أبحاث

النظام الاقتصادي الإسلامي

العدد 5

مقدمه: يعرف النظام الاقتصادي بأنه مجموعة الإجراءات المؤثرة على الاختيار الاقتصادي الذي يهدف إلى توجيه الموارد نحو تحقيق

الأهداف. ويختلف النظام الاقتصادي عن علم الاقتصاد أو الاقتصاد السياسي في أن النظام الاقتصادي هو الطريقة التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشاكلها العلمية. أما علم الاقتصاد فهو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها. وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة التي تتحكم فيها.

ويتطلب أي نظام اقتصادي مجموعة من القواعد وأيديولوجية تبررها وعقيدة لدى الفرد تجعله يطبقها. والنظام الاقتصادي ليس اقتصاديا بحتا وإنما تؤثر فيه عوامل غير اقتصادية، ولذا فإن التحليل الاقتصادي وحده لا يوصلنا إلى الصورة الدقيقة لميكانيكية النظم الاقتصادية المختلفة.

 

 

ومن الممكن إدراج النظم الاقتصادية السائدة حاليا تحت إطارين، هما: الاقتصاد الاشتراكي والاقتصاد الرأسمالي. ولكل منهما ظروف نشأ فيها وقواعد وأسس لعمله وأيدلوجيات تبرره وتسانده. وبصفة عامة فإن التطبيق الفعلي لهذه النظم يبعد بدرجات متفاوتة عن الأصول النظرية التي تقوم عليها.

 

 

أما النظام الاقتصادي الإسلامي فإن له أهمية خاصة على الرغم من عدم دخوله حيز التطبيق العملي حاليا- تتضح من أن النظام الاقتصادي لأي مجتمع من المجتمعات هو وليد مفهوم المجتمع للعدالة الاجتماعية وتتجسد فيه ثقافات المجتمع وظروف تطوره. لذا فإن الظروف التي وجدت فيها النظم الاقتصادية الغربية والشرقية وتم في إطارها نموها وتطورها تختلف كلية عن تلك الظروف السائدة لدينا والتي تم اكتسابها من التاريخ والعقيدة الإسلامية لمجتمعاتنا والتي تتوافق كلية وتمثل الأرضية الصالحة والقاعدة المناسبة لنظام اقتصادي إسلامي يتكامل مع كافة جوانب حياة المجتمع ويتناسق معها.

 

 

والنظام الاقتصادي الإسلامي جزء من كل متناسق ومتماسك هو الشريعة الإسلامية التي تجمع بين خلوها من الإفراط في القيود ومسايرتها لمصالح الناس على اختلاف أماكنهم وأزمنتهم إذ إنها قد جاءت بقواعد كلية عامة فيما يختص بالمسائل التي تتطور بتطور البيئة كالمعاملات الاقتصادية والمالية والقضاء والعلاقات الدولية حتى تتسع لكل ما يستجد من أمور وحوادث وجاءت بضوابط تفصيلية في المسائل التي لا تتطور بتطور الزمن كالمواريث والعبادات وأحكام الأسرة.

كما أن ضوابطها وأوامرها ونواهيها قليلة ليس فيها ما يفوق الطاقة البشرية أو يرهقها وكلها ترمي إلى توفير الحقوق الطبيعية لكافة المواطنين وهي حق الحياة وصيانتها بالرعاية الصحية وتخفيف القيود وإسقاط الواجبات عند تعرض الحياة للخطر. وحق الحرية بجوانبها المختلفة للإنسان والأمة ووجوب حمايتها من قبل أفراد المجتمع والدولة. ويشمل هذا الحق كلا من حرية الدين وحرية البحث العلمي والتعلم والحرية السياسية وحرية العمل والحرية المدنية والأدبية والاجتماعية في إطار المبادئ الأخلاقية والاجتماعية التي لا تتعارض فيها مصالح الفرد والمجتمع (فإن حدث تعارض قدمت مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد)، وحق العلم شاملا كل علم نافع ومفيد في كافة نواحي الحياة، وحق التملك لما اكتسب بالطرق المشروعة، وحق العدالة والمساواة.

الإطار العام للنظام الاقتصادي الإسلامي:

يشتمل الاقتصاد الإسلامي على مجموعة من القوانين والضوابط اليقينية الثابتة والتي تسمح مرونتها بصلاحية تطبيقها على المجتمعات المختلفة على مر الزمن. وتندرج القوانين الاقتصادية الإسلامية تحت إطار واحد يشمل النقاط السبع الآتية:

أولا: الاستفادة القصوى من الممكنات والموارد الإنتاجية المتاحة.

ثانيا: تطوير وتنمية الموارد والإنتاج ودعم القدرات الاقتصادية للمجتمع للتوافق مع احتياجات المجتمع المتطورة.

ثالثا: وحدة الأصل الإنساني وإلغاء التفاضل والتمييز.

رابعا: وحدة مصدر التشريع ليكون مرجعا عند الاختلاف والتنازع.

خامسا: كفالة الحد الأدنى اللائق من مستوى المعيشة والرعاية لكافة أفراد المجتمع وتحقيق التوازن بينهم.

سادسا: تعاون أفراد المجتمع في تحقيق تقدمه وكسر أسار التخلف.

سابعا: تحديد مسار وضوابط النشاط الاقتصادي في مجالات الإنتاج والتبادل والتوزيع ليتفق مع مفهوم العدالة في الإسلام والاعتبارات السابقة.

وتشمل كل جزئية في هذا الإطار عدة نقاد فرعية مترابطة فيما بينها مكونة للأركان الأساسية للاقتصاد الإسلامي. وفيما يلي عرض لهذه النقاط:

أولا: الاستفادة القصوى من الممكنات والموارد الإنتاجية المتاحة:

ولهذا الركن ركائز هي:

أ- تقديس السعي إلى العمل وتحريم البطالة وتبديد الجهود البشرية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب المؤمن المحترف. وقال عليه الصلاة والسلام: من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له.

وقال صلى الله عليه وسلم من يكفل لي ألا يسأل أحدا شيئا أكفل له بالجنة.

ب- وجود إسناد العمل للأكفاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله.

ج- وجوب إتقان العمل وما يتطلبه ذلك من وجوب اكتساب المهارة والإخلاص في العمل واتباع أحدث الأساليب العلمية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. ويقول الله تعالى واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير. ويقول الله تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

د- تشجيع توظيف الموارد الإنتاجية المتاحة ومنع حبسها عن مجالات الانتفاع:

يقول الله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.

ويقول الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما.

هـ- الإفادة من خبرات المجتمعات الأخرى: ويشمل هذا الإفادة من خبرات الأمم السابقة وخبرات ومكتسبات المجتمعات المعاصرة، أما من حيث خبرات الأمم السابقة فيقول الله تعالى: يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم. ويقول الله تعالى: وذكرهم بأيام الله. ومن ناحية الأمم المعاصرة فيقول الله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. إلا أن لهذه الإفادة بكلا جانبيها شروط هي تنقية هذه الخبرات والمكتسبات مما يخالف الإطار العام للنظام الإسلامي الذي يقر القوانين العلمية الثابتة ويفيد من النظريات والنظم الأخرى فيما يتفق مع القوانين العلمية الثابتة والمذهب الاقتصادي الإسلامي.

و- التخطيط كأداة من أدوات ترشيد الإنتاج والإنفاق: يقوم التخطيط وفقا لمبادئ الإسلام ونظامه الاقتصادي والاجتماعي على عدة أسس أهمها:

1- تحديد أهداف عامة لتقدم المجتمع قوامها تحقيق أقصى إنتاج ممكن لتوفية الاحتياجات المعاشية والدفاعية لسائر أفراد المجتمع والتي تتحدد في كل عصر تبعا لمقاييس التقدم السائدة في العالم والتي تتفق مع مفهوم الإسلام للعدالة الاجتماعية والمشروعية الاقتصادية.

2- وضع سلم التفضيل الذي يتقرر على أساسه أولويات تحقيق الأهداف وقد حدد الإسلام أولويات تحقيق الأهداف بتقديم الضروريات على شبه الضروريات التي تتقدم بدورها على الكماليات.

3- اختيار أفضل وأيسر السبل لتحقيق الأهداف وذلك من حيث السهولة وقلة التكاليف والتضحيات وسرعة ضمان تحقيق الأهداف.

عن عائشة رضي الله عنها قالت عن أعماله عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.

4- تجنيد كافة الطاقات والموارد المتاحة ومشاركة كافة الناس في العملية التخطيطية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

5- توفير الحوافز اللازمة لتسيير النشاط الاقتصادي: لما استخدم عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لجباية الخراج قال له أبو عبيدة بن الجراح دنست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمر يا أبا عبيدة إذا لم استعن بأهل الدين على سلامة ديني فبمن أستعين قال أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة (أي أجزل لهم العطاء) عن الخيانة ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يتبين له أجره. وقال صلى الله عليه وسلم أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.

6- قيام الخطط على أساس النظرة العلمية المستقبلة طويلة الأجل مع إمكانية تجزئة الخطط الطويلة إلى خطط متوسطة وقصيرة تبعا لظروف المجتمع واحتياجاته.

ز- توفير الرقابة والمتابعة بأشكالها المختلفة على الأعمال التنفيذية: وتشمل هذه الرقابة كلا من رقابة الله للعبد ورقابة قيادة الدولة ورقابة المجتمع بمختلف مستويات المسئولية فيه ورقابة الشخص لنفسه ومحاسبته لها. قال الله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.

ثانيا: تطوير وتنمية الموارد والإنتاج ودعم القدرات الاقتصادية للمجتمع: يقوم هذا الركن على عدة زوايا هي:

أ- تسخير الكون كله للناس وإلغاء الاستحالة والعجز والكسل من السلوك الإنساني وما يستدعيه ذلك من البحث والتفكير العلمي في أسرار الكون والإفادة منها في التقدم العلمي: يقول الله تعالى: ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش. ويقول الله أيضا: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان.

قال الله تعالى: وقل ربي زدني علما. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع والعلم المطلوب تعلمه ثلاثة أقسام علوم الدين، وعلوم الدنيا المفيدة في كافة نواحي الحياة وشئون الفرد والمجتمع، والتدريب واكتساب الخبرات.

ج- البحث عن موارد جديدة والإفادة من الموارد المستغلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها وقال عمر بن الخطاب من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهو أحق بها.

د- استنباط أساليب وطرائق جديدة وعدم الإصرار على القديم: ذم القرآن متبعي القديم الذي يثبت عدم جدواه فيقول الله تعالى: وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعملون شيئا ولا يهتدون.

وقد سخر الله الكون كله للناس كما سبق مما يفيد أن في إمكان الإنسان الإفادة من الأكوان وأن إفادته منها على قدر سعيه لاستخدامها والإفادة منها. فإذا عجزت وسائله المتاحة عن تحقيق ذلك وجب عليه أن يعمل على اكتشاف أدوات ووسائل جديدة تعينه على هذا الاستخدام.

ثالثا: وحدة الأصل الإنساني وإلغاء التفاضل والتمييز: الناس كلهم متساوون في أصل الخلقة وفي المسئولية أمام الله وفي الثواب والعقاب الذي يكون موافق للأعمال المكتسبة فقط ومدى موافقتها للقواعد الإسلامية دون النظر إلى نوع (ذكر أو أنثى) أو أصل جنسي (عربي- عجمي) وقد جعل الإسلام هذه المساواة سارية على السلوك الإنساني لأتباعه أيا كانت مراكزهم أو مستوياتهم وقد كفل ذلك أيضا للمخالفين لهم في معتقداتهم.

يقول الله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين. ويقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا. ويقول الله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ظلم معاهدا (أي غير مسلم، بينه وبين المسلمين هدنة أو عهد)، أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.

رابعا: وحدة مصدر التشريع ليكون مرجعا عند الاختلاف والتنازع: قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا.

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بنوعين من الأحكام كما سبق أولهما أحكام تفصيلية في الأشياء الثابتة التي لا تتغير بتغير المصير وثانيهما أحكام عامة وقواعد كلية في الأشياء الأخرى القابلة للتطور والتغيير. وعلى علماء كل عصر الاجتهاد تبعا لهذه القواعد والضوابط العامة لتنظيم العمل في هذه الميادين وفقا لمصالح الناس واحتياجاتهم.

ولهذا فإن مصادر التشريع التالية على الكتاب والسنة فيما يختص بالأحكام التفصيلية لأمور مستحدثة هي:

الإجماع: وهو إجماع علماء الأمة الإسلامية الأتقياء المجتهدين على حكم تفصيلي تبعا للقواعد العامة في الكتاب والسنة.

القياس: وهو أن يطبق على أمر من الأمور “لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة” حكم أمر آخر ورد فيه نص، وذلك في حالة اشتراكهما في العلة التي وضع الحكم من أجلها.

المصلحة: وهي أساس الوصول إلى الأحكام في حالة عدم وجود نص من قرآن أو سنة وتراعي وفقا لها مصلحة الناس لتحقيق منفعة أو دفع ضرر، وذلك وفقا لقاعدة فقهية مؤداها: حيث وجدت المصلحة فثمة شرع الله.

خامسا: كفالة الحد الأدنى اللائق من مستوى المعيشة والرعاية لكافة أفراد المجتمع وتحقيق التوازن بينهم: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا أو ليس له زوجة فليتزوج أو ليس له دابة فليتخذ دابة.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الأهل حظين ويعطي العزب حظا وحدا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يسع فقراءهم. ولهذا قال عمر في عام المجاعة لو لم أجد للناس ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيت عدتهم فيقاسموهم أنصاف بطونهم فعلت فإنهم لن يهلكوا على أنصاف بطونهم فالقاعدة الإسلامية للكفالة والتوازن إذا قوامها ما يلي:

1- تعاون المجتمع جماعات وأفراد أو سلطات تنفيذية في كافة الحدة الأدنى الملائم لمستوى معيشة كافة أفراد المجتمع.

2- أن مستوى المعيشة المكفول يتحدد بمقاييس العصر الذي يعيش فيه المسلمون ولذا لم يحدد بقيم ومقادير بل حدد باحتياجات اقتصادية واجتماعية قوامها المأكل والمشرب والملبس وأدوات الاتصال والانتقال وتكوين الأسرة والتعلم ولمواجهة الأحداث والكوارث والإصابات والوفاة.

3- أنه يجب تحقيق مستوى المعيشة المشار إليه لكافة أفراد المجتمع من قادرين على العمل ولا يحققونه من دخولهم الخاصة أو عاجزين أو معوقين عن العمل.

4- أن تحقيق هذا المستوى لكافة الأفراد مطلوب قبل السماح بتفاوت الدخول والمستويات المعيشية في المجتمع. ولذا فإنه قبل أن يتحقق هذا المستوى يحق للدولة أخذ الزيادة عنه والمتحققة لدى بعض أفراد المجتمع لتردها إلى المستويات الدنيا من المجتمع.

5- اعتماد الإسلام في تحقيق ذلك على القواعد والتنظيمات التشريعية والتربية الإسلامية لأفراد المجتمع وسلطة المجتمع متمثلة في حكومته التنفيذية. وقد جعل الإسلام لهذا التكافل موارد منها ما هو محدد القيمة ومنها ما هو عام تتغير قيمته تبعا لتطوع الأفراد واحتياجات المجتمع.

فأما بالنسبة للموارد المحدودة القيمة فهي الزكاة والعشور والخراج، والكفارات والفيئ، والغنائم والجزية أو الصدقة من غير المسلمين.

وأما الموارد غير المحدودة القيمة فإنها تقوم على التطوع بالصدقات والإنفاق في كافة المنافع المطلوبة للمجتمع، وما تفرضه احتياجات المجتمع من موارد إضافية تقوم الدولة بجبايتها وقروض تقترضها الدولة من المواطنين عند الضرورة.

أ- الموارد المحدودة القيمة: تعد الزكاة والعشور والخراج أهم البنود المحدودة القيمة وهي تقسم وفقا للمفهوم الضريبي الحديث إلى:

– زكاة وخراج إيرادات الأموال العقارية: وتشمل زكاة الأطيان الزراعية وخراجها وزكاة العقارات المبنية المؤجرة.

– زكاة وعشور الأموال المنقولة: وتتضمن زكاة الماشية وزكاة النقود والأوراق المالية وكسب العمل، وزكاة التجارة الداخلية والصناعية وعشور التجارة وزكاة المعادن والكنوز والثروة المائية، وزكاة وسائل النقل المؤجرة من طائرات وسفن وسيارات وغيرها وزكاة الأثاث والحلي المؤجرة وما شابهها.

– زكاة الرؤوس أو زكاة الفطر.

وجميع هذه الأنواع عدا زكاة الفطر من أعمال السيادة للدولة تقوم بجبايتها ثم صرفها في مناطق جبايتها في أوجه الإنفاق المختلفة والمحددة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ومن الممكن للمسلمين أن يقوموا بإنفاق زكاة النقود والتجارة في مصارفها مباشرة أو إعطائها للسلطة التنفيذية المركزية أو المحلية لتقوم هي بمباشرة هذا الإنفاق وإذا تبين للسلطة عدم قيام المواطنين بأدائها قامت هي بجمعها وتولت إنفاقها. أما زكاة الفطر فإنها متروكة في أصل فرضيتها لكي يقوم الأفراد الموسرون بأدائها للفقراء مباشرة.

أما الكفارات فإنها جزاءات تفرض على بعض المخالفات يدفعها من يقوم بهذه المخالفات للفقراء مباشرة.

وأما الفيئ والغنائم والصدقة من غير المسلمين فإنها تؤخذ من غير المسلمين فبالنسبة للفيئ فإنه يمثل الأموال المنقولة التي يتم الحصول عليها من الأعداء بدون قتال وتوجه كاملة إلى ميزانية الدولة وبالنسبة للغنائم وهي الأموال المنقولة التي يتم الحصول عليها من حرب الأعداء والأموال التي قد تؤخذ فداء للأسرى فإن 80% يوزع على الجنود المحاربين ومعاونيهم والباقي يوجه إلى مصالح المسلمين أو الفقراء بصفة خاصة. أما الجزية فإنها ضريبة على غير المسلمين المقيمين في بلاد الإسلام (وهي بديل للزكاة المأخوذة من المسلمين) لصرفها في المصلحة العامة للدولة بما فيها أداء الخدمات والقيام بالرعاية اللازمة لمن قام بدفعها.

ب- الموارد غير المحددة القيمة: تشمل هذه الموارد كما سبق القول الصدقات والإنفاق في كافة المنافع المطلوبة للمجتمع وما تفرضه احتياجات المجتمع من موارد إضافية تقوم الدولة بجبايتها، وقروض تقترضها الدولة من المواطنين عند الضرورة. وقد ترك تحديد هذه الموارد للتفاوت بين الأفراد في حرصهم على المال وبذلهم له ولمدى حاجة المجتمع في الضرورات والطوارئ والظروف المختلفة.

فالدولة كما هو مناط بها وفقا لأحكام الشريعة القيام بجمع الزكاة وإنفاقها في مسالكها المحددة شرعا، فإن لم تكن موارد الزكاة كافية طلبت الحكومة من الأغنياء القيام بواجباتهم فإن هم أبوا أجبرتهم وللدولة في ذلك أن تنشئ جهازا مركزيا للزكاة وأجهزة محلية فرعية لجمع وتوظيف أموال الزكاة والصدقات والتبرعات في كافة احتياجات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية شاملة البعدين القومي والإقليمي لهذا المجتمع وبهذا لا يحتاج المجتمع إلى تخصيص موارد من ميزانيته العامة للشئون الاجتماعية والبر والهيئات والجمعيات الخيرية ورعاية الفقراء وأسر المقاتلين والشهداء، ولا تتحمل ميزانية الديون المعدومة ويقل العبء الذي تتحمله في مجال التعليم والصحة والمرافق العامة.

وللدولة في حالة عدم كفاية موارد الزكاة والصدقات والتبرعات للقيام بكافة واجبات الدولة والتي لا يدخل كثير منها ضمن مصارف الزكاة (والتي يحددها قول الله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)، فإن للدولة في هذه الحالة فرض ضرائب عادلة تراعي فيها قواعد الشريعة الإسلامية في رعاية مصالح الناس وعدم التضييق عليهم وتوفير العدالة الكاملة في فرضها وجبايتها وصرفها. إلا أن هذه الضرائب لا تقوم مقام الزكاة ولا تغني عنها لاختلاف كل منهما في فرضيته وقيمته ومصارفه وأهدافه. كذلك فللدولة أن تقوم بتحصيل الزكوات مقدما عن سنوات تالية والاقتراض من الأغنياء بدون فائدة.

سادسا: تعاون أفراد المجتمع في تحقيق تقدمه وكسر أسار التخلف: وفي هذا يقول الله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. ويقول الله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

سابعا: تحديد مسار وضوابط النشاط الاجتماعي: يرتكز النشاط الاقتصادي وفقا للاقتصاد الإسلامي على عدة ركائز هي:

أ- دفع النشاط الاقتصادي في طريق التنمية الذاتية المتطورة وما يتطلبه من حرية اقتصادية في الإطار المحدد للنشاط الاقتصادي: دعا الإسلام الإنسان للسعي المتواصل في استغلال الطبيعة والإفادة من خبراتها وجعل الإسلام للعامل ثمرة جهده يتملكها ويستغلها وينميها في منفعته هو وأسرته ومنفعة المجتمع بما لا يتعارض مع الإطار المحدد للنشاط الاقتصادي الذي يمنع إلحاق الضرر بالفرد وبالمجتمع. ولهذا سخر الله الكون للإنسان وأباح له استخدامه بلا قيود سوى إلحاق الضرر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل. وقال الله تعالى: ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش. وقال الله تعالى: وانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

وباكتساب الإنسان للثروة بكافة السبل العلمية والتقنية المتاحة فقد دعاه الإسلام لتنميتها ولذلك منع اكتناز الثروة حتى تستخدم في تنشيط الاقتصاد بإنفاقها وبفعل مضاعف أو مكرر الاستثمار الذي يزيد من الرواج وتحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية للمجتمع. وإذ تقل قدرة الإنفاق الاستهلاكي –رغم الحاجة إليه- عن قدرة الإنفاق الاستثماري على توليد الدخل اللازم لما تتطلبه التنمية الاقتصادية من إحلال وتجديد الطاقة الإنتاجية للمجتمع فقد حد الإسلام من الإسراف في الإنفاق الاستهلاكي ودعا إلى الاعتدال والتوسط فيه لتكوين مدخرات كافية للنشاط الاستثماري وقد فرض الإسلام أيضا الزكاة كنظام ضريبي على المدخرات حتى توجه إلى مسالك تثميرية لتحقيق النماء فيها وأداء الحقوق المفترضة عليها.

وأجاز الإسلام تفاوت الثروات المكتسبة بأساليب مشروعة ولم يضع عليها قيودا سوى كفالة الضروريات لعامة المجتمع، ولم يتبع أساليب تحد من النشاط الاقتصادي لأفراد المجتمع وجماعاته فلم يفرض ضرائب باهظة على الأموال حتى يندفع الناس في مجالات الإنتاج بلا حدود ولم يفرض ضرائب على الاستهلاك حتى لا يمتنع الناس عن شراء المنتجات فيحدث الكساد، ولم يضع قيودا على التصدير حتى يتسع نطاق السوق ودائرة الإنتاج بالتالي وما ينجم عنه من الإفادة من وفورات الإنتاج الواسع وترك الواردات الإنتاجية والوسيطة بلا ضرائب دعما للطاقة الإنتاجية للمجتمع.

وحتى تتحقق التنمية المطلوبة في أقصر وقت وبأقل جهد فقد عمل على تحقيق التكامل مع الدول الأخرى التي تدين بنفس العقيدة وقيام اتفاقيات تعاون وتبادل مع الدول الأخرى التي ترغب في المعاملة بالمثل مع إعطائها معاملة تفضيلية خاصة.

ب- العناية بكافة قطاعات الاقتصاد الإنتاجية والخدمية مع التركيز على قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة باعتبارها القطاعات الرئيسية للاقتصاد: يولي الإسلام عنايته بكل ما من شأنه إصلاح معاش الناس ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي وقد أباح الإسلام لذلك لأولياء أمور المسلمين أي سلطات المجتمع التنفيذية والتشريعية والرقابية الأخذ بالمصالح المرسلة أي القيام بكل ما يفيد المجتمع من أمور لهم يرد بها نص في الكتاب أو السنة. وبناء على كل ذلك فإن كل ما يفيد الناس تنمية وتخطيط وأساليب تنفيذ ومتابعة ورقابة يلزم الأخذ بها ما دامت تتحقق فيها الشروط التالية:

1- مصلحة عامة للمجتمع وليس فرد أو جماعة معينة.

2- أن تكون مصلحة قطعية ثابتة وضرورية.

3- أن لا يكون هناك أسلوب آخر أفضل في تحقيق المصلحة.

ولهذا فإنه يجب دراسة كافة نظريات التنمية المختلفة والأخذ بأنسبها في خدمة المجتمع وكسر أسار التخلف وتضييق التقدم الاقتصادي.

وقد دعا الإسلام إلى جانب ذلك إلى العناية بقطاعات رئيسية أساسية في الاقتصاد وهي الصناعة بمفهومها الواسع شاملة في ذلك التعدين والتشييد والزراعة بقسميها النباتي والحيواني والتجارة الداخلية والخارجية.

ج- ربط النشاط الاقتصادي بمسارات معينة ومنع أنشطة محددة لا تسهم في تنمية القدرات الإنتاجية للمجتمع وتتنافى مع العدالة الاجتماعية.

يرتبط النشاط الاقتصادي بمفهوم العدالة الاجتماعية لذا فإن مسار هذا النشاط يتحدد بمشروعية العمل ومدى منفعته للفرد وللمجتمع وأهم معالم هذا المسار هي:

1- الجمع بين مصلحة الفرد والمجتمع.

2- استخدام الموارد المتاحة استخداما رشيدا. ويعني ذلك وجوب أن يكون نشاط الفرد نافعا له ولمجتمعه ولا يتعارض مع احتياجات المجتمع ولا أهدافه وأن يسلك في سبيل إشباع حاجاته واستغلال موارده وتنميتها ما يعود بالنفع عليه وعلى المجتمع وأن يمتنع عن كل ما من شأنه إهدار الموارد وسوء استخدامها.

3- التوافق مع الاحتياجات المتطورة والظروف المختلفة.

وقد نهى الإسلام لذلك أتباعه عن كل ما يضر بالمجتمع ويمنع توظيف موارده ويزيد من تكلفة الإنتاج وما يؤدي إليه من محدودية الإنتاج وآثاره الضارة على الاستهلاك والاستثمار بالتالي. فقد نهى عن أشياء تضر بالمجتمع صحيا كالميتة، وتذهب العقول وتمنع الفكر السليم والعمل المنتج كالخمر، وتذهب الثقة من التعامل كالغش وبيع الغرر وتحرم المجتمع من توظيف موارده في أعمال نافعة وتجعله يقعد عن العمل في مقابل كسب محدود وتمنع تعاون المجتمع وتكافله كالربا كذلك فقد نهى عن كسب لا يقابله عمل منتج مشروع كالسرقة والاحتيال والرشوة والسحر والشعوذة والمقامرة.

فإذا التزم الفرد بهذه القيوم التي تتفق مع مصلحة المجتمع فإن المجتمع ييسر له كافة مجالات الاستثمار والانتفاع ولا يضع قيودا على نشاطه الاقتصادي بل إنه يوفر له عائدا مناسبا لجهوده بالأجر المجزي وبالسعر المناسب، وإذا تعرض لخسارة أو أزمات عوضه المجتمع ليعاود نشاطه وتستمر جهوده.

د- تحديد دور كل من القطاع الخاص والقطاع العام وضوابط التدخل الحكومي: للقطاع الخاص ممارسة كافة الأنشطة الاقتصادية واكتساب الملكية الفردية والتمتع بالحرية الاقتصادية في العمل والتملك والتصرف في ممتلكاته باستثناء ما يلي:

1- المرافق والمنافع العامة التي تكون ملكيتها عامة.

2- الاحتياجات الضرورية للمجتمع والتي يتطلب تأمين توفيرها للعامة إشراف الدولة ومباشرتها لعمليات الإنتاج أو التوزيع أو كليهما معا.

3- إلحاق ضرر بالمجتمع بالتصرف الخاص مما يستدعي تدخل الدولة بقدر منع الضرر مثل الاحتكار أو ارتفاع الأسعار الذي ليس له ما يبرره اقتصاديا أو الغش أو غير ذلك من الأضرار.

هـ- قيام العملية الإنتاجية على أسس سليمة تتحدد فيها العلاقة بين عناصر الإنتاج وفقا لاعتبارات محددة: لأهمية تضافر عناصر الإنتاج في تحقيق الإنتاج وحصول كل عنصر على العائد المجزي حتى يستمر هذا الإنتاج فقد وضع الإسلام أسسا يتم على أساسها مشاركة هذه العناصر في العائد الإنتاجي وفقا لتقدير الإسلام لكل عنصر من هذه العناصر.

وفيما يلي دراسة لهذه الأسس:

1- أهمية العمل كعامل إنتاجي أساسي فالعمل هو أهم وسائل الملكية واكتساب الحقوق المختلفة.

2- إن القيمة التبادلية لا تتوقف على العمل فقط لأن قيمة السلع تتوقف على كلا جانبي العرض والطلب في صورة كمية وجودة ونفقة إنتاجية وحاجة وإشباع ومقدرة شرائية.

3- العائد المجزي لكل عنصر إنتاجي.

4- أن يتم معاملة العناصر الإنتاجية على أساس من القواعد التالية:

– مناسبة العمل لقدرات القائم به.

– تهيئة ظروف العمل بما في ذلك الإمكانيات اللازمة لأدائه وتنظيم مواعيد العمل والراحة ورعاية العمال في حالة إصابة العمل أو الضعف عن العمل لكبر أو مرض أو غير ذلك.

وبالنسبة لتشغيل النساء فلا بد له من ضمانات تمنع استغلالهن ماليا وخلقيا وحدد الإسلام أعمالا لا يجوز توظيف المرأة فيها لأنها لا تناسب طبيعتها وفطرتها وأخرى لا يليق بالمرأة امتهانها. وأوجب ضمانات لصيانة المرأة من الاختلاط والاستغلال فرض على الدولة والمجتمع توفيرها.

– أن تخضع مكافأة عناصر الإنتاج للقواعد التالية:

– عدالة توزيع العائد بين عناصر الإنتاج وفقا لأهمية كل منها ومقدار مساهمته في الإنتاج.

– الالتزام بالقواعد التشريعية الإسلامية في منع أنواع معينة من أعمال توظيف الموارد الإنتاجية مثل الربا.

فبالنسبة للعمل فإن من حق العامل أن يحصل على مقابل جهوده الإنتاجية في إحدى صورتين إما أجر محدد أو نسبة من الناتج أو الربح. وبالنسبة للأجر فإنه إن كان العمل بتكليف من ولي الأمر فإن هذا الأجر يحدد من جهة بالحد الأدنى المطلوب لمستوى معيشة العامل وفقا لمسئولياته الاجتماعية ومن جهة أخرى بالجهد المبذول في الإنتاج وكفاءة العامل وخبرته وتدريبه أما إن كان العمل بتكليف من الأفراد فإن الأجر يحدد حسب الاتفاق بالتراضي بين الطرفين فإن وجد ولي الأمر الحالة تستدعي تسعير الأجور وتحديدها حسب المصالح فإنه يتدخل بتحديدها. وأيضا فإن المجتمع بحقوق الكفالة والتوازن السابقة الذكر يلتزم بتحقيق المستوى اللائق لأفراده.

أما بالنسبة لحصول العامل على نسبة من الناتج أو الربح مكافأة على عمله فإن ذلك ينظمه كل من عقد المضاربة وعقد المساقاة والجعالة.

أما بالنسبة للأرض: فإنها تستحق مقابل اشتراكها في العملية الإنتاجية إما إيجارا محددا نقديا أو عينيا يحدده عقد الإيجار أو حصة (نسبة شائعة) في الناتج أو الربح.

وفيما يختص برأس المال: فإن اشتراكه في العملية الإنتاجية يقابله حصوله على عائد يرتبط بمدى الربح أو الخسارة وتنظم هذا الاشتراك العقود المختلفة وهي عقود المضاربة أو القراض والمساقاة والمزارعة والشركات سواء أكانت شركات تعاقدية أو شركات ملكية. أما الكسب المضمون الناتج عن ملكية رأس المال النقدي وهو الفائدة أيا كانت تسميتها فليس له ما يبرره من وجهة النظر الإسلامية لمنافاته لمبادئ العدل بين المتعاقدين.

أداء حقوق عناصر الإنتاج إليها من وفور انتهاء العمل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. وبالطبع فإن ذلك يتطلب تيسير العمليات الإدارية والحسابية ويستلزم أيضا عدم وجود قيود وتعقيدات إدارية ومالية حتى ينجز العامل العمل في سرعة وإتقان طلبا لأجره وحتى لا يتعرض لضياع حقه أو احتياجه للاستدانة رغم استحقاقه للأموال. ولا يؤدي التأخير في استلام الحقوق إلى ضياعها مهما طال الزمن.

قيام العملية التبادلية بين المتعاملين على أساس من رعاية مصالح كلا طرفي التعامل ومصلحة المجتمع التي تتطلب ما يلي:

– منع الاتجار في الأشياء الضارة بالمجتمع، ويشمل ذلك الخمر والميتة والخنزير والأصنام والأشياء المسروقة والمنهوبة وغيرها.

– منع الغش في الكم والنوع وما شابهه.

– منع الغرر وما شابهه من تأمين تجاري على الحياة وعلى الممتلكات وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.

والغرر هو الخداع وهو يشمل الأشياء التي لا يمكن تسليمها أو تجهل عاقبتها إلا أنه يعفي من الغرر ما كان يسيرا لا يمكن التحرز منه.

والتأمين التجاري الذي يقوم على عقد بين الشركة التأمين ومن يقوم بالتعاقد معها يلتزم بدفع أقساط للشركة مقابل تعويض تتعهد به الشركة في حالة تلف أو هلاك الممتلكات (في حالة التأمين على الأموال والممتلكات) أو في حالة وفاة الشخص أو أن ترد له أمواله بفوائد أو بدون فوائد عند نهاية الفترة المحددة في العقد (في حالة التأمين على الحياة)، فالمعلوم أن شركة التأمين التي تقوم بدفع التعويض لا شأن لها بالتلف أو الهلاك في حالة تعرض الممتلكات لذلك فلم تقم هي بالإتلاف أو بالغدر أو التغرير بالشخص حتى تلزم بدفع تعويض. أي أنه والأمر كذلك يعد التزاما من الشركاء بشيء لا مبرر له في مقابل مال تأخذه بدون وجه حق.

أما التأمين الاجتماعي وهو الذي تقوم به الحكومات بالخصم من المرتبات ثم تعطي بعد ذلك معاشات وما شابهما، والتأمين التعاوني الذي تقوم به الجماعات والجمعيات الخيرية وجمعيات البر فيما بينها على أساس تبرع اختياري فإنه مباح.

أما بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة. ويبدو صلاحه أي حمرته وصفرته.

وقد قيل بجواز بيع الثمار جميعها إذا بدأ صلاح بعضها.

– منع الاحتكار: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتكر فهو خاطئ. والاحتكار الممنوع هو كل ما يؤدي إلى الإضرار بالناس، يستوي في ذلك احتكار الطعام والثياب وكل ما يحتاجونه، كذلك فإن التخزين أو النقل الزماني لحين ارتفاع الأسعار احتكار ممنوع، بعكس التخزين المنظم لسلع يتم إنتاجها موسميا في حين أن استهلاكها مستمر طوال العام لأن التخزين في هذه الحالة يعمل على انتظام عرض السلع وفقا للحاجة إليها واستقرار أسعارها نسبيا.

– إلغاء التدخل غير المشروع وأنواع الوساطة والسمسرة بين أطراف التعامل: يحمي الإسلام المتعاملين من التدخل غير المشروع في التعامل من غير أطراف التعامل كذلك فإنه يحمي المتعاملين مما قد يعتمده بعض الوسطاء من تغرير بالبائعين والمشترين، ويحمي المجتمع أيضا من ارتفاع الأسعار الذي ينشأ عن بعض أنواع الوساطة في التبادل.

– تيسير سبل التعامل من وسائط تبادلية (النقود) وأدوات تقدير (المكاييل والموازين والمقاييس) ومؤسسات تبادلية (مصارف وبورصات أوراق مالية أو عقود) وتنظيمات تعاونية مختلفة في كافة مجالات الإنتاج والاستهلاك والتسويق، ووكالة في التبادل. وذلك بشرط تنقية التعامل مع المصاريف من الربا والعقود الفاسدة، وخلو البورصات من التعامل في أسهم الشركات والمؤسسات ذات النشاط غير المشروع ومن التعامل في السندات (لكونها قروض بفوائد) والتزام التعامل بقواعد التبادل الشرعية.

– ضمان حقوق الطرفين ووجوب الوفاء بالاشتراطات والاتفاقات المشروعة وما يتطلبه ذلك من تحديد كيفية التعامل وتوقيته ونوع السلع المباعة وكمياتها ومعاينتها والوفاء بما تم الاتفاق عليه بين المتعاملين.

– قيام الدولة بمراقبة التعامل والتدخل فيه لصالح أطراف التعامل والمجتمع إذا حدثت انحرافات.

ز- تنظيم العلاقات الاقتصادية الدولية:

تتحدد العلاقات الاقتصادية (وفقا للنظام الإسلامي) مع دول العالم الأخرى وفقا لما يلي:

– التكامل والتناسق التام في العلاقات الاقتصادية مع البلاد الإسلامية فالإسلام يفرض على أتباعه التناصح والتعاون والاتحاد في كافة أمور المسلمين من اقتصاد واجتماع وغيرها لأن بلاد الإسلام وطن لكل مسلم أيا كانت جنسيته أو محل ميلاده أو هويته. فحرية التنقل لعناصر الإنتاج من عمل ورأس مال وللسلع المختلفة مكفولة بين مختلف الأقطار الإسلامية دون قيود أو رسوم. كذلك فحرية التملك والإرث والعمل والتعاقد مكفولة لكل مسلم في كافة الأقطار الإسلامية.

-التعاون على أساس المعاملة بالمثل مع الدولة الإسلامية في نواحي التعاون الفني والاقتصادي على أساس ما يلي:

1- الاقتصار في التعامل معهم على المجالات المباحة وفقا للشريعة الإسلامية ويعني ذلك عدم تبادل المنتجات المحرمة كأنواع الخمور المختلفة ولحم الخنزير والميتة وغيرها.

2- اختلاف صور التعاون مع الدول التي تدين بعقائد سماوية عن تلك التي لا تدين بمثل هذه العقائد خاصة بالنسبة للهيكل السلعي للتبادل التجاري.

فيقصر استيراد اللحوم المباحة ومنتجاتها على الدول التي تدين بعقائد سماوية فلا يجوز الاستيراد منها إلا إذا تحقق أن الذابح من المسلمين أو من أصحاب العقائد السماوية الأخرى. وإذا تيقن أن الذين ينتسبون إلى عقائد سماوية لا يقومون بالذبح بالطريقة المشروعة فلا تباح ذبائحهم أما السلع الأخرى فيباح استيرادها وتصديرها إلى كافة الأقطار مع تفضيل عقد اتفاقيات مع هذه الدول لخفض الرسوم الجمركية.

3- اختلاف صور التعاون مع هذه الدول في حالة الحرب عنها في حالة السلم وذلك لأنه لا يحل تصدير أي سلعة أو خدمة إلى الدول المعادية تكون عونا لها على القتال أو صنع السلام ولوازمه، ويباح أن يستورد من هذه البلاد كل ما ينفع المسلمين.

4- تبادل المنافع في مجالات التقدم العلمي والاقتصادي مع كافة الدول بشرط تنقيتها من كل ما يخالف الحقائق الكونية والتشريعات الإسلامية. وعلى هذا فإن للدول الإسلامية أن تشترك في كافة المنظمات والهيئات الدولية التي تنظم التعاون الفني والتبادل العلمي والاقتصاد مع عدم الالتزام بأية قواعد أو معاملات تخالف الشريعة الإسلامية، كما أن لهذه الدولة أن تنشئ بالاشتراك مع غيرها من الدول الإسلامية منظمات وهيئات دولية لنفس هذه الأغراض.

– منع الغش والغرر والاحتكار.

– ضمان حقوق أطراف التبادل ووجوب الوفاء بالاشتراطات والاتفاقيات.

– ربط رسوم التجارة بسياسة الدولة تجاه الدول الأخرى وتنمية الإنتاج، فلا تفرض رسوم على الصادرات تشجيعا لحركة التصدير، أما الواردات فإن المستوردات للاستخدام الشخصي لا تفرض عليها رسوم. أما ما كان منها بقصد الاتجار فيؤخذ عنها رسوم تبعا لدولة المنشأ فإن كانت دولة إسلامية أخذ عنها 2.5% كرسوم إن بلغت قيمتها قيمة نصاب الزكاة في الذهب والفضة أو زادت. وإن كانت من دول غير إسلامية بينها وبين المسلمين اتفاقيات لتنظيم التجارة والرسوم أخذ عنها 10%.

– حرية التبادل التجاري للأفراد في إطار مصلحة المجتمع والتنظيم الطوعي لعمليات الاتجار وللدولة أن تراقب قيام المتبادلين بمراعاة مصلحة المجتمع وتوفير ما يلزمه من سلع ومستلزمات والامتناع بالاتجار في المحرمات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر