المقدمة:
أرجو أن يكون هذا البحث في موضوع الردة وحرية الاعتقاد – بعد ما بذل فيه من جهدٍ لا يعلمه حقَّ علمِه إلا الله- (كلمةً سواءً) يجتمعُ عليها – أو يتحلقُ حولها أو يحترم ما وصلت إليه من رأي- المختلفون في أمر الردة والعقاب عليها.. بل إني لأرجو فوق ذلك أن يكون (كلمةَ الختام الحاسمة) – وإنْ (غير النهائية)؛ لكونها صادرةً عن اجتهاد- في الجدل الدائر حول موضوع الردة؛ حسماً له – نوعاً ما- أو بالأقل تخفيفاً للاستقطاب الحاد حوله – بدرجةٍ ما-.. خاصةً بعد أن تراشقتْ أطرافه بتهم (الجمود) و(التسيب)، و(الرجعية) و(الكفر)، و(التخلف) و(سوء النية)، و(الإساءة للإسلام) و(الكيد له)، إلى غير ذلك من (التهم الجاهزة المُعلَّبة).. وضاقتْ بالحياد فيه الأرض بما رحبت، فالكل براء، والكل متهم.. وأعجزَ داءٌ الأمة الدواء، فحضر الشهود إلا شاهد العقل، واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصاف؛ إيغالاً في الابتعاد عن عقلنة جدالنا، وتنظيم اختلافاتنا، وترتيب درجات سلم أولوياتنا، وتحسين نياتنا وإراداتنا، على الرغم من أن قصدنا جميعاً طاعة الله ورسوله، وغايتنا المطلوبة واحدة – وهي محاولة الوصول إلى حكم الله-، وطريقتنا المسلوكة واحدة – وهي الاعتماد على الكتاب والسنة ومقرراتهما-.
قبل أن نبدأ:(1)
إن الردة التي يتعين البحث في حكمها هي (الردة المحضة)؛ أي مجردُ الخروج من الإسلام، سواء كان ذلك بالتحول إلى غيره من الأديان، أو بالخروج منه إلى غير دين.. أو – بتعبيرٍ أكثرِ دقة- مجردُ الرجوع عن الإسلام صراحةً والتخلي عنه بعد الدخول فيه.
أما الخروج على الإسلام – سواءٌ باللحاق بأعدائه أو أعداء أمته، أو بالتشنيع عليه والكيد له أو لأمته، أو بمحاولةِ تحويل عوام المسلمين عن دينهم من غير طريق المبارزة الفكرية والإقناع والاقتناع العقلي وإنما عن طريق التغرير بهم أو التلبيس والتدليس عليهم؛ باستغلال جهلهم أو حاجتهم وفاقتهم وسوء أوضاعهم (أي: بالتغرير بعوام المسلمين وإغرائهم على الخروج منه بوسائل غير مشروعة)- فليس من طبيعة الردة، ولا هو من لوازمها الحتمية.. ومن ثم، يتعين الوعيُ بالفرق بينهما والتنبهُ إليه.. مع تأكيدي على أن (الخارج على الإسلام) يستوجب إنـزال العقاب به قطعاً؛ لما يمثله من خطر على (مقومات الاجتماع الديني وأصول الإسلام)، وعلى (أصول المجتمع)، وعلى (الأمن العام)؛ إذ هو (محارب) – سواء كانت الحرابة (فكريةً معنوية) أو (حربية مادية)- لا (محاور) ولا (مسالم) – على ما سيأتي توضيحه وتفصيله إن شاء الله-.
وأكرر ثانيةً وبطريقة أكثر وضوحاً وحسماً وتحديداً: أن قضية البحث الأساسية – والتي يجب أن يتعرض لها كل باحثٍ في موضوع الردة والمرتدين في ضوء نصوص الإسلام ومقاصده- هي (الردة المحضة)؛ بمعنى تغيير الإنسان عقيدته، وما بُني عليها من فكر وتصور وسلوك، ولم يقرن فعله هذا بالخروج على الجماعة أو نُظُمِها، أو إمامتها وقيادتها الشرعية، ولم يقطع الطريق، ولم يرفع السلاح في وجه الجماعة، ولم ينضم إلى أعدائها بأي صفة أو شكل، ولم يقم بخيانة الجماعة.. إنما كل ما كان منه: تغيير في موقفه العقدي، نَجَمَ عن شُبَهٍ وعواملَ شكٍّ في جملة عقيدته أو في بعض أركانها، ولم يقو على دفع ذلك عن قلبه، واستسلم لتلك الشبهات، وانقاد لتأثيرها؛ تاركاً الإسلام ومعلناً موقفه الجديد.
ولنبدأ باسم الله وعلى بركة الله:
أولاً:(2)
1- المقدمة الصحيحة التي ينبغي أن ينطلق منها أي بحث في موضوع الردة هي قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة: 256](3).. إذ الآية – وكذلك أخواتها من المذكورات في الهامش- تقرر قضيةً كلية قاطعة، وحقيقة جلية ساطعة، وهي أن الدين لا يكون – ولا يمكن أن يكون ـ بالإكراه(4)؛ إذ قد جيء بنفي الجنس “لا إكراه” لقصد العموم نصاً، وهذا دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه.. فالدين: إيمان واعتقاد يتقبله عقل الإنسان وينشرح له قلبه، وهو التزام وعمل إرادي، والإكراه – بأي شكلٍ وتحتَ أي مسمى كان- ينقض كل هذا ويتناقض معه.
لقد ورد نفي الإكراه في الآية مطلقاً، ولم يقيَّد بمن يراد إدخاله ابتداءً في الإسلام، فوجب أن يدخل فيه المرتد أيضاً؛ لأن المعنى الذي أوجب نفي الإكراه عمن يراد إدخاله في الإسلام ابتداءً: موجودٌ فيمن يراد إبقاؤه أو إعادته بعد ارتداده.
ولقد وقعت كلمة “إكراه” نكرةً في سياق النفيِ، والنفيُ إذا دخل على النكرة أفاد العموم والشمول؛ فوجب نفي كل إكراه في الدين، ووجب أن يدخل فيه إكراه المرتد على الإسلام؛ لأنه من الإكراه في الدين قطعاً(5)، فلا يصح أن يُكرَهَ عليه بمنطوق هذه الآية أصلاً.
2- والدين والإكراه لا يمكن اجتماعهما، فمتى ثبت الإكراه بطل الدين.. الإكراه لا ينتج ديناً، وإنما ينتج نفاقاً وكذباً وخداعاً، وهي كلها صفات باطلة وممقوتة في الشرع، ولا يترتب عليها إلا الخزي في الدنيا والآخرة.
وكما أن الإكراه لا ينشئ ديناً ولا إيماناً، فإنه كذلك لا ينشئ كفراً ولا ردةً، فالمكرَه على الكفر ليس بكافر، والمكره على الردة ليس بمرتد، وكذلك فالمكره على الإيمان ليس بمؤمن، والمكره على الإسلام ليس بمسلم.. ولن يكون أحد مؤمناً مسلماً إلا بالرضا الحقيقي؛ رضيتُ بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً.
وإذا كان الإكراه باطلاً حتى في التصرفات والمعاملات والحقوق المادية والدنيوية، حيث إنه لا ينشئ زواجاً ولا طلاقاً، ولا بيعاً، ولا بيعةً، فكيف يمكنه أن ينشئ ديناً وعقيدةً وإيماناً وإسلاماً؟!.. إن الدين هدايةٌ اختيارية للناس، تُعرَض عليهم مؤيَّدةً بالآيات والبينات.. ورسل الله لم يُبعَثوا جبارين ولا مسيطرين، وإنما بُعثوا مبشرين ومنذرين.
3/1- إن “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” هي (إخبار في معنى النهي)؛ فقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ) (جملة خبرية) تحكي عن الواقع التكويني الذي يُثبت عدم إمكانية أن يُكره أحدُ ما أحداً آخر على الاعتقاد بدين ما؛ لأن الإيمان مسألة قناعةٍ غير قابلة للإكراه.. وفي الوقت نفسه فإنها تتضمّن (حكماً شرعياً ينهَى عن الإكراه) في مسألة الاعتقاد الديني(6).
إن “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” هي خبر قبل أن تكون حكماً، أو إن شئت قلتَ: هي حكم معلل بالواقع؛ فالاعتقاد – لكونه اختياراً حراً- يستعصي على الإجبار، ومتى تبين الرشد من الغي، فكل امرئ وما يختار.
أرأيت شعيباً (عليه السلام) وقومه: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) [الأعراف: 88].. فهذا شعيب يسفه قومه؛ لأنهم يريدون إكراهه هو ومن معه على الخروج من دينه والعودة في ملتهم، ودليله على سفههم أنهم يظنون الإكراه سبيلاً للإيمان.
أرأيت نوحاً (عليه السلام) وقومه: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) [هود: 28].. فهذا نوح يدرك حقيقة الدين وطبيعته، فيستبعد إكراه المخالف على الدخول في دينه.
3/2- ونلاحظ في الآيتين السابقتين كلتيهما أنهما ختمتا باستفهامٍ استنكاري؛ للدلالة على سخف المخاطب الذي يتجاهل الطبيعة البشرية ويتعامى عن المسلمات.
كما نلاحظ أن كلاً من النبيين الكريمين قد دلل على فساد منطق قومه بالتعجب من أن يكون الإكراه عندهم سبيلاً لحمل إنسان على ترك دين آمن به، أو فكرة اقتنع بها، بغض النظر عن صحة ذلك أو فساده؛ لأن الإكراه ليس من شأنه أن يكون وسيلة لتحقيق هذا الغرض.
4- إذن، فقضية “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” هي قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان وآخره، سارية على المشرك والكتابي، سارية على الرجال والنساء، سارية قبل دخول الإسلام، وبعده، أي سارية في الابتداء وفي الإبقاء، فالدين لا يكون بالإكراه ابتداءً، كما لا يكون بالإكراه إبقاءً.. وكما لا يجوز الإكراه على الدين في الابتداء – لأن الإسلام الذي يحصل به فاسد قطعاً.. ولا يُنجِي صاحبه من عقاب الله في الآخرة.. وأنى للإسلام أن يستفيد من هذا الإيمان المغشوش الذي لا يُخلص به صاحبه للجماعة؛ إذ يعيش بينها، بحكم ما نـزل به من إكراه وقهر، عضواً فاسداً يضر ولا ينفع، ولا يشتغل إلا بالتجسس عليها لحساب أعدائها؛ فيكون في باطن أمره وحقيقته: علينا لا معنا؟! – فكذلك لا يجوز الإكراه على الدين في الإبقاء – لذات العلة-.
5- ولو كان للإكراه أن يتدخل في الدين ويُدخل الناس فيه، أو يبقيهم عليه، لكان هو الإكراه الصادر عن الله عز وجل، فهو سبحانه وحده القادر على الإكراه الحقيقي والمُجْدي، الذي يجعل الكافر مؤمناً والمشرك موحداً والكتابي مسلماً، ويجعل جميع الناس مؤمنين مسلمين، ولكنه سبحانه ـ بحكمته ـ أبى ذلك ولم يفعله: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99]، (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام: 149]، (وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) [الأنعام: 107].
فحكمة الله التي لم تأخذ بالإكراه في الدين، حتى في صورة كونه ممكناً ومجدياً وهادياً، لا يمكن أن تقره حيث لا ينتج سوى الكذب والنفاق وكراهية الإسلام وأهله.
الإكراه سوس ينخر في العقائد؛ إذ القهر على الاقتناع بمبدأ يدفع البشر إلى النفاق؛ لذلك ترك الله أمر الإيمان للإنسان دون إكراه منه تعالى ولا إجبار؛ حتى يذهب الإنسان إلى الإيمان بـ (قلبٍ عاشقٍ)؛ لأن الله تعالى لا يريد (أعناق عبيد) وإنما يريد (قلوب عباد)(7).
6/1- ومن ثم، فآية (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) غير منسوخة وغير قابلة للنسخ، وغير مخصصة وغير قابلة للتخصيص؛ إذ الإيمان بالدين: (تصديق بالقلب) يبلغ مرتبة اليقين بعد مروره بمرحلة (الاقتناع العقلي).. و(التصديق القلبي) – و(الاقتناع العقلي)- لا سبيل مطلقاً لتحقيقهما بالإكراه، ولذلك لا يمكن أن يكون الإيمان – ابتداءً أو بقاءً- ثمرة للإكراه بأي حال من الأحوال.. ولهذه الحقيقة التي تنفي إمكانية الإيمان بالإكراه، كان التعبير القرآني “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”؛ وهو تعبير يحمل في أحشائه (نهياً) و(نفياً)؛ (النهي) عن إكراه الإنسان على الإيمان، و(النفي) لإمكانية حصول الإيمان عن طريق الإكراه؛ سواءٌ تعلق هذا الإكراه بالآخر حتى يسلم، أو بالمسلم حتى يستمر على إسلامه.
6/2- “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” لأنه “قد تبين الرشد (أي: طريق الحق والفلاح والنجاة) من الغي (أي: طريق الباطل والخسران والهلاك)”: تعليل رباني بديع غير قابل – على الإطلاق- للإبطال أو المعارضة بدعوى نسخ أو تخصيص أو تقييد؛ لأنه تعليل عقلي منطقي قطعي يزيد جملة “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” إحكاماً على إحكام، وقطعية على قطعية.
ثانياً:
1- عن القلوب والصدور ينبثق الإيمان، لا عن النطع والسياف؛ إذ القلوب هي أداة تلقيه واستقباله، وهي مستقره ومستودعه: تدبر إن شئتَ قول الله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل: 106].. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].. (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ… لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة: 41].. (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا… فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) [الأنعام: 25، 125].
2- من اهتدى فلنفسه، ومن ضل فعليها: تأمل إن شئتَ قول الحق جل في علاه: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) [الأنعام: 104].. (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) [يونس: 108].. (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) [الإسراء: 15].. (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ) [النمل 91- 92].
3- من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ومن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً؛ إذ كل نفس بما كسبت رهينة: تَفكر إن شئتَ في قول ربنا العزيز القدوس: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29].. (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) [المزمل: 19 والإنسان: 29].. (نَذِيراً لِّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر: 36- 38].. (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ) [المدثر: 54- 55، عبس: 11- 12].. (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) [النبأ: 39].. (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) [التكوير: 27- 28].
4- الاختلاف قضاء الله الذي لا يُرد: تَفكر إن شئتَ في قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 93].. (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: 253].. (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة: 48، 105].. (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس: 19].. (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود: 118- 119].. (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) [الشورى: 8].
5- إنما يحكم الله بين المختلفين يوم القيامة؛ إذ الدنيا ليست دار فصل ولا عقاب: انظر إن شئتَ في قول الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113].. (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الأنعام: 57- 58].. (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ.. وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [الحج: 67- 69].. (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الزمر: 46].. (وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [لقمان: 23].. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [السجدة: 25].. (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.. وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ.. اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى: 10، 14- 15].. (إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: 23- 26].
6- الرسولصلى الله عليه وسلم مبلغ وبشير ونذير، لا مسيطر ولا جبار ولا مُكرِه: تذكر إن شئتَ قول الله جل في علاه: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) [البقرة: 272].. (ما على الرسول إلا البلاغ) [المائدة: 99].. (وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ.. وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ.. إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ.. وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) [الأنعام: 35، 48، 57، 66].. (وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ.. وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ.. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) [يونس: 41، 99، 108].. (إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ) [هود: 12].. (إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ.. فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [النحل: 37، 82].. (وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً) [الإسراء: 105].. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّراً وَنَذِيراً قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) [الفرقان: 56- 57].. (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) [الكهف: 56].. (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ) [النمل: 92].. (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) [القصص: 56].. (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ) [الشورى: 48].. (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) [ق: 45].. (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية: 21- 22].. (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) [الأنعام: 107].
7- الإعراض عن الجاهلين، ويدخل تحت مصطلح “الجاهلين”: المنافقون.. وغير المسلمين المعاندون.. ومن على شاكلتهم ممن يمكن أن يقاس عليهم كالمرتدين، هو الموقف الأمثل تجاههم، لا عقابهم وإكراههم: تدبر إن شئتَ قول الحق جل وعلا: (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ.. خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 198- 199].. (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [النجم: 29].. (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [النساء: 63].. (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: 106].. (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر: 94].. (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [السجدة: 29- 30].
8- “فإذا كان الإيمانُ هدايةً.. وإذا كانت القلوبُ هي مستقبلاته ومستودعاته.. وإذا كان الاختلافُ قضاءً.. وإذا كان من يؤمن فإنما يؤمن لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها”.. وإذا كان من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. وإذا كان من شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً؛ إذ كل نفس بما كسبت رهينة.. “وإذا كان الرسولصلى الله عليه وسلم ليس إلا مبلغاً ومبشراً ونذيراً.. وإذا كان الإعراض عن الجاهلين هو الموقف الأمثل تجاههم”(8).. فإن هذا يقتضي بداهةً: إبعادَ كل صور الإكراه والقسر، ويقضي حتماً بأنه: لا إكراه في الدين ابتداءً ولا إبقاءً، بإطلاق لا يحتمل التقييد، وتعميم لا يحتمل التخصيص.. (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: 256].. (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99].. (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية: 21- 22].
ثالثاً:(9)
إن فكرة الردة على عهد النبيصلى الله عليه وسلم وعهد صدر الإسلام – أي فكرة الردة في (الواقع العملي يومئذ)- كانت مقترنةً – اقتراناً ميكانيكياً- بعداوة الإسلام وحربه؛ فمن آمن بالإسلام كان يعمل لنصرته، ومن ارتد عنه كان يعمل على حربه ويلحق بالمشركين:
أ- عن ابن عباس t قال: “أسري بالنبيصلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم. فقال ناس: نحن نصدق محمداً بما يقول؟! فارتدوا كفاراً، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل (أي أنهم قاتلوا في بدر في صفوف المشركين ضد النبي والمسلمين؛ فقُتل منهم من قُتل)..”(10).
ب- وعن ابن عباس t أنه قال: “كان رجل من الأنصار، أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك (أي: لحق بأرض المشكرين وانضم إليهم)، ثم تندم، فأرسل إلى قومه (أي أنه قد ترك أرض المسلمين؛ أرضَ قومه – الذين هم: الأنصار؛ كما جاء في أول الحديث- ولحق بأرضٍ وقومٍ آخرين.. فهو قد “أرسل إلى قومه”.. وهذا يعني أنه قد تركهم بالكلية، فلما احتاج إليهم أرسل إليهم) -: سلوا رسول اللهصلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى النبيصلى الله عليه وسلم فقالوا: إن فلاناً قد ندم، وإنه أمرنا أن نسألك: هل له من توبة؟ فنـزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 86: 89]. فأرسل إليه فأسلم”(11).
ج- وعن أنس t أنه قال: “كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ [كان نصرانياً فأسلم]، وقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم. [فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له] فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْل الْكِتَابِ، فَرَفَعُوه (أي: رفعوا من قدره وأعلوا من شأنه؛ لارتداده عن الإسلام وعودته للنصرانية) وَقَالُوا هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، وَأُعْجِبُوا بِهِ. فأماته الله، فدفنوه. فَأَصْبَحَ وقد لفظته الأَرْض (أي: طرحته ورمته). [فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه؛ نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه]. ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ [فأعمقوا في الأرض ما استطاعوا]، فأصْبَحَ وقد لفظته الأرض. ثم عَادُوا فَحَفَرُوا له فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَ وقد لفظته الأرض، [فعلموا أنه ليس من الناس (أي: ليس من فعل محمد وأصحابه)]، فتَرَكُوه منبوذاً”(12).
د- قال علي بن أبي طالب t: بعثني رسول اللهصلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: “انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها”. قال: فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا، لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا رسول اللهصلى الله عليه وسلم فإذا فيه: مِن حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول اللهصلى الله عليه وسلم. فقال: رسول اللهصلى الله عليه وسلم: “يا حاطب، ما هذا؟” قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرءاً ملصقا في قريش؛ كنت حليفاً، ولم أكن من أنفسها، وكان مَن معك من المهاجرين، مَن لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام (وهذا يعني، كما هو واضح بلا خفاء ولا لبس، لكل ذي لب: أن محاربة المسلمين وخيانتهم، على عهد رسول الإسلام وعهد صحابته الكرام، لازم من لوازم الارتداد عن الإسلام بعد الإيمان به؛ وإلا ما سارع حاطب t بنفي ذلك عن نفسه. فالارتداد عن الإسلام في ذلك العهد كان مقترناً “اقتراناً ميكانيكياً” بعداوة المسلمين ومحاربتهم وخيانتهم كما سبقت الإشارة). فقال: رسول اللهصلى الله عليه وسلم: “أما إنه قد صدقكم”. فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقالصلى الله عليه وسلم: “إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”. فأنـزل الله السورة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ – إلى قوله – فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)(13).
إذن، الردة وقتئذ كانت هي (التعبير) عن (التحول الشامل) لدى المرتد عن الولاء للأمة الإسلامية، والقبول بنظامها، واحترام شرائعها، والانتماء إليها ثقافياً وحضارياً، والخضوع لقوانينها ونظمها؛ فتأتي ردته بمثابة (الإعلان) عن (القطيعة التامة) مع كل ما يقوم عليه كيان الأمة.. ففكرة الارتداد كنوعٍ من ممارسة حرية العقيدة لم تكن واردةً وقتئذ.. إن المرتد على عهد النبيصلى الله عليه وسلم – أي في الواقع العملي- لم يكن يلزم بيته أو يحرص على سلامة مجتمعه، بل كان ينضم إلى أعداء الإسلام – أو ينتهز الفرصة لينضم إليهم- يقاتل معهم؛ فكان أمر النبيصلى الله عليه وسلم بقتل المرتد على قتاله مع الأعداء – إذ الردة مقترنة بالحرب والقتال يومئذ- لا على ردته عن الإسلام(14).. فالعقوبة هي على (الخيانة العظمى) لا على (مجرد الارتداد).. ومن ثم، وجب علينا أن نُقصِر إنـزال العقوبة – بعد إحاطتنا بملابسات فرضها(15) – على المرتد المحارب أو الخائن للبلاد والعباد – على التفصيل السابق والآتي-.
رابعاً:
إن الإسلام يذم النفاق أشد الذم، ويحذر من المنافقين أشد التحذير، فكيف يصح لنا أن نصنع بأيدينا، وأن نقيم بين أظهرنا فئة من المنافقين؛ خرج الإسلام من قلوبهم، وأخرس السيف – أو العقاب- ألسنتهم، فيغم علينا أمرهم بعد ذلك، فنحسبهم معنا، وهم – في حقيقتهم- يدٌ علينا، يضمرون للإسلام الشر، ويتربصون به الدوائر؟!! هذا بالضبط هو ما يؤدي إليه تقرير العقاب على المرتد لمجرد ردته.. وحكمة الله في التشريع تتنـزه عن ذلك العبث قطعاً(16).
خامساً:(17)
1- قد يقول قائل: إذا تقرر أن آية “لا إكراه في الدين” محكمة غير منسوخة، وعامة غير مخصوصة، وإذا كان هذا واضحاً وصريحاً بلفظ الآية ومنطوقها، وبألفاظ ومنطوق ومقاصد عشرات الآيات القرآنية الأخرى، وإذا تقرر ما ذكرتَه من فقه الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً، فلماذا كان للردة حد – كما يُدَّعى في الرأي المشهور-، وهذا – كما لا يخفى- إكراه على البقاء في الإسلام، وهو خلاف ما ثبت من إحكام مبدأ “لا إكراه في الدين”؟!
2/1- والجواب ينطلق من التذكير ببعض (القواعد المنهجية) و(الكليات الأساسية) و(الثوابت الشرعية والعقلية):
1- إن الكليات القطعيات لا نسخ فيها(18).
2- إن الكليات المحْكمات هن أُم الكتاب وأُس الشريعة، وهي حاكمة على الجزئيات ومقدَّمة عليها؛ أي أنه يجب فهم الجزئي في إطار الكلي.
3- إن الكليات القطعيات لا تقيد ولا تخصص؛ وإلا لانتفت عنها صفة القطعية(19).. وإذا ثبت أمر كلي قطعي فلا تؤثر فيه معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال ولا ما شابه ذلك؛ لأن القاعدة الكلية تستند إلى أدلة قطعية غير محتملة، بينما القضايا الجزئية المتعارضة معها ترِد عليها الاحتمالات والتأويلات – وأحياناً الشكوك-.
4- الإيمان عبارة عن إذعان النفس، ويستحيل أن يكون الإيمان بالإكراه – كما أوضحنا سابقاً-، وإنما يكون بالبيان والبرهان.
5- لقد أكد القرآن اختصاص الباري وحده، في الآخرة، بحساب من يكون على خلاف عقيدة الإسلام: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [المؤمنون: 117].
6- لقد بيّن الله سبحانه أن شأن العقائد أن لا تخضع للإكراه من أي نوع كان، حتى ذلك الذي يأتي من زاوية الحرص على المدعو والرغبة في إنقاذه: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].
2/2- ونحن نعلم – كما أثبتنا وسنثبت- أن قاعدة “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” قطعية الثبوت والدلالة، فضلاً عن كليتها وعموم صيغتها.. كما نعلم بالعقل والتجربة أن الإكراه على الدين لا يجدي نفعاً ولا ينتج إلا ضرراً.
فإذا علمنا هذا وتمسكنا به ولم نحِد عنه، كان بإمكاننا أن نتعامل بشكل سليم مع الأخبار والآثار التي تفيد – في الرأي المشهور- قتل المرتد عن الإسلام، إذا لم يتب ويرجع عن ردته.
إن القول بأن القتل يكون للردة وحدها – لا لشيء معها أو سواها- يتنافى تنافياً واضحاً مع قاعدة “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” – إذ قتل مَن أبوا الرجوع إلى الإسلام إكراه له عليه- فتعين رد هذا الفهم وعدم التسليم به.. ومن ثم، وجب – إحساناً للتلقي والفهمِ عن الله ورسوله، وبناءً على جميع ما سبق وما سيأتي- أن تُفهَم الأخبار والآثار الدالة على قتل المرتد على أنها:
متعلقةٌ بما يقترن عادة مع الردة من الأفعال (الموجبة للعقوبة) و(الدالة على مفارقة الجماعة).
صحيح أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: “من بدل دينه فاقتلوه”(20).. ولكنْ صحيحٌ أيضاً أنه قال: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة”(21)..
وبالجمع بين هذين الحديثين – وجمع الأدلة، وحمل المطلق منها على المقيد، هو من عمل الراسخين في العلم- يظهر واضحاً أن (المبدل لدينه المستوجب للقتل) هو (التارك لدينه المفارق لجماعة المسلمين)..
و(مفارقة الجماعة) – وهي إضافة من رسول اللهصلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تكون دون فائدة أو أثر في موجب الحكم- تعني التمرد والعصيان والمحاربة – مادياً أو أدبياً- وربما الانضمام إلى العدو المحارب.. فالمفارقة أعمال ظاهرة تسعى لهدم مقومات حياة المسلمين(22)..
ومن ثم، فقتل المرتد – أو عقابه- حكم مختص بمن فاصل جماعة المسلمين، وفارقهم، وأتى بأقوال أو أفعال بقصد السعي في هدم المجتمع المسلم، وتقويض أركانه، والعمل بكل طريق على هدم مقوماته..
فقتل المرتد هنا ليس مبنياً على ما اعتنقه من اعتقاد جديد، وإنما هو مختص بأفعال إجرامية – مادية أو أدبية- تعمل بقصد هدم المجتمع المسلم، مما يدخل صاحبها في مفهوم (الخيانة العظمى) للدين والوطن(23).. فمناط العقوبة في الردة ليس هو (الخروج من الإسلام)، ولا هو (محض النقض الشخصي للعلاقة الإيمانية بين العبد وربه)، وإنما مناطها هو (الخروج على الإسلام) – أي: قصدُ الإساءةِ إليه أو المساسِ بمقامه؛ بالسب أو القذف أو الاستهزاء- و(اقتران الردة بمناهضة فعلية أو قولية) يخشى معها النيل من الأمة الإسلامية أو من مقومات مجتمعها أو من نظام دولتها الممثل والمشخص لها.. مما يُلحِق ضرراً ما أتت العقوبة إلا لدرئه.. فالعقوبة ليست على (مجرد الردة)، وإنما هي على (المقترِن بها من صنوف الإجرام والتعدي مادياً أو معنوياً).
ثم إن قتل المرتد – فيما يبدو لنا- لمجرد ردته متعارض – تعارضاً بيناً لا فكاك منه- مع ما قررته السنة الصحيحة من كون العقوبات، حدوداً وتعزيراتٍ، مكفرات للذنوب – وبهذا يتضح فساد تعليل قتل المرتد بمجرد كفره بعد إسلامه-: إذ قتل المرتد لا يُكفِّر عنه جُرمَه؛ فالله تعالى (لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) [النساء: 116]؛ فليس من المعقول في دين الإسلام أن يرتد إنسان عن دين الله فيقتل حداً في الدنيا ليُعتَقَ من العذاب الأكبر يوم القيامة.. ومن ثم، وجب أن يكون قتله لمعنى زائدٍ عن مجرد كفره بعد إسلامه.
أما الدليل على أن “ما قررته السنة الصحيحة من كون العقوبات – حدوداً وتعزيراتٍ- مكفرات للذنوب” فهو حديث رسول اللهصلى الله عليه وسلم:
عن عبادة بن الصامت t قال: “كنا عند النبيصلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصابه من ذلك شيئاً فستره الله عليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه”(24).
فهذا حديث صحيح صريح في أن العقوبة في الدنيا على ذنب ما تسقط عن مرتكبها عقوبة الآخرة، سواءٌ كانت عقوبة الدنيا حداً أو تعزيراً؛ لأن آية الممتحنة – وكذلك هذا الحديث- اشتملت على: (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)؛ والعصيان في المعروف ليس فيه حدٌ في الإسلام، وإنما فيه التعزير.. فثبت المراد بحمد الله.
ثم إنَّا قد وجدنا رسول اللهصلى الله عليه وسلم، في عقده لصلح الحديبية مع قريش – تلك المعاهدة السياسية التي سيستمر نفاذها عشر سنين- يوافق على اشتراط قريش عليه ترك كل من ارتد عن الإسلام ذاهباً إليهم دون ملاحقة منه ولا مطالبة:
عن أنس t قال: “.. اشترطوا على النبيصلى الله عليه وسلم: أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا. فقال الصحابة: يا رسول الله، أنكتب هذا؟! قال: نعم، إنه من ذهب منا إليهم: فأبعده الله، ومن جاءنا منهم: سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً”(25).
وواضح أن هذا الشرط لا ينص على شكل معين للمجيء؛ وعليه فهو شامل لكل من خرج إلى معسكر قريش بشكل معلن حر أو فراراً وهرباً.. ولو ارتد امرئ عن الإسلام وأراد الخروج إلى قريش فحبسه النبيصلى الله عليه وسلم: لاعتُبر النبيصلى الله عليه وسلم ناقضاً لهذا الشرط -.. فلو كان هناك حد شرعي يُقتَل أو يُعاقَب بمقتضاه كل من كفر بعد إيمان – لمجرد ذلك- لَمَا وافق رسول اللهصلى الله عليه وسلم أصلاً على هذا الشرط ولَمَا رضي به.
ومن ثم، يجب – فيما يبدو لنا- التمييز والتفريق بين حالات (الخيانة والغدر) – وأشباهها من (المتاجرة بالارتداد) و(إساءة استخدامه)(26) و(التعسف في استعماله)- وبين حالات الردة التي تحركها، وتحكم مسيرتها، وترسم حدودها وغايتها، (قضية الاعتقاد).
إذن، وبناءً على جميع ما سبق، نقول: مَن اقتصر مجال الشك أو الإنكار عندهم على خصوص العقيدة دون فعل أو قول يهدم مقومات المجتمع، فهؤلاء: إن ستروا أمرهم، ففي الستر حماية لهم، حيث يتعاملون مع المجتمع بظاهر أمرهم، والله يتولى المغيب منهم.. وإن ظهر منهم شك أو جحود، وصرحوا بذلك و/أو كتبوا فيه الكتب والدراسات، فليدخل العلماء والمختصون معهم في حوار بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ حوارٍ طويل ليس له أمد معين.. وإذا أرادوا إغلاق باب التحاور بينهم وبين العلماء، مكتفين بما استقروا عليه من اعتقاد جديد، فلا تثريب عليهم.. مع ضرورة ألا يترك العلماء أي شبهة دون دراسة – بل دراسات- تزيلها وتقرر الحقيقة فيها(27).
القرآن الكريم قاطعٌ في الاقتصار على العقاب الأخروي للردة – إذ العقاب الدنيوي عليها إكراه على الإيمان؛ وقد نفاه القرآن-.. والسنة – بإحسان الفهم لها- مبيِّنةٌ أن الارتداد – دون التورط بأية أمور أخرى تحمل معنى العدوان على الأمة وكيانها أو تهديد مواطنيها ومصالحها- لا عقاب عليه في حياتنا الدنيا، بل العقوبة أخروية فقط؛ لأنها لا تتعلق – في هذه الحالة- إلا بـ (حقٍ من حقوق الله الخالصة له).. ومن ثم، فهو سبحانه الذي يتولى – وحدَهُ لا غير- استيفاء حقه ذاك يوم القيامة(28).
3/1/1- ونقصد بـ (الخروج على الإسلام)(29): الاعتداءَ – المادي(30) أو المعنوي(31) – على الإسلام أو المسلمين بما يهدد أمن وسلامة (الأمةِ) أو (نظامِ دولتها) – اللذين يقومان أول ما يقومان على الرؤية الإسلامية- ويُخِل باستقرارهما الديني أو الاجتماعي أو السياسي.. فمِثلُ هذا (مستوجبٌ للقتل)؛ لأنه (تارك لدينه مفارق لجماعة المسلمين)؛ حمايةً للإسلام وأتباعه من الكائدين لهما والراغبين في تحطيمهما.
3/1/2- ولكن الأمر يختلف – ولا بد له أن يختلف- حينَ الحديثِ عن (مجرد إعلان الاختلاف مع ما أتى به الدين وطرح أفكار مغايرة له).. أي حينَ الحديثِ عن (الخروج من الإسلام) بمبعث شعور المرتد بعدم الاقتناع بالإسلام والاقتناع بغيره، فيدفعه ذلك إلى الخروج من الإسلام وإعلان ذلك الاختلاف.. فمثل هذا لا يُقتل، ولا يجوز لنا أن نقتله؛ لأنه (صاحب رأي وفكر)، علاجُهُ (الحوار وكشف الشبهات وإزالة الغشاوات) لا (النطع والسياف)(32).. فالردة إذا كانت اختياراً فكريًّا، وصاحبها يعيش في الأمة وينتمي إليها ولا يخرج عليها أو يوالي أعداءها، فإنه يُقَر على جديد اعتقاده، ويُحاوَر – إن شاء المحاورة- إلى نهاية عمره، ويُدعى إلى الإسلام – بالتي هي أحسن- كما يُدعى الكافر الأصلي سواءً بسواء.
إن ارتداد امرئ ما – مادام لم يقرن ردته بما يقوض أساس الجماعة والمجتمع.. ومادام محترماً لهما ولِمَا يتفرع عنهما من نظم وشرائع- لا يعد خروجاً منه على الأمة ولا نظامها.. ومن ثم، لا يجوز لنا أن نمسه بسوء؛ إذ وضعه – بعد ارتداده- في المجتمع المسلم كوضع غير المسلم فيه.. إذ ما دامت حقوق المواطنة محفوظةً، ومبداً المواطنة متسعاً، للمختلِف عن الجماعة في الدين – أقصدُ غيرَ المسلم في المجتمع الإسلامي- مع كونه خارجاً عن حد الإسلام(33)، فلا يُعَدُّ ارتداد المرء عن دين الجماعة مانعاً إياه من ممارسة حياته بشكل طبيعي داخل المجتمع؛ بجامع التساوي بينهما في المركز القانوني – وهو مفارقتهما لحد الإسلام -.. فما ثبت لفريقٍ يَثبُت للآخَر ولا فرق.
إن جامع ورابط الدولة الإسلامية متسعٌ لمن كفر بعد إيمانه مادامت (الكلمة) – لا (السيف)- هي سلاحه في الخروج عن الإيمان الديني.. إن الردة عن الإسلام إذا لم تشق (الجامع السياسي) للرعية والأمة والدولة الإسلامية – أي إذا لم تسلك سبيل (الخروج والمفارقة السياسية)- فإن صدر الدولة الإسلامية متسع لها؛ لأن (الجامع السياسي) في دولة الإسلام الأولى – على عهد النبيصلى الله عليه وسلم- قد اتسع لأكثر من دين(34).
وكذلك كان الحال – على عهد النبيصلى الله عليه وسلم- مع المنافقين – الذين ارتدوا عن الإسلام بقلوبهم، مع إظهارهم الانخراط في جماعة المسلمين-؛ فلأنهم قد حافظوا على (جامع الوحدة السياسية للأمة والدولة) – ولم ينضموا علانيةً لأعداء الإسلام- لم يقاتلهم أو يقتلهم رسول اللهصلى الله عليه وسلم – حتى عندما كانت تظهر فلتات الألسنة التي تفضح النفاق وتنبئ عن كفر لا شك فيه.. وحتى مع معرفتهصلى الله عليه وسلم بأعيان كثير منهم(35).. وحتى مع فضح القرآن الكريم لتصرفات بعضهم وتعريفه لهم بالوصف لا بالاسم- ؛ لقد ظلوا في إطار الجامع السياسي، فظل النبيصلى الله عليه وسلم محافظاً على مقتضيات ذلك الجامع، ومنبهاً من هَمَّ فطالب بقتلهم على خطأ ذلك(36)؛ إذ هم يعيشون في إطار الأمة الإسلامية ومجتمعها ودولتها؛ لم يفارقوا الجماعة – الأمة- ولم يشنوا عليها حرباً ولم ينحازوا إلى عدوها انحيازاً عملياً ومادياً – وإن كانوا قد ارتدوا عن الإسلام بقلوبهم.. وارتدوا عن كامل الولاء والموالاة للأمة والجماعة بطاعتهم للأعداء (فِي بَعْضِ الأَمْرِ) [محمد: 26] سراً-.. لقد وقفوا عند حدود (الخيار الفكري) ولم يفارقوا الأمة سياسياً مفارقةً بينة.
وما قصدنا إلى إثباته وتبيينه وتوضيحه وتجليته – من خلال المناقشات المطولة السابقة- هو أن الرسولصلى الله عليه وسلم قد عرف كثيراً من المنافقين، وعرف أنهم مرتدون كفروا بعد إسلامهم(37)، وواجهه رجل بالتجوير، وأنه يقسم قسمة لا يراد بها وجه الله؛ وهذه ردة صحيحة، فلم يقتله ولم يعاقبه.. فصح أنه لا قتل ولا عقاب على مرتد – لمجرد ردته-؛ إذ لو كان هناك حد شرعي يُقتَل أو يُعاقَب بمقتضاه كل من كفر بعد إيمان لَمَا تردد رسول اللهصلى الله عليه وسلم في تطبيق ذلك الحد وإنفاذه.
3/2- والقول الفصل في ذلك كله – فيما يبدو لنا- هو أن كل ما يتعلق بالقلب والضمير والعقل – أي: (الفكر النظري)- فإن الإسلام – فيما انتهى إليه اجتهادنا- يكفل له الحرية كيفما وقع(38).. أما ما يتعلق بـ (العمل التطبيقي) و(الممارسة الفعلية) فيجب أن يبقى محكوماً بـ (التشريعات) و(النظم) السائدة في المجتمع – أي (التشريعات) و(النظم) الإسلامية ما دمنا نتحدث عن المجتمع المسلم- ؛ إذ ليس من العدل ولا من الحرية أن يُسمَح للأقلية بأن تنخر في النظم السائدة في المجتمع.. هذا من (حريات التجاوز) التي لا يقرها العدل.. إن الحرية – في التصور الإسلامي- بنتُ الحق؛ فإذا كان من حقك التعبير عن فكرك – ولا يجوز لأحد أن يمنعك من ذلك- فليس من حقك خرق سفينة المجتمع – ولا يجوز لأحد أن يسمح لك بفعل ذلك-.. الحرية تقف عند حد الحق؛ أي تقف من دون ما يمس الآخرين؛ اعتداءً على أيٍّ من حقوقهم، أو انتهاكاً لأيٍّ من الحُرَم والعِصَم التي تمس هذه الحقوق.. ومن ثم، فهي خاضعةٌ للقيود التي تستوجبها السلامة العامة أو الأمن العام أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو احترام حقوق الآخرين وسمعتهم وحرياتهم الأساسية.. فالحرية إذن ليست طليقة من كل قيد، وإنما هي مقيدة بحقوق الجماعة وحُرُمها وعِصَمها؛ أمناً ونظاماً وصحةً وأخلاقاً(39).
وخلاصة هذا كله أن الردة وإن كانت أفحشَ معصيةٍ – أعاذنا الله وإياكم منها- إلا أنها لا تستوجب العقاب ما لم يترتب عليها (إضرارٌ فعلي بأحد) أو (إخلالٌ عملي بنظام)؛ إذ لا يدخل في باب حرية التعبير عن الفكر والاعتقاد أي (ممارسة عملية) ضد الأوضاع التي تقررها الأمة – أو نظامُ الدولة الممثلُ والمشخصُ لها-(40).
3/3- قد يسأل سائل: لماذا كل هذا الاحتفاء بحرية التعبير عن الفكر والاعتقاد؟! وما دليلك – فوق ما سبق ذكره- على صحة ما تذهب إليه؟
فأقول(41): لا يقع إيمانٌ بحقٍ إلا في مناخٍ من حرية الفكر؛ حتى نستطيع استبانةَ وتفَهُّمَ الحقِّ بمعالمه وأصوله ومقتضياته وما يُبتَنَى عليه.. فنقتنعَ بصحته وسلامته.. فنؤمنَ به ونعتنقه عن رضا ورغبة.
إن التمكين لحرية التعبير عن الفكر والاعتقاد هو الطريق إلى الحق؛ إذ في البيئة الحرة وحدها يزدهر الإيمان.. ومن ثم، لا يمكن قيد حرية التعبير عن الفكر أو الاعتقاد بدعوى حماية الحق؛ إذ ذلك:
* تدميرٌ للطريق المؤدية إليه
* ومنعٌ لفَتْنِ (أي: إبراز وإظهار وتمييز) الخبيث من الطيب
* وحرمانٌ للحق من أتباعٍ يؤمنون به عن بينة وبصيرة، فيَفْدُونه بأرواحهم وما ملكت أيمانهم
* وتوطئةٌ للإيمان على حرف؛ إن أصاب المؤمنَ خيرٌ اطمأن به، وإن أصابه غير ذلك ولى مدبراً
إذن، حرية التعبير عن الفكر والاعتقاد هي جزء من (البيئة الحرة) التي (أرادها الإسلام) في الحياة الدنيا؛ ليَمِيزَ الخبيث من الطيب؛ فيحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
وبناءً عليه، فإن من يرى رأياً يعتقد أن فيه خيراً للناس: له حق دعوتهم إليه، بل يكون آثماً إذا كتمه عنهم ولم يبلغه لهم ليبادلوه الرأي فيه، فإن كان خيراً أجابوه إليه، وإن كان شراً دلوه على ما فيه من شر؛ دليلاً بدليل، وإقناعاً بإقناع دون مصادرة ولا عقاب ولا تعذيب ولا إرهاب(42).
وغيرُ سديدٍ تخيُّلُ تعبيرِ المرتد عن أفكاره أمراً مسيئاً إلى الإسلام أو ناشراً للشكوك؛ إذ إتاحةُ الحرية له للتعبير تُنَشِّطُ من المواقف والحركات – مواقف الدفاع عن الإسلام وتجليةِ أنواره، وحركات إزالة ونفي ما التصق أو أُلصِق به- والمراجعات: ما به تزداد (الدورة الدموية الإسلامية) قوةً وحيوية، وما به تُحفَظ (الأوعية الدموية الإسلامية) من الانسداد، وما به يزداد إيمان المؤمن نوراً على نور، وما به يزول ارتياب المرتاب وينمحي شك الشاك(43)، (44).
لقد بيَّن سبحانه النهج الذي يجب أن نسلكه إزاء الآراء المخالفة؛ ألم تر كيف يذكر الله الدعاوى والأفكار والشبهات – مهما كان فيها من إفك أو كفر أو وقاحة- ثم يقفِّي عليها – بالعبارة أو بالإشارة- بما يدحض باطلها – بالحجة والمنطق(45).. لم يأمر الله تعالى في أي حالة منها بقطع ألسنة القائلين ولا بإيداعهم السجون ولا بإطاحة رؤوسهم ولا بإنـزال العقاب والعذاب بهم.. لم يأمر بأي من ذلك، وإنما فند الزيغ بالبرهان، وبعث عليه جنوداً من (حجج الحق) يتعقب بها (فلول باطله)؛ فمحى آية الليل وجعل آية النهار مبصرة(46).
إن التعددية في الإسلام إذن ليست خياراً سياسياً أو إنسانياً فحسب، بل هي فوق ذلك وقبله سنةٌ من سنن الله في الخلق والفكر والاجتماع الإنساني(47).. ثم إن الإسلاميين أنفسَهُم سيكونون هم الخاسرين – قبل غيرهم- إذا تم تقييد حرية التعبير عن الفكر والاعتقاد.. ومن مصلحتهم – قبل غيرهم كذلك- فتحُ أوسع أبواب الحرية أمام الجميع؛ إذ بالحرية سيكسبون الملايين، ولن يخسروا بحرية الفكر المخالف للإسلام إلا أفراداً قلائل قد يكون التخلص منهم مكسباً كبيراً – “من ذهب منا إليهم: فأبعده الله”(48) – فمن خلال الحرية تتحقق مصلحة الإسلام.. إن الإسلام دائماً يطلب البرهان – (هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ) [البقرة: 111].. (هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ) [الأنعام: 148] – أما الشرك والمشركون فهم من يقف مع مصادرة الفكر ويرفض الجدال والحوار والمناقشة – (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26] -.. إن الآراء الفكرية المخالفة لا تعالَج إلا بالدراسة الموضوعية، لا بتكميم الأفواه وكبت الحريات.. والذين يريدون تكميم أفواه خصومهم ليس من حقهم الشكوى إذا كمم خصومُهم أفواهَهُم!!
ثُمَّ إنَّ الحوار الموضوعي الجاد الصبور مع الجيل المستلَب حضارياً – من ضحايا التغريب الفكري والثقافي.. والذي رشحت على إيمان بعض أفراده بقع من الزندقة والشك والإلحاد – هو الطريق الوحيد لإطْلاعهم على حقيقة الإسلام التي جهلوها، فتصوروه، أو صُوِّر لهم، خرافاتٍ وأساطيراً.. وعلى حقيقة تراث أمتنا الذي صُوِّر لهم أكفان موتى تعوق الحركة والتقدم والانعتاق.. وعلى ما يتميز به إسلامنا من (عقلانية مؤمنة) تجعل التفكير والتفلسف فريضةً إلهية، ومن إيمان مؤسَّسٍ على معارف عالـمَيْ الغيب والشهادة؛ آياتِ الله في كتابه المسطور – القرآن الكريم- وكتابه المنظور – الكون الفسيح-.. ونحن إذا كنا نرفض – باسم الإسلام – كل ألوان الإكراه التي تخلع المسلم عن الإيمان الإسلامي، فإننا نرفض كذلك – وعلى ذات المستوى.. وباسم الإسلام أيضاً- كل ألوان الإكراه التي تتغيا إعادة إنسان ما إلى هذا الإيمان؛ فالإكراه على الباطل قبيح ومدان، والإكراه على الحق لا يجدي في تحصيله فتيلاً؛ لأن الإكراه لا يؤسِّسُ إيماناً، ولا يثمر سوى النفاق الذي هو أخطر وأضر من الكفر البواح.
3/4- ومما يزيد اجتهادنا هذا – في مسألة حد الردة وفي مسألة حرية التعبير عن الفكر والاعتقاد- قوةً ورجاحةً، أننا رأينا أفراداً من المسلمين، جهروا في وقت ما بـ (عقائد وأفكار وانتماءات) مخالفة للإسلام، وأخرج بعضهم كتباً ودراسات في هذا الشأن، ثم شاء الله تعالى لهم أن يعودوا عوداً قوياً إلى حظيرة الإسلام، وأن يصبح بعضهم من أفضل المناضلين عنه عن فهم وبصيرة؛ حيث تسلحوا بمقولات الضالين وأحاطوا بها وقت ضلالهم، فلما هداهم الله للرجوع إلى الحق، كانوا من أعظم المنافحين والمدافعين عنه، والداعين له.. ولو أنه استُعجِل عليهم بالقتل لما كان في ذلك أية مصلحة، بل لكان فيه ضرر من وجوه كثيرة.. فالأناة والرفق إذن فيهما كل خير.
4- مما سبق جميعه يتضح أنه في جميع الأحوال تبقى قاعدة “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” أصلاً سالماً مسلَّماً، لا يمكن نسخه ولا نقضه، ولا القبول بأي شيء ينفيه أو يقيده أو يخصصه، كلياً أو جزئياً.
سادساً:
1- إن اجتهادنا هذا في مسألة الردة ليس إنكاراً للأحاديث النبوية الصحيحة – معاذ الله-، وإنما هو فهم لها في إطار نصوص الإسلام الأخرى ومقاصده وثوابته.. فاجتهادنا فهم للجزئي في إطار الكلي، وللظني في ضوء القطعي، وضمٌّ للنصوص بعضها مع بعض في رؤية شمولية مستوعِبة.
2- إن اجتهادنا هذا لا يعني أن يفعل المسلم – المؤمن بالإسلام- ما يشاء دون أن يحاسب على أفعاله؛ لوضوح الفارق بين (الإكراه على الدين) – وهو أمر لا يجوز كما سبق البيان وكما سيأتي- و(الإكراه على مطلوب الدين من إقامة وحفظ مصالح الأمة التي أمر بها وأرشد إليها) – وهو أمر واجب(49) -.. فنحن لا نُكره أحداً على دينٍ لا يريد الانتساب إليه، وإنما نُكره من آمن بالدين على مطلوب الدين منه، ونُكره من رضي بالانتماء إلى مجتمع والعيش فيه على متطلبات الالتزام بحقوق الناس وحقوق أغلبية أفراده؛ إقامةً للعدل والأمن، رضي من رضي، وكره من كره.
3- ولا يسبقن إلى ذهنِ أحدٍ القولُ بأن من مطلوب الإسلام قتل الخارج عنه – استناداً إلى “من بدل دينه فاقتلوه”-، فوجب عدم تمكين المرتد عنه من الردة.. لا يسبقن إلى ذهن أحد ذلك؛ لأني أنازع أصلاً أن يكون من مطلوب الإسلام قتل الخارج عنه.. كيف يكون ذلك من مطلوبه وهو القائل “لا إكراه في الدين”.. وإنما يجب فهم الحديث المذكور في ضوء تلك الآية – وأخواتها- وبقية الأحاديث التي ذكرناها آنفاً..
هل تريد أن نلغي، أو نكبل بالأغلال، دلالات آيات الإسلام وثوابته ومقاصده وأحاديث النبيصلى الله عليه وسلم بسبب حديث “من بدل دينه..”؟! إن العقل والمنطق والفقه الرشيد يقضي بأن تبقى دلالات تلك الآيات والأحاديث على إطلاقها، بينما ذلك الحديث هو الذي ينبغي أن يُقَيد، خاصةً وأن له خصوصيةً واضحةً – كما سبق البيان-.
سابعاً:
1- قد يقول قائل: هل معنى كلامك هذا أن المرتد عن الإسلام – ردة مجردة- لن يلحقه من الله عذاب؟!
فأقول: لقد توعد الله المرتد – ردة مجردة- في الآخرة بما يستحقه من العذاب – مما استفاضت في بيانه آيات القرآن-.. ولكني أشم من اعتراضك عليَّ أن المرتد -عندك- يجب قتله لمجرد ردته؛ لكفره.
وهذا – عندي- هو عين الخطأ.. صحيح أن الكفر حرام يقيناً – بل هو أكبر الكبائر-.. لكن هل يوجب ذلك قتل الكافر – لمجرد كفره- في الدنيا عقاباً له؟! اللهم لا؛ إذ الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم(50)، وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين، والعدوان عليهم وعلى مقومات حياتهم ومجتمعهم، ومحاولة فتنتهم عن دينهم(51).
ولو جاز أن يأمرنا الإسلام بقتل من ينسلخ منه بعد الدخول فيه، لوجب أن يكون قد أوجب كذلك قتل من يرفض ابتداءً الدخول في الإسلام؛ لاتحاد العلة، وهي الكفر.. وذلك غير صحيح لما سبق أن بيناه.
كما أن التفرقة بين (الكفر الأصلي) و(الكفر الطارئ) غير صحيحة؛ لما فيها من تكلف شديد بيناه في ثنايا بحثنا هذا.
والحق أن معصية الكفر تختلف عن سائر المعاصي في أنها تقع عدواناً على حق الله الخالص؛ لأن إيمان الناس بالله والتزامهم بدينه هو (من حقوق الله الخالصة) التي (لا يتعلق بها حق لأحد من البشر)؛ فوجب ألا يكون عليها عقاب دنيوي.. بخلاف بقية المعاصي التي (تقع عدواناً على حق الجماعة والمجتمع، وتلحق الأذى بهم)، فوجب – لذلك- أن توقع عليها عقوبات دنيوية.. فالأمر مختلف بالنسبة لإيمان الناس أو كفرهم بالله تعالى.. ومن ثم، فهو سبحانه الذي يتولى – وحدَهُ لا غير- استيفاء حقه ذاك يوم القيامة(52).
2/1- وكيف يعقل أن يأمرنا الله – كما يزعم المخالف- بقتل من يرتكس في الكفر بعد إيمانه، والله هو الغني؛ لا يزيد في ملكه أن يعبده الناس، ولا ينقص من ملكه أن يكفروا به (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم: 8]؟!!
إن الله لم يحرم أحداً من خلقه من عطاء ربوبيته، فوسع ملكُهُ البرَّ والفاجر، والمؤمن والكافر، وكان – سبحانه- قادراً على أن يعطل الأسباب فلا تستجيب لمن كفر، وكان قادراً على أن يزهق روحه، بل على ألا يخلقه ابتداءً.. فكيف نضيق بمن لم يضق به ربه في ملكه، وكيف نـزهق حياة من منحه ربه الحياة بدعوى أنه لا يؤمن به، وكأننا أغير على الله من الله!!(53).
2/2- (فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 82] ؛ لقد أقسم إبليس بـ (العزة الإلهية) ولم يقسم بغيرها؛ لأن هذه العزة هي التي اقتضت استغناء الله عن خلقه؛ فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر؛ فلن يضروا الله شيئاً؛ لأنه العزيزُ عن خلقه، الغنيُّ عنهم.. ومن ثم، لا يمكن ولا يتأتى أن يقهر الله أحداً على الإيمان به ابتداءً ولا بقاءً.
2/3- وبناءً عليه، فالعملُ بمبدأ: “من رفض (الاقتناع)؛ فعلاجه (الاقتلاع)” أمرٌ مصادم للإسلام – لا شك في ذلك-؛ إذ الحق سبحانه وتعالى يريد ممن يأتيه أن يأتيه (محباً مختاراً) لا (مجبراً مقهوراً)؛ لأن المجيء قهراً وإن كان يثبت لله (القدرة) فإنه لا يثبت له (المحبوبية) و(استحقاق العبادة).. وقد أريناك – فيما سبق- أن رسل الله جميعاً قد جاءوا لـ (ينقلوا عن الله) لا لـ (يكرهوا الناس على الإيمان بالله والإذعان له).
ثامناً:(54)
1- قد يقول قائل: إن المرتد، وإن اقتصر على تغيير اعتقاده، فإنه مظنة العداوة والخروج والقتال – مادياً أو معنوياً-، فتنـزل (المظنة) منـزلة (الوقوع الحقيقي).
فأقول: إن (المظنة) غير كافية فقهاً ولا شرعاً ولا عقلاً لأن تكون سبباً لإزهاق النفس على سبيل الحد أو العقاب؛ إذ لابد من الدليل القاطع، أو الواضح الذي لا شبهة فيه.. أما (مجرد الظن) فإنه لا يجوز؛ لأنه لا يغني من الحق شيئاً.
2- صحيح أن الردة كثيراً ما تكون ثمرة تحول شامل لدى الإنسان عن الولاء للأمة، والقبول بنظامها، واحترام شرائعها، والانتماء إليها ثقافياً وحضارياً.. ولكن ذلك لا ينفي، ولا يمنع، وجود الردة المجردة نتيجة تغير الموقف الاعتقادي من غير أن تصحبه أفعال إجرامية مادية أو معنوية.. ومن ثم، يجب التعامل مع كل حالة بحسبها.. فتأمل.
3- وقد يقول قائل: اجتهادك هذا في مسألة الردة منقوض بأثر معاذ: عن أبي موسى الأشعري t قال: “أقبلت إلى النبيصلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول اللهصلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال: “يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيس”. قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: “لن، أو: لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيس، إلى اليمن”. ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انـزل، وإذا رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات”(55).
فأقول:
أ- لقد قلنا مراراً: “إن الردة على عهد رسول الله وصحابته كانت مقترنة اقتراناً ميكانيكياً بالعداوة للإسلام ومحاربته؛ بحيث إن أي مرتد عن الإسلام كان ينضم فعلياً للمحاربين للإسلام”. وهؤلاء – أقصد المرتدين على عهد النبي وصحابته- إن تم القبض عليهم قبل انضمامهم لأعداء الإسلام ومحاربيه قٌتلوا، وإن فروا فليس إليهم من سبيل.
وأثر معاذ إنما يُنـزل على الحالة الأولى: أي أنهم قد استطاعوا القبض عليه قبل انضمامه للأعداء والمحاربين. وإلا فهو اجتهاد مرجوح منه (رضي الله عنه) لا نوافقه عليه.
والأَوْلَى، بل المتعين، تنـزيله على الحالة الأولى؛ لأنها – كما سبق الإيضاح- هي التي شُرع فيها ولأجلها القتل؛ أي حالة المرتد المحارب؛ حملاً لقول الصحابي على أحسن محامله؛ أي حملاً له على مقتضى الأدلة الشرعية في الباب، وفهماً لرأيه في ضوئها وعلى هدي منها. وإلا فهو غير ملزم لنا.
ب- ولندع جانباً ما في “أ”، مع ما فيه من حجة نيرة بحمد الله، فنقول – تنـزلاً-: قول سيدنا معاذ ابن جبل t: “قضاء الله ورسوله”، إن حُمل على أنه يفيد قتل المرتد لمجرد ردته، يَحتمل أموراً:
– إما أن هذا هو ما فهمه سيدنا معاذ t من كتاب الله وسنة رسوله. وهو – بذلك- اجتهاد منه غير ملزم لنا؛ لأنه لا يوحَى إليه، وإنما رأيه – كسائر المجتهدين- دائر بين الأجر والأجرين. ثم إني لم أجد له حجة تعضد رأيه، بل وجدتُّ – من القرآن والسنة والمعقول- ما يضاده وينقضه، مما سبق بسطه في هذا البحث. فضلاً عما وجدناه من حجج غير منقوضة تُرَجح – في ظني- رأيي على ما عداه من آراء!
– وإما أنه قد سمعه من رسول اللهصلى الله عليه وسلم. وههنا سؤالٌ يطرح نفسه: أين هو نص هذا الحديث الذي يُؤمر فيه بقتل تارك الإسلام لمجرد ذلك؟! وهل نصه، إن وُجد، يسمح بأن يُستنبط منه ما ذهب إليه من حملوا أثر معاذ على ما حملوه عليه؟!
فإن قيل: الحديث هو “من بدل دينه فاقتلوه”.
قلنا: فهمكم لهذا الحديث غير صحيح، وقد أوضحتُ فهمه الصحيح – في نظري- في بحثي هذا، فارجع البصر كرة أخرى إن شئت.
وإن قيل: بل غير هذا الحديث؟
قلنا: أين هو هذا الحديث المزعوم؟ لا يوجد قط! وهل يمكن أن يُستنبط منه ما يخالف ما سبق بسطه من أدلة؟!
ج- لنفرض – جدلاً وتنـزلاً- أن أثر معاذ هذا صريح في قتل المرتد لمجرد ردته(56)، فهل يجوز إعماله أو الأخذ به؟ الصواب – في نظري- أنه لا يجوز؛ لمضادته ونقضه لما سبق بسطه من أدلة القرآن والسنة والمعقول، فحديث آحاد كهذا لا يقوى على أن يقف في وجه هذه الكثرة المتكاثرة من الحجج العقلية والشرعية، ومن ثم: كان مردوداً بلا مرية.
تاسعاً:(57)
وفي ختام هذا البحث أؤكد – وبشدة- على أنه لا يهدف إلى الدعوة إلى ترك الإسلام والعياذ بالله – ولا ينبغي أن يُفهَمَ منه ذلك؛ كما قد يتبادر إلى ذهن بعض القُصَّر- ؛ فثمة بون شاسع بين (تقريرِ أمر) و(الدعوةِ إليه)؛ فإباحةُ الشرع للطلاق مثلاً لا تعني دعوته إليه، كما أن منح الشارعِ المرأةَ حق الخلع لا يعني دعوة الزوجات إلى الانفصال عن أزواجهن.
والله تعالى أعلى وأعلم
***
الهوامش
(1) تعقيب على بحث حد الردة في الفكر الإسلامي المعاصر – قراءة نقدية في ضوء النص القرآني، د/ عوض محمد عوض، ص (207- 208). ولا إكراه في الدين: إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم، د/ طه العلواني، ص (88، 15).
(2) الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، د/ أحمد الريسوني، (ص 109- 110). التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، 3/26 (تحت تفسير آية “لا إكراه في الدين”). والحرية الدينية في الإسلام، د/ عبد المتعال الصعيدي، (ص 145، 28، 36، 143، 144- 145). وتعقيب على بحث حد الردة، د/ عوض محمد عوض، (ص 209- 210). ومن فيض الرحمن، محمد متولي الشعراوي، (ص 241، 247، 248). والتفسير الماركسي للإسلام، د/ محمد عمارة، (ص 22).
(3) وفي معنى تلك الآية أخوات لها كثيرات: (وَلَوْ شَـاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُـوا مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99] .. (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [يونس: 108] .. (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) [الرعد: 40] .. (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [المؤمنون: 117] .. (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29] .. (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [النمل: 92] .. (مَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الزمر: 41] .. (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير: 27- 28] .. إلخ.
(4) الإكراه: هو أن تحمل الغيرَ على فعلٍ لا يرى خيراً في أن يفعله.
(5) بَيِّن قطعاً أن العقاب الدنيوي على عدم الإيمان – ابتداءً أو استمراراً- إكراهٌ عليه.
(6) نفي الإكراه في معنى النهي، والمراد نفي أسباب الإكراه في حكم الإسلام، أي لا تكرهوا أحداً على اتباع الإسلام قسراً، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصّاً، وهي دليل على إبطال الإكراه بسائر أنواعه؛ لأنّ أمر الإيمان يجري على الاستدلال والتمكين من النظر والاختيار.
(7) واعلم، إن رأيت إكراهاً على مبدأ أو إرهاباً على رأي، أن صاحب هذا المبدأ غير مقتنع به، وأن المبدأ ذاته مؤسَّسٌ على غير حجة، و إلا ففيم الإكراه والقهر نشراً له وحفاظاً عليه – أي حفاظاً على استمرار الناس على الإيمان به-؟!
(8) قارن بـ : الإسلام وحرية الفكر، جمال البنا، (ص 42- 43). وتفنيد دعوى حد الردة، جمال البنا، (ص 43).
ونحن وإن كنا قد استفدنا ونستفيد من بعض ما كتبه ويكتبه جمال البنا – إذ نحن نتلقف الحكمة من أي وعاء خرجت- إلا أننا لا نوافقه على كثير من آرائه وتوجهاته .. كما نلحظ، وبشدة، افتقاده للمنهج العلمي في البحث، وللمنهجية العلمية في الاجتهاد. وقد وقفنا أثناء قراءتنا وبحثنا وتحليلنا لما كتب – فيما وقعت يدنا عليه من كتبه- على كثير مما يشهد على صحة قولنا هذا، لكننا قررنا الاكتفاء بالتنبيه؛ حتى لا نطيل بذكر ذلك، خاصةً وأن المقام لا يسمح به ولا يتطلبه.
(9) حرية الفكر في الإسلام، د/ عبد المتعال الصعيدي، (ص 79). والحرية الدينية، د/ الصعيدي، (ص 154). ولا إكراه في الدين، العلواني، (ص 10، 102، 175- 176). والإسلام وحرية الفكر، جمال البنا، (ص 53، 49، 48، 50- 51).
(10) حديث صحيح. رواه أحمد – في آخر مسند أهل البيت من مسنده- وأبو يعلى (2720) بسند صحيح
(11) حديث صحيح. رواه النسائي (4068) بسند صحيح.
(12) حديث صحيح. رواه البخاري (3617) ومسلم (2781) وأحمد (12846). والسياق للأخيرين، وما بين المعقوفتين فهو للبخاري.
(13) حديث صحيح. رواه البخاري (4274 و 3007) ومسلم (2494). وهو حديث جليل يستوجب أن يُفرد له بحث برأسه لتدبره واستنباط دقيق وعظيم ما فيه من فقه وتوجيه. وقد نفعل فيما بعدُ إن شاء الله.
(14) ولذات السبب، لم يقم النبي (ص) بقتل المنافقين رغم كونهم قد ارتدوا بعد إيمانهم .. إنهم لم يقاتلوا المسلمين، بل كانوا أحياناً يقاتلون بجانبهم، أو يخلدون إلى الأرض أحياناً أُخَرْ .. ولم يكن عدم قتلهم للجهل بكفرهم ونفاقهم؛ إذ النبي (ص) كان يعلم نفاق كثير منهم بناءً على ما ثبت واستعلن من مواقفهم وأقوالهم وأفعالهم – لا بناءً على الظن والتخمين- كما سبق البيان.
(15) لقد كان رسول الله (ص) يعالج – نحن نكرر- وقتئذ جريمةً مركبةً؛ اختلط فيها السياسي بالقانوني بالاجتماعي؛ حيث كان رجوع المرء عن الإسلام – وقتئذ- نتيجةً طبيعيةً لتغير موقفه من الأمة والجماعة والمجتمع والنظم والدولة؛ أي تغير الانتماء والولاء تغيراً تاماً.
(16) تعقيب على بحث حد الردة، عوض، (ص 213).
(17) الكليات الأساسية، الريسوني، ص (113- 114، 115، 116). ولا إكراه في الدين، العلواني، (ص 93، 94، 155، 159، 175، 190، 149، 150، 160، 111، 112، 113، 115- 116). وفي أصول النظام الجنائي الإسلامي، د/ محمد سليم العوا، (ص 183 – هامش). والجنايات – وعقوباتها في الإسلام- وحقوق الإنسان، د/ محمد بلتاجي، (ص 19، 20، 21، 24- 26). والتفسير الماركسي للإسلام، عمارة، (ص 28- 29) . وجريمة الردة وعقوبة المرتد، د/ يوسف القرضاوي، (ص 35- 36) . والحرية في الإسلام، عاصم حفني، (ص 12، 16). والردة : الخروج (من) أم الخروج (على)؟، د/ كمال المصري، مقال منشور على موقع إسلام أون لاين (وقد استفدنا من هذا المقال بعض كلمات وعبارات لا غير. ولكن كاتبه – شكر الله له جهده- لم يُحكم التفريق بين الخروج من الإسلام والخروج عليه. وأحمد الله أني قد استوفيت بيان ذلك وتوضيحه وتجليته في بحثي هذا بما لا تجده في مكان آخر. فضلٌ من الله ونعمة). وحرية الفكر في الإسلام، الصعيدي، (ص 80). والحرية الدينية، الصعيدي، (ص 69، 83، 143، 129، 130- 131، 133، 78- 79). والإسلام والتعددية، د/ محمد عمارة، (ص 12- 13). والمحلى لابن حزم، 11/ 201- 227. والحوار الإسلامي العلماني، المستشار/ طارق البشري، (ص 98، 100، 102). و تفنيد دعوى حد الردة، جمال البنا، (ص 91، 48).
(18) لتوضيح ذلك وتفصيله، انظر: الكليات الأساسية، الريسوني، (ص 106- 116). الموافقات للشاطبي، (3/ 339، 365، 366).
(19) لتوضيح ذلك وتفصيله، انظر: الكليات الأساسية، الريسوني، ص (106- 116). الموافقات للشاطبي، (3/ 289).
(20) رواه البخاري (6922) والنسائي (4060) والترمذي (1458) عن عكرمة عن ابن عباس . ورواه النسائي (4065) عن أنس عن ابن عباس .
(21) رواه البخاري (6878) ومسلم (1676) والنسائي (4016)، واللفظ للأخيرين، وهو أصح ألفاظ هذا الحديث، وتفصيل ذلك لا يتسع له المقام.
(22) مادة (ف ر ق) في اللغة العربية، قد وجدنا معناها كالآتي :
(فَرِقَ): جَزِع واشتد خوفه.
و(الفَرِقُ) و(الفَرُق) من الرجال: شديدُ الفزع جبلةً.
و(فارقه) مفارقةً وفِراقاً: باعده وقطع ما بينه وبينه.
و(أفرقَ) الرجلُ غنمه: أضلها وأضاعها.
و(أفرقَ) فلاناً: جعله يخاف أو يجزع.
وأما مادة (ف ر ق) في القرآن الكريم، فقد وردت كالآتي :
(يَفْرَقُونَ): يخافون [التوبة: 61].
(فِرَاقُ): الفُرقة [الكهف: 78].
(الْفِرَاقُ): الانقطاع التام – وهو في الآية: الموت- [القيامة: 28].
(فَارِقُوهُنَّ): اتركوهن وطلقوهن [الطلاق: 2].
[ انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، 2/710- 711. ومعجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، 2/848- 850 ].
وبناءً على ذلك : يتضح تماماً أن وصفَ (مفارقةِ الجماعة): وصفٌ (تأسيسيٌ مُنشئ) منفصل عن – ومضاف إلى- (ترك الدين) .. لا وصفٌ (كاشف) لـ (مجرد ترك الدين) – كما قال بعض كبار العلماء قديماً وحديثاً- .. إذ ليس كلُّ تاركٍ للدين مفارقاً للجماعة، كما أنه ليس كلُّ مفارقٍ للجماعة تاركاً للدين.
(23) ورعاية الوطن من مقاصد الإسلام .. وإنما قلتُ: “رعاية”؛ لأنها (حفظ) و(تنمية)؛ أي (حفظ) بـ (السلب) و(الإيجاب)، لا بـ (السلب) فقط .. وتفصيل ذلك لا يتسع له المقام.
(24) أخرجه البخاري (18، 6784).
(25) أخرجه مسلم (1784).
(26) ومن أمثلة إساءة استخدامه – كما يحدث في مصر في بعض الأحيان- : اعتناقُ المسيحي للإسلام بغرض طلاق امرأته – إذ المسيحية الأرثوذكسية تمنع الطلاق كما يقول بطاركتها- ثم الارتدادُ من فوره إلى مسيحيته بعد انقضاء وطره !! .. بيِّنٌ أنَّ هذا (تلاعبٌ بالأديان) يجب أن يُعاقب فاعله أشد العقاب .. أليس في هذا إهانةٌ لدين الإسلام واحتيالٌ على أحكام المسيحية وتلاعب بها؟! وكأن الإسلام عنده – والعياذ بالله- (منديلُ حمَّام) يَرمِي به بعد أن يقضي منه حاجته !! ما أجدرَ أن ينَكَّل بالفاعل .. والله إنه بذلك لجدير !!
(27) أما سياسة (تسميم الآبار) و(الدس في الخفاء) التي تتبعها الحملات التبشيرية – باستهدافها لعوام المسلمين من خلف ظهر دولهم؛ بنشر كتب التشكيك في الإسلام وعقائده وأحكامه بينهم- فإن ثبت على أحد أنه منهم أو ملتحق بهم أو متعاون معهم؛ فإن جزاءه القتل – أو العقاب- لا محالة؛ إذ هو يسعى لفتنة المسلمين عن دينهم – باستغفال دولهم؛ المنوط بها حفظ دين وتدين أفرادها؛ إذ لا يوجد فردٌ إلا ويسعى قدر طاقته للحفاظ على دينه وتدينه- . والفارق بَيِّن – لا يحتاج إلى إيضاح- بَيْنَ (فتحِ المجال للمساجلات والمناظرات والمواجهات والمبارزات الفكرية العلنية؛ ليؤمن بعدها من شاء الإيمان أو يكفر ويرتد من شاء الكفر والارتداد) و(محاولةِ تحويل عوام المسلمين عن دينهم؛ عن طريق التغرير بهم أو التلبيس والتدليس عليهم؛ باستغلال جهلَهم أو حاجتهم وفاقتهم وسوء أوضاعهم).
(28) سيأتي لذلك مزيد بيان تحت فقرة : سادساً .
(29) وقد ذكرنا المقصود به مِن قَبْلُ في إحكام وحصر، فانظره – غيرَ مأمور- تحت فقرة (قبل أن نبدأ) أولَ هذه الدراسة عن الردة.
(30) بالخروج على الأمة : إما بالبغي عليها والحرابة لها، وإما بالانضمام إلى صفوف الأعداء المحاربين لها .. أي: مفارقة الجماعة ومحاربة الأمة وخيانة الدولة – لا مجرد الإلحاد في الدين أو الرجوع عن الإسلام بعد الإيمان به.
(31) لقد أصاب البعضَ غبشٌ في الرؤية حول مسألة (الاعتداء المعنوي على الإسلام) .. ولإزالة هذا الغبش نقول: إن الإسلام مقومٌ من مقومات المجتمع المسلم، و(التعدي المعنوي) على الإسلام في مثل هذا المجتمع – بالسب والقذف والاستهزاء .. وهو ما يمكن تسميته بـ (الحرابة الفكرية)- هو (هدم) لمقوم من مقوماته و(إيذاء) لمشاعر المؤمنين به .. ومقومات أي مجتمع في الدنيا (ثوابتٌ) لا يبيح (حرية هدمها)؛ وليس هذا ضِيقًا بالحرية، وإنما لأن العدوان عليها – أي على تلك المقومات الثوابت- هو عدوان على حرية الآخرين. إن الإسلام يحترم حرية الفكر لكل فرد من الناس مادامت محكومةً بحسن النية وشرف الوجهة.
(32) إن مناط الثواب والعقاب في الإسلام هو العقل والإرادة والحرية؛ إذ العقل هو مناط التكليف .. والاستطاعةُ شرطٌ فيه .. وركن الاستطاعة يقتضي (حرية الإنسان في اختيار فعله)؛ ليترتب عليه مسئوليته عنه.
(33) مفهوم أهل الذمة الفقهي مساوٍ – في جوهره- لمبدأ المواطنة القانوني .. وتفصيل ذلك لا يتسع له المقام.
(34) وقد جاء في صحيفة المدينة – ذلك الاتفاق الذي وقعه النبي (ص) مع اليهود- : “يهود أمة مع المؤمنين .. لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم .. وعلى اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم .. وبينهم النصرة على من حارب أهل هذه الصحيفة .. وبينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم .. وما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله”. [انظر: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، جمع وتحقيق د/ محمد حميد الله الحيدر آبادي، ص (39- 47). وقد حقق أستاذنا العلامة/ عبد الله ابن يوسف الجديع ثبوت نصوص صحيفة المدينة هذه في جزء لم يُنشَر بعد].
(35) لقد أمر الله رسوله بجهاد الكفار والمنافقين (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة: 73] ؛ فكيف يأمر الله رسوله بجهاد المنافقين وهو لا يعلم أعيانهم – كما يدعي البعض-؟!
ولقد قال الله تعالى فيهم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون: 4]؛ فكيف ينص جل شأنه على ذلك ويحذر منهم كل هذا التحذير، ثم يقال بعد كل هذا أن النبي (ص) لا يعرفهم بأعيانهم؟!
وكيف يخفى أمرهم على النبيصلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى مخاطباً رسوله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد: 30]؟!
وكيف يخفى نفاق المنافقين على النبيصلى الله عليه وسلم وهم يعيشون بينه ويجالسونه؛ فتبدوا عليهم أمارات النفاق وإن حاولوا إخفاءها؛ لأن ما تنطوي عليه القلوب ظاهر لا محالة – ولو بعد حين- على الوجوه وفي الحركات والسكنات :
ومهما يكن عند امرئ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تُعلَم
* وقد يدور في ذهن البعض – إذا ما سَلَّم بما سبق- تساؤل : كيف يأمر الله رسوله بجهاد المنافقين والغلظة عليهم وأنت تدعي أن المنافق – في الإسلام- لا يُتعرَّض له بسوء مادام محافظاً على مقتضيات الجامع السياسي؟! فأقول: لقد أمر الله بجهاد الكفار، فهل هذا يعني أن نرفع راية الجهاد والإغلاظ في وجه كل كافر مسالماً كان أم غير مسالم، أم أن الصواب – الذي يقتضيه فهم النصوص الجزئية في ضوء مقاصد الإسلام وثوابته وكلياته- أن تُرفَعَ في وجه كل كافر محارب لا غير؟ .. وكذلك الشأن في المنافقين؛ فإنما يُجاهَد منهم ويُغلَّظ عليه: مَن اشتد كيده للمسلمين أو اشتدت وطأته عليهم وأذاه لهم – أي (أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ) [التوبة: 86] – .. فجهادنا ليس موجهاً لكل المنافقين، وإنما لـ (طَائِفَةً مِّنْهُمْ) [التوبة: 83] .. ثم إن كيفية المجاهدة والإغلاظ لم تعينها الآية؛ لتترك لنا فسحةً نستطيع من خلالها أن نتعامل مع من أمامنا – من الكفار المحاربين والمنافقين العتاة- بحسب حاله؛ تارةً بالعقاب، وتارةً بإظهار الحجة، وتارةً بتجنب الرفق بهم، وتارةً بالانتهار .. إلخ .. ولذلك وجدنا القرآن الكريم يأمر النبيصلى الله عليه وسلم بمنع (عتاة المنافقين) لا (كل المنافقين) – انظر: [التوبة: 81- 84]؛ إذ لفظ الآيات وسياقها يدلان بما لا مجال للشك أو المجادلة فيه على أن المقصود بما سيأتي فيها من أحكام هم المخلفون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، والذين كرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، والذين حاولوا تثبيط المجاهدين بقولهم: (لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرّ) .. فهم إذن ليسوا منافقين عاديين، وإنما من عتاة المنافقين- من الغزو معه طيلة حياتهم .. ويمنعه من الصلاة عليهم والدعاء لهم بعد مماتهم.
* وقد يعترض البعض أيضاً على ما نذهب إليه بقوله تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب: 60- 61] .. فها هو الله تعالى يتوعد المنافقين ويغري بقتلهم، فأين هذا مما تدعيه؟! فأقول: لئن لم ينتهوا عن ماذا؟ هذا هو مربط الفرس في فهم هذه الآيات .. والسياق التي وردت فيه يدل – بوضوح وبغير تكلف- على أن معناها : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة عن إيذاء الله ورسوله والمؤمنين والمؤمنات لنغرينك بهم – راجع: [الأحزاب: 57- 61] – .. ومن ثم، فلا حجة لك فيها؛ إذ إغراء النبيصلى الله عليه وسلم بقتلهم لم يكن على نفاقهم، وإنما على أذاهم وإيذائهم.
* والمقصود الذي نرمي إليه من وراء تلك المناقشة المطولة هو إثبات أن المنافق وإن كان مرتداً يقيناً فإنَّا لا نقتله ولا نقاتله ما دام مستمراً في مسالمته لنا – حتى وإن أفلت منه ما يدل على ارتداده وعدم إيمانه- .. فإنـزال العقوبة بالمنافق إنما يدور على إظهاره العداء والقتال لا على مجرد ظهور ما يدل على كفره رغم إظهاره الإسلام .. فإذا كان ذلك كذلك، فإن المرتد الصريح عن الإسلام يجب أن يُعَامَل معاملة المنافق؛ أي أن يُسمَح له بما يُسمَح للمنافق؛ أي أن يعيش مواطناً غير منقوص الأهلية أو الحرية في دار الإسلام.
(36) عن جابر t قال: غزونا مع رسول اللهصلى الله عليه وسلم.. وكان من المهاجرين رجل لعاب، فكسع أنصارياً، فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبيصلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم. فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة. وقال عبد الله بن أبي سلول: أقد تداعوا علينا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق؟ .. فقالصلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً كان يقتل أصحابه. [رواه البخاري (3330، 4622) ومسلم (2584)] .
وعن عبد الله بن مسعود t قال: لما قسم النبيصلى الله عليه وسلم قسمة حنين، قال رجل من الأنصار: ما أراد بها وجه الله، فأتيت النبيصلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتغير وجهه ثم قال: رحمة الله على موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر. [رواه البخاري (4080)] .
فها نحن – في كلا الحديثين- أمام منافق – ثبت نفاقه بما لا يدع مجالاً للشك- ومع ذلك اعتبره النبيصلى الله عليه وسلم من أصحابه؛ لأنه قد حافظ على الوحدة السياسية للأمة والدولة، وشارك في معاركها، وكان له – كغيره- نصيب من غنائمها .. واستعاذصلى الله عليه وسلم بالله من أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل من حافظ على الوحدة السياسية للأمة – حتى ولو كان قد فارق الإيمان الديني بالنفاق- .
(37) انظر: [التوبة 65- 66، 74- 80] – [محمد 25- 28] .
(38) إذا أتى المسلم أو صرَّح بما يخرجه من دائرة الإسلام، نبهناه إلى ذلك – ولا يقوم بهذا إلا الراسخون في العلم- فإن أصر عليه وتمسك به – بعد توضيحنا له ما بمواقفه من مناقضةٍ قطعية للإسلام وأصوله وثوابته- أصبح مرتداً عن الإسلام؛ نعامله معاملةَ المسلم لغير المسلم، دون منعٍ أو مصادرةٍ لرأيه أو فكره – مع ضرورةِ ألا نترك شبهةً إلا ونفندها ونرد عليها بما يثبت زيفها وبطلانها- على التفصيل الذي أوضحناه وسنوضحه إن شاء الله.
(39) الحرية في الإسلام، إذن، (حريةٌ منضبطةٌ)؛ والأرض باتساعها وطولها وعرضها لها نهاية ولها حدود؛ غير أن مساحة الوسع في مربع الأرض يكاد يجعلها بلا حدود .. وكذلك الحرية في الإسلام – على ما أوضحناها وفصلناها- .
(40) فإذا ارتد مرتد فلن نمسه بسوء إلا أن يقف منا موقف الخصم؛ يتمنى لنا الشر ويتربص بنا الدوائر .. ولن نشتبك معه إلا إذا وصل إلى مرحلة التخلي والتعري عن الشرف والعدالة في السلوك والسياسة – أي: في واقع الممارسة الفعلية- .
(41) حقوق الإنسان، محمد الغزالي، (ص 60، 58). والإسلام وحرية الفكر، جمال البنا، (ص 107- 108، 72، 73، 110- 111، 96). وتفنيد دعوى حد الردة، جمال البنا، (ص 96). والحرية الدينية في الإسلام، الصعيدي، (ص 13). وحصاد قلم، د/ محمد عبد الله دراز، (ص 59). والتفسير الماركسي للإسلام، عمارة، (ص 9- 10، 11، 119- 120). والجنايات وعقوباتها، بلتاجي، (ص 23). والكليات الأساسية، الريسوني، (ص 116).
(42) ثم إن العقل الدؤوبَ المكافحَ الباحثَ عن الحقائق والمتحري لها لن يؤوب من سياحاته القريبة والبعيدة إلا بما يدعم الإيمان – في العاجل أو الآجل- أو بما يحترم المؤمنين – على أقل تقدير- .
(43) وقد حدث في مصر – عام 1937م- أن ارتد الأستاذ إسماعيل أدهم عن الإسلام مصدراً كتابه “لماذا أنا ملحد؟!”؛ عارضاً فيه مبررات ردته ومدافعاً عما انتهى إليه من إلحاد .. فكتب العلامة محمد فريد وجدي “لماذا أنا مسلم؟”؛ مفنداً فيه دعاوى إسماعيل أدهم، ومجلياً مزايا الإيمان والإسلام .. فكان سجالاً حضارياً فريداً تحققت فيه الحرية الفكرية كاملةً، وفي نفس الوقت، لم يضار الرجل – كما يدعو البعض الآن- ولم يُحِق بالإسلام ضرر – كما يتخيل البعض حدوث ذلك- ؛ إذ بقيت مصر إسلامية حتى الآن، وظل الناس على إيمانهم إلى اليوم !!
(44) إن حفظ وتثبيت إيمان المؤمن إنما يكون بـ (المناعة) لا (المنع)؛ أي برفع (قدراته المناعية ومستوى وعيه الثقافي والإسلامي) لا بـ (منع الآخر من التعبير).
ثم إن منعه من طرح أفكاره في النور والعلن كثيراً ما يحفزه على نشرها وإشاعتها خفية وفي الظلام، وكثيراً ما يُكسبه من التعاطف والأهمية ما ليس هو أهلاً له شخصأ أو فكراً، وكثيراً ما يحوله في ظن بعض الناس من “مشوش فكرياً” إلى “شهيد للفكر والحرية” !
(45) انظر: البقرة: 116 – آل عمران: 181 – النساء: 153 – المائدة: 64، 73 – النحل: 101 – سبأ: 43 – يس: 18 – الفرقان: 5 .. إلخ.
(46) قد يُدعَّى : “إن التعبير العلني والصريح عن معتقدات مخالفة لمعتقدات الإسلام قد يفسر بأنه إعلان حرب على قيم الدين، وبالتالي يتم تصنيف التعبير الحر عن المعتقد المخالف بأنه تأمر وخيانة وخروج على الجماعة، وهو وضع يستحق القتل”. اهـ
وتفنيداً لذلك نقول – فوق ما سبق بيانه وما سيأتي- :
هذا غير مُسلَّم؛ لأن مجرد إعلان معتقدات تخالف معتقدات غالبية أفراد مجتمع من المجتمعات يدخل تحت بند “حرية الرأي والفكر والبحث العلمي”، وإلا وجب لزاماً أن نمنع دعاة الإسلام في البلاد غير الإسلامية من ذكر المعتقدات الإسلامية صراحة (وهي قطعاً مضادة في جزء كبير منها لمعتقدات وفلسفات ورؤى الأديان والمجتمعات الأخرى غير الإسلامية)، وهذا باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل؛ إذ المعيار ههنا هو : أن ما هو حق لنفسك هو كذلك حقٌ لغيرك؛ بمقتضى “العدل الإسلامي” الذي هو القيمة القطب في الإسلام .. “حِب لأخيك ما تحب لنفسك” .. وما كان حقاً لك تُطالبُ به غيرَك في تعامله معك : كان واجباً عليك يُطالبك به غيرُك في تعاملك معه .. هذا صريح العدل !
ثم إن الله تعالى يقول : (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125] .. فكيف ندعو .. بل وكيف نجادل .. بل ومع مَن نجادل .. بل وفي أي شيء نتجادل : لو كان مجرد “التعبير العلني والصريح” عن المعتقدات غير الإسلامية بمثابة إعلان حرب على الدين يستوجب قتل فاعله؟!!
ثم إن هذا يستلزم، فوق ذلك، تحريم وإحراق جميع كتب “علم مقارنة الأديان” التي انشأته الحضارة الإسلامية إنشاءً، أليس لُبُّه، بل كله : “تعبير علني وصريح ومُحكم” لكل الشبهات المثارة حول الإسلام عقيدةً وشريعة، ثم مناقشتها وتفنيدها؟!
أما إعلان الحرب على دين الأغلبية وقيمها في أي مجتمع من المجتمعات فإنما يكون بـ : سب هذه القيم أو الاستهزاء بها والسخرية منها (لا مجرد طرحها على منضدة “المداولة العقلية والفكرية والفلسفية”) .. وهذا ما لا نقبله بإطلاق تجاه كافة المعتقدات : إسلاميةً وغيرَ إسلامية؛ لأنه مصادِم لقواطع القرآن؛ يقول تعالى : (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108]. ثم إنه، فوق ذلك، مُحَرَّم بالنظر إلى مآلات الأفعال؛ فمآل السب والقذف والاستهزاء : هو زرع البغضاء بين الساب والمسبوب، ونشر بذور الأحقاد، وريُّ حقول الانتقام، ثم : تبادل هذا السب والقذف، ثم : التخطيط للفتك بالغير ابتغاء إسكات لسانه إلى الأبد. وهذا كله مضادٌ لـ “مقصد التعارف” الذي نص عليه الإسلام : (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات: 13].
بل إن مقصد التعارف ذاته يقتضي أن نفتح الباب للتعبير العلني والصريح عن الأفكار والمعتقدات – كل الأفكار والمعتقدات- ، وإلا فكيف يتم تنفيذ وتفعيل هذا المقصد الرباني على أكمل وجه وأتمه، “مقصد التعارف العقلي والفكري بين البشر” الذي هو أحد أوجه “مقصد التعارف العام الشامل”؟!
(47) التصور الإسلامي للوجود قائم على حقيقتين أساسيتين :
(الأولى) : وحدانية الخالق : فالله وحده هو الواحد، وما عداه متعدد، هو واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، وهو الخالق وحده، والمحيي والمميت وحده، وهو المعبود وحده، فلا يستحق العبادة غيره، ولا الاستعانة سواه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص: 1- 4].
(والثانية) : تعددية الخلق : وهي تعددية في الخلق والعرق واللسان والدين والثقافة والسياسة والفقه :
* فهناك تعدد في نظام المخلوقات : فالله وحده هو المنفرد بالوحدانية، وكل ما عداه فهو متعدد يقوم على الازدواج والزوجية والتنوع والتعدد : (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات: 49]، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) [فاطر: 27- 28].
* وهناك تعدد في الأجناس والعناصر والأعراق : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات: 13]؛ خلقناكم من ذكر وأنثى، كلكم أبناء آدم وحواء، وكلكم أبناء رجل وامرأة، وجعلناكم شعوباً وقبائل : هذا عربي، وذا تركي، وذاك هندي، هذا أوربي، وذا فارسي، لتعارفوا، لتتفاهموا، لتتعاونوا، لا لتتناكروا أو تتصادموا أو تتعادوا.
* وهناك تعدد في الألسنة : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم: 22]، فهذا يتكلم بالعربية، وآخر بالفارسية، وثالث بالتركية، ورابع بالإنجليزية، وخامس بالفرنسية، وسادس بالصينية أو اليابانية. فهناك لغات شتى وألسنة شتى يتحدث بها الناس، وهي آية من آيات الله لا يجوز لأحد أن يضِيق بها أو أن يضيِّق عليها أو أن يتعصب ضدها أو أن يفرض بالقوة على أهل لسان ترك لسانهم.
و”اختلاف الألسنة” فوق ذلك، يعني، ضمن ما يعني، اختلاف العقول والأفكار والمناهج والفلسفات؛ فاللسان ترجمان الفكر ووسيلة إعلامه الرسمية.
* وهناك تعددية دينية: فاختلاف الدين بين الناس، وتعدد الأديان، حقيقة واقعة لا مجال لإنكارها أو محوها في نظر الإسلام، فقد أرادت مشيئة الله تعالى أن يكون هذا النوع الإنساني مخلوقاً مختاراً، فقد منحه الله العقل والإرادة، فلابد أن تختلف مواقفهم واختياراتهم، هذا ما شاءه الله لهم، ولو شاء غيره لجعلهم ملائكة أو كالملائكة مفطورين على طاعة الله تعالى. قال تعالى : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود: 18- 19]؛ أي وللاختلاف خلقهم. فهذا الاختلاف واقع بمقتضى خلق الله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [التغابن: 2].
لقد خلق الله من خلقه خلقاً مفطورين على عبادته : (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20]، وهؤلاء هم الملائكة.
وخلق من خلقه خلقاً آخر ميزه بالإرادة والاختيار، هو الذي يقرر مصير نفسه : (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) [يونس 108]، (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا) [فصلت: 46]، (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29]، (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) [الفرقان: 62]، وهذا هو الإنسان، لم يشأ الله أن يجبره على دين واحد، ولا على الإيمان به، بل ترك له الحرية، وأعطاه الأدوات التي يفكر بها، وبعث له الرسل، وأنـزل له الكتب، ثم ترك له حرية الاختيار؛ لأن الله خلق الناس متغايرين في الفكر والإرادة، فلا بد أن يتغايروا في الدين الذي يختارونه ابتداءً وبقاءً : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99]؛ وهذا استفهام إنكاري معناه أنه لا يجوز أن يُكره الناس على شيء ولو كان هو الإيمان. ولهذا يجب أن يسع أهل الأديان بعضهم بعضاً، ولا يُجبر أناس على دين ابتداءً أو إبقاءً : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ) [البقرة: 256]. ثم إن الاضطهاد والإيذاء من أجل تغيير الدين اعتبره القرآن “فتنة”، بل واعتبره فتنة “أشد من القتل”، و”أكبر من القتل”، وأمر بالقتال لمنعها : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ) [البقرة: 193].
ولقد جمع القرآن بين أمرين يظنهما كثير من الناس متناقضين لا يجتمعان : الاعتزاز بالدين إلى أقصى حد، والسماحة في التعامل مع المخالف في الدين إلى أقصى حد كذلك : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون: 2- 6]، ففي آية “فصلت” اعتزاز بالإسلام ومباهاة به وبالانتماء له وبالعمل له وبه، وفي آيات “الكافرون” تكرار وتوكيد مقصود لتثبيت النبي والمؤمنين على دينهم، والتشبث به، والاعتزاز به إلى آخر مدى، ثم يختم هذه الآيات بسماحة عجيبة، وحسم صارم معاً : “لكم دينكم ولي دين”؛ أي : لا خلط بين الأديان، لا خلط بين الحق والباطل، لك شأنك ولي شأني، وأي : أن الحياة تتسع لي ولكم وإن اختلفت أدياننا، لكنَّ المشركين المتعصبين قالوا له بلسان الحال : لا، لنا ديننا وليس لك دينك! وهذا هو التعصب بعينه، أن تثبت نفسك، وتنفي من عداك.
نعم، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19]. نعم، يجب على المسلم أن يعتقد أن الإسلام وحده هو الحق. ولكنَّ هذا لا يمنع أن هناك أدياناً غير الإسلام يؤمن بها أصحابها – وإن كانت في نظره باطلة-، حتى دين المشركين الوثنيين، فقد قال الله على لسان رسوله مخاطباً المشركين : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)؛ فسماه ديناً. وخاطب أهل الكتاب : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ) [النساء: 171]، (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ) [المائدة: 77]؛ فسماه ديناً كذلك. وقال تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ) [آل عمران: 83]؛ فدل بمفهومه على أن هناك أدياناً غيرَ دين الله تُبتغى. وقال تعالى : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران: 85]؛ فدل كذلك على أن هناك أدياناً أخرى تبتغى، وأن بطلانها، وعدم قبولها عند الله، لا يمنع من أن يُطلق عليها اسم “الدين”. وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33]؛ فدل على أن هناك نوعين من الأديان : “دين الحق” و”أديان الباطل”، ودل كذلك على ان بطلانها – أياً كانت- لا يمنع من إطلاق اسم “الدين” عليها.
كيف لا، واختلاف الناس واقع – كما ذكرنا- بمشيئة الله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ) [التغابن: 2]، (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) [هود: 118]. ومادام من مشيئة الله التي لا تنفصل عن حكمته، فلا يُعقل ان يقاوم الإنسان مشيئة الله؛ لأن مشيئة الله هي النافذة والغالبة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ولهذا سيستريح المؤمن حين يوقن أن هذا هو ما يشاؤه الله، هل سنعدل على الله خلقه أو كونه، وقد خلقه هكذا؟! وهو الذي أحسن كل شيء خلقه؟! أم أن المسلم سينظم الكون بأفضل مما نظمه الله عز وجل؟!
كيف لا، والناس إذا اختلفوا – آمنوا أو كفروا، اهتدوا أو ضلوا، صلحوا أو فسدوا-، ليس حسابهم في هذه الدار، وإنما هناك دار أخرى للحساب والجزاء، يتولى الله فيها ذلك بنفسه : (وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [الحج: 68- 69]، (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى: 15]، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [الحج: 17]، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113].
كيف لا، والإسلام يكرم الإنسان من حيث هو إنسان، أي من حيث آدميته : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70]؛ فهذا الإنسان مكرم عند الله بغض النظر عن لون عينيه أو بشرته، أو نعومة شعره أو جعودته، أو عرقه أو طبقته أو حتى دينه؛ فالآية مطلقة، وقد جاء في الصحيحين أن النبيصلى الله عليه وسلم مرت به جنازة، فقام لها واقفاً، فقالوا : يا رسول الله إنها جنازة يهودي – متعجبين من قيامه لها وهي ليست لمسلم- فقالصلى الله عليه وسلم : “أليست نفساً” [أخرجه البخاري (1312) ومسلم (961)]؛ فالنفس البشرية – من حيث هي نفس- مكرمة ومحترمة في الإسلام. كما رأيناهصلى الله عليه وسلم ينهى عن التمثيل بجثث المشركين في الحرب : “لا تَغُلُّوا ولا تَغْدروا ولا تمثلوا” [أخرجه مسلم (1731)]، على الرغم من كونهم مشركين، وأنهم معادون مقاتلون، فهوصلى الله عليه وسلم لا يجيز الانتقام منهم بتشويه جثثهم بعد موتهم، فلا يجوز أن يعاقب الإنسان بعد موته.
* وهناك تعددية ثقافية : والتعددية الدينية السابقة يترتب عليها تعددية ثقافية، فما دام الناس يتعددون دينياً فلابد أن يتعددوا ثقافياً.
والتعدد الثقافي منه ما يتصل بالحياة ومفاهيمها، ومنه ما يتصل بالتصورات الفلسفية، ومنه ما يتصل بآدابها وفنونها، ومنه ما يتصل بتقاليدها وعادات الناس فيها : في الملبس والمأكل والمشرب والمسكن. والإسلام يقدر هذا الاختلاف ولا يضيق به؛ كيف ذلك وهو الذي اتسع صدره ووجهت أصوله لقبول أس التعدد الثقافي، بل أس أمر الإنسان كله، وهو التعدد الديني.
* وهناك التعددية السياسية : التي هي نتاج طبيعي للتعددية الثقافية والفكرية. والإسلام لا يضيق بتعدد الأحزاب والجماعات السياسية، ولو كانت معارضة للنظام الحاكم، بل هذا ما جاء به الإسلام من قديم : تَرْكُ الناس ليعبروا عن آرائهم؛ فليس رئيس الدولة المسلمة إماماً معصوماً، وليس رجالها وأعضاء حكومتها كهنةً مقدسين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ويحسنون ويسيئون، ويطيعون الله ويعصون، وعلى الناس أن يعينوهم إذا أحسنوا، ويقوموهم إذا أساؤوا، ويرفضوا طاعتهم إذا أمروا بمعصية، يقولصلى الله عليه وسلم : “السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة” [أخرجه البخاري (7144) ومسلم (1839)].
وإذا انتفت العصمة والقداسة فكل الناس بشر، والقيادة الرشيدة والمجتمع الراشد إنما يزدهران بتداول الرأي والحوار وتبادل وجهات النظر؛ لما وراء ذلك من جلب لمصالح لا تخفى، ودرء لمفاسد لا تنحصر.
وأما ما ننكره في ميدان السياسة فهو ما ننكره في ميدان الفقه : التقليد الغبي، والعصبية العمياء، وإضفاء القداسة على بعض الزعامات كأنهم أنبياء، فهذا هو منبع الوبال والخبال.
* وهناك تعددية في الفقه : إذ الاختلاف في فهم الاحكام الشرعية، وفي الاستنباط من النصوص، وفي الاجتهاد في ضوئها وعلى هدي منها، ضرورة لابد منها ولا مفر، أوجبتها :
أ- طبيعة الدين : لأن الله تعالى جعل نصوص الدين منها ما هو قطعي في ثبوته أو في دلالته، أو فيهما معاً، ومنها ما هو ظني في ثبوته أو دلالته، أو فيهما معاً. وفي الظني تختلف الأفهام والاجتهادات لا محالة.
ب- وطبيعة اللغة : لأن الدين قائم على نصوص لغوية، واللغة فيها الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والمجمل والمفصل، والظاهر والمؤول، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وهذه كلها مجالات واسعة لاختلاف العقول والآراء كما هو بيِّن في علوم أصول الفقه والفقه والتفسير وشروح الحديث.
ج- وطبيعة البشر : لأن البشر منهم من يميل إلى التشديد، ومنهم من يميل إلى التيسير، ومنهم من يميل إلى الظواهر، ومنهم من يميل إلى المقاصد، ومنهم من يُفتح عليه في الاستنباط، ومنهم من لا يوفق إلى ذلك.
د- وطبيعة الكون والحياة : لأن الكون كله قائم على ظاهرة التنوع، أو اختلاف الألوان كما يسميها القرآن الكريم. والإنسان جزء من الكون، فلابد أن يخضع لسننه العامة. خاصةً وأن القرآن الكريم قد أشار إلى “اختلاف الألسنة”، وهو ما يعني، ضمن ما يعني، اختلاف العقول والأفكار والمناهج؛ فاللسان – كما ذكرنا من قبل- ترجمان الفكر ووسيلة إعلامه الرسمية.
* وهكذا رأينا الإسلام يقر التعددية بكل ألوانها وصورها، ويعلم المسلمين أن الحياة تتسع للمخالف، ولابد أن يُربَّى الناس – كل الناس، مسلمين وغير مسلمين- على هذه الحقيقة، أن يسع بعضهم بعضاً، ويقبل بعضهم بعضاً، وتتسع صدورهم لمخالفيهم في العقيدة أو الثقافة أو الفكر أو السياسة أو الفقه أو اللسان أو اللون أو العرق.
ولذلك رأينا الإسلام يأمر بدعوة المخالفين في أس الأمر كله، العقيدة الدينية، بطريق الحوار، بل بأحسن طرق الحوار، وأرق الأساليب التي تقرب بين المتباعدين، وهو ما سماه القرآن “الجدال بالتي هي أحسن” : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت: 46]. وهذا كله مع المخالفين في العقيدة، فكيف بالمخالفين فيما دونها، وكلُّ شيء دونها؟!
ومن ثم، كان الإيمان بالتعددية مستلزماً للحوار والسماحة بدلاً من القطيعة والتعصب، وللرفق والرحمة بدلاً من العنف والنقمة، وللائتلاف والتضامن بدلاً من التخالف والتدابر والتشاحن.
ولذا كان من المهم التعايش بين الحضارات، والتلاقح بين الثقافات، وتفاعل بعضها مع بعض، واقتباس بعضها من بعض – اقتباساً رشيداً يأخذ النافع ويُعرض عن الضار-، دون انكماش ولا استعلاء.
* إذاً، وبناءً على ما تقدم، وجب ويجب على المسلم أن يؤمن بجواز وقوع التعددية الدينية – ابتداءً وإبقاءً.
للتوسع، انظر وقارن بـ : الحرية الدينية والتعددية في نظر الإسلام، د/ يوسف القرضاوي، (ص 13- 14، 57- 59، 62- 66، 68- 72، 73، 75، 84). وخطابنا الإسلامي، القرضاوي، (ص 106- 108). والصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد، القرضاوي، (ص 224- 225، 118- 119). والصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم، القرضاوي، (ص 42- 49). وكيف نتعامل مع التراث، القرضاوي، (ص 197- 198). وفقه الوسطية، القرضاوي، (ص 226- 227). والإسلام والتعددية – الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة، د/ محمد عمارة، الكتاب كله. والإسلام وحقوق الإنسان، عمارة، (ص 19). ومعالم المنهج الإسلامي، عمارة، (ص 79، 80، 90- 93). ومفهوم حرية التعبير عن الرأي في الإسلام، د/ إسماعيل الحسني، ص (19).
(48) جزء من حديث للنبيصلى الله عليه وسلم مر علينا قبل قليل. أخرجه مسلم (1784).
(49) يقول تعالى : (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أي يقولوا سمعنا وأطعنا وأؤلئك هم المفلحون) [النور: 51] .. (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [الأحزاب: 36] .. (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى (ومنه إلزام الناس بمطلوب الدين من إقامة وحفظ مصالح الأمة التي أمر بها وأرشد إليها) وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (ومنه عدم معاقبة كل من استهتر بمطلوب الدين من إقامة وحفظ مصالح الأمة التي أمر بها وأرشد إليها)) [المائدة: 2].
وبناءً عليه :
أ- فليس من الإسلام حرية الانسلاخ من أحكام شريعته مادام الشخص لا يزال مدعياً للإسلام وزاعماً الانتماء له. وهذا يستوجب إلزامه – أو عقابه- قانونياً.
ب- وليس من الإسلام حرية تحريف الإسلام مادام الشخص لا يزال مدعياً للإسلام وزاعماً الانتماء له. وهذا يستوجب شيئين تجاه صنفين من الناس :
(الأول) : الإجابةَ عن ما قد يشوش عليه من شبهات، ودفعَ ما يحيطه من شكوك، إن كان مجرد حامل معلن لها، سائل عنها بحثاً عن إجابة مقنعة تدحضها، تقر بها عينه، ويطمئن إليها قلبه، ويستريح بها باله، ويتعافى بها فكره، وإن امتد ذلك إلى آخر عمره. وهذا نعامله معاملة المسلم للمسلم إلى أن يصرح بتركه للإسلام، أو إلى أن يأتي بما ينقض إسلامه قولاً أو فعلاً.
(والثاني) : إعلامَه بالحق، وإبطالَ باطله، فإن أصر على ما يدعيه من تحريف مصادم لثوابت وقواطع الإسلام، ناسباً إياه إلى الإسلام، أو مدعياً أن الإسلام يسمح به أو يرشد إليه، أصبح مرتداً عن الإسلام، نعامله – كما سبق البيان والتفصيل- معاملة المسلم لغير المسلم، بعد إثبات وإعلان ردته تلك عن طريق القضاء، مع حقه الكامل في أن يقول بعد ذلك ما يشاء – في نطاق آداب الحوار وقواعد المناظرة- ، مبادلين إياه الحجة بالحجة، وداحضين أية مزاعم يحاول أن يروجها في دنيا الفكر، بلا إرهاب ولا ترويع ولا تضييق ولا تكميم للأفواه – كما سبق البيان غيرُ مرة-.
ولنا في القرآن الكريم أسوة حسنة : فهو يطرح الفكر المضاد من موقع الثقة بفكره، لأنه يملك من (العناصر الحيوية المتحركة) ما يدحض به هذا الفكر المضاد. وهكذا الأمر يجب أن يكون مع أي فكر يطرح نفسه لقيادة الحياة – والإسلام في المقدمة من ذلك- ، فإن إحساسه بالقوة – المنبثقة عن الأساس العقلي المتين- يجعله في بُعد عن التفكير في اضطهاد الفكر المضاد؛ لأن التفكير في الاضطهاد إنما ينبعث من موقع (الضعف) و(الخوف من الغير)، لا من موقع (الإحساس بقوة الذات) و(الثقة في الإمكانيات الهائلة الكامنة).
(50) وتفصيل ذلك – مع مناقشة المخالفين- لا يتسع له المقام هنا، فنكتفي بالإشارة الواردة في المتن.
(51) الإسلام عقيدة وشريعة، شيخ الأزهر/ محمود شلتوت، (ص 252).
(52) تعقيب على بحث حد الردة، عوض، (ص 211- 212). ولا إكراه في الدين، العلواني، (ص 160).
(53) تعقيب على بحث حد الردة، عوض، (ص 212).
(54) لا إكراه في الدين، العلواني، (ص 150، 175).
(55) أخرجه البخاري 6923 ومسلم 1733.
(56) وهو غير صريح في ذلك كما سبق البيان.
(57) الحرية في الإسلام، عاصم حفني، ص (2).
المصادر والمراجع
1- الإسلام عقيدة وشريعة، شيخ الأزهر العلامة/ محمود شلتوت، ط 1980م، دار الشروق – القاهرة.
2- الإسلام والتعددية، أستاذنا وشيخنا الجليل فيلسوف المشروع الحضاري الإسلامي وفقيه الفلاسفة د/ محمد عمارة، ط 1، 1997م، دار الرشاد – القاهرة.
3- الإسلام وحرية الفكر، جمال البنا 58، ط 1، 2008م، دار الشروق – القاهرة.
4- التحرير والتنوير، العلامة الجليل/ محمد الطاهر بن عاشور، الجزء الثالث، ط 1984م، الدار التونسية للنشر – تونس.
5- تعقيب على بحث: حد الردة في الفكر الإسلامي المعاصر – قراءة نقدية في ضوء النص القرآني، أستاذنا الجليل الفقيه المجتهد وعلامة الفقه الجنائي د/ عوض محمد عوض، مجلة المسلم المعاصر، العدد (98)، السنة (25)، رجب – رمضان 1421هـ = أكتوبر – ديسمبر 2000م.
6- التفسير الماركسي للإسلام، د/ محمد عمارة، ط 2، 2002م، دار الشروق- القاهرة.
7- تفنيد دعوى حد الردة، جمال البنا، ط 1، 2008م، دار الشروق – القاهرة.
8- جريمة الردة وعقوبة المرتد في ضوء القرآن والسنة، أستاذنا وشيخنا الجليل فقيه المشروع الحضاري الإسلامي العلامة الفقيه المجتهد الإمام د/ يوسف القرضاوي، ط 1، 2001م، مؤسسة الرسالة – بيروت.
9- الجنايات – وعقوباتها في الإسلام- وحقوق الإنسان، الفقيه المجتهد العلامة د/ محمد بلتاجي، ط 1، 2003م، دار السلام- القاهرة.
10- الحرية الدينية في الإسلام، الفقيه الجليل د/ عبد المتعال الصعيدي، ط 2001م، دار المعارف – القاهرة.
11- حرية الفكر في الإسلام، د/ عبد المتعال الصعيدي، ص (79، 80)، ط 2001م، دار المعارف – القاهرة.
12- الحرية في الإسلام: الردة بين حرية العقيدة والخروج على الجماعة، عاصم حفني، بحث مقدم إلى مؤتمر: اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث – مكتبة الإسكندرية – يناير 2009م.
13- حصاد قلم، أحد أعلام الدين العلامة الإمام د/ محمد عبد الله دراز، ط 1، 2004م، دار القلم – القاهرة.
14- الحق في التعبير، أستاذنا الجليل العلامة د/ محمد سليم العوا، ط 2، 2003م، دار الشروق – القاهرة.
15- حقوق الإنسان: بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، حكيم الدعوة الإسلامية الشيخ الكبير/ محمد الغزالي، ط 5، 2002م، دار الدعوة – الإسكندرية.
16- الحوار الإسلامي العلماني، أستاذنا وشيخنا الجليل أبن خلدون العصر المستشار/ طارق البشري، ط 3، 2006م، دار الشروق – القاهرة.
17- خَطْبٌ جلل، د/ محمد عباس، مقال منشور على موقعه على الإنترنت: www.mohamadabbas.net
18- الردة: الخروج (من) أم الخروج (على)؟، د. كمال المصري، مقال منشور على موقع (إسلام أون لاين) في فبراير 2002م.
19- الردة والحرية الدينية والفكرية، يحيى رضا جاد، مخطوط سينشر قريباً إن شاء الله في مكتبة وهبة بالقاهرة. وهو بحث موسع وكبير استللتُ منه المقال الذي قرأه القارئ الكريم الآن.
20- عقوبة الارتداد عن الدين: بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين، العالم اللغوي الكبير د/ عبد العظيم المطعني، ط 1، 1993م، مكتبة وهبة – القاهرة.
21- فقه السنة، الشيخ الجليل/ السيد سابق، 3/200- 209، ط 2، 1999م، دار الفتح للإعلام العربي – القاهرة.
22- في أصول النظام الجنائي الإسلامي، د/ محمد سليم العوا، ط 1، يناير 2006م، مكتبة نهضة مصر – القاهرة.
23- في فقه الاجتهاد والتجديد – دراسة تأصيلية تطبيقية، يحيى رضا جاد، تقديم أستاذنا الجليل د/ محمد عمارة، ط 1، 2010م، دار السلام – الأزهر/القاهرة.
24- ضوابط التأويل الإسلامي لنصوص القرآن والسنة، يحيى جاد، قيد النشر إن شاء الله.
25- قتل المرتد إذا لم يتب، د/ عبد الله قادري الأهدل، بحث منشور على موقع (مكتبة صيد الفوائد) على شبكة الإنترنت.
26- الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، أستاذنا وشيخنا الجليل شاطبي العصر د/ أحمد الريسوني، ط 2007م، إصدارات اللجنة العلمية لحركة التوحيد والإصلاح، الرباط – المغرب.
27- لا إكراه في الدين: إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم، أستاذنا الجليل العلامة د/ طه جابر العلواني، ط 2، نوفمبر 2006م، المعهد العالمي للفكر الإسلامي – مكتبة الشروق الدولية – القاهرة.
28- مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، جمع وتحقيق د/ محمد حميد الله الحيدر آبادي، ص (39- 47)، ط 1969م، دار الإرشاد – بيروت.
29- المحلى، الإمام ابن حزم، 11/201- 227، ط دار التراث – القاهرة.
30- من فيض الرحمن، إمام الدعاة بالقرآن الشيخ الرباني الجليل/ محمد متولي الشعراوي، ط 2009م، أخبار اليوم- القاهرة.
31- الموافقات، الإمام الشاطبي، تحقيق/ عبد الله دراز، دار المعرفة – بيروت.
32- موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته، د/ وهبة الزحيلي، 7/5576- 5588، ط 4 المعدلة، 2004م، دار الفكر – دمشق.
33- هذا ديننا، محمد الغزالي، ط 5، 2001م، دار الشروق – القاهرة.
34- يوسف القرضاوي – فيلسوف الفقهاء وفقيه المشروع الحضاري الإسلامي، يحيى جاد، قيد النشر إن شاء الله.
35- بالإضافة إلى ما استطعنا الرجوع إليه من أمهات كتب أصول الفقه والتفسير وفقه الحديث والفقه الإسلامي ومذاهبه – قديماُ وحديثاً-، وكلها معروف مشتهِر، فلا نطيل بذكرها اكتفاءً بالإشارة والتنبيه.