أبحاث

دور فقه الشركات في نمو الفكر المالي المعاصر في الإسلام: واقع وتطلعات

العدد 67- 68

1-    مقدمة:

إن الفكر الاقتصادي الإسلامي المعاصر إنما هو نماء جديد خير للتراث الإسلامي بمجموعة وبديهي أن يبني هذا الجانب من الدراسات الإسلامية على ذات التراث.

ولقد وجد المفكرون المسلمون أنفسهم منذ منتصف القرن الميلادي الراهن أمام تحد فكري كبير في الجانب الاقتصادي حيث واجهت المفكرين المسلمين مشكلة التنمية الاقتصادية في هذه الشعوب. ولاحظ كثير منهم ان فترة التعامل مع معطيات الفكر الاقتصادي الغربي على أساس قبولها كما هي وتطبيقها في البلدان الإسلامية لم تقدم الشيء الكثير للشعوب الإسلامية. ولعل أهم أسباب هذه المعاناة تتركز في الإحساس بعدم ملائمة معطيات كثيرة في علم الاقتصاد الذي تم تطويره في الغرب لمعظم الوقائع المادية والنفسية والشرعية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية.

ومع انقضاء الحقبة الزمنية التي شده المسلمون فيها بالإنجازات الغربية، ووقفوا أمام المعطيات الفكر الغربي ومقولاته موقف المذعن المتقبل لكل شيء، بدأ المفكرون المسلمون يتساءلون عن مدى ملاءمة الأفكار الاقتصادية، التي ترعرعت في الغرب للمجتمعات الإسلامية. فبدأت الصيحات تطالب بإعادة النظر بتل المعطيات والمقولات، على أساس من الرغبة في تحقيق الذات الإسلامية في هذه المجتمعات، وابتكار ما يتناسب مع واقعها وعقيدتها وتراثها من حلول للمشكلات المادية التي تواجهها.

والإسلام بطبيعته دين او طريقة حياه كثيرة المتطلبات، فهو لا يقبل غلا ان يصبغ كل جوانب حياه المسلم بصبغته الواحدة، القائمة على عقيدة التوحيد. لذلك كان لابد للمفكرين المسلمين من ان يبحثوا في الاقتصاد من منطلقات إسلامية فكان أن اختراع تعبير ” الاقتصاد الإسلامي” للدلالة على هذا المنحى من النظر.

فعلم الاقتصاد الذي نشأ في الغرب مع آدم سميث يتصف به أي منتج غربي من انه ابن بيئة الوطن الذي ترعرع فيه، نابع من الأفكار والعلاقات الاجتماعية القائمة في تلك البيئة.

ولقد وجد المسلمون ان بعض الأسس الفكرية التي قام عليها الفكر الاقتصادي الغربي لا تتفق مع المعطيات النفسية، ولا الضوابط الشرعية، ولا العلاقات الاجتماعية القائمة في المجتمع الإسلامي. ولقد قبل عدد كبير من الكتاب المسلمين تحدى الإتيان بصياغة جديدة لعلم الاقتصاد تنسجم مع الفكر الإسلامي، وتناسب المجتمع الإسلامي فشهد ربع القرن الأخير الكثير من الكتابات والأبحاث التي تتحدث عن الاقتصاد الإسلامي.

2-    منهجية الاقتصاد الإسلامي:

يعتمد المفكر المسلم أساساً على مقولتين تتلوا إحداهما الأخرى وتنشأ عنها:

المقولة الأولى: وهي ان الإسلام حقيقة ربانية ثابتة تشمل تنظيم جوانب حياة الإنسان الروحية، والنفسية، والاجتماعية وتنظم جميع العلاقات بين المجتمعات، والشعوب، والدول. وهذه المقولة تنبع من أساس الإيمان بالإسلام كدين او طريقة ومنهج حياة.

اما المقولة الثانية:فهي ان كل ما جاء به الوحى، سواء فيما يتعلق بالإخبار عن النواميس ، والقوانين النفسية، أو الاجتماعية – بالمعنى الواسع لهذه الكلمة – او الكونية، او فيما يتعلق بالتشريع أمراً ونهياً ، كل ذلك حقيقة ثابته أيضاً ، يلزم الاخذ بها عقلا؛ لأنها نقلت إلينا من قبل الصادق الأمين ليه الصلاة والسلام.

وبناء على هاتين المقولتين يجد العالم المسلم نفسه يتبنى منهجية علمية تختلف عن منهج ىالغربيين في مواجهة الكون والمادة والعلاقات بين الأشياء والأشخاص.

ففي حين تلتزم المنهجية العلمية الغربية في الاقتصاد بالملاحظة والتجربة التاريخية فقط، وترفض المقولات من السماء على انها جاءت مما وراء الطبيعة، ثم تعمد إلى التقليل من أهمية التأثيرات الفكرية والثقافية والاجتماعية على كل منحى علم الاقتصاد ومقولاته، وتفرض له بذلك عالمية وشمولا، نجد ان المنهجية السلامية تقوم على يسميه المفكرون المسلمون بالنقل والعقل معاً.

فمنهج البحث في الاقتصاد الإسلامي ينطلق إذن من اعتماد نوعين من الحقائق:

أولهما الحقيقة النقلية التي جاءت من الوحي. مثال ذلك ان ضرر الخمر والميسر أكبر من نفعهما، وان الناس يحبون ما زين لهم من جميع الثروات.

 أما النوع الثاني من الحقائق فهو ذلك الناشئ عن الملاحظة والتجربة التاريخية مثال ذلك أن زيادة الاستثمار تزيد الدخل المستقبلي، أو أن كثرة النقود تؤدى إلى ارتفاع عام بالأسعار.

ومن تفاعل هذين النوعين من الحقائق ينشأ صنفان من العلاقات الاقتصادية علاقات تتألف من الحلال والحرام تحدد ما ينبغي ان يفعل أو لا يفعل. وتلك هي العلاقات القيمية أو ما يسمى (Normative Relationships)..

واما التصنيف الثاني من العلاقات، فإنه يتخذ شكل ربط الحقائق مع بعضها بعلاقات سببية فسواء كانت تلك الحقائق مستمدة من الوحي، أو مبنية على الملاحظة والتجربة، فإن بعضها يمكن أن يرتب على صيغة أسباب ومسببات. مثال ذلك: أن أسعار الارزاق ترتفع إذا كثر الخلق او قل الرزق، وغن الناس إذا زادت دخولهم زاد إقبالهم على الإنفاق، او ان شيوع الربا في بلد يؤدي إلى المحق والهلاك، كما ورد في القرآن الكريم وفى الحديث الشريف.

وهذه هي العلاقات الموضوعية او ما يسمى (Positive Relationships) .

فمنهجية الاقتصاد الإسلامي تقوم على تقصي الحقائق الناشئة عن الوحي، وكذلك تلك الناشئة عن الملاحظات والتجربة التاريخية، كما تقوم على تلقى الأمر والنهى الشرعيين على انهما ثوابت ومعطيات خارجة عن النطاق البحث، يدور الباحث ضمن إطارها، ليتعرف على كيفية تكون العلاقات الاقتصادية بين الفاعلين في العملية الاقتصادية، ضمن ذلك الإطار المعطى من الوحى، ومما يثبت نتيجة الملاحظة والتجربة.

يتضح من هذا أن المنهج العلمي للاقتصاد الإسلامي، يعترف صراحة، وبادئ ذي بدء، بدور السماء في التعرف على الحقائق والقوانين الاقتصادية. وبالتالي فهو يصرح بتأثير العقيدة، والثقافة، على مقولاته وقوانينه. وهو منهج قديم، فقد اعتمده ابن خلدون عند كلامه عن علم العمران، الذي أسسه وابتدعه. فهو يؤكد أن هدف ذلك العلم هو دراسة ما يحصل من تغيرات، وأوضاع للاجتماع البشرى بطبيعته، أي كما يلحظه الدارس. ومن جهة أخرى، فهو يؤكد – في غير موضع من مقدمته-على أن الوحي تحدث عن جوانب من هذا العمران الإنساني، وقدم حقائق أساسية تعين على فهمه.

3-    تحريم الربا والبدائل المطروحة:

جاء تحريم الربا في القرآن والسنة واضحاً، لا لبس فيه، واعتبر الفقه الإسلامي ذلك التحريم أصلا. فقد تتبع اقتران الربا بأية معاملة فحرمها.

وتأتى مسألة تحريم الربا في الشريعة الإسلامية باعتبار أن ما دفع ربا ظلم، يؤخذ بدون حق، ويدفع دون مقابل أو عوض. فهو من نوع أكل أموال الناس بالباطل، كما يقول الفقهاء. ولقد فرع الفقهاء على تحريم الربا مسائل كثيرة. منها مثلا: عدم جواز قبول الآخر على الكفالة عند الجمهور، لأنها مدخل إلى الربا، وعدم جواز انعقاد البي لأحد سعرين عاجل وآجل بعقد واحد، لأن ذلك يتضن نوعاً من الربا أيضاً.

ولقد تلقى الاقتصاديون الإسلاميون تحريم الربا من الفقه، واعتبروا ذلك أساساً مكينا من أسس النظام الاقتصادي الإسلامي. ولما كانت عملية التمويل تتضمن بطبيعتها اشتراك طرفين على الأقل، أحدهما يقدم المال، والآخر يقود بإدارة استثمار ذلك المال، فإنه كان من البديهي، أن تتجه أنظار الاقتصاديين المسلمين إلى فقه الشركات، لاستخراج بدائل مباحة للعلاقة الربوية المحرمة. ذلك أن عقد القرض المعروف في الشريعة لا يقدم البديل الاقتصادي للإقراض الربوي؛ لأن القرض في الشريعة عقد تبرع، لا يحق فيه للمقرض الحصول على أي عائد. إذ من المعروف “كل قرض جر نفعا فهو ربا ” كما يقول الفقهاء.

4-    علاقة فقه الشركات بالتمويل:

يقوم فقة الشركات أساساً على تعاون شخصين، أو أكثر لتقديم العناصر اللازمة للاستثمار، وبشكل أخص المال، والخبرة البشرية. وهو يتضمن أنوعاً وأشكالاً متعددة للعلاقات القانونية بين الشركاء تسمح بالمرونة اللازمة للصيغة التمويلية.

وبالإضافة على ذلك فإن فقه الشركات يقدم تفسيراً لقضايا مهمة مثل مسألة استحقاق كل من رأس المال والعمل للربح أو الأجر، وكيفية اشتراك الأموال النقدية والعينية مع العمل في تحقيق نتائج الاستثمار، ومدى الضمان الذى يقع على كل من أصحاب راس المال العيني والنقدي من جهة، والعامل من جهة أخرى. كل ذلك يمكن التعرف عليه من خلال فهم ما بقوله تراثنا الفقهي في مسائل الشركات. لذلك بنى الاقتصاديون والماليون السلمون المعاصرون جزءا ً كبيراً من مقترحاتهم حول صيغ وأدوات التمويل على فقه الشركات في الإسلام.

فالفقهاء، في غالبيتهم، يتحدثون عن أربعة أنواع من شركات العقد هي: شركة المفاوضة، وشركة العنان، وشركة الوجوه، وشركة العمال او الصنائع.

أما شركة المفاوضة،فهي ان يشترك اثنان أو أكثر بالمال والعمل والربح. ويشترط فيها الأحناف أن يتساوى الشركاء بما يصنعون من رأس مال، ويفوض بعضهم بعضا في غدارة الشركة على ان يقتسموا الربح بالتساوي أيضاً.

اما شركة العنان فلا يشترط فيها المساواة بين الشركاء بالمال ولا بتوزيع الربح، ولا بالمساهمة بالإدارة.

وشركة الصنائع هي شركة بين الحرفيين، يتعهدون لزبائنهم بالقيام بأعمال لهم لقاء اجر معين. ولا يشترط لشركة الصناعة ان يكون الشركاء من مهنة واحدة، بل يكفي أن يتقبلون الأعمال، ويضمنون القيام بها.

وأخيراً فشركة الوجوه ليس فيها رأس مال بل تتعامل بالشراء نسيئة على أساس سمعة الشركاء، يشترون دينا، ليوفوا بعد ذلك. ويقسم فيها الربح (أو الخسارة) حسب توزيع ما التزم به من دين بين الشركاء.

ويضاف إلى هذه الأنواع من الشركات، علاقات تعاقدية، يدخل فيها المتعاقدان بصيغة من صيغ التعاون بين رأس المال والعمل، هي في حقيقتها نوع من مشاركة، ولكن اختلف الفقهاء في إلحاقها بأبواب الشركات، أو إفرادها بأبواب من الفقه مستقلة. بل أن جمهور الفقهاء يقتصرون على الأنواع الأربعة المذكورة للشركة عند كلامهم على شركة العقد. وهم بذلك لا يدخلون هذه العلاقات ضمن أنواع الشركات بالمعنى الاصطلاحي، وإن كانوا يذكرون فعل الاشتراك وتصرفاته عند كلامهم عنها. ومن أهم هذه العلامات التعاقدية المضاربة، والمزارعة، والمساقاة، وشركة صاحب رأس المال ثابت مع عامل يعمل به.

فالمضاربة علاقة تعاقدية بين طرفين، يغطى أحدهما ماله ناضا للآخر، ليعمل به، ويضرب بالأرض بالتجارة، ويتوزعان الربح، حسب ما اتفقا عليه. وقد ادخلها فقهاء الحنابلة ضمن أنواع الشركات، فاعتبروها شركة. في حين أفراد لها فصلاً خاصاً، خارجاً عن الشركات، فقهاء المذاهب الثلاثة الأخرى.

 والمسافة هي اتفاق بين صاحب النخل، أو الشجر، والعامل، على ان يقدم الأخير العمل اللازم، وأن يتقاسما المنتج بينهما. والمزارعة تشبه المساقاة، غير انها تطبق على الأرض المزروعة، تعطى للطرف العامل ليزرعها. وكما هو المر بالنسبة للمضاربة، فإن الفقهاء هنا لم يدخلوا المساقاة والمزارعة ضمن أنواع الشركات.

وإن كان الحنابلة منهم ينظرون إلى المساقاة والمزارعة على انهما – في الواقع – نوع من شركة. ثم يقيسون عليهما جواز ان يشترك رب مال ثابت – كصاحب دابة أو سيارة مثلاً – مع عامل يعمل عليها، على ان يشتركا فيما يتحصل من إيراد نتيجة لهذا النوع من العلاقة العقدية. (المغنى، جـ5، ص587).

والذي يهمنا في هذا الجزء من البحث هو النظر في تأثير أنواع الشركات المتعددة، وما يشابهها من علاقات استثمارية، على تفكير الألى، والمصرفي الإسلامي المعاصر. ومن هذه الوجهة فإنه قد يكون من المناسب، قبول وجهة نظر الحنابلة في تصنيف المضاربة، والمساقاة، والمزارعة، وكذلك الشركة بين صاحب الأصول الثابتة وصاحب العمل، قبول كل ذلك أنواعاً من الشركات التعاقدية.

5-    البدائل الإسلامية الأولى للتمويل الربوي:

اتجه تفكير أوائل الباحثين المعاصرين في الاقتصاد الإسلامي، وفى المصارف الإسلامية، إلى أنواع الشركات هذه، كبدائل إسلامية للتمويل الربوي. لذلك نجد كلا من محمد عزيز (منذ النصف الثاني من الخمسينيات)، ومحمد باقر الصدر (منذ منتصف الستينات)، ثم محمد نجاة الله صديقي (منذ أواخر الستينات)، كلهم يتوجهون إلى أنواع الشركات، لاقتراح صيغ التمويل الإسلامية.

فالمضاربة تقدم صيغة مهمة للتمويل الإسلامي، يمكن أن نسميها بصيغة المشاركة بالربح دون الخسائر، مع عدم المشاركة في الإدارة. إذ يقترح حسب هذه الصيغة، أن تقوم المعاملة التمويلية الإسلامية بين الممول وصاحب المشروع على أساس أن يقدم صاحب المال ماله، ولا يتدخل بالإدارة. وأن يتخصص صاحب المشروع بتقديم عمله وخبرته، أي باتخاذ جميع القرارات الإدارية المتعلقة باستثمار المال الذي قدم إليه تمويلا، حسب هذه الصيغة. ويقتسمان الربح طبقاً لما اتفق عليه. أما حالة الخسارة فتقع كلها على رب المال، لأن الخسارة إنما هي نقص في المال، كما يعرفها الفقهاء.

وكذلك فقد طرح مبدأ شركة العنان كصيغة تمويلية. إذ ان هذا النوع من الشركة يتيح عدم التساوي برأس المال بين الشركات، وكذلك عدم التساوي بتوزيع حصص الأرباح، دون أية حاجة إلى تطابق حصص رأس المال. مع ملاحظة ان الخسائر توزع حسب حصص رأس المال، لأن الخسارة نقص بالمال كما ذكرنا، وهي تتبع ملكية رأس المال دائما سواء في المضاربة، ام في جميع أنواع الشركات في الفقه الإسلامي.

ومن جهة أخرى، فإن هذه الصيغة تمكن رب المال من المشاركة بالقرارات الإدارية. ويلاحظ أن هذه الصيغة، لا تختلف كثيراً، من حيث مضمونها القانوني عن الشركات المعروفة في القوانين الغربية، إذ ان الممول إما ان تصبح شريكاً مالكاً لأسهم في شركة مساهمة، أو شريكاً مالكاً لحصة في شركة تضامنية. ويلاحظ أن مبدأ شركة العنان، يفترض أن كلا من الممول، والمستفيد من التمويل، يضع مالاً وعملاً في المشروع، الذي يتم الاتفاق على تمويله، وكذلك فإنهما يشتركان في قسمة الربح والخسارة معاً. 

أما في التطبيق العملي، فإنه يمكن القول – بعد مرور ما يقرب العقدين على تأسيس اول البنوك الإسلامية – أن مبدا المضاربة، قد نجح نجاحاً منقطع النظير في جانب الودائع، حيث قامت ودائع البنوك كلها على أساس المشاركة بالربح دون الإدارة. إذ يقدم المودع ماله للمضارب – وهو البنك الإسلامي – ويترك للأخير وحده حق اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بإدارة استثمار ذلك المال، أو تلك الوديعة الاستثمارية.

ولم يحدث أن بنكاً إسلامياً واحداً – حسب علم هذا الكاتب – قبل ودائع استثمارية لديه على مبدأ شركة العنان أو غيرها من صيغ التمويل.

6-     تطور المضاربة وظهور الودائع الاستثمارية:

ينبغي أن نلاحظ ان مبدأ المضاربة، يشكله الفقهي المعروف، وهو المشاركة بالربح دون الإدارة والخسارة، يسمح بإدخال ثلاثة شروط مهمة، كان لها دور كبير في تطور المضاربة، ليصبح أداة مالية فعالة، هي التي أدت على ظهور الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية، كبديل عن الودائع الربوية في غيرها. وذلك على الرغم من ان هذه الشروط لا تغير من طبيعة العقد الفقهية شيئا.

وهذه الشروط هي:

اولاً: يمكن للمارب ان يشترط لنفسه الحق بخلط مال رب المال مع أموال أرباب مال آخر.

ثانيا: يمكن أيضا اشتراط ان يخلط المضارب ماله الشخصي مع أموال أرباب الأموال. وثالثا: يمكن لرب المال، أن يأذن للمضارب أن يدفع المال مضاربة لآخر.

ولقد استفادت البنوك الإسلامية من هذه الشروط استفادة كبيرة. فبعد أن كانت استثناء فيما كتبه فقهاء القرون الماضية، حول المضاربة، أصبحت هذه الشروط أركانا في عقود الودائع الاستثمارية لدى المصارف الإسلامية المعاصرة.

ولقد كان شرط الأذن للمضارب بدفع مال لآخر مضاربة الأساس الذي قامت عليه فكرة البنوك الإسلامية أصلا؛ لأنه يتيح مبدأ الوساطة المالية، وهو ما اسماه بعض المفكرين بالمضاربة المزدوجة، التي تجعل البنك الإسلامي وسيطا ماليا بحتا، يجمع الودائع من أصحاب الوفورات، وذلك بمقتضى الشرط الثاني، ويقدمها للمستثمرين من رجال الأعمال.

وقد يوهم وجود شرط خلط مال المضارب – أي المصرف الإسلامي – مع مال رب المال – اى المودع – بانهما يشتركان في توزيع الربح والخسارة، خلافا لعقد المضاربة ، والحقيقة ان الخسارة توزع  على المال بحسب مساهمة كل من المضارب ورب المال في عقد المضاربة بمجموع الأموال المستثمر ، التي تشكل أموال المضارب جزءا منها ، أما ما يتعلق بالمضاربة من خسارة فيتحملها المودع وحده ، لا يشاركه فيها المصرف الإسلامي . ولقد أضاف هذا الشرط عنصر أمان مهم جدا بالنسبة للمودع، يجعل المصرف الإسلامي شريكا في تحمل الخسارة بنسبة ماله(1).

وبالإضافة إلى هذه الشروط فقد أدخلت البنوك الإسلامية المعاصرة – من خلال لجان الفتوى لديها – تعديلا جوهريا على المضاربة التقليدية، بقبول مبدا التقييم بدلا من التنضيد عند تصفية المضاربة. ولقد مكن هذا التعديل أصحاب الودائع من الانسحاب، او الدخول في أي وقت يشاؤون، لن البنك يستطيع أن ينظم حساباته على فترات دورية قصيرة جدا، دون الحاجة على انتظار التصفية الحقيقية للاستثمارات.

7-    فشل المضاربة في جانب الاستثمارات

يلاحظ على جانب ذلك ان مبدأ المشاركة بالربح، دون الإدارة والخسارة لم يلاق نجاحا مماثلاً فيما يتعلق بجانب الاستثمارات لدى المصرف الإسلامي. فلا تشكل المضاربة إلا جزءاً يسيراً جداً من استثمارات هذه المصارف.

ولعل من أهم أسباب ذلك أن طبيعة عقد المضاربة تعطى حرية كثيرة للمضارب. وهي بالتالي تتطلب ثقة كبيرة بقدرته على الاستثمار، وعلى تحقيق إيرادات عالية من جهة، وبأمانته من جهة أخرى. وقد لا تجد البنوك الإسلامية نفسها في أوضاع كثيرة، تقدم لها ثقة كبيرة من هاتين الوجهتين، بحيث تقدم على دفع أموالها وأموال المودعين لديها مضاربة للمستثمرين.

بلغ ذلك حداً أن شعر البنك المركزي في السودان في وقت مضى بحاجة على إصدار التعليمات للمصارف الإسلامية، في ذلك البلد، بالتوقف عن الاستثمار، على طريقة المضاربة. اما في باكستان، فكذلك لم تتقدم المضاربة كثيراً في جانب الاستثمار او الأصول من أعمال المصارف، على الرغم من نجاحها من جانب الودائع، حيث تحولت الودائع ذات الأجل، وودائع التوفير جميعها على ودائع مضاربة.

ولقد عمدت الحكومة الباكستانية إلى إصدار قانون خاص يبيح للمصارف والشركات الكبرى – ببعض شروط وقيود قد بتطلبها تنظيم السوق المالية – إصدار مضاربات على شكل شهادات، تقدم لجمهور الناس. ولكن التجربة العملية لم تتمخض عن كثير ممارسة لهذه المضاربات.

ويضاف على ذلك، ان حكومة البحرين قد عمدت حديثاً إلى إدخال تعديل على قانون الشركات لديها يسمح بموجبه للشركات المساهمة بإصدار أسهم ا تعطى أصحابها الحق بالمشاركة بالإرادة، هي في حقيقتها تطبيق لمبدأ المضاربة، أو المشاركة برأس المال والربح مع خلط مال المضارب (أي أصحاب الأسهم غير المصونة) وتوزع الخسارة حسب ملكية المال (2).

8-    شركة العنان أفضل لاستثمارات البنوك الإسلامية من المضاربة:

يقابل تخصص المضارب بالإدارة في المضاربة أن مبدأ شركة العنان يتيح إمكانية تدخل البنك الإسلامي في الإدارة، وبخاصة كونه يصبح – بعد التمويل بالمشاركة – جزءاً من آلية اتخاذ القرار الإداري والاستثماري للمشروع نفسه، أي ممثلاً في مجلس الإدارة. لذا فإن مبدا شركة العنان – ويمكن ان يسمى المشاركة برأس المال والإدارة والربح والخسارة معاً – أصبح أكثر قبولاً من مبدأ المضاربة.

لذلك عمدت كثير من البنوك الإسلامية إلى تطبيق شركة العنان في استثماراتها، كصيغة تمويلية بديلة عن الربا، صالحة لجانب الأصول من أنشطة المصارف الإسلامية.

وقد تفرغ عن مبدأ شركة العنان هذا صيغتان تم تطبيقهما في كثير من البنوك الإسلامية. تقوم الصيغة الأولى على أساس التناقص التدريجي لحصة الشريك المتناقصة. حيث يتواعد الطرفان على ان يشترى الشريك المستثمر كل حصة الشريك الممول، بعد انقضاء هذه الفترات الزمنية. وقد يمكن تخريج هذا التناقض على مبدأ الوعد الملزم، الذي يتم إنجازه في الأوقات المستقبلية، أو على طريقة بيع التوريد حيث يتواعد على سلسلة مستقبلية من عقود البيع.

أما النوع الثاني، الذي تفرع من شركة العنان في تطبيقات المصارف الإسلامية، فهو الشركة المنتهية بالتمليك. وفيها يتواعد الشريك الممول مع الشريك المستثمر على أن يبيعه حصته بعد فترة من الزمن بمبلغ يتفقا عليه بحيث يخرج الشريك الممول من العلاقة التمويلية عند السداد.

ولكن هشاشة بنية السوق المالية ، بشكل عام ، في معظم البلدان الإسلامية ، وضآلة القدرات الفنية المستثمرة في دراسات الجدوى للمشروعات الجديدة، والروح المحافظة التي تتسم بها إدارات البنوك الإسلامية ، والتي نتجت عن أسباب عديدة، مجال التفصيل فيها خارج هذه الورقة ، والقيود القانونية التي تجعل  من الصعب على البنوك الإسلامية أن تشارك في تملك وإدارة الشركات، كل ذلك أدى إلى عجز صيغة شركة العنان عن تقديم الإدارة الاستثمارية الرائجة لاستعمالات الأموال المتجمعة في المصارف الإسلامية مما اوجد أزمة سيولة كبيرة واختناقاً في الإيرادات ، عانتها البنوك الإسلامية الأولى في النصف الثاني من عقد السبعينات.

9-    أثر المزارعة والمساقاة على عمليات البنوك الإسلامية:

أما المزارعة والمساقاة، فلم تتمكن البنوك الإسلامية المعاصرة من الارتكاز إليهما في ابتكار صيغ تمويلية، تتلاءم بنفس الوقت مع الحاجات التمويلية المعاصرة.

وذلك لن معظم الحاجات التمويلية للمزارعين تتمثل في تمويل البذور، والمدخلات الزراعية الاخرى، وتمويل العمالة الزراعية، عند أوقات كثافتها، كالحصاد مثلاً، على اعتبار أن المزارع يملك الأرض أو يحوزها في العادة، في حين أن كلا من المزارعة والمساقاة تفترض حاجة الزارع الخبير إلى الأرض، أو الأرض والشجر، اما هما مع الآلة، او مع الالة والبذور . ولا يوجد في الفقه الموجود حالياً من يجيز دخول شريك يقدم البذور وحده، أو الآلة وحدها، أو هما معاً في مزارعة او مساقاة.

على ان التمويل الزراعي يمكن ان يتم بتقديم التمويل على أساس المشاركة، او المضاربة، أو البيع الآجل ، او بيع السلم ، كما يمكن تمويل مؤسسات الخدمات الزراعية بنفس الصيغ المذكورة (3).

10-                      المبادئ التمويلية المستقاة من فقه الشركات:

يستخلص من فقه الشركات مبادئ يمكن بمجموعها ان تشكل أساسا لفهم التمويل من وجهة النظر الإسلامية . وتمكن بالتالي من ابتكار أدوات تمويلية جديدة تنسجم مع المفهوم الإسلامي للتمويل . وسأورد فيما يلى أهم هذه المبادئ التمويلية.

اولاً : مبدأ استحقاق الربح:

يستحق الربح في الشريعة الإسلامية بالمال، أو العمل ، او الضمان . يعنى ذلك ان الربح – هو الزيادة الصافية في المال – قد يستحق للمالك، أو العمل ، او الضامن . وقد ينشا هذا الربح نتيجة لزيادة طبيعية لم يدخل في تحقيقها عمل ، مثل أن تنمو إبل ، فتكون هذه الزيادة ملكاً لصاحب الإبل . أو أن تعطى البقر لبنا فتكون هذه الزيادة ملكاً لصاحب البقر . وكذلك يمكن حصول الربح بسبب آخر خارج أيضاً عن تصرف المالك ، ، وناشئ عن عوامل إجتماعية ، او اقتصادية ، أو اقتصادية ، أو سياسية ، او غير ذلك ، كأن ترتفع قيمة ما يملكه لزيادة في الخلق، أي تغير في الطلب ، فيربح المالك تلك الزيادة دون ان يساهم بعمل في حصولها .وكذلك فقد يحصل الربح ، نتيجة إضافة جهد بشري على الشئ المملوك، كان يتاجر بالمال ، أو تصنيع الجلود ، أو يخاط القماش . وهذه الزيادة تستحق أيضاً للمالك على تفصيل يتعلق بصيغة تدخل الجهد البشري هذا ، إذ بذل من غير المالك.

ومن جهة أخرى ، يمكن ان يستحق الربح لصاحب العمل . مثال ذلك الشريك المضارب في المضاربة، فإنه يستحق الربح بعمله، وكذلك الشريك المزارع في مزارعه، أو العمل في مساقاة، فكل منهما يستحق ربحاً إذا ظهر ربح نتيجة عمله.

وكذلك فإن الربح يستحق بالضمان أيضأً ، كما هو الحال في شركة الوجوه، وفى شركة الأعمال . إذ يستحق الطرف الذى قد لا يقدم العمل بنفسه في شركة الاعمال او الصنائع الربح ، لمجرد تقبله للعمل ، اى ضمانه لإنجاز ذلك العمل .

وكذلك فغن فغن الشريك في شركة الوجوه يستحق الربح ، بسبب ضمانه لما تستلفه الشركة من مال .فالضمان الذى يستحق به الربح هو إذن ضمان لإنجاز عمل ، أو لسداد مال أي ان الضمان لا يستحق الربح إذا انفصل عن العمل أو المال.

من ذلك يتنبن ان الشريعة الإسلامية تتيح لعنصري الإنتاج ، العمل ورأس المال، ان يدخلا في توليفة الإنتاج على أساس الربح . ومن جهة أخرى فإن العمل يمكنه ان يدخل في توليفة الإنتاج على أساس الأجر وليس الربح . والجر هو ثمن المنفعة المعينة في عقد الإجازة ، وهو كما يقول الفقهاء ، عقد يفيد تملك المنفعة بعوض .

أما المال، فإن كان مالاً عينياً كالآلة ، أو العقار ، أو الأرض ، فإن هذا الأصل الثابت يمكن ان يدخل توليفة الإنتاج على أساس الاجر الثابت يمكن ان يدخل توليفة الإنتاج على أساس الأجر الثابت  أيضاً ، فنؤجر الآلة، او الأرض لمن يستثمرها لقاء اجر ثابت ، محدد مسبقا على أساس الزمن ، مقدراً بالساعة مثلا للعامل أو الآلة ، أو على أساس الإنتاج ، مقدراً بعدد الوحدات المنتجة. أي انه يمكن أيضاً لرأس المال العيني، أو العمل ، أن يدخل في الدورة الإنتاجية على أساس الأجر وليس على أساس الربح.

أما رأس المال النقدي فلا يمكنه دخول الدورة الإنتاجية على أساس الأجر لأن طبيعتيه لا تسمح بذلك إذ لا يمكن استخلاص منفعة منه مع بقاء أصله ، كما هو الشأن بالسبة للعمل ، أو الآلة ، أو الأرض . عن استخلاص منافع النقود لا يتم إلا بمبادلتها بغيرها من الاعيان ، أو المنافع ، وليس باستعمالها نفسها . وبذلك فإن النقود تستهلك عند استخلاص المنافع منها، أي انها يتخلى عنها لقاء الحصول على اعيان أو منافع.

ثانياً: مبدا استمرار الملك:

يقتضى فقه الشركات والمضاربة بالشريعة الإسلامية أن الملك يستمر لصاحبه حتى ولو تغيرت أوصاف المملوكات. فما يضعه الشركاء في الشركة من مال يبقى مملوكاً لهم . لذلك يستحق الشريك حصته من الربح ولو كان شريكاً غير عامل . بمعنى انه لو كان لأي قدم العمل ؛ لأنه المالك لما وضعه من رأس مال في الشركة. وملكيته هذه تستمر-ولو انها أصبحت حصة شائعة من مجموع – على الرغم من شراء أموال وعروض رأس المال ذاك.

وقد رتب الفقهاء على استمرار الملك هذا بنتائج مهمة، منها ما يعلق بكيفية التعامل مع موجودات الشركات، من حيث ارتباطها بذمم الشركاء أنفسهم. على أن المهم منها بالنسبة لهذه الورقة نتيجتان.

أولهما: ان الربح لرب المال في المضاربة ، وكذلك للشريك الذى قد لا يقدم عملاً في شركة العنان ، إنما يستحق بسبب استمرار الملك . فغذا ظهر ربح فإن نصيب المالك فيه قائم، ومستحق، ترتيبا ً على مبدأ استمرار ملكه لحصته في موجودات الشركة المادية والمعنوية. فالربح إنما هو نماء مملوكاته

ثانيهما:إن الخسارة – إن وقعت – فإنما هي نقص في الملك. أي أن الخسارة توزع حسب حصص الشركاء في رأس المال، بغض النظر عما اتفقوا عليه من حصص توزيع الربح. فالخسارة في شركة العنان يتحملها أصحاب المال بنسبة أموالهم دون أي اعتبار لنسبة الأرباح فيما بينهم، وكذلك دون اعتبار لمدى مساهمة كل منهم في الإدارة. اما في المضاربة؛ فغن رب المال يتحمل الخسارة وحده باعتبار انه المالك لمال المضاربة، وقد نقص. ولا يقع شيء منها على الشريك المضارب.

ثالثاً: مبدأ الربح بالمخاطرة:

يختلف الربح عن الأجر اختلافاً جوهرياً. فالربح يعتمد على مفهوم المخاطرة في حين أن الأجر عوض في عقد يفيد التمليك. فالإجازة بذلك نوع من بيع المنفعة وهي لا تتضمن المخاطرة، من حيث تحصيل الأجر، أو استحقاقه بمجرد تسليم المبيع أي المنفعة التي يتم تمليكها لقاء الأجر. اما الربح فغنه من نصيب ذلك العنصر من الإنتاج الذي يقبل المخاطرة فيدخل في الدورة الإنتاجية على أساس تملكه المال الذي ينشأ عن ضمانه لما قد يقع من خسارة.

فطبيعة الحياة الاقتصادية تتمن مخاطرة الخسارة. والمستقبل لا يعلمه إلا الله تعالى. والمنتج، أي المنتج، إنما ينتج لبيع بعد تاريخ الإنتاج، في العادة، أي أنه ينتج للسوق. فهو يضع نفسه موضع تحمل المخاطرة، التي تتعلق بظروف الغد من تغيرات في الطلب، وما يؤثر عليه، أو تغيرات في العرض وما يؤثر عليه.

يضاف إلى ذلك ان المالك لأي شيء يتحمل أيضاً نوعاً من المخاطر، يتعلق بما قد يطرأ على الشيء المملوك من تغيرات مادية، أو قيمية بسبب عوامل كثيرة، منها ما هو طبيعي، ومنها ما هو سوقي. إذن لابد في الحياة الواقعية من مخاطرة ينبغي ان تتحمل. والفريق الذى يقبل الدخول في الدورة الإنتاجية، على أساس تحمل المخاطرة المرتبطة بالملك هو ذلك الفري فالذي يستحق الربح.

أما إذا انفصلت المخاطرة عن التملك، فهي وحدها لا تستحق أي ربح كما في الكفالة حيث أنها مخاطرة محض، لا ملكية فيها، فلا تستحق أي ربح، ولا اجر، حسب فتوى مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بدورته الثانية المنعقدة بجدة 1407 هـ.

بذلك يلاحظ أن هناك فرقاً مهما بين التمويل الإسلامي، والتمويل الربوي يمكن تلخيصه بالقاعدتين التاليتين:

أ‌-        يمكن في التمويل الإسلامي لكل من المال، أو العمل أن يدخل الدورة الإنتاجية على أساس الربح المرتبط بتحمل المخاطر الناشئة عن ملك المال، أو ملك العمل. أما في التمويل الربوي فإن المستحدث (المدير) وحده يتحمل جميع مخاطر الإنتاج. وهو وحده يستحق الربح ولا يشاركه في المخاطر صاحب رأس المال.

ب‌-     لا يبيح النظم التمويلي الإسلامي لصاحب رأس المال النقدي أن يدخل الدورة الإنتاجية دون تحمل مخاطرها، في حين أن دخول هذه الدورة على أساس الأجر الثابت الذى لا مخاطرة فيه يمكن لرأس المال العيني، أي من الأصول الثابتة مثلاً، وللعمل سواء بسواء. لأن مالك الأصل الثابت أو العامل قد تحملا نصيبهما من المخاطر المرتبطة بما يملكان.

رابعاً: مبدأ ارتباط التمويل بالجانب المادي من الاقتصاد:

يلاحظ مما سبق أن جميع صيغ التمويل الإسلامية المستنبطة من فقه الشركات (وكذلك تلك المستنبطة من فقه البيوع) تجعل التمويل الإسلامي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالجانب المادي من الاقتصاد. بمعنى أن التمويل لا يقدم على أساس قدرة المستفيد على السداد فقط، وإنما على أساس مشروع استثماري معين، تمت دراسة جدواه، ونتائجه المتوقعة، وقبل كل من الممول والمستفيد من التمويل بهذه الدراسة، واشتركا في التوقعات، وأقدما بذلك على إنشاء العلاقة التمويلية بينهما.

يقابل ذلك أن التمويل الربوي لا يشترط فيه أن يكون مقتصراً على تمويل عمليات تتعلق حقيقة بالدورة الإنتاجية، وإنما يمكن أن ينفصل التمويل عن الجانب المادي، فتنفصل السوق المالية عن السوق المادية للسلع والخدمات.

والواقع أن أساس التمويل الربوي هو قدرة المستفيد على سداد أصل الدين، وفوائده عند الاستحقاق. وبمعنى أخر فإن التمويل الإسلامي ظاهرة مرتبطة بالدورة الإنتاجية للسلع والخدمات. ويزداد التمويل أو ينقص بقدر حاجة الدورة الإنتاجية للعنصر التمويلي. فهو بمعنى من المعاني ظاهرة من الظواهر الحقيقية في الاقتصاد.

وفى مقابل ذلك فإن التمويل الربوي ظاهرة نقدية بحته. فهو يقدم على أساس القدرة على السداد، دون أن يكون بالضرورة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتغيرات المادية لكمية السلع والخدمات وأسلوب إنتاجها وتداولها. ولهذا نتيجتان مهمتان ينبغي التنبيه ليهما هما:

أ‌-        إن التمويل في الإسلام لا يصح في حالة تدوير الديون وقلبها. فإن تأجيل سداد الديون أو إعادة جدولتها ظاهرة لا ترتبط بالإنتاج، وغنما هي ظاهرة ترتبط بالذمم فقط. أي انها ظاهرة مالية بحتة وليست مادية. لذلك فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح إعادة الجدولة بفوائد أو بزيادات على مقدار الدين. فالدين الذي يقلب إلى تاريخ لاحق، لم يؤد بذلك القلب إلى زيادة في كمية السلع والخدمات المنتجة، ولا في تداولها. فلا يصح أن يعتبر نوعاً من التمويل الإسلامي.

وإنما يمكن ان تتم جدولة الديون في الإسلام على مبدأ القرض، الذي لا يبيح للدائن الحصول على أية زيادة في أصل الدين. في حين أن التمويل الربوي يتقبل اعتبار تأجيل الديون لمواعيد لاحقة على أنه تمويل تنشأ عنه زيادة في مقدار الدين، ومكاسب جديدة للممول ن وهو عين ” أنسئ وأرب” الجاهلية.

ب‌-     إن ارتباط التمويل بالجانب المادي للدورة الإنتاجية يمنع قيام أي تمويل شخصي، في حين ان ذلك ممكن في حالة التمويل الربوي. وبعبارة أخرى فإن كل عملية في التمويل الإسلامي، سواء اتمت بالصيغ المستقاة من فقه الشركات، أم بتلك المستقاة من فقه البيوع، لابد لها ان ترتبط بمشروع معين أو سلعة معينة، يتم الاتفاق عليها مسبقاً، ولا يحق للمستفيد من التمويل تحويل ذلك التمويل إلى استعمال آخر.

ومعروف مقدار المآسي – على المستوى الفردي وعلى مستوى الدول – التي أدى إليها التمويل الربوي بعد ارتباطه بمشروع محدد أو بسلعة معينة مما جعل كثيراً من القروض تستعمل لأهداف بعيدة عما أريدت له، مما أثر كثيراً حتى على القدرة على السداد نفسها.

وينبغي ان نضيف على هاتين النتيجتين نقطة ثابتة تتعلق بجميع صيغ التمويل الإسلامية المستوحاة من فقه الشركات.

وهذه النقطة تستند على طبيعة تلك الصيغ. ذلك ان العائد الذي يحصل عليه المول المرتبط ارتباطاً أصلياً بنتيجة المشروع الذي تم تمويله، وليس بمقدار التمويل، ولا بذمة المستفيد من التمويل.

يعنى ذلك انه في حالة فشل المشروع، وعدم قدرته على تحقيق قيمة مضافة للمجتمع، ولا تنشأ عنه اية مكاسب للممول. أي أن الممول لا تترتب له قيمة مضافة عند عدم تحقيق أية قيمة مضافة من المشروع نفسه.

في حين أن التمويل الربوي يحق مكاسب للممول في مثل تلك الحالة، على الرغم من ان المجتمع لم يحقق أية قيمة مضافة، نتيجة لتلك العملية التعليمية، لأن المشروع الممول قد خسر.

وينشا عن ذلك، أنه فضلاً عما في التمويل الإسلامي من العدالة، مقابل الظلم في التمويل الربوي، الذي هو ظاهر مما سبق، فإن التمويل الربوي يتيح للممول تحقيق توزيع عكسي في مجموع الدخل، أو المنتج الاجتماعي. أي انه قد يأخذ جزءاً من مجموع ذلك المنتج دون ان يكون قد قدم أي شيء فيه. وفى ذلك خلق عوائد مالية لا يبررها ما يقابل ذلك من منتجات من السلع والخدمات في المجتمع.

11-                      آمال وتطلعات:

إن غنى فقه الشركات بالمعاني التي يقوم عليها جزء كبير من التفسير الاقتصادي للتمويل في النظام الإسلامي من جهة ، والتجاء البنوك الإسلامية المعاصرة إلى فقه البيوع متخذة منه الأساس الأول لاستعمالات الأموال المتوفرة لديها من جهة ثانية، والحاجات الاستثمارية في اقتصاديات البلدان الإسلامية المعاصرة ، وبخاصة ما يتعلق منها بزيادة الطاقة الإنتاجية السلعية في الصناعة والزراعة من جهة ثالثة، كل ذلك يتطلب عودة جديدة إلى فقه الشركات لابتكار صيغ تمويلية جديدة تؤدي إلى النقلة النوعية الثانية في التطبيقات المعاصرة لمبادئ التمويل الإسلامي (4). هذه النقلة يمكن ان تعتمد على مبدأ توزيع المخاطر، من أجل دفع التمويل الإسلامي في اتجاه اختيار المشروعات، التي يمكن ان يؤدي إلى زيادة طاقة الإنتاج السلعي.

ويمكن لفقه الشركات ان يقوم بهذا الدور من خلال ثلاثة مقترحات رئيسية هي: المشاركة بالإنتاج، والشركة برأس مال غير محدد عند العقد ن والشركة بالأصول العينية (الثابتة أو المتداولة) أطرحتها للفقهاء المعاصرين ليقوموا بتطويرها ووضع التفصيلات اللازمة لها.

أ‌-        المشاركة بالإنتاج:

هنالك من المشروعات ما يسهل فيها توزيع الإنتاج بين مالك المشروع والممول، إما لأن لدى الممول خبرة بتوزيع ذلك المنتج، وعنده شبكة توزيع متمرسة في السوق. مثال ذلك كثير من الصناعات المحلية التي تستعمل الأسماء التجارية والخبرة الفنية للشركة الأم الممولة كالعطور والسيارات والمعدات وغير ذلك.

أو لأن للمنتجات أسواق عالمية للممول ارتباطات بها، مثل بعض المنتجات الزراعية النقدية Cash Crops أو المعادن الرئيسية.

ويلحق بهذا النوع بعض مشروعات البنية الأساسية، التي تقدم خدمات بأجور محددة تشكل دخلا إجمالياً مباشراً، يحل محل المنتجات مباشرة، بحيث يعتبر هذا الدخل الإجمالي بمثابة إنتاج لها مثل الجسور، والطرق، والمطارات التي يكون استعمالها لقاء رسوم معينة. إذ كثيراً ما يعبر عن الخدمات المنتجة بمقدار الإيراد الإجمالي لهذه المشروعات.

والمشاركة بالإنتاج قد يكون مرغوبة من قبل الممول، لأنها تخفف عنه أعباء الرقابة الإدارية، والمالية، وتقلل احتمال إساءة الأمانة Noral Hazardمن جانب إدارة المشروع. لأن البيانات التي يحتاج الممول (الشريك) للتحقق منها هي فقط تلك المتعلقة بحجم الإنتاج. وهذا أمر سهل في كثير من الصناعات. ولا علاقة للممول (الشريك) في المشاركة بالإنتاج بجميع نفقات الإنتاج والصيانة وغير ذلك من النفقات.

فالمشاركة بالإنتاج قد تكون شبيه بالمزارعة التي يقدم فيها الزارع البذور، والنفقة، ولا يقدم صاحب الأرض إلا ارضه، ولكنها قد تكون أيضاً شبيهة بشركة العنان في بعض الحالات، كأن يكون رأس المال مما يتلف بالاستعمال، كدفعة رسما لامتياز حكومي لاستثمار معدن جامد، أو وسائل، ويتفق الطرفان على توزيع الإنتاج بينهما.

وهناك عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها، وتتطلب إجابة من قبل الفقهاء المعاصرين. فإذا اعتبرنا أن مقاسمة الإنتاج بدلاً من احتساب ومقاسمة الربح الصافي أمراً جائزاً يدخل فيما يتفق عليه الطرفان من مباحات، فهل ترافق مقاسمة الإنتاج بشروط أخرى مما قد لا يقدح بالمشاركة بالإنتاج كأداة تمويلية مقبولة من الوجهة الشرعية؟ وبشكل أدق هل تقبل المشاركة بالإنتاج سواء أكان رأس المال مما يتلف بالاستعمال كالبذور تلقى في الأرض، أم مما لا يتلف بالاستعمال كالأرض والآلة؟ وهل يصح في المشاركة بالإنتاج أن تختلف نسبة توزيع الإنتاج عن نسبة المساهمة رأس المال بحيث تلحظ للإدارة كما هو الشأن في شركة العنان عند الاحناف ومن وافقهم؟ وهل يجوز في المشاركة بالإنتاج أن يكون رأس المال ناضا أم تصح الشركة ولو كان رأس الال أصولاً ثابتة؟ وإذا كل رأس المال أو بعضه أصولاً ثابتة، فهل يصح اشتراط رفع جزء من الإنتاج متفق عليه لقاء استهلاكها بحيث تحافظ على ثبات قيمتها الاستعمالية؟ وهل يجوز في المشاركة بالإنتاج أن يتحمل شريك واحد دون غيره – وليكن الشريك المدير – جميع أعباء التشغيل والصيانة، بما في ذلك ما يتطلبه ذلك من نفقة كما هو الشأن في المزارعة التي يتحمل فيها المزارع البذور والسماد والتعشيب؟ أو أن تعتبر هذه النفقة جزءاً من اختصاصه التعاقدي كما في بعض الأعباء التي يتحملها المضارب في المضاربة دون أن يجوز له أن يردها على مال المضاربة؟

ب‌-    الشركة برأس مال غير محدد العقد:

إن هذا النوع من الشركة يخدم اغراضاً تمويلية قصيرة الأجل ومتوسطة. فهي تفيد في تمويل راس المال العامل مما يعجز عن بعضه التمويل على أساس البيع، ولا يناسبه التمويل بصيغة شركة العنان العادية، أو بصيغة المضاربة. ذلك لأن حاجات راس المال العامل هي حاجات مؤقتة، وقصيرة المدى وتتضمن تغيراً في مقدار التمويل على فترات قصيرة.

ويمكن في هذا النوع من المشاركة الاتفاق على طريقة احتساب مساهمة كل شريك بمجموع راس مال الشركة، بحيث تعرف مساهمة كل شريك قبل إجراء الحسابات الختامية، ومعرفة مقدار الربح الصافي المستحق للتوزيع. وذلك على أساس وحدة رأس المال ليوم واحد (او ما يسمى في العرف المصرفي بطريقة النمر). فإذا قدم الممول الاحتياجات التمويلية القصيرة الأجل على دفعات متعددة خلال السنة فإن مساهمة فة رأس المال تساوى مجموع النمر المترتبة له منسوباً إلى المجموع الكلى لنمر راس المال. وتستحق الأرباح على أساس هذه النسبة، مع مراعاة ما قد يتفق عليه من حصة للشريك المدير من الأرباح.

والشركة برأس مال غير محدد مسبقاً قد لا تقلل فرص إساءة استعمال الأموال من قبل الشريك المدير ولكنها تقلل فرصة عدم الإفادة الكاملة من الأموال المتاحة، بحيث تزداد كفاءة راس المال في العملية الإنتاجية.

والسؤال المطروح للفقهاء المعاصرين يتعلق بمشروعية هذا النوع من الشركة.

جـ –الشركة بالأصول العينية:

الشركة بالأصول العينية تيسر العملية التمويلية لأنها تتيح الفرصة لدخول ممولين جدد او خروج آخرين دونما حاجة إلى التنضيد. وفى الواقع فغن فقهاء البنوك الإسلامية المعاصرة قد اجازوا الشركة بالأصول العينية ضمنا عندما قبلوا مبدأ التقييم في خلط الودائع الاستثمارية، أو أموال المضاربين. ذلك لان دخول مودع جديد، أو خروج مودع قديم، إنما يتم على أساس تقييم ما يخص المودعين من أصول عينية، وديون في موجودات البنك الإسلامي، وإضافتها إلى ما يخصهم من نقود جاهزة. ولكنهم لم يقوموا بمناقشة موضوع المشاركة بالأصول العينية وجاهاً بشكل واضح.

ويمكن تطبيق مبدأ المشاركة بالأصول بشكله العام بإحدى طريقتين، فإما أن يقدم الممول النقد الناض يساهم فيه مع مالك المشروع (وملكه متمثل بأصول ثابتة ن ومتداولة، ونقدية معاً) على أساس المشاركة بالربح بنسبة يتفق عليها، وبالخسارة حسب حصص رأس المال. وإما أن يقوم الممول بشراء الأصل الثابت (أو المتداول) ويقدمه رأس المال في مضاربة، أو شركة على الاشتراك بالربح، أو بالإنتاج الإجمالي، كما اقترح بعض الكتاب المعاصرين(5). ولا شك ان تقديم راس المال الثابت – وبخاصة مما يتصف بطول العمر الاستعمالي – فيه تقليل من مخاطر إساءة الاستعمال من قبل الشريك المدير.

واخيراً فإنه يمكن تنمية الأدوات التمويلية المستقاة من فقه الشركات بتوليفات متعددة للاشكال الثلاثة المذكورة بحيث تستجيب البنوك الإسلامية للحاجات التويلية المتعددة.

الهوامش

(*) الكاتب باحث اقتصادي في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدة. وهو وحده المسؤول عما في هذا البحث، ولا يتحمل البنك ولا المعهد أية مسؤولية في ذلك.

(1) وفضلا عن ذلك، فقد عمدت البنوك الإسلامية على إضافة عنصر امان آخر لصيغة المشاركة بالربح، دون الخسارة والغدارة، ذلك هو مبدأ احتياطي الاستثمار. ويقوم هذا المبدأ على ان يتفق المصرف الإسلامي مع المودع لديه على التبرع بنسبة معينه من ربح المضاربة لصندوق خاص، له شخصيته المعنوية المستقلة، ويديره المصرف الإسلامي نفسه. يهدف هذا الصندوق إلى إطفاء الخسارة، في سنوات الفشل، بدلاً من تحميلها لرب المال، وغلى تدعيم الأرباح في السنوات عجاف الأرباح.

(2) ولعل بنك التقوى المسجل في جزر البهاما هو البنك الإسلامي الوحيد الذي أصدر ذلك النوع من الأسهم سماها أسهماً ممتازة لامتيازها بإبعاد أصحابها عن الانشغال بمتاعب الإدارة.

(3) ينبغي ان يضاف إلى صيغ التمويل القائمة على أساس فقه الشركات صيغ أخرى قائمة على البيوع. وهي تعتمد على النظرية الفقهية المعروفة بان البيعين بالخيار في تحديد السعر وتاريخ الدفع. أي أن السعر يمكن أن يختلف باختلاف تاريخ الدفع مما يمكن العملية التمويلية من الإفادة من فارق السعر هذا. ويعود الفضل في تقديم العرض النظري على شكل صيغة تمويلية للأساس الفقهي هذا على الدكتور سامي حمود الذي استطاع أن يستفيد من فكرة ذكرها الامام الشافعي. وقد طور الدكتور حمود هذه الفكرة لتتخذ صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء. ويقوم هذا البيع على أمر المستفيد من التمويل للبن الإسلامي أن يشترى له سلعة معينة بسعر معروف لديهما، وأن يشتريها المستفيد من التمويل بسعر أعلى، وبأجل في الدفع. وقد اتخذت صيغة المرابحة للآمر بالشراء هذه أحد شكلين: فإما أن يكون دفع ثمن المبيع للممول على أقساط متعددة تدفع في مواعيد زمنية محددة، أو أن يكون دفع الثمن هذا دفعة واحدة في موعد مستقل.

ويضاف إلى البيع للآمر بالشراء صيغة أخرى هي التأجير للآمر بالشراء. تقوم هذه الصيغة كبديل للتمويل يتمكن فها المستفيد من الحصول على الآلة، أو العقار مثلاً، ويدفع عن ذلك إيجاراً يتضمن في حقيقة استرداداً لرأس المال، مضافاً إليه عائد يتفق عليه. أما الأصل أي الآلة، أو العقار، فإما أنه يكون قد استهلك تماماً في نهاية مدة التأجير، أو أن يباع للمستفيد بسعر زهيد، أو ان يترك له بدون مقابل.

ويلاحظ في جميع صيغ التمويل على أساس البيوع أنها تستجيب لحاجات تمويلية قد لا يمكن سدادها عن طريق التمويل على أساس فقه المشاركة، لعدم وجود إيرادات مادية لهذه الحاجات. مثال ذلك تمويل شراء المواد الاستهلاكية الطويلة العمر، كبيوت السكن أو السيارات او الأثاث المنزلي، وكذلك تمويل مشتريات الدولة لحاجاتها الإدارية مثل المباني الحكومية والمواد واللوازم المستهلكة أو الطويلة العمر التي لا تستعمل في مشاريع ذات إيراد للقطاع العام.

ويلاحظ على صيغ التمويل القائمة على فقه البيوع أنها تشترط دائماً وجود سلع حقيقية، يتم تمويل شرائها فيكون التمويل معبراً عن الدورة المادية للمنتجات، وليس ظاهرة نقدية أو مالية بحتة.

(4) إذا أنني أعتبر قيام البنوك الإسلامية نفسها هو النقلة الأولى، التي أدت إلى كسر الحاجز النفسي، الذي كان يرى في اشكال التمويل المستوردة من بيئات لا تلتزم بالحقائق المأخوذة من الوحي قدراً لابد منه، ولا محيد عنه. ولا شك أن ما يقرب من عقدين من ممارسة التمويل الإسلامي في عدد كبير من البنوك الإسلامية أمر كاف لتوليد القناعة العملية بعدم وحدانية النظام الربوي في التمويل المصرفي.

(5) دكتور رفيق المصري، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، المجلد 3 – العدد 1.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر