فإن أمره أوضح من كل واضح، وليس ما يقوله من كان من أُسَراء التقليد بلازم لمن فتح الله عليه أبواب المعارف، ورزقه من العلم ما يخرج به عن تقليد الرجال، ما هذه بأول فاقرة جاء بها المقلدون، ولا هي بأول مقالة قالها المقصّرون، ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة المطهرة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل، ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده، ثم على عباده الذين تعبدهم الله تعالى بالكتاب والسنة.

ويالله العجب من مقالات هي جهالات وضلالات، فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبد بالكتاب والسنة، وأنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبدون بالكتاب والسنة كتعبد من جاء بعدهم على حد سواء، فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصاً بمن كانوا في العصور السابقة ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدمهم، ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله تعالى من كتاب الله وسنة رسوله فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة والمقالة الزائفة، وهل النسخ إلا هذا (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور: 16]اهـ(110).

الترجيح:

والراجح كما قال الشيخ محمد نور الحسن أنه لا يجوز شرعا خلو العصر عن مجتهد، حيث قال: “والحق أنه لا يجوز خلو العصر عن المجتهد؛ لأنا قد علمنا أن الشريعة المحمدية خاتمة الشرائع وأنها متكفلة ببيان أحكام أفعال العباد إلى قيام الساعة، وحكمة الله تعالى تأبى أن يترك الناس سدى من غير مرشد يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم في معاشهم ومعادهم، ويبين أحكام الحوادث المتجددة والدائمة ما دامت السموات والأرض، وقد تقرر عند الكل أن الاجتهاد فرض كفاية، ولا يختص ذلك بعصر دون عصر ولا بزمان دون زمان، فالواجب على العلماء أن يحصلوا من شروط الاجتهاد ما يتأدى به فرض الكفاية، فإذا درسوا الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ودرسوا اللغة العربية دراسة تيسر عليهم فهم الكتاب والسنة، ودرسوا علم الأصول دراسة تؤهلهم لاستنباط الأحكام من الأدلة الشرعية، وحصلت عندهم الملكة التي يقتدرون بها على استنباط الأحكام، وجب عليهم استنباط أحكام الحوادث المتجدده، فإن قام بذلك بعضهم سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به واحد منهم أثم الجميع، وهذا الحكم ثابت ودائم ما دامت الدنيا، فالقول بجواز خلو العصر عن المجتهد المطلق شرعا، وأن الحق ينحصر في هذه المذاهب الأربعة، وأنه لا يجوز العمل بغيرها تحجير على فضل الله تعالى وتضييق في رحمته الواسعة التي وسعت كل شيء(111).

وإذا كان الاجتهاد محتاجا إليه في كل عصر فإن عصرنا أشد حاجة إليه من أي عصر مضى، وذلك نظراً لما استجد اليوم من وسائل الإعلام وأساليب الاتصال العالمي، ما جعل الاختلاط بين الناس وتأثرهم بعضهم ببعض، وتقارب أفكارهم، ونقل بعضهم عن البعض الآخر، أكثر سرعة وأعمق تأثيرا من الأزمنة الأولى، فوسائل الإعلام الحديثة كالإذاعة والتلفزيون والفضائيات والمطبوعات والصحافة والإنترنت وغيرها، وكذلك وسائل المواصلات المتطورة كالسيارات والطائرات والصواريخ وغيرها، دفعت الناس إلى سرعة التأثر والتفاعل، وكذلك التطور العالمي في ميدان التقنية العلمية والتنمية الاقتصادية، والعلاقات بين الشعوب والدول، ووجود مصانع كبرى، وشركات مساهمة، واتساع التجارة، وقيام الغرف التجارية، ونشأة علاقات مستجدة بين أصحاب العمل والعمال، ووجود أوضاع حديثة في كثير من ميادين الحياة.

لهذا كان من الضرورات المعاصرة كما يؤكد ذلك فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أمد الله تعالى في عمره، أن يعاد فتح باب الاجتهاد فيه من جديد، لأن هذا الباب فتحه رسول الله فلا يملك أحد إغلاقه من بعده، ولا نعني بإعادته مجرد إعلان ذلك، بل ممارسته بالفعل، وينبغي أن يكون الاجتهاد في عصرنا اجتهاداً جماعياً في صورة مجمع علمي يضم الكفاءات الفقهية العالية، ويصدر أحكامه في شجاعة وحرية، بعيدا عن كل المؤثرات والضغوط الاجتماعية والسياسية، ومع هذا لا غنى عن الاجتهاد الفردي فهو الذي ينير الطريق أمام الاجتهاد الجماعي بما يقدم من دراسات عميقة وبحوث أصيلة، بل إن عملية الاجتهاد في حد ذاتها عملية فردية قبل كل شيء(112).

ومن الجدير بالذكر أنه قد جاء في قرارات المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية ما يأتي:

يقرر المؤتمر أن الكتاب الكريم والسنة النبوية، هما المصدران الأساسيان للأحكام الشرعية، وأن الاجتهاد لاستنباط الأحكام منهما حق لكل من استكمل شروط الاجتهاد المقررة، وكان اجتهاده في محل الاجتهاد، وأن السبيل لمراعاة المصالح ومواجهة الحوادث المتجددة هي أن يتخيّر من أحكام المذاهب الفقهية ما يفي بذلك، فإن لم يكن في أحكامها ما يفي به فالاجتهاد الجماعي المذهبي، فإن لم يف كان الاجتهاد الجماعي المطلق، وينظم المجمع وسائل الوصول إلى الاجتهاد الجماعي بنوعيه ليؤخذ به عند الحاجة(113).

الفصل الثالث

محل الاجتهاد

مدخل في : شمول الاجتهاد

هنا لا بد من الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية وهي أن الاجتهاد شامل لنواحي الحياة كلها، فالفكر السياسي الإسلامي وفكره الاقتصادي والاجتماعي والتربوي يمثل جميعها وجوها متنوعة لذلك الاجتهاد الفقهي الضخم، الذي انطلق من الأصول والقواعد والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والتي قام علماء الإسلام منذ عهد الإمام الشافعي t بجهود فكرية جبارة لضبطها وتنسيقها وتوسيعها، حتى لا يتخبط الفكر الإسلامي في ضلالة التيه وانحراف العقول، فقدموا بذلك منهجاً واضح المعالم للفكر الإسلامي، جمع بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وحافظ عبر العصور على اتزان ذلك الفكر وعدم الوقوع في مهالك النقص البشري غير الملتزم بهداية النبوة.

المبحث الأول: الاجتهاد في عصر الرسول r

على الرغم من أن الفقه الإسلامي في عصر الرسول كان فقهاً مبنياً على الوحي الإلهي، ممثلا في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، إلا أن الرسول كان يجتهد في مسائل تشريعا لأمته، فالرسول كان متعبدا بالاجتهاد، والدليل عليه كما يقول الجويني: “إنه ليس فيه وجه من وجوه الاستحالة لا في المتعبَّد تعالى وجل، ولا في التعبُّد ولا في المتعبِّد، فلا يبعد أن يقول رب العزة تعالى لرسوله إذا وقعت حادثة فاجتهد فيه رأيك، فما مال إليه رأيك فهو الحق، وهذا واضح لكل من تأمله”(114)، وحتى يتمرنوا ابتداءً من عهده على إعمال الفكر والنظر، فمن اجتهاداته أخذ الفداء من أسرى بدر، فإن النبي فاداهم باجتهاده ورأيه ولم يقدم على ذلك عن قضية وحي ولهذا عاتبه رب العزة تعالى في قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) [الأنفال:67]، وكان عمر بن الخطاب t أشار على الرسول أن يقتلهم فقال رسول الله عند نزول الآية “لقد كان العذاب إلينا أقرب من هذه الشجرة، ولو أُنزل لما نجا منه إلا عمر”(115) وإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك بالبقاء في المدينة لما قدموه من الأعذار.

ولقد أذن الرسول للصحابة الكرام بالاجتهاد في حياته، ومن ذلك حديث معاذ t عندما بعثه الرسول قاضياً إلى اليمن، وقال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله r. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد ولا آلو، فضرب رسول الله على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله(116).

وقد روي عن عمرو بن العاص t أنه قال: جاء رسول الله خصمان يختصمان، فقال لعمرو: “اقض بينهما يا عمرو” فقال: أنت أولى بذلك مني يا رسول الله، قال: “وإن كان” قال: فإن قضيت بينهما فمالي؟ قال: “إن أنت قضيت بينهما فأصبت القضاء فلك عشر حسنات، وإن أنت اجتهدت وأخطأت فلك حسنة”(117).

ومن ذلك أن الرسول لما رجع من معركة الخندق وأراد أن ينزع لباس الحرب، أمره الله تعالى بالتوجه إلى بني قريظة فقال “من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة”(118) فساروا مسرعين متوجهين إليهم، فلما حان وقت العصر صلى بعضهم في الطريق وأولوا كلام النبي بأنه أراد التعجيل في السير لا تأخير الصلاة، ولم يصل البعض الآخر إلا بعد وصولهم إلى بني قريظة، وأقر الرسول الجماعتين على اجتهادهم.

وفوض رسول الله الحكم في بني قريظة إلى سعد بن معاذ t فحكم وصوّبه النبي فقد روي الإمامان البخاري ومسلم، رحمهما الله، عن أبي سعيد الخدري t قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ t فأرسل النبي إلى سعد فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: “قوموا إلى سيدكم أو خيركم” فقال: “هؤلاء نزلوا على حكمك” فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبى دراريهم، قال: “قضيت فيهم بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك”(119).

على أن هذا الاجتهاد كان إقرارا للاجتهاد ذاته، ولم يكن مصدرا مستقلا عند عدم الإصابة أو إقرار الرسول لاجتهاد الصحابة عند الإصابة، وكان الخالق الحكيم قادراً على أن لا ينطق رسوله إلا بالحق حتى في حالة الاجتهاد، وكان الرسول حينئذ لا يبلّغ إلا الرأي الواحد القاطع في كل مسألة اجتهادية، ولكن كان في ذلك حكمة بالغة كي تعلم الأمة أن الاجتهاد إذا كان قد جرى في ظل نزول الوحي، وفي حياة رسول الله فلأن يجري بعد انقطاع الوحي والتحاق الرسول بالرفيق الأعلى، كان أولى وأكثر ضرورة في حياة المسلمين في القرون التالية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

المبحث الثاني: الاجتهاد بعد عصر الرسالة

انقطع الوحي الإلهي بعد أن التحق الرسول بالرفيق الأعلى، فتحوّل الاجتهاد إلى مصدر مستقل فيما لم يرد فيه نص من كتاب الله وسنة رسوله r، وظهر استعمال الفكر الفقهي واضحا للتغيير الذي حدث في حياة المسلمين، وذلك بعد الفتوحات الكبرى التي دفعت خصائصها الذاتية الإنسانية العادلة شعوبا وأمما للدخول في الإسلام، فاختلطت بذلك أوضاع المجتمعات، وظهرت أعراف ومعاملات ووجوه متنوعة لحركة الحياة، التي لم يكن للمسلمين سابق عهد بها، وكانت المصالح تقتضي نظراً جديداً في حل تلك المشكلات والحكم في تلك الأعراف والأوضاع والمعاملات.

وكان الخلفاء الراشدون يجتهدون ويعرضون آراءهم للمناقشة إن لم يجدوا نصاً في الكتاب والسنة، وما روي عنهم مما يدل على ذم الرأي، فهو موجه إلى الرأي الفاسد، أو فيما ورد فيه نص، أو الرأي الذي يصدر من غير العلماء العارفين بأصول الشريعة، أما الرأي المستنبط من الكتاب والسنة، أو المحمول على القياس الصحيح والمصالح المرسلة وسد الذرائع ودرء المفاسد فهو مقبول عندهم؛ لما كانوا يعرفون من أن الشريعة جاءت أساساً لتحقيق مصالح العباد، ودفع عجلة التغيير إلى التقدم، لأن المبادئ الإسلامية لا تقر الجمود والثبات، وإنما تدعو إلى الحركة المستمرة.

وقد اتجهت حركة الاجتهاد في هذا العصر إلى ما يأتي:

أولا: الاجتهاد في كيفية فهم النصوص الواردة، فمثلا أعطى القرآن الكريم سهما للمؤلفة قلوبهم في آية الزكاة وهي قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( [التوبة /60] وذلك يوم أن كان المسلمون ضعافا يحتاجون إلى تأليف القلوب وإبعاد الشر عنهم، ولما تقوّي المسلمون في زمن عمر بن الخطاب t لم تبق حاجة لتنفيذ ذلك الحكم، لأن علة الحكم قد زالت، فيزول الحكم لزوال علته، لا أنه t ألغى الحكم، بل رأى بنفاذ بصيرته أن الظروف الجديدة قد أنهت وجود المؤلفة قلوبهم من المجتمع يومئذ.

ثانيا: الاجتهاد في القضايا التي تجلب مصلحة راجحة أو تدرأ مفسدة واضحة، كاجتهاد عمر بن الخطاب وبعض الصحابة y في منع توزيع أرض العراق على المشتركين في الفتح تبعاً لما كان يؤدي توزيعها إلى حصر الثروات الطائلة بأيدي القلة وحرمان الجمهور الأعظم والدولة من خيراتها، واستدلوا بقول الله تعالى: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ) [الحشر: 7] كما سبق توضيحه.

وسار التابعون وتابعوهم ومن جاءوا من بعدهم على النهج ذاته، من إعمال الفكر والاجتهاد في المسائل المستحدثة، نتيجة لتطور الحياة وامتزاج الثقافات والحضارات والأعراف الاجتماعية، حتى ظهرت المذاهب الفقهية الكبرى المعروفة في ديار الإسلام كلها شرقاً وغرباً، تمثل طبيعة الشريعة الإسلامية المرنة، فقدمت ثروة تشريعية ضخمة استوعبت حياة أمم شتى في أزمنة شتى، مما يقوم دليلاً قاطعاً على حركة الفكر الإسلامي المبدع الذي استطاع أن يواكب الأحداث بفهم دقيق وعميق لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإدراك ذكي لحقائق التغيرات الاجتماعية، ومحاولة المطابقة الكاملة بين العقيدة والشريعة المنبثقة منها وبين الواقع الاجتماعي بلا عقد ولا جمود ولا إغلاق ولا ورع كاذب.

قد نقل الزركشي عن الماوردي أنه قال: الاجتهاد بعد النبي تنقسم طرقه إلى ثمانية أقسام:

أحدها: ما كان الاجتهاد مستخرجاً من معنى النص؛ كاستخراج علة الربا من البُر، فهذا صحيح عند القائلين بالقياس.

ثانيها: ما استخرجه من شبه النص: كالعبد في ثبوت ملكه؛ لتردد شبهه بالحر في أنه يملك لأنه مكلف، وشبهه بالبهيمة في أنه لا يملك لأنه مملوك، فهو صحيح غير مدفوع عند القائلين بالقياس والمنكرين له، غير أن المنكرين جعلوه داخلاً في عموم أحد الشبهين، ومن قال بالقياس جعله ملحقا بأحد الشبهين.

ثالثها: ماكان مستخرجا من عموم النص، كالذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) [البقرة:237] يعم الأب والزوج والمراد به أحدهما، وهذا صحيح يتوصل إليه بالترجيح.

رابعها: ما استخرج من إجمال النص، كقوله تعالى في المتعة (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ) (البقرة/236) فيصح الاجتهاد في قدر المتعة باعتبار حال الزوجين.

خامسها: ما استخرج من أحوال النص، كقوله تعالى في المتمتع: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [البقرة: 196] فاحتمل صيام الثلاثة قبل عرفة، واحتمل صيام السبعة إذا رجع في طريقه، وإذا رجع في بلده، فصح الاجتهاد في تغليب إحدى الحالتين على الأخرى.

سادسها: ما استخرج من دلائل النص، كقوله تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ) [الطلاق: 7] فاستدللنا على تقدير نفقة الموسر بمُدّيْن، فإنه أكثر ما جاءت به السنة في فدية الأذى، في أن لكل مسكين مُدين، واستدللنا على تقدير نفقة المعسر بمد، فإنه أقل ما جاءت به السنة في كفارة الوطء أن لكل مسكين مدا.

سابعها: ما استخرج من أمارات النص، كاستخراج دلائل القبلة لمن خفيت عليه مع قوله تعالى (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [النحل: 16] مع الاجتهاد في القبلة بالأمارات والدلالة عليها من هبوط الرياح ومطالع النجوم.

ثامنها: ما استخرج من غير نص ولا أصل، قال: واختلف أصحابنا في صحة الاجتهاد بغلبة الظن على وجهين:

أحدهما: لا يصح حتى يقترن بأصل، فإنه لا يجوز أن يرجع في الشرع إلى غير أصل، وهو ظاهر مذهب الشافعي، ولهذا كان ينكر القول بالاستحسان؛ لأنه تغليب بغير أصل.

والثاني: يصح الاجتهاد به، لأنه في الشرع أصل، فجاز أن يستغنى عن أصل، وقد اجتهد العلماء في التقدير على ما دون الحد بآرائهم في أصله من ضرب وحبس، وفي تقديره بعشر جلدات في حال، وبعشرين في حال، وليس لهم في هذه المقادير أصل مشروع، والفرق أن الاجتهاد بغلبة الظن يستعمل مع عدم القياس. اهـ(120).

الفصل الرابع

علاقة الاجتهاد بالتجديد

المبحث الأول: معنى التجديد

الإسلام قد أقر شرعية التجديد بما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود “إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها”(121)، فالتجديد مشروع وثابت وواقع بالنص، وليس بعد بيان رسول الله بيان.

وتجديد شيء ما لا يعني إزالته واستحداث شيء آخر مكانه، بل تجديده يعني إعادته أقرب ما يكون إلى صورته الأولى يوم ظهر لأول مرة، والمحافظة كل المحافظة على جوهره وخصائصه ومعالمه وعدم المساس بها، وهذا ينطبق على الماديات والمعنويات.

فالتجديد هو نفض غبار النسيان والإهمال والاعتياد عن الأشياء المادية مثل: أثاث البيت أو السيارة أو المصنع ونحو ذلك، في اتجاه المزيد من الجمالية والفعالية والإنتاجية (إذا كان الموضوع إنتاجياً…).

أما التجديد الذي يطال الأمور المعنوية والأفكار والمفاهيم فمثاله الفنون والآداب والمبادى‏ء الدينية والفلسفية ونحوها التي يصيبها التكلّس والجمود وربما النسيان أو الازدراء مثلها في ذلك مثل الأشياء المادية الملموسة، ويتم إعادة الاعتبار لها أو تفعيلها عبر ما نسميه التجديد.

والحق أن تجديد المعنويات (أو الأفكار والمعاني) أهم وأظهر في حياة البشر نفعاً وجدوى من تجديد الماديات والأشياء، على الرغم من أهمية تطوير هذه الأخيرة من حسن إلى أحسن(122).

ومعظم الفكر الفلسفي الذي مرّ على البشرية في مختلف الحضارات والعصور شهد تجدداً مستمراً متواتراً مرّ بنسق تراكمي تصاعدي لا تخطئه عين بصير، ومثله الآداب والفنون المختلفة. بل ينسحب الشي‏ء نفسه على عادات الأمم وتقاليدها المختلفة، ولنضرب مثلاً على ذلك فنون الطبخ التي شهدت تطويراً مستمراً وتلاقحاً بين مختلف الشعوب ولا تزال تمر بالعملية نفسها إلى هذه الساعة .

أمّا الفكر الديني فلا غرو أنه شهد السُنّة الكونية نفسها من التجدّد سواء تعلّق بالأديان السماوية، مثل اليهودية والمسيحية والإسلام، أو الوضعية مثل البوذية والكونفوشيوسية ونحوها كثير. واليهودية على سبيل المثال شهدت طفرات هائلة من التجديد والإضافة والتطوير حتى يمكن القول بأن اليهودية الأصلية لم يبق منها شي‏ء يذكر وأنها تطورت من العبرانية والعبادة الإسرائيلية القربانية إلى العقيدة اليهودية الحاخامية، كما تفرع عنها اليهودية السامرية وظهر كذلك القراؤون والمارانو والدونمة والفلاشا، وتطور الأمر في العصر الحديث إلى اليهود المحافظين والإصلاحيين والأرثوذكس، ثم اليهود الملحدين والإثنيين وغيرهم . وتوجد عشرات الجماعات اليهودية غير المتجانسة سياسياً وحضارياً، كل هؤلاء «رآهم الغرب داخل تحيّزه التوراتي باعتبارهم العبرانيين أو اليهود أو الشعب المختار الذي تمتد إليه ذراع الإله القوية تقوده في خروجه من مصر وتجواله في أرض التيه وفي صعوده إلى أرض الميعاد»(123).

وفي هذا السياق فإن الحاخامات اليهود عندما طوّروا يهوديتهم حرّفوها على شاكلة لم تحصل في الدين المسيحي نفسه، وفي هذا الإطار يفيدنا د.المسيري بأن مصطلحاً مثل «التفسير» الذي يعني في العقائد الدينية التوحيدية، بذل الجهد من جانب المؤمن لتفسير الكتاب المقدّس الذي يؤمن به، ومع هذا يظل التفسير تفسيراً إنسانيًا، ويظل الكتاب المقدس هو كلام الإله. بيد أن مصطلح «تفسير» في اليهودية يدور في إطار «الشريعة الشفوية» التي تضعها اليهودية الحاخامية في منزلة تفوق منزلة الكتاب المقدس، والشي‏ء نفسه ينطبق على مفردات مثل الإله والنبي التي تكتسب مضموناً جديداً يختلف عن مضمونها في العقائد الأخرى(124) .

أمّا المسيحية فقد شهدت تطوراً وتجديداً مماثلين لما حصل لليهودية، قلب رأس التعاليم الأصلية التي بشّر بها المسيح، عليه السلام، على عقبها، ومرت التعاليم بمراحل عدة من الحواريين (الرسل مثل بولس ويوحنا ومرقص وبرنابا…) وتطورت أعمال الرسل إلى مسائل خلافية حول ماهية المسيح والتثليث، وتالياً إلى أرثوذكس وكاتوليك ونحوهم. ولكن «مارتن لوثر» و«كالفن» في بدايات عصر النهضة الأوروبية كانا قد تشجّعا وأقدما على ترجمة الإنجيل لأول مرة إلى اللغات واللهجات الأوروبية المحلية، مثل الألمانية ونحوها، ومثَّلت تلك المحطات نقلة نوعية لتجديد المسيحية ونقلها من إكليروس رجال الكنيسة واحتكارهم لتفسير الكتاب المقدس، والزيادة عليه بما تمليه أهواؤهم… إلى ما بات يسمّى بالكنيسة البروتستانتية والإنجيلية التي فعّلت العمل الاقتصادي والحياة السياسية بوجه عام مع نوع من المصالحة التاريخية مع العلمانيين.

أخلص بالقول في هذا المجال بأن التجديد في اليهودية والمسيحية كان على غير هدى، منفلتاً من زمام الضوابط المنهجية والفقهية، فآل الأمر إلى تحريف شديد لكليهما.

أما فيما يخص الفكر الديني الإسلامي، فقد تكفل صاحب الشرع وهو اللَّه سبحانه وتعالى بحفظ الدين من كل زيغ أو تحريف أو انقراض لأصل الدين الإسلامي نفسه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9] وقال سبحانه وتعالى أيضاً: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105] وعليه، فإن أصول الدين محفوظة إلى قيام الساعة وذلك من عقائد الدين وأساسياته عند علماء الشريعة، ومنها على سبيل المثال القرآن والسنّة وأصول الدين (العقائد القطعية) وأصول الفقه (القطعية)، أي كل ما هو قطعي يقيني في الإسلام لا يجوز إنكاره أو مخالفته أو تغييره بدواعي التجديد أو التطوير أو ملاءمة العصر… ويبقى المجال واسعاً للتغيير في المتغيّرات (الأحكام والمسائل الظنية) التي يندب الاجتهاد فيها لملاءمة الزمان والمكان.

والحق: أن العلماء المحققين في كل عصر من القرون الخمسة عشر الماضية، رأوا أن الاجتهاد لا تتوقف عجلته ولا ينبغي له ذلك، لأنه وسيلة التجديد وقبضته الذهبية الضاربة في الأنفس والآفاق: إصلاحاً وحياة وحسناً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24] كما يرى علماء آخرون أن الفتوى من الضروري أن تتغيّر بتغير الزمان والمكان والأحوال والعوائد (عادات)(125)… وتبع الجميع في ذلك من صاغ مجلة الأحكام العدلية العثمانية التي حوت مادة (قاعدة فقهية) في ديباجة القانون فحواها أنه «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان…».

تجديد العلم الإسلامي

وأظهر مجال في الحضارة الإسلامية يتطلب تجديداً مستمراً مستأنفاً هو مجال العلوم، وأخص بالذكر منها الإنسانية والاجتماعية، والتي تبتدى‏ء بعلوم الشريعة، ومناطها تفسير النصوص المقدسة، وفقه الشريعة وتطبيقها على المكلفين، ومنها علوم التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه وعلم الكلام… وتليها العلوم الأخرى التي تخدم الشريعة من بعيد مثل علوم السياسة والاجتماع والتاريخ وتراجم الرجال والعمران البشري، ونحوها كثير. والضابط الأساس لتجديد علوم الشريعة هو التمييز ما بين الثابت والمتغير، وما بين القطعي والظني، واحترام المعلوم من الدين بالضرورة. ويضاف لذلك أن لأصول الاشتغال في العلوم الإسلامية ثلاثة مبادى‏ء أساسية(126):

1- الصلاح في طلب العلم.

2- النفع في العمل.

3- الاشتراك في الظفر بالصواب.

وهذه المبادى‏ء استخلصت من استقراء موسّع للتراث في اتجاه الاشتغال الأمثل للعلم الإسلامي، من خلال غائية الصلاح للعالمين في الدارين، والنفع العملي لعموم المسلمين وللبشرية جمعاء إذا كانت العلوم تفي بذلك الغرض، ثم الاشتراك الجماعي في حركة الاجتهاد من دون احتكار من أحد أو من مؤسسة معينة للعلم أو للاجتهاد، إذ لا يوجد كهنوت في الإسلام، أي لا توجد كنيسة ولا مؤسسة تحتكر تفسير الإسلام أو تفسير النصوص المقدسة أو الاجتهاد نفسه.

وفي الجملة فإن الاشتغال بالعلوم وتجديدها ما بين الحين والآخر تفرضه مقاصد أخرى متعلقة بالأمة وحياتها:

1- استخلافها الاستخلاف الأمثل في الكون.

2- تسخيرها لما في الأرض والكون من مادة وسنن كونية لخدمة الدين الإسلامي في تنزيلاته المختلفة.

3- موافاة المصالح الدنيوية للأمة المسلمة فيما يتعلق بمجاري عاداتها وتقاليدها واقتصادها وصناعاتها وزروعها ومعاملاتها، ثم مواجهاتها لظواهر الطبيعة وكوارثها من فيضانات وزلازل، وإعصارات وحروب ومجاعات ونحوها، في إطار السنن الكونية العامة، والمقاصد الشرعية الكلية(127).

وعلى العموم فإن العلوم الشرعية والإسلامية شأنها في ذلك شأن بقية العلوم لدى الشعوب والحضارات غير الإسلامية، تصاب بالتكلّس وتفقد مع الوقت فعاليتها وبريقها وعدم مجاراتها لرياح العصر والأوان. وعليه، فمن الضروري تهذيبها وتنقيحها من الزوائد والحواشي والشروح التي تصبح مع الأيام مكرّرة مستنسخة ركيكة، وهو ما يكثر وجوده في كتب مذاهبنا الفقهية الخمسة وبكثرة تستدعي تجديد مجمل مخزوننا الفقهي(128).

المبحث الثاني: ضوابط التجديد

نستطيع أن نقر بأن التجديد هو الابن الشرعي للاجتهاد الشرعي الإسلامي بمدلولاته الموسّعة، التي تتجاوز مسائل استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها النصيّة أو العقلية، إلى مسائل السياسة والاجتماع والاقتصاد والفنون ومناشط الجماهير المختلفة، التي تتطلب حسماً اجتهادياً في اتجاه تحريمها أو تكريهها على الجماهير (من المنظور الشرعي والمقاصدي والحضاري الإسلامي) أو في اتجاه وجوبها أو على الأقل إباحتها إذا كانت من المناشط التي يستوي فعلها وتركها من المنظور الاجتهادي الإسلامي، مثل الرحلات السياحية والكشفية أيام العطل وفي نهاية الأسبوع، أو حضور مقابلات كرة القدم وغيرها من المباريات الرياضية ونحوها، من مناشط الترفيه والتنفيس عن الكبت والضغط الذي تتعرّض له الجماهير عبر الهوايات والاهتمامات غير ذات الصلة بالدين أو السياسة…

وعليه، فإن الاجتهاد الفقهي أو الاجتهاد العام في مختلف العلوم الإنسانية والحرف والصناعات والاكتشافات والاختراعات والألعاب… هو الوسيلة الفنية المثلى، لنهوض حركة التجديد بمهامّها المنوطة به، واستوائها على سوقها: فعالية وتقدّماً بالأمة وشهوداً لها على العالمين قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة: 143] .

ومقصد التجديد الذي هو مقصد شرعي من الطراز الأول، يتعلق بعموم الأمة: آحاداً وجماعات وشعوباً بحيث يتجلّى بهاء منظرها وحسن انتظامها أمام غيرها من الأمم، فهو مقصد كلي، قد يصنفه علماء المقاصد ضمن التحسينيات التي تجي‏ء في المرتبة الثالثة بعد الضروريات فالحاجيات، ولكني أصنفه ضمن المرتبة الأولى للمصالح الشرعية التي هي مرتبة الضروريات، حيث إن غياب التجديد يضع الأمة في حرج شديد حيث تتعطل مصالحها وهو ما تأباه مقاصد الشريعة وأهدافها العالية، فنحن نلحظ من جهة أن شعوبنا الحالية التي تفتقد التجديد في حيواتها وشرعياتها فإنها تقع في حرج شديد وضرر بالغ يكاد يعطّل سير حياتها الطبيعية.

كما نلحظ من جهة مقابلة أن المجتمعات والشعوب الغربية التي تنعم بقدر وافر ملحوظ من التجديد والاجتهاد، فإن بهاء منظرها وحسنه غير خاف على أحد في كثير من الجوانب الحياتية التي نفتقد إليها مثل النظافة والنظام، والحريّات، وحقوق التعبير، والمساواة، والضمير المهني، وحب العمل، والحسّ الجمالي، فضلاً عن تطور تلك المجتمعات في مختلف الفنون والإبداعات ونحو ذلك، لدرجة أن الكثير منّا يتناقل مقولة أن الغربيين لديهم الإسلام وليس لديهم المسلمين، كما المقولة الأخرى التي تنسب لأحد الداخلين الجدد في الإسلام من الغربيين عندما زار البلاد العربية الإسلامية: الحمد للَّه أني تعرفت على الإسلام قبل أن أتعرف على المسلمين.

إن التجديد لا يطال بحال من الأحوال أصول الشريعة الإسلامية، بل يقتصر على فقه الشريعة وآليات فهمها، ولهذا فإن التجديد ليس تجديداً للدين وخروجاً عنه أو تجاوزاً له، بل هو مجرّد الاستجابة الطبيعية لحاجات التديّن في عصر متجدّد وظروف حادثة.

أمّا إذا بحثنا عن الضابط الأصولي المباشر لمسألة التجديد والاجتهاد، فإنّا نجده في القاعدة الأصولية التي لا تختلف حولها جميع المذاهب الإسلامية، وهي «لا اجتهاد في مورد النصّ» التي سبق دراستها، أو بتعبير معاصر: ينتفي الاجتهاد عند وجود النص الشرعي من القرآن والحديث وملحقاتهما. وهذه القاعدة تقودنا إلى تقسيم منهجي للمسائل جميعها من وجهة نظر الإسلام إلى قسمين قد لا يكون ثالث لهما:

أ- المسائل الظنية: التي يكون مدركها ظني الثبوت أو الدلالة، أو لا يوجد في حقها دليل شرعي معين، فينتقل فيها إلى الأدلة العقلية التي تستند إلى الكليات والمقاصد الشرعية أو الأصول الكلية مثل العدل والمساواة، ونحوها. وهذه المسائل هي الغالبية الساحقة من المسائل الشرعية، ويجوز فيها الخلاف ويقع فيها الاجتهاد بإجماع المسلمين، ومن ضمنها تقع تسعة أعشار المسائل السياسية الشرعية والاجتماعيات التي لا نص فيها، ومثالها: طرق تنظيم البيعة أو الشورى، أو مدّة ولاية الحاكم المسلم وطرق وآليات انتخاب أو تعيين أو عزل أعضاء مجالس الشورى وأهل الاختصاص ونحو ذلك كثير. أمّا النصوص الظنية الورود فمثالها الحديث: «لا يفلح قوم ولوّا أمرهم امرأة» إذ اختلفوا في صحته، واختلفوا بالتالي في مدى جواز تولّي النساء للمناصب السياسية المختلفة، فأجاز أبو حنيفة مثلاً توليها للقضاء، في حين أن الدكتور حسن الترابي وآخرين من المعاصرين يؤهلان المرأة لتولّي المناصب السياسية العليا (الإمامة على المسلمين ورئاستهم) وبقي المثال الثالث الذي نسوقه على الأدلة الظنية الدلالة، فقوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشوى :38] وقوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران: 159] حيث إن النص القرآني قطعي الورود لا محالة، ولكن الدلالة اختلفوا فيها: هل الشورى معلمة توجيهية محضة للخليفة أو الإمام، وعليه بعدها أن يقرّر بناءً على اجتهاده، أم هي ملزمة لا فكاك عنها؟!

ب – المسائل القطعية، وهي معدودة في الشريعة، يكفر أو يخرج عن الملة منكرها ثبوتاً أو دلالة، وهي المحجة البيضاء التي وردت في الحديث الشريف: «تركتكم على محجة بيضاء ناصعة لا يزيغ عنها إلا هالك»(129)، وهي تشمل قطعيات العقائد الإسلامية (غير المختلف فيها) كما تشمل أصول الأخلاق والعبادات وأصول المعاملات والفرائض والحدود المنصوص عليها، فضلاً عن أصول الفقه الكلية (المستنبطة من عشرات الأدلة الشرعية) ومثلها مقاصد التشريع الكلية.

وهذه القطعيات هي بمثابة صمام الأمان الذي يعصم الأمة من الزيغ والهلاك، وهي الثوابت التي تدور حولها بقية المتغيّرات والظنيات، وبالطبع لا مجال للحديث عن الاجتهاد أو التجديد في القطعيات، اللهم إلا في المقدار المخصّص شرعاً لفهمها لغة وعقلاً، وهذا الأمر هو اعتباري تجوّزي محض.

المبحث الثالث: آراء العلماء في التجديد والاجتهاد

لقد سادت خلال العقود الأخيرة مدرستان أساسيتان تتعاملان بطرفي نقيض مع موضوع التجديد والاجتهاد المستأنف للحياة الإسلامية:

1- مدرسة مناهضي التجديد من الإخباريين والسلفيين وأرباب العلوم الشرعية التقليديين، ويركز هؤلاء على حجج عديدة منها: الخوف على طهورية النصوص الشرعية (قرآناً وسنّة)، فالفقه الإسلامي أساسه الوحي المعصوم، وما كان هذا شأنه فلا يقبل تجديدات البشر غير المعصومة، وكذلك الخوف من الانطباع بالغرب وهتك أستار الشريعة في سبيل تقليد «الكفار الصليبيين» شبراً بشبر وذراعاً بذراع… ومنها كذلك عجزهم البنيوي المنهجي عن الفهم العميق لأصول الشريعة ومقاصدها في الثبات والتجدّد، وفي الأصالة والمعاصرة. والحق، أن هذا التيار المناهض للتجديد والاجتهاد هو الأضعف شأناً والأقل تأثيراً في حركة الفكر الإسلامي المعاصر، ممّا لا يستدعي منّا مناقشة مقولاته، أولاً لهشاشتها الفكرية والمنهجية، وثانياً، لكثرة الرد عليها في مئات المؤلفات وآلاف المقالات.

2- مدرسة المجدّدين التي نادى أربابها ولا يزالون بالاجتهاد المعاصر وتجديد مختلف قطاعات الحياة الإسلامية: عبادة وسياسة وتقنيناً واقتصاداً واجتماعاً. وقد أسست هذه المدرسة آباء الحركة الإصلاحية الحديثة منذ أكثر من قرن، مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وخير الدين التونسي ومحمد رشيد رضا وعبد الحميد بن باديس وشكيب أرسلان ونحوهم كثير… وكانت المسألة العظمى التي تؤرقهم هي التخلف عن اللحاق بركب الأمم الغربية، وتالياً، كان «سؤال النهضة» هو السؤال الأبرز الذي حاول أولئك المصلحون الإجابة عنه… من دون جدوى تذكر في الحياة العملية، ولكن زعماء الحركة الإسلامية فيما بعد استطاعوا إلى حد كبير إدراك النصف الثاني من معادلة النهضة المتعلقة بالقسم العملي التعبوي المباشر، ولكن مع الإخلال نوعاً ما بالجانب النظري المنهجي الذي برع زعماء الإصلاح فيه أكثر ممّا برع فيه الشهيد حسن البنّا والأستاذ أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وآخرون… من زعماء الحركة الإسلامية الفكريين والأكاديميين.

فالإمام جمال الدين الأفغاني الذي فضح الاستعمار ومؤامراته واحتلاله لبلاد الإسلام وقضى حياته في الدعوة إلى توحيد صفوف الأمة الإسلامية الممزقة ودفعها إلى طريق التغيير والبناء، وذلك بمعالجة الجهل والانحراف وإدراك حقائق الوجود بالعودة الصادقة إلى تعاليم الكتاب والسنة من حيث هما وحي إلهي والنظر المباشر فيهما في ضوء قواعد الاستنباط الأصولي.

وكذلك محاربة التقليد والتعصب المذهبي والطائفي بالدعوة إلى النظر والاجتهاد في ضوء معرفة طبيعة العصر وفهم مقاصد التشريع وطلب الحق لذاته(130).

وقد دعا الإمام الأفغاني إلى البدء بحركة إسلامية قوية مبنية على الأسس العلمية الصحيحة تمهيدا لوضع المسلمين على الطريق الحضاري الصحيح في فهم الإسلام وسننه الكونية والاجتماعية.

فدراسة الإمام الأفغاني العميقة للعلوم الإسلامية قد أسبغت على آرائه وحركته شمولية واضحة، إذ أبدى رأيه في كل قضية إسلامية اجتماعية سياسية اقتصادية تربوية واجهت حياة المسلمين في عصره، ودعا إلى تجديد الحياة الفكرية والحضارية دون ما تعصب أو جمود أو انغلاق(131).

ذكروا في مجلس الأفغاني قولا للقاضي عياض واتخذوه حجة واشتد تمسكهم به حتى أنزلوه منزلة الوحي، بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا من أمامه، فقال لهم الأفغاني: يا سبحان الله!! إن القاضي عياض قال ما قاله على قدر ما وسعه عقله وتناوله فهمه، وناسب زمانه (476 – 544 هـ) فهل لا يحق لغيره أن يقول ما هو أقرب للحق وأوجه وأصح مما قال القاضي عياض أو غيره من الأئمة؟!! وهل يجب الجمود والوقوف عند أقوال أناس هم أنفسهم لم يقفوا عند حد أقوال من سبقهم وتقدمهم؟ بل أطلقوا لعقولهم سراحها، فاستنبطوا وقالوا وأدْلوا بدلوهم مع الدلاء في ذلك البحر المحيط من العلم، وأتوا بما ناسب زمانهم، وتقارب مع عقول جيلهم والأحكام تتبدل بتبدل الزمان .

فقيل للأفغاني: يفهم من قول الأستاذ: أن القاضي عياض أو من تقدمه من الأئمة إذا قال قولا، جاز لمن بعدهم أن يقول ما يتراءى له، سواء أكان مخالفا أو موافقا، ولا يخفى أن مثل هذا القول يحتاج إلى اجتهاد، وباب الاجتهاد عند أهل السنة مسدود لتعذر شروطه .

فقال الأفغاني: “ما معنى باب الاجتهاد مسدود؟ وبأي نص سد باب الاجتهاد؟ أو أي إمام قال: لا ينبغي لأحد من المسلمين بعدي أن يجتهد، ليتفقه في الدين؟! أو أن يهتدي بهدى القرآن، وصحيح الحديث”.

“أو أن يجدّ ويجتهد لتوسيع مفهومه منها، والاستنتاج بالقياس على ما ينطبق على العلوم المصرية، وحاجات الزمان وأحكامه، ولا ينافي جوهر النص؟؟”.

“إن الله بعث محمد بلسان قومه “العربي” ليفهم ما يريد إفهامهم، وليفهموا منه ما يقوله لهم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ).

“فالقرآن ما أنزل إلا ليفهم، ولكي يعمل الإنسان عقله، لتدبر معانيه، وفهم أحكامه والمراد منها، فمن كان عالماً باللسان العربي، وعاقلاً غير مجنون، وعارفاً بسيرة السلف، وما كان من طرق الإجماع، وما كان من الأحكام مطبقاً على النص مباشرة، أو على وجه القياس، وصحيح الحديث، جاز له النص في أحكام القرآن، وتمنعها، والتدقيق فيها، واستنباط الأحكام منها، ومن صحيح الحديث والقياس” ثم قال: “لا أرتاب في أنه لو فسح في أجَل أبي حنيفة، ومالك والشافعي، وابن حنبل، وعاشوا إلى اليوم لظلوا مجدِّين مجتهدين، يستنبطون لكل قضية حكماً من القرآن وكلما زاد تعمقهم وتمنعهم، ازدادوا فهماً وتدقيقاً.

“نعم إن أولئك الفحول من الأئمة، اجتهدوا وأحسنوا (جزاهم الله خيراً)، ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن، أو تمكنوا من تدوينها في كتبهم”.

“والحقيقة أنهم، مع ما وصلنا من علمهم الباهر، وتحقيقهم واجتهادهم، إن هو بالنسبة لما حواه القرآن من علوم، والحديث الصحيح من السنن والتوضيح، إلا القطرة من بحر، أو ثانية من دهر، والفضل بيد الله يوتيه من يشاء من عباده،” اهـ(132).

وقد أثر منهج الإمام الأفغاني هذا بملامحه العامة وتفصيلاته في تلميذه الأول الشيخ محمد عبده تأثيرا كبيرا وصاغه صياغة أصيلة وكذلك الشيخ محمد رشيد رضا .

وممن تأثر بمنهج الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، العالم التونسي الشيخ الطاهر بن عاشور، الذي كان داعية محققا جليل القدر، دقيق النظر مفكرا من الطراز الرفيع، وكان من تلامذة الشيخ محمد عبده ومن محبيه، وتأثر بمنهجه الاجتماعي العقلي التربوي الإصلاحي في تفسير القرآن الكريم، فألف في ضوئه تفسيرا ضخما اشتهر باسمه، عالج فيه قضايا التخلف في العالم الإسلامي، ودعا إلى العودة إلى تعاليم الكتاب والسنة ومحاربة البدع التي لا أصل لها في الدين، والقضاء على العقلية التواكلية الخرافية في الأمة، والأخذ بأسباب الحضارة والرقي، كي يخرج العالم الإسلامي من حالة الركود والانحطاط إلى حالة الحضارة والتقدم .

لقد دعا الطاهر بن عاشور إلى فتح باب الاجتهاد وألف كتباً كثيرة في مزايا الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة وقوانينها المحرِّكة للعقل والقابلة لمستحدثات الحياة النافعة المنظورة، ومن أشهر كتبه النظام الاجتماعي في الإسلام ومقاصد الشريعة الإسلامية.

والدارس لفكر هؤلاء المفكرين المحدثين من الإمام الأفغاني ومن جاء بعده يجد أنهم جميعا اتفقوا على أن الفقه الإسلامي فقه متجدد أبدا لا يقف عند زمن معين، وإنما هو يستجيب بأصوله وقواعد ومقاصده لمتغيرات الحياة السليمة ويوجِد لها الحلول الواقعية الدقيقة، إذن فلا جمود على ما قاله السابقون ولا تعصب ولا حجة إلا لكتاب الله وسنة رسوله .

الكل متفقون على أن المسلمين لا بد لهم في هذا العصر أن يهتموا بفهم السنن الإلهية في الكون، وأن يستغلوها لصالح إنشاء حضارتهم الإسلامية الجديدة مستفيدين من كل جديد ومفيد في العلم والتقنية والتنظيم والفكر دون فقدان الأصالة ومحو الذات، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.

أيضا اتفقوا على عدم الاكتفاء بدراسة الشريعة الإسلامية دراسة مجزأة، وإنما الانتقال منها إلى دراسة المفاهيم الكلية في النظم العامة في الشريعة الإسلامية كنظام الحكم والاجتماع والاقتصاد والدفاع والقضاء والتربية، من حيث إنها البديل الإسلامي عن الأنظمة التي غزت حياة المسلمين وربت أجيالهم في ظل حراب المستعمرين والمؤسسات التي تركتها في بلاد الإسلام(133).

والحق: أن مسألة التجديد في سياقها العام والرئيسي أصبحت بمثابة مسألة إجماعية ما بين المسلمين، وإنما ينشأ الخلاف عند التحقيق والتدقيق في مسائل فرعية تتفرع عن الاجتهاد الشرعي وتجديد العلوم الإسلامية ووسائل تنـزيل الشريعة وفقه تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل عام، فليس التجديد هو الاستخفاف بكل قديم، وفتح الأبواب لكل جديد، بدعوى أن الجديد دائما يمثل التقدم والرقي، والقديم يمثل التخلف والانحطاط، فهذه دعوى مرفوضة، فكم من جديد سييء، وكم من قديم صالح، بل إن أعظم الأشياء وأقدسها وأنفعها قديم قدم الحياة والإنسان، وإن مما ابتدعه الناس في القرون الأخيرة ما يعتبر أضر الأشياء على الإنسان وخصائصه، على أن القدم أو الجدة أمر نسبي اعتباري، فقديم اليوم كان جديد الأمس، وجديد اليوم هو قديم الغد، ولا يجوز في منطق العقل السليم أن يكون مجرد مرور الزمن هو الحاكم على الأشياء بالبطلان، وليس التجديد هو تطويع الفقه الإسلامي حتى يساير القوانين الوضعية الغربية فهذا ليس من التجديد في شيء، بل هو تحريف وتزييف.

فالتجديد لا يعني أبدا التخلص من القديم أو محاولة هدمه، بل الاحتفاظ به، وترميم ما بلي منه، وإدخال التحسين عليه، ولولا هذا ما سمي تجديداً، لأن التجديد إنما يكون لشيء قديم(134).

الخاتمة في أهم نتائج البحث

بعد هذا التطواف الذي عرضنا من خلاله لبيان قضية “الاجتهاد والتجديد (دراسة أصولية)” يمكن أن نوجز أهم النتائج التي انتهى إليها البحث في النقاط التالية:

* إن لفظ الاجتهاد لا يستعمل إلا فيما فيه كلفة ومشقة وجهد.

* إن الراجح في تعريف الاجتهاد أن يقال: هو بذل الوسع في درك الأحكام الفرعية الكلية بطريق الاستنباط ممن حصلت له شروط الاجتهاد.

* إن المجتهد هو الباذل وسعه في درك الأحكام الفرعية الكلية بطريق الاستنباط وقد حصلت فيه شروط الاجتهاد.

* إن الاجتهاد ضروري لظنية أغلب النصوص من جهة الدلالة، ولأن النصوص محصورة والوقائع والحوادث غير محصورة.

* إن المجتهد حتى تتحقق فيه القدرة والتمكن من استنباط الأحكام الشرعية. والإحاطة بمدارك الأحكام، لا بد أن يحصّل شروط الاجتهاد.

* إن النص من حيث اللغة يشمل مطلق المكتوب والملفوظ فكل عبارة مأثورة أو منشأة تسمى في اللغة نصاً.

* إن معنى النص اصطلاحاً يدور بين مطلق لفظ الكتاب والسنة وبين ما لا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل من لفظهما، وما هو ظاهر من لفظهما، وما هو مفهوم المعنى من لفظهما .

* إن العلاقة بين النص والاجتهاد علاقة تلازم ومصاحبة دائماً.

* إن تجزؤ الاجتهاد، أي الاجتهاد في مسألة دون مسألة، يجوز عند أغلب العلماء المعتد برأيهم.

* إن الاجتهاد ينقض إذا خالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً أو قاعدة شرعية، ولا ينقض الاجتهاد باجتهادٍ مثله.

* إن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة من كل قطر وذلك عند العلماء المحققين.

* إنه على الرغم من أن الفقه الإسلامي في عصر الرسول كان فقهاً مبنياً على الوحي الإلهي إلا أن الرسول كان متعبداً بالاجتهاد، وهذا ما تؤيده الأدلة الصحيحة.

* إن الاجتهاد بعد عصر الرسالة تحول إلى مصدر مستقل فيما لم يرد فيه نص من الكتاب الكريم أو السنة النبوية المشرّفة.

* إن التجديد مشروع وثابت وواقع بالنص.

* إن الضابط الأساس لتجديد علوم الشريعة هو التمييز ما بين الثابت والمتغير وما بين القطعي والظني، واحترام المعلوم من الدين بالضرورة.

* إنه سادت خلال العقود الأخيرة مدرستان أساسيتان تتعاملان بطرفي نقيض مع موضوع التجديد والاجتهاد المستأنف للحياة الإسلامية.

المراجع

*آليات الاجتهاد. أ.د. علي جمعة محمد طبعة دار النهار للنشر والتوزيع بالقاهرة ط أولى 1417هـ 1997م

*الإبهاج في شرح المنهاج. للإمام تاج الدين السبكي المتوفى 771 هـ ت أ.د شعبان محمد إسماعيل.ط مكتبة الكليات الأزهرية 1401 هـ

*الاجتهاد الجماعي ومدى الحاجة إليه في العصر الحاضر. د. شعبان محمد إسماعيل طبعة مكتبة العلم والإيمان ط الأولى 1410هـ 1990م

*الاجتهاد. د. عبد المنعم النمر طبعة دار الشروق بالقاهرة ط أولى 1406هـ1986م

*الاجتهاد في الشريعة الإسلامية. د. يوسف القرضاوي طبعة دار القلم بالكويت ط ثانية 1410هـ 1989م

*الإحكام في أصول الأحكام. لسيف الدين علي بن محمد الآمدي المتوفى631 هـ ط دار الحديث بالقاهرة بدون تاريخ

*أحكام القرآن. لابن العربي أبي بكر محمد بن عبدالله المتوفى 543 هـ مطبعة عيسى البابي الحلبي- مصر- 1967م

*أحكام القرآن. لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص الحنفي المتوفى 370 هـ نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت- 1412هـ

*إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول. للإمام محمد بن علي الشوكاني المتوفى 1250هـ تحقيق د. شعبان محمد إسماعيل ط دار الكتبي بالقاهرة سنة 1992م

*إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد. للإمام محمد بن إسماعيل المعروف بالأمير الصنعاني المتوفى 1182هـ قدم له وخرج نصوصه صلاح الدين مقبولطبعة الدار السلفية الكويت ط أولى 1405هـ 1985م

*أصول الإمام أبي الحسن الكرخي. مع كتاب تأسيس النظر. للإمام أبي زيد الدبوسي طبعة مكتبة الخانجي بالقاهرة ط ثانية 1415هـ 1994م

* الإشارة في أصول الفقه، لأبي الوليد سليمان بن خلف البجي ت 450 هـ ت عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض ط مكتبة نزار مصطفى الباز الرياض  ط أولى 1417 هـ.

*الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية. للإمام جلال الدين عبدالرحمن السيوطي المتوفى 911هـ ط دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت

*أصول الفقه، شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي ت 763هـ ت د. فهد بن محمد السدحان، ط مكتبة العبيكان، ط أولى 1420هـ

* الاعتصام بالشريعة. د. طارق الشامخي  طبعة دار البدائل – بيروت ط أولى 2001م

*أعلام الموقعين. لأبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية المتوفى 751 هـ ط إدارة الطباعة المنيرية- مصر

* أليس الصبح بقريب. للإمام محمد الطاهر بن عاشور طبعة الشركة التونسية للتوزيع، تونس ط أولى 1967م

*أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة. د. يوسف القرضاوي الطبعة الأولى 1990م

*البحر المحيط في أصول الفقه. للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي المتوفى 794 هـ ط وزارة الأوقاف بالكويت 1409هـ

*البرهان في أصول الفقه. لإمام الحرمين عبد الملك الجويني ت د عبد العظيم الديب ط ثانية 1400هـ دار الأنصار بالقاهرة

*تجدبد الفكر الإسلامي. د. حسن الترابي مطبعة دار البعث الجزائر ط أولى 1990م

*تجديد الفكر الإسلامي. د. محسن عبد الحميد طبعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي ط أولى 1416هـ 1996م

*التحبير شرح التحرير، لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي ت 885 هـ ت عبدالرحمن ابن عبد الله الجبرين وغيره ط مكتبة الرشد الرياض ط أولى 1421هـ

*تشنيف المسامع بجمع الجوامع. للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي المتوفى 794هـ ت د.عبد الله ربيع , د.سيد عبد العزيز ط مؤسسة قرطبة1419هـ

*التعريفات. لعلي بن محمد السيد الشريف الجرجاني المتوفى 816هـ ط مطبعة مصطفى البابي الحلبي- مصر- 1357هـ

*تفسير القرآن العظيم. للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى 774 هـ ط مكتبة دار التراث – القاهرة بدون تاريخ.

*تقريب الوصول إلى علم الأصول. للإمام أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المتوفى 741هـ ت محمد علي فركوس طبعة دار الأقصى بالجزائر ط أولى 1410 هـ 1990م

*التقرير والتحبير شرح التحرير. لابن أمير الحاج الحنفي المتوفى989هـ  ط دار الفكر ـ بيروت ط أولى1996م

*التلخيص في أصول الفقه. لإمام الحرمين عبد الملك الجويني المتوفى 478هـ ت د. عبد الله جولم النيبالي و شبير أحمد العمري طبعة دار البشائر الإسلامية ط أولى 1996م

*التلويح على التوضيح. للإمام سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى  792 هـ ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان 1416هـ 1996م

*تيسير التحرير. لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاة ط مطبعة مصطفى البابي  الحلبي 1350هـ

*الجامع لأحكام القرآن. لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ط دار الريان للتراث القاهرة مصورة عن كتاب الشعب .

*جمع الجوامع في أصول الفقه. لتاج الدين السبكي المتوفى771هـ مع حاشية جاد الله البناني ط دار الكتب العربية بالقاهرة.

*الحاصل من المحصول في أصول الفقه. للإمام تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي المتوفى 652هـ ت د. عبد السلام محمود أبو ناجي منشورات جامعة قار يونس بنغازي ط أولى 1994م

* خاطرات جمال الدين الأفغاني. تأليف محمد باشا المخزومي طبعة بيروت ط أولى 1931م

*الخراج. للإمام أبي يوسف طبعة القاهرة سنة 1352هـ

*خلافة الإنسان بين الوحي والعقل. د. عبد المجيد النجار طبعة دار الغرب الإسلامي ط ثانية 1407هـ – 1993م

*الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، للإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى 911 هـ ت الشيخ خليل الميس ط دار الكتب العلمية بيروت 1403هـ 1983م

*رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب. للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى 771هـ ت علي محمد معوض و عادل عبد الموجود طبعة عالم الكتب ط أولى 1419هـ 1999م

*روضة الناظر وجنة المناظر. لموفق الدين ابن قدامة المقدسي المتوفى 620 هـ ت د.عبد الكريم بن علي النملة ط مكتبة الرشد بالرياض ط خامسة 1417 هـ

*سنن الترمذي, الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة المتوفى 289هـ ت أحمد محمد شاكر ط دار الكتب العلمية بيروت

*سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى275 هـ، تحقيق أ. محمد محي الدين عبد الحميد، ط الكتبة العصرية، صيدا، بيروت.

*سنن ابن ماجة أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفى275هـ ت محمد فؤاد عبد الباقي ط دار إحياء الكتب العربية1372هـ

*شرح تنقيح الفصول للإمام أحمد بن إدريس القرافي المتوفى684هـ ت طه عبد الرءوف سعد, نشر مكتبة الكليات الأزهرية 1393هـ

*شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للقاضي عضد الدين الإيجي المتوفى756هـ نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة1393هـ

*شرح الكوكب المنير لابن النجار المتوفى 972هـ ت د.محمد الزحيلي و د. نزيه حماد ط مركز البحث العلمي جامعة أم القرى مكة المكرمة.

*شرح اللمع للإمام أبي إسحاق إبراهيم الشيرازي المتوفى 476هـ تحقيق عبد المجيد تركي ط دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان ط أولى 1408هـ 1988م

*شرح مختصر الروضة لنجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي المتوفى 716 هـ ت عبد الله بن عبد المحسن التركي ط مؤسسة الرسالة  1410هـ 1990م

*الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي. د. يوسف القرضاوي الطبعة الأولى 1408هـ 1988م

*صحيح الإمام البخاري؛ للعلامة الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري ت (256) هـ، تحقيق محمد علي قطب، ط المكتبة العصرية، صيدا، بيروت

*صحيح مسلم؛ لأبي الحسين مسلم بن الحجاج، ت (261) هـــ مع شرح الإمام النووي، ط دار الكتب العلمية، بيروت.

*العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى محمد بن الفراء المتوفى 458هـ ت د. أحمد علي المباركي ط مؤسسة الرسالة1400هـ

*فتاوى السبكي للإمام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى 756هـ طبعة دار المعرفة بيروت بدون تاريخ

*الفصول في الأصول للإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى 370هـ ت د.عجيل جاسم النشمي ط وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية  بالكويت ط ثانية 1414هـ1994م

*الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد د. يوسف القرضاوي طبعة دار الصحوة بالقاهرةط أولى 1406هـ 1986م

*فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت لعبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري مطبوع مع المستصفى للغزالي المطبعة الأميرية 1322هـ

*القصاص في الفقه الإسلامي د. أحمد فتحي بهنسي طبعة دار الشروق بالقاهرة ط خامسة 1409هـ 1989م

*قواطع الأدلة في الأصول لأبي المظفر منصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني المتوفى 489 هـ ت محمد حسن إسماعيل الشافعي  ط دار الكتب العلمية بيروت ط أولى 1997م

*قواعد الفصول ومعاقد الفصول للإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي المتوفى 739هـ ت أحمد الطهطاوي طبعة دار الفضيلة بالقاهرة 1997م

*الكافي شرح البزدوي، لحسام الدين حسين بن علي بن حجاج السغناقي ت 714هـ ت فخر الدين سيد محمد قانت ط مكتبة الرشد الرياض ط أولى 1422هـ

*كشاف اصطلاحات الفنون، لمحمد بن على التهانوي ط بيروت، شركة خياط للكتب والنشر 1386هـ

*كشف الأسرار شرح المصنف على المنار لأبي البركات النسفي ومعه حاشية نور الأنوار ط دار الكتب العلمية بيروت

*كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي لعبد العزيز البخاري المتوفى 730 هـ ط  دار سعادت 1308هـ

*لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المتوفى711هـ ط  دار صادر  بيروت

*مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية تقي الدين أحمد بن عبدالحليم المتوفى 728هـ جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد قاسم مطابع دار العربية بيروت 1398هـ

*المحصول في أصول الفقه للإمام محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى 606هـ ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط أولى 1408هـ 1988م

*المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى المعروف بابن بدران الدمشقي طبعة إدارة الطباعة المنيرية بالقاهرة بدون تاريخ.

*المدخل الفقهي العام د. مصطفى أحمد الزرقاء ط دار الفكر بدمشق 1967م

*مدخل مقاصدي للاجتهاد د. جاسر عودة مطبوع ضمن مجموعة بحوث، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي  الطبعة الأولى 2007م

*المستصفى من علم الأصول للإمام محمد بن محمد الغزالي المتوفى505 هـ ط المطبعة الأميرية ببولاق 1322هـ

*مسند الإمام أحمد بن حنبل المتوفى 241هـ ت شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد طبعة مؤسسة الرسالة بيروت ط ثانية 1420هـ 1999م

*معالم المنهج الإسلامي د. محمد عمارة طبعة دار الشروق – القاهرة  ط أولى 1411هـ – 1991م

*معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي المتوفى 395هـ نشر دار الكتب العلمية- ايران- قم

*المعجم الوسيط في اللغة العربية – مجمع اللغة العربية – الطبعة الثالثة

*معراج المنهاج للإمام شمس الدين محمد بن يوسف الجزريالمتوفى 711هـ ت د. شعبان محمد إسماعيل مطبعة الحسين الإسلامية ط أولى 1413هـ 1993م

*المقدمة في الأصول للإمام أبي الحسن علي بن عمرو بن القصار المتوفى397هـ ت محمد بن الحسين السليماني طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت ط أولى1996م

*منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى 685هـ ضبط محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة السعادة بالقاهرة ط أولى 1370هـ 1951م

*الموافقات في أصول الأحكام للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المتوفى790هـ ت الشيخ عبد الله دراز ط دار المعرفة بيروت

*نفائس الأصول في شرح المحصول تأليف أحمد بن إدريس القرافي 684هـ ت عادل عبد الموجود و علي محمد معوض نشر مكتبة نزار الباز

*نهاية السول شرح منهاج الوصول للبيضاوي تأليف عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي المتوفى 772هـ ط محمد علي صبيح بدون تاريخ

*نهاية الوصول في دراية الأصول لصفي الدين محمد بن الرحيم الهندي المتوفى 715 هـ ت د. صالح بن سليمان اليوسف و د. سعد السويح ط المكتبة التجارية بمكة المكرمة ط أولى 1416هـ 1996م

*الواضح في أصول الفقه لأبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي المتوفى512هـ ت د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي ط مؤسسة الرسالة 1420هـ

*الورقات لإمام الحرمين الجويني المتوفى 478هـ مع شرحها للإمام جلال الدين المحلي المتوفى 864هـ مطبعة محمد علي صبيح بالقاهرة 1979م

الهـوامش

(1) انظر في التعريف اللغوي: معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس 1/486 وما بعدها الصحاح للجوهري 2/460 وما بعدها لسان العرب لابن منظور 1/708 وما بعدها المصباح المنير للفيومي 1/155 القاموس المحيط للفيروزابادي صـ 351 الكليات لأبي البقاء 1/48 الشامل محمد سعيد أسبر ص 144 المعجم الوسيط 1/142

(2) راجع: الفصول في الأصول للجصاص 4/11

(3) راجع: إحكام الفصول للباجي 1/52  الورقات لإمام الحرمين صـ 23

(4) راجع: القواطع لابن السمعاني 2/302

(5) راجع: المستصفى للإمام الغزالي2/350

(6) راجع: المحصول للإمام الرازي 6/ 6

(7) راجع: نهاية الوصول للهندي 8/3785  إرشاد الفحول للشوكاني 2/295

(8) انظر مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/289

(9) راجع: أصول ابن مفلح 4/1469 التحبير شرح التحرر للمرداوي 8/3865 شرح الكوكب المنير 4/458

(10) راجع: عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد للدهلوي 1/3

(11) انظر: الاجتهاد في الإسلام د/ نادية العمري صـ 33 – الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د/ زكريا البري صـ 237 .

(12) راجع: نفائس الأصول شرح المحصول للقرافي 9/ 3791

(13) راجع: الحاصل من المحصول للأرموي 2/100، المنهاج للبيضاوي ص118 .

(14) راجع: كشف الأسرار شرح المصنف على المنار  للنسفي 2/301، 302 .

(15) راجع: البحر المحيط للزركشي 6/197.

(16) انظر نفائس الأصول 9/3791 نهاية الوصول للهندي 8/3787 شرح المنهاج للأصفهاني 2/822 شرح العضد 2/289، 290 الإبهاج 3/168، نهاية السول 3/287 وما بعدها شرح تنقيح الفصول ص 429 التحبير شرح التحرر للمرداوي 8/3865 البحر المحيط 6/197 وما بعدها شرح الكوكب المنير 4/458  إرشاد الفحول 2/295 وما بعدها .

(17) راجع: منهاج الوصول للبيضاوي صـ118 وانظر الحاصل للأرموي2/100

(18) راجع: نهاية السول للإسنوي 3/288

(19) راجع: إرشاد الفحول للشوكاني 2/297

(20) راجع: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/141

(21) انظر شرح مختصر الروضة للطوفي 3/577 وفيه: “فالمجتهد من اتصف بصفة الاجتهاد، وحصّل أهليته” اهـ وكشف الأسرار عن أصول البزدوي للبخاري 4/14 وفيه: “فالمجتهد من اتصف بصفة الاجتهاد” اهـ وشرح العضد على المختصر 2/290 ورفع الحاجب 4/529 وفيهما نص البخاري

(22) انظر جمع الجوامع مع تشنيف المسامع للزركشي 4/564 وما بعدها وكذلك جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني 2/246 وفيه: وهو البالغ العاقل، أي ذو ملكة هي الهيئة الراسخة في النفس يدرك بها المعلوم، وقيل: العقل نفس العلم، وقيل: ضرورية، فقيه النفس وإن أنكر القياس وثالثها إلا الجلي، العارف بالدليل العقلي، والتكليف به، ذو الدرجة الوسطى لغة وعربية وأصولا وبلاغة ومتعلق الأحكام من كتاب وسنة وإن لم يحفظ المتون” اهـ

(23) انظر البحر المحيط 6/199وفيه: “وهو البالغ، العاقل، ذو ملكة، يقتدر بها على استنتاج الأحكام من مأخذها” اهـ

(24) التعريف المختار للاجتهاد وهو: بذل الوسع في درك الأحكام الفرعية الكلية بطريق الاستنباط لمن حصلت له شرائط الاجتهاد.

(25) راجع: آليات الاجتهاد لشيخنا د. علي جمعة ص 19،

(26) راجع: البرهان لإمام الحرمين 2/485 ف676، 677

(27) راجع: البرهان لإمام الحرمين 2/499، 500 ف 711

(28) راجع: البرهان لإمام الحرمين 2/502 ف716

(29) راجع: قواطع الأدلة لابن السمعاني 1/17

(30) راجع: المنخول للإمام الغزالي ص 495

(31) انظر البرهان لإمام الحرمين 2/869 فقرة 1483 التلخيص لإمام الحرمين 3/457 ف 1952 تقريب الوصول لابن جزي ص 427 جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني 2/383 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/564، 565 البحر المحيط 8/229 غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص 174

(32) انظر المستصفى للإمام الغزالي2/350 روضة الناظر لابن قدامة 3/960 تيسير التحرير 4/180 قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/306 قواعد الأصول ومعاقد الفصول لابن عبدالحق البغدادي صـ119

(33) انظر المستصفى2/351 المحصول للرازي2/497 قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/304 روضة الناظر لابن قدامة 3/ 960 الإحكام للآمدي 2/163 كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4/15 إحكام الفصول للباجي صـ 722 الإشارة للباجي صـ 423 شرح تنقيح الفصول صـ437 معراج المنهاج 2/289 الإبهاج لابن السبكي 3/272 نهاية السول للإسنوي 3/300 البحر المحيط للزركشي 6/196تيسير التحرير 4/181 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/570 شرح الكوكب المنير 4/461 إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد صـ 134 إرشاد الفحول صـ 250

(34) انظر المستصفى للغزالي 2/352 المحصول للرازي 2/798 قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/304 روضة الناظر لابن قدامة 3/961 الإحكام للآمدي 4/164شرح تنقيح الفصول صـ 437 نهاية السول للإسنوي 3/245 تشنيف المسامع 4/ 571 البحر المحيط للزركشي 6/201 شرح الكوكب المنير 4/461 تيسير التحرير 4/ 182 تقريب الوصول لابن جزي صـ 153 إرشاد الفحول للإمام الشوكاني صـ 252

(35) انظر  التلخيص لإمام الحرمين 3/458 ف 1953 المستصفى للغزالي 2/350 المحصول للرازي 2/498 روضة الناظر لابن قدامة 3/961 الإحكام للآمدي 4/163 المسودة صـ 514 شرح تنقيح الفصول البحر المحيط للزركشي 6/203 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/571 صـ 437 كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4/15 تيسير التحرير 4/182 فواتح الرحموت 2/363 إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد صـ 135 إرشاد الفحول صـ 252

(36) انظر المستصفى للإمام الغزالي 2/352 المحصول للرازي 2/498 الإحكام للآمدي 4/220 الإبهاج لابن السبكي 3/273 نهاية السول 3/201 البحر المحيط للزركشي 6/203 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/571 شرح الكوكب المنير 4/461 تيسير التحرير 4/182 إرشاد الفحول للشوكاني صـ252 الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د/ يوسف القرضاوي صـ 29

(37) انظر قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/305 المستصفى للإمام الغزالي 2/351 الإحكام للآمدي 4/220 شرح تنقيح الفصول صـ 437 كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4/15 الإبهاج لابن السبكي 3/283 نهاية السول للإسنوي 3/201 البحر المحيط للزركشي 6/203 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/ 572 التلويح على التوضيح 3/63 شرح الكوكب المنير 4/462إرشاد الفحول صـ 252 انظر الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د/ يوسف القرضاوي صـ 29

(38) انظر التلخيص لإمام الحرمين 3/460 ف 1956 قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/306 المستصفى الغزالي 2/351 روضة الناظر  3/962 المحصول للرازي 2/498 الإحكام للآمدي 4/220 شرح تنقيح الفصول صـ 437 الإبهاج لابن السبكي 3/272 نهاية السول للإسنوي 3/202 البحر المحيط للزركشي 6/201 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/ 571 التلويح على التوضيح 3/63 شرح الكوكب المنير 4/464 إرشاد الفحول للشوكاني صـ 251

(39) انظر قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/306 روضة الناظر لابن قدامة 3/960 البحر المحيط للزركشي 6/201

(40) انظر قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/303، 304 شرح اللمع للشيرازي 2/1034 ف 1184 الإشارة لأبي الوليد الباجي صـ 424 العدة لأبي يعلى5/1594 التلخيص لإمام الحرمين 2/459 ف 1954 البرهان لإمام الخرمين2/869 ف 1484 المستصفى للإمام الغزالي 2/352 روضة الناظر لابن قدامة 3/962 المحصول للرازي 2/498 الإحكام للآمدي 4/163 شرح تنقيح الفصول صـ 437 التلويح على التوضيح 3/63 معراج المنهاج 2/290 نهاية السول 3/201 الإبهاج لابن السبكي 3/272 البحر المحيط للزركشي 6/202 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/568 شرح الكوكب المنير 4/462 إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد صـ 133 إرشاد الفحول صـ 251

(41)  راجع:تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/566

(42) انظر المستصفى للغزالي1/351 المحصول للرازي 2/ 498 شرح تنقيح الفصول صـ 437 معراج المنهاج 2/289 الإبهاج لابن السبكي 2/373 نهاية السول للإسنوي 3/201 البحر المحيط للزركشي 6/204 تشنيف المسامع 4/567

(43) انظر البرهان لإمام الحرمين 2/870 ف1489 المستصفى للغزالي 2/353 المحصول للرازي  2/499 الإحكام للآمدي 4/220روضة الناظر لابن قدامة 3/963 كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4/16 تقريب الوصول لابن جزي صـ 154 معراج المنهاج 2/290 الإبهاج لابن السبكي 3/273 نهاية السول للإسنوي 3/201 البحر المحيط للزركشي 6/204 تشنيف المسامع بجمع الجوامع 4/573 شرح الكوكب المنير 4/466 إرشاد الفحول للشوكاني صـ 252

(44) راجع: لسان العرب لابن منظور و الصحاح للجوهري مادة نصص المعجم الوسيط 2/963

(45) راجع: كشف الأسرار شرح المصنف على المنار 1/206 وانظر التوضيح على التنقيح 1/232 الكافي شرح البزدوي 1/223

(46) راجع: التعريفات للجرجاني ص 215

(47) راجع: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص36، 37

(48) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي 1/155 العدة لأبي يعلى 1/137 الإشارة في أصول الفقه للإمام الباجي ص 330

(49) راجع: كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي مادة نصص

(50) قطعية الثبوت: تعني درجة من اليقين المطلق بأن النص ثابت النسبة إلى مصدره الذي أوحي به، وكل القرآن الكريم قطعي وروده لأن نقله كان بالتواتر المؤدي إلى اليقين وكذلك السنة المتواترة وهي قليلة العدد .

أما قطعية الدلالة فهي تعني أن يكون النص في دلالته على المراد الإلهي صغ بحيث لا يمكن بحال أن يفهم منه إلا وجه واحد من وجوه المعاني بحسب ما يقتضيه لسان العرب، أي مالا يحتمل إلا المعنى المراد، وتتحقق هذه القطعية في نصوص القرآن والحديث المتعلقة بالعقائد والعبادات والمقدرات من الكفارات والحدود وفرائض الإرث. راجع: خلافة الإنسان بين الوحي والعقل د.عبد المجيد النجار ص98 بتصرف

(51) راجع خلافة الإنسان بين الوحي والعقل د.عبد المجيد النجار ص98

(52) راجع: معالم المنهج الإسلامي د. محمد عمارة ص 100-101

(53) انظر معالم المنهج الإسلامي د. محمد عمارة ص 101 بتصرف

(54) انظر الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي د. يوسف القرضاوي ص 55- 59 بتصرف

(55) راجع الاجتهاد للدكتور عبد المنعم النمر ص 93 معالم المنهج الإسلامي د. محمد عمارة ص 102-103

(56) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/365 أحكام القرآن للجصاص ص 152 أحكام القرآن لابن العربي 2/966

(57) انظر الاجتهاد للدكتور عبد المنعم النمر ص 94،95

(58) راجع مدخل مقاصدي للاجتهاد د. جاسر عودة ص 59

(59) جاء في العجم الوسيط مادة علج: العِلْجُ كل جاف شديد من الرجال والحمار وحمار الوحش السمين القوي، والجمع علوج وأعلاج .انظر المعجم الوسيط 2/643،644

(60) راجع كتاب الخراج للإمام أبي يوسف ص 23 وما بعدها الاجتهاد للدكتور عبد المنعم النمر ص 95

(61) انظر أعلام الموقعين لابن القيم 1/185 القصاص في الفقه الإسلامي للدكتور أحمد فتحي بهنسي ص 53 وما بعدها الاجتهاد للدكتور عبد المنعم النمر ص 99

(62) انظر في هذا المعنى: قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/303  كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4/14، 15 رفع الحاجب لابن السبكي 4/529، 530 البحر المحيط للزركشي 6/206 وما بعدها التقرير والتحبير 3/292 تيسير التحرير 4/179، 180 فواتح الرحموت 2/362، 363.

(63) انظر شرح تنقيح الفصول للقرافي ص430 وفيه: “مذهب مالك، وجمهور العلماء ( وجوبه وإبطال التقليد” اهـ  وتقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزي الغرناطي ص 421 وفيه”وهو واجب عند مالك”  والمقدمة في الأصول لابن القصار الملكي، تعليق محمد بن الحسين السليماني ص10 وفيها: “ومذهب مالك -رحمه الله- إبطال تقليد العالم للعالم، وهو قول جماعة من الفقهاء، وأجازه بعضهم ” اهـ .

(64) انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض للسيوطي تحقيق الشيخ خليل الميس ص67 وما بعدها .

(65) انظر: الملل والنحل للشهرستاني 2/32 و 2/37، وانظر تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد الإمام السيوطي، تحقيق الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد ص29، 30 الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي صـ31 إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد للإمام محمد بن إسماعيل المعروف بالأمير الصنعاني ت صلاح الدين مقبول أحمد صـ31

(66) انظر في هذه الأحكام الخمسة: قواطع الأدلة لابن السمعاني 2/303 كشف الأسرار عن أصول البزدوي للبخاري 4/14، 15 رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لابن السبكي 4/530 البحر المحيط للزركشي 6/206، 207 التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 3/292 تيسير التحرير 4/179،180 فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2/362 إرشاد الفحول للشوكاني 2/305 الاجتهاد في الشريعة الإسلامية للدكتور حسن مرعي ص17، 18 الاجتهاد في الشريعة الإسلامية للدكتور/ يوسف القرضاوي ص80،81 الاجتهاد فبي الإسلام للدكتورة/ نادية شريف العمري ص22،23 الاجتهاد الجماعي ومدى الحاجة إليه في العصر الحاضر للدكتور / شعبان محمد إسماعيل ص12، 13

(67) انظر: فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 2/363 .

(68) انظر المستصفى للإمام الغزالي 2/، 353، 384  المحصول للإمام الرازي 2/2499 نهاية الوصول للهندي 8/3832 مجموع فتاوى ابن تيمية 20/204، 212 التحرير مع شرحه تيسير التحرير 4/246 جمع الجوامع مع تشنيف المسامع 4/576 البحر المحيط للزركشي 6/209

(69) انظر المستصفى للإمام الغزالي 2/353، 354

(70) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 20/204

(71) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 20/212

(72) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/ 221

(73) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/ 274، 275

(74) بحوث في التشريع الإسلامي للشيخ محمد مصطفى المراغي ص 12

(75) انظر المستصفى للغزالي 2/382 المحصول للإمام الرازي 2/3/91 الإحكام للآمدي 4/273 مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/300 شرح تنقيح الفصول ص 441 أصول ابن مفلح 4/1510 التحبير شرح التحرير للمرداوي 8/ 3973 البحر المحيط للزركشي 6/266 شرح الكوكب المنير 4/505 تيسير التحرير 4/234 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 190 فواتح الرحموت 2/395

(76) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/3

(77) انظر المستصفى للغزالي 2/382

(78) انظر شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 441

(79) انظر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 190

(80) انظر فتاوى الإمام السبكي 2/435، 436 الأشباه والنظائر للسيوطي ص 105

(81) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/273

(82) انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 101

(83) انظر أصول الكرخي مع تأسيس النظر ص 85

(84) انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 101

(85) انظر المستصفى للغزالي 2/382

(86) انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص  101، 102

(87) انظر المدخل الفقهي العام د. مصطفى الزرقاء 2/1010 ف 624

(88) انظر البحر المحيط للزركشي 6/207

(89) انظر المحصول للإمام الرازي 2/3/98

(90) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/313

(91) انظر مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد 2/307

(92) انظر التحرير مع التيسير 4/240

(93)  انظر جمع الجوامع تشنيف المسامع 4/615

(94) انظر مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت 2/399

(95) نقل الإمام السيوطي عن الإمام الغزالي أنه قال في الوسيط: إذا عدم المجتهد المطلق جاز تولية المقلد القضاء، وكذا إذا ولاه سلطان ذو شوكة نفذ قضاؤه للضرورة، كي لا تتعطل مصالح الخلق، فإنه ينفذ قضاء أهل البغي للحاجة فالمقلد أولى، قال: نعم يعصى السلطان بتفويضه إليه، ولكن بعد أن ولاه فلا بد من تنفيذ أحكامه للضرورة، واستحسنه الرافعي، وقال ابن شداد وابن الصلاح وابن أبي الدم: ما قاله الغزالي لا نعلم أحدا نقله، قال ابن أبي الدم: مع تصفحي شروح المذهب والمصنفات فيه. انظر الرد على من أخلد إلى الأرض للإمام السيوطي ص 87، 88

(96) انظر البحر المحيط للزركشي 6/207

(97) انظر الواضح لابن عقيل 5/421

(98) انظر أصول ابن مفلح 4/1552

(99) انظر البرهان لإمام الحرمين 1/443 ف 638

(100) انظر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران ص 191

(101) قال الإمام السيوطي: وقول الأستاذ أبي إسحاق وكأن الله ألهمهم ذلك يشعر بأنه لم يقف له على مستند من الحديث مع أنه له ذلك، أي مستندا فأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي ابن أبي طالب t قال: “لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا” وهذا موقوف له حكم الرفع، لأن مثل ذلك لا يقال من قبل الرأي وله شواهد مرفوعة وموقوفة، ثم ساق بعضا منها. انظر الرد على من أخلد إلى الأرض ص 97، 98

(102) الحديث رواه الإمام مسلم موقوفا عن عبد الله بن عمرو بن العاص انظر صحيح مسلم بشرح النووي 13/67، 68 كتاب الإمارة باب قوله لا تزال طائفة ح1924 ورواه ابن ماجة عن أنس انظر سنن ابن ماجة 2/1341كتاب الفتن باب شدة الزمان ح4039

(103) انظر البحر المحيط للزركشي 6/208 الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي ص69، 70، 97

(104) انظر البحر المحيط للزركشي 6/208

(105) انظر الرد على من أخلد إلى الأرض للإمام السيوطي ص 65

(106) الحديث رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمرو انظر صحيح البخاري 5/2281 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس ح 7307

(107) انظر فواتح الرحموت لعبد العلي الأنصاري 2/399، 400

(108) انظر البحر المحيط للزركشي 6/208، 209

(109) انظر الرد على من أخلد إلى الأرض للإمام السيوطي ص 112

(110) انظر إرشاد الفحول للشوكاني 2/307-310

(111) انظر بحث الاجتهاد للشيخ محمد نور الحسن ضمن كتاب المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية ص 46 الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د. يوسف القرضاوي ص 90، 91

(112) انظر الاجتهاد في الشريعة الإسلامية د. يوسف القرضاوي ص 96

(113) انظر قرارات وتوصيات مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية ص16

(114) راجع التلخيص لإمام الحرمين 3/400 ف 1875

(115) راجع التلخيص لإمام الحرمين 3/ 407 ف 1882 والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه بمعناه عن عبد الله بن عباس t عن عمر بن الخطاب t 12/84 -87 كتاب الجهاد باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم ح رقم 1763

(116) الحديث أخرجه أبو داود في سننه 3/302 كتاب الأقضية باب اجتهاد الرأي في القضاء ح رقم 3592 والترمذي في سننه كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي 3/616 وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل، وقال ابن حزم: لا يجوز الاحتجاج بحديث معاذ لسقوطه وضعف سنده، قال: وهو باطل لا أصل له الإحكام لابن حزم 2/211، 212 وقال القاضي أبو الطيب فيما نقله عنه الزركشي: هو حديث صحيح، لأن قوله أناس من أصحاب معاذ t يدل على شهرتهم وكثرتهم، وقد عرف زهد معاذ t، والظاهر من أصحابه الثقة والعدالة، على أنه سمى رجل منهم، وهو ثقة معروف، فروى عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم وهو ثقة، ثم قال: قال أهل هذا الشأن: إن جهالة الراوي لا توجب قدحا إذا كان من روى عنه ثقة، فإن روايته عنه تكون تعديلا له. انظر المعتبر ص 660 وما بعدها

(117) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن العاص t 29/ 357 ح رقم 17824 وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 4/195 وقال: واه أحمد والطبراني في الكبير وفيه من لا أعرفه

(118) الحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر t انظر صحيح البخاري 3/1255 كتاب المغازي باب مرجع النبي من الأحزاب وخروجه إلى بني قريظة ح4120 وانظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/97 كتاب الجهاد والسير بالمبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين ح 1770

(119) الحديث أخرجه البخاري ومسلم، راجع صحيح البخاري كتاب المغازي باب مرجع النبي من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم 3/1255 ح رقم 4122 وراجع صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الجهاد والسير باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب 12/ 92 ح رقم 1768

(120) انظر البحر المحيط للزركشي 6/231، 232 إرشاد الفحول للشوكاني 2/325

(121) الحديث أخرجه أبو داود في سننه 4/106 عن أبي هريرة t كتاب الملاحم باب ما يذكر في قرن المائة ح رقم 4291

(122) راجع أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة د. يوسف القرضاوي ص 101، 102

(123) انظر العالم من منظور غربي د.عبد الوهاب المسيري ص 189

(124) انظرالعالم من منظور غربي د. عبد الوهاب المسيري ص 198، 199

(125) انظر على سبيل المثال: أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 3/1 وما بعدها

(126) انظر تجديد المنهج في تقويم التراث د. طه عبد الرحمن (بيروت المركز الثقافي) وانظر له: العمل الديني وتجديد العقل، وأصول الحوار وتجديد علم الكلام.

(127)  انظر الاعتصام بالشريعة د. طارق الشامخي ص21، 22 (بيروت: دار البدائل، 2001) .

(128) انظر النقد الصارم الذي صاغه ابن عاشور على سبيل المثال في سياق تأريخه لجامعة الزيتونة الإسلامية في تونس للعلوم الشرعية التي كانت تدرس في الزيتونة، وطروحاته المقترحة لتجديدها ضمن كتابه «أليس الصبح بقريب».

(129) الحديث أورده المناوي في فيض القدير 4/506 ح رقم 6096 وابن تيميية في مجموع فتاويه 5/7 .

(130) انظر كتاب جمال الدين الأفغاني المصطلح المفترى عليه ص 23-62 .

(131) انظر تجديد الفكر الإسلامي د. محسن عبد الحميد ص 102 وما بعدها .

(132) انظر خاطرات جمال الدين الأفغاني للمخزومي ص 177 وما بعدها .

(133) انظر تجديد الفكر الإسلامي د. محسن عبد الحميد ص 134 وما بعدها.

(134) انظر الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد د. يوسف القرضاوي صـ 25 وما بعدها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر