يدور بحثنا في هذه الكلمة حول فتح آفاق العمل الإسلامي الذي يتوجب القيام به على كافة المسلمين أفراداً وجماعات والتي لا يحول دونه حائل في الإطار القانوني الحال في البلاد الإسلامية على تفاوت بينها في ذلك بطبيعة الحال.
وأول ما ينبغي الإشارة اليه في هذا المجال هو تفجير طاقات الفرد وإطلاق كفاءته – بعد تكوينه تكويناً إسلامياً متكاملاً آخذاً وعطاء، وإنتاجا دائباً، للدنيا والآخرة في آن، كأنه يموت غداً، وكأنه يعيش أبداً، يعمل ويعمل ويعمل، متزوداً من كل يوم بل من كل لحظة، لأنها لا تعود إلى يوم القيامة، وكل فرد راع، وهو مسؤول رعيته.
وكل فرد على ثغرة، يرعاها حتى لا يؤتى من قبله، كل فرد في عمله مسؤول عن إتقانه وعن استثماره وتسخيره للعمل الإسلامي حسب الظروف والأحوال، ولا أظن هذا بحاجة إلى مزيد بيان أو إلى ضرب الأمثال.
وإنما اضرب بعض الأمثال لمجال آخر هو مجال المجتمع ومؤسساته حيث يقع كذلك على عاتق كل مسلم أن يقوم بدور إيجابي للإصلاح والتغيير.
فحيث نشكو من فساد التعليم، علينا بإنشاء مدارس خاصة من رياض الأطفال حتى الجامعات.
وحيث نشكو من فساد أجهزة الإعلام، علينا بإنشاء الصحف والمجلات ودور السينما ودور الإنتاج السينمائي والتلفزيوني حتى نقدم البديل الصالح مكان الواقع الفاسد.
وحيث نشكو من وضع المرأة، علينا بإنشاء جمعيات نسائية ترعي المرأة المسلمة، وتبشر بين النساء بمفهوم الإسلام عن المرأة وتطالب باسم الإسلام بما حباها من حقوق وعلينا بإقامة دور الأزياء التي تصمم وتنتج الأزياء المناسبة لنسائنا وشبابنا ورجالنا بدلاً من تركهم تابعين ومقلدين الدور الأزياء الأجنبية.
وحيث نشكو من وضع الشباب، علينا بإقامة النوادي الرياضية والاجتماعية والثقافية النظيفة التي تقدم للشباب بديلاً عما نشكو منه.
وحيث نشكو من شركات التأمين، بإمكاننا إقامة جمعيات تعاونية للتكافل.
وحيث نشكو من البنوك الربوية، بإمكاننا إقامة مؤسسات غير ربوية بإمكاننا إقامة صناديق الزكاة في كل قرية وفي كل حي وتنظيم مصارف الزكاة على العديد من المؤسسات الخيرية المفيدة، وفي مجال التنمية الكثير مما يمكن عمله.
فصول تعليم الكبار ومحو الأمية، مستوصفات العلاج، مراكز التدريب المهني، التحول من الكسب العين في التجارة إلى إقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ما أكثر المشروعات التي يمكن أن نترجم بها تعاليم الإسلام وقيمه وآدابه إلى مؤسسات واقعية منتجة عاملة تغير حال المسلمين وتجعلهم صورة حية للإسلام.
وأكثر هذه المشروعات – ان لم نكن جميعها – مما لا يقف دونها حائل قانوني أو سياسي، ومما تتسع له قوانين الشركات والأندية والجمعيات وغيرها.
ثم نظام الوقف، هذه المؤسسة الإسلامية الرائعة التي سبق بها المسلمون إلى التعبير عن رصد المالي لفرضي عم قريبة إلى الله، والتي اعتمد عليها المجتمع الإسلامي طويلا في مرافق التعليم والصحة إلى جوار المساجد والمؤسسات الخيرية الأخرى.
أليس من المؤسف أن يكون الاتجاه الآن – لا من قبل الحكومات فحسب بل من قبل الأفراد إلى أيضاً إلى تصفية هذه الأوقاف بدلاً من تطويرها وإنشاء المزيد منها، في الوقت الذي نسمع كل يوم من إقامة مؤسسات مشابهة في الغرب يتبرع لها الأغنياء بالملايين – هبة ووصية – وتشجع الحكومات على ذلك بإعفائها من الضرائب باستنزال ما يدفع إليها من الدخول التي تفرض عليها الضرائب، وليست أسماء فورد وكارنيجي ونوبل وروكفلر بغريبة عن الأسماع في هذا المجال.
ولا يفوتني أن أشير هنا إلى أن البعض يحرص على إعطاء المؤسسات الإسلامية أسماء إسلامية كإضافتها إلى أسماء بعض الجمعيات الإسلامية أو وصفها بصفات أو عبارات ذات دلالة إسلامية كالإسلام والإيمان والتوحيد إلى أخر هذه الأسماء.
وأنا أظن أن ذلك مما يفقد هذه المؤسسات صفة العموم التي ينبغي الحرص عليها حتى لا ينصرف عنها الناس ظنا منهم أنها خاصة بفئة معينة وبذلك تظل هذه المؤسسات متقوقعة على نفسها وغير مستوعبة ولا ممثلة الجماهير المسلمين.
كلمة أخيرة عن تصور بعض العاملين للإسلام، لنوعية وتوقيت العمل الإسلامي.
أن يظن البعض أن واجباتهم الإسلامية موقوفة أو مؤجلة إلى حين قيام حكم إسلامي، وأن العمل الإسلامي قبل ذلك منحصر في محاولة إقامة هذا الحكم، والذي إذا قام يتولى سائر نواحي الحياة الإسلامية.
كما يتصور بعض المنتظمين في حركات أمامية أن مجرد انتسابهم إلى هذا التنظيم أو ذاك يرفع عنهم الحجة ويلقي بالمسؤولية على قادة هذا التنظيم.
وكلا هذين التصورين يتضمن نوعاً من رفع التكليف الشوي بالواجبات الإسلامية دون هدفه من الشريعة على الإطلاق.
فالتكليف قائم أصلاً ولا يرفعه إلا بسبب شرعي كالضرورية مثلا أو الإكراه أو غير ذلك من الأسباب.
أما إذا كان الإطار القانوني للدولة يسمح بكل أو بعض النشاطات التي تحدثنا عنها فما هذي المسلم في عدم القيام بها؟.
والأصل أن العمل الإسلامي بجوانبه المختلفة واجب على كل مسلم.
فإذا قام به مع آخرين ازداد العمل قوة وعطاء نتيجة التنظيم والتنسيق والتخصص وتوزيع العمل، وتكون المعادلة إذن بالنسبة لاجتماع ثلاثة مثلاً على العمل انه بدلاً من أن تكون :
1+1+1=3 في حالة العمل منفردين، تكون :
1+1+1= 5 أو ما شئت من مضاعفات نتيجة قوة العملي الجماعي نفسه، وأن يد الله مع الجماعة.
أما إذا فهم كل من هؤلاء المجتمعين أنه قد أدى ما عليه بمجرد انضمامه إلى الجماعة وأن العبء يقع حينئذ على قائد الجماعة فتكون النتيجة هي تجميد نشاط هؤلاء الأفراد في انتظار تخطيط القائد لهم، فإذا لم يحدث هذا التخطيط بقي الأفراد بدون عمل وتكون المعادلة حينئذ:
1+1+1= صفر أو على أحسن الفروض = ۱ (في حالة قيام القائد بعمله هو…)
من الواضح إذن أن هذا التصور للعمل الجماعي تصور خاطئ وأن العمل الفردي أفضل حصيلة منه، والأفضل من هذا وذاك بطبيعة الحال هو العمل الجماعي الذي ينظم فيه عمل كل فرد إلى عمل باقي الأفراد مع ما يقتضيه التجمع من تخطيط وتنسيق، وهذا هو الفهم الصحيح للعمل الجماعي.
وأغلب الظن أن العمل الجماعي أنا أستوعب هذين المعنيين سوف يتجه إلى التخصص وتوزيع العمل.
ملاحظة أخيرة لا يفوتني أن أسجلها تتعلق بالمعنى الكامن وراء القصورين المواطنين موضوع هذه الكلمة، انه السلبية والكل وعدم الرغبة في العمل سواء تستر هذا المعنى خلف دعوي انتظار الحكم الإسلامي أو خلف دعوى انتظار تعليمات القيادة، أن المعني الإسلامي الذي ينبغي أن يكون منطلق العاملين للإسلام هو : إرادة التغيير التي يعبر عنها العمل الدائب، فإذا توفر هذا وذاك اتضحت الرؤية وانطلقت في آفاق العمل المختلفة طاقات وإمكانات العاملين الإسلام وما أضخمها.
وفي العدد القادم بإذن الله تناول بالبعث ميدانا أخر من ميادين العمل الإسلامي، وهو الميدان السياسي الذي يستهدف التغيير الفوقي أو تغيير الإطار القانوني نفيه، والله المستعان.