تجديد الفقه : رصد منهج الاجتهاد المعاصر : العوض على خطاب الضمان نموذجا
خطة البحث:
اشتملت خطة البحث على مقدمة وبابين وخاتمة.
أما المقدمة فتناولت النقاط التالية [1]:
1- طبيعة خطاب الضمان المصرفي.
2- أركانه.
3- أهمية خطاب الضمان وأهم أهدافه.
4- طريقة إصداره.
5- أنواع خطاب الضمان.
6- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان.
وأما الباب الأول: في تكييف خطاب الضمان المصرفي:
وأتناول فيه النقاط التالية:
1- تعريف الكفالة في اللغة.
2- تعريف عقد الكفالة في الفقه الإسلامي.
3- تعريف عقد الكفالة في القانون.
4- تكييف خطاب الضمان المصرفي في ضوء الفقه الإسلامي.
5- تكييف خطاب الضمان على أنه وكالة.
وأما الباب الثاني: في حكم أخذ الأجر مقابل إصدار خطاب الضمان:
وقد قسمته إلى خمسة فصول:
الأول: في بيان الرأي الأول: وهو جواز أخذ الأجر مطلقا ً.
الثاني: في بيان الرأي الثاني: وهو جواز أخذ الأجر إلا في حالة واحدة وهي التي يكون خطاب الضمان فيها مكشوفا ً -غير مغطى- وتؤول مسؤولية الوفاء به إلى مصدره الضامن دون المضمون.
الثالث: في بيان الرأي الثالث: وهو التفرقة بين الخطاب المغطى وغير المغطى، فيجوز أخذ الأجر على الأول دون الثاني.
الرابع: في بيان الرأي الرابع: وهو عدم جواز أخذ الأجر.
الخامس: في الترجيح.
وأتناول بالتحليل المنهج الذي اتبعته كل مجموعة للوصول إلى الرأي الذي تبنته، وذلك ببيان الآليات المستخدمة ومناقشتها.
وأما الخاتمة فأتناول فيها النقاط التالية:
أ- في عمومات لابد من الإشارة إليها والعمل على تفعيلها.
ب- النتائج المستخلصة من البحث.
ج- ملاحظات إجمالية على التقارير والأبحاث والمناقشات التي بني عليها هذا البحث.
المقدمة
أ- طبيعة خطاب الضمان المصرفي:
خطاب الضمان المصرفي: هو تعهد كتابي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع، يصدر من البنك بناء على طلب طرف آخر (عميل له) يتعهد بمقتضاه المصرف دفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل، لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة أو تنفيذ مشروع، بأداء حسن، ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد (خطاب الضمان) متى تأخر أو قصر العميل في تنفيذ ما التزم به للمستفيد في مناقصة أو تنفيذ مشروع ونحوهما، ويرجع البنك بعد على العميل بما دفعه عنه للمستفيد.
2- أركانه:
أ- البنك: وهو الطرف الضامن، أي هو الملتزم بما على غيره.
ب- العميل: وهو الطرف المضمون عنه، ويكون شخصية حكمية (اعتبارية) كالشركة أو المؤسسة ممثلة في مديرها المسؤول، ويكون شخصا ً طبيعيا ً.
ج- المستفيد: وهو الطرف المضمون له، وعادة لا يكون إلا شخصية اعتبارية، كمصلحة حكومية أو مؤسسة أو شركة معروفة، ومن النادر أن يكون شخصا ً طبيعيا ً.
د- قيمة الضمان: وهو المبلغ المضمون.
3- أهمية خطاب الضمان وأهم أهدافه:
لخطاب الضمان أهمية كبيرة في حماية المستفيد (المضمون له) حكومة أو شركة لضمان تنفيذ المشاريع أو تأمين المشتريات وفق شروطها ومواصفاتها وفي أوقاتها المحددة.
وبالتالي توفير الضمان للمستفيد عن أي تقصير تنفيذي أو زمني من الطرف العميل، إضافة إلى أن البنك لا يقبل في استقبال خطاب الضمان أن يكون طرفا ً مع العميل لصالح المستفيد إلا إذا توفرت لديه القناعة بكفاءة العميل المالية والمعنوية.
وبالتالي ففي هذا ضمان إضافي إلى سابقه أن لا يدخل في المشاريع والمناقصات إلا شخص قادر على الوفاء بما التزم به.
4- طريقة إصدار خطاب الضمان:
يقدم طالب خطاب الضمان طلبا ً للبنك يحدد فيه مبلغ الضمان ومدته والجهة المستفيدة والغرض من الضمان، ويجب ان يكون لدى البنك، قبل إصداره الضمان المذكور، القناعة بأن كفاءة العميل المالية والمعنوية كفيلة بالوفاء بالتزامه فيما إذا طلب منه دفع قيمة الضمان أو تمديده، إذا كان مبلغ الضمان كبيرا ص فإن البنك يطلب عادة تأمينات لقاء ذلك، إما أن يكون رهنا ً عقاريا ً مسجلا ً، أو رهن أسهم في شركات، أو بإيداع أوراق مالية لدى البنك يسهل تحويلها إلى نقد فيما لو طلب من البنك دفع قيمة مبلغ الكفالة، مع خطاب من مودعها بالتنازل عنها إذا اقتضى الأمر، أو كفالة بنك خارجي معروف.
وإضافة إلى كل ذلك فإن البنك يحتفظ عادة بتأمينات نقدية يودعها العميل بنسبة حوالي (25 %) من قمة الضمان، وقد تزيد هذه النسبة أو تقل تبعا ً لمركز العميل المالي والمعنوي ولطبيعة المشروع الذي قدم الضمان من أجله، وبعد كل هذه الإجراءات يقوم البنك بإصدار الضمان.
5- أنواع خطابات الضمان:
أولا ً: خطاب الضمان الابتدائي:
يكون مقابل الدخول في مناقصات أو مشاريع، ويكون مبلغ الضمان مساويا ً لـ (1 %) من قيمة المناقصة أو أكثر، وساري المفعول لمدة معينة، وعادة تكون لثلاثة أشهر، وهذا التعهد البنكي (خطاب الضمان) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليسوغ له الدخول في المناقصة مثلا ً، فهو بمثابة تأمين ابتدائي، يعطي المستفيد الاطمئنان على قدرة العميل على الدخول في المناقصة، ولا يسوغ إلغاء هذا الخطاب إلا بإعادته بصفة رسمية من الجهة المقدم إليها (المستفيد).
ثانيا ً: خطاب الضمان النهائي:
وهذا يكون مقابل حسن التنفيذ وسلامة الأداء في عملية المناقصة أو مشروع ونحو ذلك، ويكون مبلغه بنسبة (5 %) من قيمة المشروع أو المناقصة، وهو مغيّا بمدة -لعام كامل مثلا ً- قابل للزيادة.
وهذا التعهد البنكي (خطاب الضمان النهائي) يقدمه العميل المستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليتحقق المستفيد الاستيفاء منه عند تخلف العميل عن الوفاء بما التزم به، فهو بمثابة تأمين نهائي عند الحاجة إليه، ولا يكون إلغاؤه إلا بخطاب رسمي من الطرف المستفيد.
ثالثا ً: خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو المناقصة، أي مقابل سلفة يقدمها العميل إلى البنك على حساب المشروع مثلا ً لصالح الطرف المستفيد، والغاية منه كما في سابقة (الخطاب النهائي).
رابعا ً: خطاب الضمان:
(ضمان المستندات) وهو نوع من خطاب الضمان يقدمه البنك لصالح شركات الشحن أو وكالات البواخر في حالة وصول البضاعة المستوردة إلى الميناء المحدد وتأخر وصول مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى ذلك البنك الذي جرى الاستيراد عن طريقه، فخشية أن يلحق بالبضاعة تلف من جراء تأخر بقائها في جمرك الميناء يكون الضمان المذكور تعهدا ً من البنك بتسليم مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى وكلاء البواخر فور وصولها، واستنادا ً إلى هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد.
ولإصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل المستورد طلبا ً بذلك إلى البنك، ويسدد قيمة اعتماد الاستيراد بالكامل (وهى قيمة البضاعة المستوردة) ومن ثم يصدر البنك خطاب الضمان ويسلمه إلى العميل، فيقوم العميل بتسليمه إلى وكلاء الباخرة المعنيين.
6- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان:
هذا التعهد الذي ألزم البنك به نفسه مع العميل، بأن يدفع للطرف المستفيد من عميله المبلغ الصادر بموجبه خطاب الضمان، وفق ما فيه من شروط وإجراءات، للبنك من وراء هذا مصلحة مادية، وهي ما يسمى بالعمولة، بمعنى أن البنك يشترط على العميل نسبة مئوية معينة مقابل هذا التعهد، قد تصل إلى (2%) حسبما يتم الاتفاق عليه.
الباب الأول
في تكييف خطاب الضمان
1- تعريف الكفالة في اللغة:
الكفالة لغة: من كفل المال وبالمال: ضمنه، وكفل بالرجل يكفل ويكفل كفلا ً وكفولا ً، وكفالة، وكفل وتكفل به كله: ضمنه، وأكفله إياه وكفله: ضمنه، وكفلت عنه المال لغريمه وتكفل بدينه تكفلا ً. وفي التهذيب: وأما الكافل فهو الذي كفل إنسانا ً يعوله وينفق عليه، وفي الحديث: ›› الربيب كافل‹‹، وهو زوج أم اليتيم، كأنه كفل نفقة اليتيم، والمكافل: المعاقد المحالف، والكفيل من هذا أخذ [2].
2- تعريف عقد الكفالة في الفقه الإسلامي:
اختلف الفقهاء في تعريف الكفالة تبعا ً لاختلافهم فيما يترتب عليها من أثر. فعرفها جمهور الحنفية بأنها: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة بنفس أو دين أو عين. وعرفها بعضهم بأنها: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في الدين. قال في الهداية: والأول هو الأصح.
ويرى المالكية والشافعية في المشهور والحنابلة أن الكفالة هي: أن يلتزم الرشيد بدن من يلزم حضوره في مجلس الحكم.
فالحنفية يطلقون الكفالة على كفالة المال والوجه، والمالكية والشافعية يقسمون الضمان إلى ضمان المال وضمان الوجه، ويطلق الشافعية الكفالة على ضمان الأعيان البدنية. وأما عند الحنابلة: فالضمان يكون التزام حق في ذمة شخص آخر، والكفالة التزام بحضور بدنه إلى مجلس الحكم [3].
3- تعريف عقد الكفالة في القانون:
نجد أن بعض القوانين المدنية قد أخذ التعريف من الفقه الإسلامي، مثل القانون المدني العراقي، فالمادة (1008) نصها: ‹‹الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بتنفيذ التزام››. ونجد بعضها الآخر يتفق مع هذا التعريف كالقانون المدني المصري، حيث تنص المادة (772) على ما يأتي: ‹‹الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي هذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه››.
ويشرح الدكتور السنهوري المادة السابقة فيقول: ‹‹يؤخذ من هذا التعريف أن الكفالة هي عقد بين الكفيل والدائن، أما المدين الأصلي فليس طرفا ً في عقد الكفالة، بل إن كفالة المدين تجوز بغير علم المدين، وتجوز أيضا ً رغم معارضته، والذي يهم في الكفالة هو التزام هذا المدين، إذ أن هذا الالتزام هو الذي يضمنه الكفيل، فيجب أن يكون مذكورا ً في وضوح ودقة في عقد الكفالة.
وهذا الالتزام المكفول أكثر ما يكون مبلغا ً من النقود، وقد يكون إعطاء شيء غير النقود، كما قد يكون عملا ً أو امتناعا ً عن عمل، فإذا لم يكن الالتزام المكفول مبلغا ً من النقود ضمن الكفيل ما عسى أن يحكم على المدين الأصلي من تعويض من جراء إخلاله بالالتزام بإعطاء شيء غير النقود، أو من جراء إخلاله بالالتزام بعمل أو بالامتناع عن عمل.
فالكفالة إذن تفترض وجود التزام مكفول، وهذا الالتزام يفترض وجود مدين أصلي به ودائن، كما تفترض الكفالة وجود عقد بين الكفيل والدائن بالالتزام الأصلي المكفول والدائن بالالتزام الأصلي المكفول، بموجبه يفي الكفيل بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين الأصلي. فالكفالة ترتب التزاما ً شخصيا ً في ذمة الكفيل، والتزام الكفيل هذا تابع للالتزام الأصلي›› [4].
4- تكييف خطاب الضمان المصرفي في ضوء الفقه الإسلامي:
من خلال ما تقدم فقد ذهب جمهور العلماء ولا باحثين إلى تكييف خطاب الضمان المصرفي على أنه صورة من صور عقد الكفالة، إلا أن بعض العلماء والباحثين ذهب إلى تكييفه على أنه صورة من صور الوكالة، وهو ما نعرض له في النقطة التالية.
5- تكييف خطاب الضمان على أنه وكالة [5]:
يستطيع الناظر المتجرد في خطاب الضمان المصرفي أن يميز بين الكفالة الخالصة التي تتعلق بضمان دين ثابت في الذمة في الحال أو المآل وبين خطاب الضمان المصرفي الذي هو توكيل بدفعة مبلغ معين لمستفيد معين عندما يطلب ذلك المستفيد المذكور في الخطاب، سواء كان هناك دين مستحق أم لم يكن هناك أي دين.
– ولعل أهم ما يوضح هذه المسألة يتمثل في دراسة خطاب الضمان المصرفي الذي لا تختلف نصوصه كثيرا ً بين بنك وآخر في معظم عقوم المقاولات ودخول المناقصات، حيث تتمثل صيغته المبسطة بالعبارات التالية:
‹‹نموذج خطاب ضمان مصرفي››
إلى: الجهة الوسيط
من: بنك كذا (البنك المصدر لخطاب الضمان)
بناء على طلب السيد/ السادة
……………………………………………………………………………………………………………………….
نتعهد بأن ندفع لكم فور تسلمنا أو مطالبة منكم مبلغا ً وقدره ………………………………………………………
على أن نتسلم مطالبتكم في أو قبل تاريخ …………………………………………………………………………..
وتفضلوا بقبول احترامنا
عن بنك كذا …………….
– تتضمن القواعد المصرفية أن صدور خطاب الضمان بهذا الشكل يعطي المستفيد (المضمون له) حقا ً مباشرا ً تجاه البنك للمطالبة بقيمة الخطاب كلها أو جزء منها، كما أن هذا الحق لا يتأثر بأي طلب أو ادعاء قد يقدمه طالب خطاب الضمان يتعلق بعدم تحقق أى التزام في ذمته للمستفيد، وهذا هو الأساس الذي يختلف فيه خطاب الضمان المصرفي عن الكفالة بحسب مفهومها الفقهي.
– ذلك أن من الواضح أن الكفالة العادية هي عقد تابع، ومعنى أن وجوده مرتبط بوجود دين أو التزام في ذمة المكفول. فإذا ثبت أنه ليس هناك دين فإن الكفالة لا تعود صالحة للمطالبة، وبناء على ذلك فإن الكفيل من حقه أن يثبت عدم تحقق الدين؛ لأنه يدفع عن نفسه عناء التعرض للمطالبة والالتزام بالوفاء.
وإذا كان موضوع الكفالة هو القيام بعمل ما، فإن الكفيل يستطيع أن يدفع عن نفسه المطالبة إذا قام بالعمل الذي بنيت عليه الكفالة، مثل إحضار شخص معين أو إزالة اعتداء على ملك الغير.
فهل تنطبق هذه الخصائص على خطاب الضمان المصرفي حتى يقال: إن خطاب الضمان المصرفي هو كفالة بمفهومها الفقهي المعروف؟
– إن المقرر في القواعد الفقهية أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، وتطبيقا ً على هذه القاعدة فإنه لو استعمل لفظ الهبة في مبادلة مال بمال فإنه يطبق على هذه العلاقة حكم البيع؛ لأن الهبة هي المال المدفوع بلا عوض، فإذا كان هناك مقاب للمال انتقل الوضع من اللفظ إلى المبني وأصبح الحكم هو البيع الذي هو مبادلة مال بمال.
– وإن ما ينطبق على هذه الصورة من انقلاب الهبة إلى البيع يمكن أن يطبق على خطاب الضمان المصرفي الذي استعمل فيه لفظ الضمان ظاهرا ً رغم أن الحكم فيه أنه كوكيل يدفع مبلغا ً معينا ً لشخص معين، وذلك بشرط معلق على تقديم المطالبة من ذلك الشخض المسمى. وأن مما يرجح هذا الوصف هو المفارقات التالية:
1- أن خطاب الضمان -الذي هو توكيل بدفع مبلغ محدد بشرط معلق على توكيل بدفع مبلغ محدد بشرط معلق على مطالبة المستفيد- يعطي لذلك المستفيد المسمى في الخطاب حقا ً مباشرا ً تجاه البنك المصدر، ولا يسقط هذا الحق أو يتأثر بسقوط التزام طالب خطاب الضمان أو انتهائه أو إثبات الوفاء بما تعهد به.
أما الكفالة فإنها عقد تابع، والعقد التابع يدور مع المتبوع وجودا ً وعدما ً. فإذا أثبت الكفيل أن مكفوله غير مدين فإن كفالته تسقط تبعا ً لذلك، وهذا يخالف واقع العمل في خطاب الضمان المصرفي، حيث لا يملك البنك أن يناقش العلاقة القائمة بين المستفيد وطالب إصدار الخطاب.
2- أن المبلغ الذي يدفعه الكفيل في الكفالة العادية يعتبر وفاء للدين المضمون، ويحتمل بعد ذلك أن يعود الدافع على من دفع عنه إذا كانت الكفالة قد تمت بطلب من المكفول، وهذا بخلاف الوضع في خطاب الضمان المصرفي، حيث يكون المبلغ المدفوع من البنك بمثابة تأمين مدفوع باسم طالب الخطاب، ولكنه ليس وفاء، وإنما هو أداء تحت الحساب، فغذا ثبت أن ذمته ليست مشغولة فإنه يسترد المبلغ المدفوع عنه، كما أن البنك يرجع في جميع الأحوال على طالب الخطاب بما يدفعه عنه.
3- أن الكفيل في الكفالة المالية مخير بين أن يقوم بالعمل الذي كفله أو أن يدفع المال، وكان الأصل لو أن البنك يضم ذمته إلى ذمة المقاول في المقاولة أن يكون هناك إلزام بأن يقوم البنك بإكمال البناء الذي تعهد به المقاول على سبيل المثال.
ولكن الحال في خطاب الضمان المصرفي مختلف جدا ً، فقد يكون التزام المقاول أعلى أو اقل كثيرا ً من خطاب الضمان، ولا يملك البنك أي حق في أن يعوض إنجاز ماهو منسوب من نقص إلى المقاولة.
4- أن من الثابت أن المطالبة بالدفع في الكفالة لا تتحقق إلا في موعد استحقاق الدين أو الالتزام لأنها مرتبطة به من الأساس، أما في خطاب الضمان المصرفي فإن المطالبة بالدفع ليس لها علاقة بموعد تحقق الالتزام على طالب خطاب الضمان؛ وذلك لأن خطاب الضمان له أجل ممتد من يوم إصداره إلى يوم انتهاء الحق في المطالبة به، ويملك المستفيد الذي صدر له خطاب الضمان أن يطالب البنك بالدفع من أول يوم، سواء كانت له تجاه طالب الخطاب التزامات مستحقة أم لم تكن.
فغذا كان خطاب الضمان المصرفي ليس عقدا ً تابعا ً كالكفالة ولكنه التزام ناتج عن توكيل تعلق به حق الغير يتضمن دفع مبلغ معين من النقود خلال مدة محددة إذا طالب بها شخص معين، فإن معنى هذا أننا أمام نوع خاص من الوكالة، وبما أن الوكالة من الأعمال التي يمكن أن تقابل بالعوض فإن العمولة التي يمكن أن تقابل بالعوض فإن العمولة التي يتقاضاها البنك لقاء إصداره خطاب الضمان المصرفي تعتبر بمثابة الأجر في أي عمل من أعمال الوكالة، وأما كون العمولة محسوبة بالنسبة المئوية 1 % مثلا ً، فإن ذلك لا علاقة له بالمديونية؛ لأن العرف قد جرى على حساب الأجر بنسبة من قيمة العمل كالمحامي والسمسار أو الدلال.
مناقشة هذا التكييف:
أ- مناقشة الدعوى بأن الكفالة بالأمر هي الوكالة بحجة أن الكفيل بنفذ ما أمر به من الأداء ولو لم يكن قد قبض مقابله فهو يؤدي عملا ً.
وهي دعوى غريبة عن منطق الفقه؛ لأنها تعمد إلى تفريغ الكفالة من جميع تطبيقاتها أو معظمها؛ لأن معظم الكفالات تتم بالأمر، بالاحتفاظ بحق الرجوع عند من يشترط وجود الأمر لوجود حق الرجوع.
ب- وفات أصحاب هذه الدعوى أن الكفالة لها حقيقة شرعية تميزها عن الوكالة وهي شغل الذمة، والكفالة [6] بالأمر فيها شغل واضح للذمة، أما الوكالة بالأداء فهي التزام بين المدين ووكيله وليس شغلا ً للذمة تجاه الدائن إلا إذا وجد التصريح بالكفالة أو الضمان، حيث يصبح للدائن محلان لدينه هما ذمة المكفول (المدين) وذمة الكفيل.
ت- جاء في كلام بعض الفقهاء من الذين يرون أن الأصل في الكفالة الرجوع بما أدى الكفيل كابن قدامة (المغني) تشبيه الكفالة بالوكالة؛ لأن الكفالة تتضمن إقرارا ً بالأداء، فتستتبع حق الرجوع، وهذا ما تعلق به بعض الكتاب لتأييد هذه الدعوى الغريبة التي تجعل الكفالة خالية من المضمون بإدراج معظم تطبيقاتها في الوكالة بالنسبة لجميع الأطراف، مع أن الغرض من هذا التشبيه -والتشبيه غير الحقيقة- هو اشتمال طلب الكفالة على طلب الأداء، ومن ثم على الاستعداد للأداء للكفيل.
ث- ولو فتحنا الباب لهذا التعلق الضعيف لأدنى ملابسة لأضعنا التميز القائم بين العقود المسماة، فنطلق على البيع أنه إجارة، لأن فيه بيعا ً للمنفعة باعتبار أنه بيع للذات وهي العين والمنفعة معا ً وهكذا.
فخطاب الضمان كفالة، والكفالة بنوعيها التي فيها أمر بالأداء أو ليس فيها، هي غير الوكالة، فلابد إذا ً من النظر في المسألة مباشرة: الأجر على الكفالة [7].
الباب الثاني
في حكم أخذ الأجر مقابل إصدار خطاب الضمان
قبل الكلام عن حصر الاجتهادات لابد أولا ً من تحرير محل النزاع.
تحرير محل النزاع:
1- لا اختلاف بين المعاصرين في جواز أخذ العمولة على إصدار خطابات الضمان باعتبارها خدمة من الخدمات المصرفية التي يؤديها البنك ويأخذ في مقابلها أجرا ً مسمى [8].
2- محل الخلاف في جواز أخذ قدر زائد من الأجر على مصروفات الضمان الأصلية، أي: أجر في مقابل تقديم الضمان كخدمة من قبل الضامن [9].
حصر الاجتهادات التي حدثت لمواجهة المسألة المستجدة:
انقسمت آراء العلماء المعاصرين حول هذه المسألة إلى أربعة آراء:
1- الرأي الأول: جواز أخذ الأجر مطلقا ً.
2- الرأي الثاني: جواز أخذ الأجر إلا في حالة واحدة، وهي التي يكون خطاب الضمان فيها مكشوفا ً-غير مغطى- وتؤول مسؤولية الوفاء به إلى مصدره الضامن دون المضمون.
3- الرأي الثالث: التفرقة بين الخطاب المغطى وغير المغطى، فيجوز أخذ الأجر على الأول دون الثاني.
4- الرأي الرابع: عدم جواز أخذ الأجر.
ملاحظة:
يعتبر الرأي الثاني امتدادا ً للرأي الأول.
كما يعتبر الرأي الرابع امتدادا ً للرأي الثالث.
ويزيد هذا الأمر وضوحا ً الآليات المستخدمة في كل رأي منها.
الفصل الأول: جواز أخذ الأجر مطلقا ً:
ممن قال بهذا الرأي:
د. زكريا البري، ود. رفيق المصري، ود. سامي حمود، والشيخ أحمد علي عبدالله، والشيخ تجاني عبد القادر، ود. حمدي عبد العظيم، والشيخ محمد علي التسخيري.
تحليل المنهج الذي اتبعه أصحاب هذا الرأي:
أولا ً: الآليات المستخدمة:
1- استخدام دليل الإباحة الأصلية.
2- التخريج على رأي فقهي في مسألة مشابهة.
3- تطبيق قاعدة فقهية.
4- الاستحسان.
5- الحاجة.
6- تكييفه على أنه وكالة.
7- التعهد الذي يشتمل عليه خطاب الضمان عمل محترم يصح أخذ أجر وعمولة أو جعل عليه.
8- محض الالتزام له قيمة مالية في ذاته.
9- التفرقة بين أخذ الأجر على الضمان وأخذه على التنظيم.
10- العرف.
ثانيا ً: كيف استخدمت هذه الآليات مع نقدها:
1- استخدام دليل الإباحة الأصلية:
ممن استخدم هذه الآلية الدكتور زكريا البري ووافقه عليها الدكتور الصديق الضرير.
كيف استخدمت:
– لا يوجد في أخذ الأجر على الضمان المصرفي لتنفيذ أعمال مشروعة نص محرم من كتاب أو سنة ولا دليل تحريم، فلا يوجد له نظير يقاس عليه في التحريم، لاشتراكهما في علته، ثم لا يوجد عرف صحيح يحرمه ويمنعه، ولا توجد فيه مفسدة، كما لا توجد مصلحة في تحريمه، بل إن المصلحة في إباحته وحله وصحته وفي إلزام المضمون به [10].
مناقشة هذه الآلية:
أ- يقول الشيخ محمد علي الزبير: ليس كل عقد من العقود يمكن أن يقال إنه مباح لأنه عقد مستحدث، وإنما العقود تقاس وتكيف حسب العقود الموجودة قديما ً، ولابد ان نقيسها على العقود الموجودة في الفقه [11].
الرد على هذه المناقشة:
يقول الدكتور الصديق الضرير: إن هذا [أي القاعدة المستدل بها] هو الأصل، ولا نحتاج في العقود المستحدثة أن نقول لمن يدعي الحل تمسكا ً بالأصل: عليك أن تقيسها على عقد من العقود الصحيحة، لا [بل] نقول له إذا خالفناه: هذا العقد ممنوع لكذا [12].
2- الرد على قوله: ‹‹لا يوجد … نص محرم››، يقول الدكتور عبد الستار أبو غدة- بعد ذكره لعدة نصوص وأجوبة عن الإيرادات القائمة على ادعاء خلو الموضوع من نص-: ‹‹فإن فيه روح النص والمناط الذي لأجله حرم الله -عزوجل- وحرم رسوله تقاضي الأجر على القرض بالفعل، فإن من مقتضاه تحريم تقاضي الأجر بالقوة (مجرد الاستعداد)›› [13].
3- الرد على قوله: ‹‹لا توجد مفسدة … في تحريمه››، يقول الدكتور عبدالستار أبو غدة: لا يسلم لقائله، فإن فيه من المفاسد ما هو شبيه بمفاسد التكسب بالأجر على القرض (بالربا). وهو أيضا ً يعطل معنى الثقة والتكافل بين المسلمين وتقوية الروابط بينهم في التعامل المالي، وما يستتبع ذلك من الحرص على التعارف والتآلف والبذل وتشجيع حرص الناس على التحلي بالمروءة وحسن السمعة؛ ليبادر الناس إلى كفالتهم، وبالمقابل التحلي أيضا ً بالشهامة للمبادرة إلى القيام بالكفالة [14].
2- التخريج على رأي فقهي في مسألة مشابهة:
ممن استخدم هذه الآلية الدكتور زكريا البري والدكتور رفيق المصري والشيخ أحمد علي عبدالله.
وتعددت اتجاهاتهم في هذا التخريج: فمنهم من خرجها على أخذ الأجر على تحفيظ القرآن وإقامة الصلاة، ومنهم من خرجها على جواز أخذ الأجر على الوكالة، ومنهم من خرجها على شركة الوجوه، ومنهم من خرجها على جواز أخذ الغريم عوضا ً، ومنهم من خرجها على ثمن الجاه، ومنهم من خرجها على أخذ الأجرة على حفظ الوديعة، وسنعرض لكل ذلك فيما يلي:
أ- التخريج على أخذ الأجر على تحفيظ القرآن وإقامة الصلاة ونحوها:
وممن قال بذلك الدكتور زكريا البري والدكتور رفيق المصري.
كيف استخدمت:
لقد أفتى المتقدمون من فقهاء بعض المذاهب بعدم جواز أخذ الأجر على تحفيظ القرآن الكريم وإقامة الصلاة؛ بناء على أنهما يدخلان في العبادات والطاعات التي لا يجوز أخذ الأجر المادي عليها في الدنيا، والتي يستحق فاعلها الجزاء والثواب الأوفي في الآخرة، والآخرة خير وأبقى.
وقد جرى المجتمع الإسلامي على ذلك حينا ً من الدهر، ثم اقتضت التطورات الاجتماعية تخصيص مسلم مؤهل للقيام بهذه الأعمال.
فوجد المتأخرون زمانا ً من فقهاء هذه المذاهب أن القول بعدم جواز أخذ الأجر في ذلك وفي أمثاله يؤدي إلى ضياع حفظ القرأن حفظا ً سليما ً، وإلى ترك إمامة الصلاة لمن يحسنها؛ نظرا ً لعدم التفرغ لهذه الأعمال الدينية استغالا ً بكسب العيش، وأفتوا بأخذ الأجر [15].
مناقشة هذه الآلية:
1- أنه قياس مع الفارق، بيانه فيما يلي:
أ- القياس على الواجبات الكفائية مع الفارق الكبير جدا ً؛ لأن الواجبات الكفائية عليها يستند عماد الدين، وإذا لم تقم بها الأمة فسدت الأمة، ولهذا أجازوا من هذا المخرج، ولكن هنا ضمان، مجرد ضمان مالي يمكن أن نجد له عددا ً من البدائل [16].
ب- لا يخفي أن هؤلاء (المقاس عليهم) جميعا ً يؤدون عملا ً واضحا ً لا مجرد جاه، وبالتالي لا وجه للقياس عليهم [17].
2- صرح كثير من الفقهاء بأن ما يعطى عن هذه الأعمال الواجبة للقائمين بها إنما هو عطاء ورزق لهم من بيت المال، وأنهم يعطون الكفالة شأن العطاء من بيت المال لمن يعمل عملا ً يعود نفعه على جميع المسلمين، فهو ليس أجرا ً وإنما شبه بالأجر لما بينه وبين العمل من التقابل واضطراد الوجود والعدم [18].
الرد على هذه المناقشة:
أ- إذا كان المنطق هو هذا: إن هذه واجبات فيجوز أخذ الأجر عليها، أما هذه فليست واجبات فلا يجوز أخذ الأجر عليها، فإنه إذا جاز أخذ الأجر على الواجب الديني جاز أخذ الأجر على المباح من باب أولى [وهو ما يعرف عند الأصوليين بقياس الأولى] [19].
2- ثم يقول فضيلة الدكتور زكريا البري معترضا ً عليه: إذ قال: إن هذا ليس أجرا ً إنما هو رزق. قلت: ما هذا؟! يعنى: تضعيفا ً له؛ إذ ما هو الفرق الجوهري بينهما].
ب- التخريج على جواز أخذ الأجر على الوكالة:
وممن قال به الدكتور زكريا البري والشيخ أحمد علي عبدالله.
كيف استخدمت:
المجتمع الإسلامي كان يجري على أن الوكالة عن الغير في عمل من الأعمال تكون مجانا ً وخدمة اجتماعية، ثم تطورت الأحوال تطورا ً حضاريا ً ووجد المتخصصون الذين لا يقبلون الوكالة إلا بالأجر كما في توكيل المحامي وتوكيل السمسار، وكل منهما يتفرع لهذا العمل ويكسب قوته من هذا الأجر [20].
ج- التخريج على شركة الوجوه:
وممن قال به: د. رفيق المصري والشيخ أحمد علي عبدالله.
وشركة الوجوه هي شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال، حيث يتعاقد اثنان فأكثر بدون رأس مال على أن يشتريا نسيئة ويبيعا ً نقدا ً ويقتسما الربح بينهما بنسبة ضمانهما للثمن [21].
وفي المادة (1400) من دور الحكام في شرح مجلة الأحكام – (استحقاق الربح في شكرة الوجوه إنما هو بالضمان) استحقاق الشريكين للربح في شركة الوجوه إنما هو الضمان. والمقصود من الضمان ضمان ثمن المال المشتري، وبالصورة التي يضمن بها الثمن يكون الملك على هذه الصورة، فإذا شرط زيادة عن ذلك فهو لغو (رد المحتار بزيادة) [22].
كيف استخدمت:
1- المعلوم فقهيا ً أن الأجر المشروك على الضمان لا يجوز، غير أن بعض الفقهاء (الحنفية والحنابلة والزيدية) أجازوا الربح بالضمان؛ إذ اجازوا شركة الوجوه، ويتخرج على مذهبهم أن وجيها ً لو اشترك مع آخر خامل على الضمان والربح مناصفة ولم يشتر ولم يبع جاز لمجرد الضمان، وهذا مثل المال لا يجوز إقراضه بأجر، لكن يجوز إقراضه بربح، غير أن الذين أجازوا ربح المال هذا هم كل الفقهاء بخلاف ربح الضمان فقد أجازه بعضهم فقط [23].
2- ويقول الشيح أحمد علي عبدالله: إن الحنفية والحنابلة والزيدية قد أجازوا شركة الوجوه، وهي شركة لا تعتمد على مال ولا على عمل، وإنما تعتمد على وجاهة الشركاء وثقة الناس في درجة التزامهم، وبهذه الثقة فقط يستحقون الربح، ولذلك يحتج المانعون لعدم جواز شركة الوجاهة بأن الربح لا يستحق إلا بالمال أو العمل، وها هنا لا مال ولا عمل، وأجاز أولئك أن تكون الوجاهة والالتزام المترتب عليها سببا ً للربح، فلم لا يكون سببا ً للأجر في خطابات الضمان؟
مناقشة هذه الآلية:
1- في قوله: ‹‹غير أن بعض الفقهاء (الحنفية والحنابلة والزيدية) أجاززوا الربح بالضمان إذ أجازوا شركة الوجوه›› إلى قوله: ‹‹جاز لمجرد الضمان››.
هذا القول يحتاج إلى مراجعة؛ ذلك أن الأحناف والحنابلة الذين أجازوا شركة الوجوه قالوا: إن هذه الشركة منعقدة على عمل ووكالة وكفالة، فالعمل أنهما يشتركان في الشراء بجاههما، كما أنهما يشتركان في بيع ما اشترياه بجاههما، وكل منهما وكيل الآخر في البيع والشراء وكفيله بالثمن، فاستحقاق الربح المشترك بينهما بالعمل لا بالجاه، سواء أكان الاشتراك بالتساوي بينهما في كل شيء -الاشتراك في قدر الملك والعمل والربح- على قاعدة شركة المفاوضة، أو كان بالاختلاف والتفاوت في تلك الأشياء على قاعدة شركة العنان التي لا يشترط فيها التساوي في كل شيء والتي يمكن أن يقوم بالعمل فيها بعد العقد أحد الشريكين منفردا ً أو مع شريكه الآخر، وشركة الوجوه تكون مفاوضة وتكون عنانا ً.
إذا ثبت أن الربح في شركة الوجوه مستحق للشريكين بالعمل الذي يبدأ بالشراء بوجيهيهما لتحقق الشركة، ثم لا يهم أن ينتهي في مرحلة البيع بأن يقوم به أحد الشريكين أو هما معا ً على أساس شركة العنان.
إذا ثبت ذلك لم يعد هنالك مجال للتخريج بأن وجيها ً لو اشترك مع خامل إلى آخره، لم يعد لهذا القول مكان.
2- كما أنه لا وجه للشبه بين هذه الشركة وبين المال الذي لا يجوز إقراضه بأجر، ولكن يجوز إقراضه بربح؛ لأنه بناه على صحة الافتراض بأن جواز الربح بالضمان مبني على جواز شركة الوجوه، وقد بينا عدم صحة هذا الافتراض.
3- نعم إن الحنفية يقولون: إن الربح في شركة الوجوه مستحق بالضمان، والمضمون هنا هو رأس المال المتمثل في البضاعة التي يأخذها الوجيهان بثمن آجل، وهما يستحقان الربح الناشئ عن تسويق هذه البضاعة والانفراد به دون صاحبه بضمان ثمنها له، وليس الضمان هنا من أحد شريكي الوجوه تجاه شريكه الآخر؛ إذ لا ضمان بينهما.
وبناء على ما تقدم فقد تبين عدم صحة المقدمة، وبالتالي عدم صحة النتيجة المترتبة عليها وهي جواز أخذ الأجر على مجرد الضمان [24].
د- التخريج على جواز أخذ الغريم عوضا ً على أن يقوم هذا الغريم بتقديم كفيل، قال به الشيخ أحمد علي عبدالله.
كيف استخدمت:
1- نقل الشيخ أحمد عدة نصوص تفيد -كما يقول- بصورة أو أخرى أنه يجوز للغريم أي المدين أن يأخذ عوضا ً أو أجرا ً من الدائن على أن يقوم هذا الغريم بتقديم كفيل أو ضامن بالدين الذي عليه على اختلاف بينهم على هذا الجواز وعدمه، وعلى اختلاف بين المجيزين في درجة جوازه.
فلم جوزوا العوض للغريم، والضمان في تقديرهم ما زال من عقود التبرع؟ ولم جوزوه للغريم ولم يجوزوه في حق الضامن الذي يتولى المسئولية؟
أحسب أنهم أحسوا بالحاجة للضمان ولم يروا أن يصادمو الحكم العام بعدم جواز الأجر على الضمان، فجعلوا العوض للمدين مع أن الدائن يستفيد من ضمان الضامن لا من المدين، فهو عندما دفع يريد أن يستوثق لحقه ويحصل على هذا الاستيثاق بتحرير الضمان لصالحه.
فما يسعى له ويشتريه هو الضمان وهو المقابل لما دفعه من أجر وليس هو شيئا ً عند المدين؛ لأنه لو رضي بالمدين فلا حاجة له بدفع العوض؛ لأن الحق متعلق بذمته ابتداء.
وأظن أن إدخال عملية الوكالة هنا -على فرض وجودها- مجرد حيلة لتجويز الأجر على ضمان، فإذا رأي الفقهاء أن هناك مقتضى لأخذ الأجر على الضمان، فالأصلح أن يقرروه مباشرة لا أن يتحايلوا عليه بفرض ألا يطرد في حين أن الحاجة إلى العوض قد تطرد وبفرض ألا يكون جزءا ً من الضمان.
2- ثم نقل الشيخ أحمد نصا ً آخر لمحمد عن مالك وابن القاسم واشهب وغيرهم: من قال لرجل: ضع من دينك عن فلان وأتحمل لك بباقيه لأجل آخر. لا بأس به؛ لأن له أخذه بحقه حالا ً.
وعن أشهب عنه جوازه وكراهته. وقال مالك في العتيبة: لايصح كمن قال: أعطني عشرة دراهم وأتحمل لك، فالحمالة على هذا حرام، والأول أبين [25].
وكل هذه الأمثلة فيها أجر على الضمان، ولكنه بدلا ً من أن يتحرك من المضمون للضامن تحرك العوض من المضمون له إلى المضمون، وفيها شراء من قبل رب الدين للضمان بعوض، فإذا جاز ذلك هنا وفيها ضيعة من الدين في مقابل الضمان، فلم لا تجوز هناك يا ترى؟[26].
هـ- التخريج على أخذ الأجر على الجاه:
ممن نقل هذا القول وناقشه الشيخ أحمد على عبدالله، وقال: تبنت هذا الرأي ودافعت عنه الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية.
كيف استخدمت:
النصوص العامة في الفقه الإسلامي تفيد أنه لا يجوز أخذ الأجر على الجاه والضمان، ولكن فريقا ً من الفقهاء المعاصرين قالوا بجواز أخذ الأجر على الجاه بناء على أقوال لبعض الفقهاء المتقدمين تتحدث عن جواز الأجر على الجاه بشروط، فهل أولا ً الضمان كالجاه كما قالوا: إن الضمان شقيق الجاه؟
وأحسب أن القياس صحيح، فالضمان والجاه يتمخضان عن معنى واحد، فالشخص الذي يتحلى بسمعة طيبة مبنية على درجة وفائه بالتزاماته هو الذي يقبل ضامنا ً، وبذلك يكون له وجه مقدر عند الآخرين فيقبلون كلمته، فالجاه والضمان إذن معنى واحد [27].
مناقشة هذه الآلية:
أ- معظم النصوص التي أوردها أصحاب هذا الرأي لا تسند حجتهم، فكلها تتحدث عن عمل مادي، إما عمل معلوم فيكون إجازة، أو عمل مجهول فتكون جعالة، بل فيها نفي للأجر على الوجاهة إلا إذا ارتبط به عمل، فيكون الأجر إذن للعمل لا للوجاهة، وعليه فإن النصوص المستدل بها لا توصل إلى جواز أخذ الأجر على الوجاهة، ومن ثم على الضمان [28].
2- الذين ادعوا جواز أخذ الأجر على الكفالة المجردة ونقلوا بعض النصوص وأرادوا أن يقيسوها على الجاه، لو قبلنا هذا مع أن القياس على الجاه غير سليم، قالوا: لابد أن يكون مع الجاه هذا حركة فيكون الأجر نظير هذه الحركة [29].
و- التخريج على أخذ الأجرة على حفظ الوديعة:
ممن قال به الدكتور حسن عبدالله الأمين.
كيف استخدمت:
إن قاعدة عدم أخذ الأجرة على الواجب لا نراها مضطردة فقد رأيناهم يجيزون أخذ الأجرة على حفظ الوديعة وإن تعينت على شخص ما وهو من باب الواجب، جاء في مغني المحتاج للشربيني: وقضيته أن له أن يأخذ أجرة الحفظ كما يأخذ أجرة الحرز، ومنعه الفارقي وابن أبي عصرون؛ لأنه صار واجبا ً عليه فأشبه سائر الواجبات، والمعتمد الأول كما هو ظاهر كلام الأصحاب [30].
ثم قال: أفلا يصح أن يقاس الضمان على فرض أنه واجب على الوديعة الواجبة وياخذ حكمها في جواز الأجرة عليه؟ [31].
3- تطبيق قاعدة ‹‹الخراج بالضمان›› [32] أو ‹‹الغنم بالغرم›› :
ممن استعمل هذه الآلية الدكتور زكريا البري والدكتور حمدي عبدالعظيم.
كيف استخدمت:
1- إذا كان مقتضى هذا الضمان المصرفي إلزام المصرف بالمغارم التي تترتب على هذا الضمان تنفيذا ً لالتزامه، فلم لا يكون له غنم من المضمون يؤديه للمصرف الضامن نتيجة الاتفاق والرضا به.
ومن القواعد الفقهية العادل وأن الغرم بالغنم، جرى عليها التعليل الفقهي في مثل وجوب نفقة الفقير العاجز على قريبه الغني الموسر مغرما ً في حالة فقر القريب مقابلة للمغنم بميراثه في حالة يساره [33].
2- في خطاب الضمان لا توجد صلة بين الالتزام الأصلي للعميل تجاه البنك والالتزام الأصلي بين العميل والمستفيد، فإذا كان المدين الأصلي ملتزما ً بتوريد بضائع مثلا ً للمستفيد فلا يجوز أن يلتزم الكفيل بأن يدفع مبلغا ً نقديا ً في حالة عدم الوفاء، وفي حالة اتحاد المحل في التزام البنك والتزام العميل ‹‹المدين الأصلي›› بأن يكون التعهد في الحالتين بدفع مبلغ من النقود مثلا ً فيكون معيار التفرقة بين كون التزام البنك أصليا ً أو تابعا ً هو استظهار إرادة البنك مصدر خطاب الضمان.
أي أن القاعدة العامة أن يكون التزام البنك في خطاب الضمان التزاما ً اصليا ً غير تابع لالتزام المدين الأصلي، أي أنه لا يكون عقد كفالة ما لم تكن العبارات الواردة في الاتفاق بين البنك والعميل تدل على ذلك.
وفي هذه الحالة نرجع إلى قاعدة ‹‹الخراج بالضمان›› ويمكن للبنك أن يحصل على نصيب أو نفع مقابل الضمان استنادا ً إلى رأي الكندي: ‹‹من ضمن مالا ً فله ربحه›› [34].
4- الاستحسان:
ممن استعمل هذه الآلية د. زكريا البري.
كيف استخدمت:
إذا كان الأصل منع الأجر عند بعض الفقهاء فلم لا يجوز أخذه استحسانا ً واستثناء من القواعد الأصلية، استنادا ً إلى المصلحة العامة والخاصة [35].
مناقشة هذه الآلية:
يقول الشيخ محمد علي الزبير: ما هو دليل الاستحسان؟ وما وجه الترجيح بين الأدلة؟ على الأقل أن يكون هناك دليلان، دليل أرجح من الدليل لآخر واستطاع أن يرجح من دليلا ً على آخر لوجه المصلحة بالاسترسال بالمرسل، فهذا مقبول أيضا ً، ولكن يبدو لي أنه ليس هناك دليل غير العقود القديمة التي يمكن أن يكيف عليها هذا العقد المستحدث.
ثم إذا كانت المصلحة أو الحاجة تنزل على أساس أنها ضرورة من الضرورات، وهنا أيضا ً الحكم يعتمد على الضرورة، ويجب أن نكيفه على الضرورة، ولكن أين الضرورة؟
ممكن أن يوجد البديل ويمكن أن توجد البدائل، وممكن للاقتصاديين أن يدرسوا الموضوع ويجدوا دليلا ً ومخرجا ً لا يمكن أن نتحرج منه [36].
5- الحاجة:
ممن قال به الدكتور مصطفى الزرقا، والدكتور رفيق المصري.
كيف استخدمت:
في مواجهة المشكلة القائمة في الحياة الحاضرة، والتي إذا سد فيها باب الأجر على خطابات الضمان تعطلت مصالح وتوقفت بعثات دراسية وتوقفت أعمال إنشائية ومقاولات وتعهدات ووظائف عديدة [37] يقول الدكتور رفيق المصري: وإن أمكنهم فقد لا يتم لهم ذلك في الوقت المطلوب أو بالحجم المطلوب، كما أن الناس يتفاوتون في إقدامهم على طلب الضمان، فهناك الفقير وهناك الغني، وهناك التاجر- الذي يحتاج إلى عدد غير قليل من الكفالات لتسهيل أعماله في الوقت المطلوب وبالحجم المنشود دون عناء ولا طلب إحسان أو معروف. وعليه فيقترح فضيلته قيام جهات متفرغة لذلك وتستحق أجرا ً [38].
مناقشة هذه الآلية:
1- الحاجة تنزل على أساس أنها ضرورة من الضرورات، ولكن أين الضرورة؟ إذ يمكن أن يوجد هناك البديل، بل البدائل [39].
2- يقول الشيخ عبدالله بن بيه: مسالة أثارها الأخوان وهي مسألة الضيق والحرج ومسألة الضرورة.
أعتقد أننا هنا نناقض مبدأ الجواز ومبدأ الحرمة، الضرورات لها أحكامها، عندما نصل إلى الضرورة لها حكمها. ويقول العلماء -رضوان الله عليهم- : إن الضرورة لا تجوز الفتوى بها ولا تجوز الفتيّ فيها. معناه: إن الضرورة لا يتحققها إلا من نزلت به الضرورة.
إذن الضرورة لها حكمها وهي تتعلق بمسالة بذاتها وبعينها [40].
3- السؤال متى كان الوصول إلى المنفعة مبررا ً للحصول عليها بكل الطرق الجائز منها والممنوع؟[41].
6- تكييفه على أنه وكالة:
ممن قال به د. سامي حمود، وتقرير ندوة البركة الثانية التي انعقدت بتونس من 11-14 صفر 1405هـ.
وتفصيل الكلام عليه تقدم في الباب الأول، فليراجع.
7– التعهد الذي يشتمل عليه خطاب الضمان يعزز قيمة التزامات العميل المضمون، وبذلك يكون خطاب الضمان عملا ً محترما ً يصح أخذ أجر أو عمولة أو جعل عليه:
تبنى هذا الرأي محمد باقر الصدر [42].
كيف استخدمت:
هذه الخطابات يمكن تخريجها على أساس الضمان – كما يقول السيد الصدر- ولا يقصد هنا الضمان بالمعنى المشهور في الفقه الإمامي, لأنه لا ينتج نقل ذمة إلى ذمة ولا ضم ذمة إلى جانب أخرى, والبنك لا يقصد نقل الدين إلى ذمته عند قبوله للكمبيالة أو في حالتنا هذه, ولا يقصد ضم ذمة إلى ذمة, وإنما يقصد التعهد بأن الدين سيؤدى فهو ضمان الأداء.
و يتوهم أنه يرجع إلى ضم ذمة إلى ذمة فإن هذا يعني كون الشخصين المدين والضامن مسؤولين عن المبلغ, وكلتا المسؤوليتين منصبتان على المبلغ المحدد, ولكن في ضمان الأداء ذمة المدين هي المسؤؤلة والضامن مسؤول عن الأداء, وخروج المدين من عهدة مسؤوليته, فليس للدائن أن يرجع ابتداء إلى الضامن, وإنما يرجع إليه عند امتناع المدين.
ولما كان الأداء بنفسه ذا قيمة مالية تلفت على الدائن, فيصبح مضموناً على من كان متعهداً به, وتشتغل ذمة الضلمن حينئذ بقيمة الأداء, وهي قيمة الدين, وهذا المعني للضمان صحيح شرعاً بحكم الارتكاز العقلاني أولاً, والتمسك بعموم (اوفوا بالعقود) (المائدة:1) ثانياً[43].
المناقشات:
1- قد يدعي أن الضمان بهذا المعنى ليس عقداً, باعتبار أنه لا يحتاج في قباله إلى إلتزام أكثر من إلتزام الضامن وليس فيه تصرفاً في شئون المضمون له.
الرد على هذه المناقشة:
يجاب بأن ملاك العقد لا ينحصر بكونه تصرفاً في ذينك الشخصين, بل قد يكون تصرفاً في أحدهما, ولكنه يبقى تحت سلطان الشخصين كما في الهبة. ولا يمكن الاستدلال بالروايات التي تبطل الضمان بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة ضد هذا الضمان, لأنه هنا ضمان أداء[44].
مناقشة أخرى:
2- ما قيل من تخريج أجر خطاب الضمان على أنه جعالة على عمل أو عقد وجاهة أو نحو ذلك من الصيغ التي يراد بها إخراجه في صورة معاوضة بين الأجر وبين عمل آخر غير الكفالة, وهذا دليل على اعتراف من يلجأ لذلك بأن الكفالة ليست محلاً للاعتياض عنها بمال وهذا مسلم.
أما الادعاء بأن خطاب الضمان هو جعالة أو وجاهة فهو مردود, لأنه يخليه من مضمونه وهو الكفالة (شغل ذمتين بالالتزام) فالوجاهة ليس فيها شغل ذمة, وكذلك الجعالة, بل هو من قبيل الالتزامات التي تنحل إلى عمل له مقابل[45].
مناقشة أخرى:
3- المخاطرة التي يتعرض لها المصرف نتيجة الإقراض الفعلي أكبر من المخاطرة التي يتعرض لها تبعاً لإقراض قل أن يحدث ناتج عن خطاب الضمان, ولو جاز الجعل في مقابل المخاطرة بإصدار الخطاب لكان جوازه في الإقراض أولى.
ولم يكن الضمان من قبل بعيداً عن النشاط التجاري ولم يكن له عوض وذلك مثل:
أ- ضمان العهد أو ضمان الدرك[46].
ب- ضمان السوق.
ج- ضمان نقص المكيل أو الموزون أو المزروع[47].
8- محض الالتزام له قيمة مالية في ذاته بحيث يصح بذل العوض المالي في مقابلته:
ممن قاله أ/ تجاني عبد القادر (وهو قريب ما قبله).
كيف استخدمت:
1- إن الالتزام منفعة مقصودة تشبه المناع التي تبذل في الوديعة والعارية والكفالة لذلك صح كون الالتزام محلاً للعقد في الضمان.
2- إن جواز بذل رب الدين أو غيره جعل للمدين في مقابلته تقديم كفيل يشهد أن مجرد التزام الكفيل بالدين له قيمة مالية.
3- إن التزام الضامن بالأداء في حد ذاته مصادرة مقصودة ومنفعة مشروعة يجوز أن يكون لها قيمة مالية شرعاً إذا تعارف الناس على ذلك[48].
9- التفرقة بين أخذ الأجر على الضمان وأخذه على التنظيم:
ممن قال به د. رفيق المصري.
كيف استخدمت:
يا ترى لو قامت خدمة منظمة لهذا الضمان, قام بها أناس متفرغون لها فتكبدوا الجهود والأموال والأوقات في سبيل إدارتها وتنظيمها ولم تكن لهم موارد أخرى للعيش, فهل يمكنهم أن يأخذوا من الأجور ما يسمح لهم باسترداد ما أنفقوه وزيادة ربح يليق بعملهم وعمل أمثالهم؟
علماً بأن هذا الأجر ليس أجراً على الضمان, لأن ذلك حرام شرعاً, إنما هو أجر يتقاضاه الضامن من المستفيد لقاء أعمال تنظيم هذ ا الضمان وإدارته بما يليق بمستوى العصر وبما يلبي حاجات الناس والتجار المتزايدة إليه, وبما يكفل لصاحبه الاستمرار في حرفته في ظل المنافسات الداخلية والخارجية القائمة على استخدام أحدث الأساليب[49].
ثم أيد فضيلته ذلك بعدة أمور منها:
1- قد سبق لفقهائنا أن أجازوا مثل ذلك الأجر بالسلم والخطيب والمؤذن والشاهد والمعلم إذا احترفوا.
2- تساؤل: هل من فرق في الحكم الشرعي على القربات بينما إذا كانت موضع اكتساب مدني عارض أو موضع احتراف تجاري منظم؟
ثم ضرب مثلاً بالحمال إذا استؤجر على حمل شئ, فأمر الحمال غيره بحمل الشئ على نصف الأجر واقتطع النصف الآخر لنفسه ألا ترى أنك تجد في نفسك حيث لا ترى أن هذا المعلم قدم مالاً ولا عملاً حتى يستحق هذا الربح.
لكن لو اتخذ هذا المعلم دكاناً استأجر عقاراً وجمع عنده الأجراء أو أسس شركة صنائع فزادت بذلك مخاطرته ووضح نشاطه الإداري والتنظيمي والإشرافي ألا تشعر بأنك تسخو له بهذا الفرق.
3- كذلك الأمر في عقد الاستصناع فإنهم لم يجيزوه إلا فيما جرى عليه العرف والتعامل, نعم إنهم لم يجيزوا الاستصناع إلا بعد عموم الحاجة إليه واحترافه في بعض البلدان في بعض السلع المصنوعة[50].
مناقشه هذه الآلية:
1- لصحة هذه التفرقة لابد من التأكد بأن هنالك عملاً حقيقياً غير الجاه يستحق الأجرة, ويجب أن يكون في حدود أجرة مثل هذا العامل حتى لا تكون مدخلاً لأخذ الأجرة على الضمان نفسه.
2- القياس على أجرة الإمام والمؤذن والمعلم..إلخ, لا يخفى أن هؤلاء جميعاً يؤدون عملاً واضحاً لا مجرداً, وبالتالي فلا وجه للقياس عليهم.
3- الفرق استحقه الحمال الأول بضمان التنفيذ الذي التزم به, مباشرة بنفسه أو بالاستعانة بآخر.
4- عبارة: لم يجيزوه إلا فيما جرى عليه العرف…إلخ.، غير سليمة لأنهم في الواقع لم يمنعوه أبداً- أي الاستصناع- وإنما كيفوه على أنه بيع سلم لا بيع بالتعامل به مع تحديد أجله, وهو والحال هذه لا يصلح للاستدلال على ما قرره الكاتب[51].
5- ما قيل بأن الكفالة كانت عملاً نادراً وليس لهم من يتفرغ لمزاولتها والحال تغير حيث أصبحت وجهاً من وجوه التكسب الذي يتوقف عليه التعامل, فهذا من قبيل إدارة الحكم الشرعي على التصرف الواقعي مع أن الواجب دوران التصرف طبقاً للحكم, إذاً يصبح الموزون ميزاناً وهو من قلب الحقائق[52].
10- العرف:
ممن استعمل هذه الآلية الشيخ أحمد على عبد الله.
كيف استخدمت:
في تقديري أن الذي قادهم إلى التسليم بعدم أخذ الأجر على الكفالة هو العرف العملي, فالمعاملات كانت بسيطة وتتم في أسواق محصورة ولم تسع المعاملات وتتعقد بالصورة التي عليها اليوم من حيث حجم العمل والمدى الجغرافي, ونرى هذا الأمر واضحاً في الوكالة, فإن العرف فيها كان يجري على اعتبارها عقد تبرع, ثم لما تطورت أعراف الناس تجارياً بدأت تدخل الوكالة بأجر حتى أضحت اليوم أمراً عادياً, وأن الوكالة بأجر صارت هي الأصل.
وكذلك الأمر في أخذ الأجر على تعليم القرآن وعلوم الشريعة, وهو نفس العرف الذي دفع الحنفية إلى عدم اعتبار المنفعة مالاً وخالفهم في ذلك الجمهور, وما الضمان إلا واحد من هذه التصرفات التي مشى فيها الفقه بناء على العرف, فلا مناص من النظر فيه لاستنباط الحكم الملائم للمصلحة[53].
الفصل الثاني: جواز أخذ الأجر على خطاب الضمان إلا في حالة واحدة وهي التي يكون فيها الخطاب الضمان مكشوفاً- غير مغطي- وتؤول مسؤولية الوفاء به إلى مصدره الضامن دون المضمون:
وممن قال بهذا الرأي:
أ- الاجتهاد الجماعي: تقرير ندوة البركة الثانية التي انعقدت بتونس من 11-14 صفر سنة1405هـ.
ب- الاجتهاد الفردي: د. نزيه كمال جماد, ود. حسن عبد الله الأمين.
تحليل المنهج الذي اتبعه أصحاب هذا الرأي:
أولاً: الآليات المستخدمة:
1- التخريج على رأي فقهي في مسألة مشابهة.
2- تطبيق قاعدة فقهية.
3- تكييفه وكالة.
4- أعمال التبرعات محكومة بالعرف وليس بالنص.
5- الجعل على الالتزام في الصورة المستثناة حيلة لأكل ربا النسيئة أو ذريعة إليه.
ثانيا: كيف استخدمت هذه الآليات مه نقدها:
1- التخريج على رأي فقهي في مسألة مشابهة :
ممكن استخدم هذه الآلية الدكتور نزيه كمال حماد والدكتور حسن عبد الله الأمين.
ولهما في ذلك عدة اتجاهات أذكرها فيما يلي, ولا يفوتني أن أذكر أن أصحاب الرأي الأول قد استعملوا هذه الآلية, فيجدر الرجوع إلى كيفية استخدامهم لها وإلى المناقشات التي وجهت إليها.
أ- التخريج على هبة الثواب:
وممن قال بهذا د. نزيه كمال حماد, وهذا التخريج قال به الشيخ أحمد على عبد الله من أنصار الرأي الأول.
كيف استخدمت:
من المعلوم أن الهبة التي هي أساس التبرعات لا يمتنع شرعاً أن يتراضى الطرفان على قلبها إلى معارضة -كما في هبة الثواب- حتى ولو كان غرض الواهب فيها الاسترباح والحصول على أكثر مما وهب إذا انتفت المحظورات الشرعية العارضة.
فإذا كان العوض والاسترباح بتراضي العاقدين سائغاً شرعاً في الهبة التي هي الأصل في التبرعات, فلأن يكون جائزاً في غيرها مما يشاكلها أو يشابهها من بعض الوجوه أولى[54].
ب- التخريج على العارية والوكالة والوديعة:
وممن قال به د. نزيه كمال حماد, ود. حسن عبد الله الأمين.
كيف استخدمت:
لا يمتنع شرعاً من جواز تغيير صفة الالتزام بأداء الدين من التبرع إلى المعاوضة بالتراضي, يشهد لذلك قول جماهير أهل العلم بجواز اشتراط العوض فيما يلي:
أ- في العارية فتنقلب إجارة مع أن الأصل فيها أنها تبرع بمنافع العين المعارة.
ب- وفي جواز الوكالة بأجر مع أن الأصل فيها أن يبذل الوكيل منافعه مجاناً لموكله.
ج- وفي جواز اشتراط الأجر على الإيداع مع أن الأصل فيها أنها تبرع بالحفظ أو بالالتزام بالحفظ.
وعلى هذا فإذا اشترط الأجر في عقود التبرعات المشار إليها فإنها تنقلب إلى معاوضات وتترتب عليها أحكامها الشرعية ولا حرج في ذلك.
وعليه فإنه لا يمتنع شرعاً أن ينقلب محض الالتزام في الكفالة بالمال – وإن كان الأصل في التبرع- إلى معاوضة إذا اشترط ذلك, لأن الالتزام بحد ذاته فيه منفعة ومصلحة مشروعة كسائر المنافع والمصالح المعتبرة المتقومة للآدميين والأعيان.
فجاز أخذ الأجر عليه في عقد الكفالة سواء أدي الكفيل الدين إلى المكفول له أو لم يؤده, وذلك بشرط واحد وهو أن لا يترتب على عقد الضمان بأجر مداينة إلى أجل, لأن اشتراط الأجر عندئذ يكون حيلة إلى ربا النسيئة وستاراً للتعامل بربا الدين المحرم تحت عنوان الكفالة[55].
مناقشة هذه الآلية:
– قد يتنازع البعض في جواز أخذ الجعل على بعض الالتزام في الكفالة قياساً على عقود التبرعات التي تنقلب إلى معاوضات بالتراضي شرعاً, مدعياً أنه قياس مع الفارق, نظراً لأن الإعارة بأجر فيها بذل لمنافع عين متقومة وهي مما يصح مبادلته بالمال شرعاً, وكذلك الوكالة بأجر فيها بذل منافع آدمي, وهي مما تقبل المبادلة بالمال أيضاً, والوديعة بأجر فيها بذل لمكان تحفظ فيه, وهو مما يقبل ورود عقد الإجارة عليه ومبادلة منافعه بالمال.
أما محض الالتزام فليس منفعة كذلك حتى يصح مبادلتها بمال أو أخذ الأجر عليها فافترقا[56].
الرد على هذه المناقشة:
محض الالتزام فيه منفعة مقصودة ومصلحة مشروعة مشابهة للمنافع التي تبذل في الوديعة والعارية والوكالة ولذلك صح كونه محلاً للعقد في الضمان والوديعة, كما جاز مبادلته بالمال في كثير من الفروع والمسائل والتطبيقات عند الفقهاء ومن ذلك:
أ- جواز أخذ الأجر على محض الالتزام بالحفظ في الوديعة ولو لم يكن إلى جانبه عمل أو موضع – يقابل بالمال عرفاً – يبذله المستودع في نظر جماعة من أهل العلم.
ب- أن الحنفية والحنابلة أجازوا الربح في مقابل الضمان إذ أجازوا شركة الوجوه[57].
ج- ما قرره المالكية من جواز أخذ العوض المالي على صنوف من الالتزامات الجائزة شرعاً ولو كان محلها ليس بمال, كالتزام الزوج لزوجته أن لا يتزوج عليها مقابل جعل يأخذه منها, وكالتزام الزوجة بعد الزواج بعد موت زوجها مقابل جعل على ذلك.
وكذا التزام أم الولد بأن لا تتزوج بعد وفاة سيدها على مثل ذلك.
والتزام صاحب الدار بتوكيل شخص ببيعها مقابل جعل معلوم يأخذه من الملتزم له[58].
د- لا حرج شرعاً في أخذ الجعل (الأجرة) في الكفالة مقابل التزام الكفيل بالدين المكفول به.
يشهد لذلك أمور:
أ- قول الملكية على المشهور في المذهب أنه يجوز شرعاً أن يجعل رب الدين للمدين جعلاً إن جاءه بضامن يكفل دينه.
فلولا أن مجرد التزام الكفيل بالدين له قيمة مالية في ذاته لما جاز أن يبذل رب الدين أو الأجنبي الجعل للمدين في مقابلة تقديم كفيل بدينه.
صحيح أن آخذ الجعل في هذه الصورة هو المدين وليس الكفيل, ولكنها تشهد لكون الالتزام في عقد الكفالة مما يصح بذل المال في مقابلته والجعل من أجله.
ب- قول كثير من فقهاء المالكية بأنه يجوز أن يشترط الضامن على المكفول له في عقد الكفالة أن يحط عن المكفول بعض دينه الحال على أن يضمن له باقيه إلى أجل يضربانه.
وذلك يقتضي أن محض التزامه بالدين له قيمة في ذاته بحيث يصح بذل العوض المالي في مقابلته, ولولا ذلك لما جاز أن يضع رب الدين عن المدين بعض المال عوضاً عن التزام الكفيل بأداء باقيه.
ج- إن كثيراً من فقهاء الحنفية يجيزون استرباح الكفيل بالكفالة كثمرة لالتزامه بالدين فيها, وذلك في صور عديدة وتطبيقات متنوعة:
كما لو كفل بألف ثم قضي المكفول له عوضاً أو قدراً أقل من الدين المكفول به على سبيل الصلح, فإنه يرجع إلى المكفول بما كفل به لا بما أدي, وبذلك يحصل الكفيل على زيادة مالية فوق ما دفع, وذلك نتيجة التزامه بالدين في عقد الكفالة[59].
2- تطبيق قاعدة فقهية: >> العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني <<:
وقد استعملت هذه الآلية في تقرير ندوة البركة الثانية التي انعقدت بتونس من 11 إلى 14 صفر سنة 1405هـ.
كيف استخدمت:
تطبيقاً لهذه القاعدة فإنه لو استعمل لفظ الهبة في مبادلة مال بمال فإنه يطبق على هذه العلاقة حكم البيع, لأن الهبة هي المال المدفوع بلا عوض, فإذا كان هناك مقابل للمال انتقل الوضع من اللفظ إلى المبني وأصبح الحكم هو البيع.
وهذا يمكن أن يطبق على خطاب الضمان المصرفي الذي استعمل فيه لفظ الضمان ظاهراً رغم أن الحكم فيه أنه كوكيل يدفع مبلغاً معيناً لشخص معين وذلك بشرط معلق على تقديم المطالبة من ذلك الشخص المسمى[60].
مناقشة هذه الآلية:
يجدر الرجوع إلى مناقشة تكييف خطاب الضمان على أنه وكالة ضمن الباب الأول, فإنه تضمن مناقشة هذه الآلية.
3- تكييفه على أنه وكالة :
ممن قال به د. سامي حمود, وتقرير ندوة البركة الثانية التي انعقدت بتونس من 11 إلى 14 صفر 1405هـ.
وتفصيل الكلام عليه تقدم في الباب الإول, فليراجع.
4- أعمال التبرعات محكومة بالعرف وليس بالنص:
وقد استعملت هذه الآلية في تقرير ندوة البركة الثانية التي انعقدت بتونس من 11 إلى 14 صفر 1405هـ.
كيف استخدمت:
دليلنا على ذلك انقلاب العديد من أعمال التبرعات إلى أعمال تؤدى بالأجر في عهود الفقهاء الذين لم يروا ما يحول دون هذا التحول الذي تتطلبه الظروف, ومن أمثلة هذا:
أ- الإمامة والأذان وتعليم القرآن مثلاً من أعمال التبرعات التي انقلبت تدريجياً إلى أعمال تؤدى بالأجر بعد أن أصبح الإمام والمؤذن والمعلم بحاجة إلى المال الذي يستحقونه لقاء حبسهم أنفسهم عن العمل.
ب- كذلك كانت الضيافة من أعمال التبرع, ولكننا نجد الفنادق هذه الأيام تؤوي الناس بالأجر, وتؤكلهم بالثمن, وما من فقيه قال بأنه لا يجوز أخذ الأجر على ذلك[61].
5- الجعل على الالتزام في الصورة المستثناة حيلة لأكل ربا النسيئة أو ذريعة إليه.
وقد قال به كل من قال بهذا الرأي, وهو الذي يميز هذا الرأي عن سابقه.
كيف استخدمت:
بالنسبة إلى تعليل منع الأجرة على الضمان كما ذكره ابن عابدين من كون الضامن مقرضاً, فإّذا شرط له الجعل مع ضمان المثل فقد شرط له زيادة على ما أقرض وهذا ربا.
وهذا التعليل مقبول على وجه الإجمال, ولكن عند التفصيل نجده لا ينطبق على خطاب الضمان المغطى, لأن الضمان هنا بمعنى الوكالة, كما أنه لا ينطبق على خطاب الضمان الذي ينتهي بوفاء المضمون بتعهده دون حاجة إلى الضامن.
وتبقى بعد ذلك حالة واحدة يمكن أن ينطبق عليها تعليل ابن عابدين وهي حالة ما إذا كان الخطاب الضمان على المكشوف – غير المغطى – وتخلف المضمون عن الوفاء إلى أن قام به مصدر خطاب الضمان, ففي هذه الحالة فقط يصبح الضمان منطوياً على قرض, والجعل فيه زيادة يجب منعها كما قال ابن عابدين[62].
مناقشة هذه الآلية:
1- يؤخذ على هذا الاستنتاج الأخير عدم الاطراد مع الأطروحة الأساسية ألا وهي أن محض الالتزام فيه منفعة مشابهة لمنافع يبذل مقابلها أجر, لذلك صح كونه محلاً للعقد, وأن مجرد الالتزام بالضمان يستحق عليه الضامن أجراً.
وهذا التردد في الحكم على الالتزام بالجواز في حالات وعدم الجواز في حالات أخرى قد يعود على الفكرة كلها بالإلغاء.
فأما أن يكون الالتزام محلاً صحيحاً للعقد وهو بذلك منفعة ملموسة يصح مبادلتها بالمال في كل الحالات بغض النظر عن مآلات العلاقة بين الكافل والمكفول.
أو أن الالتزام مهدر الاعتبار لا قيمة له ولا يصح مبادلته بالمال.
أو أن له قيمة ولكن لا يصح مبادلته بالمال.
فإن كان الالتزام بالضمان في حد ذاته عملاُ ملموساً ومصلحة مقصودة ومنفعة معتبرة يصح بذل المال لتحصيلها وأخذ الأجر على تقديمها, فإن المال الذي يبذل لتحصيلها يكون مقابلها هي وليس مقابل أي شئ آخر.
ولا يستقيم منطقياً الاعتراف بصحة بذل المال مقابل الالتزام بالضمان وتجرده منه في نفس الوقت وتحويله إلى بدل في معاملة أخرى.
ويلحظ أننا إذا سلمنا بإمكانية انتقال الأجر على الضامن من المعاملة الأولى إلى المعاملة الثانية ليصبح أجرها فائدة فكأننا لا نعترف أصلاً بجواز الأجر على الضامن ويصبح الالتزام بالضمان قد قدم من غير بدل يقابله.
2- التطبيق المصرفي يشهد إلى حد ما ذهبنا إليه من أن الأجر على الضمان غير الفائدة الربوية, بل إن الأول مرتبط بأجل الضمان المقدم من البنك فقط, كما أن قيمته ضئيلة نسبياُ بالمقارنة مع الفائدة المصرفية, وهي قد تتراوح بين 0.125% إلى 0.25% في السنة من مبلغ الضمان بحسب قيمة الضمان.
أما سعر الفائدة على التأخر فقد يصل إلى 12% في السنة من قيمة الدين في حالة تحول الضمان إلى دين من البنك إلى العميل المكفول.
أى أن الأجر على الضمان يكون مساوياً أو أقل من 2% من سعر الفائدة.
ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن أمر تحديد الأجر على الضمان في المجال المصرفي في كثير من الأحيان يكون تحت إشراف البنك المركزي.
3- تجدر الإشارة إلى أن المصرف يحسب أجره على الضمان على أساس الفترة الزمنية التي يغطيها الضمان, فإذا وفي العميل المكفول خلالها بالالتزام الذي عليه والذي تم إصدار خطاب الضمان من أجله تنتهي المعاملة هنا, ويكون البنك مستحقاً للأجر على ما قدم من التزام خلال تلك الفترة.
أما إذا طالب المكفول له البنك بمبلغ الضمان المكفول به عملياً واضطر البنك لكشف حساب عميله لأي سبب من الأسباب مما يحول العملية عندئذ إلى دين من البنك إلى العميل فإن احتساب البنك للفائدة يبدأ من هذا التاريخ.
وهذا يؤكد اختلاف وجهة نظر البنك لأجر الضمان عن الفائدة الربوية, فالأجر على الضمان يقابل التزام البنك بالضمان خلال الفترة المحدودة.
أما بعد انقلاب المعاملة إلى مداينة حقيقية بين البنك والعميل فإن البنك يفرض ثمناً آخر مقابل الدين على عميله وهو الفائدة الربوية المحسوبة على أساس أجل الدين الذي يبدأ منذ لحظة أداء البنك عن المكفول وكشف حسابه بقدر ما أدي عنه.
وهكذا يتضح أن البنك يتعامل مع الضمان في هذه الحالة على أساس أنه يتكون من معاملتين متمايزتين لكل معاملة أركانها من عاقدين وصيغة وبدلين.
فالمعاملة الأولى بين البنك وعميله بإيجاب وقبول والتزام بالضمان من طرف البنك لمدة محددة وثمن (أجر) مقابل ذلك من العميل.
أما المعاملة الثانية وإن كانت غير جائزة فهي أيضاً بين البنك وعميله يتحول العميل إلى مدين للبنك مقابل فائدة ربوية.
النتيجة:
وعلى هذا نقول: إن النتيجة المنطقية للدراسة تقود إلى القول بجواز أخذ الأجر على الكفالة أو الضمان مطلقاً حتى في الحالة التي يترتب فيها للكافل دين في ذمة المكفول[63].
الفصل الثالث: التفرقة بين خطاب الضمان المغطى وغير المغطى فيجوز أخذ الأجر على الأول دون الثاني.
وممن قال بهذا الرأي:
أ- اجتهاد جماعي: قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10إلي 16 ربيع الآخر سنة 1406هـ / 22-18 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1985م.ا
ب- اجتهاد فردي: د. علي أحمد السالوس, ود. بكر أبو زيد, وأ. يوسف كمال محمد, ومحمد راتب النابلسي, وحامد بن عبد الله العلي, ود. عبد الستار أبو غدة, ود. الصديق الضرير, ومحمد علي الزبير, ود. أنس لزرقا.
تحليل المنهج الذي اتبعه أصحاب هذا الرأي:
أولاً: الآليات المستخدمة:
أ- عدم جواز أخذ الأجر على الكفالة:
1- السنة »الزعيم غارم».
2- الكفالة من التبرعات التي لا يجوز أخذ الأجر عليها.
3- اشتراط الأجر على الكفالة تئول إلى بيع الغرر وهو محظور شرعاً
4- تطبيق قاعدة فقهية.
5- عدم جواز أخذ الأجرة على الكفالة لأنه من باب أخذ الأجرة على الواجب.
6- العوض المالي إنما يستحق في مقابلة عمل أو مال وليس الضمان عملاً ولا مالاً فكان أخذه بسببه من أكل أموال الناس بالباطل.
ب- الآلية المستخدمة للتفرقة بين المغطى وغير المغطى:
هي التكييف الشرعي لكل منهما.
ثانياً: كيف استخدمت هذه الآليات مع نقدها:
1- السنة »الزعيم غارم« [64].
ممن استخدم هذه الآلية د. علي أحمد السالوس.
كيف استخدمت:
– هذا الحديث يستفاد منه ما ذهب إليه الفقهاء من أن الكفالة من عقود التبرع فالأصل فيه الغرم لا الغنم.
فإذا كان الأصل في الزعامة – أي : الكفالة – أنها غرم فكيف تتحول في عصرنا إلى غنم؟[65]
2- الكفالة من التبرعات التي لا يجوز الأجر عليها:
ممن استعمل هذه الآلية: قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي, ود. على أحمد السالوس. ود. بكر أبو زيد, ود. عبد الستار أبو غدة, ود. وهبة الزحيلي, والشيخ حامد بن عبد الله العلي, والشيخ محمد راتب النابلسي, وأ. يوسف كمال محمد, وذكرها كل من الشيخ أحمد على عبد الله ود. نزيه كمال حماد ضمن مناقشاتهما.
كيف استخدمت:
الكفالة تبرع ابتداء وانتهاء حين لا يرجع الكفيل على المكفول بما أدى عنه, وقد تكون تبرعاً ابتداء ومعاوضة انتهاء إذا رجع على الكفيل فتكون هنا مثل القرض, والحالة الأولى التي كانت شائعة في المجتمع الإسلامي لا يتطبق عليها خطاب الضمان, وإنما ينطبق على الحالة الأخرى الشبيهة بالقرض حيث يعود المصرف على المكفول بما أدي عنه.
ولا خلاف بين الأئمة في أن الكفالة لا تجوز بجعل فضلاً عن الأجر, والخروج عن هذا الإجماع قد لا يجد ما يبرره[66].
مناقشة هذه الآلية :
1- إن الدليل الذي اسندوا إليه هو أن الضمان لم يشرع إلا على سبيل التبرع وهو صورة من صور المصادرة, لأن نفس الدعوى هي نفس الدليل, كأنهم يقولون: إن أخذ الأجر غير مشروع لأنه غير مشروع[67].
2- أسست فكرة عدم أخذ الأجر على الضمان أو الكفالة على أنه محض تبرع ومعروف, وهذه الدعوى أصبحت من المسلمات الفقهية, ويبدو أنها في الواقع ليست كذلك وأنها حجة ليست بقاطعة في موضوعها ولا قوية في مضمونها, ويؤيد ذلك أمور:
أ- قاس الأبهري الكفالة على الصلاة والصوم في عدم أخذ الأجر على الكل.
وصحيح أن الصلاة والصوم واجبان على كل مكلف في حين أن الكفالة ليست واجبة على أحد بل هي تبرع ومعروف كما يقولون.
فلا أدري ماهو وجه الشبه وما هي العلة أو الحكمة المشتركة حتى نعطيهما حكماً واحداً, بل الظاهر أن بينهما قياساً عكسياً لا طردياً[68].
وعليه فإذا منع الأجر في الصلاة والصوم لأنهما واجب فينبغي أن يجوز في الضمان لأنه غير واجب على الإنسان, فقد يحتاج المضمون إلى هذا الجعل (الضمان) ولا يجد من يتبرع له به فيستأجر عليه, لئلا تفوت منفعته ومصلحته.
ومع التسليم بأن الأصل في الصلاة والصوم أن تؤدى كواجب إلا أنه يجوز تشجيع الإنسان على الصلاة والصوم بالنفع المادي, فذلك غير محرم بل قد يكون مندوباً إليه, ولكن من حيث الأصل لا يجوز أخذ العوض المادي له[69].
ب- أن تقول بعدم أخذ العوض عن المعروف والقرب فيه نظر, فقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم جاوز اشتراط الأجر على الرقية بالقرآن وهي قربة من القرب, كما نص الشافعية ومتأخرو الحنفية على جواز أخذ الأجر على الطاعات كتعليم القرآن والأذان والامامة وغيرها وهو رواية عن أحمد وقول في مذهب مالك.
كما ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الأجر عن تغسيل الميت وتكفينه, وأجاز ابن تيمية أخذ الأجر على الشهادة.
وحقيقة الأمر- فيما يظهر- أن الأصل في أعمال الخير والبر أن تكون لوجه الله تعالي وبدون أجر, فإن لم يتوفر من يقوم بذلك مجاناً جاز بذل المال لمن اشترط الأجر على القيام بها, وقد تقدم معنا ضمن الرأي الأول والثاني التخريج على الهبة والوكالة والإيداع[70].
اشتراط الأجر على الكفالة يؤول إلى بيع الغرر وهو محظور شرعاً:
وممن ذكر هذه الآية د. نزيه كمال حماد.
كيف استخدمت:
يقول التاودي: لأنه إذا تحمل بمائة على أن يعطيه عشرة قد يعدم المدين فيخسر الضامن تسعين, وقد يؤدي فيربح العشرة. وقال المازري: أن ذلك من بياعات الغرر, لأن من اشتري سلعة وقال للرجل: تحمل عني بثمنها وهو مائة على أن أعطيك عشرة دنانير, أو باع سلعة وقال لآخر: تحمل عني الدرك في ثمنها إن وقع الاستحقاق وأنا أعطيك عشرة لم يدر الحميل هل يفلس من تحمل عنه أو يغيب فيخسر مائة دينار ولم يأخذ إلا عشرة أو يسلم من الغرامة فيأخذ العشرة[71].
مناقشة هذه الآلية:
هذا الاحتجاج وجيه معتبر لو كان التكييف الفقهي للأجر على الضمان أنه عوض عن الدين المكفول به إذا أداه الضامن لرب الدين, ولكنه غير مسلم, بناء على أن الجعل في الضمان إنما هو في مقابل مجرد التزام الضامن بالدين المكفول به في ذمته, سواء أداه أو لم يؤده (وقد تقرر هذا ضمن الرأي الثاني بما يغني عن إعادته هنا).
ولما كان الأمر كذلك فحين قام الضامن ببذل ذمته في الالتزام بالدين فإنه يستحق عوضه المشروط على أي وجه ولا غرر في المسألة[72].
4- تطبيق قاعدة فقهية أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا:
وممن استعمل هذه الآلية د. علي أحمد السالوس, ود. بكر أبو زيد, ود. عبد الستار أبو غدة, وأ. يوسف كمال محمد, ود. مصطفى الزرقا.
وقرره مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 إلى 16 ربيع الآخر سنة 1406هـ.
كيف استخدمت:
1- إن أخذ الأجر على الكفالة يؤول إلى قرض جر نفعاً:
وجه ذلك: أنه في حال أداء الضامن للمضمون له يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه.
وفي خطاب الضمان أقوى في بعض أحواله, لأن المستفيد يستوفي عادة من البنك لا من العميل[73].
مناقشة هذه الآلية:
1- هذا الدليل ليس بمسلم على إطلاقه لأمرين:
أحدهما: أن الجعل في الضمان هو عوض عن محض الالتزام بالدين, سواء أداه الكفيل فيما بعد أم لا.
والثاني: أن للكفيل إذا قضي الدين المكفول به فلا يكون بذلك مقرضاً للمكفول ولا تسري عليه بمقتضي عقد الكفالة الأحكام الشرعية المتعلقة بالقرض.
وذلك لأن عقد الكفالة في الأصل مختلف في طبيعته وأحكامه عن االقرض, فالأول من عقود التوثيق والثاني من عقود التمليك.
أ- وليس من دقيق العبارة القول بأن الكفيل إذا أدى للمكفول له الدين المكفول به, فيكون قد أقرض المكفول ذلك المبلغ المدفوع, فإن أخذ علاوة على مقدار القرض باسم الجعل على الكفالة فهو ربا.
ب- وذلك لأن الضامن إنما ملك المال المكفول له (الدائن) لا للمكفول (المدين) ولهذا لا يصح تسمية الاخير مقترضاً من الكفيل ولا اعتباره كذلك في الأحكام.
ج- صحيح أنه بعد الأداء يصير مديناً له بمثل ما أدى عنه ولكن المدين ليس هو نفس المقرض في الأسم والأحكام بل هو أعم مطلقاً منه.
د- وعلى ذلك فتطبق على هذه الصورة الأخيرة أحكام الدين لا أحكام القرض على الخصوص[74].
2- يقول د. مصطفى الزرقا: ظهر لي فرق يمكن أن نفرق به بين الموضوعين (خطاب الضمان والقرض) ذلك أن القرض الربوي هو عمل احترافي يتخذ به المرابي هذا الشأن طريقاً لاكتسابه الحيوي, كما يأخذ كل ذي طريق اكتسابي فرعاً من فروع الاكتساب كالتجارة والصناعة.. إلخ, فهو احتراف لامتصاص أموال الناس بدون عمل وجهد عن طريق الإقراض بالربا.
أما خطابات الضمان فهي لم يعهد حتى على يومنا هذا أنه عمل احترافي مستقل تلجأ إليه البنوك أو المصارف لكي تجعل طريق اكتسابها وأرباحها من خطابات الضمان, ولا سيما أن النسبة ضئيلة- التي تؤخذ على ذلك- فهي لا تصلح احتراف اكتسابي أصيل في عمل الناس المرابين كما هو واقع, بل هي أصبحت عملاً جانبياً تشبه أن تكون كما سمعتم في النصوص التي أوردها الباحثون أنه إذا كان الخطاب ليس مستقلاً وإنما هو في ضمن عقد آخر فإنه لا يصبح مقصوداً بالذات وعندئذ يجوز أخذ الأجر عليه[75].
3- ومما يمكن استعماله في مناقشة هذه الآلية قاعدة: يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء[76].
2- ثمن الجاه والكفالة إنما هو من باب أخذ الأجرة على الواجب:
ممن ذكر هذه الآ لية د. حسن عبد الله الأمين.
كيف استخدمت:
بعدما نقل فضيلته عدة نصوص عن المالكية يقول: للمالكية عدة أقوال عن ثمن الجاه, أحدها بالتحريم مطلقاً, وثانيهما بالكراهة مطلقاً, والثالث فيه تفصيل, فإن احتاج إلى تعب ونفقة وسفر فيجوز أخذ أجر المثل عليه, وإن خلا الأجرة على الواجب[77].
مناقشة هذه الآلية:
بداهة ليس هذا واجباً إلا إذا تعين على شخص بعينه وليس من هذا النوع الضمان المصرفي, إذ لا يتوقف على شخص معين أو حتى مصرف معين دون غيره, فقضية كون الضمان المصرفي من باب الواجب الذي لا يؤخذ عليه أجر غير واردة.
ثم إن قاعدة عدم أخذ الأجرة على الواجب لا نراها مضطرة عند هؤلاء الفقهاء, فقد رأيناهم يجيزون أخذ الأجرة على حفظ الوديعة وإن تعينت على شخص ما وهو من باب الواجب.
أفلا يصح أن يقاس الضمان على فرض أنه واجب على الوديعة الواجبة ويأخذ حكمها في جواز الأجرة عليه؟[78]
6- العوض المالي إنما يستحق في مقابله عمل أو مال وليس الضمان عملاً ولا مالاً فكان أخذه بسببه أكل أموال الناس بالباطل:
وممن استعمل هذه الآلية د. بكر أبو زيد, وذكرها د. نزيه كمال حماد ضمن مناقشاته.
كيف استخدمت:
في بعض حالات الضمان يستوفي المضمون له من المضمون عنه, فيكون الضامن الملتزم بالأداء.
الثاني: إن القول بعدم استحقاق الجعل شرعاً إلا في مقابلة عمل والضمان ليس بعمل, فكان اجعل عليه- إذا أدي المدين دينه للمكفول له وبرئت ذمة الضامن بذلك – سحتاً وأكلاً لمال الناس بالباطل, محل نظر.
وذلك لأن محض الالتزام بالضمان مما يجوز المعاوضة عنه بالمال وأخذ الجعل عليه في نظر كثير من الفقهاء, حيث إنه وإن لم يكن عملاً فهو في حكم العمل بجامع المنفعة المشروعة المتقومة المبذولة في كليهما, وليس في ذلك مخالفة لنص شرعي أو قاعدة مجمع عليها[79].
ومما يؤيد ذلك ما نقل في الموسوعة الفقهية الكويتية[80]: لا يستحق الربح إلا بالمال أو العمل أو الضمان: فهو يستحق بالمال, لأنه نماؤه فيكون لمالكه, ومن هنا استحقه رب المال في ربح المضاربة, وهو يستحق بالعمل حين يكون العمل سببه: كنصيب المضارب في ربح المضاربة اعتباراً بالإجازة, ويستحق بالضمان كما في شركة الوجوه, لقوله صلوات الله وسلامه عليه: >> الخراج بالضمان<< [81] أو >>الغلة بالضمان<< [82] أي: من ضمن شيئاً فله غلته, ولذا ساغ للشخص أن يتقبل العمل من الأعمال كخياطة ثوب ويتعهد بإنجازه لقاء أجر معلوم, ثم يتفق مع أخر على القيام بهذا العمل بأجر أقل من الأجر الأول, ويربح هو فرق ما بينهما حلالاً طيباً لمجرد أنه ضمن العمل دون أن يقوم به, وعسي أن لا يكون له مال أصلاً. فإذا لم يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة التي لا يستحق الربح إلا بواحد منها, لم يكن ثم سبيل إليه.
ب- الآلية المستخدمة للتفرقة بين المغطى وغير المغطى:
التكييف الشرعي لهما:
إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه, فإن كان بدون غطاء فهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مالاً وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم الضمان أو الكفالة, وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي »الوكالة« والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له)[83].
وهذا التكييف قال به د. علي أحمد السالوس, ود. بكر أبو زيد, وأ. يوسف كمال محمد والشيخ حامد بن عبد الله العلي ود. عبد الستار أبو غدة والشيخ محمد علي الزبير, ود. الصديق الضرير, وفتوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السوداني, كذا تقله عنها الشيخ أحمد علي عبد الله, وأما د. حمدي عبد العظيم فعنه نقل عنها عدم الجواز مطلقاً.
مناقشة هذا التكييف:
أولاً: مناقشة تكييف خطاب الضمان على أنه كفالة:
قد تمت مناقشة هذا التكييف في الباب الأول, بما يغني عن إعادته هنا.
ثانياً: مناقشة التفرقة بين المغطى وغير النغطى:
1- معنى هذا – يعني على القول بهذه التفرقة – أنه عندما يدفع للبنك كل قيمة الضمان أو جوءاً منهما, فتبقى عند البنك ويستفيد منها حتى يحل من أجلها, عند ذلك يجوز لهذا البنك أن يأخذ أجراً والحال أنه ليس ثمة خطر عليه في حالة الغطاء الكام وقل خطره في حاله دفع الجزء, وعندما لا يدفع شيئاً فيزداد خطره يحرم من أخذ الأجر.
فلماذا هذه التفرقة غير المنطقية ؟
قيل: لأنه عندما يدفع قيمة الضمان أو جزءاً منها يكون وكيلاً ويجوز الأجر على الوكالة.
ومهما يكون من أمر فإن الوكالة ليست شرطاً في عملية الضمان, فإذا وردت تبعاً ومصاحبة للضمان فيصح أخذ الأجر عليها باعتبارها وكالة منفصلة عن الضمان, ولا يعد أجرها أجراً للضمان, ولكن سيظل الضامن وكيلاً في بعض حالات عقد الضمان وخاصة في خطابات الضمان, لأن دفع الأقساط كثيراً ما يتم عن طريق الجهة الضامنة وهي تقوم بذلك عن طريق الوكالة, عندما يدفع لها المضمون قسطاً كما هو الحال عند دفع القسط مقدماً.
فليس ثمة تفرقة بين الحالين, ففي كليهما يكون البنك- الضامن – وسيطاً يتم من خلاله تنفيذ الالتزام, فإذا جاز الاجر في الأول كان جائزاً في الثاني.
وعليه فلا تفرقة حقيقة بين الصورتين حتى يجوز الأجر في الأولى ولا يجوز في الثانية, بل إن جوازه في الأولى ينافي كل منطق[84].
2- هذا تناقض واضح, وذلك أن من يدفع ما عليه من التزام سلفاً وبكامل القيمة محتملة التحقق يكون عليه أن يدفع فوق ذلك عمولة وأجراً, أما من لا يدفع شيئاً فإن البنك يتبرع له بالضمان مجاناً[85].
3- مع علمنا باستحالة هذا الطلب من الناحية العملية, لأن من يملك المال لا يكون أصلاً بحاجة إلى خطاب الضمان, إلا أن هذا القول واضح في تناقضه – مع كامل الاحترام للعلماء الذين قالوا به – ذلك أن التوكيل بأداء مبلغ معين من النقود يصح أن يكون بناء على دفع مسبق كأن أقول لك: خذ هذه الألف دينار وادفعها إلى فلان. أو أن يكون الأمر مبنياً على وعد بالدفع اللاحق كأن أقول لك: ادفع لفلان مائة دينار وسأدفعها لك فور قيامك بهذا. فأي فرق بين العملين من ناحية التوكيل بالأداء ؟
هل يمكن أن يقول لنا أحد: إن القبض المسبق شرط في التوكيل في الأداء, وإن الوكالة كالتبرع الذي يشترط فيه القبض لأتمامه ؟
إننا لا نظن أحداً يطبق على الوكالة هذا الشرط بلا سند أو دليل[86].
4- عندما نسمح شرعاً بأن تصدر خطابات الضمان المغطاة فقط لأنها هي الوحيدة التي يمكن أن يصدروها, لن يصدر أحد إذا كان يريد الالتزام بالشريعة, فنقول له: إن كان مغطي فلك أخذ أجر وإن لم يكن مغطي فلا أجر لك, معناه يمتنع عن تقديمها بدون تغطية.
هذا يؤدي إلى مفسدة مع أنه لابد من الالتزام به شرعاً, يؤدي إلى مفسدة خفية ولكنها كبيرة, وهو أنه لا يستطيع الدخول في كثير من النشاطات الاقتصادية إلا الأغنياء فقط وكبار الأغنياء, لأن المناقصة التي تكون بخمسين مليون وبمائة مليون, من يستطيع أن يتقدم لها ؟ لا يستطيع أن يتقدم له إلا من تكون ثروته أكبر من ذلك.
فإذا لم نوجد البديل الإسلامي فإن الالتزام بهذا الحكم الشرعي مع عدم إيجاد البديل سيؤدي إلى مفسدة أن يكون المال دولة بين الإغنياء[87].
الرد على من قال بأن هناك تناقضاً في هذه الآلية:
يقول الدكتور أنس الزرقا هناك من يقول: هناك تناقض بين أن نقول إذا كان الضمان مغطى فيجوز أخذ الأجر, وإن لم يكن هناك تغطية فلا يجوز أخذ الأجر فهنا تناقض.
هذا ليس تناقضاً أبداً, ومن الناحية الاقتصادية سهل شرحه:
لأن الأجر ليس واحداً في الحالتين, المعروف اقتصادياً أنه لا يمكن في مجتمع تسير أحواله بدون عمليات احتكارية أن يكون الأجر واحداً في الحالتين, مستحيل هذا.
إذا كان مجتمع تصدر فيه كل خطابات الضمان بتغطية ويؤخذ الأجر عليها حسبما رأي العلماء أنه جائز, هذا الأج سيكون أجراً ضئيلاً, لأنه يغطي ولا يحتاج المصرف أن يغطي إلا النفقات التي تضمن عملياته لتحويل ما قدمه من ضمان إلى مبلغ نقدي.
أما في حالة عدم تغطية (مجتمع آخر) يصدر- على سبيل المقارنة الفكرية -خطابات ضمان بدون تغطية سيكون أجرها أعلى بالضرورة.
فالأجر ليس هو شيئاً واحداً في الحالتين, لذلك لا تناقض أبداً ببين إباحة أخذ الأجر عند التغطية وتحريمه عند عدم التغطية من ناحية الاقتصاد[88].
الفصل الرابع: عدم جواز أخذ الأجر مطلقاً:
وممن قال بهذا:
1- اجتهاد جماعي: هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السوداني[89], وهيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل المصري[90].
2- اجتهاد فردي: الشيخ أحمد البزيع ياسين, والشيخ محمد عطا السيد.
تحليل المنهج الذي اتبعه أصحاب هذا الرأي:
أولاً: الآليات المستخدمة:
ناقش أصحاب هذا الرأي الآلية المستخدمة في جواز أخذ الأجر على الخطاب إذا كان مغطى, وهو ما يظهر في البند الخامس من الفتوى الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري.
كيف استخدمت:
ربما يقال إن خطاب الضمان لو غطي بالكامل فلا خوف حينئذ على أموال البنك, ويمكن لهذا الأخير في هذه الحالة أن يتقاضي عمولة من العميل نظير ما يقوم به من جهد, غير أن هذا القول مردود, لأن خطاب الضمان لو غطي بنقد يودعه العميل لدي البنك فإن هذا الأخير لابد وأن يسلك أحد الطريقين:
أ- فإما أن يستثمر المبلغ المودع لديه غطاء لخطاب الضمان, والاستثمار بطبيعته معرض للكسب كما هو معرض للخسارة, ومن ثم فإن البنك بإقدامه على استثمار هذا المبلغ يعرض الغطاء لاحتمالات الخسارة أو الضرر, والأولى أن يتم الاستثمار في صورة المشاركة.
ب- أو لا يستثمر البنك المبلغ المودع لديه غطاء لخطاب الضمان, وفي حالة عدم الاستثمار تعطيل لتداول المال واستثماره وهذا يمثل ضرراً كذلك, ونفس النتائج تترتب حتى ولو لم يكن الغطاء نقدياً, فإذا كان أوراقاً مالية مثلاً فإن هذه الأوراق بدورها معرضة إما لارتفاع ثمنها أو انخفاضه[91].
وكما هو واضح من مضمون البند المذكور فإن اعتراض هيئة الرقابة على تقاضي العمولة عن خطاب الضمان كامل الغطاء أو المغطى مائة بالمائة يرجع إلى الخوف من احتمالات الخسارة أو تعطيل استثمار الأموال أو الأعيان المقدمة من العميل إلى البنك كغطاء للخطاب, ومن ثم إذا استطاعت البنوك الإسلامية التغلب على هذه المخاطر فإن تقاضي العمولة يكون جائزاً باعتبار العقد بين العميل والبنك عقد وكالة مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد.
ولا يخفى أن اقتراح المشاركة ينطوي هو الآخر على مخاطر الخسارة أو الضرر للطرفين البنك والعميل, بعكس الحال عند التغطية الكاملة حيث يتحمل البنك فقط المخاطرة[92].
مناقشة هذا الرأي:
خطاب الضمان لو غطي بنقد يودعه العميل لدي البنك وسلك العميل أحد الطريقتين المذكورتين فإن هذا جائز شرعاً لا حرج فيه طالما أنه تم بالتراضي بينهما.
الفصل الخامس: في الترجيح:
قد تبين لي بعد عرض الآراء وأدلتها ومناقشتها ترجيح الرأي الأول القائل بجواز أخذ الأجر على خطاب الضمان المصرفي مطلقاً.
وذلك لعدة أمور:
1- قوة أدلته مقارنة بغيره من الآراء.
2- بالنظر إلى طريقة إصدار خطاب الضمان المصرفي وهو الواقع العملي يظهر أن خطاب الضمان عادة يكون مغطى ولو جزئياً, مما يبيح للبنك مصدر الخطاب أن يأخذ أجراً مقابل إصداره على اعتباره أنه -والحال هذه- عقداً جمع بين الكفالة والوكالة, وقد تقرر عند الجميع باستثناء الرأي الرابع- القائل بعدم جواز أخذ الأجر مطلقاً[93]– جواز أخذ الأجر في هذه الحالة.
وبناء على ذلك يكون القول بعدم جواز أخذ الأجر على خطاب الضمان إذا لم يكن مغطى ليس له وجود في الواقع العملي الذي يحدث عند إصدار خطاب الضمان, وإنما هو صورة نادرة[94] تخالف العادة المطردة المتبعة في البنوك.
وقد ورد من القواعد ما يؤيد هذا, منها: النادر لا حكم له, وأن التعاليل إنما تناط بالأعم الأغلب[95], وأن الحكم الغالب حكم المقطوع به في كثير من الصور[96], وأن الحكم إذا علل بعلة غالباً اكتفى بغلبتها عن تتبعها في كل صورة, إعطاء للنادر حكم الغالب[97]. والله تعالى أعلم.
الخاتمة
أ- في عمومات لابد من الإشارة إليها والعمل على تفعيلها:
1- سعة الشريعة الإسلامية الغراء وصلاحيتها لإيجاد الحلول لجميع القضايا والنوازل والمسائل المستحدثة.
2- ضرورة العمل على إثراء روح الاجتهاد الجماعي, خاصة في ظل ما نعيشه اليوم من ثورة الاتصالات.
3- الدعوة على إنشاء مراكز للبحث العلمي تعمل على جمع وتبويب وترتيب وفهرسة الاجتهادات المعاصرة حول المسائل المستحدثة.
4- ضرورة تعميق الأبحاث العلمية حول المسائل المستجدة بالاستعانة بالخبراء المتخصصين كل في مجال تخصصه.
ب- النتائج المستخلصة من البحث:
1- تكييف خطاب الضمان المصرفي على أنه صورة من صور الكفالة.
2- جواز أخذ الأجر في مقابل إصدار خطاب الضمان.
ج- ملاحظات إجمالية على التقارير والأبحاث والمناقشات التي بني عليها هذا البحث:
أولاً: وجود رأي مسبق لبعض الباحثين:
أ- في مناقشة الشيخ عبد اللطيف جناحي بدا واضحاً استقرار رأيه من خلال سرده لقصته مع خطاب الضمان.
ب- في مناقشة الشيخ أحمد البزيع ياسين للدكتور زكريا البري في بحثه ولا ما ذكره في مناقشته.
ج- في تعليق د. أنس الزرقا يصدر كلامه بقوله: في الحقيقة العقبة الكبرى لا شك أبداً أن إباحة أخذ الأجر على الضمان المطلق لا شك أنه فعلاً يفقدنا السند في تحريم الربا. ا هـ.
وهذه مصادرة صريحة للقول بجواز أخذ الأجر على خطاب الضمان بدون ذكر مبررات هذه المصادرة.
و- الشيخ علي العصيمي بدا واضحاً من تعليقه استقرار الرأي عنده مسبقاً.
ثانياً: هناك مناقشات ضعيفة وجهت إلى الرأي المخالف منها ما يلي:
أ- مناقشة د. عبد الستار أبو غدة لقياس أخذ الأجر على الكفالة بما أفتي به العلماء من جواز أخذ الأجر على الواجبات والطاعات.
وقد تولى الدكتور زكريا البري الرد عليه في ذلك.
ب- مناقشة د. الصديق الضرير للدكتور زكريا البري في قياس جواز أخذ الأجر في خطاب الضمان على ما أفتي به المتأخرون زماناً بجواز أخذ الأجر على تحفيظ القرآن وعلى الإمامة.
فقال د. الصديق الضرير: فما اعترض به الأخ الأستاذ زكريا بموضوع الإمامة هو خارج عن الموضوع وقياس مع الفارق. ا هـ.
وبالنظر في كلام د. زكريا البري يتبين أنه قياس صحيح معتبر وأنه من قبيل قياس الأولى, وقد أوضح د. زكريا ذلك في مناقشته.
ثالثاً: مدى صلاحية الآليات المستخدمة للاستدلال:
بالنظر إلى طبيعة الموضوع والآليات المستخدمة فإنها تصلح تماماً للقول بالحل أو بالحرمة باستثناء بعض الآليات الضعيفة ذكرت في ثنايا الأبحاث وقد تعرضت لمناقشتها في أثناء الباب الثاني.
رابعا: يتضح من خلال المناقشات الواردة ضمن الأبحاث والتقارير المقدمة أن بعضها لا يصلح ومنها:
أ- في بحث د. حمدي عبد العظيم أورد الآراء وضمن بعضها كلاماً لا يتعلق بالموضوع محل البحث.
ب- مناقشة الشيخ عبد اللطيف جناحي بعيدة تماماً عن الموضوع وقد تعقبه في ذلك د. مصطفى الزرقا.
ج- في مناقشة الشيخ محمد علي الزبير للدكتور زكريا البري ضعف ظاهر وقد تولي بيانه الدكتور الصديق الضرير.
وكذلك في استغرابه من الدكتور مصطفى الزرقا فيما ذهب غليه آخر الأمر من الرجوع على القول بالجواز وتبريره بالمصلحة.
د- في سؤاله الموجه من الشيخ أحمد البزيع ياسين إلى الدكتور البري يتضح عدم استيعاب الأول لما ذكره الدكتور زكريا.
وكذلك في تخريجه على كلام الدكتور السالوس والدكتور الصديق الضرير يتضح عدم استيعابه للواقع وآليات الموضوع موافقته للشيخ الجناحي وأنه يؤيده تماماً, وقد تقدم معنا هنا في النقطة (ب) ما في كلام الشيخ الجناحي من ضعف وأنه بعيد عن موضوع البحث.
هـ- في مناقشة د. أنس الزرقا يقول: إن كان مغطي فلك أخذ أجر وإن لم يكن مغطي فلا أجر, معناه يمتنع عن تقديمها بدون تغطية, هذا يؤدي إلى مفسدة وهو أنه لا يستطيع الدخول في كثير من النشاطات الاقتصادية إلا الأغنياء فقط وكبار الأغنياء.ا هـ.
لا أدري ما وجه المنع من ذلك شرعاً, ولعل مستنده في ذلك قوله تعالي: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)( الحشر:17) والآية الكريمة لا تساعده على ما فهمه منها.
يقول ابن كثير في تفسيره[98]: أي جعلنا هذه المصارف لمال الفيء كيلا يبقى مأكله يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والآراء ولا يتصرفون منه شيئاً إلى الفقراء.ا هـ.
و- ضعف تعليق الشيخ علي العصيمي وقد تولى فضيلة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور محمد الحبيب بن الخوجه الرد عليه.
ز- في تعليق الشيخ محمد عطا السيد يتضح فيه أنه لابد من التفرقة بين البنوك الربوية والمصارف الإسلامية, بمعنى أنهم إذا كانوا في البنوك الربوية يصدرون خطابات االضمان ويأخذون عليها أجراً فلابد علينا في المصارف الإسلامية أن نخالفهم في هذا ولا نأخذ عليها أجراً, وهذا كلام بعيد تماماً عن الموضوع محل البحث فضلاً عن ضعفه الظاهر.
خامساً: مدي اعتبار المصلحة:
بدا واضحاً في كثير من الأبحاث والمناقشات بعدها تماماً عن مراعاة المصلحة وغابت عن كثير من الباحثين, إلا أن هناك مجموعة من الباحثين كانت المصلحة في بؤرة نقاشهم بل ودللوا بها في مواطن من بحوثهم ومن هؤلاء الباحثين: د. زكريا البري, ود. نزيه كمال حماد, د.مصطفى الزرقا, والشيخ أحمد علي عبد الله.
ومن العجيب أن بعض الباحثين جعلها محوراً لمناقشته واستغرب الاستدلال بها, أذكر منهم: الشيخ محمد علي الزبير, والشيخ عبد الله بن بيه, والشيخ محمد عبده عمر.
المراجع الرئيسية لهذا البحث
أ- خطاب الضمان لكل من أصحاب الفضيلة:
– د. بكر أبو زيد.
– د. حسن عبد الله الأمين.
– د. علي أحمد السالوس.
– د. زكريا البري.
– د. عبد الستار أبو غدة.
– د. الشيخ محمد علي التسخيري.
ب- وثائق مقدمة للمجمع:
– حطاب الضمان لفضيلة د. رفيق المصري.
– خطاب الضمان لفضيلة د. سامي حمود.
دراسة حول جواز أخذ الأجر أو العمولة في مقابل خطاب الضمان لفضيلة الشيخ أحمد علي عبد الله.
– رأي الدكتور حسن عبد الله الأمين حول موضوع خطاب الضمان المطروح في ندوة البركة بتونس.
– ندوة البركة الثالثة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة باستنبول.
– العرض والمناقشات في المجمع.
– القرار رقم (5) بشأن خطاب الضمان.
ج- خطابات الضمان: فتاوى ومقالات وبحوث مؤتمرات:
1- بيت التمويل الكويتي: حكم مصاريف خطاب الضمان.
2- تيجاني عبد القادر: تعليق على مقال نزيه حماد عن مدى جواز أخذ الأجر على الكفالة.
3- حامد بن عبد الله العلي: خطابات الضمان.
4- حسن الجواهري: خطابات الضمان الابتدائية والنهائية في المناقصات.
5- فتاوي البنوك في خطابات الضمان.
6- المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية, أهمية ومزايا خطابات الضمان.
7- مجلس مجمع الفقه الإسلامي: خطاب الضمان أو العمولة البنكية.
8- محمد راتب النابلسي: خطاب الضمان.
9- المؤسسة العربية المصرفية: خطاب الضمان.
10- نزيه كمال حماد: مدى جواز أخذ الأجر على الكفالة في الفقه الإسلامي.
11- وهبة الزحيلي: أجر الكفالة.
12- يوسف كمال محمد: المصرفية الإسلامية.
13- حمدي عبد العظيم: خطاب الضمان في البنوك الإسلامية.
المراجع :
[1] انظر: بحث خطاب الضمان للدكتور بكر أبو زيد
[2] الموسوعة الفقهية الكويتية (34/287، ط. وزارة الأوقاف الكويتية).
[3] الموسوعة الفقهية الكويتية (34/287-288، ط. وزارة الاوقاف الكويتية).
[4] الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرازق السنهوري (10/18-20) بواسطة خطاب الضمان للدكتور علي أحمد السالوس
[5] من تقرير حول ندوة البركة الثانية التي انعقدت بتونس من 11-14 صفر سنة 1405هـ.
[6] كذا علي الصواب، وفي المطبوع من بحث الدكتور عبد الستار أو غدة، ضمن مجلة الفقه الإسلامي بجدة: >> الوكالة <<.
[7] خطاب الضمان، للدكتور عبد الستار أبو غدة.
[8] انظر: بحث الشيخ أحمد علي عبدالله.
[9] المرجع السابق.
[10] انظر: بحث الدكتور زكريا البري.
[11] انظر: مناقشة الشيخ محمد علي الزبير، ضمن المناقشات التيدارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة فى 14/4/1406هـ -26/12/1985م.
[12] ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر علي خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجد في 14/4/1406هـ- – 26/12/1985م.
[13] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وهو ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة في 14/4/1406هـ – 26/12/1985م.
[14] المرجع السابق.
[15] انظر: بحث الدكتور زكريا البري.
[16] انظر: مناقشة الشيخ محمد علي الزبير، ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر علي خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة في 14/4/1406هـ – 26/12/1985م.
[17] أنظر: مناقشات الدكتور- حسن عبدالله الأمين، وما قاله الشيخ عبدالله بن بيه، والدكتور الصديق الضرير، والدكتور عبد الستار أبو غدة، جميعها ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة في 14/4/1406هـ – 26/12/1985م.
[18] انظر: خطاب الضمان لفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة.
[19] انظر: بحث الدكتور زكريا البري.
[20] انظر: بحث الدكتور زكريا البري.
[21] أنظر: بحث مدى جواز أخذ الأجر على الكفالة في الفقه الإسلامي للدكتور نزيه كمال حماد، منشور ضمن مجلة الاقتصاد الإسلامي – المجلد التاسع.
[22] أنظر: دور الحكام (3/422).
[23] أنظر: بحث الدكتور رفيق المصري
[24] انظر: دراسة حول خطابات الضمان للدكتور حسن عبدالله الأمين.
[25] مواهب الجليل (5/113، ط. دار الفكر).
[26] أنظر: جواز أخذ الأجر أو العمولة في مقابلة خطاب الضمان، لفضيلة الشيخ أحمد علي عبدالله.
[27] المرجع السابق.
[28] المرجع السابق.
[29] مناقشة لفضيلة الدكتور الصديق الضرير، ضمن مناقشات التي دارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان-بمجمع الفقه الإسلامي بجدة في 14/4/1406هـ – 26/12/1985م.
[30] مغني المحتاج (4/126، ط. دار الكتب العلمية – بيروت).
[31] دراسة حول خطاب الضمان، للدكتور حسن عبدالله الأمين.
[32] أخرجه أبو داود في سنته ح (3508،3509،3510) وقال عقب الأخير: هذا إسناد ليس بذاك.اهـ. والترمذي في سننه ح (1285،1286) وقال عقب الأول: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم. اهـ. والنسائي في المجتبي ح (4490)، وابن ماجه في سنته (2243)، وأحمد في مسنده ح (23704،25468) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا ً.
[33] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور زكريا البري.
[34] أساسيات العمل المصري الإسلامي: الواقع والآفاق، للدكتور عبدالحميد محمود البعلي، نقله عنه الدكتور حمدي عبدالعظيم في خطاب الضمان في البنوك الإسلامية (ص61) ط. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
[35] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور زكريا البري.
[36] مناقشة لفضيلة الدكتور الصديق الضرير، ضمن مناقشات التي دارت حول اخذ الأجر على خطاب الضمان-بمجمع الفقه الإسلامي بجدة في 14/4/1406هـ – 26/12/1985م.
[37] مناقشة لفضيلة الدكتور مصطفي الزرقا، ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة سالفة الذكر.
[38] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور رفيق المصري.
[39] مناقشة للشيخ محمد علي الزبير، ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة سالفة الذكر.
[40] مناقشة للشيخ عبدالله بن بيه، ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر على خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة سالفة الذكر.
[41] دراسة حول خطاب الضمان للدكتور حسن عبدالله الأمين.
[42] البنك اللاربوي في الإسلام لمحمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات -بيروت 1983م، بواسطة خطاب الضمان في البنوك الإسلامية للدكتور حمد عبدالعظيم (ص58 – 59)، ونقله عنه كذلك الدكتور أحمد علي عبدالله، والشيخ محمد علي التسخيري.
[43] أراء حول خطاب الضمان للشيخ محمد علي التسخيري, وخطاب الضمان في في البنوك الإسلامية للدكتور حمدي عبد العظيم (ص58-59).
[44] المناقشة والرد عليها للشيخ محمد علي التسخيري.
[45] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة.
[46] الدرك- بفتحتين وسكون الراء- لغة: اسم من أدركت الرجل أي لحقته, وقد جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء. أي: من لحاق الشقاء. قال الجوهري: الدرك التبعة. قال أبو سعيد المتولي: سمي ضمان الدرك لالتزامه الغرامة عند إدارك المستحق عين ماله, ويستعمل الفقهاء كذلك هذا الفظ بمعني التبعة أي المطالية والمؤاخذة. وقد عرف الحنفية ضمان الدرك: بأنه التزام تسليم الثمن عند استحقاق المبيع. وعرفه الشافعية بأنه: هو أن يضمن شخص لأحد العاقدين ما بذله للآخر إن خرج مقابله مستحقاً أو معيناً أو ناقصاً لنقص الصنحة , سواء أكان الثمن معيناً أو في الذمة . ولا يخرج تعريف الفقهاء الآخرين لضمان الدرك عما قاله الحنفية والشافعية في تعريفه. ويعبر عنه الحنابلة بضماان العهدة, كما يعبر عنه الحنفية في الغالب بالكفالة بالدرك. وضمان الدرك جائز عند جمهور الفقهاء, ومنع بعض الشافعية ضمان الدرك لكونه ضمان ما لم يجب.( الموسوعة الفقهية الكويتية 28/311).
[47] خطاب الضمان للدكتور علي أحمد السالوس.
[48] من تعليق للأستاذ تجاني عبد القادر علي مقال الدكتور نزيه كمال حماد >> مدي جواز أخذ الأجر علي الكفالة في الفقه الإسلامي <<.
[49] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور رفيق المصري.
[50] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور رفيق المصري.
[51] لهذه الفقرات الأربع انظر: دراسة حول خطاب الضمان للدكتور حسن عبد الله الأمين.
[52] خطاب الضمان لفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة.
[53] جواز أخذ الأجر أو العمولة في مقبل خطاب الضمان للشيخ أحمد علي عبد الله.
[54] مدى جواز أخذ الأجر علي الكفالة في الفقه الإسلامي, للدكتور نزيه كمال حماد.
[55] المرجع السابق.
[56] المرجع السابق.
[57] يجدر الرجوع إلي هذا التخريج ضمن الرأى الأول.
[58] د. نزيه كمال حماد, مرجع سابق.
[59] د. نزيه كمال حماد, مرجع سابق.
[60] من تقرير ندوة البركة الثانية التي انقعدت بتونس من 11 إلي 14 صفر سنة 1405 هـ.
[61] المرجع السابق.
[62] د. حسن عبد الله الأمين ووافقه عليه د. نزيه كمال حماد, وتقرير ندوة البركة الثانية, كلاهما بألفاظ وعبارات مختلفة.
[63] من تعليق الأستاذ تجاني عبد القادر علي مقال الدكتور نزيه كمال حماد.
[64] أخرجه ابن ماجه في سننه ح( 2405), وأحمد في مسنده ح(21791) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً.
[65] خطاب الضمان للدكتور علي أحمد السالوس.
[66] علي أحمد سالوس, وأما غيره ممن قال هذا القول فلم يحكه إجماعاً.
[67] خطاب الضمان للدكتور زكريا البري.
[68] قياس العكس: هو إثبات نقيض الحكم في غيره لافتراقتهما في علة الحكم. (البحر المحيط 7/60, ط. دار الكتبي, شرح الكوكب المنير, ص589ط. السنة المحمدية, شرح المحلي علي جمع الجوامع مع حاشية العطار 2/ 383,ط . دار الكتب العلمية).
ومن مسالك العلة الطرد: وهو مقارنة الحكم للوصف من غير مناسبة. كقول بعضهم في الخل: مائع لا تبني القنطرة علي جنسه فلا تزال به النجاسة كالدهن, أي خلاف الماء فتبني القنطرة علي جنسه فتزال النجاسة, فبناء القنطرة وعدمه لا مناسبة فيه للحكم أصلاً, وإن كان مطرداً لا نقض عليه, والأكثر من العلماء علي رده, لانتفاء المناسبة عنه. (شرح المحلي علي الجمع 2/336 مرجع سابق(.
[69] الشيخ أحمد علي عبد الله في حثه.
[70] انظر: بحثي الدكتور نزيه كمال حماد والشيخ أحمد علي عبد الله.
[71] من بحث الدكتور نزيه كمال حماد.
[72] المرجع السابق.
[73] خطاب الضمان للدكتور بكر أبو زيد.
[74] د. نزيه حماد في مرجع سابق, وانظر: كذلك بحث د. حسن عبد الله الأمين.
[75] ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر علي خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدة في 14/4/1406هـ-26/12/1985م.
[76] المنثور في القواعد للزركشي (3/374.ط. وزارة الأوقاف الكويتية), والأشباه والنظائر للسيوطي (ص186, ط. مصطفي البابي الحلبي).
[77] دراسة حول خطابات الضمان للدكتور حسن عبد الله الأمين.
[78] المرجع السابق.
[79] من بحث الدكتور نزيه كمال حماد.
[80] (26/60) , وانظر: كذلك: درر الحكام (3/363) , وبدائع الصنائع (6/63, ط. دار الكتب العلمية), وفتح القدير _6/190,ط. دار الفكر), وحاشية الطحاوي علي الدر المختار (2/523, ط. دار المعرفة).
[81] تقدم تخريجه.
[82] أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده ح( 23993, 24326, 24748) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً
[83] قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 إلي 16 ربيع الآخر سنة 1406هـ / 22- 28 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1985م.
[84] من بحث الشيخ أحمد علي عبد الله.
[85] من تقرير ندوة البركة الثانية بتونس من 11 إلي 14 صفر سنة 1405هـ.
[86] المرجع السابق.
[87] مناقشة للدكتور أنس الزرقاء ضمن المناقشات التي دارت حول أخذ الأجر علي خطاب الضمان بمجمع الفقه الإسلامي بجدو من 14/4/1406هـ – 26/12/1985م.
[88] المرجع السابق.
[89] هكذا حكاه عنهم د. حمدي عبد العظيم, وخالفه في ذلك الشيخ أحمد علي عبد الله حيث جعلهم ضمن من قال بالرأي الثالث هنا.
[90] حكاه عنهم د. حمدي عبد العظيم.
[91] مركز الاقتصاد الإسلامي بالمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية – دليل الفتاوي الشرعية في الأعمال المصرفية – سلسلة نحو وعي اقتصادي إسلامي ص 91- 92, نقلاً عن خطاب الضمان في البونك الإسلامية للدكتور حمدي عبد العظيم ص60.
[92] خطاب الضمان في البنوك الإسلامية للدكتور حمدي عبد العظيم (ص60).
[93] هذا الرأي يعتبر أضعف الآراء علي الإطلاق, يتضح هذا من أدلته وما نوقشت به.
[94] خطاب الضمان بدون غطاء لا يمنح إلا في حالات نادرة, راجع: محاسبة البنوك للدكتور محمد لطفي حسونة والدكتور ممدوح عبد الحميد (ص18, طبعة خاصة بكلية التجارة جامعة عين شمس).
[95] نهاية المحتاج (3/480, ط. دار الفكر).
[96] كشاف القناع (5/357. ط. دار الكتب العلمية).
[97] شرح ميارة (1/280. ط. دار المعرفة).
[98] (4/336 ط. دار التراث).