أبحاث

خطاب الضمان المصرفي

العدد 143

فهذا الموضوع من الموضوعات المهمة المعاصرة الشائكة، وله أهمية قصوى لمزاولة البنوك هذا النشاط على نطاق واسع لما يدر عليها من الأرباح، وعلى الرغم من كثرة البحوث والفتاوى والقرارات الصادرة حول هذه القضية فإنها لا تزال محل خلاف ومثار للنـزاع ولاسيما في تقاضي الرسوم والأجور بنسبة معينة مقابل الضمان بالنظر إلى المبلغ الذي يتضمنه خطاب الضمان وأخذ مدة الكفالة بعين الاعتبار، فقد ذهب معظم الفقهاء والاقتصاديين المسلمين المعاصرين إلى عدم جواز أخذ الأجر لقاء الضمان على النحو الذي ذكر آنفًا، وهذا ينطبق على خطاب الضمان أيضًا، كما أن الخلاف يتمثل في خطاب الضمان الذي لا يوجد له رصيد لدى العميل يغطي ما تضمنه الخطاب، ولا إشكال لدى البنوك الربوية أن تأخذ عمولة مقطوعة أو نسبة معينة من الأجر حسب المبلغ الذي ينطوي عليه الخطاب، ولكن المصارف الإسلامية بما أنها تتوخى أن تكون معاملاتها سليمة من المحاذير تحرص على التدقيق في هذه القضايا في ضوء القناعة الشرعية.

المحور الأول: مفهوم الضمان لغة وشرعًا:

قبل أن نتطرق إلى صميم الموضوع الذي نحن بصدد البحث فيه وهو خطاب الضمان المصرفي يجب أن نعرج على معنى الضمان لغة وشرعًا لكي يكون التنظير مبنيًا على التصور الصحيح.

يدل الضمان لغة على معان متعددة. منها: التحول والمسؤولية والالتزام، جاء في “لسان العرب” لابن منظور: “ضمن الشيء وبه ضمنًا وضمانًا: كفل به، وضمنه إياه: كفّله”. وقال الفيروز آبادي في “القاموس”: “إن قولك ضمنته الشيء تضمينًا، فتضمنه عني بمعنى: غرّمته، فالتزمه، ومنها الكفالة، تقول: ضمنته الشيء ضمانًا، فهو ضامن وكفيل“(1).

وقال ابن فارس: “الكاف والفاء واللام أصل صحيح يدل على تضمن الشيء للشيء … ومن الباب: الكفيل وهو الضامن، تقول: كفل به يكفل كفالة”(2).

ويتبين من هذه النصوص أن الضمان والكفالة يخلصان إلى مفهوم واحد. وهذا ما قرره أهل الفقه أيضًا، يقول الإمام ابن رشد الجدّ: “الكفالة هي الضمان، ومعناه: التزام بالشيء …”(3).

ولكن يجب أن يلاحظ أن معنى الضمان في الاصطلاح الفقهي أعم من مفهوم الكفالة، فإن الكفالة يراد بها أحد مدلولات الضمان وهو الضمان المجرد أي الالتزام المحض غير المقترن بعقد من العقود المالية. وهذا ما ألمح إليه الإمام الرافعي بقوله:

– “الضمان محض التزام وليس موضوعًا على قواعد المعاقدات”(4).

وهنا ينبغي التنبيه إلى عدة أمور ذات صلة وثيقة بالموضوع:

(أ‌) أن فقهاء المذهب الحنفي بحثوا هذا النوع من الضمان المجرد تحت عنوان الكفالة، سواء أكانت الكفالة كفالة مال أم كفالة نفس، وإن كانوا أحيانًا يستعملون تعبير الضمان لتناول أحكام الكفالة تحته، كما في “الجامع الكبير”(5).

أما الحنابلة والشافعية فإنهم عقدوا باب الضمان وفصلوا فيه أحكامه، وربما وضعوا بابًا خاصًا بعنوان الكفالة ويعنون به كفالة البدن، كما أن معظم المالكية يفضلون التعبير بكلمة الحمالة بدلاً من الكفالة أو الضمان(6).

(ب‌)  الكفالة مفهومًا واضح لا التباس فيه. أما الضمان فهو يطلق على ثلاثة انواع:

1- الضمان بمعنى الكفالة كما ذكرنا آنفًا.

2- ضمان العقود: وهو الالتزام المقرون بعقد من العقود المالية، ويترتب عليه تعويض مالي مرتبط بالعقد. ولذلك يقال: دخل المبيع في ضمان المشتري أي أصبح المشتري مسئولاً يتحمل أعباء المبيع فإذا عطب أو تلف ففي عهدته.

وهذا النوع من الضمان له امتداد في نظام الشركات فإنه يمكن أن يكون سببًا لاستحقاق الربح، كما يتجلى ذلك بالنظر في شركة الوجوه، وسيأتي بيان ذلك في المحور الثالث من هذا البحث.

3- ضمان المتلفات: وهو عبارة عن تعويض مفسدة مالية، وقد ينشأ ذلك من وضع اليد على المال بغير حق كما في حالة الغضب مثلاً، أو يكون نتيجة إتلاف مباشر أو تسببًا، وكذلك جميع حالات التعدي ينسحب عليها هذا الحكم.

ومن الفروق الجوهرية بين هذين النوعين الأخيرين: أن في ضمان العقد لا يقوم التعويض على اعتبار المماثلة وإنما يكون بناء على تراضي العاقدين مسبّقًا وقت التعاقد.

أما في المتلفات فيقوم التعويض على اعتبار المماثلة بقدر ما أمكن، وعند تعذر المثلية ينظر إلى القيمة، إذ المقصود فيها دفع الضرر وجبره بالعدل والإنصاف.

(ج) هناك قاعدة من قواعد مجلة الأحكام العدلية وهي “الأجر والضمان لا يجتمعان”(7)، وأصلها عند الإمام محمد بن الحسن الشيباني بلفظ “لا يجتمع الأجر والضمان”(8)، هذه القاعدة محدودة المعنى، وقد تبناها المذهب الحنفي وأخذ بها ابن أبي ليلى أيضًا(9)، وعلاقتها بضمان المتلفات فقط، فلا صلة لها بالضمان المجرد المعبر عنه بالكفالة.

(د) شاع استعمال كلمة “الجعل” هنا في باب الضمان والكفالة بمعنى الأجر، فقد استعمله الفقهاء في مناسبات وأبواب شتى في هذا المعنى، فعلى سبيل المثال يقول ابن قدامة: “ويجوز التوكيل بجعل وبغير جعل …”(10). ويستفاد من ذلك أن هذا التعبير مطرد وليس بخاص بباب الجعالة.

هذا، وقد اختلفت المذاهب الفقهية في التعبير عن مفهوم الضمان = الكفالة، ولكن نتيجتها واحدة ومن المناسب أن نقف على نبذة من عباراتهم لكي يمكن الوصول من خلالها إلى مفهوم محدد لا اختلاف فيه، فهي كالآتي:

“الكفالة شرعًا: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة”(11).

– “الكفالة التزام المطالبة”(12).

– “الضمان شغل ذمة أخرى بالحق”(13).

– “الضمان هو التزام ما في ذمة الغير من المال”(14).

– “الضمان التزام ما وجب أو يجب على غيره مع بقائه عليه، أو هو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره فيما يلزمه حالاً أو مآلاً”(15).

وقد عبر عنه الباجي المالكي بقوله: “وأما الحمالة بالمال فمعناها التزام إيصال المال إلى من تحمل له به”(16).

فإذا دققنا النظر في هذه التعريفات وفي كلام شراحها وجدناها متحدة المعنى وجميعها ينصب على مفهوم انضمام ذمة الكفيل إلى ذمة المدين الأصلي ويترتب على ذلك صحة توجيه المطالبة إليه بالأداء(17)، وخلاصة ما ذكر بصدد التعريف لدى معظم الفقهاء تتجلى فيما قاله ابن قدامة وهو أن “الضمان: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما”(18)، “ومقتضى الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه وكفل به”(19)، و”أن الضمان إذا صح، لزم الضامن أداء ما ضمنه، وكان المضمون له مطالبته، ولا نعلم في هذا خلافًا، وهو فائدة الضمان”(20).

وهنا يجب أن يلاحظ أن جمهور الفقهاء يرون أن للمكفول له حق المطالبة من يشاء من الكفيل أو الأصيل أو مطالبتهما معًا، ولكن الرأي المرجوح عن الإمام مالك أن الكفيل لا يطالب إلا عند تعذر الاستيفاء من الأصيل بسبب من الأسباب.

قال القاضي أبو إسحاق المالكي في “معين الحكام”: “كان مالك رحمه الله يقول: يتبع أيهما شاء، ثم رجع إلى أنه لا يطلب الحميل إلا مع تعذر الأخذ من الغريم لغيبه أو عُدم أو موت”(21).

وهذا الرأي ينسجم مع خطاب الضمان تمامًا، لأن مطالبة المصرف من المكفول له لا تكون عادة إلا في حالة تأخر العميل وإخلاله في الوفاء بالتزاماته.

حكمة مشروعية الكفالة وطبيعتها:

ترجع مشروعية الكفالة إلى الإرفاق بالمدين والترفيه عنه بحيث يتيسر له عن طريقها التعامل مع الناس في التجارة وغيرها، كما أنها ترجع إلى حفظ حقوق الدائن من الضياع أو التعطيل بسبب تفريط من المدين، فالكفيل بالتزامه يقوم بتوثيق الحقوق بين المدينين والدائنين لما يحظى من الثقة والملاءة، وفي ذلك كله يتجلى رفع الحرج عن العباد، وقد أفصح الفقهاء عن هذا المعنى في العبارات الآتية:

– “الكفالة شرعت وثيقة لصاحب الحق كي لا يفوت حقه”(22).

– “أما الضمان فهو أخذ الوثائق في الأموال …”(23).

– “الضمان لتوثيق الحق”(24).

– “ولأنه – أي الضمان – لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها”(25).

وبما أن هذا العقد يدخل في زمرة عقود الاستيثاق، وقد يتحمل الكفيل بسبب التزامه مسئولية، فبالتالي ليس من المعقول أن يقدم إنسان رشيد على تقبل الالتزام وإقحام نفسه في شأن غيره إلا ابتغاء وجه الله تعالى من باب التعاون والمناصرة، ولكنه ليس من الميسور في ميدان التجارة أن ينطلق جميع الناس من هذا المنطق. وإلى هذا يشير قول السرخسي: “التجار يتحرزون عن الكفالة غاية التحرز. ولهذا قيل: الكفالة أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة”(26). ولذلك لا تتيسر الكفالة لكل من يرغب في الحصول عليها.

ثم أن طبيعة الكفالة كطبيعة العقود التي تعتبر من قبيل التبرعات، وقد ينتهي بها الأمر إلى أن تستمر تبرعات أو تنقلب معاوضات(27)؛ لأن بدايتها عبارة عن مجرد الالتزام من الكفيل، والالتزام المحض يشبه التبرع في نظر الفقهاء. قال الإمام السرخسي: “الكفالة في الابتداء تبرع …”(28)، وجاء في “مجمع الأنهر”: “الكفالة تشبه النذر ابتداء باعتبار الالتزام إذ لا يقابله شيء، وتشبه البيع انتهاء باعتبار الرجوع فيكون مبادلة المال بالمال”(29).

وقد نص فقهاء المذاهب الأربعة على أن من شروط صحة الكفالة أن تكون لدى الكفيل أهلية التبرع(30). ومقتضى كون الضمان من قبيل التبرعات أن لا يجوز الاعتياض عنه؛ ولذلك قال الإمام ابن قدامة: “والضمين والكفيل على بصيرة أنه لاحظ لهما”(31)، وهذا ما تنطق به عباراته الأخرى الكثيرة منها: أنه “تبرع بالتزام مال”(32)، “وهذا التزام مال لا فائدة فيه”(33)، “ولأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة”(34).

وقال الإمام ابن رشد الجد عند عرض أحكام الكفالة: “وهي من المعروف”(35).

وهكذا يبدو من نصوص الفقهاء أن اعتبار الكفالة تبرعًا مفهوم راسخ ومركوز في أذهانهم، على الرغم من أن الكفيل لا خيار له بعد الالتزام، إذ لا يتحقق المقصود من العقد في حالة وجود الخيار.

والظاهر أنه ليس هناك دليل نصيّ على كون الضمان من قبيل التبرع، ولكن هناك شبه إجماع حول هذه النقطة وهو معلل بتعليلات سيأتي ذكرها.

ويستوحي من بعض النصوص الحديثة أن الكفالة التزام مبني على التبرع، بمعنى أن الكفيل لا يسوغ له أن يكتسب من ورائها لكنه يستحق المساعدة بمقابل قيامه بالواجب المالي تجاه الغير، ولذلك لو تحمل الكفيل عبئًا ماليًا بناء على التزامه فينبغي أن يعان على ذلك بقدر أن يستوفي حقه ولو من أموال الزكاة، وليس بالضرورة أن يكون فقيرًا بل يمكن أن يكون غنيًا، كما يستفاد ذلك من النص التالي:

– ففي صحيح مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت رسول الله r أسأله فيها فقال: “أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها”، قال: “ثم قال يا قبيصة: “إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ..”(36). الحديث.

جاء في شرح الإمام القرطبي ما يلي:

– “قوله: تحملت حمالة”: أي ألزمتها نفسي، والحمالة ما لزم الإنسان تحمله من غُرم أو دية.

وكانت العرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرمًا في دية أو غيرها، قام أحدهم فتبرع بالتزام ذلك، والقيام به، حتى ترتفع تلك الثائرة، ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق … ولو سأل المتحمل في تلك الحمالة لم يعد ذلك نقصًا، بل شرفًا وفخرًا …”.

ومن نفيس كلام الإمام الخطابي في شرح هذا الحديث ما يلي:

– “قلت: في هذا الحديث علم كثير وفوائد جمة ويدخل في أبواب من العلم والحكم. وذلك أنه قد جعل من تحل له المسألة من الناس أقسامًا ثلاثة غنيًا وفقيرين وجعل الفقر على ضربين: فقرًا ظاهرًا وفقرًا باطنًا، فالغني الذي تحل له المسألة هو صاحب الحمالة وهي الكفالة، والحميل: الكفيل والضمين.

وتفسير الحمالة أن يقع بين القوم التشاجر في الدماء والأموال ويحدث بسببهما العداوة والشحناء ويخاف منها الفتن العظيمة، فيتوسط الرجل فيما بينهم ويسعى في إصلاح ذات البين ويتضمن مالاً لأصحاب الطوائل(37) يترضاهم بذلك حتى تسكن الثائرة وتعود بينهم الألفة، فهذا الرجل صنع معروفًا وابتغى بما أتاه صلاحًا فليس من المعروف أن تورّك الغرامة عليه في ماله، ولكن يعان على أداء ما تحمله منه ويعطي من الصدقة قدر ما يبرأ به ذمته ويخرج من عهده ما تضمنه منه”(38).

– هذا الحديث فيه ما يبعث على إبراز فكرة التكافل التعاوني(39) وتفتيت الأضرار وتوزيع المسئوليات الاجتماعية، إذ ورد فيه جواز إعانة الكفيل الغريم واستحقاقه سهمًا من الزكاة بقدر ما تحمل من تبعة الكفالة، حتى ولو كان غنيًا.

 

صلة الكفالة بالقرض:

من المعلوم أن القرض عقد إرفاق محض ومضمون بمثله بحيث إن أخذ الزيادة عليه مطلقًا عبارة عن الربا، كذلك الكفالة عقد تبرع ابتداء لا يستلزم أخذ العوض بسبب الالتزام المحض كما سبق، ولكن الكفالة تفترق عن القرض الفعلي الذي يتحقق بأداء المقرض مالاً للمستقرض ابتداء من حيث أن “الكفالة ليست بسبب وجوب المال بها ابتداء ولكنها التزام لما هو ثابت”(40)، أو هي بمثابة “إقراض للذمة والتزام على قصد التوثيق”(41)، فكأن الكفيل يقرض ذمته على أن يثبت فيها ما هو واجب في ذمة الأصيل(42)، والخلاصة أن “الكفالة التزام المطالبة”(43)، ولكن عند المطالبة ينشأ الدين في ذمة الكفيل ويجب عليه ما التزم به، وحينئذ يكتسب سمة القرض في حالة رجوع الكفيل على الأصيل. يقول الإمام السرخسي: “الكفالة بمنـزلة الإقراض فإنه تبرع في الالتزام وإن كان عند الأداء يرجع كما أن المقرض تبرع بأداء المال وإن كان له حق الرجوع في المال”(44) وإلى هذا ألمح الإمام الغزالي بقوله: “إن الضمان تبرع، وإنما يظهر هذا حيث لا رجوع، وأما حيث ثبت الرجوع فهو قرض محض”(45).

ونخلص من ذلك إلى أن مجرد الالتزام بأداء الدين من باب التبرع، ويظل تبرعًا لو أدى الضامن ما التزم به بدون أن يرجع على الأصيل المكفول، وكذلك إذا سدّد الأصيل المدين بنفسه لأن المكفول له لن يلجأ في هذه الحالة إلى الكفيل بمطالبة الدين. أما إذا ثبت الرجوع برجوع الكفيل على الأصيل لاستيفاء حقه منه بعد الأداء بناء على مطالبة المكفول له فحينئذ يكون ذلك قرضًا محضًا. ومعنى ذلك أن تحقق المطالبة على الكفيل وبالتالي نشوء المديونية في ذمته يقلب الالتزام المحض ابتداء إلى عقد معاوضة مثلية عبارة عن القرض.

وهذا الارتباط الوثيق بين العقدين جعل الضمان قرينًا وشبيهًا بالقرض من حيث عدم جواز أخذ الأجر على الضمان، كما سيلاحظ فيما أوردوه لدى تعليل هذا الموضوع.

– أخذ الأجر على الكفالة = (الضمان):

عرفنا أن هذا العقد قائم في بدايته على محض الالتزام وفي نهايته آيل إلى القرض عند رجوع الكفيل على الأصيل، وهذه هي الصورة التي ينطبق عليها خطاب الضمان المصرفي، وبناء على ذلك جنح جمهور المعاصرين من الفقهاء والاقتصاديين المسلمين إلى عدم جواز أخذ الأجر على الضمان، وقد تبنت المجامع الفقهية والهيئات المشرفة هذا الرأي بإصدار قرارات المنع بهذا الخصوص، وقد بنت فتواها في ضوء الرأي المأثور المقرون بعلة المنع كما سيأتي عرضها في المحور الثاني، ولمزيد من التأكيد على ما سلف أود إيراد بعض النصوص الفقهية التي تقرر المنع بصراحة، فهاك بيان ذلك:

قال ابن المنذر: “أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحمالة(46) بجعل يأخذه الحميل لا تحل ولا تجوز”(47).

قال ابن الهمام: “… وفي” الخلاصة: “كفل بمال على أن يجعل له الطالب جعلاً، فإن لم يكن مشروطًا في الكفالة فالشرط باطل، وإن كان مشروطًا فيها فالكفالة باطلة”(48).

وهذا ما عناه ابن غانم البغدادي بقوله: “لو شرط الجعل في أصل الضمان: بطل الجعل والضمان”(49).

وجاء في “التاج والإكليل”: “لا يجوز ضمان بجعل، لأن الضمان معروف، ولا يجوز أن يؤخذ عوض عن معروف وفعل خير”(50).

ويمكن أن يُكتفى في توجيه المنع أن الإجماع قائم على عدم جواز أخذ الأجر على الكفالة كما ذكر ابن المنذر، بناء على أن الضمان معروف وتبرع، ولكن الواقع أن المانعين عللوا رأيهم بعلل أخرى أيضًا، وهي كما يلي:

– علل الإمام السرخسي القول بالمنع بالرشوة إذ يقول:

– “ولو كفل رجل عن رجل على أن يجعل له جعلاً، فالجعل باطل، هكذا روى عن إبراهيم رحمه الله. وهذا لأنه رشوة، والرشوة حرام، فإن الطالب ليس يستوجب بهذه الكفالة زيادة مال، فلا يجوز أن يجل عليه عوض بمقابلته، ولكن الضمان جائز إذا لم يشترط الجعل، وإن كان الجعل مشروطًا فيه، فالضمان باطل أيضًا”(51).

وقال الإمام حافظ الدين بن البزاز الكردري الحنفي (المتوفى سنة 827هـ) في تعليل منع الأجر على الكفالة أن “الكفيل مقرض في حق المطلوب، فإذا شرط الجعل مع ضمان المثل فيه، شرط الزيادة على ما أقرضه، وإنه ربا”(52)، وهذا ما علل به العلامة ابن عابدين في حاشيته المسماه بـ “منحة الخالق” على البحر الرائق لابن نجيم(53).

كما أن هذا التعليل سبق إليه الإمام ابن قدامة إذ قال: بصدد شرح قوله: “ولو قال: أكفل عني ولك ألف: لم يجز: … فإن الكفيل يلزمه الدين، فإذا أداه وجب له على المكفول عنه، فصار كالقرض، فإذا أخذ عوضًا صار القرض جارًا للمنفعة فلم يجز”(54).

ونص المالكية على فساد الكفالة بسبب اشتراط الجعل “لأن الضامن إذا غرم رجع بمثل ما غرمه وازداد الجعل، وهذا سلف بزيادة، ولأن الضمان أحد الثلاثة التي لا تكون إلا لله تعالى، والثاني: القرض، والثالث: الجاه …”(55).

وهذا ما نقله العلامة الباجي عن إمام المذهب إذ يقول: “والحمالة بالجعل حرام قاله مالك … ومعنى ذلك أن تعطي المتحمل جعلاً على حمالته …” وذكر في تعليل هذا التحريم” أنه عقد يختص بالمعروف فلم يصح فيه العوض كالقرض”(56).

ومن الفقهاء المتأخرين المعاصرين عوّل الأستاذ علي الخفيف على رأي الجمهور في هذا الموضوع واعتبر أخذ الأجر على الكفالة من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، إذ يقول:

– “وإنما لم يجوِّز جمهور فقهاء الشريعة التعاقد على إعطاء جعل للكفيل نظير كفالته، لأنه من قبيل أكل المال بالباطل، والله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(57)، وليس هذا من قبيل التجارة، لأن الكفيل لا يعطي بكفالته شيئًا يعتاض عنه بما يعطاه من عوض يأخذه من المكفول عنه من الدين، فإذا أداه ورجع به عليه لم يكن عندئذ ما يستوجب به أخذ مال آخر زيادة على ذلك وهو الجعل”(58).

وهكذا تجد مسألة عدم جواز أخذ الأجر على الكفالة معللة بعلل متعددة تتفاوت في قوتها، ولكن دعوى الإجماع على المنع قد تكون غير مسلمة إذ ينقضها ثبوت الخلاف في الموضوع، فقد ذهب الإمام إسحاق بن راهويه أحد الفقهاء المحدثين المعروفين إلى الجواز كما يتبين من النص التالي:

– “قال سفيان: إذا قال رجل لرجل: أكفل عني ولك ألف درهم: الكفالة جائزة ويرد إليه ألف درهم … قال أحمد: ما أرى هذا يأخذ شيئًا بحق، وقال إسحاق: ما أعطاه من شيء فهو حسن”(59).

هذا ما ورد في “مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه” من رواية إسحاق بن منصور الكوسج، وقد أثبته ابن المنذر أيضًا في “الإشراف” عقب نقل الإجماع على المنع!، كما ذكره الماوردي في “الحاوي”(60).

ومن متأخري الحنابلة نجد العلامة عبد الرحمن السعدي يجنح إلى القول بالجواز، مع اعتباره خلاف الأولى، إذ يقول بصدد ذكر مذهب الحنابلة حول أخذ الجعل على الاقتراض بسبب الجاه ما نصه كالآتي:

– “قول الأصحاب رحمهم الله: وله أخذ الجعل على اقتراضه له بجاهه فيه نظر(61)، فإنه لو قيل: أخذ الجعل على الكفالة لا عن الاقتراض لكان أولى، فإن الاقتراض من جنس الشفاعة وقد نهى الشارع عن أخذ الجعل فيها، وأما الكفالة فلا محذور في ذلك، لكن الأولى عدم ذلك، والله أعلم”(62).

وهذا الرأي ليس له سند من كلام الفقهاء السابقين إلا ما قاله الإمام إسحاق بن راهويه كما ذكر آنفًا. وبمقتضى وجود الخلاف يحسن أن يقال أن المنع هو رأي جمهور الفقهاء.

المحور الثاني: خطاب الضمان المصرفي: مفهومه وطريقة التعامل به، وحكم أخذ الأجر عليه:

إن خطاب الضمان عبارة عن تعهد المصرف كتابيًا بكفالة أحد عملائه وهو طالب إصدار الخطاب لطرف ثالث في حدود مقدار معين من المال، ضمانًا لوفاء هذا العميل بالتزامه تجاه ذلك الطرف خلال مدة معينة(63).

ولعل أدق تصوير لهذه العملية وفق ممارستها في البنوك ما ورد عن بنك فيصل الإسلامي المصري والسوداني وهو أن خطابات الضمان عبارة عن:

“تعهد كتابي يتعهد بمقتضاه البنك بكفالة أحد عملائه في حدود مبلغ معين تجاه طرف ثالث بمناسبة التزام ملقى على عاتق العميل المكفول، وذلك ضمانًا لوفاء هذا العميل بالتزامه تجاه ذلك الطرف خلال مدة معينة على أن يدفع البنك المبلغ المضمون عند أول مطالبة خلال سريان الضمان بغض النظر عن معارضة المدين أو موافقته في ذلك الوقت … حالة فشل العميل بالوفاء بالتزاماته تجاه الطرف الثالث أو إخلاله بشروط التعاقد معه”(64).

ومما لا شك فيه أن العميل يستفيد من توسيط المصرف في تقوية مركزه الائتماني، مما يهيئ له وللطرف الآخر الذي يرغب في التعامل معه جوًا من الثقة والطمأنينة نظرًا لوجود هذا الوسيط المليئ.

ولا يعدو خطاب الضمان المصرفي في حقيقته العملية إلا أن يكون صورة من صور الكفالة بوجه عام إلا أنها صورة ابتكرها العرف المصرفي(65).

وتخضع طلبات إصدار خطابات الضمان لدراسات دقيقة تشمل المركز المالي لطالب الخطاب ونشاطاته، وذلك لما ينطوي عليه هذا النوع من التسهيلات الائتمانية من تعريض المصرف لتحمل القيمة المضمونة فيما لو أخل العميل بالتزامه المكفول من البنك ولاحقته الجهات المستفيدة بالوفاء بقيمة خطاب الضمان. فهذه الكفالة البنكية آيلة حينئذ إلى قرض ثابت في ذمة المصرف. ويمكن أن يقال إن خطابات الضمان تمثل نوعًا من إقراض الثقة، لأن الإقراض الفعلي لا يتحقق ابتداء في هذا النوع من العمليات.

ومن المعلوم أن البنوك تحرص دائمًا على حماية أموالها من الأخطار، ولذلك وضعت نظامًا معينًا تسير عليه عند إصدار خطابات الضمان وهي أنها تطالب عملائها المكفولين بتقديم تأمين يسمى بغطاء خطاب الضمان، يمثل نسبة من قيمة خطاب الضمان تحددها إدارة البنك حسب مركز العميل، وقد تصل هذه النسبة إلى 100% من قيمة الكفالة، وقد تصدر لبعض العملاء بغطاء جزئي، وأحيانًا بلا غطاء مطلقًا.

وتصلح الأوراق المالية المملوكة للعميل كالأسهم والسندات في توثيق قيمة الضمان إذا فوض العميل البنك في بيعها عند الاقتضاء لتحصيل قيمة الضمان(66).

وترحب البنوك الربوية بخطابات الضمان حيث تدر عليها ربحًا وفيرًا، وهي تتقاضى عمولة مقابل إصدار خطابات الضمان على نوعين على النحو التالي:

1- عمولة تأخذها بمقابل أتعابها ومصاريفها الإدارية في إعداد خطابات الضمان.

2- عمولة تأخذها لقاء عملية الضمان، ويراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته، سواء أكان بغطاء أم بدونه، وهي تقدر وتحسب بنسبة مئوية، وفق النظام المتبع في عمليات البنوك.

وفي الواقع إن الحالة التي يكون الغطاء فيها كاملاً لا تحتاج إلى معالجة فقهية دقيقة لأن أخذ العمولة عليها يمكن أن تكتسب صورة الوكالة بالأجر ولكن المشكلة تكمن في حالة كون الخطاب غير مغطى، وذلك لأنها حينئذ تكيف على أساس عقد الكفالة (= الضمان). ومن المعلوم المقرر أن أخذ الأجر على الكفالة غير جائز عند جمهور أهل العلم لعلل سبق ذكرها.

ويحسن أن يأخذ المصرف عمولة تتناسب مع التكاليف والمصاريف والأتعاب الفعلية المنصبة على إجراء عمليات خطاب الضمان المغطى؛ لأن منح العميل خطاب الضمان بدون أن يتقاضى على ذلك أجرًا يتضمن معنى كل قرض جر نفعا …. بالنسبة للعملاء.

وتخلص الفتاوى المعاصرة إلى جواز أخذ أجر على إصدار خطابات الضمان شريطة أن يكون هذا الأجر نظير ما يقوم به البنك من خدمة لعملائه بسبب إصدار هذه الخطابات، ولا يجوز أن يأخذ البنك أجرًا لمجرد كونه ضامنًا للعميل(67).

وبما أن إصدار خطاب الضمان يتطلب القيام بأعمال مختلفة، والمصرف منشأة تجارية فمن حقه أن يأخذ عمولة مقابل عمله وجهده، ولكن لا ترتبط هذه العمولة بكفالة الدين ذاتها، وإلا لكانت سحتًا أو ربا.

ومما هو قريب من موضوعنا ما ثار من جدل في عصرنا حول جواز أخذ المصرف أجرًا من المقترض يقابل الأعباء الإدارية الناشئة المتعلقة بالقرض، والذين أجازوه اشترطوا أن يتم الربط بوجود خدمة فعلية، وألا يؤخذ نظير المنفعة غير المعتبرة في نظر الشرع في مجال الاقتراض أو الوعد به، ولذا قالوا: ينبغي أن يكون على أساس مبلغ مقطوع وليس على أساس نسبي من قيمة القرض، لأن الجهد الذي يبذله المصرف في إعداد عقد القرض لا يختلف باختلاف قيمة القرض، فمفرق الطريق في اعتبار هذه المبالغ أجرًا وليست ربا هو وجود الخدمة التي تقابل هذه المبالغ، وكون مقدار المبلغ محددًا بما يبذله من جهد، أو يؤدي من خدمة، دون ربط ذلك بمقدار الدين أو مدته(68).

موقف المصارف الإسلامية والمجامع الفقهية:

هناك عدة مصارف إسلامية أصدرت هيئاتها الشرعية قرارات المنع بصدد أخذ الأجرة على خطابات الضمان لأنها في شتى صورها عبارة عن كفالة محضة؛ ففي الاجتماع الثاني عشر لهيئة الرقابة الشرعية، بنك فيصل الإسلامي المصري، المنعقد بتاريخ 6/8/1398هـ الموافق 11/7/1978م، استقر رأي الهيئة على رفضها أن يقوم البنك بإصدار خطاب الضمان نظير عمولة يتقاضاها(69).

وجاء في بعض فتاوى بيت التمويل الكويتي ما يلي:

– “يجوز شرعًا ربط الأجور المتفاوتة المأخوذة عن إصدار خطابات – بنوعية الخطاب، إذا كان هناك تفاوت في التكاليف الفعلية بين نوع وآخر … وعدم جواز الربط بالزمن أو بالمبلغ مطلقًا…

أما بالنسبة لأخذ الأجر على الكفالة والقرض فلا يجوز مطلقًا، ولكن إذا تحمل المقرض أو الكفيل جهدًا أو عملاً أو تحمل غرامة مالية فيجوز له في نظير ذلك أخذ الأجر مقابل العمل والجهد مقابل الغرامة التي غرمها”(70).

ونص على ذلك أيضًا بعبارة صريحة في موضع آخر وهي أن “بيت التمويل الكويتي لا يتقاضى عمولة على خطابات الضمان ولا لخطابات التعزيز”(71) – أي تعزيز الاعتمادات.

وقد ورد في كتاب الخدمات المصرفية في المصارف الإسلامية أن أخذ الأجرة على الكفالة لم يجزه جمهور الفقهاء(72).

وعلى غرار ما سبق اتجهت الهيئة الشرعية لشركة الراجحي إلى عدم جواز أخذ الأجر على الضمان في حالة إذا كان خطاب الضمان مكشوفًا غير مغطى أصلاً. وذلك لأنه يؤدي إلى الربا إذا لم يدفع المكفول دينه، واضطر الكفيل إلى أدائه عنه حيث يرجع عليه بما دفع عنه، ويبقى الأجر الذي تقاضاه سابقًا ربا بلا مقابل وما يؤدي إلى الحرام فهو حرام(73).

وفي المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي بدبي صدر القرار التالي:

“خطاب الضمان يتضمن أمرين: وكالة، وكفالة.

ولا يجوز أخذ الأجر على الكفالة، ويجوز أخذ الأجر على الوكالة، ويكون أجر الوكالة مراعى فيه حجم التكاليف التي يتحملها المصرف في سبيل أدائه لما يقترن بإصدار خطاب الضمان من أعمال يقوم بها المصرف حسب العرف المصرفي، وتشمل هذه الأعمال بوجه خاص تجميع المعلومات ودراسة المشروع الذي سيعطى بخصوصه خطاب الضمان، كما يشمل ما يعهد به العميل إلى المصرف من خدمات مصرفية متعلقة بهذا المشروع مثل تحصيل المستحقات من أصحاب المشروع.

وتقدير ذلك الأجر متروك للمصرف بما ييسر على الناس شئون معاملاتهم وفقًا لما جرى عليه العرف التجاري.

وقريب من ذلك ما أقرته هيئة الرقابة الشرعية ببنك فيصل الإسلامي السوداني حيث ذهبت إلى “جواز أخذ أجر على إصدار خطابات الضمان, شريطة أن يكون هذا الأجر نظير ما يقوم به البنك من خدمة لعملائه بسبب إصدار هذه الخطابات ولا يجوز أن يأخذ البنك أجرًا لمجرد كونه ضامنًا للعميل”(74).

وهذا ما اتجه إليه مجمع الفقه الإسلامي – المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، إذ قرر ما يلي:

“أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان – والتي يراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته – سواء أكان بغطاء أم بدونه.

ثانيًا: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعًا مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء”(75).

وبجانب الرأي الشرعي لجمهور الفقهاء المدعوم بعلل متعددة نجد نخبة من العلماء الممارسين لهذه العمليات وقفوا من خلال التجربة موقفًا إيجابيًا مؤيدًا لهذا الرأي.

ومن الآراء الصارمة القوية في هذا الموضوع هو رأي الأستاذ الدكتور عبد الستار أبو غدة إذ ختم بحثه حول خطاب الضمان بالبيان الآتي:

– “والخلاصة أن هناك ثلاثة أساليب هي غريبة عن الشريعة ومجافية للنظام الاقتصادي الإسلامي، وإن كانت تتفاوت في وضوح بعدها عن منطق الفقه الإسلامي، وفي آثارها الخطرة على مجتمع المسلمين وهي:

– الفوائد الربوية، باعتبارها أجرًا للقرض (الفعلي).

– أجور خطابات الضمان، باعتبارها أجرًا للاستعداد للقرض (عند المطالبة بحق الكفالة).

– أقساط التأمين التجاري التبادلي، باعتبارها أجرًا على ضمان وكفالة من نوع خاص …

وجدير بالتعامل المشروع الواجب بين المسلمين، أفرادًا ومصارف تطهير أموالهم من هذا الثالوث، وتنقية مجتمعهم من مفاسده الظاهرة والخفية”(76).

وقال في أثناء مناقشته لهذا الموضوع في دورة مجمع الفقه الإسلامي مشيرًا إلى تكييفات أخرى ما يلي:

– “إنما تثور المشكلة إذا كان هناك خطاب ضمان مستقل وليس ضمن معاملة مصرفية متكاملة، كثير من الباحثين حاول أن يتلمس في معاملة خطاب الضمان عن عمل ينصب عليه هذا الأجر لكي تكون هناك معاوضة أجر لقاء عمل وليس أجر لقاء كفالة محضة. وهذه المحاولة حاولت أن أتحراها أو أتقصى أمرها فاستعنت ببعض العاملين في هذا المجال، وطلبنا صورًا كثيرة من خطابات الضمان المستخدمة في الميدان فلم نجد فيها إلا فكرة الكفالة وضم الذمة إلى ذمة المدين الأصلي، فليس هناك عمل متميز يصلح أن ينصب عليه الأجر”(77).

المحور الثالث: استعراض لأهم الآراء المعارضة لرأي الجمهور في أخذ الأجر على خطابات الضمان، مع بيان حلول مقترحة أخرى تعالج القضية المطروحة:

بعد أن تبينت لنا وجهة نظر جمهور الفقهاء والاقتصاديين في هذا الموضوع بقيت أمامنا آراء أخرى تخالف اتجاه الجمهور، وهي لا تزال مثار النقاش ومحور الحديث في مؤتمرات وندوات ومجامع فقهية وذلك لتغلغل عمليات إصدار خطابات الضمان في البنوك وحرص المصارف الإسلامية على الاستفادة منها بطريقة تلتقي مع أسس التعامل المشروع في الفقه الإسلامي.

وفي الغالب ينصب اختلاف الرأي على أمرين: أولاً في أخذ العمولة بالنظر إلى مبلغ الضمان الذي ينطوي عليه الخطاب مع التقدير لمدته، وهذا في خطابات الضمان بشكل عام سواء أكان لها غطاء من رصيد العميل أو لم يكن.

وثانيًا في أخذ العمولة على خطابات الضمان التي تصدر أحيانًا بدون غطاء. وكان رأي الجمهور الإفتاء بالمنع في كلتا الحالتين، ففي الحالة الأولى أخذ العوض يشبه الربا، إذ نظر فيه إلى مقدار المال ومدته واحتسب الأجر في ضوء ذلك كله بنسبة معينة، وفي الحالة الثانية إصدار خطاب الضمان يمثل الكفالة المحضة المجردة لأنه يخلص فيها إلى اشتغال ذمتين، ذمة الكفيل والأصيل تجاه المكفول له، ولا محل لاحتساب الأجر هنا تحت الوكالة لعدم توافر الغطاء المالي مطلقًا من طرف العميل … إلا إذا كان الأجر بمقدار الجهد الذي تكبده المصرف في الإصدار فهو جائز في نظر كثير من المانعين أيضًا.

ومن المناسب أن أعرض هنا أهم الآراء التي يتجلى فيها الخلاف مع الجمهور، لكي نلم بالموضوع من زواياه المتعددة:

يختلف بعض الباحثين مع الجمهور في النقطة الأولى فقط، إذ يرى جواز أخذ الأجرة بمقابل خطاب الضمان نفسه لا على مجرد التكاليف والأتعاب المبذولة على إصداره فقط، باستثناء الحالة التي يكون الخطاب فيها مكشوفًا غير مغطى كليًا. ففي نظره الضمان شقيق الجاه، وإذا كان ثمن الجاه جائزًا لدى بعض الفقهاء قديمًا فأخذ الأجرة على إصدار خطاب الضمان يشبه هذا الموضوع، ويرى أن أخذ الأجر عليه قائم على أساس تعامل رضائي … لأن الضامن يبذل جهدًا كبيرًا في التحري وجمع المعلومات عن صلاحية المضمون عنه لهذا الضمان، ويتحمل عبئًا نفسيًا وذهنيًا طوال فترة سريان الضمان حتى الوفاء به، ولا يوجد مبرر لإهدار هذا الجهد من الضامن وما يترتب عليه من مصالح ومنافع للمضمون عنه … أما الحالة التي يكون الضمان فيها بلا غطاء وتؤول فيها مسئولية الوفاء به إلى مصدره الضامن دون المضمون عنه فإنه يكون فيها قرضًا والجعل فيه يكون زيادة تمثل الربا، ولكن يجوز لمصدره أخذ أجرة الإصدار فقط، التكلفة العملية وفق ما يقدره المختصون، دون الضمان نفسه، المنطوي على معنى القرض … وقال إن التعليل الذي بني عليه المنع في رأي الجمهور على ضوء رأي الإمام ابن عابدين وغيره فهو يسري على هذه الحالة التي يكون خطاب الضمان فيها غير مغطى، ويتخلف المضمون عن الوفاء إلى أن يقوم به مصدر خطاب الضمان(78).

– ويبدو، من خلال النظر في المناقشات التي جرت حول تنظير أخذ الأجور على الضمان المصرفي بأخذ الأجر مقابل الجاه لدى بعض الفقهاء، أن الجاه بالنسبة للبنوك يكمن في السمعة المالية التي تتمتع بها نظر إلى أرصدتها الضخمة ومقدرتها على سداد الديون، إذ جاء أثناء طرح هذه الفكرة لدى أحد الباحثين أن البنوك حين إصدارها لخطاب الضمان لا تدفع شيئًا للمكفول عنه ولا تقرض العميل دينه نقدًا ولا ائتمانًا من أجل هذا فهي لا تتقاضى في الأغلب فائدة على قيمة الضمان، وإنما تتقاضى نسبة بسيطة من القيمة لقاء الاستفادة من سمعتها المالية حين تقوم بكفالة العميل لدى الغير(79).

وانطلاقًا من هذا المبدأ لا غضاضة في أخذ الأجر على خطاب الضمان في جميع أنواعه بدون تخصيص لدى كثير من المجيزين.

وقد صرح أحد الكاتبين أنه لا يوجد في أخذ الأجر على هذا الضمان المصرفي لتنفيذ أعمال مشروعة نص محرم من كتاب أو سنة ولا دليل تحريم، فلا يوجد له نظير يقاس عليه في التحريم لاشتراكها في علته، ثم لا يوجد عرف صحيح يحرمه ويمنعه، ولا توجد فيه مفسدة، كما لا توجد مصلحة في تحريمه، بل إن المصلحة في إباحته وحله …”(80).

– وقال بعضهم أن عملية الضمان تمثل خدمة محترمة يقدمها الضامن، فيعزز بها قيمة التزامات المضمون، وبما أنها خدمة محترمة ومقومة شرعًا – فيجوز أخذ الأجر عليها. ومنهم من أيد هذا الرأي واعتبره تخريجًا وجيهًا … وقال: إن هذا الرأي يعززه القول بجواز شركة الوجوه(81).

– وفي نظر أحد الباحثين: أن عقد الضمان عقد استيثاق وليس عقد قرض، وعليه فإن أخذ الأجر على الضمان لا يدخل تحت محظورات كل قرض جر نفعًا فهو ربا(82).

– واتجه أحد الباحثين إلى قياس أخذ الأجرة بصدد إصدار خطابات الضمان على أخذ الأجر على الشهادة في نظر بعض الفقهاء مع العلم بأن أداءها على حقها من المطالب الشرعية(83).

هذه هي أهم الآراء التي تمثل وجهات نظر المجيزين لأخذ العمولة على خطابات الضمان ولكنها مرفوضة لدى الجمهور المانعين، وذلك لما يلي:

– أن الكفالة المصرفية لا تختلف في طبيعتها ومضمونها الأساسي عن الكفالة المعبرة عن الالتزام الذي يعتبر تبرعًا في الابتداء وقد يعود قرضًا في الانتهاء في حالة قيام العميل بأداء ما التزمه حين المطالبة، والقرض لا تجوز فيه زيادة فبالأولى أن مجرد الالتزام الذي يمثل الاستعداد لأداء القرض لا يستحق أن يؤخذ عنه عوض، وحسب تحليل بعض الفقهاء إذا جاز أخذ الأجر على الكفالة فإن تحريم الربا يفقد حجيته ولا يبقى هناك مجال لتعليل حكمة الربا … والظاهر أن الجمهور رجحوا المنع أخذًا بالقياس واعتبارًا بقاعدة مآلات الأفعال وهي مرتبطة هنا بأصل سد الذرائع، ومقتضى ذلك لا يسلم في نظرهم الرأي القائل بجواز أخذ الأجر على عملية الضمان بالنظر إلى مقدار المبلغ ومدته، بل هو أشبه عندهم بالربا المحرم.

– تنظير الموضوع بالجاه غير مقبول في نظر المانعين، لأن الكفالة يتحقق فيها شغل ذمتين أي من الكفيل والأصيل بالالتزام معًا، أما الوجاهة فليس فيها شغل ذمة، فالفرق بينهما واضح(84).

– لا يستقيم ربط الموضوع بشركة الوجوه إلا إذا كان الضمان ضمن عقد أو شركة، أما الضمان المجرد فلا ينسحب عليه هذا المفهوم، ثم الضمان في شركة الوجوه للشركة نفسها، أما في عمليات خطابات الضمان فهو لطرف آخر. وسيأتي إيضاح ذلك حين عرض الحلول.

– هناك علل أخرى نيط بها الجواز وهي عدم وجود نص محرم وبالتالي بناء الموضوع على أن الأصل هو الحل، وأن الضمان المصرفي عبارة عن معاملة تجارية قائمة على أساس تعامل رضائي، وكون الكفالة المصرفية خدمة متقومة شرعًا بحيث يحق أخذ الأجر عليها …، وفي الواقع هذه العلل المشار إليها وهي: الأصل في المعاملات الحل، واعتبار مبدأ الرضا في العقود، وتقويم المنافع والخدمات، سليمة في ذاتها ومحل اعتبار لدى الجمهور، لكن لا يصح تطبيق الكفالة المصرفية عليها لتحقق علل المنع والمحاذير التي سبق إيرادها.

– ومن الآراء والاقتراحات المعاصرة الجديدة المطروحة للنقاش أن محض التزام الكفيل بالأداء منفعة تصلح لأن يعاوض عنها بمال وأن يؤخذ عليه أجر بشرط أن لا تجتمع مداينة إلى أجل مع هذه المعاوضة المالية. وهذا الرأي أبداه الأستاذ الدكتور نزيه حماد وعرضه مفصلاً في بحثه المنشور في مجلة جامعة الملك عبد العزيز بعنوان: “مدى جواز أخذ الأجرة على الكفالة في الفقه الإسلامي”، ولكي تتجلى هذه الفكرة أمام القارئ من المناسب إيراد فقرات من البحث، وهي كالآتي:

– “الالتزام بحد ذاته فيه منفعة ومصلحة مشروعة كسائر المنافع والمصالح المعتبرة المتقومة للآدميين والأعيان، فجاز أخذ الأجر عليه في عقد الكفالة، سواء أدى الكفيل الدين إلى المكفول له أو لم يؤده، وذلك بشرط واحد وهو أن لا يترتب على عقد الضمان بأجر مداينة إلى أجل، لأن اشتراط الأجر عندئذ يكون حيلة إلى ربا النسيئة وستارًا للتعامل بربا الديون المحرّم تحت عنوان الكفالة”(85).

– “ولا شك عندي أن التزام الضامن … يعتبر في ذاته مصلحة مقصودة ومنفعة مشروعة للطالب يمكن أن يكون لها قيمة مالية شرعًا – كمنافع الأعيان ومنافع الآدميين – إذا تعارف الناس على ذلك”(86).

– “إن التزام الكفيل بالدين – إذا قام بأدائه إلى المكفول له، ولم يكن الضامن مدينًا للمكفول بمثل الدين الذي وفاه عنه قدرًا ووضعًا، ولم يبادر المكفول على الفور إلى إبراء ذمته مما ثبت فيها للكفيل من دين بموجب وفائه، حتى صار المبلغ المؤدى كله أو جزؤه مؤجلاً في ذمته – لا يجوز أخذ الأجر عليه. لأن الجعل على الالتزام حينئذ ليس إلا حيلة لأكل ربا النسيئة أو ذريعة عليه، وذلك محرم شرعًا، ولا فرق في هذه الصورة بين أن تقع الكفالة في الأصل على أن يكون الأمر فيها على هذا النحو، أو أن يؤول الحال فيها إلى ذلك (بدون اتفاق مسبق عليه) لأي سبب من الأسباب”(87).

وفي الواقع هذا الرأي يبدو جديرًا بالتأمل – بغض النظر عن الاستدلالات والشواهد التفصيلية العاضدة له -، وتنبثق جدارته من الجوانب التالية:

– الجواز مشروط هنا بقيد مهم وهو أن لا تنشأ علاقة الدائنية والمديونية بين الكفيل والمكفول في حالة فشل المكفول في وفاء الالتزام تجاه المكفول له، ثم لعدم مبادرته إلى إبراء ذمته بدون تأخير من الكفيل الذي قام بسداد الدين عنه. وإذا أخذ هذا الشرط في الاعتبار فتكاد تتلاشى علة المنع حسب رأي الجمهور وهي أن الكفالة لا يجوز أخذ الأجر عليها بسبب أنها تؤول إلى القرض. ومن المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا … فهل يمكن تصور مجرد الالتزام بفك علاقته من الدين؟ إذا أمكن ذلك فهل الالتزام في ذاته يستحق الاعتياض عنه لأنه يمثل منفعة معنوية؟ وهل العرف له دور في تقويم هذه المنفعة وجعلها محلاً صالحًا للمعاوضة؟ إذا أقر كل ذلك فلا حرج بأخذ هذا الرأي لسلامته من العلة القادحة المانعة … ولاسيما إذا بني الموضوع على رأي المالكية الذين يقيدون الرجوع على الكفيل بتعذر أداء الأصيل المكفول، فهذا ينطبق على خطاب الضمان إذ المطالبة من المكفول له لا تتوجه إلى الكفيل إلا إذا فرط المكفول وتأخر في الأداء.

ومثل هذا الالتزام وأخذ العوض عليه قابل للتفكير في ضوء قضية الجاه أيضًا الذي أثاره بعض الفقهاء؛ لأن المصارف على علاتها وعيوبها تشكل ثقلاً لدى الناس وتفرض الهيمنة بملاءتها وتقوم بدور كبير بارز بوساطتها المالية في تيسير المعاملات. ومن المعلوم أن يسار البنك وثقة الناس فيه حيث تقبل وجاهته أبرزت فكرة الضمان، ولأن البنك لو لم يتدخل بجاهه وضمانه بإصدار خطابات الضمان لحرم الناس قضاء مصالحهم(88). فهي لو أخذت نسبة معينة على الكفالة بشرط أن لا تنشأ علاقة المداينة بين الكفيل والمكفول فيمكن أن تعتبر التزامًا من نوع جديد أقرب إلى بذل الجاه.

ومفاد هذا الرأي أن العميل إذا سدد دينه وفق ما تضمنه خطاب الضمان في أوانه المحدد، ظل الكفيل فارغ الذمة واعتبر متقاضيًا أجره على مجرد الالتزام، أما إذا نشأت المديونية فحينئذ يستدعي الأمر أن تحسم النسبة المدفوعة إلى المصرف الكفيل مسبقًا من دين العميل حتى الرجوع عليه. وإيضاح ذلك على سبيل المثال أن المصرف الضامن لو أخذ مبلغًا مقطوعًا بمقدار عشرة آلاف ريال أو نسبة معينة تصل إلى هذا الحد بناء على كفالته بمليون ريال تجاه المكفول له، وفعلاً أخل المكفول بالتزامه حتى اضطر الكفيل بقيام الواجب حسب الالتزام ولم يبادر المكفول إلى سداد هذا المبلغ فورًا للكفيل وبالطبع نشأت مداينة ففي هذه الحالة تحسم عشرة آلاف ريال من المليون حين الرجوع على المكفول ومعنى ذلك أن المصرف يخسر جهده لأنه قد أدى المبلغ بكامله إلى المكفول له.

ولكن هذا الرأي على وجاهته يمكن أن ترد عليه ملاحظات ومنها ما يلي:

– الظاهر أن هذا الرأي غير عملي وعسير التطبيق في المصارف الإسلامية؛ لأن من عادة الناس بوجه عام عدم سداد الديون في أوانها مع وجود الالتزامات المؤكدة على التغريم والتعويض بسبب المماطلة في البنوك التقليدية، فكيف لو علموا أن النسبة المدفوعة إلى المصرف ترد إليهم حين نشوء المديونية …

وكيف يتوقع من العميل المتأخر في السداد تجاه المكفول له أن يستجيب فورًا للكفيل ويسرع إلى إبراء ذمته لكي تحل العمولة وتطيب للمصرف؟! ثم إذا أدى الأمر إلى مزيد من التسويف والمماطلة من المكفول تجاه الكفيل حين تتحقق المداينة بينهما فماذا يكون موقف البنك الإسلامي؟ ألا يخشى أن يطالبه بالتعويض لكونه مدينًا مماطلاً أخذًا ببعض الاجتهادات؟! ويبدو أنه لمن الصعوبة بمكان بالنسبة للبنك الإسلامي أن يتقبل هذه الفكرة قبولاً حسنًا ويحسن تطبيقها، لأن فيها خطرًا وخسارة، وعلى أساس أنها تعمل على مبدأ الاسترباح في جميع العمليات.

– وأضف إلى صعوبة الجانب العملي أن هناك أصلاً مقررًا لدى الفقهاء وهو أنه إذا كان الحكم المنهي عنه مبنيًا ومؤسسًا على قاعدة سد الذرائع فلا يجوز فتحها أو تخصيصها بدون مبرر أقوى، ومن المعلوم أن عدم جواز أخذ الأجر على الضمان في نظر الجمهور منظور فيه إلى هذا الأصل، وقد ألمع إلى ذلك الإمام ابن رشد الجد في النص التالي:

– “أن العلة إذا وضعت حسمًا للباب: لم تخصص في موضع من المواضع.

ألا ترى أن منع قبول شهادة الأب لابنه، والابن لأبيه، لأجل التهمة الغالبة في الطباع، فحمل الباب محملاً واحدًا، ولم ينقض بنادر”(89).

وعلى كل حال هذا الرأي تبرز فيه محاولة جدية للخروج من المعضلات التي تحيط بهذا الموضوع، وإذا استبعدت الشبهات وأحسن تطبيقه فلا حرج في ذلك لأن “تسهيل المعاملات لا مانع منه شرعًا متى كان بعيدًا عن الربا المحرم…”(90).

حلول وبدائل:

هناك آراء ومحاولات بذلت من قبل الباحثين المعنيين بالفقه والاقتصاد، المتصدين لدراسة موضوع خطاب الضمان في سبيل إيجاد بدائل وحلول تكون ذريعة للكسب الحلال الطيب من خلال عملية إصدار خطابات الضمان؛ مع التحاشي من الوقوع في الربا وشوائبه.

ومن تلك الحلول المقترحة إحلال المشاركة أو المضاربة محل أخذ الأجر بنسبة شائعة بمقابل الكفالة، حتى يتسنى للمصارف الإسلامية تنفيذ هذه العملية أو القيام بأداء هذه الخدمة على شاكلة جديدة تنسجم مع طبيعة أحكام الفقه الإسلامي وضوابطه. وحسب هذا التصور المبدئي يمكن للمصرف الذي يُطلب منه إصدار خطاب الضمان أن يدخل شريكًا مع طالب الضمان في العملية الاستثمارية أو المقاولة التي طلب لأجلها الضمان. وبالطبع هذا الحل لن يكون محل قبول في الحالات والأعمال التي لا تصلح ولا تخضع للمشاركة …

وإذا قبلت هذه الفكرة فيكون اعتبار خطاب الضمان تمويلاً على أسلوب المشاركة إذا كان الخطاب مغطى جزئيًا، أما إذا كان بدون غطاء كليًا فحينئذ يكون التمويل على أساس المضاربة، وبمقتضى ذلك تنال المصارف الإسلامية نصيبًا شائعًا من الربح الناتج من العملية حسب الاتفاق كما أنها تتحمل الخسارة في حالة وقوعها بقدر حصتها في رأس المال.

وفي هذه الحالة يعتبر البنك من تاريخ وفائه بقيمة الخطاب شريكًا في العملية الاستثمارية مع طالب الضمان(91). وبذلك يمكن القضاء على المشكلة التي تثور في أخذ الأجر على مجرد إصدار خطاب الضمان بدون أن يرتبط بعملية مبنية على الشركة، لأن الخطاب إذا كان ضمن عقد آخر فإنه لا يصبح مقصودًا بالذات ولا يعتبر كفالة مجردة فيجوز أخذ الأجر عليه وربما يأخذ حكم التبعية. وفي الغالب حالة خطاب الضمان غير المغطى هي التي تكون محل استخدام هذا الأسلوب على طراز المضاربة؛ لأنها تأخذ حكم الكفالة لدى الجمهور وبالتالي لا يكون هناك مجال لأخذ العمولة كما تؤخذ في حالة الغطاء الكامل أو الغطاء الجزئي بالتخريج على الوكالة بالأجر ولكن لا يمنع ذلك من تطبيقه على الخطابات التي يكون الغطاء فيها جزئيًا ويقدم هذا التعامل تحت مظلة عقد الشركة وهذا أبعد من الشبهة.

ومثال ذلك أن يأتي عميل راغبًا في الحصول على خطاب الضمان من المصرف وعنده من الرصيد ما يشكل غطاء جزئيًا لاستيراد سلعة معينة فيشاركه بنسبة 5% مثلاً، ويشترك معه في الربح والخسارة، بدلاً من أن يأخذ أجرًا أو جعلاً مقابل الجزء المغطى باسم الوكالة بعد تشطير خطاب الضمان إلى شطرين يتضمن أحدهما كفالة وثانيهما وكالة، ولا بأس أن تتفاوت نسبة الربح بينهما إذا كان لأحدهما عمل مميز، وبالطبع تكون الوضيعة حسب رأس المال؛ ومما لا شك فيه أن دخول المصرف في مثل هذه المشاركة لن يكون مجازفة بدون تجميع المعلومات حول العملية المطروحة والتخمينات المسبقة، وبذلك تقل المخاطر في غالب الأحوال، والله اعلم.

وقد اتجهت بعض المصارف الإسلامية – بجانب الأفراد – إلى تبني هذه الدعوة التي تنادي بإحلال المشاركة في بعض عمليات خطابات الضمان، ومنها بنك فيصل الإسلامي. كما يلاحظ ضمن التوصيات الصادرة من هيئة الرقابة الشرعية لهذا البنك في اجتماعها الثاني عشر بتاريخ 6/8/1398هـ الموافق 11/8/1978م إذ جاء فيها باختصار: “يمكن للبنك حينما يطلب منه العميل إصدار خطاب الضمان أن يشارك هذا العميل في العملية المطلوب من أجلها الضمان”(92).

هكذا طرحت فكرة المشاركة، ولكن قد تحول دون تحقيقها عوائق وعلى رأسها أن دخول المصرف الإسلامي شريكًا مع العميل لا يسوغ على أساس إصدار خطاب الضمان بل بتقديم جزء من المال، لأن خطاب الضمان في ذاته لا يمثل رأس المال وإنما يعبر عن مجرد التزام كما هو معروف … وقد عرضت هذه القضية على هيئة الفتوى في بيت التمويل الكويتي، فأجابت بعدم جواز البنك تقديم خطاب ضمان واعتبار المبلغ المذكور فيه تمويلاً في المشاركة، وهناك نص السؤال مع الجواب المقرون به:

س: “هل يجوز تقديم البنك خطاب ضمان ومقابله يحصل على نسبة من الأرباح؟ ويكون خطاب الضمان صادرًا لحساب الشركة المشاركة في المشروع ويكون خطاب الضمان أحد عناصر حصة البنك والباقي يدفع نقدًا؟”.

ج: “لا يجوز تقديم البنك خطاب ضمان واعتبار مبلغ الضمان تمويلاً في المشاركة، لأن الضمان عبارة عن استعداد للإقراض، وإذا كان القرض الفعلي لا يصلح رأس مال لأنه دين، ولا يصح كون الدين رأس مال للمشاركة فالاستعداد للإقراض من باب أولى .. وقد جرى عمل الفقهاء وصار من القواعد الشرعية أن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه، ولهذا لا يجوز اعتبار خطاب الضمان تمويلاً مقدمًا من البنك في المشاركة”(93).

وهذا الإشكال يَرِد في حالة الأخذ بمبدأ المشاركة بوجه عام ولكن لو بنيت المشاركة على أساس شركة الوجوه فحينئذ يزول الإشكال لتضمن هذه الشركة عنصر الكفالة مع عنصر الوكالة، ومن المعلوم أن الضمان المجرد هو الذي لا يجوز أخذ الأجر عليه لدى الجمهور ولكن يجوز أن يكون للضمان ما يقابله إذا دخل في عقد من العقود، وهذا ما يتحقق في شركة الوجوه حسب رأي الحنفية والحنابلة، لأن هذه الشركة لا يوجد فيها رأس المال نقدًا وإنما يشاركان على الشراء مؤجلاً ثم القيام بالبيع نقدًا … فموضوع خطاب الضمان يمكن أن يعالج ويطور في كثير من الحالات في ضوء شركة الوجوه.

وهذه الفكرة قد أشار إليها بعض الفقهاء المعاصرين، والظاهر أنها فكرة مرنة حَريّة بالبحث والتطوير، وذلك لبناء شركة الوجوه على ضمان الديون أي استعداد كل من الشريكين لتحمل مسئولية وفائها في حالة إخفاق عملية المشاركة بدليل “الخراج بالضمان” أو “الغلة بالضمان”. وإذا أحسن تطبيقها فهي أكثر ائتلافًا مع طبيعة الضمان المصرفي، ويمكن القول أن هناك قاسمًا مشتركًا بين الكفالة وشركة الوجوه وهو وجود الضمان، غير أن الفرق بينهما جوهري وهو أن الكفالة عبارة عن الضمان المجرد المحض أما الضمان في شركة الوجوه فهو مقرون باتفاقية في صورة شركة تمثل تجارة أو عملية استثمارية على أسلوب المداينات.

ومن ثم إذا قرن خطاب الضمان بشركة فيمكن أن يزول هذا الفارق الأساسي المشار إليه آنفًا؛ لأن الربح يستحق بأحد العوامل الثلاثة وهي المال أو العمل أو الضمان، واستحقاق الربح بالضمان يتحقق في شركة الوجوه.

وقبل إيضاح الصورة التطبيقية الممكنة لهذا الحل المقترح من المناسب إعطاء تصور مبدئي عن شركة الوجوه لدى الفقهاء القائلين بها، وهو كما يلي:

شركة الوجوه جائزة عند الحنفية والحنابلة، والفرق بين هذه الشركة وشركة الأموال بوجه عام أن شركة الأموال تستدعي وجود رأس المال قابلاً للتصرف فيه بقصد الاسترباح، أما شركة الوجوه فلا يتصور فيها وجود رأس المال، وكلمة “الوجوه” تشير إلى وجاهة الشريكين وسمعتهما الطيبة في الأوساط التجارية التي يتعاملون فيها.

جاء في “مجلة الأحكام العدلية” بصدد التعريف لهذا النوع من الشركة أنه “إذا لم يكن لهم رأس مال، وعقدوا الشركة على البيع والشراء نسيئة، وتقسيم ما يحصل من الربح بينهم فتكون شركة وجوه”(94).

وعرفتها “مجلة الأحكام الشرعية” بوضوح أكثر كما في النص الآتي:

– “صفة شركة الوجوه أن يشترك اثنان فأكثر من غير أن يكون لهما رأس مال في شراء شيء بجاههما ويبيعانه على أن يكون الربح بينهما أنصافًا أو أثلاثًا أو نحو ذلك”(95).

ومن أحكامها الأساسية: أنها مبنية على الوكالة والكفالة، فكل من الشريكين وكيل الآخر في البيع والشراء، وكفيلة في الثمن(96).

وبناء على أن الضمان يمثل ركيزة أساسية في هذه الشركة اشترط الحنفية وكذلك القاضي – أبو يعلي – وابن عقيل من الحنابلة: أن يكون الربح بين الشريكين بنسبة ضمانهما الثمن، وضمانهما الثمن إنما هو بنسبة حصصهما فيما يشتريان معًا، أو كلٌ على انفراد، ومقدار هذه الحصص يتبع الشرط الذي وقع التشارط عليه عند عقد الشركة ….

فإذا شرط لأحد الشريكين في الربح أكثر أو أقل مما عليه الضمان فهو شرط باطل لا أثر له، ويظل الربح بينهما بنسبة ضمانهما.

والمذهب عند الحنابلة أن الربح في شركة الوجوه يكون على حسب ما اتفقنا عليه، لأن الشريكين شركة وجوه يتاجران، والتجارة عمل يتفاوت كيفا، كما يتفاوت كما …”(97).

ومما يؤكد على أن الضمان هو الأساس في شركة الوجوه أن المالكية الذين لم يجيزوها عللوا المنع بأنها تنطوي على الضمان بالجعل(98).

ومن خلال النظر في هذه السمات والخصائص المتميزة يبدو إمكانية قيام شركة الوجوه بدور بناء في إنقاذ المصارف الإسلامية من المشكلات التي سبق ذكرها حول أخذ العمولة على خطاب الضمان الذي لا يوجد له غطاء وفي الخطابات المغطاة الأخرى التي يؤخذ فيها الأجر على العملية نفسها مع احتساب المبلغ وتقدير المدة بنسبة معينة.

ولكي تأخذ شركة الوجوه دورها في هذا الإطار ويلامس الواقع العملي يمكن أن يتفق طالب الضمان مع المصرف بناء على هذه الصيغة فيجعل المصرف كفالته في صورة خطاب الضمان مع اشتراكه بنسبة يتفق عليها مع العميل، ويكون الاشتراك في الغنم والغرم، فإذا رغب العميل مثلاً في شراء بضاعة نسيئة يتفق مع المصرف الإسلامي فيصدر خطاب الضمان بمقدار حصته مع العميل، وحين المطالبة من المكفول له ينفذ التزامه ويسدد الدين حسب خطاب الضمان.

وقد لوحظ أن المذهب الحنبلي أرحب من المذهب الحنفي في اشتراط الربحية حسب التراضي، فإنهم سمحوا بالتفاوت في تحديد النسبة الشائعة من الربح بين الطرفين بدون أن يربطوها بمقدار الضمان الملقي على عاتق كل واحد منهما، ولا مانع من الأخذ بهذا الرأي إذا قام المصرف بدور متميز خلال إنجاز العملية التي أصدر لأجلها الضمان، لأن جواز الزيادة منوط بعلة معقولة وجيهة كما سلف ذكرها.

ويحسن عند دخول المصرف في شركة الوجوه أن يقوم بمهام تبعد الاتفاقية من الشبهات ومنها:

إعداد الدراسة حول النواحي المالية والاقتصادية والفنية المرتبطة بالعملية بواسطة أجهزة البنك المختلفة؛ وبعد إصدار خطاب الضمان يقوم البنك ببعض الأعمال الأخرى مثل تحصيل المستحقات الناشئة من العملية موضوع الخطاب المذكور. كما أن البنك يقوم بالرقابة والمتابعة المستمرة لمعرفة ما يقوم به من صدر لصالحه خطاب الضمان من تنفيذ الالتزامات.

وقد درست لجنة علمية بمصر بعض القرارات الصادرة بمنع أخذ أجر على الضمان في حالة ما إذا كان خطاب الضمان غير مغطى أصلاً، وبعد المناقشة قررت أنه: “يمكن للبنك الإسلامي الاتفاق مع العميل طالب خطاب الضمان أن يصدر الخطاب – غير المغطى – مقابل نسبة من ربح العملية موضوع الخطاب”(99).

“وإنما جاز الاشتراك في الربح تأسيسًا على شركة الذمم أو الوجوه في الفقه الإسلامي”(100).

وقد أشار بعض الباحثين أيضًا إلى استخدام أسلوب شركة الوجوه في عمليات إصدار خطابات الضمان بحيث قال إنه يمكن أن يدخل الضمان مع عقد آخر وبهذه المناسبة ذكر أن في شركة الوجوه: الضمان له ما يقابله(101).

ويظهر من خلال ما ذكرت في نطاق عرض البدائل والحلول أن تطبيق المشاركة أو المضاربة في عمليات إصدار خطاب الضمان يكاد يكون متعذرًا إذ المصرف لا يبتغي أن يضع سيولة بيد العميل بغرض الاستثمار وإنما يقوم بالالتزام فقط تجاه المكفول له ويسدد الدين حين توجه المطالبة عليه بسبب تخلف العميل المكفول، ولكن شركة الوجوه باعتبار أنها قائمة على ضمان الديون ولا تتطلب وجود رأس المال فيمكن أن تستجيب لموضوع خطاب الضمان بحيث يدخل المصرف شريكًا مع المكفول العميل بمقدار المبلغ الذي يحتاج إلى تغطيته فيصدر الخطاب وفق ذلك ويتفقان على نسبة الربح الناتج من العملية التي أصدر لأجلها خطاب الضمان، مع ملاحظة أنه لن يتسنى هذا التطبيق إلا في الأعمال والعمليات التي تخضع للتجارة والاستثمار، أما الخطابات التي تصدر لمصالح شخصية وأمور خاصة فهي ليست محل البحث هنا، وإنما يعالج موضوع أخذ الأجر عليها في ضوء اقتراحات أخرى.

وبمناسبة ذكر شركة الوجوه ينبغي أن ألفت الأنظار إلى تخريج جواز أخذ الأجر على خطابات الضمان بناء على قاعدة “الخراج بالضمان”؛ كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين(102). إذ يقول بصدد عرضه هذا الموضوع – مع انتقاد إحلال المشاركة أو المضاربة – ما يلي:

– “وفي هذا الخصوص أشير إلى حديث “الخراج بالضمان” وأن في معناه متسع لمقابل طاهر وجزاء عادل إذا قلنا أن من يتحمل تبعة ضمان شيء وتلف يكون من حقه أن يحصل على منفعة من الشيء المضمون، فالمنفعة مقابل الضمان في هذه الحالة، ويجري الاجتهاد حول الأساس العادل لتحديد ذلك المقابل أو الجزاء لاشتراك البنك وعميله في المنفعة المتحصلة.

… ومن قواعد الفقهاء في معنى الحديث الشريف ما قاله شريح بن الحارث الكندي: “من ضمن مالاً فله ربحه”(103).

وعلى هذا الأساس نقول إن البنك وقد ضمن عميله في خطاب الضمان، فيكون له نصيب من الربح العائد للعميل من العملية المضمونة أو محل الضمان لشراكته مع العميل في هذه العملية شراكة عقد محله ضمان عمل العميل، وضمان العمل نوع من العمل …

وعلى هذا النحو لا يجوز أن يكون حق البنك متمثلاً في نسبة من قيمة خطاب الضمان فذلك واضح الشبهة بل صريح الربا، فما يأخذه البنك في هذه الحالة سحت، ومن ثم كان الأعدل والأصوب هو أن يكون للبنك الضامن حظ من كسب العميل وربحه المأخوذ من عمله أو العملية بالنسبة التي يتم الاتفاق عليها بينهما”(104).

أقول: هذه محاولة جيدة في ظاهرها، ولكن الواقع أن التخريج على “الخراج بالضمان” لا يسلم إلا إذا طبق ذلك ضمن مشاركة المصرف الكفيل مصدر خطاب الضمان مع العميل المكفول طالب الخطاب، لأن القاعدة جارية في العقود المالية ولها ظلال ممتدة في الشركات ولاسيما في شركة الوجوه وشركة الأعمال، ففي شركة الوجوه يكون الضمان أصالة؛ لأنها تنبني على ضمان الديون كما سبق إيضاح ذلك، أما شركة الأعمال فهي مبنية على عنصر العمل أساسًا، لأنها “عبارة عن شركة على تقبل الأعمال”(105)، ففيها تعهد والتزام بالعمل المطلوب، واستحقاق البدل فيها يكون بضمان الشريكين في العمل(106). وبالنظر لضمان العمل إنه من الجائز أن يتقبل أحد عملاً من الأعمال كخياطة ثوب، ويتعهد بإنجازه لقاء أجر معلوم ثم يتعاقد مع آخر على القيام بهذا العمل بأجر أقل من الأجر الأول، ويربح هو فرق ما بينهما حلالاً طيبًا لمجرد أنه ضمن العمل دون أن يقوم به(107)، لأن استحقاق الربح في الشركة بالأعمال بشرط العمل لا بوجود العمل(108). فالخلاصة أن الضمان يتحقق تبعًا في هذه الشركة.

ويبدو لي من خلال النظر في النص الذي أوردته هنا ومن الشواهد الأخرى المذكورة في كتابه أن الأستاذ الباحث قد حاول أن يطبق بعض أحكام شركة الأعمال – وهي شركة التقبل والصنائع – على عملية إصدار خطاب الضمان، حيث انطلق أساسًا من موضوع “الخراج بالضمان” وما في معناه من قول القاضي شريح “من ضمن مالاً فله ربحه” ثم بصدد البحث تطرق إلى ذكر أصل فقهي آخر وهو أن الربح لا يستحق إلا بالمال والعمل والضمان، وساق مثالاً من “مجلة الأحكام” من مسائل شركة الأعمال وهو يشبه ما ذكرته آنفًا، وتمسك بما جاء فيه من كلمة “ضمان العمل”، وخلص من ذلك كله إلى أنه من “الأعدل والأصوب أن يكون للبنك الضامن حظ من كسب العميل وربحه المأخوذ من عمله أو العملية بالنسبة التي يتم الاتفاق عليها بينهما”.

فهنا ترد ملاحظتان على كلام الباحث والرأي الذي انتهى إليه:

1- أن مقتضى “الخراج بالضمان” هو الاشتراك في الأرباح والخسائر، والضمان فيه ضمان العقود وله امتداد في الشركات، ولا علاقة له بالضمان المعبر عنه بالكفالة، فشتان بين الموضوعين.

2- “ضمان العمل” المشار إليه متصور لدى الفقهاء في شركات الأعمال، أما اعتبار المصرف ضامنًا للعمل بمجرد إصدار خطاب الضمان وبناء على ذلك استحقاق الربح من ناتج العملية فهذا يتنافى مع حقيقة إصدار خطاب الضمان، إذ المقصود منه كفالة دين العميل تجاه المكفول له إلا إذا قدم تصور صحيح عن تطبيق خطاب الضمان، ضمن شركة الأعمال بحيث يتحقق ضمان المصرف عمل الكفيل فيسوغ له أخذ نصيب شائع من الثمرة المتحققة حسب الاتفاق، والظاهر أن شركة الأعمال ليست محلاً صالحًا لمثل ذلك، وإنما شركة الوجوه هي التي تصلح صيغة ملائمة في هذا الإطار حسب التكييف الذي سبق تفصيله، والله أعلم.

خلاصة الموضوع في أخذ الأجر على خطابات الضمان:

– يرى جمهور الفقهاء عدم جواز أخذ الأجر على الكفالة (= الضمان) بحجة أن مآلها إلى القرض. وإذا كان اخذ الأجر على القرض محظورًا فمن باب أولى أن يمنع أخذ العوض على مجرد الالتزام بأداء الدين حين المطالبة من المكفول له.

– إن خطاب الضمان لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدون غطاء، فإن كان بلا غطاء كليًا فهو عبارة عن الكفالة المعهودة في الفقه الإسلامي، وبذلك هذا النوع ينسحب عليه حكم الكفالة وهو عدم جواز الأجر عليه.

– إذا كان خطاب الضمان يتمتع بغطاء كامل أو بغطاء جزئي فحينئذ يمكن تخريج جواز أخذ الأجر على الجزء المغطى بالنظر إلى الوكالة بالأجر.

– ذهب الجمهور من الفقهاء والاقتصاديين إلى أن أخذ الأجر على عملية الضمان مع مراعاة مقدار المبلغ الذي ينص عليه في خطاب الضمان وحسب تقدير مدة سريانه لا يجوز، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي – بجدة – قرار المنع في هذا الخصوص ونصه كما يلي:

– “إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان (والتي يراعي فيها عادة مبلغ الضمان ومدته) سواء أكان بغطاء أم بدونه”.

– ذهب جمهور الفقهاء المعاصرين ومعظم الهيئات الشرعية المشرفة على المصارف الإسلامية إلى أنه يجوز للمصرف الإسلامي أن يأخذ أجرًا على خطاب الضمان بمقدار الجهود المبذولة والمصروفات الإدارية التي تكبدها في إعداد خطاب الضمان، وهذا يوافق قرار المجمع حيث جاء فيه أن “المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعية جائزة شرعًا مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل”.

– ذهب بعض الباحثين إلى أن الحالة التي تبرز فيها علة المنبع – وهي أن الضمان مصيره إلى القرض وبالتالي لا يجوز أخذ الأجر عليه – تنطبق على خطاب الضمان المكشوف الذي لا يوجد فيه غطاء مطلقًا من رصيد العميل بحيث أن تخلف العميل المكفول عن الوفاء بالتزامه تجاه المكفول له يعرِّض المصرف للمطالبة والقيام بالسداد عنه، ففي هذه الحالة يصبح خطاب الضمان منطويًا على قرض والأجر فيه زيادة يحرم أخذها. أما الحالات التي لا تنشأ فيها المديونية بين الكفيل والمكفول فلا يضير أن يؤخذ الأجر فيها على أي وجه كان سواء أكان بمبلغ مقطوع أو بنسبة معينة.

– وقد ظهر رأي جديد تبناه الدكتور نزيه حماد وهو أن مجرد الالتزام صالح أن يعتاض عنه، وبناء على ذلك قرر أن خطاب الضمان عبارة عن الالتزام الذي اكتسب قيمة مالية شرعًا لتعارف الناس على ذلك، فإذا لم تنشأ المداينة إلى أجل بين الكفيل والمكفول نتيجة عدم وفاء المكفول بالالتزام بحيث قام الكفيل بالأداء عنه بناء على مطالبة المكفول له وفي هذه الحالة لم يبادر المكفول بدون تأخير إلى إبراء ذمته من الكفيل فحينئذ نعتبر النسبة المدفوعة إلى المصرف من باب العمولة على الكفالة مخصومة من الدين، وبالتالي أن الكفيل حين الرجوع على المكفول بأخذ منه المبلغ المدفوع بعد حسم مقدار العمولة المأخوذة منه مسبقًا لكي يحصل التكافؤ والتعادل بدون ترتيب أية زيادة باسم العمولة.

وما سوى تلك الآراء الدائرة المتأرجحة بين المنع والجواز هناك حلول وتوجيهات أخرى عرضت من قبل الباحثين لمعالجة هذه المشكلة وهي تتلخص في النقاط الآتية:

1- إحلال المشاركة محل أخذ الأجر في عملية الضمان، وإيضاح ذلك أن يقدم المصرف خطاب الضمان على أساس أن يقسم الناتج من العملية التي طلب لأجلها خطاب الضمان بينهما بنسبة شائعة بشرط أن تكون العملية صالحة للمشاركة، وفي حالة وقوع الخسارة يتحمل المصرف مقدار حصته من رأس المال ونتصور المشاركة في الحالات التي يكون الغطاء فيها جزئيًا.

وإذا لم يكن هناك غطاء مطلقًا فيمكن الاتفاق على أسلوب المضاربة، فالمصرف رب المال وطالب الضمان بمثابة عامل، وفي كلتا الحالتين لابد أن يقدم المصرف المبلغ المحدد إلى العميل، لأن مجرد إصدار خطاب الضمان لا يكفي لتحقيق الغرض … وبذلك تتضح صعوبة تطبيق المشاركة أو المضاربة في عملية خطاب الضمان.

2- عرض اقتراح آخر ضمن الحلول وهو أن تكيف العملية على أساس شركة الوجوه، وهي جائزة عند الحنفية والحنابلة، إذ لا حاجة لتقديم رأس المال في هذه الحالة، لأنها قائمة على ضمان الديون، ومن المعلوم أن الضمان إذا قرن بعقد أو شركة على أي وجه مقبول فيمكن أن يعتاض عنه، وهذا الحل جدير بالتفكير في العمليات التي يطلب لأجلها خطاب الضمان ولها قابلية الخضوع للوعاء الاستثماري.

وهذه الآراء والحلول لا تزال محل البحث والنظر ومثار النـزاع العلمي.

والذي يظهر من خلال البحث واستعراض الفتاوى والقرارات الصادرة أن الأجر إذا كان منصبًا على أداء الخدمة المصرفية التي يتحملها المصرف بعيدًا عن المدة التي يسري لها الخطاب وعن المبلغ الذي تعلق به الدين فلا بأس بذلك، وهذا المبدأ مقبول ومعقول ومتفق مع منطق العدل، ولكن ينبغي ضبط مفهوم التكاليف والأعباء الفعلية لأنه مفهوم عائم يحتاج إلى إحكام وتدقيق في ضوء رأي الخبراء المختصين، وبما أن التقدير مبني على الأمانة بالقدر الممكن فلا يجوز الاسترباح من وراء الإصدار بتجاوز الحد المقرر، ومن المعلوم أن المقابل نظير إصدار خطاب الضمان لا يختلف بين مبلغ وآخر إلا إذا اختلف عبء الخدمة فعلاً بالنظر لتصنيف عمليات الضمان إلى شرائح مختلفة. والله أعلم.

***



الهوامش

(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، ر: “الموسوعة” 28/219.

(2) معجم مقاييس اللغة.

(3) مقدمات ابن رشد 2/373.

(4) ر: فتح العزيز شرح الوجيز 10/359.

(5) ر: الجامع الكبير للإمام محمد، ص197.

(6) ر: قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي، ص336.

(7) المجلة م/86، وهي صيغة قديمة ر: المبسوط 30/160.

(8) كتاب الأصل للإمام محمد 3/45، كتاب التحري.

(9) ر: المبسوط 30/160.

(10) المغني 5/210.

(11) مجمع الأنهر 2/123.

(12) المصدر نفسه 2/140.

(13) مختصر خليل (مع شرحه منح الجليل) 6/198- 199.

(14) شرح المحلي على المنهاج للنووي 2/323.

(15) مجلة الأحكام الشرعية لأحمد القاري، ص354، مادة 1061.

(16) المنتقى شرح الموطأ 6/82.

(17) الضمان لعلي الخفيف 2/7.

(18) المغني 4/590.

(19) المصدر نفسه 4/613.

(20) المصدر نفسه 4/593.

(21) معين الحكام على القضايا والأحكام 2/798، وانظر: التلقين للقاضي عبد الوهاب 2/445.

(22) تبيين الحقائق 4/152.

(23) الحاوي للماوردي 6/430.

(24) الكافي لابن قدامة 2/230.

(25) كشاف القناع 3/369.

(26) المبسوط 30/148.

(27) ر: الالتزامات لأحمد إبراهيم، ص51.

(28) المبسوط 30/148.

(29) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2/128.

(30) ر: مجمع الأنهر 2/124، مختصر خليل (مع شرحه منح الجليل) 6/199، روضة الطالبين 4/241، كفاية الأخيار للحصني ص267، شرح منتهى الإرادات 2/247.

(31) المغني 4/613.

(32) المصدر نفسه 4/600.

(33) المصدر نفسه 4/599.

(34) المصدر نفسه 4/592 وانظر: كشاف القناع 3/367.

(35) المقدمات 2/376.

(36) صحيح مسلم – بشرحه المفهم – رقم الحديث 911، ج3، ص87.

(37) جمع طائلة وهي العداوة أو المثار – المعجم الوسيط.

(38) معالم السنن شرح سنن أبي داود 2/56- 57 (ط بيروت، دار الكتب العلمية) 1411هـ- 1991م.

(39) ومن جملة البدائل المقترحة في قضية خطاب الضمان أن تنشأ مؤسسة للتكافل التعاوني بحيث يقدم طالب الضمان مبلغًا ويعان به من له حاجة إلى الضمان. وهذا رأي الأستاذ/ أنس الزرقا أبرزه لدى مناقشة موضوع خطاب الضمان في دورة مجمع الفقه الإسلامي – بجدة – انظر نص حديثه بالتفصيل في مجلة المجمع 2/2/1995م.

(40) المبسوط 20/30.

(41) المصدر نفسه 20/46.

(42) ر: المصدر نفسه 20/30.

(43) مجمع الأنهر 2/140.

(44) المبسوط 30/148، اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي.

(45) روضة الطالبين 4/241.

(46) الحمالة هي بمعنى الكفالة والضمان – انظر: التلقين للقاضي عبد الوهاب 2/444، ومواهب الجليل للحطاب 5/96.

(47) الإشراف على مذاهب أهل العلم 2/52، تحقيق: عبد الله البارودي، ط: دار الفكر.

(48) فتح القدير 7/186.

(49) مجمع الضمانات، ص278.

(50) التاج والإكليل للمواق المالكي على مختصر خليل (مطبوع مع مواهب الجليل) 5/111.

(51) المبسوط 20/32.

(52) الفتاوى البزازية (مطبوع مع الفتاوى الهندية) 6/18.

(53) ر: منحة الخالق على البحر الرائق 6/242.

(54) المغني، باب القرض، 4/359.

(55) منح الجليل لمحمد عليش 6/228.

(56) المنتقى شرح الموطأ 6/84.

(57) سورة النساء: الآية 29.

(58) الضمان في الفقه الإسلامي لعلي الخفيف 2/22.

(59) مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية، قسم المعاملات، تحقيق: د. صالح المربد، ص519.

(60) ر: الإشراف على مذاهب أهل العلم 2/52، تحقيق عبد الله البارودي 2/52، والحاوي 6/443.

(61) جاء في “الفروع” لابن مفلح (4/207): “… ولو جعل له جعلاً عن اقتراضه بجاهه: صح، لأنه في مقابلة ما بذل في جاهه فقط لا كفالته عنه، نص عليهما، لأنه ضامن، فيكون قرضًا جر نفعًا، ومنع الأزجي” يعني أخذ الأجرة على الاقتراض”. وانظر: المغني 4/359.

(62) الفتاوى السعدية، ص374، باب القرض (ط. القاهرة، مكتبة ابن تيمية).

(63) القانون التجاري للدكتور سمير الشرقاوي، ص263، النظام المصرفي الإسلامي للدكتور محمد أحمد سراج، ص120.

(64) الاستثمار والرقابة الشرعية للدكتور عبد الحميد البعلي، ص47.

(65) ر: مشكلة الاستثمار للدكتور الصاوي: ص481.

(66) ر: النظام المصرفي الإسلامي للدكتور محمد احمد سراج، ص121- 122، والأعمال المصرفية للهمشري، ص159.

(67) ر: الكفالة وتطبيقاتها المعاصرة للدكتور علي السلومي، ص32.

(68) الكفالة وتطبيقاتها المعاصرة، ص151- 152، ر: الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 1/29- 31.

(69) النظام المصرفي الإسلامي للدكتور محمد أحمد سراج، ص128، 131.

(70) الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية (ط. بيت التمويل الكويتي) ص273، رقم السؤال 282.

(71) المصدر نفسه ص290، رقم السؤال 297.

(72) الاستثمار والرقابة الشرعية للبعلي، ص49.

(73) ر: قرار الهيئة الشرعية، رقم 29.

(74) راجع: فتاوى بنك فيصل الإسلامي السوداني، النقود والمصارف الإسلامية ليوسف كمال، ص125.

(75) قرار رقم: 12 (12/3)، مجلة المجمع، العدد الثاني، ج2، ص1035.

(76) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/2/1109.

(77) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/2/1166.

(78) هذا رأي الدكتور حسين عبد الله الأمين، انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/2/1052-

(79) هذا رأي

(80) هذا كلام الدكتور زكريا البري، كما في بحثه المنشور في “مجلة الفقه الإسلامي” 2/2/1101.

(81) صاحب الرأي هو محمد باقر الصدر في كتابه “البنك اللا ربوي في الإسلام” ص131، وأيده الدكتور أحمد علي عبد الله كما في بحثه المطبوع في مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/2/114.

(82) هذه وجهة نظر الدكتور أحمد علي عبد الله. انظر: المصدر نفسه.

(83) انظر: المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد الرزاق الهيني، ص400- 401.

(84) انظر: مناقشة د. عبد الستار أبو غدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، 2/2/1108.

(85) مدى جواز أخذ الأجرة على الكفالة في الفقه الإسلامي ص8، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي (1417هـ- 1997م).

(86) ص15.

(87) ص19.

(88) انظر: الأعمال المصرفية والإسلام للهمشري، ص160.

(89) مقدمات ابن رشد 2/368.

(90) الالتزامات لأحمد إبراهيم بك، ص55.

(91) انظر: المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد الرزاق الهيتي، ص389، 403، مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية للدكتور صلاح الصاوي 485- 486، المصارف والأعمال المصرفية للدكتور غريب الجمال ص122، منهج الصحوة للدكتور أحمد النجار، ص331، البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد الله الطيار ص150، والاستثمار والرقابة الشرعية للدكتور عبد الحميد البعلي، ص48.

(92) ر: النظام المصرفي الإسلامي للدكتور محمد أحمد سراج، ص131.

(93) الفتاوى الشرعية لبيت التمويل الكويتي ص338- 339، هذا مع ملاحظة أن شركة الأموال إذا عقدت بمال غائب أو دين في الذمة وأحضر المال وشرع الشريكان في التصرف تصرف الشركاء، فإن الشركة تنعقد بهذا التصرف نفسه، حسب رأي الحنابلة (انظر: “الموسوعة” 26/50)، ولكن هذا أيضًا ليس محل التطبيق في خطاب الضمان، لأنه عبارة عن مجرد التزام لا يمثل دينًا في الذمة.

(94) مجلة الأحكام العدلية م/1332، وانظر م/1399- 1403.

(95) مجلة الأحكام الشرعية م/1885.

(96) المصدر نفسه م/1886، وانظر: شرح منتهى الإرادات 2/339.

(97) الموسوعة 26/60.

(98) انظر: الخوشي علي خليل 6/54.

(99) دليل فتاوى الراجحي، نسخة خاصة بمركز البحوث والمعلومات، ص336.

(100) المصدر نفسه، ص327.

(101) انظر: مناقشة د. علي السالوس، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 2/2/117- 1178، وكتابه “الكفالة وتطبيقاتها المعاصرة”، ص160.

(102) وهو الدكتور عبد الحميد البعلي.

(103) أخبار القضاة لوكيع بن حبان ص2، ج319.

(104) أساسيات العمل المصرفي الإسلامي، الواقع والآفاق، ص41- 42، والاستثمار والرقابة الشرعية، ص59- 60.

(105) مجلة الأحكام العدلية م/1385.

(106) ر: المصدر نفسه 3/1397.

(107) ر: الموسوعة 26/60.

فهرس المصادر والمراجع

كتب اللغة:

– القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز آبادي، الطبعة الثانية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1407هـ- 1987م.

– لسان العرب، لجمال الدين محمد بن منظور، بيروت، دار صادر.

– معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس، الطبعة الأولى، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت، دار الجيل، 1411هـ- 1991م.

شروح الحديث النبوي الشريف”

– معالم السنن- شرح أبي داود – للخطابي ط. بيروت، دار الكتب العلمية، 1411هـ- 1991م.

– المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: محيي الدين مستو، أحمد محمد السيد وآخران، الطبعة الأولى، بيروت: دار ابن كثير 1417هـ- 1996م.

– المنتقى شرح موطأ الإمام مالك، بيروت – لبنان، دار الكتاب العربي.

كتب الفقه:

الفقه المقارن:

– الإشراف على مذاهب أهل العلم، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق: عبد الله البارودي، ط. بيروت، دار الفكر، 1414هـ- 1993م.

– المغني لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، بيروت، لبنان، عالم الكتب.

– الموسوعة الفقهية، الكويت، إصدار وزارة الشئون الإسلامية، الطبعة الثانية، 1409هـ- 1989م.

المذهب الحنفي:

– بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع – لعلاء الدين الكاساني، بيروت – لبنان، دار الكتاب العربي.

– تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق لفخر الدين الزيلعي، الطبعة الثانية، بيروت – لبنان، دار المعرفة.

– الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، ط. الأولى، الهند، حيدر آباد.

– الفتاوى البزازية لمحمد بن محمد الكردي (مطبوع مع الفتاوى الهندية)، الطبعة الثالثة المصورة، بيروت، لبنان، 1400هـ- 1980م.

– فتح القدير – شرح الهداية – لكمال الدين ابن الهمام، ط بيروت، دار صادر.

– المبسوط لشمس الدين السرخسي، بيروت، دار المعرفة، 1406هـ- 1986م.

مجلة الأحكام العدلية، تأليف لجنة من علماء الدولة العثمانية، طبعة مصورة: كراتشي، قديمي كتبخانه.

– مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لعبد الله بن محمد بن سليمان المعروف بداماد أفندي، ط: دار إحياء التراث العربي.

– مجمع الضمانات لأبي محمد بن غانم بن محمد البغدادي، الطبعة الأولى، بيروت، عالم الكتب، 1407هـ- 1987م.

– منحة الخالق شرح كنـز الدقائق لابن عابدين (مطبوع مع البحر الرائق لابن نجيم)، الطبعة الثانية، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر