أبحاث

علم الاقتصاد الإسلامي في عالم متغير جدل النموذج والواقع: النظرية الاقتصادية

العدد 166-167

لم يعرف الفكر الإسلامي علماً مستقلاً للاقتصاد، إلا في القرن العشرين متأثراً بالفكر الاقتصادي الغربي، ذلك أن التقسيم التحكمي للعلوم لم يكن وارداً في الفكر الإسلامي، المشهور برؤيته الكلية للظواهر الاجتماعية، وبموسوعية علمائه على مر العصور. ورغم ذلك نجد في القرون الأولى بعض الكتابات المتخصصة في المجال الاقتصادي، مثل كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف وكتاب الأموال لأبي عبد القاسم بن سلام وكتاب الكسب للشيباني وغيرها. ونلاحظ معالجة هذه الكتابات لقضايا جزئية استجابة لحاجات العصر الذي نشأت فيه، في حين أن هذه الكتابات لم تتعرض لمجال الرؤية الكلية والتنظير نتيجة عدم وجود الحاجة لذلك، لاستبطان كتابها الطبيعي لهذه الرؤية.

إلا أنه في مرحلة تالية، ومع توغل الفكر المادي وسيطرته على النظام الاقتصادي العالمي، ظهرت الحاجة لصياغة رؤية كلية واضحة في مجال الاقتصاد الإسلامي، والتقعيد لها للحفاظ عليها من هجوم الرؤى الدخيلة، فقامت مجموعة من العلماء المسلمين بتبني تجربة وضع أسس علم الاقتصاد الإسلامي والسعي إلى بناء نظريات اقتصادية مختلفة على ضوئها، وذلك في مواجهة علم غربي تم بناؤه تدريجيا على مر عقود طويلة. ولم يكن التحدي الأكبر أمام هؤلاء العلماء متمثلاً في وضع الأسس المنهجية والرؤية الكلية المتماسكة للاقتصاد الإسلامي فقط، ولكن أيضا في تشغيل هذه الرؤية وإثبات صلاحيتها في عالم تم اكتساحه بالفعل من جانب من يملكون دفة الحضارة المعاصرة.

بدأ الرواد المعاصرون([1]) في بناء علم اقتصاد إسلامي عبر رسم ملامح الرؤية الكلية لهذا العلم، وقد نجحوا في إبراز تميز هذه الرؤية عن غيرها من حيث مرجعيتها العقدية ومنطلقاتها القيمية، إلا أنهم واجهوا معضلة أساسية تمثلت في وجود فجوة معرفية ناتجة عن عدم مسايرة هذا العلم للتطور المجتمعي وممارساته، فكل ما لا يُطبَق لا يتطور، بل يجمد ويتقهقر، ومن هنا لم تعد مصطلحات علم الاقتصاد الإسلامي التراثية، النابعة من خصائص الرؤية الإسلامية، مسايرة لروح العصر، بل أصبحت هذه المصطلحات غريبة عن المجتمع الإسلامي الحديث نفسه، الأمر الذي اضطر هؤلاء الرواد إلى استعارة مصطلحات علم الاقتصاد الغربي بكل ما تحمله من دلالات أيديولوجية مغايرة. كما قام هؤلاء الرواد بتقسيم علم الاقتصاد الإسلامي إلى نفس الأقسام الرئيسية الواردة في كتب الاقتصاد الغربي، واعتبروا ذلك طريقا لإثبات قدرة الاقتصاد الإسلامي على التواجد وسط العلوم الاقتصادية الحديثة([2]).

 

أقرأ المزيد

([1]) عقبة عبد اللاوي (2015). متطلبات التحول نحو الاقتصاد الإسلامي بين المرتجى والمتاح “دراسة تحليلية لإشكالية فجوات التنظير والتطبيق في الاقتصاد الإسلامي”. بحث مقدم إلى مؤتمر الاقتصاد الإسلامي: الحاجة إلى التطبيق وضرورات التحول، (المؤتمر السنوي الثالث والعشرون، كلية القانون جامعة الإمارات) 6-7 أكتوبر 2015.

وقد جاء في هذه الدراسة أن أحد أهم معوقات البحث في المجال الاقتصادي هو الاعتماد بالدرجة الأولى على “النظرية النيو كلاسيكية” التي لا تتلاءم في كثير من الجوانب مع طبيعة الاقتصاد الإسلامي. ولأمر غير مفهوم حرم الباحثون في الاقتصاد الإسلامي أنفسهم من “التنفس خارج الصندوق” عبر المدارس الاقتصادية المنافسة من مثل:” الاقتصاد السلوكي” و” نظرية المباريات” و”اقتصاد النظم المركبة”، وغيرها من المدارس المتعددة التي تتيح آفاقا أوسع لدراسة السلوك والظواهر الاقتصادية والاجتماعية.

([2]) من هؤلاء الرواد عيسى عبده (1907-1980). محمود أبو السعود (1912- 1993) وفي مرحلة تالية: محمد نجاة الله صديقي (1931م)، منذر قحف (1940م)، محمد أنس الزرقا (1938م) عبد الحميد الغزالي (1937 – 2011) ، محمد عمر شبرا (1933).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر