مقدمـــة :
يُـعـد الاختلاف والخلاف بين البشر ظاهرة طبيعية وفطرية، اقتضتها حكمة الخالق عز وجل، ولذلك يجيز الإسلام الاختلاف المحمود بين المسلمين وفق الضوابط الشرعية في الحكم والأشياء والمواقف والأعمال،
وفي شئون الحياة المختلفة، بحيث ظهر هذا الاختلاف تاريخياً في الفقه، والسياسة، بل وفي السلوك العادي اليومي للناس لأسباب وعوامل عديدة. لكن، ورغم هذه الفطرة الطبيعية، إلا أن الاختلاف بين المسلمين قد يخرج عن مساره الشرعي في بعض الأحيان بحيث يتحول إلى خلاف وشقاق وفرقة بينهم، فتعمى الأبصار ويستولي الهوى على القول والنفوس، وقد يتطور الخلاف ليصل الأمر في بعض الأحيان إلى التطاحن والصدام، واستخدام وسائل العنف المختلفة لحل الخلافات.
وحتى لا يكون الاختلاف سبباً للتنافر والعداوة بين المسلمين وتلافياً لسلبياته، قدم الفكر الإسلامي مجموعة من القواعد والأسس التي تشكل في مجموعها أسلوباً راقياً لإدارة الخلافات والاختلافات بين المسلمين بعضهم البعض، وبينهم وبين الآخر، أياً كان هذا الآخر، من خلال الحوار. في الوقت نفسه تشكل هذه القواعد والأسس مقومات أساسية ينبغي أن يقوم عليها أي حوار ناجح ومثمر، لاسيما في حالة الحوار السياسي، باعتباره وسيلة سلمية تساهم في تضييق رقعة الخلافات وسد أبواب الفتن والفرقة، بل وفي أحيان كثيرة قد يصل المتحاورون إلى اتفاق أو توافق مشترك حول القضايا والمسائل المختلف عليها أو حول تحديد الأولويات والغايات العامة.
وفي اليمن شكل الحوار السياسي بين السلطة الحاكمة والمعارضة السياسية أحد الأساليب التي ساهمت في تجنيب اليمن العديد من المخاطر المحلية والإقليمية، وفي الوقت نفسه أصبح هذا الحوار سمة هامة من السمات الرئيسية التي ميزت النظام السياسي في اليمن على مدى ثلاثة عقود -منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن- بين فرقاء اليمن، حيث مثلت لجنة الحوار الوطني(1)، التجربة الأهم والبداية الناجحة في التأسيس لثقافة الحوار السياسي في تاريخ اليمن المعاصر.
وفي مايو 1990م تمت الوحدة اليمنية من خلال الحوار بين نظامي الحكم في شطري اليمن، وتواصل هذا الحوار بين صانعي الوحدة خلال الأزمة السياسية التي عصفت بالدولة الوليدة، ليتوسع الحوار بذلك في إطار لجنة الحوار الوطني، والتي ضمت تقريباً كافة الأحزاب والقوى السياسية الاجتماعية في البلاد. وقد توصلت هذه اللجنة في عام 1994 إلى “وثيقة العهد والاتفاق”، والتي أدى الفشل في تنفيذ بنودها إلى نتائج كارثية لا زال اليمن وشعبه يعاني منها حتى الوقت الحاضر(2).
ومنذ العام 2001 بدأت شقة الخلاف بين الحزب الحاكم -حزب المؤتمر الشعبي العام- وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة(3) في الاتساع والتباعد، وبلغت ذروتها خلال وبعد الانتخابات الرئاسية والمجالس المحلية التي تمت في العشرين من شهر سبتمبر 2006م كما ساهمت في أحداث التمرد في محافظة صعدة في تأكيد هذا التباعد وتعميقه، الأمر الذي كان يقتضي ضرورة العمل على تضييق شقة الخلاف من خلال مواصلة الحوار السياسي بين الطرفين والذي أفضى إلى التوقيع على “وثيقة قضايا وضوابط وضمانات الحوار بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان” في منتصف شهر يونيو 2007(4) .
وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة تشكل خطوة هامة وأساسية باتجاه تقريب وجهات النظر بين الطرفين حول القضايا المطروحة للنقاش، إلا أن الخبرة المكتسبة من تجارب الحوار السياسي، وبالذات في اليمن، تشير إلى أهمية استيعاب وفهم التزام المتحاورين بالقواعد والأسس الإسلامية التي تمثل في مجملها البيئة الملائمة والمناخات المناسبة لإنجاح هذا الحوار، نظراً لما قد يترتب على هذا النجاح من آثار إيجابية عديدة من بينها ترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية والقضاء على جوانب الخلاف والتمزق، وبما يساهم في توفير الجهود والطاقات والموارد والوقت نحو الإسهام في عملية البناء الاقتصادي والتنموي وتحقيق الأمن الاجتماعي للبلاد.
وتتمثل إشكالية البحث في أن عدم وجود إطار فكري عام يتضمن مقومات نجاح الحوارات السياسية منذ تجربة لجنة الحوار الوطني قد جعل من هذه الحوارات عرضة للنجاح أحياناً والفشل في أحيانٍ أخرى، وليس الفشل الصريح فحسب وإنما أيضاً الفشل غير المباشر، والمتمثل في عدم توصل العديد من هذه الحوارات إلى معالجات جذرية للعوامل والأسباب الحقيقية للاختلافات والخلافات بين السلطة الحاكمة وقوى المعارضة السياسية، فقد كان يتم الاكتفاء بالتسويات والمساومات والحلول المؤقتة، الأمر الذي كان وما يزال أحد العوامل الرئيسية التي تفرغ هذه الحوارات من مضمونها وروحها وجديتها لأنها لم تتمكن من تحقيق الهدف الأساسي والغاية المنشودة، والمتمثل في ضمان التوصل إلى رؤية إستراتيجية متفق عليها حول الأولويات والتوجهات العامة والمشاكل والتحديات وكيفية التغلب عليها وبما يساهم في تحقق المقاصد الشرعية والمصالح المشتركة لأبناء اليمن.
وبناء على ذلك يتمثـل الهدف الرئيسي للبحـث في وضع إطار فكري عام لأهـم مقومات الحوار السياسي الفاعل والمثمر من خلال التأصيل الفكري لقواعد وأسس الحوار في الفكر الإسلامي، والتي يمكن لها المساهمة في إنجاح الحوار السياسي الجاري حاليًا في اليمن.
المبحـث الأول: مفهوم الحوار السياسي وأهميـته
منذ أن خلق الله عز وجل الإنسـان، وأوجده على ظهر البسيطة، والاختلاف بين البشر قائم باعتباره ظاهرة طبيعية فطرية، وذلك لاختلاف مراتبهم وعقولهم، واختلاف مصالحهم، بل وأحياناً تناقضها، ولتنوع مشاربهم الفكرية والسياسية والاجتماعية. وقد أكـد القرآن الكريم بوضوح على حتمية وجود هذا الاختلاف. ففي سورة هود، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود: 118، 119).
وفي سورة المائدة يقول الحق: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة: 48). وهذا يتفق مع المنطق العقلي والفطرة الطبيعية والواقع الملموس.
مفهوم الاخـتلاف:
يشكل الاختلاف والخلاف بين المسلمين أحد النتائج المباشرة لغياب الحوار البنَّـاء والفعَّـال والمنضبط بالقواعد والأسس الإسلامية والضوابط الشرعية، وفي الوقت نفسه من أبرز الأسـباب والعوامل التي تدفع المختلفين نحو الحوار من أجل تضييق شـقة الخلاف والحـد من التعصب المفضي إلى التفرقة والفتن. فالاختلاف والخلاف(5) يمثـلان الحالة التي تسـبق عادةً عملية الحوار وتؤدي إليه، وتستمر هذه الحالة أثناء الحوار، إذ لو لم يكن الاختلاف قائماً في الرؤى والأفكار والاستراتيجيات والسياسات، لما وجـد الحوار أصلاً بين المتحاورين. ولذلك يرى البعض بأن الحوار هو الأصـل في الكلام، والأصل في الحوار هو الاختلاف، فكما أنه لا يتم الحوار إلا بين طرفين، فإننا لا ندخل في حوار إلا ونحن مختلفين(6)، مع تباين شـدة ومستوى هذا الاختلاف.
وينصرف معنى الاختلاف والمخالفة إلى انتهاج كل طرف طريقاً مغايراً للطرف الآخر في حاله أو قوله. فالاختلاف لغة ضد الاتفاق، وفـلان اختلف مع فلان أي لم يتفق معه، وكان لكل منهما رأيه المخالف والمغاير لرأي الآخر فيما اختلف فيه. وقد يفضي الاختلاف بين الناس في القول إلى التنازع والشقاق والفتنة، قال تعالى: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) (مريم: 37)، وقوله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (هود: 118). وقوله تعالى: (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) (الذاريات: 8). ومن ثم يمكن القـول بأن الخلاف والاختلاف يُراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف(7).
ويؤسس العديد من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين مشروعية الاختلاف في الفكر الإسلامي من كون الاختلاف بين البشر حكمة إلهية وسـنة طبيعية، وطبيعة من طبائع البشر ما بقيت على الأرض حياة، معتمدين في ذلك على العديد من الأصول، في مقدمتها؛ الأصل الفقهي والأصولي إلى جانب الأصل العقلي، والأصل الحقوقي والقانوني، والأصل التاريخي وكذلك الأصل السياسي باعتبارها -أي هذه الأصول- مناهج لتقرير شرعية الاختلاف بين المسلمين(8).
ويفرق العـديد من المفكرين والفقهاء المسلمين بين الاختلاف المحمود، وهو الاختلاف القائم على التنوع والتعدد، والاختلاف المذموم وهو اختلاف التضاد، بينما يعتبر بعض الفقهاء الاختلاف والخلاف بكافة أشكاله وصوره مذموماً وشـر يؤدي إلى الشقاق والفِتن.
ونتفـق مع مَن يرى بأن الاختلاف المحمود هو الاختلاف الطبيعي القائم على التعدد والتنوع، الذي يرجع إلى اختلاف المدارك والعقول، والاختلاف الهادف والصادق الملتزم بآدابه. وكذلك الاختلاف الذي أمـلاه الحق دون أن يكون للنفس منه حـظ أو للهوى عليه سلطان، بحيث لا يتحول الأمر إلى تعصب للآراء والأفكار والمذاهب والأحزاب بالباطل، فمثل هذا النوع من الاختلاف يمكن اعتباره اختلاف رحمة واختلاف سعـة(9).
وفي كل الأحوال فإن مشروعية الاختلاف والخلاف، وبالتالي مشروعية التعددية الحزبية والمعارضة السياسية وحرية الرأي من حيث الوجوب أو التحريم أو الإباحـة يرتبط بصورة أساسية بطبيعة القضية أو المسألة موضوع الاختلاف والخلاف. فهناك قضايا ومسائل ليست محل اختلاف ولا ينبغي أن تكون كذلك، مثل تلك الأمور المتعلقة بالعقيدة، أو تلك التي قد تؤدي إلى تعريض المجتمع المسلم لخطر التمزق والتفرق وتهديد وحدته.
أما الاختلاف والخلاف في شئون الحياة وأمور الدنيا التي لم يرد بشأنها نص بتحريم أو كراهية فإنها تدخل في حكم الإباحة كونها تتعلق بالائتمار والتشـاور(10)، ولكن مع الالتزام بضوابط وآداب الاختلاف والخلاف. ويدخل في هذا الإطار الاختلاف والخلاف السياسي، فالتعدد الحزبي يعتبر جائزاً ومشروعاً عندما يكون قائماً على تعدد الأفكار والبرامج والسياسات المؤيدة بالحجج والأسـانيد، ولكن عندما يقوم هذا التعدد على أساس عنصري أو طبقي أو مناطقي، أو من أجل غايات وأغراض ذاتية أو مصالح شخصية، فإنه يُعتبر تعدداً غير جائز أو غير مشروع(11).
مفهوم الحـوار:
يشـير مفهوم الحوار لغـةً إلى معنى المراجعة بين طرفين أو أكثر حول موضوع محدد(12)، حيث تدور كلمة (حَـوَرَ) ومشتقاتها في معاجم اللغة العربية في فلك مراجعة الكلام، المرادة، التجاوب والتخاطب. فقد جاء أن الحَوْرُ يعني الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، فيقـال حار إلى الشـيء وعنه حَوْراً ومحاراً رجـع عنه وإليه، ومنه قوله تعالى: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) (الانشقاق: 14)، أي لن يرجع مبعوثاً يوم القيامة. والمحاورة تشـير إلى المجاوبة، فالتحاور هو التجاوب، فتقول: كلَّمتهُ فما أحـار إليَّ جواباً وما رجع إليَّ حويراً ولا حَويرةً، أي: مارد جواباً، واستحاره أي استنطقه، وهم يتحاورون أي يتراجعون الكلام. والمحاورةٌ: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة.
وتختلف الآراء حول العلاقة بين الحوار ومصطلحات التخاطب الأخرى المقاربة للحوار، والتي كثيراً ما تُستخدم مع مصطلح المحاورة أو بديلاً لها، في مقدمتها الجـدل والمجادلة والمناظرة إلى جانب المناقشة والمحادثة والتفاوض. فالبعض يفرق بين الحوار وهذه المصطلحات، والبعض الآخر يجعل من هذه المصطلحات شكلاً من أشكال الحوار. كما يدرج البعض تحت الحوار عدداً من المصطلحات المتشابهة وهي المحادثة الحرة، المناقشة، المناظرة، السـؤال والجواب، الجـدال، التفاوض والمفاوضة، المحاجة، المراء والمباهلة، مع الأخذ في الاعتبار بأن لكل نوع من هذه الأنواع صفاته الإضافية المميزة(13). ونرى أن الحوار السياسي يتضمن في طرقه وأسـاليبه المناقشة والجـدال والمحاجة، والتفاوض والمفاوضة إلى جانب فن التعامل مع الناس.
ويمكن القـول بأن الحوار هو أسـلوب مهم من أسـاليب التواصل المنظم بين الناس، يتم من خلاله عرض القضايا ومراجعة الكلام حولها من قبل طرفين أو أكثر للوصول إلى اتفاق أو توافق عليها، أو لتوليد مفهوم أو فكر جديد يكون موضع اتفاق، على أن لا يكون الحوار جدلاً عقيماً ولا ينطوي على نوازع الخصومة والمِـراء، أو مغالبة وخصومة فكرية أو سياسية لا طائل منها، ولا فرق في ذلك بين المعنى اللغوي والاصطلاحي في التداول لكلمة الحوار(14). ولذلك فإن مِن سمات الحوار تداول الكلام بين أطراف متكافئة تجمعها رغبة مشتركة في التفاهم، فلا يستأثر بالحديث طرف دون الآخر، كما يتسع مفهوم الحوار ليستوعب كل أنواع وأساليب التخاطب، سـواءً كانت منبعثة من خلاف بين المتحاورين أو من غير خلاف. وتشكل أطراف الحوار، ووجود موضوع أو موضوعات محددة وجادة، الركـنان الأساسيان للحوار، إذ لابـد للحوار من وجود طرفين أو أكثر يتحاوران في موضوع معين بغرض التوصل إلى اتفاق أو توافق أو لأي أغراض أو أهداف أخرى.
ويتسـم الحوار كذلك بالحكمة، وهي جماع العلم والمعرفة مصداقاً لقوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (البقرة: 269). ومن عناصر الحكمة؛ الفطنـة، حسن الفهم، الوعي، سعة الإدراك، الرشـد والتنبيـه، والقصـد والاعـتدال. ولذلك يرى بعض المفكرين أنه إذا كانت الحكمة قرينة الدعوة، فإن الحكمة أيضاً شـرطاً من شروط الحوار، مفسـراً هذا الارتباط بأنه من قبيل ارتباط المنهج والمضمون بالوسيلة والأسلوب، على اعتبار أن الحوار هو الوسيلة والأسلوب والحكمة هي المنهج، بينما المضمون هو الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسـن(15)، مصداق ذلك قـوله تعالى: (ادعُ إلى سـبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسـنة وجادلهم بالتي هي أحسـن) (النمل: 125). وينطبق هذا الوضع على الحوار انطباقاً كاملاً(16).
مفهوم الحـوار السياسي(17):
يمكن تعريف الحـوار السياسي على المستوى الوطني “أنه ذلك الحوار الذي يتم عادةً بين أطراف سياسية واجتماعية وطنية حول مجموعة من المبادئ والتوجهات والسياسات العامة ذات الطابع السياسي، أو تتعلق بالشـأن العام والتي قد تكون محل تعارض أو اهتمام أحد أطراف الحوار أو محل الاهتمام المشترك للطرفين المتحاورين، أو ذات تأثير جوهري على وضع أو موقف أحد الأطراف أو كليهما. ويشكل الحوار بين الحزب الحاكم وبين الأحزاب السياسية المعارضة أو القوى والمنظمات المجتمعية الفاعلة “النقـابات” أحد الأمثلة على الحوار السياسي.
والحوار قد يتم بشكل منتظم ووفق جـدول زمني محدد يتضمن قضايا ووسائل محددة، وقد يتم الحوار على فترات متقطعة أو عندما تقتضي الضرورة، وذلك بغرض الوصول إلى غايات وأهداف محددة.
وتختلف أهداف الحوار السياسي وفقاً لطبيعة المتحاورين والغايات والأهداف التي يسعـون لتحقيقها ووفقاً لطبيعة المسـائل والقضايا التي سـيتم مناقشتها، ومدى أهميتها على المستوى الوطني.
ومن بين الأهـداف التي يسعى الحوار السياسي إلى تحقيقها:
– الوصول إلى رؤى مشتركة حول الغايات والأهـداف العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
– التفاهم حول أولويات البرامج والسياسات والإجراءات العامة.
– الوصول إلى تفاهم مشترك حول طبيعة القضايا والمسائل المختلف حولها وكيفية معالجتها وإيجاد الحلول لها.
– التوصل إلى مواقف مشتركة حول المستجدات الإقليمية والدولية والقضايا والمسـائل ذات الاهتمام المشترك.
وإذا كان للحوار أبعاد وغايات متباينة فإن من الغايات العديدة التي يسعى الحوار السياسي إلى تحقيقها؛ هو إحـلال التعايش والتعاون على البر والتقوى حتى لايصلون إلى المواجهة، الأمر الذي يساهم في تكريس الوحدة الوطنية، فالحوار يُعـد وسيلة للتفاهم المشترك حول بعض القضايا والمسائل المحددة، التي قد تُؤسِّـس لتفاهـم أكبر وأوسع على المستوى الوطني. كما يشكل التقريب بين الفرقاء في الرؤى والمواقف حول المسائل والقضايا موضوع الحوار أو المستجدات والتطورات المتلاحقة خطوة ضرورية ولازمـة لتمكين كل طرف من معرفة رؤية وأفكار ومواقف الطرف الآخر – الأمر الذي يساهم في الوصول إلى التفاهم المشترك، وتعزيز وترسـيخ أُسس الوحدة الوطنية.
والحـوار السياسي لا يقتصر على ما ذُكر سـابقاً، وإنما يشمل كذلك الحوار الذي يجري بين أحزاب سياسية وقُوى اجتماعية حليفة، وقد تكون أحزاب وقوى منافسة، وكذلك قد يجري الحوار السياسي داخل التنظيم أو الحزب السياسي الواحد، كون الاختلاف في وجهات النظر والأفكار قائمة وموجودة حتى بين الأفراد المنتمين إلى تنظيم أو حزب واحد.
وبنـاءً على ذلك فإن من بين الأهداف التي ينشدها الحوار السياسي في المفهوم الإسلامي ما يلي:
– المساهمة في ضبط الاختلاف والخلاف السياسي من خلال ربط وضبط الصراع السياسي بالمقاصد الشرعية والمصلحة العامة، على اعتبار أن الحوار يُعـد صورة من صور الصراع السياسي السلمي التي تأخذ الشكل الحضاري الإسلامي المنضبط والموجَّـه.
– المساهمة في ضبط وتوجيه حركة وأنشطة ومواقف الأحزاب السياسية – الحاكمة والمعارضة- بصورة تقترب من التوافق والتكامل والتنسيق، الأمر الذي يساهم في تحقيق الغايات والأهداف العامة المشتركة، إلى جانب مساهمتها في حل تناقضات المصالح السائدة بين الأحزاب السياسية.
أهمية الحـوار السياسي:
يُعـد الحوار بصفة عامة حاجة أصيلة وحيوية للإنسان تفرضها الطبيعة الاجتماعية، ونظام الحياة القائم على المشاركة والانفتاح على الآخر، وضرورة التعاون معه لتلبية الحاجيات العملية وتحقيق الإشباع المادي والمعنوي، كما أن الاختلاف الفكري والسياسي والثقافي – باعتباره طبيعة من طبائع البشر- يستوجب بالضرورة الحوار. وقد تميز المسلمون بعنايتهم الخاصة بمواضيع الحوار وفنونه حتى صارت مباحث المناظرة والمباحثة والمحاورة من الفنون التي تحتل موقعاً متميزاً بين العلوم الإنسانية.
وقد ورد لفظ الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، اثنـان منهما في صيغة الفعـل، والثالث في صيغة المصدر(18)، في المقابل ورد لفظ الاختلاف ومشتقاته في القرآن الكريم تسعاً وثلاثين مرة، ولفظ الجـدال في تسعة وعشرين موضعاً، والذي يتضمن في آياته مختلف أساليب الحوار، سـواءً في محاوراته سبحانه وتعالى مع ملائكته أو مع رُسلـه، وكذلك في قصص الأنبياء ومحاوراتهم مع أقوامهم.
كما تستمد أهمية الحوار من المنظور الإسلامي من أهمية الدور السياسي والاجتماعي والثقافي والأمني الذي يؤديه الحوار في المجتمعات الإسلامية منذ انطلاق الدعوة الإسلامية، إذ كان الحوار يحتل المرتبة الأولى في مراتب الدعوة إلى توحيد الخالق والإيمان به مصداقاً لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النمل: 125)، مع أن الأنبياء كانوا يمتلكون الحقيقة المطلقة المؤيدة بالوحي(19)، فضلاً عن ذلك يشكل الحوار السياسي الوسيلة السلمية الأفضل لإدارة الخلاف والاختلاف، وتجنب المتحاورين الوصول إلى مرحلة المواجهة والتحول إلى العنف.
إضافة إلى ذلك، فإن أهمية الحوار تبرز في العديد من الجوانب، يأتي في مقدمتها؛ اعتباره السـبيل الأسمى لضبط الاختلاف والخلافات بين المسلمين، وتفعيل قيم التعاون والبر والتقوى ونشر الخير، إذ بدونـها يتسلل الجفاء وتتسع الشقـة والنـزاعات، كما أن القمع والقهر وتهميش الآخر لا ينهي الفرقة ولا يحل الخلاف وإنما يزيده تأججاً ويوسّع من نطاقه. كما يرى بعض الكتاب أن بديل الحوار المثمر هو التعصب الأعمى والتمزق والفرقة والحروب الأهلية، وأن الدول التي أُبتليَـت بالحروب الأهلية تعتبر خـير مثال على مدى استفحال الأزمات عندما تُغلَـق أبواب الحوار. فالحوار باعتباره أداة للتفاهم مع الآخرين، يساهـم في إبراز الجوامع المشتركة بين المتحاورين ويعمق المصالح المشتركة بينهم(20).
كذلك يُعـد الاختلاف والخلاف السياسي من بين أنواع الاختلاف المحمود سـواءً كان في الآراء أو في المواقف السياسية، أو في مناهج الإصلاح والتغيير، فمثل هذا الخلاف ليس فيه مذمة، وإنما الذم في عدم الالتزام بقواعد وأسس الحوار ومراعاة آدابه(21).
وتتحدد أهمية الحوار وفقاً لأهمية أو طبيعة الموضوعات التي يتناولها، وخطورة القضايا المثارة والمطروحة للحوار، ودقة المرحلة التي يتم فيها الحوار من كافة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك فإن الحوار السياسي يعتبر من أهم وأخطر أنواع الحوار، كونه يتم بين أبناء الشعب الواحد، وحول قضايا ومسائل تتعلق بالسلطة والحكم، والتي تُعـد القضية الأهم التي ثار حولها الجـدل والخلاف في تاريخ الفكر الإنساني بصورة عامة، والفكر السياسي الإسلامي بصورة خاصة، إذ لا يعرف تاريخ الفكر السياسي الإسلامي قضية ثار حولها الجـدل والخلاف وسَـل السيف بسببها وأُريقَـت الدماء من أجلها مثل ما حدث مع قضية الخلاف حول السلطة السياسية.
الحوار السياسي في اليمن:
وبالإضافة إلى الضرورات العامة التي تستوجب الحوار أصلاً، كمبدأ أصيل في الفكر الإسلامي، فإن أهمية وجود حوار سياسي ناجح ومثمر في اليمن يبرز فيما يلي:
1- أن اليمن يواجه حالياً جُملةً من التحديات والمشاكل الداخلية والخارجية، الاقتصادية منها والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، وأن مواجهتها ومعالجتها تتطلب رؤية مشتركة لكافة الأطراف السياسية والقوى الاجتماعية، بحيث تصل على الأقل إلى الحد الأدنى من الاتفاق حول التوجهات والأهداف العامة، وتحديد أولويات المشاكل التي تتطلب المعالجات وكيفية مواجهتها.
2- أن سَـير عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودوران عجلة النشاط الاقتصادي وزيادة حجم الاستثمارات الخاصة، الوطنية والعربية والأجنبية، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الاستقرار الأمني والسياسي والذي يتطلب بالضرورة توفر توافق وطني. فالأحداث السياسية التي شهدتها الساحة السياسية اليمنية، خلال العام 2007م قد أثرت سـلباً بصورة أو بأخرى على سـير هذه العملية على مستوى معيشة المواطنين.
3- وفقـاً للمادة الخامسة من الدستور اليمني، فإن النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعددية السياسية والحزبية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وعلى حق المواطنين في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً. ومن ثم فإنه إذا كان مفهوم التعددية السياسية يشير بصورة عامة إلى مشروعية تعددية القوى السياسية، فإنه يترتب على ذلك تعدد الآراء والأفكار السياسية، وكذا حق هذه القوى في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في صنع القرار العام. كما أن التعددية السياسية لابد وأن ينتج عنها بالضرورة إقرار واعتراف بوجود التنوع الفكري والسياسي(22).
4- أن الاختلاف الفكري والثقافي ووجود أحزاب المعارضة السياسية يستوجب بالضرورة قيام حوار سلمي شوروي بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، كون أسلوب الإقصاء والتهميش لا يمكن أن يلغي الاختلافات والتمايزات، وإنما سـيؤدي إلى تحويل العلاقة بين الطرفين إلى علاقة صراعية عنيفة، وذلك رغم وجود فرصة متاحة لجعل هذه العلاقة، علاقة تواصلية تفاعلية تخدم الطرفين وتحقق المصلحة العامة لليمن واليمنيين.
5- أن الحوار يساعد على التواصل والاتصال المباشر وبالتالي التقريب بين المختلفين وإزالة الجفاء والعداوة، وبالتالي زيادة الثقة بين السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية المعارضة، وكذلك تعميق المصالح المشتركة بين الجانبين، وإفساح المجال للعقـلاء في كلا الطرفين لأخذ زمام المبادرة باعتبارهم، هـم المؤهلون للحوار، بينما تؤدي القطيعة إلى احتكار الغلاة والمتعصبين في كلا الجانبين مساحة المواجهة.
6- أن الحرص على وحدة المجتمع اليمني يشكل أحد المقاصد الشرعية، باعتباره مدخلاً للاتفاق وعدم المنازعة مصداقاً لقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (آل عمران: 103). فالحوار يساهم في توفير الظروف المناسبة لتحقيق الوحدة الوطنية على المستوى العملي، ذلك أن أي تغييب أو تجاهل أو تهميش للاختلافات في أي مجتمع يفضي في النهاية إلى غياب الوحدة والاستقرار السياسي والمجتمعي.
7- يساهم الحـوار السياسي الوطني الهادف في تقوية القدرات الوطنية وتمكينها من التعامل مع المستجدات والتطورات والأحداث الخارجية المتلاحقة، الإقليمية والدولية، من خلال إسهامه الكبير في تقوية النسيج الوطني بين أفراد المجتمع اليمني وبالتالي إكسـاب هذا المجتمع القدرة والمناعة للتعامل مع الخارج والحوار معه. فاليمن لايمكن أن تنجح في حوارها مع أشـقائها العرب، وبالذات مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومع أصدقائها من الدول والهيئات والمؤسسات المانحة بدون تحقيق وترسيخ الوحدة الوطنية بين مختلف أفراد الشعب اليمني.
8- أن الحوار السياسي القائم حالياً في اليمن يتم بين طرفين غير متكافئين، لهما مصالح متعددة، إن لم تكن متعارضة، وفي ظل وجود اختلاف واضح في الأفكار والسياسات والتوجهات العامة بين الطرفين، فإن الأمر يستوجب بالضرورة وجود إطار فكري عام تلتزم به جميع أطراف الحوار، بما يساهم في التخفيف من حدة هذه الخلافات والاختلافات القائمة حالياً بين المتحاورين.
أهمية الأُسس والضوابط العامة للحـوار:
يترتب على جواز الاختلاف المحمود، اختلاف المسلمين بين بعضهم البعض في الحكم على الأشياء والمواقف والأعمال، وفي كافة المجالات، ومع ذلك فإن الاختلاف بين المسلمين – أفراداً وجماعات – في بعض الأحيان قد يتطور إلى خلاف وشقاق وفُرقة. وتلافياً لكل ذلك جعل الإسلام من الحوار أفضل وسيلة لإدارة الاختلافات والخلافات ومعالجتها بين المسلمين بصورة أساسية، وبينهم وبين الآخرين، فحدّد ضوابطه، وأرسـى شروطه وشرّع أساليبه ووجَّـه أهدافه، ورفع من مكانته عندما أضفى عليه حلة حضارية، تلزم الناس بأن يحترم بعضهم بعضاً، ويتجنبوا أسباب الصراع، لأن طبيعة الحوار تجعله يتسع لكل معاني التخاطب والتفاهم والسـؤال والجواب بين الناس. ويتأكد ذلك، من خلال الآيات القرآنية، التي سـبق ذكرها، وعند التأمل في السنة النبوية المطهرة، التي بينت أسـاليب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حواره مع الناس وفي دعوتهم لتوحيد الخالق وتصديق رسالته. فجميعها تشكل أسس الحوار المثمر، وعناصر متكاملة للمحاورة الناجحة مع الآخر، وضماناً لنجاح الحوار والوصول به إلى الغايات المرجوة منه، في تحقيق المقاصد الشرعية والحفاظ عليها، خاصةً إذا كان هذا الآخر مسلماً.
إلى جانب ماتقدم هناك العديد من العوامل والأسباب المختلفة التي تبرز أهمية معرفة الأسس والضوابط العامة للحوار وفي مقدماتها ما يلي:
1- أن الحوار وسيلـة من الوسائل الشرعية الضرورية باعتباره من ناحية مبدأ من مبادئ الشرع الحنيف، اسـتناداً إلى قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) (آل عمران: 64). فهذه الآية في عمقها وجوهرها، وفي مغزاها ومعناها دعوة إلى الحوار الراقي الهادف والمثمر، وذلك لا يكون إلا من خلال معرفة القواعد والأسس العامة للحوار والالتزام بها(23). ومن ناحية أخرى يُعتبر الحوار وسيلة من الوسائل المفضية إلى ضمان تحقق المقاصد الشرعية(24).
2- أن معرفة القواعد والأسس العامة للحوار والتقيـد بآدابه وأخلاقياته ستوفر الظروف المناسبة والبيئة الملائمة لجعل الحوار هادئاً، مثمراً وهادفاً، يمكِّن أطرافه من الوصول إلى الحق والإنصاف بعيداً عن التعصب والانفعال الناشئ من رغبة أحد الأطراف في السيطرة على الطرف الآخر.
3- أن الحوار غير الملتزم بالقواعد والأُسس والشروط الموضوعية لن يؤدي فحسب إلى عدم الوصول إلى تلك الغايات والأهداف المنشودة، وإنما قد يؤدي إلى التنافر والتباعد في حالة فشل الحوار، وإلى تعميق الاختلافات وتحويلها إلى خلافات وصراعات، فيزيد بذلك من عوامل الانقسام والتشرذم والفِـتن بين أبناء البلد الواحد. فالحوار غير الواعي وغير المنضبط قد يؤدي إلى مزيد من التعصب والتصلب عند طرفي الحوار(25)، وبدون الوصول إلى حلول جذرية للأسـباب والعوامل الحقيقية للخلاف، فإن ذلك سـيؤدي بدوره إلى فشل الحوار الذي قد يستخدم كمسوغ لتأجيج المواجهة وزيادة حدة الصراع.
4- إن عدم التكافؤ في الحوار وغياب المسـاواة بين طرفي الحوار، وامتلاك طرف دون آخر مصادر القوة، قد يؤدي في بعض الأحيان إلى المساومة على المبادئ والثوابت بغرض الوصول إلى حلول مؤقتة ومواقف وسطية للتراضي، الأمر الذي قد يفقد الحوار روحه ومعناه.
5- إن نجاح الحوار في أي مجتمع يعكس وجهه الحضاري، مُظهِراً مدى الاحترام المتبادل لوجهات نظر المتحاورين حتى وإن كانت متضادة، وذلك إلى جانب عدم إهدار الوقت والجهد والمال وكافة الموارد المتاحة للمجتمعات(26)، فيما لا يجدي ولا ينفع . لكل ذلك، ولغيرها من العوامل والأسباب الأخرى، فإن معرفة وفهم مقومات الحوار الناجح تشكل في مجملها شرطاً ضرورياً ولازماً، لضبط مسار الحوار وتمكينه من تحقيق الغايات والأهداف المرجوة منه بغض النظر عن مجال الحوار وطبيعة المتحاورين(27).
وبالنسبة لليمن فإن الالتزام بأسس الحوار وضوابطه في الفكر السياسي سوف يساهم في تعزيز الفهم المتبادل والتخفيف من حدة الاحتقان والتأجيج التي تزيد من اشتعاله وسائل الإعلام المختلفة، إلى جانب التخفيف كذلك من حدة التباين الفكري الأيديولوجي والسياسي بين الطرفين، وكل ذلك يساعد على تعزيز وتقوية جوانب الاتفاق بينهما والحد من توسيع وتعميق الخلافات.
وتتوقف طبيعة المقومات العامة للحوار بصورة عامة على طبيعة ومجال الاختلاف والخلاف، وأهميته ونطاقـه وعلى طبيعة المتحاورين. فهناك الاختلاف المذهبي والاختلاف الفقهي والاختلاف السياسي عندما يكون الحوار بين المسلمين بعضهم بعضاً، ونظراً لكون مجال هذه الدراسـة يتناول الحوار السياسي في اليمن فإننا سنركز بصورة أساسية على التأصيل الفكري للقواعد والأُسس العامة للحوار في الفكر الإسلامي مع الإشـارة حسب مقتضى الحال إلى الوثيقة.
ويمكن إجمال مقومات الحوار الناجح في ثلاث مجموعات تشكل في مجموعها شرطاً ضرورياً للوصول إلى حوار ناجح ومثمر، وتتمثل في :
1) القواعد الأصولية التي ينطلق منها الحوار .
2) الأسس المنهجية التي تنبني عليها عملية الحوار بحيث يُعتبر توفرها شـرطاً لازماً ضرورياً لإجراء حوار ناجح يساهم في الوصول إلى تحقيق الغايات والأهداف التي ينشدها الفكر الإسلامي من الحوار.
3) متطلبات الحوار الفعَّال والمثمر، والتي تتعلق بآداب الحوار وبالجوانب الفنية والتنظيمية لإدارة الحوار.
ونظـراً لأهمية القواعد الأساسية، والأُسس والمبادئ العامة، وتعدد البحوث والكتب المنشورة التي تناولت آداب الحوار في الإسلام وحول الجوانب الفنية والتنظيمية، فإن هذا البحث سيركز بصورة أساسية على المجموعتين الأولى والثانية من مقومات الحوار السياسي الناجح.
المبحـث الثاني : القواعـد الأصولية للحـوار
يُعـد الحوار قيمة إسلامية وحضارية أرسـاها النص القرآني وقام عليها الإسلام والتزم بها المسلمون وسـاروا على هديها في علاقاتهم مع إخوانهم المسلمين ومع الآخرين، التزماً بقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات: 13). وقوله: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهـم وتقسطـوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة: 8).
ومن هذا التوجـه الإيماني ينطلق الحوار بين المسلم وأخيه المسلم من مسلمات لدى الطرفين، تقوم على وحدانية الله، وعلى الإيمان بكتاب الله وسـنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاتفاق على المصالح المشتركة والأهداف العامة التي تحقق المقاصد الشرعية، فتؤسس على ذلك قواعد خمس تشكل الإطار العام لفلسفة الحوار في الحضارة الإسلامية.
* القاعـدة الأولى: الإقرار بحقيقة التنوع والتعـدد والتمايز
تُعد سـنة التنوع والتعدد إحدى السـنن الربانية وحقيقة تقتضيها طبيعة الحياة، فالله عز وجل خَلق الإنسان من نفس واحدة، ثم تكاثروا أزواجاً وألواناً وألسـنة بصورة مطردة، كما أنهم يختلفون إلى شرائع ومناهج، وتتنوع عاداتهم وأعرافهم، وتختلف مداركهم وعقولهم حتى داخل الثقافة الواحدة، بل والأسـرة الواحدة(28). والتصور الإسلامي للوجود يقوم على حقيقتين أساسيتين؛ الأولى تتمثل في وحدانية الخالق والثانية هي تعددية الخلق عرقياً ودينياً وثقافة وفي اللسان، وكل هذه التعدديات شرعها الإسلام، ولذلك تمثل سـنة التنوع والتمايز والاختلاف القاعدة الأولى التي تحكم الحوار في دائرة المسلمين إلى جانب سـنة التدافع، كون الحوار هو آلية من أهـم الآليات في التفاعل مع الوجود بأكملـه(29).
ويترتب على هذه القاعدة العديد من الأسس والمبادئ العامة التي تحكم وتضبط الحوار المثمر والناجح، أهمهـا ما يلي:
1- التسـليم بأن الاختلاف سـنة من سُـنن الله الكونية وواقع بمشيئة الله، فيقتضي الإقرار بسنة التنوع والتعدد، والتسليم باختلاف الناس في الدين والرؤى والأفكار والاتجاهات والمواقف، وأن هذا الاختلاف واقع بمشيئة الله سبحانه وتعالى مصداقاً لقوله تعالى: (ولو شـاء ربك لجعل الناس أمةً واحدة) (هود: 118). وأن علينا أن نقبل بهذا الاختلاف، والإيمان بأنه مظهر من مظاهر نعم الله على خلقـه، وما أكثرها، كون الاختلاف في وجهات النظر وآراء الناس تدل على السعة والثراء الفكري. وليس أدل على ذلك من التراث الفقهي والفكري الإسلامي الذي احتوى على التعدد والتنوع، الاختلاف في العقول والمدارك والثقافات، وفي الوقت نفسـه شكَّل هذا التنوع والاختلاف بين الفقهاء رحمةً وسعة ومرونة وتيسير للمسلمين ورفع الحرج عنهم(30) مصداقاً لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (المائدة: 6). وكذلك قوله تعالى: (وما جعلَ عليكم في الدِّين مِن حَرَجٍ مِلَّـة أَبيكُمْ إِبراهيمَ هُوَ سَمَّاكم المسلمينَ مِن قَبلُ) (الحج: 78).
2- القبـول والاعتراف بالآخر والتعايش معه، فالتسليم والإقرار بحقيقة التنوع والتمايز والاختلاف بين الناس، يلزمنا كمسلمين بقبول الرأي والرأي الآخر، وهذا الأمر يشكل أحد القيم البارزة في الحضارة الإسلامية التي اعترفت بالآخر وتعايشت معه بدون إقصاء أو إلغاء أو تهميش على المستويين الفكري والعملي.
3- ولذلك يعتبر الفكر الإسلامي أن التعايش على أساس التسليم بحقيقة التنوع والتمايز والاختلاف هو الحل الكفيل بتجنيب المجتمع اليمني خاصةً والإسلامي عامة، بل والمجتمع العالمي ما ينتج عن هذا التعدد والتنوع من اختلاف وخلافات في الرؤى والأفكار والتوجهات والمعتقدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فقاعدة الانطلاق للتعايش في المنظور الإسلامي تتمثل في ضرورة قبول الآخر المسلم، كما هو، وكما يريد أن يكون، والتسليم المطلق بعدم التمكن من جعل هذا الآخر يصل إلى حالة التماثل وصهر الجميع في بوتقة واحدة وبنسق واحد من التفكير والسلوك، بل لابد من التسليم بأهمية احتفاظ كل طرف من أطراف الحوار بأفكاره ورؤاه ومواقفه الخاصة، وتمكينه من ممارسة أنشطته السياسية والحزبية والفكرية والاجتماعية مادام ملتزماً بالحقوق والحريات العامة والمبادئ والقيم الإسلامية(31).
* القاعـدة الثانية: التعارف الحضـاري
يمثل التعارف الحضاري في الفكر الإسلامي وحضارته القاعدة الثانية التي يرتكز عليها الحوار المثمر والناجح، كون التعارف يمثل الإطار العام المؤسس للعلاقات والتفاعلات والحوار بين المسلمين بعضهم البعض، وبينهم وبين الآخرين. فالتعـدد والتنوع والتمايز والاختلاف بين الناس داخل المجتمع الواحد والدولة الواحدة، وبين الشعوب والأُمم والدول على المستوى العالمي، يدفع نحو التعارف والتقارب من خلال الحوار البنَّاء والمثمر. وفي الفكر الإسلامي تتجسد في التعارف الحضاري كل معاني وقيم التكريم للناس كافة، ويُحكَم الحوار بقيم وأسس ومبادئ تضبط مسـاره، وتحدد غاياته العامة وأهدافه ونتائجه الخيَّرة التي تعزز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، وبما يحقق مقاصد ومصالح الناس الشرعية.
ووفقـاً لهذه القاعدة فإن علاقة الإنسان المسلم بأخيه المسلم، بل وغير المسلم، تتأسس على تكريم الإنسان ورفع قيمته بصورة مطلقة مصداقاً لقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70). وكذلك جعل التقوى مقياساً للتكريم والتفاضل بين الناس مصداقاً لقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13). بالإضافة إلى هاتين القيمتين تشكل قيمة الحق القيمة الأعلى في منظومة التعارف الحضاري، حيث تكون الغاية الأساسية للحوار هو التواصل والتفاعل من أجل معرفة الحق(32).
ويعتبر الحـوار هو الوسيلة المثلى للتعارف والتقارب والتفاهم بين البشـر على اعتبار أن التنوع والتعدد والاختلاف سـنة إلهية، إنما وُجـدت من أجل أن يتعارف الناس ويتحاوروا، ومن أجل أن يتعاون كافة أفراد المجتمع لبناء حياة مشتركة قائمة على أساس البر والتقوى وتحقيق المقاصد الشرعية، وكل ذلك يَُسْهـم في تحقيق الأمن والاسـتقرار وترسيخ أسس الوحدة الوطنية.
وتكمن أهمية التعارف للحوار في كونه من مقتضيات التواصل والتفاعل بين الناس، فالحوار الناجح المثمر يتطلب بالضرورة التعرف على الآخر من كافة الجوانب؛ متطلباته واحتياجاته، وأفكاره ورؤاه، مواقفه وتوجهاته السياسية، وبالتالي تحديد أساليب وطرق التواصل والحوار المناسبة معه واختيار أفضلها، وفي الوقت نفسه تجنب كل ما يؤدي إلى استفزازه واسـتثارته والدفع به إلى تبني مواقف وردود أفعال متسرعة تعيق الحوار وقد تفشلـه. لأنه إذا لم يكن هناك تعارف، فلن يكون هناك حوار أو تفاهم، وكلما كان التعارف عميقاً وصادقاً فإن الحوار يتسم بالهدوء والرغبة الصادقة لدى طرفي الحوار للوصول إلى تفاهم وقواسم مشتركة.
ولـذلك فإن التعارف الصادق يؤدي دوراً هاماً أساسياً في الحيلولة دون تحول الاختلاف إلى خلاف ثم تنازع وفُرقة بين الناس.
* القاعـدة الثالثة: التدافع من أجل الخير ومنع الفسـاد
تمثل سـنة التدافع، كسـنة ربانية وحقيقة كونية، القاعدة الثالثة التي تحكم الحوار في المنظور الإسلامي، كون هذا الحوار يتسم بنـزوعه نحو الحق وبالتدافع بالتي هي أحسن، منكراً نموذج الحوار التناكري الذي تتجسد فيه قِيم الصراع والتنافر والهيمنة والسيطرة، والرغبة في نفي الآخر، أو العمل على إقصائه وتهميشه بغرض إخضاعه(33).
ويقوم مفهوم التدافع الحضاري في الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية على منهج منضبط يمنع وصول الخلافات والاختلافات إلى مرحلة الفسـاد والهدم، ومن خلال إتباع منهج بالتي هي أحسن، مصداقاً لقوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34). فهذه الآية الكريمة تبرز بصورة جلية معالم منهج التدافع في الفكر الإسلامي الذي يسعى إلى انتشال الآخر من منزلة العـداوة التي تحشره في أهل السـيئات، وإنزاله منزلة الولي الحميم التي ترفعه إلى مقام أهل الحسـنات.
والتدافع يعتبر وسـيلة للتعامل مع حالات الصراع القائمة والوشيكة الوقوع، حيث تتدرج مستوياته من المنع والدرء، والذي يكون من خلال الدعاء (الاسـتدفاع) مروراً بالحوار والتفاوض والمقاضاة (الدفاع)، وانتهاءً باسـتخدام القوة البدنية أو المسلحة (التدافـع). ويتمثل الغرض الأساسي والشرعي من الدفع والتدافع في الإسـلام في منع الفساد(34)، مصداقاً لقـوله تعالى (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) (الحج: 40).
ويتوقف اختيار وسيلة الدفـع ومستواها على عدة شـروط واعتبارات بحيث لم يُترك هذا الأمر للهوى أو المصالح الخاصة أو الفئوية(35)، فلابد أن تكون الوسيلة المختارة ملائمة للمدفوع رفقاً وعنفاً وليـناً وشـدة على قدر الدفع وخاصةً عندما يتعلق الأمر بوسيلة التدافع. ولابد كذلك أن يتوفر شـرط مشروعية الهدف، والذي يتمثل في المنظور الإسلامي في وجوب الالتزام بالعـدل في التعامل مع الآخر المسلم وغير المسلم. وفي الأخذ بالاعتبار، عند اختيار وسيلة الدفع، أفضلية عدل الإحسـان عن عدل المثل، ذلك أن الله سبحانه وتعالى مع تقريره بأن (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) (الشورى: 40). وكذلك قوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194). فإنه يرشـدنا عز وجل إلى العفـو في قوله تعالى: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199). وكذلك في قوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34)، فحسن الخلق عند التعامل مع الآخرين قد يحولهم من موقع الخصومة والعداوة إلى موقع التفاهم والقبـول، بل وأحياناً إلى موقع الولاء والانسجام(36).
وتدرك العقول الفائدة القرآنية من التدافع بين الناس بعضهم بعضاً بالحق والمصلحة، إذ يساهم ذلك في منع الفسـاد في الأرض، وبالتالي يضمن استمرار صلاح الدين والدنيا وسـبباً في بقاء الحق. وفي الوقت نفسه فإن التدافع لا يحفظ فحسب التوازن بين الفرقاء المتباينين أو المختلفين في إطار التعايش والتعاون دون السعي إلى نفي الآخر أو استئصاله، وإنما يضمن كذلك استمرار توازن الكون، كون التدافع يشير أيضاً إلى التعدد الذي يحفظ هذا التوازن. ويتمثل الدليل التاريخي على ذلك في أن المجتمع الإسلامي في عصوره الزاهية في صدر الإسلام وبعـده، تعايش مع غير المسلمين من أهل الكتاب، وعـدَّهم أهل ذمة، لهم ما لنـا وعليهم ما علينا(37).
* القاعدة الرابعة : ضمان تحقق المقاصد العامة والمصلحة الشرعية
تشكل المقاصد العامة للشريعة الإسلامية والمصلحة الشرعية، جوهر السياسة الشرعية في الفكر السياسي الإسلامي، وركيزة أساسية للإطار العام الحاكم لسلوك وممارسات ومواقف كلٍ من السلطة الحاكمة والمعارضة السياسية، الأمر الذي يجعل من ضمان تحقق المقاصد العامة والمصلحة الشرعية في الحوار السياسي قاعدة ومرتكز أساسي وموجه رئيسي لإنجاح الحوار وإثماره. فالسلطة السياسية في الإسلام ارتبطت تاريخياً ومنذ بداية تأسيسها بدين سماوي، لتكون غايتها الأساسية كامنة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها الأساسية، بحيث يشكل الالتزام بها، الأساس الأول للسياسة الشرعية في مضمونها العقائدي، وفي الوقت نفسه ضمان تحقق مبدأ الرضا والقبول الطوعي لها من قبل المحكومين، كون هذا المبدأ يشكل القاعدة الأساسية للمضمون السياسي لمفهوم السياسة الشرعية . ويشكل هذان الأمران الشرط الضروري واللازم لتحقق شرعية السلطة السياسية الحاكمة في توليها مقاليد السلطة واستمرار وجودها في الحكم، الأمر الذي يستوجب بالضرورة اتفاق كافة القوانين والأحكام والممارسات الصادرة عن السلطة الحاكمة مع المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وقواعدها العامة ومبادئها الأساسية، مراعية في الوقت نفسه المصلحة الشرعية للأمة وغير مخالفة لدليل شرعي ثبت بدليل عام لجميع الأزمان والأحوال(38).
والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية هي الأهداف والمصالح التي شرعت الأحكام لتحقيقها، والتي تعود إلى الناس في دنياهم وأخراهم، سواءً كان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار . والمقاصد هي المتضمنة للمصالح أو المفاسد في أنفسها، وتنقسم بصورة عامة إلى مقاصد أو مصالح ضرورية، وحاجية، وتحسينية . واتفق العلماء على حصر المقاصد الضرورية في حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل، باعتبارها مقاصد تحفظ نظام الحياة بحيث تدعو الضرورة إلى حفظها، ولذلك شرع الله أحكاماً لوجودها وأخرى للمحافظة عليها، الأمر الذي جعل العلماء المسلمين يطلقون عليها اسم “الكُليات الخمس”، كما اعتبروها أصولاً للشريعة وأهدافها العامة التي ترمي إلى حفظها(39). وتتمثل الغاية الأساسية للأحكام والمقاصد الشريعة في تحقيق المصلحة العامة، فما من حكم شرعي إلا وهو يحقق مصلحة أساسها المحافظة على النفس أو العقل أو الدين أو النسل أو المال أو المحافظة على كل هذه المقاصد .
والمصلحة قد تطلق على ما يحقق قصد المكلف وعلى ما يحقق قصد الشارع، أما المصلحة الشرعية فهي تتسم بأن مصدرها هدى الشرع وليس هوى النفس أو العقل المجرد، وهي التي تأخذ في اعتبارها الدنيا والآخرة مكاناً وزماناً لجني ثمار الأعمال، وبعدم حصرها على اللذَّة المادية، وإنما أيضاً في اللذة والسعادة الروحية .
وتتمثل الخاصية الرابعة للمصلحة الشرعية في أن مصلحة الدين هي أساس للمصالح الأخرى ومقدمة عليها، ويجب التضحية بما سواها في سبيل المحافظة عليها وإلغاء ما يعارضها من المصالح الأخرى(40).
وتتمثل المصلحة الشرعية في تلك المصالح التي تضمن تحقق الكليات الخمس، وتحفظ النظام العام، وتعمل الأمة بمجموعها وآحادها على ضرورة تحصيلها، وتكون منافعها عائدة كذلك على عموم الأمة أو على معظم أفرادها . ويأتي في مقدمة هذه المصالح حفظ الجماعة من التفرق والفتن . وتضاف إلى هذه المصالح، تلك المصالح التي تحتاجها الأمة من أجل انتظام أمورها على وجه حسن، فهي وإن كانت من المصالح الحاجية وأن افتقادها لايفسد نظام الحياة لكنها مع ذلك تجعل نظام الحياة في حالة غير منتظمة .
* القاعدة الخامسة : التأدب بأخلاق الإسلام في الحوار
تشكل مكارم الأخلاق رسالة الإسلام، وقد أكدها خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم في قوله (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(41). ولذلك فإن الحوار الحضاري في الفكر الإسلامي إنما ينضبط بمنظومة من الضوابط الشرعية والأخلاق والقيم الإسلامية التي تدير ما ينتج عن التنوع والتعدد والتمايز من اختلاف وخلافات بين المسلمين وبينهم وبين الآخرين، وبطريقة تحوّله ليصبح مدخلاً للتعايش والتعارف، وسبباً للتعاون والتلاقي على الخير والمصلحة المشتركة بين المسلمين. فالتأدب بأخلاق الإسلام واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته الكرام في الحوار، ومخاطبة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي احسن، لاتعتبر ضرورة حضارية فحسب، وإنما قبل ذلك التزاماً وتصديقاً برسالة الإسلام وكتابه العزيز الذي تشير آياته في مواضع كثيرة إلى ذلك، على اعتبار أن التأدب بأخلاق الإسلام في الحوار يمثل الطريق لكسب الآخرين والتأثير فيهم، مما يساهم في إنجاح الحوار وجعله مثمراً من خلال تمكينه من تحقيق الغايات والأهداف التي ينشدها .
وتتسع آداب الحوار وأخلاقياته لتشمل معظم القيم الأخلاقية في الإسلام والصفات التي ينبغي للمحاور المسلم أن يتصف ويتميز بها(42).
المبحث الثالث: أسس الحوار السياسي وضوابطه في الفكر الإسلامي
يقوم المجتمع الإسلامي على عقيدة وفكرة تنبثق منها نظمه وأحكامه وعليها يتأدب بآدابها وأخلاقها ويسير عليها في سلوكه ومعاملاته، وينضبط بضوابط الإسلام. ولا يخرج الحوار بين المسلمين وبعضهم البعض وبينهم وبين الآخر، عن هذا الإطار، حيث بينت الشريعة الإسلامية بنصوصها وقواعدها العامة الأسس والضوابط التي تضبط الحوار وتوجهه نحو تحقيق الغايات والأهداف المستوحاة منه وبالتالي تساهم في نجاحه.
وقبل تناول أسس الحوار السياسي وضوابطه لابد من الإشارة إلى ضرورة توفر الإيمان بالحوار وأهميته من قبل جميع الأطراف المتحاورة باعتباره يشكل الشرط اللازم والضروري، إذ أن عدم الإيمان المبدئي بالحوار وسيطرة طرف من الأطراف المتحاورة على الطرف الآخر والهيمنة عليه يعد آفة من آفات الحوار، ويؤدي إلى إضعاف نتائجه وعدم التحقيق الجزئي لكل أهدافه. ففي بعض الأحيان يتخذ الطرف القوي من الحوار ذريعة ومدخلاً لدراسة أفكار ورؤى الطرف الآخر بصورة معمقة ووسيلة لاستطلاع مواقعه الدفاعية وذلك بغرض وضع الخطط لمواجهته والسيطرة عليه، أو على الأقل إضعاف وتشتيت جهوده وخلق الانقسامات والانشقاقات داخله.
ويمكن إبراز أهم الأسس والمبادئ العامة فيما يلي(43):
أولاً: الإخلاص لله تعالى والتجرد له من قبل طرفي الحوار:
يمثل الإخلاص لله تعالى والتجرد له من قبل طرفي الحوار الأساس الأول لنجاح الحوار، ويقتضي ذلك توفر النية الصادقة لدى طرفي الحوار بأن يكون القصد من الحوار ابتغاء وجه الله تعالى، والوصول إلى الحق والقبول به، وليس السعي للحصول منه على مقاصد دنيوية أخرى مثل المباهاة والمناظرة وكسر الطرف الآخر، أو جره للحوار بغرض اكتشاف نواياه ومعرفة أفكاره وخططه لتوريطه وإحراج موقفه وكشف عيوبه والتشهير به. وبدون توفير هذا الأساس يصبح الحوار مضيعة للوقت والجهد والمال، لأن عدم الإخلاص والتجرد لله تعالى يستتبع غياب العقل وسيطرة الهوى، وعدم تحرير قضايا الاختلاف أو الخلاف، بحيث يصبح الطرف الآخر هو موضع الخلاف، وبهذا يفقد الحوار جدواه وقيمته مهما امتد ومهما أضنى المتحاورون أنفسهم فيه.
ومن مظاهر الإخلاص لله تعالى التزام الصدق والموضوعية والبعد عن التعصب والتجرد لطلب الحق والقبول به حتى وإن جاء به الخصم، اقتداء بما سار عليه السابقون من العلماء والفقهاء المسلمين الذين كانوا يستندون إلى المبدأ القائل “قَولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب”، الأمر الذي يستوجب – ولو نظرياً- احتمال ثبوت الحق على لسان الخصم، ولذلك قال الإمام الشافعي “ما ناظرت أحداً إلا ووددت أن الله تعالى أجرى الحق على لسانه”، وتأكيداً على ذلك فإنه رغم امتلاك الرسول صلى الله عليه وسلم الحق وأن مناظريه على الباطل إلا أن الله سبحانه وتعالى يوجه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الافتراض بأنه لا يعلم أيهما على الهدى وأيهما في الضلال، أهو أم هم؟(44) وذلك في قوله تعالى في سورة القصص (آية 85): (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). وفي قوله عز وجل في سورة سبأ (آية 24): (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
ثانياً: الاحترام المتبادل بين المتحاورين
يقوم الحوار بين طرفين مختلفين، الأمر الذي يقتضي بالضرورة حتمية وجود الطرف الآخر، فرداً كان أم جماعة. ولذلك يتطلب نجاح الحوار منذ البداية الاعتراف الكامل والصادق من قبل أطراف الحوار بالطرف الآخر، بل واحترامه والتسليم بأن له وجوداً وكياناً مستقلاً، وبالتالي قبول هذا الآخر كما هو أي قبول الاختلاف معه واحترام حقه في تبني رأي أو فكر أو موقف او اجتهاد مختلف، وكذا احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي ما دام موضوعياً محققاً للمقاصد الشرعية(45).
ويتأسس هذا المبدأ في الشريعة الإسلامية من التكريم المطلق الذي كرم به سبحانه وتعالى بني آدم(46) في قومه تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70) وفي خطبة الوداع يؤكد الرسول r على ذلك بقوله: “…إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوع…”(47).
فهذه النصوص الشرعية وغيرها تشكل الأساس الذي بني عليه الفقهاء مبدأ التكريم وإعلاء كرامة الإنسان، بل أن البعض يعتبر احترام كرامة الإنسان، أياً كان، مقصداً من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، بحيث يعد المساس بهذه الكرامة انتهاك لهذه المقاصد وعدواناً على حق من حقوق الله(48).
ويتم ترجمة الاحترام عملياً بين المتحاورين من خلال الإقرار بحقيقة التنوع والتعدد في وجهات النظر والآراء والأفكار وكذلك الالتزام بآداب وأخلاق الحوار، وفي مقدمتها الانتباه الصادق والواعي لكلام الطرف الآخر والتحاشي الشامل لأسلوب التحقير والنقد الجارح الشخصي، وكذلك من خلال إفساح المجال للطرف الآخر لطرح أفكاره ورؤيته والدفاع عنها بل والتعامل معها بصدر رحب من خلال إتاحة الوقت الكافي لعرضها. كما أن الإصغاء وحسن الاستماع يدخل في إطار الاحترام المتبادل بين الطرفين باعتباره من مكارم الأخلاق، علماً بأن المستمع الجيد غالباً ما يكون متحدثاً جيداً. ولذلك كان من بين المشاكل الرئيسية التي تواجه عادة الحوار السياسي شعور الطرف القوي، وغالباً ما يكون الحزب الحاكم أو السلطة الحاكمة، بنوع من التعالي وعدم الاحترام للطرف الآخر، وبأنه لا يمثل ثقلاً أو وزناً سياسياً مؤثراً في الساحة السياسية، الأمر الذي يؤدي إلى ردة فعل سلبية بل وفي بعض الأحيان عنيفة من قبل الطرف الآخر، قد لا تقتصر على القطيعة فحسب بل قد تمتد إلى سلوك مسالك واتخاذ مواقف غير عقلانية تؤجج مشاعر العداء تجاه الطرف القوى، وتزيد مشاعر التباغض والتباعد اتساعاً بين الطرفين.
ثالثاً: العدل والإنصاف بين المتحاورين
يشكل العدل روح الشريعة الإسلامية وقاعدتها الأساسية والثابتة، والقيمة الأهم في الفكر الإسلامي، “والمبدأ الأصيل في الحضارة الإسلامية الذي يصنع بوجوده جميع المبادئ السياسية الأخرى المرتبطة بكل ماله صلة بالتعامل مع السلطة، ومن ثم فإن الفكر السياسي الإسلامي وجميع تقاليد الممارسة السياسة الإسلامية تجعل من مبدأ العدالة القيمة العليا في تحليل أهداف الوجود السياسي(49). كما تعد العدالة الأساس الأول للتعامل الاجتماعي بين المسلمين بعضهم البعض أو بينهم وبين غيرهم، وتؤكد النصوص القرآنية على ذلك. فالله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) (النحل: 90) ويأمرنا عز وجل كذلك بالعدل وعدم البغي والظلم مهما كان الموقف أو الحالة أو حتى طبيعة الطرف الآخر، وذلك في قوله: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8). فالعدل يمثل أحد أسس الحوار الهادف والمثمر الذي ينفع الناس ويمكث أثره في الأرض، وعاملاً رئيسياً من عوامل إنجاح الحوار(50). ولذلك لابد وأن يتحلى كل طرف من أطراف الحوار بخلق العدل والإنصاف مع نفسه ومع خصمه، وأن يبتعد عن تأثير هوى النفس أو الحزب أو الجماعة(51).
وتقوم العدالة كمبدأ إسلامي في الممارسة على إعطاء كل ذي حق حقه، بغض النظر عن دينه وجنسيته ومذهبه ومعتقده، بحيث يكون العدل هو الميزان بين المختلفين بغض النظر عن صفتهم، وبذلك يتحقق احترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليها، ويقتضي العدل من المتحاورين التجرد من كافة المؤثرات الجانبية، حزبية كانت أو مناطقية أو مصالح ذاتية. وكذلك الاعتراف بالفضل لذويه والإقرار بالحقيقة، حتى وان لم تكن في صالح جميع الأطراف. كما يقتضي العدل إنصاف الأطراف الأخرى من خلال التقييم الموضوعي للرؤى والأفكار والمقترحات التي تطرحها، وقياس مدى مقاربتها أو مجانبتها للحق. ذلك أن ربط الأفكار والرؤى المطروحة بأصحابها قد يؤدي إلى عدم إعطائها – أي الأفكار والرؤى- حقها من الصدق والموضوعية رغم وجاهتها، ويدخل في هذا الظلم وعدم الإنصاف والبخس الذي ينهي الإسلام عنه. فالعدالة بوصفها قيمة سياسة في الفكر السياسي الإسلامي تستلزم بالضرورة الاعتراف بالآخرين، إذ لو لم نتصور بأن الآخر في العلاقات الاجتماعية والسياسية له قيمة لما كان هناك موضع لمفهوم العدالة، وكذلك الأمر بالنسبة للحرية، لأن العدالة تعني تصوراً معيناً للحرية(52). وتأكيداً على ذلك أكد العلماء على أهمية تحلي المتحاورين بالعدل والإنصاف، فالمعتصم الخليفة العباسي يقول: “إذا نصر الهوى بطل الرأي” وقال ابن تيمية والمناظرة والمحاججة لا تتفق إلا مع العدل..”(53). وتحقق مثل هذه الأمور في الحوار لن يساهم فحسب في إنجاح الحوار، وإنما أيضاً سيقوي من ثقة كل طرف بنفسه وثقته في الطرف الآخر الذي يحاوره وبالتالي الثقة في النظام السياسي الذي يعيش في كنفه(54).
رابعاً: المساواة بين المتحاورين
يقتضي العدل المساواة بين البشر، وذلك على عكس التشريعات الوضعية التي تمنح بعض الاستثناءات لبعض الأفراد كالحكام وأعضاء الهيئات التشريعية، فأن مبدأ المساواة في الشريعة الإسلامية مقرر للناس كافة وليس خاضعاً لأي استثناء، لأن أساس هذا المبدأ هي وحدة الأصل الإنساني مصداقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13). ويؤكد صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: “كلكم لآدم وآدم من تراب”(55).
بالإضافة إلى ذلك أن المساواة بين المتحاورين تعد مظهراً من مظاهر العدالة التي ميزت الفكر الإسلامي عن غيره من الأديان والنظريات الغربية والشرقية، كما تعزز المساواة الثقة والتقريب بين المتحاورين وتدفعهم إلى التعايش والتعاون إلى ما فيه مصلحة الأمة، وتدفع أطراف الحوار لممارسة الحوار بدرجة عالية من الثقة بالنفس والطمأنينة، الأمر الذي يجعل الحوار فاعلاً وجاداً وموضوعياً.
وتأكيداً على ذلك فإن المتتبع للحوارات القرآنية يجد فيها المساواة بين طرفي الحوار ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (القصص: 85). فعلى الرغم من امتلاك رسول الله r الحق وأن مناظريه على الباطل إلا أن الله سبحانه وتعالى يوجهه إلى هذا القول. وكذلك الأمر في قوله تعالى: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) (آل عمران: 64). والتي تشير إلى أنه رغم اختلاف الفكر والعقيدة إلا أنها تقدم دعوة لأن يكون طرفي الحوار على درجة واحدة من المساواة لا يتميز أحدهما عن الآخر(56).
ومن أبرز مظاهر المساواة في الحوار، الإقرار التام بحق الآخر في عرض قضاياه وطرح أفكاره بنفس القدر مع الطرف الآخر، وكذلك أن كل طرف غير مُلزم بقبول أو تبني مقولات وأفكار ورؤى الطرف الآخر، وعدم جواز ممارسة الضغط والإكراه من قِبل أيٍّ من الطرفين على الطرف الآخر، بحيث تمتد الحرية والمساواة إلى عدم إلزام الطرف الآخر بتقديم الجواب أو الرد على الأسئلة لأن السكوت قد يكون أحياناً أبلغ من الجواب(57).
خامساً: الابتعاد عن التعصب
يعد التعصب بأنواعه المختلفة انحرافاً عن دين الحق والوسطية، وداء مدمر وهدام على مر الأزمان والعصور يحول دون الاستقرار والأمن الاجتماعي. ولذلك يقوم الإسلام على أساس عدم الإفراط والتفريط، وعدم الغلو أو التقصير، وإنما اتباع للحق وللأفضل والأعدل والأكمل، فالحق هو ضالة المؤمن والمسلم ينشده حتى ولو كان على نفسه، أما المتعصب فانه يتبع هواه ولا يرى سوى نفسه، ولا يقبل الحق وإن ظهر الدليل واقتنع بالحجة، لأنه أصلاً لا يحترم حق الاختلاف ولا يؤمن به. ولذلك يتطلب من المتحاورين التخلي عن التمسك أو التعصب بوجهة نظر أو فكر أو رؤية سابقة وأن يكون هدفهم المعلن هو الوصول إلى الحق والحقيقة والاستعداد للأخذ بها سواءاً كانت وجهة نظره أو وجهة نظر الطرف الآخر الذي يحاوره.كما أن التعصب يميت صاحبه ولا يحيي الفكر والمبدأ(58). ويرى البعض بأن نبذ التعصب والكراهية في الإسلام يستند إلى قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8). فالتوجيه القرآني في هذه الآية يرتقي بالإنسان من مستوى نبذ التعصب والكراهية إلى مقام أرفع يتمثل في البر بالناس كافة ومعاملتهم جميعاً بالقسط(59).
وإذا كان البر هو الإحسان بكل دلالاته الأخلاقية واللغوية لقوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) (البقرة: 83) فان البعض يذهب في شرحه لهذه الآية إلى أن الحُسْن في هذا السياق ليس معناه مجرد التلطف بالقول والمجاملة في الخطاب، ولكنه يتسع ليشمل كل نافع في الدين والدنيا(60). وعند ابن كثير: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) أي كلموهم طيباً ولينوا لهم جانباً، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف. وعند الحسن البصري أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بالمعروف ويعفوا ويصفح ويقول للناس حسناً كما قال الله تعالى وهو كلُّ خلق حسن رضيه الله بعد أن أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل فجمع بين بين طرفي الإحسان الفعلي والقولي(61)، وتلك هي المنطلقات الراسخة لكل حوار فاعل وهادف.
سادساً: ضمان الحرية في إبداء الرأي
يؤدي الإيمان بأن الاختلاف حقاً من حقوق الإنسان والاقتناع الكامل بحقيقة التنوع الفكري والسياسي، إلى الاعتقاد الراسخ بحق الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء بحرية كاملة(62). مثل هذه الحرية تُشكل شرطاً ضرورياً ولازماً لإنجاح الحوار والوصول إلى نتائج يسلم بها كافة أطرافه، لأن غياب مثل هذه الحرية يشير إلى عدم توافر المناخ الطبيعي الملائم للحوار، بحيث يفتقد المحاور الثقة في هذا الحوار ونتائجه، ويشعر بأنه ليس طرفاً فيه وفي مناقشاته وقد يجعله متعصباً لرأيه وفكره وغير مستعداً لتقبل نتائجه. ويشير مفهوم الرأي إلى ما يعتقده الإنسان ويراه، على أن يكون ذلك الرأي بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة الصواب فيما تتعارض فيه وجهات النظر وتختلف فيه العقول. وبناءاً على ذلك فحرية الرأي كمصطلح يطلق به أحد معنيين؛ حرية الإنسان في طرق التفكير والنظر وحرية الإنسان في الإعلان والتعبير عن رأيه(63). وتستند مشروعية الرأي الآخر في الشريعة الإسلامية من أن الأصل في الإنسان الحرية، وأن الحرية مبدأ إسلامي أصيل، وأن مجالاتها تتسع إلى التفكير والاعتقاد وإلى القول والعمل، وقد ضمنها الإسلام فشمل حرية الفكر والتفكير، وحرية الآراء العلمية والتفقه في الشريعة، والنظر في المعاملات السياسية وتعاملات الأفراد والجماعات، وذلك في إطار الأسس والمبادئ والقيم العامة للإسلام وتوفر أسس وشروط الاجتهاد الموضوعية والشخصية. وقد أثمرت الحرية الفكرية التي قامت في صدر الإسلام ثورة علمية ومعرفية في شتى العلوم والمعارف، صحبتها حرية التعبير، بحيث ارتبطت حرية التفكير والرأي بحرية القول، لأن الحرية الفكرية لا تتحقق بدون ضمان حرية القول. ولذلك منح الإسلام حرية القول للإنسان وحمله مسئولية الكلمة، على اعتبار أن الإنسان هو المخلوق الناطق مصداقاً لقوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن: 2، 3). فالبيان هو النطق الذي هو كلام البشر الذي يعبر عن خلجات نفسه وأحاسيسه(64).
ويرى البعض أنه يجب على كل صاحب سلطة وقدرة أن يكون متسامحاً مع محاوريه، قادرًا على الإنصات والإصغاء وتحمل الرأي الآخر مهما كان مخالفاً، معتبرين هذا التسامح ضرورياً لإثراء الحوار والوصول به للحق، ومن ثم فإن الحوار بدون الحرية يكون بعيداً جداً عن المفهوم والمعنى الحقيقي للحوار وروحه لأنه لايسمح للمتحاورين بالبوح بالآراء والأفكار والقناعات والمواقف بدون خوف أو وجل، الأمر الذي يفقد الحوار أهميته ولايحقق الغرض الذي قام من أجله. كما أن عدم امتلاك الإنسان الحرية الكاملة في طرح ما يريد من أفكار وآراء أو في طرح سؤال أو مناقشه لايمكنَّه من الوصول إلى الحق ومعرفته، لأنه لم يجد الفرصة الكاملة للإجابة على ما يطرح عليه من أسئلة ومناقشة وجهة نظره فيما يطرحه من أفكار ورؤى. وتتحقق حرية الرأي في الحوار كذلك عندما يشعر كل طرف بأن له الحق في أن يقبل أو يرفض ما يُعرض عليه من أفكار وآراء وطروحات بحرية كاملة وأن على الطرف الآخر احترام هذا الحق، وأن كل عمل أو اتفاق يتم تحت الضغط والإكراه يعتبر باطلاً، وما بني على باطل فهو باطل كما يقول فقهاء الإسلام(65).
ومن الأهمية التأكيد على أنه إذا كانت الشريعة الإسلامية تضمن للرعية حقها السياسي في إبداء الرأي في حدود ما أجازه الشرع، لكون هذا الحق مرتبط بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة للحكام، بحيث تكون وظيفة الإسلام هي التعبير عن كل ما فيه صلاح المجتمع ودرء المفاسد، وأن صلاح الأعمال يتوقف على صلاح القول وصدقه، فإن الإسلام حثَّ على الصدق في القول لأنه طريق البر و النجاح، وذم الكذب لأنه طريق الفجور والهلاك. وفي ذلك يقول الله عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: 104). فالدعوة مرتبطة بدفع الضرر وإشاعة الخير. كما ربط سبحانه وتعالى القول الحسن بالعدل، فقال عز وجل: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) (الأنعام: 152).
وإذا كان الإسلام أيضاً يكفل الحرية للرأي والرأي الآخر، ويذهب في احتفائه بهذه الحرية على مدى يندر أن تصل إليه المذاهب السياسية أو النظم الدستورية الوضعية(66)، فإنه في كل الأحوال ينظم هذه الحرية استناداً إلى القاعدة العامة المتمثلة في أن الحقوق السياسية للمسلم ترتكز على ضرورة العمل الإيجابي لما هو في صالح المجتمع وإصلاحه دون اللجوء إلى المعارضة الدائمة. فالإسلام لم يترك حرية الرأي بلا ضوابط أو قيود، لأن معنى ذلك الفوضى بعينها، ولكنه وضع ضوابط وقيود، بهدف تحقيق المقاصد الخيرية والمصالح العامة للمسلمين من ناحية، ولمنع الفتنة والفرقة بينهم، ونشر الأهواء والبدع، وعدم تناول الناس بفحش القول والخوض في أعراضهم وإذاعة أسرارهم من ناحية أخرى، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) (النساء: 148)، كما يحذر الذين يحبون أن تشيع الفاحشة بين المسلمين بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (النور: 19) . ومن هذه الضوابط كذلك التزام خُلق الإسلام والاحترام في الحوار عند إبداء الرأي، والامتناع عن المراء والمجادلة لما يؤدي إليه ذلك من العداوة والبغضاء حتى وإن كان على حق، وفي ذلك يقول رسول الله r: (من ترك المراء وهو محق بُني له بيت في أعلى الجنة، ومن ترك المراء وهو مبطل بُني له بيت في ربض الجنة)(67)، وقيل: “ما ضل قوم بعد أن هداهم الله إلا أُوتوا الجدل”(68).
سابعاً : تحديد موضوع الحوار
يشكل موضوع الحوار ركناً أساسياً من أركان الحوار الناجح، بل يعده البعض جوهر عملية الحوار برمتها، لأن اتفاق أطراف الحوار على تحديد موضوعه يجعل من الحوار معلوماً وواضحاً لها، ويضمن كذلك عدم تحول الحوار إلى نوع من الجدل العقيم، والالتزام كذلك بطرح الأفكار والرؤى ذات العلاقة بموضوع الحوار وعدم الخروج عنه . كما أن تحديد موضوع الحوار والاتفاق عليه يعمل على تحديد مسار الحوار وضبطه وتحديد الهدف من الحوار، وكذا تمكين كل طرف من الإحاطة بعناصر الموضوع. ولذلك يُعد الالتزام بموضوع الحوار وعدم الخروج عنه مسألة منهجية وتنظيمية في غاية الأهمية؛ الأمر الذي يتطلب تحديد أولويات الحوار وضبطها في جدول زمني وإلزام المتحاورين بالتقيد به. وقد يتسع الأمر إلى ضرورة تحديد المكونات والعناصر الفرعية لكل مسألة أو قضية أو موضوع رئيسي يطرح للنقاش.
بالإضافة إلى أن عدم الالتزام بما سبق قد يؤدي إلى خلط المسائل والمواضيع بعضها بالآخر، وبالتالي عدم إخضاعها للمناقشة والتحاور بصورة موضوعية ومعمقة، وهذا قد يؤدي إلى عدم الوصول إلى اتفاق حولها(69). كما أن ذلك قد يؤدي إلى جعل كل طرف ينظر إلى الطرف الآخر باعتباره هو ذاته محل الخلاف، وأن وجوده هو القضية التي ينبغي إبطالها بكل الوسائل الممكنة. فعلى سبيل المثال فإن تطوير وتحديث نظام الانتخابات العامة كموضوع رئيسي من موضوعات الحوار السياسي يتطلب بالضرورة تحديد كافة الجوانب للمكونات والعناصر الفرعية ذات العلاقة بسجلات الناخبين وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات … وهكذا.
ومن الضرورة ترتيب ومناقشة المواضيع والمسائل المطروحة للحوار حسب أهميتها، فليس من أدب الحوار تضخيم المسائل الفرعية وتقديمها على حساب المسائل الوطنية الأصلية، إذ يسهم البدء بالمسائل الأصلية الوطنية العامة غالباً وبصورة كبيرة في حل كثير من المسائل الفرعية، بمجرد الوصول إلى اتفاق أو على الأقل توافق نسبي حول القضايا الأصلية الوطنية .
إضافة إلى ذلك، فإنه من الضرورة بمكان الإحاطة بموضوع الحوار إحاطة موضوعية وعلمية لكي لايتحول الحوار إلى نوع من اللجاج. ونظراً لأهمية هذا الأمر فإن القرآن الكريم يُعيب على الذين يخوضون الحوار دون علم ومعرفة وإحاطة بموضوعه بقوله عز وجل: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) (الحج: 3).
ثامناً : تحديد الهدف من الحوار
يتسم الحوار بوجود هدف أو أهداف محددة يسعى المتحاورون الوصول إليها وتحقيقها، فليس المقصود من الحوار المثمر والهادف المجابهة وإفحام طرف من أطرافه في محاولة للظهور على الخصم وتعجيزه، وإنما المقصود منه الوصول إلى شيء متفق عليه مسبقاً بين طرفي الحوار. ولذلك يعتبر تحديد الهدف من الحوار والاتفاق عليه أحد عوامل إنجاح الحوار، والركن الأساسي الثاني لعملية الحوار، لأن الهدف هو الغاية التي يريد المتحاورون الوصول إليها من هذه العملية.
ويرى البعض بأن أسس الحوار هي الدعائم التي لابد أن ينبني عليها الحوار لكي تتحقق أهدافه، وأن أهداف الحوار مع الآخر هي ما نرمي إليه من حوارنا معه على المستوى القريب والبعيد، والخاص والعام، والثقافي والسياسي، والمادي و المعنوي، وبأن وضوح الأهداف يُعد شرطاً لنجاح الحوار. كما أن تقويم الحوار يكون بتحديد الأهداف التي تحققت من خلال الحوار مقارنة بالأهداف المتوخاة منه، بحيث يقاس النجاح وفق نسبة تحقق هذه الأهداف(70).
كما تنبع أهمية تحديد هدف الحوار والاتفاق عليه من كونه يُمكّن المتحاورين من الاستعداد لهذا الحوار وتحديد كيف يبدأونه ويعالجون مفرداته، الأمر الذي يساهم في الوصول إلى النتيجة التي ترضي أطراف الحوار. وبغض النظر عن موضوع الحوار والهدف منه، فإنه من حيث المبدأ لابد وأن يكون الحوار هادفاً، بحيث تتوقف طبيعة أهداف الحوار وتعددها على طبيعة المتحاورين ومجالاته ومواضيعه . وبصورة عامة يمكن أن يكون هدف الحوار هو الوصول إلى اتفاق أو حلول وسط ترضي أطراف الحوار وتقرب وجهات نظرهم حول موضوع معين أو مسألة محددة. كما أن الحوار قد يكون وسيلة سليمة وفاعلة لحل أزمة قائمة واحتواء مضاعفتها، بل ومنع انفجارها إلى جانب الحد من الأسباب والعوامل التي تسهم في تكون الأزمات السياسية مستقبلاً(71).
وأما الحوارات الوطنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإنه نظراً لأهميتها الكبيرة ونتائجها الخطيرة فإن الهدف الرئيسي لها يتمثل بصورة رئيسية في تعزيز وتقوية الوحدة الوطنية، الأمر الذي ساهم في تحقيق العديد من الأهداف الفرعية مثل ضمان الاستقرار السياسي والأمني من خلال المساهمة في تقريب وجهات النظر والمساهمة في تعزيز ودعم الاتجاهات الإيجابية التي تخدم المصالح العامة، وفي الوقت نفسه كشف السياسات والاتجاهات والمواقف السلبية وتصحيح مسارها. فالحوار الوطني يساهم في إبراز الجوامع الوطنية وتعميق المصالح المشتركة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، إلى جانب مساهمته في ترسيخ ثقافة الحوار التي تقوم أساساً على القبول بالآخر واحترامه أياً كان هذا الآخر، وعلى نبذ التعصب وبالتالي التعرف على وجهة نظر الآخر واحترامها. وفي الوقت نفسه يساهم الحوار الوطني الهادف في تقوية القدرات الوطنية وتمكينها من التعامل مع المستجدات والتطورات والأحداث الخارجية والإقليمية منها والدولية. ولذلك يعتبر الحوار الوطني أحد العوامل الهامة في توفير هذه القدرات كونه يساهم بصورة كبيرة في تقوية النسيج الوطني بين أفراد الأمة ويكسب المجتمع القدرة والمناعة للتعامل مع الخارج والحوار معه.
ومن ثم تعتقد الباحثة أنه لا يمكن لليمن أن تنجح في حوارها مع أشقائها العرب وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي ومع أصدقائها من الدول والهيئات والمؤسسات المانحة بدون تحقيق وترسيخ الوحدة الوطنية بين مختلف أفراد الشعب اليمني.
ولايمكن حصر مواضيع الحوار الوطني في الإطار السياسي، وإنما من المفترض أن يتسع المجال ليشمل كل موضوع يهم المجتمع بصورة عامة، ولأن نجاح الحوار الوطني وفاعليته تكمن في شموليته واستيعابه للحاجات العامة ومتطلباتها. وفي نظر الباحثة فإن مواضيع الحوار السياسي القائم حالياً بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك تنحصر في تلك القضايا التي تهم الطبقة السياسية (حاكمة ومعارضة) من ناحية، وتتفق من ناحية أخرى مع برنامج الإصلاح السياسي الاقتصادي لأحزاب اللقاء المشترك، والتي تعتبر الإصلاح السياسي هو المدخل الأساسي والرئيسي للإصلاح المعيشي والاجتماعي، وقد يكون في هذا المدخل محل اختلاف ومصدراً لوجهات نظر مختلفة ومتعددة.
تاسعاً : تحديد المفاهيم
يتطلب الحوار الناجح والفعَّال الاتفاق بين المتحاورين على تحديد معاني المصطلحات والمفاهيم التي سيتم استخدامها في الحوار قبل الدخول في صلب المواضيع والمسائل المطروحة للنقاش، وقبل بدء الحوار، وكل ذلك يسهل من عملية الحوار من خلال التركيز على موضوع الحوار، ذلك أن عدم وجود هذا الاتفاق المسبق على معاني المصطلحات والمفاهيم سيوقع المتحاورين في خلافات ونزاعات جانبية، لأن المصطلح الواحد قد يعني شيئاً مختلفاً عند كلا الطرفين، ولا شك أن هذه الخلافات قد تعقد من عملية الحوار وتُصعب الوصول إلى نتائجه المأمولة، فعلى سبيل المثال عندما نتكلم عن حرية الإعلام دون الاتفاق على معنى هذا المفهوم وأبعاده المختلفة، فإن كل طرف من أطراف الحوار سوف يتمسك بالمعنى الذي يتفق مع رؤيته ومفاهيمه والأهم مصالحه والأهداف التي يبتغي الوصول إليها .
عاشراً : تحديد المرجعية والثوابت المتفق عليها
تنبع أهمية الاتفاق على المرجعية الفكرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتم الرجوع إليها عند حدوث اختلاف في وجهات نظر المتحاورين في مساهمتها في تسريع الحوار وبلوغه لأهدافه، فعلى سبيل المثال تم الاتفاق في الوثيقة على جعل تقرير بعثة الاتحاد الأوربي حول الانتخابات الرئاسية والمجالس المحلية التي جرت في شهر سبتمبر 2006 المرجعية الأساسية لعملية إصلاح النظام الانتخابي في اليمن. وتشكل الثوابت المتفق عليها قواعد أساسية لاتخضع للمساومة أو التنازل أو التحول عنها، بحيث تلتزم كافة الأطراف بها وعدم الخروج عليها، مثل الاتفاق على النظام الجمهوري في اليمن والديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وعدم الاحتكام للقوة، باعتبارها ثوابت أساسية في أي حوار.
الحادي عشر : تنظيم إدارة الحوار وتحديد آلياته
ويتم ذلك من خلال تحديد القواعد والإجراءات التنظيمية والإدارية التي تساعد على بلوغ الحوار أهدافه ونتائجه، ويتضمن ذلك إعداد خطة عملية متفق عليها ومجدولة زمنياً تتضمن تواريخ زمنية محددة لمناقشة موضوع الحوار، والأدوات والأساليب التي سيتم استخدامها في الحوار، والخبراء والمختصين الذين سيتم الاستعانة بهم. وتعتقد الباحثة بأنه كلما تم الاستناد إلى البيانات والمعلومات الموضوعية، وكلما كانت عملية الحوار أكثر تنظيماً من الجوانب الإدارية والفنية، كلما ساهم ذلك في إنجاح الحوار.
الخاتمة:
يخلص هذا البحث، من خلال ما تم تناوله من دراسة وتحليل للقواعد والأسس العامة للحوار في الفكر الإسلامي، إلى أن الوضع القائم حالياً بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة السياسية يشير بوضوح إلى عدم تمكن وثيقة قضايا وضوابط وضمانات الحوار من إيجاد قاعدة صلبة لتقريب وجهات نظر الطرفين، وأن القلق من اتساع الفجوة وتعميق الاختلاف وتحوله إلى خلاف ونزاع لازال قائماً، وما يؤكد ذلك الآتي :
– عدم إقرار كلا الطرفين بسنة التنوع والتعدد وبالتالي الاختلاف في الأفكار والاتجاهات، حيث يرى كل طرف بأنه يمتلك الحقيقة وأن الآخر على خطأ، وبالتالي عدم القبول والاعتراف بالآخر والتعايش معه.
– عدم التقيد والالتزام بآداب الإسلام عند الاختلاف في الحوار، بل وسيطرة الأهواء الذاتية ليصل الأمر أحياناً إلى مستوى النقد الجارح، وساهمت في ذلك وسائل إعلام الطرفين دون تمييز لأسلوب النقد الموضوعي .
– أن الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها يمثل الهدف الأول لكلا الطرفين، وبالنظر للصحف الحزبية والأهلية، يتأكد مستوى التدهور الذي وصل إليه كلا الطرفين .
لذلك فإن من أبرز ما توصل إليه البحث يمكن إجماله في القول بأن نجاح الحوار السياسي القائم حالياً بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك يتوقف على : ضرورة المعرفة الكاملة والفهم العميق من قبل الطرفين للقواعد والأسس والضوابط العامة للحوار، وإعلان كليهما الالتزام الكامل بها قولاً وسلوكاً، وكذلك التزامهما بالعمل معاً لتطبيقها ونشرها بين مناصري ومؤيدي الطرفين .
الهوامش
(1) تم تشكيلها وفقاً للقرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980 بغرض التواصل إلى تفاهم مشترك بين كافة القوى السياسية في ذلك الوقت حول مضمون وصياغة مسودة الميثاق الوطني.
(2) للمزيد عن وثيقة العهد والاتفاق انظر: د. عبد العزيز محمد الشعيبي (1998م)، أزمة الانفصال في الجمهورية اليمنية (مايو- يوليو 1994)، رسالة دكتوراه غير منشور، جامعة قناة السويس، قسم العلوم السياسية، ص ص54-124 وملحق (1)،.
(3) وتتمثل بصورة أساسية في التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدي الناصري وحزب البعث العربي.
(4) تضمنت هذه الوثيقة على مقدمة احتوت على الهدف الأساسي من الحوار السياسي وعلى الأسس والمفاهيم والمبادئ الرئيسية التي اتفقت عليها أطراف الحوار وتتمثل في:
1- قضايا الحوار: يركز على جملة من الإصلاحات السياسية في مقدمتها إصلاح وتطوير النظام الانتخابي وتطوير نظام السلطة المحلية والتقسيم الإداري، إلى جانب العمل على تطوير وتحديث القوانين الخاصة بالحقوق والحريات السياسية. في المقابل اقتصرت الإصلاحات السياسية في المرحلة الأولى من الحوار على حيادية الوظيفة العامة وعدم تسييسها والشفافية في الموازنة العامة.
2- الضوابط والمبادئ الأساسية للحوار والتي تركزت على الجوانب والإجراءات والآليات الفنية للحوار بصورة أساسية.
3- الضوابط الإعلامية ويعتبر الجزء الأهم كونه يتضمن الضوابط والآليات الإعلامية التي تضمن نجاح الحوار بعيداً عن أي تأثيرات إعلامية بما في ذلك الالتزام بروح الحوار وإلزام وسائل الإعلام التابعة للأحزاب المنضوية في الحوار وقياداتها بترشيد خطابها الإعلامي وهو الأمر الذي لم يتم الالتزام به في الواقع العملي.
4- آلية تشكيل لجنة السكرتارية، والتي تضمنت طريقة التشكيل المكون من خمسة أعضاء يعني كل حزب عضواً واحداً من قبله وكذلك تحديد مهامها.
(5) للمزيد عن الاختلاف والخلاف وشرعيته انظر :
– عبدالله اليوسف (1417هـ-1996م)، شرعية الاختلاف “دراسة تأصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي”، بيروت، دار الصفوة، ط1، .
– د. صالح بن عبدالله بن حميد، أصول الحوار وآدابه في الإسلام، بحث منشور على موقع صيد الفوائد/ www.saaid.net.
– د. عفت الشرقاوي (8-10 ديسمبر 1998م)، حقيقة الاختلاف من وجهة النظر الإسلامية، في آداب الاختلاف في الإسلام، أبحاث الندوة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع جامعة الزيتونة، تونس. www.isesco.org.Ma/pup .
– محمد محفوظ (ربيع 2001م-1422هـ)، الاختلاف ومعنى الوحدة، مجلة الكلمة، السنة الثامنة العدد 31، ص 38-47.
(6) حسن أبو هنيه (الأحد 9 أيلول 2007م)، شرعية الحوار والاختلاف، صحيفة الغـد الأردنية.
(7) للمزيد، انظر: د. طـه جابر العلواني (1413هـ/1992م)، أدب الاختلاف في الإسلام، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط5،، ص21 – 22.
(8) يقوم الأصل الفقهي للرأي الآخر على قاعدتي الاجتهاد وحق الاختلاف، وأن للعقل قيمة أساسية في الحياة لما يمثله من طاقة خلاقة ومبدعة ومفكرة تتمثل أبرز مظاهرها في الاجتهاد وفي أخذ مذاهب أهل السنة بالاستصحاب . ويرتكز الأصل الحقوقي والسياسي على أصالة الحرية في الإسلام وتقديسه لها، وعلى تكريم الله عز وجل للإنسان على سائر المخلوقات وماينبثق عن ذلك من حرية وحقوق سياسية لهذا الإنسان مثل حق المشاورة، وحق النقد الموضوعي البناء، وحق المناصحة، إلى جانب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقاعدة من قواعد الأصل السياسي . كما تمثل التجربة التاريخية الإسلامية نموذجاً يقتدى بها في جوهرها ومضامينها تجاه الرأي الآخر .
للمزيد انظر : عبدالله اليوسف، مرجع سابق، ص ص 43-116.
د. يوسف بن عبدالله الشبيلي (1425هـ/ 2004م)، فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب، مقدم للجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،، ص3.
(9) د. طه جابر العلواني، المرجع السابق، ص24 – 31.
– د. يوسف بن عبدالله الشبيلي، المرجع السابق، ص3 – 6
(10) د. نيفـين عبدالخالق مصطفى (1405هـ/ 1985م)، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، القاهرة، مكتبة الملك فيصل الإسلامية، ط1، ص104 – 105.
(11) د. يوسف القرضاوي (1429هـ/ 2004م)، التعددية في نظر الإسلام وجدانية الخالق، رسالة التقريب، العدد 45، من ص136 – 140. www.taghrib.org/arabic موقع المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
(12) لن نقف طويلاً حول التعريفات العديدة للحوار ومرادفاته المختلفة، والتي تم تناولها وبحثها بصورة مفصلة في العديد من الدراسات. للمزيد حول هذا الموضوع، أنظر: د. سعيد إسماعيل صيني: الحوار وأشكاله وعناصره، بحث منشور في مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، العددين 14 و 15 على الموقع:
www.al-madinah.ogr/magazinel/issue14 + 15/010.doc
– غسان بن عبدالعزيز القين (2006)، أدب الحوار في الإسلام، بيروت دار المعرفة، ط1، ص25 – 39.
– عبدالستار إبراهيم الهيتي، الحوار… الذات والآخر، كتاب الأمة، الشبكة الإسلامية، د.ت ص11 – 13، www.islamweb.net
– محمد القدوري (ديسمبر 1998م)، أدب الاختلاف في الإسلام، في أبحاث الندوة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بجامعة الزيتونة، تونس، ص56.
(13) للمزيد انظر: د. سعيد إسماعيل صيني، مرجع سابق، ص314 – 315.
(14) للمزيد، انظر: د. إحسان عبدالمنعم سـماره (من 16-18/4/2007م)، أضواء قرآنية على دور الجـدل في الدعوة للإسلام، ورقة مقدمة إلى مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي – الإمارات العربية، جامعة الشارقة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ص ص 5-6. الموقع www.sharjah.ac.ae/arabic
وكذلك عبدالستار إبراهيم الهـيتي (من 16-18/4/ 2007م)، الحوار… الذات والآخر، مرجع سابق،
ص5 – 6، الموقع: www/Sharjah.ac.ae/aArabic
(15) د. عبدالعزيز بن عثمان التويجري (2004م)، وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار، بحث قُدّم للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب والذي عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خلال العام 1425هـ/2004م، ص15 – 16.
(16) د. عبد العزيز التويجري، المرجع السابق، ص16.
(17) تم الاستعانة في هذا الجانب بالعديد من المراجع من أهمـها:-
– د. طارق وفيق (2005م)، في مسألة الحوار والمشاركة المجتمعية في مصر، رؤية تحليلية لأبعاد الأزمة، القاهرة، المكتبة ا لأكاديمية، ط1، ص46 – 47.
– د. فاضل الخطيب، الحوار السياسي.. هل نتعلمـه، الحوار المتمـدن، العدد 1759، 7/12 2006، الموقع الإلكتروني: www.razgar.com/debat/show.
(18) في الآيـتين 34 و 37 من سورة الكهف، وفي الآية الأولى من سورة المجادلة.
(19) د. عبد العزيز التويجري، وسطية الإسلام، مرجع سابق، ص 11-12، وعبدالستار الهيتي، الحوار…. الذات والآخر، مرجع سابق، ص 9 .
(20) للمزيد، انظر: محمد أحمد حسن القضاة (2007م)، الحوار مع الآخر، مفهومه.. أهميته.. ضوابطه في الفكر الإسلامي، بحث مقدم لندوة “الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي” الإمارات العربية المتحدة – جامعة الشارقة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية من 28 – 30 ربيع الأول/ 1428هـ 16 – 18/4/2007م، ص2 – 3، www/Sharjah.ac.ae/Arabic
(21) د. عمر بن عبدالله كامل، آداب الحوار وقواعد الاختلاف، موقع المنبر الإسلامي، ص19، الموقع الإلكتروني: www.almibar.al-islam.com
(22) عبدالله اليوسف، شريعة الاختلاف، مرجع سابق، ص83.
(23) د. عبدالعزيز التويجري، مرجع سابق، ص13.
(24) للمزيد، انظر: د. أم نائل بركاني (رجب 1428هـ – أغسطس 2007م)، فقـه الوسائل في الشريعة الإسلامية، كتاب الأمة، قطر، العدد 120، السنة السابعة والعشرون، ط1، ص25 – 31.
(25) د. أحمد بن سيف تركستاني (1425هـ/2004م )، الحوار مع أصحاب الأديان، مشروعيته، شـروطه وآدابه، بحث مقدم للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، والذي عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص5 – 8.
(26) نجد أن العديد من الدول والمنظمات الدولية تقوم بإنشاء مراكز للحوار مثل مركز عبدالعزيز للحوار الوطني في المملكة العربية السعودية، أنظر: المملكة العربية السعودية، وزارة التربية والتعليم (1428هـ)، كيف ننمي ثقافة الحوار لدى الطلاب، في أوراق العمل الذي نظمته الأمانة العامة في اللقاء، اللقاء الرابع لرؤسـاء أقسام التوعية الإسلامية في إدارة التربية والتعليم، 1 – 3 من شهر ذي القعدة 1425هـ ص25.
(27) أحمد بن سيف الدين تركستاني، الحوار مع أصحاب الأديان، مرجع سابق، ص14 – 17.
(28) للمزيد حول سـنة التنوع والتعدد والتمايز، انظـر:
– د. محمد عبدالفتاح الخطيب (1428هـ – 2007م)، حرية الرأي في الإسلام، مقاربة في التصور والمنهجية، كتاب الأمة، قطر، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، العدد 122، السنة السابعة والعشرون، ط1، ص86 – 93.
– محمد محفوظ (2004م)، الحوار والوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية، بيروت، دار الساقي، ط1، ص74 – 82.
– غسان عبدالعزيز القـين، أدب الحوار في الإسلام، مرجع سابق، ص52 – 58.
– د. يوسف القرضاوي، التعددية في نظر الإسلام، وحدانية الخالق، مرجع سابق، ص127 – 141.
(29) ضمن سـنتي التنوع والتدافع من أجل تحقيق التوازن الكوني ومرضاة الله في الدنيا والآخرة والفوز بالجنة، انظر:- – زوهير بن أحمنه عبدالسلام (1426هـ)، آلية الحوار، قراءة لمفهوم الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، موقع الوحدة الإسلامية / www.alwihdah.com، ص ص 3-4.
(30) غسان بن عبدالعزيز القـين، مرجع سابق، ص58.
(31) د. أحمد محمد الدغيش (2007م)، أسس منهجية في التعامل مع الآخر “رؤية تربوية إسلامية”، بحث مقدم إلى مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي، الإمارات العربية المتحدة، جامعة الشارقة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية من 16 – 18/4/2007م، ص15 – 16، الموقع: www/Sharjah.ac.ae/Arabic.
– الشيخ محمد علي التسخيري، قيم الحوار والتعايش في الثقافة الإسلامية، رسالة التقريب، العدد 38، ص149 – 150، الموقع الإلكتروني للجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. www.taghrib.org/arabic.
(32) د. عبدالعزيز برغوث (2007م)، مسألة الحوار مع الآخر بين اتجاه صدام الحضارات وقيم التعارف الحضاري، بحث مقدم إلى مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي، الإمارات العربية المتحدة، جامعة الشارقة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية من 16 – 18/4/2007م، ص8 – 9، وص11.
(33) د. عبدالعزيز برغوث، مسألة الحوار مع الآخر، المرجع السابق، ص11 – 12.
(34) زوهير بن أحمنة عبدالسلام، آلية الحوار، مرجع سابق، ص4 – 5.
(35) د. عبدالملك منصور حسن المصعبي، الحوار مع الآخر، تذليل العوائق والتحديات: حالة العرب والمسلمين. على الموقع: www.atida.org/makal
(36) محمد محفوظ، الحوار والوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية، مرجع سابق، ص100 – 101.
(37) أحمد محمد الدغيش، أسس منهجية في التعامل مع الآخر، مرجع سابق، ص16 – 17.
(38) د. أشواق أحمد مهدي غليس (2007)، فكر الشوكاني السياسي وأثره المعاصر في اليمن، رسالة دكتوراه منشورة، صنعاء- الجمهورية اليمنية، مركز عبادي للدراسات والنشر، ط1، ص ص 20-24.
(39) د. يوسف حامد العالم (1412هـ /1991م )، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، فيرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية، المعهد العالي للفكر الإسلامي، ط1، ص ص 82-85 .
(40) د. يوسف حامد العالم، المرجع السابق، ص ص 123-148 . وعن تقسيم المصالح انظر المرجع نفسه ص ص 149-200 .
(41) أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة . انظر تخريج العراقي لإحياء علوم الدين للغزالي، ج2، ص387. وج3، ص54. وللمزيد عن فضيلة حسن الخلق انظر المرجع السابق، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة، ج2، ص ص 386-400.
(42) للمزيد حول أدب الحوار وأخلاقياته انظر على سبيل المثال :
– د. عائض القرني (1425هـ-2004م )، أدب الحوار، بيروت، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، ص ص 5-34 .
– د. عبدالستار إبراهيم الهيتي، الحوار .. الذات والآخر، المبحث الثاني: شروط الحوار وآدابه، ص ص 21-27.
– غسان عبدالعزيز القين، مرجع سابق، ص ص 61-136 .
– محمد القدوري، أدب الحوار في الإسلام، مرجع سابق، ص ص 60-63.
(43) د. سليمان بن صالح القرعاوي (2007م)، الأسس المنهجية للحوار مع الآخر وأهدافه، بحث مقدم في مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي، الذي نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة، ص ص 3-12. أما الضابط في الاصطلاح فيعرفه العلماء أنه حكم كلي ينطبق على جزئياته، والمراد بالضوابط هنا الأحكام الكلية والأسس والمبادئ العامة المنظمة للحوار في الفكر المنبثق من الإسلام للمزيد : د. مفرح بن سليمان بن عبد الله القوسي، ضوابط الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي، بحث مقدم لمؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي، الذي أقامته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة 28-30 ربيع الأول 1428هـ /16-18/أبريل / 2007م .
(44) للمزيد انظر:
– د: أحمد بن سيف الدين تركستاني، الحوار مع أصحاب الأديان، مرجع سابق، ص ص20
– عبد الستار الهيتي، الحوار الذات والآخر، كتاب الأمة، مرجع سابق، المبحثين الثاني والثالث (مقومات الحوار وشروطه وآدابه).
– د. عمر بن عبد الله كامل، أدب الحوار وقواعد الاختلاف، مرجع سابق، ص2 وص4 .
(45) انظر: محمد السماك، ثقافة الحوار في الإسلام، حرية الاختيار وحق الاختلاف شبكة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان hiwar-net:usj.edu.
(46) د. عباس الجراري (1998)، الحوار من منظور إسلامي في أدب الاختلاف في الإسلام أبحاث الندوة التي عقدتها مع جامعة الزيتونة، تونس الموقع الالكتروني للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة/ www.iseco.org.ma/pup.
(47) صحيح مسلم بشرح النووي (1422هـ، 2001م )، حققه وأخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي، حازم محمد، عماد عامر، القاهرة دار الحديث، المجلد الرابع كتاب الحج ط1،، جـ15، ص ص 431-432.
– نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للإمام الشوكاني المتوفى 1255هـ (1413هـ-1993)، تحقيق وتعليق عصام الدين الصبابطي، القاهرة، دار الحديث، ط1، جـ5، ص68.
(48) للمزيد انظر :
– إبراهيم محمد الحمد المزيني: أسس التعامل مع الآخر، شواهد تاريخية من الحضارة الإسلامية، بحث مقدم للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، المبحثين الثاني والرابع، ص ص 13-19.
– علي عيسى عثمان (أبريل 2005)، في حقوق الإنسان الرؤى العالمية الإسلامية والعربية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1،، ص ص 121-143.
– فهمي هويدي (1413هـ-1993م )، الإسلام والديمقراطية، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط1، ص ص 27-30.
(49) د. حامد عبد الله ربيع (2007)، مدخل في دراسة التراث السياسي الإسلامي، تحرير وتعليق د. سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، الجزء الثاني، ط1، ص ص-11-112.
(50) عبد العزيز التويجري، وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار، مرجع سابق، ص ص 15-16.
(51) د. محمد حسن بخيت (2005م)، الدعوة الإسلامية ومتغيرات العصر، بحث مقدم للمؤتمر الدعوي الأول، والذي نظمته كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، ص 17.
(52) د. حامد عبد الله ربيع، مدخل في دراسة التراث السياسي الإسلامي، مرجع سابق، ص ص 102-103.
(53) محمد حسن بخيت، الدعوة الإسلامية ومتغيرات العصر، مرجع سابق، ص17.
(54) د. عمر عبد الله كامل، آداب الحوار وقواعد الاختلاف، مرجع سابق، ص 1 و 15.
(55) د. حسن إبراهيم حسن (1964م )، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، بيروت، دار الأندلس، ط7، ج1، ص149.
(56) للمزيد انظر: عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار.. الذات والآخر مرجع سابق، ص 21-22.
(57) للمزيد انظر: زوهير بن أحمنة عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مرجع سابق، ص ص4-5.
(58) د. ناصر بن سليمان السابعي، أسباب الاختلاف، في آداب الاختلاف في الإسلام، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وللمزيد حول التعصب انظر: نسيبة عبد العزيز العالي المطوع، العصب المدمر للحضارات، موقع وزارة الأوقاف الكويتية www.islam.gov.kw محمد محفوظ (شتاء 2007)، مفهوم التسامح وقضايا العيش المشترك، مجلة الكلمة، السنة الرابعة عشر العدد 54،، ص ص 129-131.
(59) د. عبد العزيز التويجري، مرجع سابق، ص16.
(60) الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده (1993)، تحقيق وتقديم د. محمد عمارة، القاهرة، دار الشروق، مجلد 4، ط، ص216 نقلاً عن د. عبد العزيز التويجري، مرجع سابق، ص16.
(61) مختصر تفسير ابن كثير (1402هـ/1981م )، اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني، بيروت، دار القرآن الكريم، ط7، حـ1، ص84.
(62) د. محمد عبد الفتاح الخطيب، حرية الرأي في الإسلام، مرجع سابق، ص ص95-96 وص ص 11-115 وللمزيد عن حرية الرأي انظر : المرجع نفسه، ص ص 101-176.
(63) المرجع السابق، ص ص 79-85.
(64) للمزيد انظر :
– د.عثمان بطيخ (1998م)، حرية الرأي في الإسلام، في ندوة آداب الاختلاف في الإسلام، أبحاث الندوة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع جامعة الزيتونة، تونس.
ص ص 24-52، على موقع : WWW.ISESCI.ORG.MA/PUP
– د. محمد عبدالفتاح الخطيب، المرجع السابق، ص ص 86-101.
– د. محمد سليم العوا (1410هـ /1989م)، النظام السياسي للدولة الإسلامية، القاهرة، دار الشروق، ط1، ص 210-225.
– د. منصور محمد منصور الحفناوي (1410هـ-1989م)، سلطة الدولة في المنظور الشرعي، مصر- مطبعة الأمانة، ط1،، ص ص 178-184.
(65) د. محمد محفوظ (صيف 1999م)، سؤال الحرية في الفكر الإسلامي المعاصر، مجلة الكلمة، السنة السادسة العدد 24، ص ص 26-27.
(66) د. محمد أحمد مفتي، د. سامي صالح الوكيل (شوال 1410هـ )، النظرية السياسية الإسلامية في حقوق الإنسان الشرعية- دراسة مقارنة، كتاب الأمة، قطر، رئاسة المحاكم الشرعية، الشئون الدينية، ط1، ص ص 71-78.
(67) رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أنس مع اختلاف وقال الترمذي حسن . انظر تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، مرجع سابق، ج1، ص ص 60-61 . وللمزيد ج3، ص ص 126-128.
(68) انظر : الغزالي، المرجع السابق، ج3، ص 126.
(69) د. أحمد سيف الدين تركستاني، مرجع سابق، ص 17.
(70) د. سليمان بن صالح القرعاوي، الأسس المنهجية للحوار مع الآخر وأهدافه، مرجع سابق، ص3.
(71) للمزيد انظر : د. عبدالعزيز التويجري، وسطية الإسلام، مرجع سابق، ص ص 20-21.