المسلم المعاصر …. إصدار جديد
في أوائل السبعينيات من القرن الماضي أطل علينا العدد الافتتاحي من الإصدار الأول للمسلم المعاصر، كان وجبة فكرية متنوعة، تعبر عن كل تيارات الفكر في عالمنا العربي من خلال أعلام كبار لكل منهم مكانته في التيار الثقافي العام بكل اتجاهاته، ولكل منهم رؤيته الخاصة، وكان الخلاف بين هؤلاء جميعاً هو اختلاف تنوع لا خلاف تضاد، وبهذه المنهجية العميقة استهلت “المسلم المعاصر” حياتها الفكرية، الوسطية في فهم الدين هي مركز الدائرة، وتجديد الفكر والفهم الرحيب لقضايا التراث يوصد الباب أمام دعاة الغلو في أي اتجاه، وممارسي العنف أيا كانت دوافعه ومنطلقاته، فالحفاظ على الوطن ضرورة حياة، وكفالة الوطن – في الحقوق والواجبات – هو جوهر مقاصد الشريعة التي جاءت لتحقيق مصالح الإنسان، وليس دفاعا عن مصالح الأديان.
وسارت “المسلم المعاصر” في إصدارها الأول مستهدفة تلاقي الأفكار، وتلاقح الآراء، في هدوء يحفظ وقارها العلمي، واحترام متبادل مع المنتوج الإنساني لعصرها يدفع عنها الجمود والتراجع الحضاري.
وعندما رحل المفكر المؤسس توقفت المجلة عن مصافحة القارئ لأمرين:
الأول: إعادة ترتيب موقفها القانوني لتكون مجلة مصرية الموقع والإصدار عربية المضمون والأفكار، تستهدف تجديد الفكر الإسلامي في كل ساحاته، تجديداً يلتحم فيه الوحي مع الوعي، والنقل مع العقل، والنأي عن الخطاب المتشنج لغير سبب، والمنفلت بغير أصول ثابتة وقواعد ضابطة، فالإسلام دين العلم ودين العقل ودين الإنسانية. يحمي إنسانية الإنسان الذي له حرية اختيار أديانه ومعتقداته وتوجهاته الفكرية، المهم أن تكون اختياراته هي من “القول السديد في الاجتهاد والتقليد” بلغة “رفاعة الطهطاوي” وهو يؤسس لاجتهاد جديد يستوعب النصوص وما تحتويه، والواقع وما يدور فيه.
الثاني: النظر في موقعها الثقافي في عالم يزدحم بالآراء والمعتقدات، وينشغل بالحاضر والمستقبل، وأهله في انقسام دائم حول الماضي، منهم من ينظر إلى الماضي بسخط وإنكار ومنهم من ينظر إليه بتقديس يكاد يغلق كل أبواب الفهم الدقيق والعميق والصحيح، وكلا النظرتين فيهما من الغلو ما ينكره الإسلام، ومن التجاوز ما يتنافى مع العقلانية الإسلامية. فإذا كان الإصدار الأول “للمسلم المعاصر” هدفه الرئيسي دفع حركة الاجتهاد إلى الأمام، فإن الإصدار الثاني يتجه نحو “إحياء العقلانية الإسلامية” لعلها تكبح جموح كل التيارات العاملة في ميادين الفكر، فتتعاون من أجل حضارة إنسانية جديدة في عالم أظهرت الأحداث الأخيرة عجزه العلمي، وقصوره الأخلاقي، وتراجعه في ميادين الصحة الإنسانية، عقلية ونفسية وجسدية، لقد نسينا في خضم الغرور بما أنجزه الإنسان من أساليب البقاء وأسباب الفناء أننا في عالم مخلوق بكل ما فيه ومن فيه، وتجاهلنا قول الله تعالى: ]وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً[ [الإسراء :85]، فأصابنا مرض الغلو ووهم التعالي في أكبر الأشياء وأضعف الأمور، واحتوانا الخوف والفزع وانفجرت نزعات التخريب ودعوات الصراع، ونسينا قول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[ [الحجرات :13].
لقد فرضت علينا الألفية الثالثة بحدثها الكوني الواسع التأثير منهجية كنا من دُعاتها ورُعاتها، وهي منهجية القول السديد، والتعاون الإنساني العام، واحترام كل العقول، وكل الأمم، وكل الثقافات، إن الحرب الكونية التي نعيشها في مواجهة عدو لا مرئي، تحتاج إلى قانون التعاون لا التطاحن، وإلى فكر الترشيد والتجديد، وهجر التغريب والتبديد “وخيال العولمة” و”القرية الواحدة”، هذه هي منهجية المسلم المعاصر في إصدارها الجديد، وهو إصدار نرجو أن يكون جديداً في المضمون لا الشكل، وفي الأفكار والاتجاهات، فنحن أبناء عالم جديد يحكمنا يومه وغده لا تاريخه وماضيه.
ويبقى واجب ينبغي أن يؤدى.
شكر عميق للهيئة الوطنية للإعلام لموافقتها على هذا الإصدار الثقافي المصري الجديد، وللأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق