سمينار

مناقشة سمينار بحث: محاولة رصد منهج الاجتهاد المعاصر (مسألة الرحم البديل نموذجاً)

العدد 115

إدارة الجلسة:          أ.د. جمال الدين عطية

المشاركون فى السمينار:

  • د. إبراهيم عبد الرازق الخولي
  • أ. حازم محمد داود
  • د. حسن الشافعي
  • د. سيف الدين عبدالفتاح
  • د. عبد العزيز صالح
  • عبد اللطيف صالح
  • د. على جمعة
  • أ. قنديل السعدني
  • د. محمد بريش
  •  د. محمد سراج
  • د. محمد عمارة
  • د. محمد همام
  • أ. محيي الدين عطية
  • د. هبة مشهور
  • د. هيثم الخياط

 

تاريخ انعقاد السمينار:

7 / 12 / 2004

أ.د. جمال الدين عطية:

نحاول في هذه الندوة – إن شاء الله – أن ننتقل نقلة نوعية في بحث منهج الاجتهاد في بعض الموضوعات، وأخذنا موضوعين كنماذج لمحاولة اكتشاف المنهج الذي لجأ إليه الأساتذة الذين كتبوا في هذه الفترة المعاصرة في موضوعات مستجدة غير مقالات أو فتاوى؛ مما يدخل في موضوع الاجتهاد المعاصر، وهذان الموضوعان هما:

الموضوع الأول يتناول مشكلة الرحم البديل يشمل حالة الاستئجار وحالة التبرع معًا. أما الموضوع الثاني فيدخل في موضوعات الاقتصاد، ويتناول خطاب الضمان.

وأردنا باختيار هذين الموضوعين أن نجرب مسألة طبية وأخرى افتصادية، ونتعرف على المنهج الذي  اتبع في كلا المجالين.

أ.د. محمد سراج[1]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:

فإنني أريد أن أشيد بالعرض الطيب، وفصاحة الأستاذ الباحث، وبيانه المسلسل والراقي جدًّا.

في الواقع كنت استمع منصتًا ومعجبًا بالمناهج التي تبلورت في إطار التراث الفقهي، فإن اعترض معترض، أو قال قائل: إن المسألة تدور في إطار الفلسفة الفقهية المتوارثة، فإنني أعتقد أن البحث بصورته مشكلة معاصرة جداً، وفي الواقع إنني أعتقد أن تحليل هذه المشلكة على المناهج، المسالة – في رأيي – يبنبغي أن تعرض في إطارها الواقعي والعملي، فنحن – جميعًا – نعلم أن، الفقهاء المسلمين كانوا يستحدثون الكثير من العقود.

أنا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى تفكير وتمحيص؛ أن إقحام الموضوع بهذه الصورة على عقد الإجارة قد يخدعنا عن التفكير في الموضوع ذاته، وفي وضعه الحالي.

إن استدعاء القواعد الفقهية ليس هو القضية في حد ذاته، فيمكن أن تجد الكثير من القواعد التي تدلك على الشيء، والكثير من القواعد التي تدلك على الحال المناقض أو المختلف تمامًا.

المشكلة أننا بدأنا من مدخل، أعتقد أنه ليس هو المدخل المناسب، وهو الاستئجار.

الفقهاء المسلمون كان عندهم بعض العقود الثابتة، مثلاً: البيع، الإجارة .. أن تتحدث عن أن الإجارة جازت على خلاف القياس فتلك تعبيرات حنفية، وظهرت في وقت لم تكن فيه المنفعة بالأهمية التي نراها في المجتمع المعاصر.

إن العقود قديمًا، كالهبة والبيع والإجارة، كان كل عقد منها متفردًا ومتميزًا عن غيره، لكن حصل نوع من اختلاط العقود أو تبويب هذه العقود، فكان هناك الهبة بقصد الثواب .. وهكذا.

ما أود التأكيد عليه أن الموضوع – بوضعه الحالي – يحتاج إلى التفكير بمنهج مختلف عن استدعاء الأطر نفسها التي قررها الفقهاء دون أن تكون لديهم فكرة عن هذه المشكلة، ونظلمهم جدًّا إذا تصورنا أن التعبيرات التي نقلها الباحث عن الفقهاء القداى تدل على أن المسألة كانت في أذهانهم على النحو الذي نعرفه الآن. فاستدعاء الآراء الفقهية السابقة، واستدعاء القواعد الفقهية السابقة، لتطبيقها على موضوع يحتاج إلى طرح مختلف، وإلى وضعية مختلفة، وإلى منهج مختلف .. تعد من الأزمات التي يعيشها التفكير الفقهي المعاصر.

وأقرر – أيضًا – أنني سعيد أن الباحث تناول الموضوع من ناحية التكييف الشرعي، وأيضًا من حيث الحكم الوضعي .. ماذا لو حدث ذلك، هل سنطبق عليه القواعد القديمة: أن الولد للفراش، وأن الأمومة تكون بالولادة الطبيعية أم لا؟ هذه هي القواعد المعروفة.

وأقول: إنني لا أرجح شيئًا، ولا أقترح حلاً لهذا الموضوع، لكن فقط أردت أن أثير بعض الأمور المتعلقة بطريقة التفكير في الموضوعات الفقية الحادثة، وطبعًا معنا فضيلة المفتي، ويمكننا أن نسمع منه إلى الحل من ناحيتي: الحِل أو الحرمة، لكني أعتقد أن المسألة في إطاراها الآخر – وهو الوضعي – ستحتاج إلى تفكير أخر، تفكير يمكن أن يكون أقرب إلى التفكير القانوني، بمعني أن هناك مراكز وحقوقًا وواجبات واعتبارات قد تكون مختلفة بعض الشىء عن فكرة الحلال والحرام، وهي أيضًا مهمة بالنسبة للتفكير الفقهي، لكن الجانب الآخر منهم أيضًا.

إنني لم أفكر في الموضوع من قبل، وأعتقد أنه عندنا مشكلات كثيرة قد يفجرها هذا الموضوع، وهو التفكير المنهجي بالنسبة لهذه المشكلات التي يعيشها العالم الإسلامي الآن، وأعتقد أننا بحاجة إلى اختبار – قبل أن نخطو إلى دراسة بعض الموضوعات – أهمية هذا الموضوع أو ذاك الآن.

موضوع كالذي بين أيدينا الآن تناولته أفلام ودراسات عديدة، وأخذ جهودًا كثيرة، ولكن – في واقع الأمر لم نستعد الاستعداد الكافى – وبخاصة الاستعداد المنهجي – لتناوله.

أ.د.إبراهيم عبد الرازق الخولي[2]

بسم الله الرحمن الرحيم،

حمدًّا لله رب العالمين، وشكرًا له على أن يسر لنا أسباب أن نلتقي مع هذه الكوكبة الكريمة من علماء معروفين، مشهود لهم بالتميز والحيدة.

ونشكر أستاذنا الأستاذ الدكتور كمال الدين عطية، وأيضًا نشكر أخانا الأستاذ الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية، وهو من هو، بما له من أيادٍ بيضاء، ودعوة صادقة في تحصيل ما يكشف اللثام عن أصالة شرع ربنا، و وجه جماله وجلاله ومثاليته.

اليوم نجلس في رحاب موضوع شائق وشائك، وهو شائق بحكم جدته وحداثته، وهو شائك بحكم متعلقه؛ ذلك أن متعلقه هو ما تستعذب المتاعب والآلام في سبيل تحصيل معنى الحماية و الرعاية له والتحصين له، وهو الولد.

إذا ما أردنا اختزالاً واختصارًا، نقول: أن تعليم الشريعة – على وجه الجملة – يحصل من خلالها المحافظة على أمور ثلاثة، هي: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات.

والضروريات – كما هو معلوم – تتمثل في المحافظة على: الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وعندما يطلق اصطلاح المحافظة على النسل ينبغى أن ينظر إلى المدى الابعد والأكمل؛ حتى يكون الادراك كاملاً، والفهم مستوعبًا وليس منقوصًا، فليس أبدًا مرادً بالمحافظة على النسل الاستزاده و التكثير، وإنما المراد بالنسل أن يحصَّل بقدره الله – عز وجل – في واقعنا في صورة يحصَّلُ لها، وتحصن بمعنى العفاف والطهر والنقاء وقوة الانتساب التي من خلالها يستشعر الإنسان – كما ذكرنا – معنى أن يتعب ويدأب ويشفى في سبيل تحصيل ما يحصل به الخير الذي ينسب إليه.

أقول: المسألة التي معنا والمتمثلة فيما يسمى بمسألة استئجار الأرحام أو الرحم البديل، والتي عرضها الباحث بصورة منهجية منضبطة أشكره عليها .. هذه المسألة لاشك أنها تظهر – في أجل وأوضح ما تظهر – جمال تناول سلفنا الأوائل وحلاله في تأصيلهم وتحليلهم، وأيضًا افتراضهم: أن هذا لو حصل، فما الحكم الذي يوقف عنده؟ و كأنهم رسموا لنا أصولاً، و أسسوا لنا مبادىء وقواعد نهتدي بها إن نحن التمسنا ما يحصل به التوجه أو ما يحصل به الفهم السليم..

أقول: إن هذه المسألة – مع القول بجوازها – وهو على ما أشار الباحث بأن البعض أجازوا ذلك، ولو سألنا الواحد منهم: هل ترتضي أن تكون زوجتك أو ابنتك أو أمك .. وعاء، أو أن يكون رحمهم رحمًا بديلاً لأي إنسان أيًّا كان ليزرع فيه حيوانه المنوي الذي خصبت به بيضة من امرأة أخرى، فلن ترضى؛ لأن الفطرة تأبى ذلك.

وعندما نقول بجواز ذلك سوف ندخل دَخَناً على هذا الأمر الذي ينبغي أن يكون في علو وفي رقي ورفعة، يحصل له معنى الطهر والنقاء والعفاف، فمسألة صحة الانتساب أو صحة النسب من الخطورة بمكان، ونقول: إن ما يعايشه الغرب من أسباب التفكك الأسري يرجع – في أقوى ما يرجع إليه – إلى مسألة الاطمئنان إلى صحة النسب تلك، فنحن بما زرعه لنا وفينا الإسلام من قيم تتعلق بمسألة النسب هذه، نقول: إن الاطمئنان إلى صحة انتساب أبنائي إلى هو ما يجعلني أستشعر طعم الحياة، وأستعذب الألم في أن أحَصَّل لهم أسباب الحياة والعيش الكريم.

مسألة أثارها الأخ الكريم وهي من صميم بحثه، وهي مسألة ربما هون البعض من أمرها، فارتأى القول بحلها، تتمثل في أن يجوز للزوج الذي تحت عصمته امرأتان، أن يخصب حيوانه المنوي ببيضة إحدى الزوجتين لتزرع في رحم الزوجة الأخرى، أقول – أيضًا -: إن هذا يدخل في نطاق المحرم؛ لأمور: أولها: واقعة الزرع نفسها، واقعة الزرع تتمثل في إدخال بيضة غريبة أجنبية حاملة لنصف الجينات التي يكتسبها هذا الوليد من إحدى الزوجتين، تكتمل بالجينات التي تكسب من خلال الجينات الوراثية التي يحملها الحيوان المنوي، فهو غريب عنها. ثم إن وافعة الولادة التي تحدث بعد ذلك، فلا شك أن واقعة الولادة هذه في شرعنا لها الآثار التي تترتب عليها، ولها الأحكام الشرعية الجوهرية الأصيلة المؤثرة التي ينبغي أن ترتبط أحكام بها، ومن ثم فإن واقعة الزرع و واقعة الولادة، يضاف إليها أثر الرحم في إكساب هذه البيضة المخصبة والوليد الناتج عنها بعض الصفات والسمات، يجعل الأم البديل مرتبطة وجدانيًّا به، هذه الأمور تجعل من عدم الجواز في هذه الصورة هو الأقرب إلى روح الشرع.

أذكر أنني شاهدت فيلمًا أجنبيًّا يدور حول هذا الأمر بعينه، ووقائع أحداث الفيلم تشير إلى أن صاحبة الرحم البديل بعد أن وضعت هربت بالوليد؛ لأنها استشعرت أنها الأحق به من صاحبة البيضة، وكأن احتضان الرحم لتلك البيضة عبر تلك المراحل، جعل هناك علاقة تنشأ بين الأم البديل والجنين، غرست فيها معنى الأمومة، والأم صاحبة البيضة صارت غريبة بعيدة. إن نداء الفطرة السوية يجعل من الأم البديل ترفض تسليم الوليد بعد ولادته لما نشأ بينهما من علاقى حميمة، علاقة الأم بوليدها.

ثم ما أشار إليه الأخ الباحث الكريم من مسألة عدم قابلية الرحم المبذل والإباحة حتى من صاحبة الرحم البديل إذا كانت زوجة لصاحب الحيوان المنوي، فإن الرحم لا يقبل أن يؤجر؛ لأن الإجارة – كما أشار – عبارة عن عقد على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم إلى وقت معلوم. وأيضًا الرحم لا يقبل أن يوهب أو يعار؛ لأن الهبة والإعارة باعتبارهما تمليكًا وإن كانا بغير عوض، فإننا نجد موردهما إنما يكون فيما يقبل البذل والإباحة، ومن ثم فإن يد الإنسان مأخوذ عليها بصدد ما يعد أمرًا له تأثيره وله أحكامه الخاصة به التي ينبغي أن يحفظ بها، وأن يحاط بسياج من الرعاية والحماية والحصانة، بعيدًا عن أن يبحث، فهناك ضوابط وأصول ما يتعلق بالعرض، وهناك – أيضًا – نداء الفطرة الذي يملي علينا أن ننأى بالأعراض عما يدخل فيه دخلاً، أو, يحيطه بما يهون منه أو يهين مكانته ومنزلته.

عفوًا للإطالة وشكرًا، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

 

د. محمد همام [3]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

إنني سعيد بالحضور والمشاركة في هذه الندوة الطيبة، وهذا المجلس الطيب، بجانب مجموعة من الأساتذة الفضلاء، وأخص منهم: الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية، والدكتور محمد عمارة، والدكتور علي جمعة، فنحن مدينون لهم كثيرًأ، نحن أبناء الصحوة الإسلامية في المغرب، بالتوجيه والدعوة والإشراف الفكري والعلمي، كما أشكر الأستاذ أحمد على بحثه الجيد، وعلى هذه المقاربة والمقارنة، كما أشكر الأستاذ الدكتور جمال الدين على هذا الاحتضان للشباب الباحث وإذكاء البحث العلمي فيه.

 

عندي بعض الملاحظات المنهجية:

أعتقد أنه لابد أن تكون المداخل المعالجة لقضايا معاصرة تطرح علينا في العالم الإسلامي .. مداخل متعددة، وألا يكون دائمًا المدخل الفقهي بمفهومه الضيق هو المدخل الوحيد؛ لأننا – كما نلاحظ – نطرح كثيرًا من الأسئلة على فقهائنا وأسلافنا، وهي خارج طاقاتهم، وخارج سياقاتهم، وأننا عندما تقابلنا مشكلات معاصرة تبحث عن حلول عندهم.

حقًّا، إن هؤلاء السادة الفقهاء أبدعوا مجموعة من الأدوات، ومجموعة من الآليات ولكن لابد من تحمل المسئولية عند الجيل المعاصر؛ لإبداع مقاربات جديدة، ومداخل جديدة.

وهنا أركز على أن مثل هذا الموضوع يجب أن يعالج من خلال مداخل منهجية جديدة؛ أهمها: أولاً: الانطلاق من روح الفريق، فأعتقد أن موضوعًا وإشكالاً من هذا النوع، لابد أن يتوفر عليه فريق بحث توجد فيه كفاءات فقهية وكفاءات اجتماعية وكفاءات طبية؛ كفاءات فقهية من خلال تطوير أدوات البحث الفقهي المعاصر في مثل هذه القضايا، مع استحضار الاجتهادات والمداخل المنهجية التي صاغها العلماء الأقدمون، ثم المداخل الاجتماعية باستحضار المعطيات الاجتماعية لهذه الظاهرة، فالظاهرة تؤدي إلى أبعاد وتداعيات اجتماعية على مستوى الأسر والعلاقات في داخل المجتمع، لابد من استحضارها، ثم لابد من استحضارها مداخل طبية بالاستعانة بخيرات الأطباء الشرعيين، وأقصد بالأطباء الشرعيين الأطباء الذين ينطلقون من داخل رؤية عقيدية دينية غير المخاصمين للذين وغير المنطلقين من رؤية حيادية مع الدين أو معادية له.

وأعتقد أن فريقًا هذا شأنه، مشكل من كفاءات فقهية واجتماعية وطبية، يعيننا على الوصول للرأي الحق الذي يتساوق مع الشرع الحنيف، ويتناسب مع الفطرة الإنسانية، في مثل هذه الوقائع المعاصرة .. شكرًا لكم كثيرًا، والسلام عليكم.

 

  أ.محيي الدين عطية [4]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

بعد تسجيل إعجابي الذي يصل إلى درجة الانبهار بالباحث الشاب الذي أرجو أن يكون نموذجًا متكررًا في جيل الباحثين الواعدين على طريق نهضتنا الفقهية، أقول إن البحث بالرغم من أنه عنى بتحليل الآراء الفقهية تحليلاً أصوليًّا منهجيًّا، وهو المقصد الوحيد من وراء هذه الندوة عن التجديد الفقهي، فإنني افتقدت في نهايته محصلة منهجية يخرج بها الباحث تصلح أن تشكل تراكمًا معرفيًّا على طريق الاجتهاد والتحديد الفكري .. فهل نطمع في أن تضاف هذه الخاتمة إلى البحث .. وشكرًا.

 

أ.د. هية مشهور[5]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

معلوماتي الفقهية محدودة جدًّا؛ لأجل هذا يمكن أن تكون نظرتي الخارجية فيها بعض الفائدة.

منهجيًا، هناك سؤلان:

هل المشكلة هي مشكلة تحديد النسب أم المشكلة هي أمًّ غير قادره على الإنجاب، فيتم حلها عن طريق الاستئجار؟

أتمنى لو قمنا بتحديد السؤال المنطلق من هذين السؤالين، حتى نستطيع الوصول إلى حل في المسألة المطروحة.

إلى إشكالية نتعرض لها لابد من أن نسأل: ما هو الهدف؟ ما هو الغرض؟ ما هو المطلوب؟

لو أن المشكلة مشكلة أنساب، عوملت معاملة أية قضية تدور حول الأنساب واختلاطها.

ولو أن المشكلة مشكلة أمًّ غير قادرة على الإنجاب، فهل يسمح لها أن تنجب أطفالاً بهذا الأسلوب؟ وفي هذه الحالة تكون المرجعية للقرآن ومبادئه العامة .. وشكرًا.

 

أ.د. جمال الدين عطية:

مسألة الأنساب ، نتيجة لهذه العملية (استئجار الأرحام)؛ ولذلك تبحث بوصفها نتيجة، وهل هي مقبولة شرعًا أو غير مقبولة شرعًا، فالأمران ليسا سواء؛ الدافع إلى إجراء هذه العملية هو رغبة الأم التي لا تستطيع الإنجاب في أن تنجب، أو قد يكون ليس عدم قدرتها، ولكن عدم رغبتها؛ حتى تحافظ على رشاقتها، أو أي سبب آخر .. هذا هو الدافع.

وبالنسبة لرأي المبيحين ينتج عنه السؤال الآخر، وهو: هل هناك اختلاط أنساب أم لا؟

 

أ.د. على جمعة[6] :

بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمدلله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.

أظن أن البحث له سؤال يبحث في منهجه هو: هذه العملية هل هي حرام أم حلال في شرع الله؟

هذا هو السؤال، ثم السؤال – دائمًا – في المنهج العلمي، يولد أسئلة متتالية، تبدأ بـــ: لماذا؟ و كيف؟ ومتى؟ وأين؟ … إلخ مــا هنــالك من أدوات الاستفهام التي تولد في نسق متكامل للبحث فيما بعد، لكن مشكلة هذا هو الرحم البديل .. ما حكمه؟

وقد حصر الباحث نفسه في هذا المجال، فأظن أنه من الناحية المنهجية قد وفَّى، وإن كنا نقصد بالناحية المنهجية الشكلية، فقد أحال وأرجع وكذا، .. إلخ.

وأنا أريد أن أسأل الباحث، أو أسأل بالأحرى الدكتور جمال: هل مجمع رابطة العالم الإسلامي هو مجمع الفقه بجدة؟ أظن أن هذا شيء، وهذا شيء آخر، وقد خلط الباحث بينهما؛ ظنًّأ منه أنهما شيء واحد، ولكن الذي في رابطة العالم الإسلامي هو الذي أصدر قرارًا آخر.

هذه واحدة، أما الثانية فقضية أن البحث ليس فيه خاتمه منهجية فأقول: أن فيه خاتمة منهجية، لكن أرى أنه لو أضيف إليها قضية الرؤية الكلية، إذ أننا ونحن نبحث في مثل هذه الموضوعات لا نستجلب الأدلة ابتداء، إنما نجلس فنفكر، من الذي يفكر؟ ذلك المسلم الذي له رؤية كلية، ترى: أن الله خالق، وأننا مكلفون، وأن هناك يومًا آخر سنذهب فيه إلى الله للحساب، للعقاب أو الثواب، وأننا مكلفون في هذه الحياة الدنيا – أساسًا، كمراد لله تعالي – بعبادته وعمارة الأرض وتزكية النفس، وأننا مكلفون بمراعاة الأهداف والمآلات، وأننا .. وهكذا.

يعني هناك رؤية كلية للإنسان تتحكم في هذا ابتداء، قبل استجلاب القواعد الفقهية، والبناء عليها، أو حتى قبل استجلاب النصوص الشرعية المقدسة المطلقة والبناء عليها. فإنه يجب علينا أن ندرك الواقع في آنياته، ونرى المسلم بإزاء هذه الواقعة، من هو المسلم؟ الذي معه الرؤية الكلية في مجملها ومكون عقله، وهو يرى أن الإنسان سيد في الكون وليس سيدًا للكون، وأن الإنسان كائن فريد وليس قطعة من الخشب أو الحديد، وأنه لا يصلح في التعامل معه بالطرق الإمبريقية، إن صح التعبير، يعني هناك رؤية كلية، هذه الرؤية الكلية فيها رفع الضرر، وفيها تحقيق الغايات .. إلخ.

هذه الرؤية الكلية هي التي فقدت في البحث، والتي يمكن أن ندخل منها إلى هذه القضية بالإحجام أو الإقدام، دعنا من الحلال والحرام؛ إذ تمثل قضية التحليل والتحريم الآن عائقًا وكابحًا في تفكيرنا، فلنقل: بالإحجام أو الإقدام، وحينئذ، فإنها فعلاً تحتاج إلى الاتساع الذي تكلم عنه الأستاذ محمد همام، وهو أننا في حاجة إلى مداخل متعددة نستطيع بها أن نتمثل إلى مداخل متعددة نستطيع بها أن نتمثل هذه الرؤية على وجهها الصحيح، وعندما نقول بالإحجام أو الإقدام، فإننا نكون محققين للمصلحة، ومحققين لسقف الرؤية الكلية في هذا.

القضية الأخرى، التي يمكن أن تندرج تحت الرؤية الكلية، ولكني أحصها بالذكر؛ لأنها تؤثر في كثير من المسائل، هذه المسألة وغيرها .. أهداف الدعوة الإسلامية، يعني الإسلام الذي أريد أن، أخاطب به العالمين، يدعوني هذا – وأنا أفكر أنني لست وحدي، وأنني عندما سأتكلم هذا الكلام سيسمعه العالمون، وهؤلاء مخاطبون من الله – سبحانه وتعالى – ومدعوون إلى الإسلام، فيجب على عندما أتكلم وأنسب حكمًا لفعل أن أرى أثر هذا الذي سأتكلمه في قضية الدعوة، أين أنا في العالم؟ وليس هذا لأني أخافهم، أو أعمل لهم حسابًا .. أبدًا، ولكن لأنني أقوم بواجب الدعوة التي أمرني الله سبحانه وتعالى بها، أمرني الله أن، أدعو الناس، فهل أدعوهم إلى عقلية تشبه عقلية الخرافة؟ هل أدعوهم إلى الفساد في الأرض؟ هل أدعوهم إلى ما يخرجني من أسس ديني؟ حتى هذه القضايا ليس فيها ممالأة لهم، فلو دعوا – مثلاً – إلى الشذوذ الجنسي أقف أمامهم وأصدهم، ولا أرتضي هذا أبدًا، ولا أرتضي إباحة الخمر ولا الخنزير ولا ترك الصلاة ولا إهانة الإنسان أو قتله …

فهناك – إذن – رؤية كلية، ومراعاة لأهداف الدعوة، وهذا يتنافى مع الخوف والممالأة الذي يتنافى مع الخوف والممالإة الذي عليه كثير من الشرعيين الآن، ومن ثم يبنون أمورهم على انطباعات، والانطباع ليس من العلم في شيء.

قضية أخرى، تدور حول مجموعة القواعد الفقهية، ومجموعة القواعد الفقهية أحسن الباحث في عرضها، وهي – في الحقيقة – تلخص ذاكرة الفقيه التراثي، وهناك بعض قواعد لم يتعرض لها الباحث، منها: أنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، وهذه ستفيدنا في مسألة لم يتعرض لها، وهي أنه قد تم فعلاً استجئار الرحم، وحملت صاحبة الرحم المستأجر ووضعت، وأنت تقول: حرام، فهل نجري عملية إجهاض أم لا؟ هذه مسألة تتولد من الفعل في الواقع، أو من الإباحة إذا أبحنا.

قضية أخرى، البناء على المشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق. هذه مسألة يمكن أن تحدد للقاضي أو الفقيه في قضية وصف الأم {وَ الْوالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُن} الوالدات: اسم فاعل، وهو الصفة التي هي الأمومة .. وقد أشار الباحث إلى شيء من هذا، ولكنه لم يشر إلى القاعدة، ونحن نتكلم عن مجموعة  من القواعد والمناهج.

الآليات – أيضاً -: ليس فقط آلية القياس هي التي يمكن أن تستعمل هنا، ولكن هناك – أيضًا – آليات أخرى كالاستحسان والعرف، وأشياء أخرى – عند التدبر – يمكن أن تضاف.

الأهداف والمآلات: ينبغي على الباحث أن يتأكد من مآلات هذه الأفعال، كيف تكون؟ وليس في ذاتها ابتداء.

أنا أظن أننا إذا أردنا – وهو هدف هذه الجلسة – أن نبني تراكمًا يستطيع به الفقيه في العصر الحديث، وبوسيلة تكون أكثر دقة وسرعة في مواجهة المتغيرات، أننا ينبغي أن نكتب هذه الأداة بهذه الصفة.

الفقيه يجب أن تقوم بذهنه: رؤية كلية، وأهداف للدعوة، ومآلات للأفعال، وقواعد فقهية في مجملها، وآليات يمكن أن يستعملها، ونظر إلى المصالح والمفاسد، ويخلط ذلك كله بنفس فقهية مؤهلة للإحجام والإقدام، ثم بعد ذلك يستحضر الدليل.

يقول الإمام الجهيني في البرهان: إن الصحابة الكرام كانت إذا عرضت عليهم المشكلات أفتوا فيها مباشرة، ثم بعد ذلك إذا سئلوا عن الدليل بحثوا عنه حتى أتوا به.

يعني أن هذا الشخص الذي أمامي فقيه تربى على مدرسة معينة يواجه بها الحياة، ثم عن قضية الدليل الجزئي يستطيع أن يستحضره من هنا ومن هناك .. ورأينا الإمام الشافعي وهو موقن بهوية الإسلام وبالأخذ بالإجماع يبحث عن دليله في قراءته القرآن الكريم ستين مرة، هو متأكد أن هناك دليلاً. ويبحث عنن القياس فيأتي {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأبْصَارِ} التي قد انتزعت من سياقها وسباقها.

إذن فقضية استحضار الدليل الجزئي لتفصيل الحكم الجزئي، قضية لا تربي الفقهاء، وإنما الذي يربي الفقهاء هو منهج متكامل تتداخل فيه كل هذه الأشياء في منظومة متكاملة، فيلتزم بالنص، ويعيش الواقع، وعندما ينتج أحكامًا جزئية ينتجها في مظلة الشريعة الإسلامية .. وشكرًا لكم.

 

أ.د. عبد اللطيف عامر[7]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

أحمد الله، وأستعينه، واستهديه.

إن جلوسي بجانب فضيلة المفتي، ثم مجيئي بعده، يصعب عليّ الموضوع.

وأثني على هذه المحاضرة التي أتى فيها الباحث بالأقوال، فغطى المسألة، ولكن هناك بعض النقاط:

الموضوع تحت مظلة التجديد الفقهي، فهي مسألة فقهية، والفقه له آراء سبقت البحوث، وإذا أردنا أن نعالج مشكلة معاصرة، فهي في ضوء الأحكام الفقهية.

مسألة التحليل والتحريم تخضع لأدلة قطعية، وأما الاحتمالات فهي محاولات فقطن لا يعتمد عليها كثيرًا، إنما يقال مثلاً: إن المرأة البديل قد ترفض تسليم الولد، أو قد ترفض صاحبة البيضة تسلم الولد .. هذه احتمالات، لكن نحن نبحث عن الأدلة الشرعية التي تبيح أو التي تحرم هذه المسألة.

وإذا كان بناء الأسرة في الإسلام يفترض أنه مبني على لقاء الذكر بالأنثى، فإذا بحثنا عن الأدلة فإننا نبحث عنها في هذه الظلال؛ لأننا حينما قرأنا بعض الآراء المؤيدة أو المعارضة لمسألة الرحم البديل، كانت في معظمها احتمالات، فنسبة الولد إلى أبيه من غير طريق اللقاء الجنسي هو عمل بالحديث « الولد للفراش»، لكن كما أشار الأخ الفاضل فإن الحقيقة العلمية ليست هي الحقيقة الشرعية، واعتمد على هذه الحادثة الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «احتجي منه يا سودة» لم يكن في ذلك معارضة الحقيقة العلمية للحقيقة الشرعية. الحقيقة العلمية هي أن، هذا الولد ليس من هذا الرجل، لكن «الولد للفراش» هو تصحيح شرعي فقط، وليس مناقضة للحقيقة العلمية، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «احتجي منه يا سودة».

 مداخلة (أحد الحاضرين):

ما تقوله يادكتور عبد اللطيف بالعكس؛ لأن هذا الولد لو كان ابنه، فسودة لا تحتجب عنه، أما إذ لم يكن ابنه فسودة تحتجب عنه.

 

أ.د. عبد اللطيف عامر:

لكن هو وجد شبهًا كبيرًا جدًّا للولد بالغير، فهو ابن الغير وهذه حقيقة علمية، فهذا لا يدل على أن الحقيقة الشرعية مخالفة للحقيقة العلمية، ونحن في الشرع لابد أن نستخدم الحقائق العلمية، وإلا فسنجعل الحقيقة العلمية مخالفة للحقيقة الشرعية، ونفرع عليها فروعًا، أعتقد أنها ستوسع علينا الدائرة كثيرًا ..

شكرًا لكم ولا أريد أن أطيل.

 

أ.د. محمد برش[8]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

إنني أثني على الباحث المجتهد أحمد ممدوح، وأثني على ما سمعته من بحثه، وإن كنت أريد أن يكون أكثر جرأة في النقد، مع الحرص على الرسوخ في العلم.

أمامنا مثال صارخ على الدلالالة على أن الاجتهاد منظومة متكاملة، فلا يمكن أن، نكون مجتهدين في الفقه ونحن على تلك الوتيرة ولا تلك الحالة في مجالات العلوم الأخرى: الإنسانية والاجتماعية والطبية والتقنية وغيرها. المشكلة التي وضعت أمام الأطباء هي كيف نسد حاجة امرأة راغبة في الإنجاب وهي ليس فيها من عيب إلا ثبوت البييضة بعد التلقيح على جدار الرحم؛ مما يستدعي الاستئجار والبحث عن رحم بديل.

ومن المؤكد أنهم تساءلوا: هل تكون تلك الرحم صناعية أم تكون حيوانية أم تكون إنسانية؟

    وانطلاقًا من القيم التي احتكموا إليها، وبحكم أنهم لم يكن عندهم حاضرًا بالذهن أن هذه القيم لابد أن تكون متجانسة مع القيم الإسلامية، ساروا عى منهج غير الذي كنا سنسلكه لو أن باحثين مسلمين هم الذين أجروا البحث بتمويل وتشجيع من الجهات الداعمة؛ مما يستدعي ويدعوا إلى إنشاء صناديق الدعم للبحث العلمي في هذا المجال؛ حتى لا نكون دائمًا من الذين يأتون إلى حصاد قوم يتساءلون: هل مباح لنا أن نتناول منه شيئًا وهم عن الزرع غافلون.

نقطة أخرى، من المؤكد أننا نحتاج إلى أدوات فقه جديد، إلى عد الإ:ثار من الإحالة على نوازل صدرت لسد حاجات وحالات على غير ما نعيشة، بل نحتاج إلى دراسة الحالة حيث انبثقت، والمدارس البحثية التي دفعت لها، فنرى كيف استطاعت جهات البحث العلمي أن تخرج بهذه النتيجة؟ وماذا كان مقترحًا كبديل لحل المشكلة؟ لاستطعنا أن ننظر بشكل آخر إلى المسألة.

طبعًا، الحلال بيّن، والحرام بيّن، لكن نحن محتاجون معرفة ساحة المتاح في الطب والعلم، وهذا يدفعن إلى معالجة النازلة ببدائلها؛ حتى نوجه الأمة إلى الاستثمار؛ لأننا قد نبحث الآن في هذه الظرفية: هل ممكنة أم غير ممكنة؟ لكن ينبغي أن، نحل الإشكال، ولا نبقى نجتر المسألة، فنحن نتساءل اليوم عن الرحم البديل، وغدًا سنتساءل عن مشروعية قطع الغيار الإنسانية التي سوف نستخلصها من آدميين أفرزوا عن طريق الاستنساخ أو غيره.

لاشك أننا نحتاج إلى أن ندرس وندفع علماء وباحثين في علم الاجتماع وعلم النفس وعلم السلوك الإنساني لدراسة ميدانية لما ترتب على عمليات استئجار الرحم من قضايا ومشاكل وتنكر من استئجرت .. كل هذا نحتاجه، ونحتاج في الوقت نفسه إلى تشجيع الناس عليه، لنقول: هذه هي العواقب، وهذه هي العقبات، وهذه هي العقبات، وهذه هي المآلات التي نتجت عن مثل هذا التطبيق، ونحتاج إلى إحصاء لهذه العمليات التي جرت بعيدة عنا، وجمع ما دون حولها؛ لتكون مادة يستفاد منها في البحث في النازلة التي أمامنا باعتبار المآل فيها، فالبت في الحال يقتضي معرفة المآل.

أخيرًا، أقول: المسألة معقدة بأكبر من هذا، الرحم البديل يمكن أن تكون أمًّا، أو أختًا، أو بتًا، أو أمًا لزوجة، ويمكن أن تكون متزوجة أو بكرًا أو ثيبًا؛ حتى يمكن من الناحية الطبية أن تكون من القواعد من النساء، فكلما سلمنا بدخول باب فإننا سنجد أنفسنا أمام أبواب أخرى قد نقف أمامها طويلاً مترددين ما دامت حاجياتنا العلمية يسدها غيرنا، ويأتي أهلنا يستفتون في استعمالها، ماذا نفعل؟

ما دمنا في مجال البحث العلمي من المستهلكين سنبقى دائمًا نحاول أن ننظر ماذا نختار من حصاد أولئك القوم بدلاً من أن نكون قد سارعنا بزرع نستطيع أن نقدمه، ويبقى أمامنا دائمًا أن نجتهد فيما أنتجه أولو النهى من السلف .. أشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أ.د. سيف الدين عبد الفتاح[9]:

بسم الله الرحمن الرحيم،

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَأ أو أَخْطَأْنَا}

أود في البداية أن يأذن لي الشرعيون في التحدث في هذا الموضوع؛ لأنني متخصص في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهل يأذنون لي؟

إنني أزكي المنهج الذي يتحدث به شيخنا وأستاذنا الدكتور على جمعة حول هذا الموضوع؛ فنحن – بالفعل – في حاجة إلى هذا المنهج الكلي، وأن نبدأ دائمًا في مناقشة النوازل من هذه الرؤية الكلية التي أشار إليها.

والمنهج الكلي، يتطلب نوعًا من الأدوات الكلية أيضًا، الأدوات الكلية التي تتعلق بالاجتهاد الجماعي، وبالشورى البحثية، وبتفعيل آلية أهل الذكر؛ وذلك أن الموضوع له جوانب متعددة، فمهم أن تصدر الفتاوى بصدده عن مثل هذا الشكل البحثي الذي يتطلب بحوثًا مستفيضة، فيها من الدليل، وفيها من الجواب الشافي والكافي الذي  يقطع على بعض هؤلاء الذين يترخصون في بعض الأمور.

سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: تحدث للناس أقضية بمقدار ما أحدثوا من فجور. وهذا يحيلني إلى: ما هو علم اجتماع المشكلة لم تنشأ هنا، المشكلة نشأت في الغرب، والغرب – هنا – يصور للبعض أن ذلك حجر على بعض النسوة اللاتي لا تستطعن الإنجاب؛ لوجود موانع، قد تكون عضوية … إلخ.

ولذلك هناك أمران مهمان: أولاً: لابد أن نحدد هل هذه أسئلتهم أم أسئلتنا؟ وهذا يعني فقه السؤال في هذا الموضوع.

 

أ.د. هيثم الخياط [10]:

أولاً – أحب أن اغتنم مناسبة مرور 50 عامًا على لقائي الأول بأخى الدكتور جمال عطية لأُحييه على نهوضه لهذا الفرض الكفائي الذي ينهض به عنا جميعًا فيرفع الإثم عنا على حد ما، ولو أني لا أحب كثيرًا أن، يلقى الإنسان بِثقَلِهِ على غيره، ولا سيما إن وجد لديه من الأريحية ما يجعله يتحمل أمثال هذه الأمور، ولكن هذا الموقف موقف مهم جدًّا أن نهتم ببناء الذين سيتسلمون المِشع والذين سيتابعون؛ لأن المشكلة أننا نجد في هذه الأيام أن، هناك فجوات كبيرة وفراغات بين الأجيال.

ونحن على سبيل المثال نشعر بالفراغ الذي خلفه رحيل الشيخ الغزالي – رحمة الله عليه– لم يوجد من يحل محل الشيخ الغزالي، ولا من يقاربه بشكل من الأشكال. لماذا؟ من الذي قصر في هذا العمل؟ الله أعلم، أنا لا أريد أن أقول من المسئول، لكن نحن جميعًا مسئولون عن إنجاب هذه الطبقة الجديدة التي ستحمل هذه القضية وتمارس هذا الفعل باستمرا، هذه ملاحظة أولى هامشية.

ملاحظة ثانية هامشية أيضًا هي ملاحظة لُغوية، فقد وجدت الباحث الكريم يتحدث في بعض الأمور اللغوية أيضًا في ورقته، فيقول إن البويضة خطأ والصواب البييضة، وفي ظني أن هذا التصحيح يحتاج إلى تصحيح؛ لأن الكوفيين دائمًا هم أميل من البصريين كثيرًا إلى موضوع البعد الجمالي للكلمة، فهم يحاولون أن يلجئوا إلى ما يستخفون من الكلم حتى يبتعدوا عن الثقل؛ لأن هذه الخفة تجعل الكلم أقرب إلى الجمال.

وهذا الموضوع في اعتقادي يجب أن يبحث بحثًا أوسع من ذلك بكثير؛ لذلك الكوفيون يقولون: بويضة، ويصغرون البيض على بويضة ويقيسون عليها بعد ذلك، يعني هذا أن كلمة بويضة رسخت بهذا الشكل، فقاسوا عليها شويخًا لتصغير شيخ وما شابه ذلك من الكلمات.

ولذلك فأنا أؤيد ما قيل أنه خطأ وهو البويضة بدل من البييضة؛ لأن الياء والواو حينما تتجاوران يكون ذلك أخف على اللفظ.

والملاحظة اللغوية الثانية وهي وهم من الأوهام الشائعة أننا نستعمل التوأم للاثنين. التوأم هو أحد التواءم؛ ولذلك نقول: التوأمان ولا نقول توأم واحد إلا أن كنا نريد الحديث عن أحدهم فقط.

الملاحظة الثالثة تأنيث بعض الكلمات التي أيضًا شاع تأنيثها وهي في الأصل مذكر، فمثلاً نؤنث البطن وهو مذكر، ونؤنث الرأس وهو مذكر، ونؤنث المستشفى وهو مذكر، وما شابه ذلك من أوهام الثقات، ولكن يجب التنبيه إليها مرة بعد مرة.

هذه ملاحظة هامشية أخرى، وأرجو أن لا أكون قد أطلت.

أدخل في صميم الموضوع، أنا معجب جدًّا بالأخ الكريم، ومتفائل جدًّا بمستقبل هذه الأمة حينما يكون فيها أمثاله من الذين يحاولون استيعاب الموضوع مثل هذا الاستيعاب، والحقيقة أنه قد جمع فأوعى، ولو أنه كان في الإمكان وهو يناقش  في قضية طبية من هذا القبيل أن، يلتفت أيضًا لما تقوم به المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية التي تجمع عددًا كبيرًا من الخبراء والأطباء ومن الفقهاء في الوقت نفسه، حيث يقوم الأطباء والخبراء بإعداد الموضوع من الناحية العلمية البحتة، ويضعونه في متناول الفقهاء الذين يناقشونه، ثم يتساءلون وهم مجتمعون مع الأطباء عما عَنّ لهم أثناء دراسة هذا الموضوع، ثم يصل الجميع إلى مفهوم مشترك، وبعد ذلك يجتهد الفقهاء، وهذا الاجتهاد هو اجتهاد جماعي. لا أقول أن، الاجتهاد الجماعي هو الذي يجب أن يحل محل الاجتهاد الفردي، ولكن أنا أميل إلى الاجتهاد الجماعي كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولو أن ذلك لا يجوز أن يلغى الاجتهاد الفردى الذي هو الأصل، ولكن هذا يجمع الحُسنيين، فالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية كانت قد درست هذا الموضوع ضمن مجموعة من أمور تندرج تحت عنوان الإنجاب في ضوء الإسلام، وساهم فيه عدد كبير من الفقهاء. كنت أحب أن يكون الباحث قد اطلع على هذا البحث، وأنا سعيد بأن أضع هذه النسخة تحت تصرفه لاستكمال هذا الموضوع، ولو انه لم يقصر في ذلك، ولكن يحسن أن يضاف العامل الطبي أيضًا.

إذا كان الباحث قد جمع المراجع وجمع الأحكام والأدلة ومناقشة هذه الأدلة فهذا عمل جدير بالتقدير، لكن الذي نحتاجه ليس هذا فقط، نحن نحتاج إلى هؤلاء الفقهاء الذين سيقولون لنا إن الحكم كذا، كما قال أخي الدكتور علي: إن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يفتون ثم يحاولون جمع الأدلة؛ لأن الفتوى بالنسبة إليهم أمر بديهي؛ لأنهم قد جبلوا على هذه العقيدة، واستطاعوا أن يفهموا بالدرجة الأولى مقاصد هذه الشريعة، وانطلاقًا من هذه المقاصد كانوا يجتهدون، فمن أجل ذلك فإنني أفضل أنه بعد أن يقوم الإنسان بمثل هذه الجولة البانورامية يتوقف قليلً، ويحاول أن يجتهد هو، أنا أتمنى أن أسمع هذا الجزء الأخير، الاجتهاد في ضوء الأدلة لا في ضوء قياس الآخرين؛ لأن الأدلة – كما نعلم – متعددة، وما دام الفقه الذي سنحتاج إليه والذي سيفيد المجتمع والفقه المقاصدي؛ فإن علينا أن نكون متفاعلين مع النصوص مباشرة، أن نعود إلى القرآن الكريم، إلى الحديث الشريف، قبل أن ندخل في موضوع القياس، يحاول الواحد منا أن يتفاعل مع هذه النصوص الأصلية ويصل إلى اجتهاد أيضًا دون أن نلجأ إلى الأدلة الأخرى، تلك التي يحاول أصحاب بعض المذاهب – كما نعلم – أن يذم هذه السبل أو يسميها بأسماء أخرى مثل قضية الإستحسان، والخلاف المعروف فيها بين الشافعية والحنفية، ولكن الإستحسان شيء مهم جدًّا ويجب أن نفقه الإستحسان، كيف يتم العدول عن هذا الدليل لحجة قوية؟ كيف نستعمل هذه الحُجج القوية؟ لأننا سوف نفتي في مواضيع النوازل بالدرجة الأولى؛ لأننا لن نفتي اليوم في أشياء فرغ منها فيما مضى. نحن سوف نفتي فيما يستجد من قضايا؛ ولذلك فإن علينا أن نتعلم كيف نتفاعل مع هذه النصوص، وك يف نستنبط الأحكام، وكيف نصل إليها بالطريق الصحيح؛ ولذلك فإنني أتمنى أن يقوم الأخ الكريم بهذه العملية بعد ما جمع و وضع القاعدة الأساسية، لكن بعد أن نضع هذه البنية القاعدية – إن صح التعبير – يجب أن نحاول هذا التفاعل وأن نجرب، والإنسان يجرب فيخطىء، وليس هنالك إنسان معصوم أبدًا فلا عيب في أن، يجرب ويخطىء لكن المهم أن يجرب هذه هي النقطة الأساسية، وأنا أتمنى أن الأخ الحبيب يبدأ هذه التجارب، وسوف نقدر له أمثال هذه التجارب، و سوف نقدر له أمثال هذه التجارب، ونحاول أن نتعلم من هذه التجارب، ونُرَشد هذه التجارب، هذا الذي سوف يوصلنا – إن شاء الله – إلى الغاية المطلوبة. إن مجرد جمع ما قيل قد لا يكفي في اعتقادي. هو جهد مشكور جدًّا ولكننا نحتاج هذه المرحلة الأخيرة. بقيت كلمة أو كلمتان تتعلقان ببعض ما ذكر؛ مثلاً عُزي إلى شيخنا مطفى الزرقا أن رأيه هو كذا.

الحقيقة أن الشيخ مصطفى الزرقا في آخر الأمر عدل عن هذا الكلام المقتبس، عدل عن هذا في لقاء كان بيني و بينه في عَمّان، وقال لي: إننى أنتظر أن أراك حتى أسألك عن هذا الموضوع؛ لأنني أريد أن أسأل المختصين، و حينما ناقشنا الموضوع معه وبصورة خاصة قضية الرحم الظئر من الزوجة الثانية، كانت نهاية النقاش أن عدل عن ذلك.

كذلك ما هو مذكور عن شيخنا على الطنطاوي، هذا كلام صحيح، الشيخ على الطنطاوي منذ البداية وقف موقفًا معارضًا لكل هذه الأشياء التي قيلت، لكن أنا أرجو – أيضًا – أن نتدرب على هذه القضايا التي وردت؛ لكي نستعملها كنموذج من أجل أن نتدرب عليها، يعني مثلاً هنالك ست آيات في القرآن الكريم تُعرِّف الأم بأنها التي تلد، وآياتان منهما تتحدثان عن أن أم الطفل حملته وهنًا على وهن حملته كرهًا ووضعته كرهًا، وأن هذا لا يكون إلا للأم التي حملته في بطنها كل هذه المدة، لكن أولاً حينما نقول: إن أمهاتهم إلا اللائى ولدنهم، بناءً على التعريفات العلمية الحديثة يمكن أن تكون التي ولدت هي التي أعطت البويضة، لكن حينما أتانا الدليل الآخر الذي يجعل هذه الأم هي التي عانت وهي التي تحملت، هذا يرجح كون الأم هي التي حملته وليست الأم التي أعطت البويضة.

أنا أحب أن نتفاعل مع هذه النصوص بهذا الشكل، نحاول أن نجمع النص، نتفاعل مع النص، نستفيد من النص، ونتعلم كيف فعل أسلافنا في هذا المجال.

أنا أعتقد انى قد أطلت كثيرًا، ولكن ما تفضل به أخي الدكتور على جمعة في قضية المجامع. هناك المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو غير المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهما يستعينان كثيرًا بحصائل هذه الأمور فيما يتعلق بالأمور الطبية بشكل عام، وغاليًا ما يتبنون التوصيات نفسها، وعدد من العلماء أو الفقهاء الذين يشاركونهم هم في الوقت نفسه أعضاء في المجمعين.

هنا في هذه القضية حصل خلاف بين المجمعين لم يصل المجمعان إلى الحل نفسه.

مايبقي عليه التساؤل هو قضية الزوجة الثانية؛ لأن هذا يفتح الباب – كما تفضل الأخ الكريم في تلخيصه – لكثير من الاجتهادات، أما فيما عدا ذلك فالموضوع باستثناء فقيه أو فقيهين يعتبر أمرًا مجمعًا عليه؛ لأن جمهور فقهائنا الحاليين هم على تحريم مثل هذا العمل.

بقيت نقطة أخيرة، قضية أن الإنسان يضع نفسه في مكان الآخر وما شابه ذلك، هذا لا يكون شيئًا عمليًّا دائمًا؛ لأن الحالة الأولى التي حصل فيها مثل هذا الحادث لم تكن حالة استئجار أصلاً، وإنما كانت حالة سيدة فقدت رحمها لسبب من الأسباب، وكانت حريصة على أن يكون لها ولد، فتبرعت أمها بأن تعطيها رحمها من أجل أن تحمل هذه السيدة، فمن هنا الأم لو قلنا لها هل تضعين نفسك محلها هل تقبلين؟ نعم تقبل، فليس هذا عاملاً أساسيًّا في أن نحكم أفضل، أن لا نضع أنفسنا في مكان الآخر، وإنما نتعامل معه تعاملاً مجردًا.

 

أ.د. محمد عمارة[11]:

في البداية أثني على الباحث، وأيضًا أعجبتنى ثقته وهو يتحدث ويعرض، وهذه ميزة، أدعوه إلى الحرص عليها طالما أن وراءها جهدًا مبذولاً في البحث، وسعدت أيضًا عندما علمت أنه من تلاميذ الدكتور على ومدرسته إن شاء الله.

النقطة الأولى: هي التساؤل هل نحن عندما نتحدث عن النوازل فكل هذا ينبع من واقع؛ لأن الذي يفرض علينا التجديد   هو الواقع المتجدد والمستجدات، وأيضاً الذي يفرض فقه النوازل هو الواقع المتغير والمتجدد.

في الواقع الإسلامي في ضوء إباحة تعدد الزوجات هل هناك مشكلة تفرض علينا موضوع الرحم البديل؟ أتصور أن هذا التساؤل مهم أن نفكر فيه.

النقطة الثانية وقد أشار إليها الدكتور سيف إشارات معتبرة – تتعلق بالمناخ الذي طرحت فيه هذه القضية، وهو غربي أساساً، وليس فقط غربَّيا، وإنما هو مناخ العولمة، بمعني أن فكرة استئجار كل شئ حتى السيادة، وسيادة الدول علي أرضها أصبحت تٌستأجر، ويتم التنازل عنها، فأنا اتصور أن المناخ هو مناخ مناقض لفكرة الخصوصية، وأنا أتصور أن الرؤية الإسلامية التي تؤكد علي الخصوصية تتضمن فكرة الحرم، وحتى أنا ألمح صلة بين المصطلح الذي يهال عليه التراب وفكرة مصطلح الحريم؛ لأن الحريم من الحرم، وليس من المعنى السلبي الذي يقال، بل حتى أنا كنت من فترة قريبة في الباب العالي في اسطنبول، فعجبت عندما شرحوا لنا كلمة الحريم، هي كانت مدرسة للنساء، وأمامها مدرسة للرجال، ففكرة الحريم أصلاً في الدولة العثمانية لم تكن بهذا المعنى الذي تحدث عنه المستشرقون وهيل عليه هذا التراب. فكرة الحرم فكرة الخصوصية، أتصور أنه المناخ الذي ظهرت فيه فكرة اسئجار الأرحام، وهو مناخ معاد لهذه الخصوصية، وأنا أيضاً أقول: إن التجديد عندنا هو استصحاب للثوابت وتجديد في الجزئيات وفي المتغيرات، بينما الفكرة الغربية أو المنطلق الغربي وراء مثل هذا الطرح وغيره هي فكرة الحداثة التي تقيم قطيعة معرفية كبرى مع الموروث الديني على وجه التحديد، نحن محتاجون إلى أن نزيل الغش الثقافي الذي خلط بين مصطلح التجديد وبين مصطلح الحداثة.

لقد استوقفتنى عبارة أن الحقيقة العلمية ليست بالضرورة هي الحقيقة الشرعية، هذه تحتاج إلى قدر من الضبط والشرح لكي لا تعيدنا إلى قضية العقل والنقل، أنا اتصور أن الحقيقة العلمية في أحيان كثيرة تكون حقيقة جزئية، بينما الحقيقة الفقهية هي حقيقة شاملة وحقيقة كلية، وأضرب مثلاً لذلك: بعض الناس طرح قضية أنه بمجرد وفاة الزوج بدل أن تقوم الزوجة بالوفاء بالعدة يمكن عمل تحليل للرحم للتأكد من براءته من الحمل، من خلال اختبار طبي، لكن هذا اختزال القضية في قضية الكشف والاختبار الطبي، بينما العدة لها أبعاد اوسع وأشمل من قضية الاختبار للرحم، ففي العدة: معنى الوفاء للزوج، وغيره.

وأنا أقول : إن الحقيقة يمكن أن تتمايز، ولا أقول مختلفة، ولكن تتمايز ؛ لأنها قد يكون لها نوع من الشمول أوسع من الحقيقة الطبية إذا كانت حقيقة جزئية.

أنا لا اريد أن أطيل، ولكن أود أن أشير في النهاية إلى شئ قد يكون فيه قدر من الطرافة، نحن نقول أن عيسى ابن مريم وليس ابن الذي نفخ فيها من روحه، أخشى أن المنطق الآخر يوصل إلى أنه ابن الله أو ابن الملك الذي نفخ فيها من روحه.

وأود القول بأنه فيما يتعلق بفكرة الأمومة وفكرة الولادة والآيات التى أشارت إلى دور الأم ودور من حملت في قضية الأمومة وفي قضية الولادة أننا يجب أن لا نسارع إلى مجاراة ما يطرح خارج الإطار الإسلامي ؛ فهناك منطق حضاري هو ثمرة لمنطق ديني ومنطق فقهي يحكم اجتهادات المسلمين، وشكراً.

 

أ. د. حسن الشافعي [12]:

أخونا الأستاذ أحمد كان محموداً وممدوحاً بالقدر الكافي في هذه الليلة أيضاً أنوِّه بمستوى البحث من الناحية اللغوية، ومن ناحية الأداء الفقهي، وأيضاً أقول بأنه تمكن من أن يجمع إن لم يكن كل – فأكثر ما يتعلق بالمسألة – من أدب، وبحث فقهي، واستيعابه والتحاور معه عقلياً ثم العرض الذي شاهدناه جميعاً.

تفضل الدكتور هيثم وهو ليس بالعالم والطبيب فحسب ولكنه لغوي أديب أيضاً، وتكلم عن الجانب اللغوي، وكنت أريد أن أنوه بما في الصفحة الرابعة من مصطلحات لغوية كتبت بجوارها تدرس بالمجمع وشكراً، فأنت قدمت إلينا مادة يمكن أن نشتغل عليها، وإن كان قد سبق للمجمع أن تناول جانباً من مصطلحات الاستنساخ منذ بضع سنين. أيضاً أحيي في الباحث أنه كان موضوعياً إلى حد كبير، وأنه عرض الآراء المختلفة بحججها وأدلتها، وإن كان في بعض الأحيان قد سكت عن مناقشة بعض الأدلة، فأنا كنت اتمنى أن لو تفضل فتناول كل ما عرض بشئ من التحليل والنقد.

وما دمنا تعرضنا للجانب اللغوى فأنا اشارك الدكتور هيثم رأيه في كلمة بييضة وبويضة، وأقول بأن الأخ أحمد – وأرجو أن يسمح لي في ذلك – وقع في بعض هنات نحوية بسيطة في حين ان المستوى البلاغي والأداء في غاية السداد، إن المستوى رفيع في الكتابة، لكن لاحظنا بعض الأخطاء النحوية حتى إنني في هذه الأيام أجدني حائراً بين وضوح العبارة وعدم خلوها من الأخطاء النحوية.

الواقع ليس الجمال وحده هو المعيار، وإنما الإمكانيات الصوتية نفسها، وعند اللغويين أو الصرفيين شئ اسمه عدم توالي الأمثال أو كراهية توالي الأمثال، فالبييضة أظن حتى عند النطق بها أنها غير مقبولة، أما البويضة – فبصرف النظر عن التحليل الصرفي السليم الذي ذكرت – تدخل في دائرة الاستحسان اللغوى إن جاز لنا أن نقول هذا الكلام.

حصل تساؤل حول الإشكالية ومدى مشروعية البحث ومدى الحاجة إليه، أنا أظن أن السؤال مشروع جداً، والسؤال هو نتيجة لما يجري في العالم كله من أنشطة مرئية أو غير مرئية في ميدان الاستنساخ، ولا يخفى على حضراتكم أنه يوجد أكثر من مركز في القاهرة لأطفال الأنابيب، وهذا تطور لموضوع طفل الأنابيب. لكن بعد أن كنا نتعامل معه في ظروف معينة أصبح الآن هناك محاولة لاستخدام الرحم الطبيعي.

وحتى لو قلنا أنها جاءت في مناخ العولمة، وأن هناك حاجة إلى التنبه إلى فقه السؤال كما تفضل الأستاذ الدكتور سيف، فأنا أقول – في هذا الصدد – بأن أكثر الحكومات الغربية ضد هذا الأمر – اقصد الاستنساخ عموماً وليس مسألة الرحم المستأجر، وعلى أسس أيديولوجية أحياناً، لكنهم في الوقت نفسه يسمحون لعلمائهم وللجمعيات العلمية أن يستخدموا الشعوب الأخرى، وخصوصاً في العالم الثالث كما تعلمون، فإذا كانت هذه حقيقة الأمر فنحن بالضرورة يجب أن نواجه هذا السؤال، السؤال وارد ومشروع والإشكالية قائمة سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي أو الأممي إذا كان البعض يجب أن يضعه في هذا الإطار، وأنا أيضاً لكي أنتهي من ملاحظاتي العامة أقول بأن البحث يجيب على بعض التساؤلات التي طرحت.

في الواقع أننا – أحياناً – نستهلك البحث في بعض المقدمات المطولة، وأنا كنت سعيداً أن الباحث دخل في الموضوع مباشرة، وأنه عرض أدلة الطرفين، وحاول فعلاً في الخاتمة أن يصل إلى بعض الأسس سواء تتعلق بالمبادئ أو الآليات أو خلافه، وهذه نقله نوعية في الموضوع، أننا نفكر في استئناف التفكير الفقهي أو اطراد التفكير الفقهي، وليس بالضرورة تجديده، وهذا هو التجديد وهو أن نتناول حالات عينية بذاتها ولا نسرف كثيراً في الكلام في فلسفة الموضوع وفقهه العام.

هناك – أيضاً – أشياء تتعلق بالمبادئ العامة، وهو استخدام مبدأ المشروعية على خلاف الأصل، وذكر على سبيل المثال الإجارة، هل صحيح أن الإجارة موجودة قبل الإسلام، موجودة في تاريخ الإنسانية، الإسلام والقرآن أقرا الإجارة بصور عديدة مختلفة، هنا – في هذا البحث – مكتوب أن الإجارة جازت على خلاف الأصل.

وأقول : ليست العقود هي بيعاً بيع الرقبة أو بيع العين، وإنما بيع المنافع، وحتى لو كان بعض الفقهاء يعتبر الإجارة على خلاف الأصل فينبغي أن نتوقف كثيراً ونعيد النظر في هذا ؛ لأنها عقد أصيل وحاجة أساسية من حاجات البشرية، والإسلام لما أقرها لم يبتدعها، والقرآن هو الذي أقرها.

وأنا – أيضاً – أقول : عندما نتكلم في المآلات، فالأمر لا يتعلق فقط بالحكم الوضعي ؛ لأن المآلات – أحياناً – ينشأ عنها حكم شرعي يتعلق بالتحليل والتحريم، ولكن متى يكون الكلام في المآلات مجرد حكم وضعي؟ عندما تكون الواقعة قد حدثت بالفعل ونحن نتعرض للنتائج الضرورية الناجمة عنها. لكن الكلام في المآلات ونحن نتكلم في الاستنساخ ونتائجه – في الغالب – نستبق الحوادث فنتكلم عن أمور يُخشى أن تحدث، فهذا لا يدخل فقط في أمر الحكم الوضعي، وإنما هو يدخل في باب الحكم التكليفي.

والأمثلة التى جاءت عند الشيخ الرملي كانت في الغالب في أمور وقعت، ويواجهون الآثار الضرورية الناجمة عنها، هذا عمل الفقهاء القدماء.

وهناك أحداث وأمور – يعرفها المهتمون المشتغلون بالمسألة – وقعت وتقع في مجتمعنا الراهن وتتصل بهذه الموضوعات، وبعضها يصل إلى المحاكم، وأحياناً يكون علوق لنطف في داخل الأسر بين أخ وأخته، وهذا وقع في المجتمع المصري.

هناك أشياء أيضاً طرحت في الموضوع، حول نسبة المخصب إلى أي الأمين، وحول نصيب الأمين الأم البيولوجية والأم التي حملت وعانت، ولكن الغريب في الأمر أن بعض الفقاء يٌجيز ذلك، ويعطى لزوج الأم البديل حق الملاعنه، هذا كلام ينبغي أن نناقشه فقهياً.

الملاعنة في نهايتها أنه هو يحلف على نفسه ويدعو عليها باللعنة إن كان من الكاذبين؛ كيف وهناك نوع من القبول والتراضي من البداية، لا يمكن هذا الكلام حتى لو قيل فينبغي مناقشته، إذ كيف أعطيه حق الملاعنة في هذه الحالة.

وأقول ما أقول أيضاً لأستنير : إذا كان هناك عند الرجل زوجتان فلم لا يستولد استولاداً شرعياً طبيعياً من تلك الأم الثانية؟ مالداعي إذاً للرحم البديل؟ إلا أن يكون هناك داع بناء على كلام الأطباء.

مسألة الأم المحرومة ومعاناتها، أنا أقدر هذه الرغبة جداً لدى كل إنسان، الفطرة البشرية متطلعة دائماً إلى النسل والإنجاب وحب الولد، هذا صحيح، وقصة إبراهيم في القرآن الكريم تؤكد هذا، فمسألة  الإنجاب حاجة حقيقية لدى البشر، لكن إذا كانت الأم الأولى عندها مشكلة فيما قبل ذلك وفقط تتميز بأن رحمها سليم. إذا كانت الضرة الثانية سليمة تماماً فلا معنى لهذا السؤال أصلاً ولا معنى أيضاً أن نقول رشاقة الزوجة ؛ لأن هذا معناه أنها تريد أن تكون أمَّا دون أن تدفع استحقاقات الأم.

وأنا أقول هنا للسيدات بالذات والأمهات الحاضرات التى تريد أن تكون أمَّا : يجب أن تدفع استحقاقات الأمومة، أما إذا أرادت المرأة أن تحتفظ بقوامها الممشوق، وتستخدم أخرى معها في نفس البيت، ولذلك أنا تساءلت : هل أن الزوجة الأولى سليمة فقط إلى مرحلة إفراز البويضة، والثانية سليمة لكي تؤويه في رحمها في مرحلة إفراز البويضة، الثانية سليمة لكي تؤويه في رحمها في مرحلة العلوق والالتصاق بالحرم ومابعده، فإذا كانت هذه هي الحالة فربما نوقشت، وأنا لا اغلق الباب.

نعم يمكن للحقيقة العلمية أن تؤدي دورها في استنباط الحكم الشرعي، لكن – وليس هذا تعارضاً ولا هو داخل في صراع العلم والدين – الولد للفراش وللعاهر الحجر، والعاهر – هنا – أب بيولوجي ولكن غير معتد به شرعاً، وفي الشرع هناك المصلحة الملغاة هي مصلحة، والقرآن يعترف بأن الخمر والميسر فيهما منافع للناس ولكن إثمهما أكبر من نفعهما. فالدين – نعم – ينظر إلى الواقع ولا يهمله، ولكن ينظر إلى مسألة الموازنات بين المفاسد والمصالح، ومن ثم يصل إلى حكمه بالاعتداد بالمصلحة أو عدم الاعتداد بها إلى حد إلغائها.

هناك مسألة يجب أن ننتبه إليها وبالذات أهل العالم الثالث ومنه العالم الإسلامي للأسف، فعلينا ألا نساعد بنوك النطف وبنوك الأجنة ؛ لأن هذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وأظن أن الدكتور سيف أشار إلى ذلك، وقد كتبت هذا من ثماني سنوات وقلت : إن اختلاط الأنساب في هذه الحالة أمر حتمي، وهذا الكلام نشأ بعد الضجة التي ثارت حول (دوللي)، وإغفال ذلك هو إغفال لأمور واقعية، فأكثر المشكلات ستنشأ فيما لو شاع هذا التطبيق وظهر إلى السطح، وأخشى أن يكون موجوداً لكنه متخف.

بعض الناس يقول : إن الحياة موجودة ولا أدري هل الدكتور سراج من القائلين بهذا أم لا، ولكنه الفقيه المتفقه الجيد الدكتور محمد البلتاجي – رحمه الله – فيقول بأنه من اليوم الأول للعلوق هناك حياة، ليس بعد عدة أسابيع. فهذه هي الحياة المعتد بها، أو الحياة بمعنى آخر وهو نفخ الروح، فأنا أظن أن هذه نفس وحياة، ويمكن أن ننظر إلى محاولة إعطائها الفرصة. والذين تكلموا في هذا الموضوع تكلموا عن العباقرة وإمكانية استعادتهم أو استمرارهم. فعلى الشرع الإسلامي – أيضاً – أن ينظر في مثل هذه الاعتبارات، وألا يغفل حاجة الأم في أن يكون لها ولد، ولكن عندها مشكلات معينة، غاية الأمر أن النظر الفقهي حتى الآن وبناءً على القواعد الفقهية والآليات الراهنة هو أميل إلى مسألة المنع في المسألة الخاصة التى نحن بصددها اليوم وهي إحدى المسائل الفرعية للموضوع، وهي الرحم البديل أو الرحم المستأجر.

هناك كلام تفصيلي كاستخدام القياس، ولكن أنت أدرى الناس بأن القياس لا يستخدم مع الفارق حتى مع قيام الجامع ؛ لأن دائماً في التفكير العلمي الحالة السالبة هي الحاكمة، إن وجدت حالة سلبية واحدة ومئات الحالات الإيجابية أو الموافقة فعلميَّا يسقط القياس، وهذا هو التفكير الفقهي الأول.

وأقول: إن أخطر مسألة في هذا كله هو العلاقة النسبية بين الولد أو الوليد إن اكتمل وخرج إلى الحياة وبين هذه الأم بالرغم من أنها عانت وأنها تعبت، ولكن حسب ما فهمت من كلام الدكتور هيثم ليست هي الأم الحقيقية، الأم الحقيقية هي مصدر البويضة، تلك هي الأم الحقيقية والبيولوجية، وقد قال الله تعالى : {وَهٌو الَّذِي أَنشَــأكُم مِن نَفسٍ وَاحِــدةٍ فَمٌستَقَرٌّ وَمٌستَودًع} [الأنعـام : 98 ]، فالواقع هنا هي مجرد عملية استيداع وطبعاً هذه الحكاية دخلت فيها البنوك، ومصطلحات قانونية، واقتصادية، وإسماعيلية، وغيرها.

إذا كنت قد أخذت أكثر من حقي في الوقت فمعذرة يا دكتور جمال. بقيت نقطة بسيطة للباحث : طلام المانعين هؤلاء في التسليم بالحاجة، فعندما يقولون من أنها مسألة تؤدى إلى التنازع فهم يسلمون بالحاجة لكنهم خائفون من مشكلة التنازع، لكن لو كان هناك اتفاق وتراض من البداية، فكل العقود فيها احتمال التنازع، والدكتور جمال، وهو المحامي الذي خبر الحياة، يمكنه ان يخبرنا بأن عدد العقود التى لا يوفى بها يمكن أن يكون مساوياً للعقود أو أكثر مما يوفى به، ولكن الأدوات القانونية قائمة، وهذا لا يكون وحده حجة في التحريم والتحليل. المانعون أكثر عدداً ولكن العبرة بالدليل، وخصوصاً عند الخلاف. وأنا اعترف أنني لم أقرأ أدلة المانعين كاملة ؛ وذلك لضيق الوقت، ولكنني في النهاية أحيي عملك هذا وأدعوك إلى أن تواصل ذلك، وأتمنى أن تكون من المشتغلين بالبحث الفقهي، ولا تقف على ضفافه.

 

د. إبراهيم عبد الرازق الخولي(*) :

عفواً وإن كنت بهذا التصرف آخذاً أكثر من حقي، ولكن عفواً، هو ما أثير من تساؤل حول ثبوت الحق لزوج المرأة صاحبة الرحم البديل في أن يلاعن كوسيلة لنفي نسبة هذا الوليد إليه ؛ لأن الأصل أن ينسب إليه باعتبار أنه صاحب الفراش، والقاعدة التى تقوم على الحديث : (الولد إلى الفراش)، نقول : إن هذا ليس من لازِمِه عند القائلين بهِ أن يجيزوا استئجار الرحم أو التبرع بالرحم أو هبة الرحم، وإنما هم افترضوا وساقوا هذا الأمر، لو حدث بالفعل، كأمر يشكل جرماً ومعصية، ماذا يكون التصرف بهذا الصدد؟ هل ينسب لهذا الزوج ولتلك المرأة صاحبة الرحم البديل؟ هل ينسب إليه رغماً عنه، رغم أنه متأكد أنه ليس ولداً له؟ قالوا : إن البديل المتعين بالنسبة له ليتخلص من هذه الكذبة المفتراة وهو نسبة الولد إليه هو الملاعنة، ومن ثم ليس من لازم القول بثبوت الحق له في اللعان جواز استئجار الرحم أو التبرع أو هبته، هذا أمر.

الأمر الثاني : مسألة البويضة التى خٌصِبت بحيوان منوى من الزوج ألا يضيع الإرث فإذا بها تلجأ إلى مسألة التلقيح الصناعي أو كذا، وذلك حتى لا يضيع هذا.

أولاً إن هذا الإرث يذهب للمستحقين، وبالتالي فإنها إن تصرفت بعد موت هذا الزوج بأن تم ما تم وحصل الحمل، نقول إن هذا ليس له من حق الإرث، لم؟ لأنه بمجرد وفاة الزوج ينتقل الحق في الإرث كحق تملك قهري للمستحقين له، أي هؤلاء الذين يثبت لهم الحق في أن يرثوا قهراً، ينتقل إليهم المِلك، رغم أنهم لا يعرفون مقدار التركة، ينتقل إليهم الملك في التركة بمجرد وفاة هذا الزوج، ومن ثم هذا التخصيب وذلك الحمل الذي يأتى يكون قد أتى بعد أن شٌغلت ذمم الورثة المستحقين بالفعل بهذا الملك، ومن ثم يكون هذا التصرف تصرفاً يشكل معصية كبرى، لماذا؟ لأن النسب أو مسألة النسبة لابد من أن تكون مستظلة بوجود رابطة شرعية تتمثل في قيام حالة زوجية صحيحة بالفعل، أما وقد مات إذا قد انقطعت هذه الوشائج.

الدكتور الخياط أثار نقطة وهي / ما نُسب إلىّ من أنني قلت أنه لا يوجد أب أو ابن، بل لا يوجد إنسان، يرتضي أن تكون ابنته محً لمثل هذا، أى مستودعاً، لكن المثال الذي سقته حضرتك بالنسبة للأم التي أرادت أن تعوض أو تشارك ابنتها في إنجاب ولد لها، نقول: هذا إنجاب بالمشاركة، ويترتب عليه حيرة ؛ لأنه كما أشرت فضيلتك أن ما ورد في القرآن من أن النسبة إنما تكون صحيحة عندما تنسب إلى من ولدت، وهذا اتجاه في الفقه، فمن هذه التي تم الانجاب لصالحها، تقول : هذا ابن أمي. إذا لو أن أمي أنجبت لصالحي فابن أمي يعتبر أخاً لي، فما الذي يترتب؟ سوف يترتب خلط، ويترتب تنافي وتعارض وتصادم في أصول ينبغي أن تكون بعيدة عن مظان الخلطِ، خاصة وأنها متعلقة بالعِرض، عفواً وشكراً …

 

الدكتور عبد العزيز صالح([13]) :

أنا متردد في التعليق، ولكن في هذا المجتمع العلمي، دعوني أقل رأيي كواحد غير متخصص، أنا تخصصي الطب، والسؤال الذي سألته لنفسي، وأرجو أن يعذرني الأخ الباحث، هل المجهود الذي بذله الباحث – وواضح أن عنده قدرة علمية وفكرية متميزة – هل المجهود والساعات الثلاث التي قضيناها الآن هل يستحقه هذا الموضوع؟ هل هو محتاج كل هذا المجهود الضخم؟ أو كما قال أحد الحاضرين : الموضوع من الممكن جداً أن تكون الفتوى فيه سريعة وسهلة، ولا يحتاج لكل هذا المجهود الذي أدخلنا في دوامة إثارة موضوعات تُثير أيضاً جدلاً ومجهوداً، أنا رأيي أن الموضوع لا يستحق كل ذلك. وتمنيت أن الباحث كان بذل هذا المجهود والفكرفي موضوعات أكثر أهمية لمجتمعاتنا.

والنقطة الثانية : كنت أتمنى على الباحث أن يستشير علماء في مجال الطب لاستخدام كلمات أكثر دقة ؛ لأن الموضوع ليس فيه ماء الرجل دخل في رحم غير رحم الزوجة، الموضوع مختلف، هو عملية تلقيح خارجى فقمنا بإدخال البويضة الملقحة في رحم.

يعنى نحن دخلنا في موضوعات أخرى، فلو كان استشار بعض الأطباء يمكن كان يفيد منهم في هذه المسألة.

شكراً …

 

قنديل السعدني([14])

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وصلى الله عليه وسلم.

الحقيقة أننا عندما نتكلم عن الرحم البديل، فإننا لا نتكلم عن الرحم البديل في حد ذاته، ولكن كما قال أستاذنا الكبير د. محمد أحمد سراج : أن هذه قضية من القضايا الحديثة التي تحتاج منا أن نعرف كيف ندخل إليها، وكيف نبحثها، فليس القصد إذن هو الرحم البديل، ولكن القصد عندما تكون هناك أشياء مستحدثة، تدخل مجتمعاتنا، كيف نبحثها؟ كيف ندخل إليها؟ كيف نحاول أن نبحثها بحثاً فقهيَّا وطبيَّا واجتماعيَّا؟

ولكن أنا أريد أن اسأل أستاذنا الكبير محمد أحمد سراج حول جملة استوقفتني في كلامه، فقد قال : إن القضية المستحدثة تحتاج غلى مداخل غير المداخل القديمة، وقد تكون مداخل قانونية.

والحقيقة أنا أحتاج من الدكتور محمد أحمد سراج أن يوضح كيف ندخل مدخلاً قانونَّيا في هذه المسائل ؛ لأن هذه المسألة مهمة لنا كباحثين.

وفي الحقيقة أنا جئت إلى هنا لأستفيد، وما جئت له أصلاً هو أن أتعلم كيف أدخل إلى هذه القضايا وليس معرفة حكمها الشرعي هل هي من الحرام أو الحلال؟ وإن كان هذا هو الأصل، ولكن أنا أريد أن أصل إلى : كيف أدخل إلى هذه القضايا المستحدثة؟ وليس الأصل هو الرحم البديل، هناك أشياء كثيرة زرع الأعضاء، وغير ذلك ..

كيف ندخل إليها؟ وكيف نكيفها تكييفاً فقهيَّا، وكيف ندخل إليها مدخلاً قانونَّيا، وكيف ندخل إليها مدخلاً قانونَّيا، وكيف نصل في النهاية إلى الحكم الشرعي، ونقول : هي حرام أو حلال، وبعبارة أخرى : كيف نصل لحكم الله فيها.

أستاذنا الكبير الدكتور محمد عمارة قال كلاماً جميلاً جدَّا، حيث ذكر أن تعدد الزوجات في المجتمع الشرقي يحل هذه المشاكل، لكن يبقى السؤال : ما حكم مَن ترغب في أن يكون لها ولد، ماذا تفعل؟ ومازال السؤال قائماً : فعلاً تعدد الزوجات يحل المشكلة بالنسبة للأب، لكن الأم أليس من الشرع أن نرعى حقها في أن يكون لها ولد. الأب يمكنه أن يتزوج ويطلق، ويتزوج حتى ينجب الولد، لكن الأم .. المشكلة ما تزال قائمة، ومازالت تحتاج إلى بحث، ومازالت أكرر نريدُ من أساتذتنا أن يبلوروا لنا كيف ندخل لهذه القضايا المستحدثة، وكيف نكيفها تكييفاً فقهيَّا لنصل إلى الحرام أو الحلال، وجزاكم الله خيراً.

 

حازم محمد داود ([15])

نحمده ونصلى على رسوله الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. في كل ما قاله أساتذتنا الحضور كفاية بالنسبة للمنهج، ولكن أريد أن أذكر شيئاً في هذا الموضوع، أمر الزوجة الثانية هو الذي يبقى فيه بحث.

أولاً : مسألة القياس على الرضاعة، قيل أن العلة فيه التغذية، وهذه علة منصوصة في الحديث : (ينشز العظم وينبت اللحم)، فالعلة الإنبات، وليست التغذية، وهذه العلة موجودة بالنسبة للرحم، هذا أمر.

الأمر الثاني : موضوع تحريم ما يؤدى للنزاع، المشكلة : لماذا نفترض أن هناك نزاعاً، مما يعلم من قواعد الشرع وجود أمر الرضاع وأن المرضع به تصير أمَّا وزوجها يصير أباً، ويحرم من النسب، وهذا أمر ثابت بالشرع.

أيضاً بالنسبة لكون الأم هي التى ولدت، جاء في القرآن الكريم (وأمهاتكم اللاَّتِي أَرضَعنكُم) والعلة فيها هي أم من الرضاعة نعم تنزل درجة عن منزلة الأم، ولا وراثة بها ولا غير ذلك، ولكن هي لم ينص القرآن. فلا يصح أن تعتمد على هذه النقطة في إثبات إنها أم.

الأمر الثالث : ما ذكره الأخ الباحث عما إذا كانت البويضة في رحم الأم البديل، وحدث تلقيح من زوجها، هذا أمر منفي طبيَّا عندما تكون هناك بويضة مُلقحة في الرحم، فلا يحدث هناك تلقيح، وشكراً.

 

أ. د. محمد سراج :

الأستاذ قنديل الحقيقة مسجل رسالة ماجيستير في موضوع استحداث العقود، ولهذا فهو يريد ان يستثمر النقاش لصالحه، وأعتقد أن هناك نقطة مهمة جدَّاً أُثيرت في هذا اللقاء ولم تأخذ الاهتمام الكافي.

عندى سؤال : كيف تكون المشكلة مشكلة فقهية؟ أعتقد أن هذه المسألة مهمة جدَّاً، يعنى مِن الممكن أن يكون الموضوع موضوعاً فلسفيَّاً أو موضوعاً كلاميَّا أو موضوعاً فقهيَّا، والموضوع يكون فقهيَّا إذا تعلق به سلوكُ عملي ويحتاج إلى حكم شرعي.

القاعدة التى أشار إليها الدكتور علي جمعة انا اعتقد انها قاعدة مهمة جدَّا في الإجابة عن هذا الموضوع وهي قاعدة العٌرف، الفيه ما وظيفته؟ هو لا يصنع مشكلة، ولكن هو يتلقى مشكلة ويفكر فيها للوصول إلى حكمها الشرعي، فالقيه يستمع لما يحدث في المجتمع، هذه مسألة مهمة جدَّا وهي التفكير الفقهي، وأنا أريد أن أضعها على هذا النحو، فينبغي قبل أن نخطو في أي موضوع علينا أن نسأل أنفسنا : هل هذا الموضوع موضوع فقهي، وهل هو بحاجة إلى التفكير بالأدوات الفقهية المختلفة أم لا؟ الموضوع الذي أشار إليه الدكتور علي أنا أعتقد أنه مهم جدَّاً هو تكوين الملكة الفقهية. لن يغنيك أبداً أن تتحدث أو أن تحشد مئات الأدلة على حكم معين ؛ لأن المسألة في النهاية يمكن أن تصل إلى حيرة حقيقية، وكل من عانى التفكير الفقهي يعلم أنه في كثير من الأحوال لن ينفعه أبداً الوقوف عند الأدلة التفصيلية، ولكنه في النهاية عليه أن يرجع إلى نفسه، وأن يزن هذه الأدلة المختلفة.

وأقصد بالبحث عن أدوات التحليل الفقهي، وهذه مسألة أيضاً مهمة جداً ؛ لأنه حينما يصل الأمر إلى وضع النصوص الفقهية وخلطها بالنصوص الشرعية فهذا شئ غريب جداً ؛ فالأستاذ أحمد ممدوح عندما كان يعرض تصوراته عن القضية فإنه كان يستشهد بالكثير جدَّاً من النصوص الفقهية وكأننا نضع هذه النصوص الفقهية في مستوى النصوص الشرعية، هذه مسألة في الواقع سبب فساد كبير، وينبغي أن نتخلص من هذه المسألة، الفقهاء أجابوا عن مشكلات عصرهم، ولم يجيبوا لنا عن مشكلات عصرنا، وعلينا أن نأخذ كلامهم في السياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفلسفي، لكن أن نتصيد أفكاراً فقهية ونصوصاً فقهية، ونستعيد مثلاً بعض الكلمات، طبعاً هذا ليس من اللائق بنا.

صحيح نحن مازلنا تلاميذ ندرس الفقه ونقف مشدوهين أمام هذا البناء الضخم جندَّاً الذي لا نملك وأنت تنظر وأنت تتعلم إلا أن يملأك الإعجاب والحماس، وهذا موقف أيضاً ضد التفكير، يعنى أن تكون معجباً جدَّاً بشئ أو بشخص، ينبغي حتى أن نتصنع عدم الإعجاب أحياناً بالتراث الفقهي، فنحن نعجب به ولكن في نفس الوقت علينا أن تكون هناك مسافة تفصلنا عن هذا البناء الفقهي ؛ لأننا لو خضنا فيه لما صنعنا شيئاً إلا أن نحفظ النصوص الفقهية مثلما كان يوصينا الآباء، لذلك أقول : إن هذه النصوص الفقهية ليست هي الإطار المناسب أو الوحيد، إن هناك عرفاً ينبغي أن نستمع إليه، المسلمون في الماضي كانوا يتوقفون أمام هذا العرف، محمد ابن الحسن الشيباني حينما كانت تطرأ له مشكلة تتعلق بالحدادين مثلاً، فإنه كان ينزل إلى السوق ليسمه من هؤلاء الحدادين ما يفعلون في هذا الموقف.

نحن الآن يجب أن نسمع على الأقل للأطباء في مسألة كمسألة الرحم البديل، وأعتقد أن لهذه المسألة صور كثيرة جدَّاً، وأنا لا أريد أن أبتعد عنه قدر الإمكان.

حينما نتحدث عن المراكز القانونية للموضوع هذا هو الحكم الوضعي، والحكم الوضعي هو جزء مهم جدَّاً من الحكم الشرعي، وأنا لم أقصد طبعاً أن أقول أن الكلام في الحلال والحرام بعيد، لا ولكن المسألة أن هذا جانب، ويتبغي أن لا نتوقف عنده فقط، وأن لا نركز عليه وحده، ولكن الكلام عن الحكم الوضعي هو الفقه، الحكم الشرعي هذا كلام بسيط جدَّاً، تستطيع أنت أن تقول حلالاً وأنا أقول لك – أيضاً – حلال أو حرام، وتنتهي المسالة، لكن الفقه هذفه في النهاية هدف نيوي جدَّاً، وهو تنظيم الحياة الاجتماعية، تنظيم الحياة الاجتماعية يشترك فيها التفكير القانوني، والوسائل التى كان يعتمد عليها الفقهاء في الماضى هي وسائل قانونية، بصرف النظر عن الفقيه الذي يتكلم في المدرسة، وأنا دائماً أحب أن أفرق بين الفقيه الجالس في مدرسة مثلاً مثل مدرسة الكوفة أو مدرسة المدينة ويفتي الناس في أمور دنياهم أو في أمور دينهم، وبين الفقيه الذي يكون مثل أبي السعود العماري، هذا الرجل غريب جدَّاً، فقد قام بعمل تقنينات للدولة العثمانية وبقيت هذه التقنينات أمام القوانين الموجودة في أوروبا في هذا الوقت، مما دعا بعض المستشرقين مثل المستشرق شاخت إلى الحديث عن تفوق التفكير القانوني الإسلامي.

نحن إلى الآن يا إخوان، ندرس حول الفقه الإسلامي، ولا ندرس الفقه الإسلامي، ندرس نصوصه، ندرس نصوص تاريخية، نحن ندرس تاريخ الفقه اٌسلامي، ولكننا لم نصل بعد إلى الدخول في الحلبة أو ما يمكن أن نسميه القصد إلى تكوين الملكة الفقهية، القصد إلى تكوين الملكة الفقهية هو الأساس، ولكن أدواته حتى الآن بعيدة عن الدرس الفقهي، وأنا أعتقد أن الفقه الإسلامي أكثر علم مظلوم، سواء بأعدائه أو أبنائه الذين يقفون أما الإعجاب كما قلت لكم بهذا الصرح الشامخ الذي يستحق الإعجاب، ولكن شرط التفكير أن أقول حتى ولو الواحد اصطنع موقفاً نقدياً.

كان فيه بحث قريب جدَّاً يتكلم عن تأثير التقنين، وكيف نقلل التقنين حتى أحكام  الفقه الإسلامي، مثلاً المجلة أو قدري باشا أو كذا أو كذا كيف أن هذا يؤثر على أشكال التعليم الفقهي، أنا أكون قاضياً وأحتاج إلى أن أطبق نصاً فقهيَّاً مقنناً فإنني سوف أتعلم بطريقة مختلفة عما إذا كنت سوف أتعلم بطريقة مختلفة عما إذا كنت سوف أتعلم الفقه من كتب فقهية، وأطبقها هنا في الواقع أنا ما أستخدم التقنين بالرغم من أن الفرق فرق شكلي، لكن الفرق الشكلي هذا يؤثر في طريقة التعليم في تكوين القاضي وفي استحضار النصوص، وفي فهم النصوص، وفي الموقف من النصوص. مع أن الفرق فرق شكلي فقط، فأنا بدلاً من وضع المسائل بطريقة المختصرات والمتون والشروح وضعتها بطريقة مواد وأرقام، وأستدعى المادة برقم، فهنا مسألة شكلية جدَّاً، لكن هذه المسألة الشكلية لها أثر كبير جدَّاً في أننا لا نهتم بالفقه الإسلامي من حيث تكويناته الشكلية، ويهيأ لي أن هذه مداخل أساسية جدَّاً، يعنى التكوين الشكلي للفقه الإسلامي، القواعد الموجودة في القرآن الكريم قواعد مجردة، لكن القواعد التي كتبها فقهاء المسلمين سنجد أنها قواعد جزئية، فالطريقة هنا مختلفة، ولأنها طريقة جزئية لم تكون ملكات فقهية، لكن الطريقة الموجودة في القرآن ؛ لأن فيها تجريداً وإعجازاً واقتصاراً حتى وهي محتفظة بالسلاسة اللغوية وبالجمال اللغوي الموجود في القرآن فإنها استطاعت أن تنتج فقهاء، لكن مافعله الفقهاء من الرجوع إلى الحالات الجزئية نشأ عنه عجز فقهي في الواقع، ومن هنا، ينبغي علينا من الآن ان نركز على الكيف، كيف نحدد أدوات التحليل الفقهي اللازمة، أدوات التحليل التى نتبعٌها في معاهدنا وكلياتنا أفلست بدليل أن عندنا الآن مشكلة فقهية ومشكلة قانونية ولن ينفع أبداً أن نبقى نقول : قال فلان وأدلته كذا، وقال فلان وأدلته كذا، وبعد ذلك يكون الرد على ما قاله الثاني .. وكأننا ما زلنا نجلس تحت عمود في جامع وأمامنا من يحاورنا ويناظرنا ونحاوره ونناظره. إن عملية التجريب الفقهي محتاجة جدَّاً إلى التفكير في الأدوات الفقهية أكثر ما هي محتاجة إلى التفكير في الجزيئات الفقهية، من الذي قال أن أصول الفقه لا ينفع فيها التجديد كيف ذلك؟ إن هذا منهج وضع للتعبير عن إطار فقهي وتشريعي معين وموجود، إن المشكلة الموجودة في العالم الإسلامي الآن مشكلة قانونية ومشكلة فقهية ولن تحل ابداً في غيبة الفقه الإسلامي ؛ لأن الفقه الإسلامي هذا كأنه تحت الجلد في الدم خلق أعرافاً كثيرة جدَّاً.

وقبل أن أختم كلامي، هناك نقطتان أود التركيز عليهما : ونحن نواجه أي مشكلة لابد أن نختبر المشكلة، وما إذا كانت لابد أن نختبر المشكلة، وما إذا كانت مشكلة من صميم العمل الفقهي أو أنها من صميم عمل آخر، الحكم الوضعي في أهمية الحكم التكليفي إن لم يكن أكثر التصاقاً بالمراكز القانونية وبالعلاقات الاجتماعية المختلفة، أقول إن مداخل التفكير الفقهي ينبغي أن نُعنى بها وأن نهتم بها اهتمامنا بدراسة النصوص الفقهية التى ندرسها ونستنطقها على أنها تقريباً وصلت إلى أن تكون في مستوى النصوص الشرعية.

التخريج على آراء الفقهاء السابقين، ونسبة ما لم يقله أبو حنيفة لأبي حنيفة عن طريق التخريج، التخريج ما هو إلا نسبة مصطنعة لفقيه لم يقل هذا الذي نخرجه له. والمسألة أن هناك مشاكل كثيرة جدَّاً في التفكير الفقهي ينبغي أن نحددها وأن نحلها، والكلام بإيجاز شديد جدَّاً – أننا بحاجة إلى أدوات جديدة لتحليل الفقه، بدلاً من الاعتماد على مجرد نصوص تاريخية قالها أصحابها في ظروف معينة وفي مجتمعات معينة، ويمكن أن أشير إلى المثال الذي ذكره الدكتور الكبير حسن الشافعي فكرة المنفعة، وهي أنها على خلاف القياس ؛ لأن المنافع في هذه الفترة لم تكن لها قيمة اقتصادية حقيقية، يعنى كل الأشياء اعيان هي التى تنفع أن تكون أموالاً.

ومن المؤلم فعلاً ألا يتخلص التعبير الفقهي السليم الآن من مثل هذه الجمل أو هذه القواعد التى قيلت في عصور معينة وتحت وطأة ظروف اقتصادية واجتماعية معينة.

أنا أطلت وشكراً وآسف.

 

الدكتور حسن الشافعي :

بعد إذن الدكتور جمال الدين عطية أنا سآخذ دقيقة واحدة، نصفها الأول هو تعقيب على ماذكر بشأن الأم المرضع أم، ولكن في أمرين اثنين، في أمر النسب، وفي أمر الاحترام الإنساني، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع حليمة، لكن في الميراث وفي النفقة لا ؛ ولذلك ينبغي عندما ننظر أو نقيس لا ننسى، هي ليست أمَّا بالمعنى الكامل، إنها أم في حدود معينة. النصف الآخر أنا لا أدري من هو الذي نجح استفزاز عقل الدكتور سراج، وأقول له : إننا ننتظر منك في موضوع الضمان أنت والدكتور جمال تحقيق الأبعاد الثلاثة : التراث الفقهي، وأصول الفقه، ومصادر الشريعة القرآن وغيره، وشكراً.

 

مداخلة :

هي كلمة قصيرة فقط كنت قد سجلتها، وأنبه عليها ابني الأستاذ أحمد ممدوح، وهي الابتعاد عن الإطلاقيات إلا إذا توفرت الدلائل. جاء من ضمن كلامكم في العرض – أنا لم أطلع على البحث – حفظ النسب شئ نصت عليه جميه الأديان لا تحرص على ذلك بل هناك من الأديان الإفريقية وفي أمريكا الجنوبية من يرى عكس ذلك، ويرى أن من عقائد دينه أن لا يحافظ على هذا، يعنى نحن تكثر عندنا كلمة (لأول مرة في التاريخ)، (ولم يسبق للإنسان أن)، (لم تعرف البشرية نظيراً)، (لم يجد الزمان بمثل)، كلها عبارات قد يسمح بها في الكلام العام، ولكن في البحث العلمي تحتاج وتستدعي دلائل إحصائية واستقرائية ودقة علمية. وشكراً.

 

الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية :

نرجو من الأستاذ أحمد أنه يخفض مدة التعقيب إلى ثلاث دقائق ..

 

أ. أحمد ممدوح :

الحقيقة لا يوجد تعقيب إنما أجلس بين أيديكم مستفيداً ومتعلماً.

أما مسألة التعقيب كلمة واسعة علىّ جدَّاً، لكن هناك بعض النقاط أحب أن أوضح وجهة نظري فيها.

طبعاً أستاذنا الدكتور سراج تفضل ولفت نظري إلى أن المدخل إلى مسألة استئجار الأرحام ينبغي أن يتغير، أرجو أن لا أكون قد أسأت الفهم، أنا استخدمت هذا المدخل للصوقه بطبيعة معالجة هذه المسألة، فأبحث مسألة استئجار الأرحام، بحثتها من ناحية الاستئجار، فلو كنت أبحثها من منظور آخر طبي أو كذا لعلي كنت أغير المدخل. وهذه المسألة عالجها المجمع الفقهي، وعالجها هنا أيضاً مجمع البحوث الإسلامية، والاثنان انتهيا إلى القول بالتحريم، وقد تم الاستعانة في كل من المجمعين بالخبرات الطبية اللازمة والخبرات الفقهية أيضاً، وكتبت غير واحد من الأطباء المعتنين بالشرعيات منهم الدكتور محمد علي البار، وله بحث مفرد منشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، وقد كان من ضمن مراجعي في هذا البحث.

أما بالنسبة لمسألة الحقيقة العلمية واختلافها مع الحقيقة الشرعية فكما اشار أستاذنا الدكتور حسن الشافعي طبعاً هي ليست المسألة الشهيرة بالاختلاف بين العلم والدين، إنما من أشار إلى ذلك إنما قصد أن الحقيقة العلمية وإن كانت علمية إلا أن الشرع أخياناً لا يعتبرها، وضربت مثلاً في طيات كلامي بولد الزاني : فإن كان الزاني أباً بيولوجيَّاً وأباً من الناحية العلمية لذلك الولد الذي نتج من فعلته إلا أن الشارع لم يعتبر هذه الناحية البيولوجية سبباً كافياً لإثبات النسب، فأقر بأنه أباً بيولوجياً إلا إنه نفى عنه الأبوة الشرعية.

أما كون اللعان تحليلاً أو كذا ليس القول بإجازة اللعان لزوج صاحبة الرحم البديل تحليلاً من القائلين بذلك لهذه الفعلة، إنما هو بحث في الآثار الوضعية كما أشرت.

أما ما أفادنا به أستاذنا الدكتور هيثم في مسالة البويضة والبييضة فأنا طبعاً استفدت منه كثيراً، ولكني أيضاً لم أخطّئ البويضة تماماً، فقد عقبت في آخر كلامي، وقلت لعلها من باب الانتقال من الوصفية إلى اللقبية ؛ مما يرفععنها اللحن.

أما كون الإجازة على خلاف الأصل فأنا كنت أحفظ أن الجمهور على أن الإجارة على خلاف الأصل، الأحناف فقط، وجهتهم – كما لا يخفى – أن الأصل في التملك أن يقع على الأعيان والمنافع معاً، فكون الإجارة وقعت على المنافع فقط أو كون هذا العقد وقع على المنافع فقط فيعد ذلك من وجهة نظرهم على خلاف الأصل.

وفي الختام طبعاً أشكر الأساتذة الكرام الذين لم يبخلوا علىّ بإبداء تعليقاتهم القيمة التى أفدت منها كثيراً، وأشكر السادة الحضور على وقتهم الذي بذلوه في الاستماع لهذه الكلمات الطيبات.

الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية :

شكرا لكم جميعاً، وإلى لقاء آخر إن شاء الله قريباً نتناول فيه موضوع خطاب الضمان كنموذج ىخر للاجتهادات في المسائل المستحدثة، ونعتذر لمن لم تتح الفرصة لسماع تعليقاتهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

[1]   أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية – القاهرة.

[2]  الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن، كلية الشريعة.

[3]  باحث من المملكة المغربية.

[4]  مستشار أكاديمي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي.

[5]  أستاذ مساعد بقسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب – جامعة القاهرة.

[6]  مفتي الديار المصرية.

[7]  كلية الحقوق – جامعة الزقازيق.

[8]  الأمين العام لمركز الأمير عبد المحسن ابن جلوي للدراسات والبحوث الإسلامية بدولة الإمارات.

[9]   أستاذ العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.

[10]   كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، وعضو مجامع اللغة العربية بمصر ودول عربية عدة.

[11]  الباحث و المفكر الإسلامي.

[12]أستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة .

[13]منظمة الصحة العالمية.

[14]باحث بقسم الشريعة، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

[15]باحث شرعي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر