أبحاث

تجربة البنوك الإسلامية

العدد 36

خمس سنوات (1977 – 1982) هو عمر تجربة البنوك الإسلامية وثمانية بنوك في 6 بلاد عربية قائمة فعلاً وحوالي هذا العدد يجري تحويله تدريجيا إلى بنوك تعمل بدون ربا في كل من السودان وباكستان وحوالي 18 بنكا يجري تأسيسها في عدد من البلاد الإسلامية. وعدد من «الفروع الإسلامية» لبنوك ربوية جرى ويجري افتتاحها.

فهل يمكن في هذا الحيز الزمني الضيق وهذه المحدودية لعدد البنوك الإسلامية استخلاص أي نتائج ذات معنى لهذه التجربة؟

نبدأ أولا بتقرير ملاحظات رئيسية على تجربة البنوك الإسلامية:

أولى هذه الملاحظات هي أن «التجربة» انطلقت إلى حيز الفعل مباشرة بحد أدنى – وضئيل جدا – من التمهيد النظري أو التأصيل الفكري العام (الاقتصاد الإسلامي) أو لمفهوم البنك في النظرية الإسلامية. أي أن التطبيق سبق التنظير في هذه التجربة.

وثاني هذه الملاحظات هي أن التجربة بدأت – ولا تزال تقوم – من خلال أوضاع اقتصادية وإدارية وقانونية وثقافية واجتماعية يغلب عليها بصورة قاطعة الطابع والفكر الرأسمالي الليبرالي السائد في معظم البلاد «اليوم ولهذا تبنت التجربة عمليا نموذج Model البنك التجاري في النظام الربوي وأجرت عليه تعديلات – جوهرية في بعض الأجزاء – ووجدت نفسها مضطرة للتعايش في عملها مع اجراءات ومفاهيم ونظم غير إسلامية في مجالات هامة كالنظم المحاسبية والضرائبية وقوانين الشركات وإجراءات التعامل التجاري والمالي – محليا ودوليا – فأخذت بما لم تر أن فيه معارضه ظاهرية واضحة للإسلام وتفادت غيره .. على حساب عملها ونشاطها.

ولعل أبرز من أشار لهذه المحددات وأعطى تعريفين مختلفين للبنك الإسلامي على أساسها (أحدهما بنك يعمل في بيئة إسلامية خالصة ولكن غير قائمة والآخر بنك إسلامي يعمل في بيئة تنقصها معطيات إسلامية أساسية» البنك اللاربوي في الإسلام».

فالبنوك الإسلامية هي إذن تجربة إسلامية تتم في بيئة غير إسلامية.

وثالثة هذه الملاحظات هي أن البنوك الإسلامية رغم قيامها على نداء الإسلام.. وتوجهها لمساهميها ومودعيها ومتعامليها على أساس هذه العلاقة.. فإنها اعتمدت أساليب وطرق عمل تجارية وفنية موضوعية – ومؤسسة على الإسلام – في معاملاتها مما يعني أنه يمكن اخضاع تجربتها للتقييم على أساس فني واقتصادي .. بعيدا عن العاطفة أو الغيرة الدينية.

ورابع هذه الملاحظات هي عدم نشوء نموذج أو نمط واحد Stereo Type للبنك الإسلامي. بتأثير عدة أسباب منها – كما أسلفنا – عدم سبق النموذج الفكري للنموذج التطبيقي .. ومنها تأثر البنك بالنموذج وشكل النشاط الاقتصادي السائد في كل بلد – وهذا يرتبط بما سبق ذكره عن بيئة البنوك الإسلامية . ومنها اختلاف دوافع الإنشاء.. فحين يغلب على مؤسس بنك ما هدف جذب الودائع العربية في البنوك الأوروبية أو مدخرات الجاليات الإسلامية في أوربا يصبح شكل النشاط الرئيسي للبنك هو محاولة تطوير نظم استغلال فوائض السيولة في الأسواق المالية والدولية على أساس يومي.. ويتجه بالتالي لتطوير نظم احتساب وتوزيع أرباح الودائع قصيرة الأمد كما هو الحال في بعض الشركات ذات الطبيعة المصرفية الإسلامية التي قامت في أوربا.

وحين يكون الدافع هو العمل التجاري البحت – لأن عمل التنمية قام وانتهى أو تقوم به الدولة ذات الموارد الغنية – فإن البنك يجد نشاطه مقصورا في هذا المجال دون غيره .. كما هو الحال في بعض البنوك الإسلامية في منطقة الخليج.

ولكن اختلاف النماذج لا يعتبر عيبا .. بل انه يساعد في اثراء التجربة ككل لأنه يعني أنها ستطرق – فيما بينها – مجموعة أوسع من مجالات العمل وتطور صيغا أكثر للتمويل حسب احتياجات كل مجتمع.

ولكن واقع الحال الآن هو قلة المعلومات المتوفرة لأغراض البحث العلمي عن عمليات وصيغ وإجراءات ونظم عمل تلك البنوك. وما يرد ذكره في هذه الورقة من معلومات وأحكام أو آراء أو انطباعات مصدره الاطلاع الشخصي لمؤلفها على أوضاع بعض تلك المؤسسات. ومن هنا سيكون تركيز هذه الورقة أساسا على تجربة بنك فيصل الإسلامي السوداني ومن حسن الحظ فهو من «أقدم»هذه البنوك .. ومن أكثرها انتشارا نوعيا وجغرافيا.. ومن أكثرها ارتباطا بمختلف البنوك والمؤسسات الإسلامية التي تطبق صيغا لم يطبقها بنك فيصل بعد.. والمقصود بالارتباط هنا لا يقتصر على مجرد التعرف على هذه الصيغ بل يمتد إلى التعامل بها كما في حالة قبول وشراء صكوك المضاربة مع الشركة الإسلامية للاستثمار ..

بعد هذه الملاحظات الرئيسية نعود لرصد مسار التجربة تمهيدا لتقييمها.

لماذا سبق التطبيق؟

سلفت الاشارة إلى أن فكرة إنشاء بنوك إسلامية سبق إلى حد تطور الفكر الاقتصادي الإسلامي العريض والفكر المتعلق بالبنوك الإسلامية بصفة خاصة.(1)

ولهذا سببان:

سبب نظري:

الربا من بين النظريات الاقتصادية التي حظيت باهتمام خاص من المفكرين الإسلاميين. وذلك لأن مبدأ التعامل بالربا نظرية محددة يمكن فصلها عن بقية النظريات الاقتصادية العامة. والجوانب والنتائج المتعلقة بالربا هي أيضا واضحة ومحددة: فيما يتعلق بالنواحي الاجتماعية كالاستغلال والجوانب الاقتصادية كتراكم الثروات.

وآخر عملي:

ثم أن مفهوم المشاركة لأجل الربح لم يمت عمليا وما زال متأرجحا في العالم العربي والإسلامي، بل وفي مجتمعات أخرى في إطار تنظيمات اجتماعية أصغر من تنظيم الدولة: مثل القبيلة، والقرية والأسرة. والمشاركة هنا بين رأس المال الذ يقدمه أغنياء الحي أو الأسرة أو القبيلة وبين العمل الذي يساهم به القادمون الجدد – في هذه الوحدات في الدورة الاقتصادية.

ولهذه الأسباب النظرية والعملية يبدو أن قيام مؤسسات مصرفية إسلامية كان أمرا طبيعيا رغم عدم تطبيق الاقتصاد الإسلامي الشامل في تلك الدول ورغم عدم تطور الاجتهادات الفكرية الخاصة بالاقتصاد الإسلامي أو البنوك الإسلامية.

هذا وقد أفرز هذا الوضع – إنشاء مؤسسات مالية في دول لا تطبق النظام الإسلامي الاقتصادي الشامل –بعض التعقيدات القانونية وقد أمكن حل هذه التعقيدات بإصدار قوانين خاصة لزرع هذه المؤسسات داخل النظام الاقتصادي القانوني – الإداري القائم، أو بإصدار بعض الإعفاءات والاستثناءات من المعاملات التي يظهر فيها بصفة قانعة تأثير ربوي: مثل قوانين البنوك المركزية التي تفرض الرقابة المصرفية أو الربا على المصارف التي تتعامل معها.

استعراض تاريخي لتجربة البنوك الإسلامية:

منذ عام 1977 بدأت في الظهور في بعض البلاد العربية مجموعة من البنوك الإسلامية. وقد بدأت هذه البنوك بمبادرات فردية وكان أول ما بدأ هذ النشاط قيام البنك الإسلامي للتنمية – وهو بنك حكومات – بمبادرة كريمة من المرحوم الملك فيصل.

وكان واضحا في ميثاق تأسيسه وفي طريقة معاملاته أنه يقوم على مبادئ إسلامية. ويتم تمويل رأس المال لهذا البنك بواسطة الدول الإسلامية الغنية. وينحصر نشاطه في مساعدة الدول الفقيرة في إنشاء البنية الأساسية وإن بدأ أخيرا التعامل في مجالات تجارية واقتصادية أخرى، وقد فتح هذا الباب للمبادرات الفردية التي سيلي ذكرها.

وقد كانت هناك مبادرة فردية تمت في مصر في أوائل الستينات، وهي تجربة بنوك الادخار الشعبية التي بدأها الدكتور أحمد النجار في مدينة ميت غمر. وقد بدأت هذه التجربة انطلاقا من مفهوم اللاربوية وليس من مفهوم تطبيق الاقتصاد الإسلامي. وربما كان مرجع ذلك هو أن الظروف السياسية وقتها لم تكن تسمح باطلاق هذه الأسماء وبقدر ما كانت تلك التجربة الرائدة محدودة بقدر ما أثبتت نجاحها في وقت قصير ولكن الظروف السياسية المحيطة ناخت عليها بثقلها وأنهتها في مهدها.

وقد قام البنك الإسلامي في دبي (1977) بمبادرة فردية أيضا وعين مديرا لهذا البنك الدكتور عيسيى عبده أحد كبار المنظرين الإسلاميين وهذا دليل على أن فكرة تطبيق نظام إسلامي مالي هي الأساس ولكن لم تتضح بعد أسس وكيفية التطبيق.

وأخيرا بدأت هذه الصحوة الإسلامية تأخذ طابعا أكثر تنظيما وجاءت المبادرة – في هذا من الأمير محمد الفيصل – نجل الملك الراحل فيصل – وآخرين التفوا حوله في عدد من الدول العربية والإسلامية. وقد أنتجت هذه المبادرة المنظمة حتى الآن عدد من البنوك الإسلامية معترف به من منظمة المؤتمر الإسلامي:

  • بنك دبي الإسلامي 1977
  • بنك فيصل الإسلامي السوداني 1978
  • بنك فيصل الإسلامي المصري 1978
  • بنك التمويل الكويتي 1978
  • البنك الإسلامي الأردني للتمويل والتنمية 1979
  • بنك البحرين الإسلامي 1980
  • بنك مصر الدولي للاستثمار والتنمية 1981
  • بنك ناصر الاجتماعي، من مؤسسات وزارة الشئون الاجتماعية ويعمل على أساس لا ربوي. فهو في عداد البنوك الإسلامية وان كانت بدايته لا تحمل هذا المعنى.

وهناك أيضا الشركة الإسلامية للاستثمار (1978) وتعمل من جنيف والشارقة. وقد بدأت هذه الشركة بـ 23000 مساهما ومجموع أصول قيمتها مائة مليون دولار تديرها على أساس المضاربة الشرعية وقد وزعت الشركة الإسلامية للاستثمار أرباحا في حدود 10% إلى 12% وارتفعت بالنسبة لبعض المضاربات إلى أكثر من 20%.

وبدأت تجربة مماثلة في باكستان على مستوى الدولة. فقد صارت جميع البنوك في باكستان تقدم خدمات إيداع واستثمار على هدي من الشريعة الإسلامية من أول يناير 1981م. هذا وقد بلغت جملة الودائع في الستة أشهر الأولى – حسب التقرير الرسمي 2 مليون روبية من مجموع 55 مليون روبية – أي بنسبة تبلغ 4,5% من مجموع الودائع – وهي نسبة كبيرة إذا اعتبرنا أن تاريخ ميلاد باكستان يرجع إلى سنة 1974 والتجربة الإسلامية الوليدة عمرها 6 أشهر فقط. هذا وقد تراوحت نسبة الأرباح الموزعة بين 8,5% و15,25% حسب تفاوت عمر الودائع.

التجربة تدخل مرحلة الثبات:-

قد بدأت التجربة في غرس جذور قوية في البلاد التي قامت فيها تمثل في توسعها الجغرافي وانتشارها النوعي والعالمي وأخذت تجتذب اهتمام البنوك المنافسة والمؤسسات العالمية الأكاديمية.

التوسع الجغرافي:-

من مظاهر ثبات تجربة البنوك والشركات الإسلامية دخولها مرحلة التوسع الجغرافي في البلد الواحد مما يوحي بتعديها لمرحلة الطفولة إلى مرحلة أكثر نضجا. وقد صار لبنك فيصل الإسلامي السوداني 8 فروع، ولبنك فيصل الإسلامي المصري 4 فروع، وللشركة الإسلامية للاستثمار أعضاء مشتركون منتشرون في حوالي 12 قطر (وكان ممكن أن يكون انتشار الاكتتاب في الشركة الإسلامية أكثر من هذا بكثير لولا قوانين النقد الاجنبي التي تحرم عددا كبير من البلدان الاخرى من الاشتراك والمساهمة). هذا الاقبال له دلالة كبيرة جدا هو أن الشعوب الإسلامية في الواقع يمكن استنهاضها واستنفارها إسلاميا. وقد تبدو هذه العبارة غريبة ولكن ما سقناه عاليه من أدلة مادية يثبت هذا. وفي هذا رد كاف على النظريين غير الاسلاميين الذين يظنون أن الاستنهاض والاستنفار قد لا يتم الا عن طريق مادي.

الانتشار النوعي:-

ومن مظاهر تجربة البنوك والشركات الإسلامية الدالة على نموها واستمرارها .. الانتشار النوعي لهذه المؤسسات. فقد بدأت تنشأ بنوك اسلامية أخرى في البلد الواحد. وقد تم التصديق بقيام أربعة بنوك إسلامية في السودان سيبدأ اثنان منها العمل بإذن الله خلال عام 1982. ونشأ بنك اسلامي آخر في مصر بجانب بنكي فيصل وناصر الاجتماعي وهو بنك مصر الدولي للاستثمار والتنمية وقد بدأ عمله فعلا وأسس عدة شركات. وبدأت باكستان برنامجا شاملا لتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد إسلامي. كما التزمت حكومة ماليزيا بانشاء بنك إسلامي وبدأت الخطوات التمهيدية لانشاء هذا البنك. وقررت حكومة السودان رسميا تحويل بنوكها المتخصصة الثلاث الزراعي والصناعي والعقاري إلى التعامل الغير ربوي وقررت مؤخرا انشاء بنك اسلامي مملوك لبنوك الدولة التجارية وقيام بنك تعاوني على النمط الاسلامي. وقررت منظمة المؤتمر الإسلامي العالمي – وهي منظمة اشلامية تضم كل الدول الإسلامية – تبني فكرة انشاء البنوك الإسلامية. هذا وقد اتخذت هذه المنظمة – في مؤتمر وزراء المالية الذي عقد بالخرطوم في مارس 1981 – قرارات لتشجيع وتنظيم البنوك الإسلامية.

انتشار على المستوى العالمي:-

ولعل أهم مؤشرات ثبات التجربة هو النقلة الكمية الكبيرة التي اكتسبها بقيام مؤسسة ضخمة ذات اتجاه عالمي هي:

«دار المال الإسلامي» في نهاية عام 1981 برأسمال أسمي قدره بليون دولار دفع منه 310 مليون دولار وقد قامت هذه المؤسسات كشركة قابضة يملك اسهمها عدة الوف من الأفراد في عدد كبير من دول العالم الإسلامي وبدعم ادبي من كبار الشخصيات بينهم عدد من رؤساء الدول الإسلامية وقد شرعت فورا وفي وقت واحد في العمل في 18 بلداً. وسوف تنشء وتؤسس بنوكا إسلامية وشركات تكافل (تأمين) وشركات استثمار إسلامي ومشاريع استثمار على الطريقة الإسلامية. ويتوقع أن يشهد عام 1983 بداية عمل بعض تلك البنوك في غرب أفريقيا والشرق الأوسط.

اهتمام البنوك المنافسة بالفكرة:-

أثارت تجربة البنوك الإسلامية اهتمام المؤسسات المنافسة لها. وقد بدأ بنك مصر – وهو أكبر بنك في الشرق الأوسط بفتح فروع إسلامية وحاكته في ذلك بعض البنوك المصرية الأخرى.

وقد تعدى هذا الاهتمام البنوك العربية إلى البنوك الأجنبية المنافسة. وقد قام بنك سيتي – وهو من أكبر البنوك العالمية – وتبلغ موجوداته 119 بليون دولار بعقد مؤتمر حضره مديرو فروعه في الشرق الأوسط وأفريقيا – في مارس 1981 م بمدينة البحرين – لدراسة هذه الظاهرة ووضع الأسس اللازمة للتعاون معها. وبدأت بعض المؤسسات الاقتصادية والأكاديمية في ألمانيا وسويسرا ندوات لتقييم فكرة البنوك الإسلامية.

خلاصة هذا الاستعراض التاريخي هو أنه نشأت خلال فترة تقل عن خمسة سنوات مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية تقدر أصولها بحوالي ثلاثة بلايين دولار وانتشرت عالميا انتشارا سريعا يعد طفرة كبيرة .. واستقطبت عشرات الألوف من المساهين .. والمودعين والمتعاملين .. وبدأت تستأثر باهتمام عالمي من المؤسسات ذات العلاقة المالية والأكاديمية.

ويمكن القول بناء على ذلك بأن تجربة البنوك والمؤسسات الإسلامية قد غرست جذوراً قوية مكنتها من النمو والانتشار. وبهذا تعتبر التجربة قد دخلت مرحلة الثبات.

وقد ساعد وصول التجربة إلى هذه المرحلة في هذا الوقت القصير نجاحها الباهر كمؤسسات اقتصادية في اجتذاب مساهمات وودائع المسلمين .. ثم تقديمها، من خلال صيغ إسلامية للتمويل، إلى المستثمرين. والحصول من وراء ذلك على أرباح جيدة للمساهمين والمودعين والمستثمرين.

وقد شجع هذا النجاح الواضح البنوك الإسلامية على ولوج باب الخدمات الاستثمارية الأكثر مخاطرة: مثل الزراعة والتعامل مع صغار الحرفيين، والاستثمار طويل الأجل كمشاريع الإسكان والمشاريع الصناعية الكبرى، رغم أن عمرها لا يتجاوز بضع سنوات ورغم أن أصولها وودائعها لا تكاد تذكر بالمقارنة مع البنوك الربوية التي تملك رصيدا من الخبرة تطور عبر أربعة قرون وتملك آلاف البلايين من الودائع.

وقد بدأت البنوك الإسلامية والمؤسسات ولوج هذه المجالات بدرجات متفاوتة متأثرة في ذلك بحجم مواردها وبالبيئة التي تعمل فيها. فيما يأتي نورد بعض الأمثلة:-

  • بدأ بنك فيصل الإسلامي السوداني تجارب محدودة في التمويل الزراعي وبدأ تمويل الحرفيين على مدى زمني متوسط (3 سنوات).
  • يقوم بنك ناصر الاجتماعي أيضا بتمويل صغار الحرفيين «في حدود قروض تمتد من ثلاثة إلى أربعة سنوات».
  • بدأ بنك فيصل الإسلامي المصري مشاريع اسكان وقد اغراه النشاط العقاري في مصر، كما بدأ يمول الزراعة سريعة العائد مثل الدواجن. وسيبدأ بنك فيصل الإسلامي خلال عام 1983 عددا من مشاريع الاسكان.
  • طورت الشركة الإسلامية في جنيف – شركة المصرف الدولي (IBS) في لوكسمبرج – بصورة ممتازة – الاستثمار في السيولة سريعة العائد.
  • دخلت دار المال الإسلامي في مجال تمويل المشاريع الزراعية طويلة الأمد في السودان.
  • بدأ بنك التنمية الإسلامي بجدة – وهو بنك الحكومات ويقوم أساسا بتمويل البنية الأساسية – تمويل عمليات متوسطة وطويلة المدى – مثل تمويل شراء سفن وعربات سكة حديد واقامة مدن سكنية في حدود متوسط امتداد زمني بين أربعة إلى سبعة سنوات.
  • يمول بنك ناصر ايضا قروض الطلاب وصغار الموظفين الاستلاكية في حدود 80 مليون جنيه على نظام القرض الحسن.

خلاصة التقييم :-

اذن فرغم حداثة تكوين المصارف والشركات الإسلامية واعتمادها على مواردها الخاصة وعملها في بيئة غير مساعدة فقد بدأت في الالتفات إلى العمل الاجتماعي الانساني لرسالتها والمتمثل في تمويل التنمية. وقد كانت البنوك الإسلامية تعي هذا الأمر وهو نصب عينيها دائما ولكن كان الهدف الأول والملح هو اثبات نجاح الصيغة الإسلامية عن طريق التركيز أولا على العمليات قصيرة المدى وقليلة المخاطر. ويجب أن لا يغيب عن ذهننا لحظة واحدة حداثة تجربة المصارف الإسلامية والنجاح الكبير الذي تم تحقيقه في فترة زمنية وجيزة وعندما نقول أن البنوك الإسلامية لم تدخل مجال التمويل طويل الأجل الا حديثا فهذا لا يشكك في قدرتها على النجاح في ولوج هذا المجال الصعب فمن خلال الصصيغ الحاضرة للمشاركة والمرابحة والمضاربة وبيع التقسيط يمكن في اعتقادنا الدخول في مشاريع متوسطة وطويلة العائد. وعندما تتعامل البنوك الإسلامية في هذه المجالات فالمشاكل التي يتوقع أن تقابلها لن تكون بالتأكيد هي قصور الصيغ الإسلامية بل ستكون هي المشاكل المتعلقة بالبيئة الاقتصادية والإدارية كمشاكل نقص لكوادر الإدارية ونقص المعلومات.

العوامل التي ساعدت على نجاح التجربة:-

سنعرض الآن العوامل التي ساعدت على نجاح تجربة البنوك الإسلامية.

الاقبال والمساندة الجماهيرية:-

ان السرعة التي نمت بها التجربة وترعرعت وانتشرت ما كانت لتتم لولا الحماس الهائل الذي استقبلت به التجربة من سواد الشعوب المسلمة في البلاد التي بدأت فيها التجربة وقد تمثل هذا الاقبال وتلك المساندة في الاستجابة عند طرح الاسهم .. وفي ايداع المدخرات رغم مخاطر التجربة واحتمالات الخسارة. والاقبال على التعامل مع تلك البنوك .. وأيضا رغم احتمالات الخسارة وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤيا .. ووجود الصعوبات الإدارية والقانونية المختلفة .. وعدم تفهم الصيغ التي طرحتها تلك المؤسسات للتعامل .. ورغم مخاطر المشركة في الاسرار التجارية .. والمالية التي كان البعض يظنها ستكون عاملا أساسيا في الحيلولة بين فئة رجال الاعمال وبين التعامل مع البنوك الإسلامية.

فماذا تعني هذه الظاهرة؟

ان المعنى الظاهر هو أن العقيدة أو الروع الإسلامية الكامنة في الشعوب الإسلامية قابلة – إذا ما حركت لأهداف نبيلة وبوسائل شرعية – لتحقيق منجزات كبيرة في مختلف المجالات .. وليس فقط في مجال ازكاء الحماس السياسي أو الجماهيري.

وعلى الذين يبحثون في إيجاد استراتيجيات للتنمية للشعوب الإسلامية ان يضعوا هذه الحقيقة الاجتماعية الهامة نصب أعينهم وهم يقترحون النماذج الفنية للتنمية. فإذا لم تصادف هذه النماذج هوى في نفوس الشعوب ولم تتجاوب معها فذلك لأنها ولدت منذ البداية غريبة عن روح الشعوب الإسلامية عجزت بالتالي عن التفاعل لخلق «الارادة» المطلوبة لتحقيق التطور أو التنمية.

وعلى الاقتصاديين الإسلاميين – وهم يؤطرون للفكر الاقتصادي الإسلامي ان يضعوه في منظورة الصحيح من الفكر الاجتماعي – الثقافي – العقائدي الإسلامي.

البديل العملي والاقتصادي للربا:-

إلى جانب الدعم الخلقي والعاطفي الذي وفره الشعور الإسلامي لنجاح التجربة فان نجاحها اقتصاديا وتجاريا كان سببا ظاهرا لتوسعها وانتشارها – ولو صادفها الفشل – لا قدر الله – في بداية عملها – لما شفعت لها أي كمية من المشاعر أو النوايا الحسنة في الاستمرار.

وقد نجحت التجربة لأنها استطاعت ان تقدم من خلال عدة صيغ استثمارية إسلامية لا تشوبها شائبة الربا تمويلا ناجحا للاطراف الثلاثة في المعادلة: المودع / المساهم – المستثمر – المجتمع واهم هذه الصيغ هي:-

  • صيغة المشاركة .. التقليدية .. وصيغة المشاركة المتناقضة التي استعملتها بنوك إسلامية تمويل مشاركات متوسطة وطويلة الأجل.
  • صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء.
  • صيغة البيع للآجل.
  • صيغة المضاربة بنوعيها المطلق والمقيدة.
  • صيغة التمويل بالقرض الحسن.
  • صيغة الإيجار.
  • صيغة الإيجار والاقتناء.

الصيغتان الأخيرتان طورتهما بصفة اساسية الشركة الإسلامية للاستثمار ودار المال الإسلامي وهناك صيغ يجري تطويرها الآن لاستيعاب الدخول في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات. وهي صيغ المزارعة والاستصناع وبيع السلم.

وقد استخدمت أيضا صيغ شرعية لاستيعاب عدد كبير من الخدمات المصرفية العادية (غير المتويل) منها الحوالة والكفالة والوديعة والقرض الحسن.. فامكن تقديم خدمة مصرفية كافية تشمل التمويل والخدمات.

وعلى هذا يمكن القول بأن تجربة إنشاء بنوك إسلامية قد نجحت في تقديم نظام بديل وعملي وناجح للعمل المصرفي على أسس إسلامية في وقت وجيز ورغم العقبات المتمثلة في وجود بيئة فكرية اقتصادية وقانونية وادارية مخالفة للأوضاع الإسلامية، وقد تم تحقيق هذا الإنجاز لثلاثة أسباب:

أولهما: الحماس والإرادة المتوفرة على مختلف المستويات الشعبية والرسمية لإبراز الفكرة إلى حيز الوجود.

ثانيهما: وجود الأرضية الفكرية الأساسية المتمثلة في الأدب – الشرعي في فقه البيوع والمعاملات.. والذي استطاع – رغم فارق الزمن الهائل – أن يسعف التجربة بالأسس الشرعية اللازمة لبداية العمل .. مما يثبت صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان.

ثالثهما: إصدار بعض إصدار بعض القوانين والإعفاءات ومنح بعض الإعفاءات والاستثناءات لتمكين التجربة من العمل من خلال الأوضاع القائمة.

وقد سبق التحدث تفصيلا عن السبب الأول ويجدر أن نتوقف قليلا عند السببين الثاني والثالث.

تجربة البنوك.. والبعث الفكري:

لقد ألزم هذه المؤسسات الإسلامية نفسها طوعا واختيارا بنظام الاستشارة الشرعية. وهناك هيئة تذكر وتلزم دائما بالحدود الإسلامية والبنوك الإسلامية الآن في مرحلة «تأصيل»أي استخراج النمط الشرعي وتطبيقه على الواقع أو عرض الواقع عليه. وهي مرحلة تقليدية ذات نهج تقليدي في مراحل الاحتكاك بين النظرية والواقع. ولا ندعي الآن ظهور أفكار جديدة وهذا شئ طبيعي ولكن نتوقع في خلال السنوات القادمة ظهور نتائج مبينة على الاحتكاك الواقعي ولا يعني هذا عدم وجود اجتهادات ولكنها في انتظار الاحتكاك الواقعي كي يعجم عودها.

وقد كانت نتيجة هذا البعث الفكري الذي حركته التجربة العملية انتشار فكرة المعاملات الإسلامية حتى بين غير الإسلاميين وقد كانت إلى عهد قريب تعبيرات مثل «المشاركة» و «المضاربة»، «المرابحة» والكفالة والحوالة، مجهولة ولا يعرفها إلا القلة المتخصصة التي أنعم الله عليها بهذا العلم أما الآن فقد أصبحت هذه التعبيرات نار على علم حتى بين العامة. وفي المؤتمرات التي اتيحت لي فرصة حضورها أصبح الغربيون يتكلمون عن هذه المفاهيم كما يتكلم عنها الرجل العادي في الشارع وفي البنك.

وقد كان من نتائج هذا البعث الفكري أيضا تشجيع الاجتهاد. فمن خلال حركة البنوك الإسلامية بدأت في الأفق بوادر نهضة فكرية بدأت بالتأصل – كما قلنا – ثم بدأت تظهر بعد ذلك بعض الاجتهادات الفكرية. ومصدر هذه الاجتهادات هو أن التجربة «العملية» بدأت تلفت النظر – ومن خلال الممارسة أو المقارنة إلى أن الفكر الإسلامي يملك مقومات حلول أصيلة لبعض المشكلات الاقتصادية القائمة. كمشكلات محاربة التضخم الاقتصادي.. وإيجاد استراتيجيات مختلفة للتنمية.. وستعرض في وقت لاحق لبعض هذه الظواهر الفكرية.

وفي تقديري أن المرحلة القادمة ستشهد نشاطا فكريا يكون محور «الحلول الجديدة» التي كشفتها التجربة الإسلامية.. وحين تتضح معالم كافية «للحل الإسلامية للمعنى الاقتصادية في عالم الواقع«يتوقع المرء أن تظهر بعد ذلك اجتهادات» أصولية شاملة يصح أن يطلق عليها تعبير «نظرية».

تجربة البنوك الإسلامية والامتيازات:

يعتقد الكثيرون أن نجاح تجربة البنوك الإسلامية في تحقيق مستويات عالية من الريحية يعود إلى تمتعها بإعفاءات وامتيازات خاصة.

وهذا اعتقاد لا تسنده الوقائع. فبالنسبة للبنوك الإسلامية في منطقة الخليج فإن أمر الاعفاءات أو الامتيازات غير وارد لأنه لا توجد ضرائب مباشرة وغير مباشرة ولا يتمتع البنك الأردني بإعفاءات خاصة .. وكذلك الحال بالطبع مع المؤسسات الإسلامية الدولية التي نشأت في أوربا.

وقد أعطت جمهورية السودان الديموقراطية البنك الإسلامي الأول الذي أرسى فيها (بنك فيصل الإسلامي السوداني) اعفاءات من ضريبة أرباح الأعمال 60% من صافي الدخل بعد المصروفات (2) ومن ضريبة الدخل الشخصي على موظفيه وهي تصل إلى أكثر من 20% من جملة دخل الموظف. وقد كان مبرر منح هذه الامتيازات – ولا يزال – هو مواجهة البنك لاحتمالات الخسارة والربح في عمليات وتحمله لعبء إداري أكبر من الموظفين لدراسة العمليات ومتابعة التنفيذ.

ولقد أثبتت تجربة بنك فيصل الإسلامي السوداني أن البنك استطاع أن يعول الدولة والمجتمع من «فاقد الضريبة» – إذا صح تسميته كذلك – أضعاف مضاعفة من عدة نواح. وتقدر إحصائية وزعها البنك للمسئولين في الدولة على أن مجمل ما كان يتعين على البنك دفعه من ضرائب خلال السنوات الثلاثة الماضية (1978 – 1981) هو حوالي 6 مليون جنيه سوداني بينما جملة ما دخل إلى خزينة الدولة من عائد الجمارك عن عملياته (والتي يقوم البنك بدفعها مباشرة إلى خزينة الدولة نيابة عن شراكائه .. متفاديا بذلك أي شبهة للتهرب أو السعي لتخفيض حجم تقدير العوائد المفروضة) حوالي 30 مليون جنيه سوداني.

ويقدر البنك ما دفعه المتعاملون معه من ضرائب أرباح أعمال إلى الدولة يجب الا يقل عن 6 مليون جنيه في نفس تلك الفترة .. فإذا عرفنا أن فئة المتعاملين مع البنك تعتبر في واقع الأمر إضافة جديدة للدورة الاقتصادية(3)لصح القول بأن هذه الإضافة الجديدة لحصيلة الضريبة هي فعلا لم تكن لتأتي – في معظمها – ما لم يكن بنك فيصل قد أنشئ.

وتوضح نفس الإحصائية أن ما تنازل البنك عن تحصيله من أرباح لأسباب غير اقتصادية قد بلغ بالنسبة لسلعتين فقط هما الذرة (( وهي تمثل في السودان القوت الشعبي) والأدوية قد بلغ 5 مليون جنيه ويغزي البنك ذلك بأهداف اجتماعية نابعة من التزامه الإسلامي.

ففي الحالة الأولى أوقف البنك فعلا في ديسمبر 1980 تمويله لعمليات المتاجرة المحلية في الذرة عندما لاحت بادرة ضيق في كميات الذرة .. وذلك حتى لا يساعد على تخزينه الذرة بأيدي التجار .. وقدر البنك «خسارته» في هذه العملية (منع المتاجرة بأقوات المسلمين) بثلاثة مليون جنيه.

وقد قام البنك بتمويل إستيراد الأدوية بناء على طلب من الدولة لوزارة الصحة وللقطاع الخاص في عام 82 بحوالي 12 مليون دولارا .. وتقاضى عن ذلك ربحا متوسطة 7% .. بينما كان يمكن للبنك أن يستغل نفس هذا المبلغ لتمويلات أخرى تدر عليه أضعاف ما عاد عليه من ارباح في عمليات استيراد الأدوية.

ولكن الحقيقة الرئيسية التي يجب التركيز عليها في هذا الصدد هو أن تحقيق البنك لعائد عال من الأرباح على عمليات محددة يعود في المقام الأول إلى طبيعة عمله كبنك متاجر يتعين عليه تدوير موارده بكفاءة وسرعة لتحقيق أعلى معدل من الأرباح وقد ثبت ان معدل الربحية العادي لعمليات البنك خلال الأعوام الماضية هو 10% بينما – الربح المتحقق (العائد على جملة الموارد) فعلا هو تراوح بين 28% إلى 40% أي أن البنك فعلا استطاع أن يدور موارده ثلاثة مرات خلال العام الواحد.

ولعل هذه هي أول النواحي التي يفوق فيها «البنك الإسلامي» على البنك الربوي كأداة تمويلية تستطيع من اجتذاب معدل أكبر من الودائع وقد دلت تجربة بنك فيصل الإسلامي السوداني على أن معدل زيادة ودائع البنك هو ضعف معدل زيادة ودائع بقية الجهاز المصرفي.

ولعله من الجدير بالذكر أن إمكانية بنك فيصل الإسلامي السوداني لتحقيق عائد لمودعيه بلغ في المتوسط ضعف العائد الذي توزعه البنوك التجارية في السودان (4) وهذا لا يمتعه بإعفاءات ضرائيبية لأن توزيع ودائع الاستثمار يتم قبل دفع الضريبة فنجاح البنك إذن كأداة فعالة لاجتذاب الودائع ليس له صلة بكونه معفي من الضرائب.

آفاق جديدة تكشف عنها التجربة:

تحدثنا حتى الآن عن تجربة البنوك الإسلامية باعتبارها نموذج اقتصادي جديد أثبت فعالية ونجاح، وأخذ ينتشر في هذا الاطار. وبمقياس النجاح التسويقي للسلع أو الخدمات الجديدة يمكن للتجربة أن تتوقف عن هذا الحد … وتشرع في استثمار أرباحها .. وتوسيع قاعدتها مثلها مثل أي سلعة أو ميكانزم جديد للتعامل.

ولكن الممارسة العملية لتجربة البنوك الإسلامية – كما كشفت عنها تجربة بنك فيصل الإسلامي –بدأت تلفت النظر بشدة إلى «ميزات جديدة تتمتع بها التجربة سواء باعتبارها»«ميكانزم» للعمل أو باعتبارها «دالة» على أفكار اقتصادية ذات محتوى معين هو المحتوى الإسلامي.

وتبشر الممارسة بأن تطوير هذه «الميزات» في إطار فكري وعملي موحد قد تفتح آفاقا لأمكانيات حلول فكرية وعملية لبعض أم المشكلات الاقتصادية الحالية (والتي أفرزها عجز النموذجين الليبرالي – الرأسمالي الاشتراكي).

وسنتعرض فيما يلي بإيجاز ما كشفت عنه التجربة في مختلف المجالات.

في مجال السياسة التمويلية:

الزم بنك فيصل الإسلامي نفسه بأن تكون الأرباح التي يقتطعها لنفسه – بالأتفاق المسبق طبعا – من حصص الربح العام المتحقق عن مشاركاته في حدود الأرباح القانونية التي تحدها الدولة ( يطبق السودان نظام الأرباح القانونية للسلع) – والتوسع في تطبيق هذا المبدأ – والمنطلق من التزام اجتماعي – بمعنى تطبيقه كنظام لكل الجهاز المصرفي سيؤدي في تقديرنا إلى نتائج هامة جدا نوجزها فيما يلي :-

  • التزام أفضل بتطبيق الأسعار القانونية التي قد ترى الدولة ضرورة تطبيقها وذلك لأن أي عميل أو شريك سيجد نفسه مضطرا للالتزام بشروط التمويل المقدم من البنك الذي يتعامل معه – ومنها الالتزام بالبيع في حدود الأسعار القانونية والا فأنه سيفقد تمويله اذا ثبت تلاعبه .. ولن يجد فرص للتعامل مع أي بنك آخر. والرادع المتمثل في احتمال فقدان التمويل هو أقوى بكثير من أي رادع قانوني – اقتصادي آخر مستعمل الآن. لأنه يعني انقطاع الحبل السري بين المستثمر أو رجل الأعمال وبين الجهاز التمويلي للمجتمع.

ولعل الدارسين لاقتصاديات البلاد الغربية التي فشلت محاولاتها مرارا لمعالجة التضخم بفرض سياسات تجميد الأجور مقابل تجميد الأسعار statutary income & prices policy يجدون في أسلوب المشاركة حلا لهذه المشكلة الهامة وتتضح أهمية هذا الأمر بمقارنة معدلات زيادات الأسعار (والأرباح) في البلاد الغربية – وهو يتراوح بين 3% و10% وبين ما يجري في العديد من بلادنا الإسلامية والعربية اليوم حيث تقاس الزيادة في الأسعار (بفعل المغالاة في فرض الأرباح إلى حد كبير) بما لا يقل عن 30%. ويرتفع إلى 120% في بعض البلاد.

  • ويؤدي نظام تمويل البنوك الإسلامية سواء عن طريقالمشاركة أو المضاربة إلى أن تتمكن الدولة بصورة أكثر فعالية من توجيه التمويل المصرفي للمناشط التي ترى أهميتها أكثر من غيرها. ويرجع ذلك إلى أن البنك الإسلامي أقدر على توجيه تمويله إلى المنشط المطلوب أكثر من البنك الربوي الذي يعطي العميل تسهيلا بالسحب على المكشوف ولا يستطيع أن يتحكم في الوجهة التي يتوجه إليها العميل تسهيلاته بينما يستطيع البنك الإسلامي ذلك بصورة دقيقة لأنه يدخل معه مشاركة في عملية محددة ومعينة أو يرفض الدخول إذا رغب منذ البداية. وفي البلاد التي تعطي أهمية – عملية أو فكرية – لتوجيه اقتصادها أو قطاعات معينة منه – فأن نظام المشاركة عن طريق الجهاز المصرفي هو وسيلة فعالة للمساعدة في هذا الاتجاه.
  • لقد أوضحت لنا الممارسة العملية أن صيغ التمويل الإسلامي أكثر كفاءة وفعالية وعملية لتحقيق هدف تدوير موارد البنك بين القطاعات ذات – الربحية العالية والأخرى ضئيلة الربحية.

فهوامش الربحية التي يتقاضاها البنك على عمليات المرابحة للآمر بالشراء تبدأ من 25% بالنسبة لسلع كسلعة السكر (حيث أن هامش ربحيتها القانوني لا يتحمل أكثر من ذلك) إلى مستوى 2% و3% على بعض السلع التموينية الأساسية الأخرى التي يمولها البنك للجمعيات التعاونية .. ويرتفع تدريجها إلى 5% على تمويل البترول للمؤسسة العامة للبترول .. ثم إلى 7% لسلعة الدواء .. ويتراوح بين 3% إلى 8% لمختلف السلع في عمليات التجارة المحلية .. ويرتفع بعد ذلك إلى 15% على بعض السلع التي تبلغ هوامش ربحبتها القانونية 40% إلى 60% ويعني هذا عموما أن البنك يكتفي بربح المورد .. وقد يشارك احيانا في ربح تاجر الجملة (5)وفي كل الأحوال فهي تشكل 25 إلى 75 – الأرباح القانونية المسموح بها قانونيا.

وبالنسبة لعمليات المشاركة فإن الربح يختلف بالطبع حسب أداء كل شراكه .. وقد يتراوح أداء مصنع معين بين سنة وأخرى بحيث يختلف العائد على استثمار البنك من تمويله لهذا المصنع بين 8% إلى 21% عاكسا بذلك الظروف الطبيعية للإنتاج في كل حالة.

             نجاح مادي واضح:

بالرغم من أنه لم يمض على تأسيس هذه المنشآت الإسلامية مدة طويلة إلا أن استعراضنا للمعلومات المتوفرة حول موقفها المالي يخرج بنتائج ذات دلالة واضحة كما يدل الجدول الآتي:-

  بيت التمويل الكويتي (الأرقام بالدينار الكويتي)  
العام الأصول الأرباح المحققة الأرباح الموزعة على المساهمين نسبة الأرباح الموزعة إلى رأس المال
1979 75.260.070 3.479.752 246.096 10%
1980 168.448.398 9.683.066 276.858 11.25%
1981 351.134.058 25.045.246 369.144 15%
بنك فيصل الإسلامي المصري (الأرقام بالدولار الأمريكي)
1979 38.735.985 1.367.005 806.302 8%
1980 397.155.631 9.815.543 2.686.863 14.2%
1981 588.878.128 32.371.936 2.833.011 14.3%
بنك دبي الإسلامي (الأرقام بدرهم الإمارات)
1979 239.850.114 5.981.131
1980 278.349.478 10.757.969 3.500.000 7%
1981 413.905.822 16.313.493 4.000.000 8%
بنك فيصل الإسلامي السوداني (الأرقام بالجنيه السوداني)
1979 31.136.851 1.052.533 499.161 15%
1980 67.352.041 2.587.681 893.152 20%
1981 138.359.893 10.287.970 2.553.001 25%

لا توجد لدينا معلومات عن البنك الإسلامي الأردني. توجد معلومات لعام واحد عن بنك البحرين الإسلامي.

ويدل هذا المدى الواسع من هوامش الأرباح والذي يعكس تداخل عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية على مرونة التمويل الإسلامي.

أولا – ويدل ثانيا على أن هذا النوع من التمويل أكثر عدالة في معاملة كل قطاع أو فئة أو سلعة من الناحية الاقتصادية. فهو بهذا يقدم طريقة فعالة لتنوير الموارد بين القطاعات ذات الربحية العالية والأخرى التي لا تتحمل ربحية عالية محققا أهداف اجتماعية عليا وضرورية للتوازن الاجتماعي.

ورب قائل أن ثمة أمكانية أمر مماثل عن طريق تحديد أسعار فائدة مميزة لتمويل قطاعات أو فئات اجتماعية معينة .. ولكننا نزعم أن درجة المرونة والخصوصية Specifity التي تميز التمويل الإسلامي والذي يستطيع أن يحدد لكل عملية على حدة فئاتها المعينة من الأرباح هو أقدر على تحقيق هذا الهدف. ونضيف أن التمويل الإسلامي يستطيع إضافة لهذا أن يوضح الأداء الحقيقي – متمثلا في معيار الربح بالنسبة لكل عميل أو فئة أو قطاع على حده – فيكشف مباشرة عمن يستحق التمويل ويستطيع استغلاله بكفاءة لصالحه وصالح المجتمع. وعمن يفشل في ذلك. ولكن سعر الفائدة يخفي هذه الحقيقة (لأن الخسارة تتراكم على الطرف الثاني) حتى يعجز فينهار بالتفليس أو غيره فيخسر المجتمع موارد كان أحق أن تحول في الوقت المناسب لمن يستطيع استغلالها بصورة أحسن نيابة عن المجتمع.

  • وكشفت لنا الممارسة العملية أن المجتمع التجاري يمكن أن – يستجيب لقبول تكلفة أعلى للتمويل في السلع والقطاعات التي تسمح هوامش ربحيتها بذلك طالما كانت هذه التكلفة في حدود المعقول.

وهذا يعني أن الصيغة الإسلامية هي أيضاء «ميكانيزم» جيد لتطبيق نظرية العقد الاجتماعي تطبيقا عمليا.

  • ان الصيغة الاسلامية للتمويل هي التي يمكن أن تحقق ربحا أعلى لأصحاب الودائع في المجتمع (فتساعد بذلك على تجميع المدخرات وتحقيق التراكم الرأسمالي المساعد للتنمية) لأنها تقوم على مبدأ المتجارة – سرعة وكفاءة تدوير الموارد – ومشاركة المودع في أي نسبة ربح متحققة مستحقة له.. ويقابل ذلك الصيغة الربوية التي تعاني من تناقض خطير .. فإن هي ارادت إغراء المودعين برفع نسبة الفائدة أحجم المستثمرون وعم الركود وانتشرت العطالة.

وأن خفضت سعر الفائدة لتشجيع المستثمرين، احجم المودعون وانحرفوا لقطاعات الربحية السريعة (سوق الأوراق المالية) التي لا تضيف شيئا حقيقيا لانتاج المجتمع..

ويشوب الصيغة الربوية أيضا عيب أساسي لا يشعر به المودعون. فهم محرومون من تلقي نصيبهم الحقيقي من الأرباح العائدة على ودائعهم فعدم وجود علاقة تعاقدية بينهم وبين البنك (كصيغة المضاربة ورب المال التي تحكم علاقة المودع بالبنك الإسلامي) تعطي البنوك الربوية سلطة وحق تحديد النصيب الذي يتلقاه المودعون في عائد أرباح البنك لقرار أداري لا يعكس بالضرورة الأرباح الحقيقية التي كان يجب أن يتقاضاها المودعون..

في مجال السياسة المالية:

السياسات المالية تستخدمها الدول الآن للتحكم في حركة السوق والأسعار وغيرها عن طريق قرارات ووسائل ادارية.

وقد كشفت لنا الممارسة ان طريقة البنك الإسلامي في التمويل انسب لتطبيق او تنفيذ السياسة المالية للدولة.

فإذا أرادت الدولة التحكم مثلا في حجم الواردات كوسيلة لتحسين عجز ميزان المدفوعات لجأت – كما هو الحال في السودان – للسيطرة على ادخال السلع عن طريق اصدار التراخيص وحصص الأستيراد الخ . وبما ان البنك الإسلامي لا يستطيع الا المشاركة بتمويل شراء وبيع السلع فانه يجد نفسه عاجز تماما عن الحركة اذا توقفت الدولة عن اصدار تلك التراخيص. ولكن البنك الربوي يستطيع في نفس الوقت الاستمرار في التسليف. وبهذا يمكن ان يستغل ذوي النفوس الضعيفة للتسهيلات المصرفية لتمويل التهريب وللمضاربة في اسعار العملات الأجنبية في سوق العملات الحرة.

في مجال السياسة النقدية:

ابرزت السياسات أيضا أن صيغ التمويل الإسلامي وبالأخص صيغتي المشاركة والمضاربة (أو القراض) هي من أكثر الوسائل فاعلية لضبط حجم واتجاهات التمويل وبالتالي محاربة التضخم. فالتمويل الإسلامي في حالتي المشاركة والمضاربة لا يقدم للعميل حجم متاح من النقود يتصرف فيه كما يشاء .. ولكن يقدم كوسيلة لإدخال سلع وخدمات معينة لشراكة نشأت بين البنك وشريكه. ويستطيع البنك ضبط عدة عوامل اساسية منها سعر البيع والشراء ونوع السلعة وتكلفة العمليات المختلة .. عند مرحلة التعاقد .. ويستطيع متابعة التنفيذ بدقة اثناء سير الشراكة .. فيرفض مثلا مشتريات بأعلى من التكلفة المتفق عليها. أو اعتماد نفقات تزيد عن المعدل السائد – مالم يكن مبرر معقول لذلك. ويستطيع، في حدود معقولة، ان يراقب التزام الشريك بالبيع وفق الأسعار المحددة للشراكة (6)ويستطيع البنك أيضا متابعة سير التنفيذ حسب الجدول الزمني المتفق ليمنع حبس السعة عن السوق (أي احتكارها بصورة غير مشروعة) مما يؤدي الى ارتفاع سعرها.

وهكذا فإن ميكانيكية ادارة الشراكة ومتابعتها تعني ان البنك يملك السلطة والقدرة الفعلية على منع تمويلهمن أن يستغل في غير الوجهة المقصودة لها .. أو أن يستغل للمضاربة الضارة (بمعنى Specilation) لرفع الأسعار.. أو للتخزين وحبس السلع عن الدورة الاقتصادية لخلق ندرة اصطناعية تستغل ايضا لرفع الأسعار .. وهذه كلها عوامل مساعدة على التضخم. على أننا نبادر إلى القول أن السبب الرئيسي للتضخم يكمن في اختلال وظيفة النقود وتحويلها من مجرد مخزن للقيمة ووحدة للقياس لمساعدة التبادل .. إلى سلعة ذات قيمة .. يحق لها ان تكسب لمجرد حيازة المرء لها .. ومالم يتغير هذا المفهوم .. وتلغي وتحرم الوسائل التي تؤدي إلى هذه الغاية كسعر الفائدة .. وقيام اسواق المتاجرة بالعملات الخ .. فان التضخم سيستمر في تهديد العملية الإنتاجية كلها بالتوقف كما بدأ يظهر في العالم الغربي اليوم.

في مجال التنمية:

كشفت التجربةالعملية لبنك فيصل الإسلامي عن عدة ظواهر تؤدي في مجموعها إلى حقيقة رئيسية وهي أن البنك الإسلامي هو الأنسب والأقدر على التنمية:

  • تنطلق صيغة التمويل الإسلامي من قاعدة نظرية اساسية هي أن العمل أو الجهد البشري وحده هو الذي يستحق الجزاء المالي وان المال لا يستحق الكسب شرعا ما لم يخالطه عمل حقيقي ..

إن التزام القائمين على أول البنوك الإسلامية بهذه النظرية يدفعهم إلى التعامل مع قطاعات في المجتمع (تمثل الغالبية العددية في الواقع) ظلت محرومة من التمويل المصرفي الربوي تماما لعدم استيفائها لشروطه : وهي اساسا أن تكون ابتداءا مالكه لموارد وأصول تضمن للبنك استعادة قروض..

وقد حقق بنك فيصل الإسلامي السوداني هذا المفهوم بصورة واضحة منذ البداية عندما جرب التعامل مع قطاع الحرفيين منذ العام الثاني لانشائه .. فصمم تمويلا ميسرا لهم يمكنهم بحد أدنى من الضمان (في معظم الحالات يكون هو الضمان الشخصي من طرف ثالث أو ضمان تسجيل المعدات موضع التمويل لأسم البنك) من الحصول على احتياجاتهم من المعدات – والماكينات والعربات واللواري وعربات الأجرة .. والمواد الخام بأقساط تمتد حتى ثلاث سنوات بمقدم دفع يبدأمن 15% من قيمة الأقساط.

وقد دلت التجربة العملية أن هذه القطاعات تمارس عملها وسداد – التزاماتها بمسئولية كاملة عكس ما كان يتوقع .. والسبب واضح جدا وهو أن هذه الفئات – وقد حرك فيها التمويل الإسلامي شعور العزة. بكدحها وكفاحها أخذت تدرك ما يقرض هذا الشعور من مسئولية مقابلة .. انعكس أثرها في التزامها الممتاز بسداد التزاماتها المالية للبنك وبالتالي للمجتمع..

وهكذا تظهر التجربة ان هذا الطرف من المجتمع (كما سبق أن ظهرت استعداد طبقة رجال الأعمال على قبول تكلفة أعلى للتمويل الإسلامي) مستعد أيضا «للتضحية» – في سبيل المجتمع .. وهذا هو الوجه الآخر للعقد الاجتماعي .. لقد أبرز التمويل الإسلامي المغزى الرائع للحديث النبوي الشريف (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا).

ومغزى هذا التمويل الإسلامي – القائم على أعلاء قيمة العمل يحرك فئات كانت راكدة ومحرومة في المجتمع .. فيمكنها من المساهمة والإضافة الحقيقية للمجتمع .. أو كما جرى العرف الاقتصادي الحديث .. على القول فإنه يستوعب  Involves قطاعات أساسية في عملية التنمية فيضعها في مسارها الصحيح وهو : التنمية من أجل الإنسان.

  • وصيغة التمويل الإسلامي تجبر البنك على إعطاء أهمية أكبر لدراسة استثمارية ومتابعتها والمساعدة على حسن تنفيذها .. أي أنها تسخر امكانيات البنك الفنية لإتاحة عنصر الإدارة الحديثة لشركائه وقد دلت دراسات التنمية أن الإدارة هي إحدى العناصر الحرجة في عملية التنمية.
  • ودلت التجربة أيضا على أن قيام البنوك الإسلامية يجذب فعلا إلى الدورة الاقتصادية الحديثة أموالا وموارد كانت محبوسة عنها في أيدي المتورعين عن التعامل بالربا مع البنوك القائمة .. أو الذين يشككون في استغلال البنوك الربوية لأموالهم مقابل سعر فائدة بسيط لا يعكس قيمتها الاقتصادية فيضنون بها ويحبسونها في صور عقيمة من الادخار والاكتناز لا يفيد المجتمع وقد سبقت الإشارة إلى ان ودائع بنك فيصل الإسلامي السوداني زادت في نفس الوقت الذي زادت فيه ودائع البنوك السودانية زيادة كبيرة .. مما يعني أن الإضافة التي حققتها ودائع بنك فيصل الإسلامي – على محدودية انتشاره وقصر عمره – هي زيادة حقيقية حوالي 13%.

ويعني هذا ان البنوك الإسلامية أكثر قدرة على تجميع مدخرات الإنسان البسيط لأنها تعده باستغلال احسن لها.

ومن الناحية الأخرى – ناحية المستثمر فإن طريقة التمويل الإسلامي هي أكثر طمأنة له لأن المال المقدم له كله «رأسمال مخاطر».

فهو يعرف أن البنك سيخسر معه اذا خسر المشروع (وغالبا ما تكون خسارة البنك هي الأكبر) ولهذا يقوم المستثمر على طرق مختلفة المجالات وفي هذا تشجيع واضح ايضا للأستثمار. والبنك الإسلامي غير مخير في قبول هذا المنحنى لأنه لا يكسب ولا يستمر بدون الاستثمار. ويبقى التحدي أمام البنك هو كيفية «تجويد» استثماراته ليحقق لمودعيه ومستثمريه ومؤسسيه أحسن عائد. فهو إذن بنك «ديناميكي» لا يكتفي فقط بلعب دور الوسيط الذي تتراكم لديه أموال المودعين فيقرضها – لقاء ضمانات قوية – للمستغلين ويتقاضى فائدة عنها يمرر جزءا منها للمودعين.

فالبنك الإسلامي هو بنك تنمية شاء أم أبى.

وقد ظهرت طريقة التمويل الإسلامي قدرتها على كشف الآداء الحقيقي للشريك المستفيد من التمويل .. فبقدر ما يبذل من جهد يزيد العائد على الشراكه فيزيد ربحه وربح البنك وبالتالي ربح المودع .. والمجتمع من وراء ذلك كله والعكس صحيح.

وقد دلت التجربة العملية أن بعض التسهيلات الممنوحة لتمويل عمليات شراكة أو قروض تمويلية بدون فائدة .. قد تم تدويرها – بمعدل 5 إلى 7 معدلات خلال العام الواحد .. وهذه كفاءة عالية في إدارة الموارد وحتى في حالة العمليات ذات الطبيعة الموسمية فإن التسهيلات الممنوحة ضوعف استغلالها مرتين أو ثلاثا.

وهناك أكثر من مغزى لهذه الحقيقة:

  • معرفة البنك للشركاء الممتازين والمتمرسين تساعد على ترشيد موارد المجتمع وإعطاء من يستطيع استغلال ودائعه أحسن من غيره فرصة أكبر .. فيزيد بهذا العائد على المجتمع ولا يعني هذا – حرمان الضعفاء وقليلو الخبرة. بل يعني أن يعطوا على قدر إمكانياتهم ثم يساعدوا فنيا وإداريا .. حتى لا يحبسوا مالا كان يمكن أن ينتج أحسن في يد آخرين.
  • إن إن التمويل الإسلامي يستطيع أن يقنع بهامش ربح بسيط للعملية الواحدة على أن يتكرر هذا الهامش – عن طريق كفاءة الاستعمال – لينتج ربحا معقولا لصالحه.
  • إن مكانيكية التمويل الإسلامي تستفيد أيضا من عامل الربح لتحقق مستوى عال من الكفاءة في إدارة الموارد وفي هذا رد على الذين يقولون إن سعر الفائدة هو الأداء الوحيدة القادرة على تحقيق إدارة الأموال والموارد بكفاءة.

إن الظاهر الخمسة المذكورة أعلاء كلها ترمي بثقل واضح في اتجاه التنمية. وتقود المرء للقول بأن البنك الإسلامي هو وسيلة ممتازة لتحقيق أهداف التنمية ولتنفيذها أيضا.

 

*********

 

 

الهوامش

  • منذ مؤتمر الاقتصاديين الإسلاميين في مكة عام 1975 وحتى الآن جرت مؤتمرات ودراسات كثيرة لجوانب مختلفة من الفكر الاقتصادي الإسلامي .. ونشأت عدة مراكز ومعاهد للبحوث الإسلامية .. مما يؤكد بوادر نهضة فكرية في هذا المجال.
  • الإعفاء من ضريبة أرباح الأعمال يمنح في السودان بمقتضى قوانين الاستثمار العادية في القطاعات الصناعية والزراعية وقطاع الخدمات لعدد تتراوح بين ثلاث إلى عشرة سنوات ويكون قابلا للتجديد حسب سلطة الوزير المختص (وصل في بعض الحالات إلى 15 سنة) وتشكل ضريبة أرباح الأعمال حوالي (80%) فقط من مجمل الضرائب الحكومية والتي تعتمد أساسا على العوائد لبجمركية على الزاردات والصادرات .. وهناك 8 نوعا آخر من الضرائب يسري على نشاط البنك..
  • تدل إحصاءات الودائع التي يصدرها بنك السودان على أن ودائع كل الجهاز المصرفي قد زادت في الفترة بين 1/1/78 إلى 30/6/1982 من 500 مليون جنيه إلى أكثر من 1000 مليون وفي نفس هذه الفترة زادت ودائع بنك فيصل من صفر إلى 137 مليون جنيه أي أن ودائع بنك فيصل لم تكن كلها تحولا من البنوك الأخرى بل هي إضافة إلى الدورة الاقتصادية من فئات كانت تتورع من التعامل بالربا.
  • وزع بنك فيصل في السنوات الثلاثة الأخيرة أرباحا لودائع الاستثمار تراوحت بين 14.7% و15.9% بينما توزعه البنوك التجارية 8% رفعت مؤخرا إلى 10%.
  • عوامل الربحية القانونية في السودان مقسمة بين – المورد وتاجر الجملة وتاجر القطاعي.
  • يستطيع بعض الشركاء بالطبع التلاعب في أسعار البيع ولكن انكشاف أمرهم سيؤدي مستقبلا إلى حرمانهم من التعامل مع الجهاز المصرفي – على افتراض أن الجهاز كله ملتزم اسلاميا واخلاقيا.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر