أبحاث

الميثاق الغليظ ! ملاحظات على معجم الأسرة في القرآن الكريم

العدد 153

يمكن للمتأمل لغايات الإسلام الأساسية من وراء رعايته لمؤسسة الأسرة أن يقرر أنها تتلخص فى تحقيق ما يلى:

1-       السواء النفسى والبدنى (السكن).

2-       والانسجام الاجتماعى (المودة والرحمة).

3-       والإعمار (الأصل فى الزواج التأبيد وتحريم الزواج لغير القادر عليه وتحريم الإجهاض) إلخ.

وهو ما يمكن أن يفهم من قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [سورة الروم 30/21].

ومن المدهش أن نرى عند أصحاب تفاسير الأحكام تفصيلا دقيقا لهذه الآية يغطى جغرافية الغايات المستهدفة فى المنظومة التشريعية الإسلامية، فمما أشار إليه القرطبى فى تفسيره الجامع لأحكام القرآن (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1987م) 14/16 ما يلى:

1- فلسفة الزواج قائمة على المودة وهى، فى تفسير ابن عباس ومجاهد، الجماع.

2- فلسفة الزواج قائمة على الرحمة وهى، فى تفسير الحسن، الأولاد.

3- فلسفة الزواج قائمة على المشاعر الحانية والشفقة وهذا في تفسير السدى

4- فلسفة الزواج قائمة على السكن ومنه يفهم الإعمار والاستقرار.

فظهر من نص القرطبى تحقق غايات الزواج المؤسس الشرعى لمؤسسة الأسرة.

وتقترح هذه الورقة معالجة المطالب التالية:

1- ألفاظ إنشاء الأسرة (ألفاظ الزواج ومقدماته).

2- ألفاظ بقاء الأسرة (ألفاظ الحياة الزوجية وآثارها).

3- ألفاظ (انتهاء العلاقة الزوجية وآثارها).

4- ألفاظ غايات تكوين الأسرة.

وسوف يقف البحث أمام الألفاظ والتعابير الخاصة بالأسرة مبديا ملاحظات عليها.

ومن المهم أن نقرر أن الأسرة وفق المفهوم الإسلامى هى الجماعة التى يربط أفرادها رابطة قرابة عمادها الزواج، ومحور القرابة فى تكوينها مشترك بين الأب والأم مع ترجيح ناحية الأب فى القرابة أحيانا. (انظر معجم العلوم الاجتماعية، مراجعة د.إبراهيم مدكور، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1975م).

1-      ألفاظ الأسرة (ألفاظ الزواج ومقدماته):

(1-1) الألفاظ والتعابير الدالة على مقدمات الزواج:

يقول الدكتور كريم زكى حسام الدين فى دراسته الرائدة (القرابة: دراسة أنثرولغوية للألفاظ وعلاقات القرابة فى الثقافة العربية) (مكتبة الأنجلو المصرية 1990م) ص 243 تعد “علاقة الرجل بالمرأة من خلال نظام الزواج حجر الأساس الذى يقوم عليه شكل النظام القرابى فى المجتمع، فهى التى تؤدى إلى خلق روابط قرابية لم تكن موجودة من قبل بين أفراد المجتمع”. وهى الأهداف التى ألمح إليها القرآن الكريم فى آية سورة الروم التى سبق الإشارة إليها، يقول الماوردى فى تفسيره النكت والعيون (دار الصفوة، القاهرة، 1413هـ = 1993م) 3/297: “لتسكنوا إليها: لتأنسوا إليها؛ لأنه جعل بين الزوجين من الأنسية ما لم يجعله بين غيرهما”.

وجعل بينكم مودة ورحمة فيه أربعة:

“أحدها – أن المودة والرحمة الشفقة قاله السدى.

الثانى – أن المودة الجماع، والرحمة الولد، قاله الحسن.

الثالث – أن المودة حب الكبير والرحمة الحنو على الصغير، قاله الكلبى.

الرابع- أنهما التراحم بين الزوجين، قاله مقاتل”.

ففى هذا النقل ما يبين الأهداف التى من أجلها شرع الله الزواج القائد إلى تكوين الأسرة، وقد ورد فى القرآن الكريم قائمة للألفاظ التى تعالج الزواج ومقدماته، وسأعتمد فى رصدها على كتاب (قائمة معجمية بألفاظ القرآن الكريم ودرجات تكرارها) للدكتور محمد حسين أبى الفتوح (طبعة مكتبة لبنان، بيروت 1410هـ= 1990م):

·      خطبة: وقد وردت اللفظة مرة واحدة فى تركيب إضافى هو خطبة النساء، فى سياق مشعر بالإباحة والجواز فى سورة البقرة 2/235 يقول تعالى: ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء﴾.

·      الوعد بالخطبة: وقد ورد التعبير ﴿وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ سورة البقرة 2/235.

ومن هذين الموضعين نخرج من خلال تأمل لغة لفظ الخطبة وتعبير لا تواعدهن سرا بما يلى من ملاحظات:

1-   “الخطبة” فى اللغة القرآنية معناها طلب المرأة للتزويج، وهو تفسير الأصفهانى فى المفردات فى غريب القرآن (تحقيق صفوان داوودى) دار القلم دمشق 1408هـ) (خطب 286) واشتقاقها اللغوى دال على أنها أمر مهم وفق نظرية الأصول، حيث يدور الجذر اللغوى المكون لها حول أصل معناه الأمر العظيم، وهو بعض ما أشار إليه ابن فارس اللغوى فى معجمه مقاييس اللغة الذى أقامه على فكرة الأصول؛ أى إدارة مشتقات جذر لغوى ما حول أصل دلالى معين أو أكثر، حيث رأى من امتدادات أصل طلب الزواج قيامه على الدعوة إلى التزاوج والكلام فيه هو الذى يحدد العقد فيتم أو لا يتم، ومنه سمى الخطب للأمر المهم يقع؛ وإنما سمى بذلك لما يقع فيه من التخاطب و المراجعة.

2-   “لا تواعدهن سرًا” وهو تعبير دال على التعريض بالخطبة، وهو مساو للخطبة تماما لكن فى حق المرأة التى مات عنها زوجها، يقول ابن الجوزى فى تذكرة الأريب فى تفسير الغريب، (دار الكتب العلمية 1425هـ= 2004م) (ص 34) “والتعريض بالخطبة: الإشارة بقول يدل من غير تصريح”.

ويلاحظ أن اللغة القرآنية فيما يتعلق بمقدمات الزواج قسمت الأنثى إلى قسمين هما:

أ- البكر         ب- والثيب

وفصلت شكل طلب من سبق لها الزواج ومات عنها زوجها فى وقت عدتها ووضعت له اشتراطات تقود إلى أسئلة مهمة هى: لماذا لم يتعلق الخطاب القرآنى لخطبة البكر، أو الأرملة بعد فوات وقت عدتها؟ والإجابة واردة فى المدونات الفقهية لاعتبارات تتعلق بالحكمة المعنوية من العدة تعيينا وهى الاعتبارات الدائرة حول الوفاء للزوج الراحل، والحزن عليه، والتصريح على فرض وقوعه قاض بالانشغال بالمتوقع وهو أمر الخطبة وما تحتاج إليه من استعداد، وقاض كذلك بقطع حالة الحزن والتحول للفرح ومقدماته كناتج من نتائج الخطبة الطبيعية، وهو ما ينافى المقاصد التشريعية الكلية والجزئية من وراء تشريع العدة للمتوفى عنها زوجها وإطالة مدتها مقارنة بغيرها.

كما يستفاد من لغة تعبير الوعد الوجوب واللزوم اللغوى الذى يقود مع تضافر الأدلة الأخرى إلى القول بحرمة الشكل المناقض وهو الانتقال من التعريض إلى التصريح، اعتماد على بنية النهى النحوية وتقييده بالحال سرا.

ومن التعابير التى يستفاد منها أيضا الحديث عن بعض مقدمات الزواج التعابير المرغبة فى الزواج من مثل ما يلى:

1-   التعبير عنه بأنه من سنن الأنبياء وهدى المرسلين، وهم منصوبون للاقتداء بهم على ما قرره السيد سابق فى كتابه فقه السنة (دار الفتح للإعلام العربى، القاهرة 1418هـ= 1998م) 2/326.

يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾ سورة الرعد 13/38.

2- التعبير عنه بما يوحى بالامتنان والإنعام وهو من دلالات الترغيب، إذ يذكره الله سبحانه فى أحيان كثيرة متفضلا على خلقه، ولا يتفضل إلا بما هو خير فيقول: ﴿جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾ سورة النحل 16/72 وكما مر فى آية سورة الروم بما فيها كذلك من النص على أنها من آيات الله سبحانه فى الخلق.

3- التعليل للدعوة إليه بأنه من أسباب الغنى كما فى قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ سورة النور 24/32.

ويمكن أن ندخل فى هذا الجزء من الحديث عن معجم الأسرة للألفاظ والتعابير المتعلقة ببيان حكم الزواج، وأنه فى الغالب منهى عن تركه كما يستفاد من دلالة النهى فى مثل التعبيرالقرآنى: ﴿لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ﴾ سورة المائدة 5/87.

وكما يستفاد من دلالة المفارقة بأن فى ترك الزواج اعتداء كما ورد فى نهاية الآية السالفة الذكر ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾.

كما يمكن التوقف أمام دلالات جمل القرآن الخاصة بالحديث عن حكمة القرآن فى الزوج، مما مر بعضه فى مقدمة هذه الورقة.

كما يمكن التوقف أمام دلالات الآيات التى تكلمت عن المحرمات من النساء سواء بسبب الدم أو المصاهرة أو الرضاع باعتبار هذا من المقدمات اللازم معرفتها قبل الزواج.

ومما مر أمكن أن نلاحظ الملاحظات التالية من تأمل اللغة القرآنية المتعلقة بمقدمات الزواج على مستوى بنية الألفاظ، وبنية الجمل ودلالات كل منهما:

1- النظر إلى الزواج على أنه أمر عظيم مهم كما ظهر من اشتقاق لفظ الخطبة الذى صار مصطلحا فقهيا فيما بعد، وكما يظهر من الدعوة له والترغيب إليه كما ظهرت من دلالات كثير من الآيات.

2- العناية بتفصيل حكم الخطبة المعتدة من وفاة زوجها مما ظهر من طول العبارة القرآنية عن طريق استثمار أساليب نحوية كثيرة كالاستثناء، والقيود من الوصف، والإضافة، لتحقيق الهدف من وراء العدة وهو تفخيم أمر الزواج، والبلوغ بالحزن على المتوفى إلى أمده تحقيقا لمطلب الوفاء له ولذكراه، والإلماح إلى أن التصريح بالخطبة لمن فى هذه الحالة مفض إلى التحول من الحزن على المتوفى والانشغال بالخاطب الجديد، وربما الفرح به!

(1-2) الألفاظ والتعابير الدالة على إنشاء الزواج:

ثم ورد فى القرآن الكريم مجموعة أخرى من الألفاظ والتعابير الخاصة بإنشاء العلاقة الزوجية وإقامتها ويمكن رصد إنشاء تلك العلاقة فى القائمة التالية:

1-       الزواج، وقد وردت ألفاظ كثيرة فى صور صرفية كثيرة معالجتها قائدة إلى بيان كثير من أحكام هذه العلاقة الشريفة.

والصور الصرفية للجذر اللغوى (زوج) فى القرآن الكريم هى كما يلى:

1- زوّج (فَعَّل) ودلالة التعدى تقوى القول باشتراط الولى فى آية سورة الأحزاب 33/37 ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ يقول القرطبى فى تفسيره 14/195: “زوجناكها” دليل على ثبوت الولى فى النكاح”.

وقد وردت هذه البنية مرة أخرى فى سياق دال على أن الزواج من النعيم؛ لأنه من متع الجنة يقول تعالى: ﴿وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾ سورة الدخان 44/54، وسورة الطور 52/20، والتعدى فيه دال على إعداده ليكون جزاء الطائعين، ومقو لدلالة الولى، ودلالة التشريف إذ يقوم على الأمر رب العزة سبحانه.

·           وقد ورد هذا البناء أيضا بالبناء للمجهول فى سياق دال على قدرة الخالق وعظمته يقول تعالى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ سورة التكوير 81/7، وعلى منـزلة الزواج وأهميته وهو تأويل عمر بن الخطاب للآية الكريمة، يقول كما فى النكت والعيون 4/433: “يزوج كل رجل نظيره من النساء”. وبقاء الأمر إلى الآخرة دال على منـزلة الزواج، كما وأنه من دلائل القدرة الإلهية أحيائيا (بيولوجيا) واجتماعيا.

2- زوج (فعْل) وقد وردت الكلمة اسما بالإفراد مرات كثيرة بلغت 18 مرة ودلت على الرجل والمرأة مما قد يفهم منه عدم التمييز بينهما، وأن تكوين الأسرة شركة بينهما، كما تشير الكلمة فى أصل وضعها إلى حاجة كل طرف إلى الآخر فكل واحد منهما يسمى زوجا، وهو فى اللغة: المحتاج إلى نظيره ولذلك يسمى الرجل والمرأة بعد زوجهما = زوجين، فكل منهما زوج أى مكمل للآخر يقول صاحب المفردات فى غريب القرآن 384: “يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى فى الحيوانات المتزوجة زوج”، حتى أن اللغويين العرب حكموا على لفظ (زوجة) بأنها رديئة وهو مما فقهوا من الاستعمال القرآنى للفظ الزوج.

·           واستعمل ذلك الاسم مثنى فى سبع مواضع اختص منها بالحديث عن الإنسان موضعان دالان على المنة الإلهية بخلق الزواج.

·     ثم استعمل جمعه فيما يقرب من ثلاثة وخمسين موضعا، تعلق أغلبها بالحديث عن الأزواج بالمعنى الذى يدل على إقامة علاقة زوجية تعلقا صريحا مباشرا، وخرج القليل من المواضع للدلالة على شيء آخر وكلها دالة على أن إقامة هذه العلاقة مرغوب فيها مدعو إليها، وتنوعت لإضافة هذا البناء صورته الجمعية إلى ضمير الذكور (هم) وضمير الإناث (هن) للدلالة على عدم التمييز، وعلى أنهما المشكِّلان للعلاقة، وعلى اشتراكهما فى الحقوق والواجبات، وعلى تعلق الأحكام الزوجية بهما معا من غير انفراد واحد منهما من دون الآخر، ومن الملاحظات المهمة أن التراكيب الإضافية المكونة من المضاف (أزواج) + المضاف إليه (هم) عكس عناية فائقة بدفع الظلم عن النساء فى سياقات متنوعة حرصت على دفع المضار المتعلقة بهن من جوانب متعددة متنوعة توزعت على حقوقهم المادية والبدنية والنفسية.

3- بَعْل: (فَعْل) وهو من الألفاظ المرادفة للفظ (زوج) ترادفا غير تام إذ البعل هو: الذكر من الزوجين، كما فى المفردات 135.

وقد ورد هذا اللفظ فى بنيته الاسمية الإفرادية فى ثلاثة مواضع تعلق اثنان منها بالمعنى المراد هنا كما يلى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا﴾ سورة النساء 4/128.

1-       ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً﴾ سورة هود 12/72.

2-   والتحول من استعمال اللفظ (زوج) وهومشترك بينهما إلى لفظ خاص بالذكر دال على تعلق عدد من الأحكام به مما يرشح لمقولة المسئولية الزائدة على عاتق الرجل فى تحمل أعباء مؤسسة الزواج، وتشير بعض المعاجم إلى أن ثمة دلالة هامشية كامنة وراء الجذر (ب ع ل) هو الثقل مما يوحى بثقل ما يحمله فوق ما تحمله المرأة.

3-   كما تدور الدلالات المركزية حول معنى الصحبة والملاعبة والتودد كما فى مقاييس اللغة لابن فارس 1/264 ومن هنا فإن الذكر يتحمل العبء الأكبر فى ترسيخ مفاهيم الصحبة والملاعبة (الكامنة فى بنية البعال).

وحتى على تقدير مشاركة المرأة فى هذين الأمرين إلا أن مركزية الصحبة والملاعبة فى أصل الجذر اللغوى (بعل) على ما قرر ابن فارس يجعل حظ الرجل من القيام بأمر هاتين الدلالتين أعلى من حظها فى تحقيق الأمر نفسه، مما يقوى الدلالة الواردة فى الأمر الوارد فى سياق آخر يقول فيه الله سبحانه: ﴿وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ﴾.

بعولة = (فعولة): وقد استعمل اللفظ فى صيغة جمع للبعل فى أربعة مواضع هى:

1- ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ سورة البقرة 2/228.

2/4 ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ﴾ سورة النور 24/31.

وتأمل البنية الجمعية فى هذه المواضع دال على شيء من الخصوصيات التشريعية المتعلقة بإعادة الحياة الزوجية بعدما تعرضت للانهيار، والمتعلقة بحرمة انكشاف بدن المرأة عموما على الأغيار من الأجانب الذين يحلون لها، واستثنى من يعبر عنهم بالبعولة أصالة أو تبعية، بمعنى أن استعمال البعولة فى صورها المفردة والمركبة تركيبا إضافيا يتضمن أن بقاء الدلالة المركزية خلف البعل فى بنيته الجمعية كاف فى السماح بانكشاف المرأة أمام من يدخل فى علاقة نسب أو دم أو رضاع بالبعولة؛ بمعنى أن البعولة فى النمطين التاليين:

·                      البعولة (الأزواج) فى التركيب الإضافى

·                      مضاف (بعولة) + مضاف إليه (هن).

·                      البعولة (الأزواج) فى التركيب الإضافى الممتد (المعقد).

    مضاف (آباء / أبناء) ± مضاف (بعولة) +مضاف إليه (هن). (مضاف إليه)

= يدلان على أن دخول البعولة فى علاقة ارتباط بالمرأة مؤذن بحريتها فى عدم التستر أمام من ارتبطت معه بدم، كما يسمح لها بعدم التستر كذلك أمام من ارتبط بزوجها بذات الصلة الدموية؛ مما يعكس تقديرا للصعوبة الاجتماعية التى كان يمكن أن تتعرض لها المرأة فى حركتها فى الواقع المعيشى إن فرض عليها الإسلام التستر أمام غير زوجها ممن تربطه أصل صاعدا أو نازلاً، من الأباء أو الأبناء كمانلاحظ أن الإسلام أنـزل المصاهرة منـزلة الدم فى الحرمات توسيعا لدائرة التراحم والتعارف بين طوائف المجتمع، ونحن نعد ذلك سبيلا رائعا إلى ترابط الأسرة المفضى إلى تماسك المجتمع عن طريق تكوين أسر ممتدة كبيرة فى طريق طلب تماسك المجتمع عن طريق التواد والتراحم.

ويلاحظ من تأمل البنية التركيبية للآيات السابقة ما يلى:

1- عدم توقيت الحكم بأحقية الرجل / الزوج أو البعل برد المرأة وإعادة تكوين الأسرة بعد الانفصال من خلال خلو التركيب فى الآية الأولى من الألفاظ المقترنة بالزمان، أى اعتباره الأحقية ثابتة له فى هذا الظرف.

– البعولة (اسم) + أحق (اسم) + بردهن (شبه جملة) وكلها أبنية مفتقرة إلى الزمان.

2- استعمال الخبر (أحق) فى بنيته أفعل التفضيل يعكس علو حظ الرجل فى إعادة تكوين الأسرة بعد انفصال أساسيها وقتا ما؛ لكنه لم يجعله حقا خالصا منفردا له، وهو بعض ما يلاحظ من دلالة التفضيل يقول القرطبى 3/123: ” لفظ “أحق” يطلق عند تعارض حقين، ويترجح أحدهما” وهو ما يعنى إثبات حق لها بعد انقضاء العدة، ومعنى ذلك أن القول بإنكار حقها فى إنشاء العلاقة ابتداءً أو إعادة مخالف لنتائج التركيب اللغوى.

3- ويستفاد من تقديم البعولة الأصلية المفردة فى آية سورة النور على البعولة التابعة المتضمنة فى غيرها بالإضافة للأصول العليا (الآباء) أو الأصول السفلى (الأبناء) أن حظ ما يباح للمتقدم فى السياق أعلى مما يباح للمتأخر فى رؤيته جسد المرأة، وهذا التفاوت فى قدر ما يظهر من جسدها ملاحظ من دلالة التقديم والتأخر فى بنية العطف فى تركيب الآية الكريمة، وهو ما ظهر فى تفسير القرطبى 12/231 حيث يقول: “فالزوج… يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محل من بدنها حلال له لذة ونظرا، ولهذا بدأ بالبعولة”.

ويظهر غياب واضح فى معجم الأسرة فيما يتعلق بجانب التكوين والإنشاء للألفاظ والتعابير الخاصة بعقد الزواج، وربما لأنها كثيرة جدا والمعول فيها على الأعراف وما يفهم من ورائه أنه تزويج، ومن هنا صح أنه يصح عقد الزواج بأى لفظ كان مما يعده الناس زواجا. غير أن القرآن الكريم أورد لفظ (الهبة) فى قوله تعالى: ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ سورة الأحزاب 33/50، يعنى إن وافق صلى الله عليه وسلم على ذلك وقوع آثار الزواج من غير مقدماته؛ فالهبة قامت مقام الخطبة وتسقط معها الحقوق السابقة على إنشاء العلاقة من وجوب المهر والولى، وهذا كله من خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم كما يظهر فى تركيب الآية من شبه الجملة ﴿لِلنَّبِيِّ﴾ إذ التقييد هنا حاكم فى التخصيص. ثم تكراره فى ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ ثم فى البنية الإعرابية الكامنة فى الحال ﴿خَالِصَةً﴾ وما جاء بعدها من دفع توهم إمكان اشتراك أحد معه من الأمة فى هذا الحكم فى قوله تعالى: ﴿مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

(1-3)

وهناك ملاحظات أخرى تتعلق بالإنشاء من مثل بيان المحرمات من الزواج حيث كان القرآن صريحا فى استعمال لفظ الحرمة إبعادا لأى شبهة لخطر الأعراض.

فاستعمل الألفاظ (حرم = فعَّل) بالتعدى مثل قوله تعالى:

– ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ سورة النساء 4/23.

– ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ سورة النور 24/3.

وهى صريحة فى المنع التام ثم إن بناءها للمجهول دال على أنها محرمة بالشريعة وبالفطرة ومن ثم غيب الفاعل، ليجعل الداعى إلى التحريم عاما فى الشارع وغيره، وفى المقابل استعمل لفظ ﴿أُحِلَّ﴾ فى قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾ سورة النساء 4/24 للدلالة على إباحة غير المحرمات وأن الإباحة جاءت بالبناء للمجهول ليدل على أن الشريعة والفطرة لا يمنعان.

ويلاحظ أن طول الجملة فى الآية الكريمة كان طولا بينا باستعمال طريق العطف بالواو المفيدة التشريك والجمع ثم باستعمال الاستثناء لبيان تفصيل من يندرج فى تحريم الزواج بهن، وهذا الاستعمال الصريح لألفاظ الحرمة والاستعمال المفصل والطويل راجع إلى خطورة المسألة المحكوم فيها إذ تتعلق بالأعراض وهى من أخطر شئون الأسرة أخلاقيا وبدنيا ونفسيا واجتماعيا.

ويلاحظ فى الأمر بالزواج أو إباحة التفرقة بين ما يتعلق بالرجل والمرأة، فقوله: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء﴾ دال على أن الأمر بيد طالب النكاح بحكم تعدية الفعل (نكح) لمفعول واحد (انكح + فاعل (واو) + مفعول به (ما)، أما المرأة فيلزمها ولى يقوم بتزويجها وهو ما يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى﴾ سورة النور 4/32، و﴿وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ﴾ سورة البقرة 2/221؛ إذ استعمل الفعل متعديا للمفعولين أنكح + فاعل (واو) + م به أول (الأيامى) + م به ثان (من يطلبهن).

تنكح + فاعل (واو) م به أول (المشركين)+ م به ثان (من يتولاهن).

ويبقى بعد ذلك دراسة الحكمة من وراء هذا التفريق فى إنشاء العلاقة بين الرجل والمرأة نفسيا واجتماعيا.

2- الألفاظ والتعابير الخاصة ببقاء الأسرة:

من المعلوم أنه يترتب على تكوين الأسرة حقوق وواجبات متنوعة تغطى مساحة الغايات التى شرعها الله سبحانه من وراء الزواج، وهى حقوق وواجبات مادية وبدنية وأخرى نفسية واجتماعية تهدف إلى تحقيق ما أراده رب العزة سبحانه من غايات بناء الأسرة التى سبقت فى أول هذه الورقة.

وقد ورد فى القرآن الكريم كثير من الألفاظ والتعابير الخاصة بالتعامل فى ظل وجود كيان الأسرة مما يتعلق بالشئون المالية والبدنية والنفسية والاجتماعية، ويمكن توزيعها كما يلى:

1- ألفاظ وتعابير دالة على حقوق للمرأة خاصة.

2- ألفاظ وتعابير دالة على حقوق للرجل خاصة.

3- ألفاظ وتعابير دالة على حقوق مشتركة بينهما.

(2-1) صدقات:

استعمل القرآن الكريم عددا من الألفاظ والتعابير الخاصة بما تستحقه المرأة من مال فى مقابل الزواج، وهو ما يسمى فقهيا باسم المهر من مثل:

أ- الصدقات وهى كما يعرفها الأصفهانى فى مفرداته 481 ما تعطاه المرأة من مهر.

وقد جاء فى سياق قوله تعالى: ﴿وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ﴾ سورة النساء 4/4.

ويلاحظ على استعمال اللفظ فى سياقه أنه خاص بالمرأة مما يعنى خصوصية المرأة فى حقوق ليست للرجل عند قيام الأسرة، وأنه مأمور به وهو المستفاد من “آتوا”، ولذلك كان ركنا لا يصح الزواج بدونه.

ب- ألفاظ الإنفاق، ورد فى القرآن الكريم كثير من الألفاظ التى تجعل الإنفاق حقا للمرأة على الرجل، وهو من الحقوق الخاصة لها، ومما ورد فى ذلك:

أ- الرزق والكسوة.

ب- الإسكان.

ج- الإنفاق.

وملاحظة الألفاظ الأربعة دال على شمول النفقة لكل جوانب الحياة المادية التى تأمن معها المرأة على بدنها وحياتها وأولادها، ودال على تكريمها، أى أن الأمر بالإنفاق حافظ لها على كل المقاصد الكلية التى أقرها الإسلام، والآيات التى وردت فيها هذه الألفاظ هى:

– ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ سورة البقرة 2/233.

– ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ﴾ سورة الطلاق 3/6.

– ﴿فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ سورة الطلاق 65/6.

– ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ سورة الطلاق 65/7.

– ﴿فَلْيُنفِقْ﴾ سورة الطلاق 65/7.

ويضاف إلى هذه الملاحظات استعمال صيغ الوجوب فى إقرار هذا الحق للمرأة إما عن طريق استعمال لفعل الأمر (أسكن) و(أنفق) أو استعمال المضارع المقترن بلام الأمر (لينفق)، أو استعمال التعابير الدالة على الأمر فى مثل (على المولود له) فشبه الجملة بهذا التركيب دال على الأمر له على الرجل الذى تزوج، ولا يستفاد هنا اشتراط أن يكون له ولد فالمشتق (المولود) من الأبنية المتلبسة بزمان، أى على الرجل المظنون أن يولد له وهو يساوى على الرجل الذى تزوج واجبات النفقة، واستعمال الجار دال على الإلزام؛ لأنها دلت على الاستعلاء الحقيقى والمعنوى دلالة الوجوب ظاهرة وواضحة من التركيب كما قرر ابن العربى فى أحكام القرآن 1/203.

كما وردت مجموعة أخرى تعالج حقوق المرأة غير المادية سنلاحظها عند الحديث عن الحقوق المشتركة بين الرجل والمرأة.

(2-2) الألفاظ والتعابير الخاصة بحقوق الرجل:

وردت ألفاظ وتعابير يستفاد منها إعطاء عدد من الحقوق للرجل، وسوف نلاحظ أنها فى مقابل كونها ميزات باعتبارها قرارات تلزم فى أى شراكة إلا أنها تفرض عليه بعض التكاليف، فمثلا أعطى الله الرجل حق الانتقال بالمرأة وهو ما يستفاد من استعمال الفعل (أسكنوهن) فى سياق ملازم للظرفية المكانية المستفادة من استعمال ظرف المكان (حيث) الذى يقضى بحقه فى اتخاذ قرار الانتقال بالأسرة، وفى مقابل هذا الحق القانونى رتب الشرع عليه واجبا ماليا هو إلزامه بإعداد السكن وفق المتعارف عليه شرعا.

كما وردت ألفاظ وتعابير يستفاد منها منح الرجل حق التأديب على الترتيب التالى:

1-       العظة (فَعِظُوهُنَّ) سورة النساء 4/34.

2-       الهجر (وَاهْجُرُوهُنَّ) سورة النساء 4/34.

3-       الضرب (وَاضْرِبُوهُنَّ) سورة النساء 4/34.

وملاحظة الكلمات الثلاث دالة على التدرج، وإن أمكن من ملاحظة البنية اللغوية للتركيب الجمع بين الحقوق الثلاثة.

ويلاحظ أيضا تقييد الطريقين الثانى والثالث لخطر إطلاق استعمالهما لاحتمال دخول التعسف فيهما، فقيَّد الهجر ببيان محله عن طريق استعمال (فى المضاجع) مما يعنى أنه لا يملك هجر كلامها مثلا بعد ذلك، وقيَّد الضرب فى النص المبين للقرآن الكريم؛ وهو السنة، وأن ترك تقييده فى القرآن يرجع فيه إلى فلسفة إقراره وانسجامه مع الإسلام فى عدم التعذيب.

ثم إن استعمال هذه السبل التأديبية مقترن بوقوع دواعيه من خوف النشوز، وهو تعبير دال على وقوع مقدمات دالة على إعراضها، وتأبيها على الحياة الزوجية، ثم أتبع النص النهى بالتوقف بمجرد توقفها وعد الاستمرار فى استعمال هذه السبل بغيا، بل إن الشرط المذكور فيها ربما دل على أن هذه الوسائل محدودة بغاية هى التأكد من نشوزها من عدمه بدليل: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ﴾ أى أن العظة والهجر والضرب لبيان موقفها أناشز هى أم لا؟ ومن ثم إذا استبان الموقف لزم التوقف عن استعمال هذه الحقوق من قبل الرجل.

وقد اجتمعت الألفاظ والتعابير الخاصة بحق التأديب المكفول للرجل باعتباره زوجا فى الآية الكريمة:

﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾ سورة النساء 4/34.

وتأمُل المكونات الدلالية للألفاظ الثلاثة مؤد إلى ما يلى:

أن العظة هى التذكير بالخير طلبا لترقيق القلب، وهو مستوى دال على منـزلة اللين فى التعامل مع المرأة، وإن كان حقا للرجل.

وأن الهجر كلمة من المشترك اللفظى الذى يدل فى المعجم العربى التجنب والابتعاد البدنى وهو المتبادر إلى الذهن من قوله تعالى: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ﴾ ولا سيما مع قرينة شبه الجملة الدالة على الظرفية المكانية ﴿فِي الْمَضَاجِعِ﴾، ولكنه بالإمكان أن ينصرف الأمر إلى الإغلاظ فى القول؛ لأن الهجر بضم الهاء معناه الكلام القبيح، فيكون التأديب القولى على مرحلتين هما:

1- التذكير بما يرقق القلب (منـزلة الموعظة).

2- التعنيف القولى (منـزلة الهجر).

وبعض المفسرين كالطبرى 6/705 يرى أن الفعل مشتق من الهجار وهو الربط بالحبل حقيقة ويصبح الأمر هوتقييد المرأة أو يحمل على المجاز وهو تقييد حركتها والحد من حرية حركتها.

وهذا التعدد الدلالى سمة إيجابية تتيح لعلماء النفس والاجتماع أن يساعدوا فى ترجيح المقصود الأمثل بتطبيق المراد من الهجر، ولا سيما أن الجذر اللغوى محتمل لدلالات كثيرة جدا كما رأينا.

(2-3) الألفاظ والتعابير الخاصة بالحقوق المشتركة بينهما:

ورد فى القرآن الكريم ألفاظ وتعابير دالة على ما يشترك فيه الزوجان من حقوق وواجبات من مثل:

استعمال الفعل (عاشر) فى قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ سورة النساء 4/19، وبنية الفعل ووزنه دال على ما يقرره علماء الصرف العرب على المفاعلة أو المشاركة، وصوغه فى البنية النحوية بالأمر دال على أنه واجب لا يسع أحدهما تركه، ومع ملاحظة أن الفعل مأمور به الرجل لاعتبار مهم أنه صاحب القرار فى البدء فى تكوين الزوجية، لكن قرينة وزن الفعل الدال على المفاعلة أقوى من إسناد الفعل إلى الرجل.

كما يلاحظ أن القرآن الكريم رتب على قيام هذه العلاقة وبقائها أحكاما مشتركة بينهما داخلة فى باب الحرمة من مثل التحريم المؤقت مثلا لأن يتزوج الزوج أخت امرأته أو خالتها أو عمتها، أو تتزوج المرأة على جهة التأبيد والد زوجها.

والملاحظة الوحيدة على معجم هذه الحالة هو استعمال ألفاظ فى التحريم لخطورة المسألة واستعمال لفظ (تجمعوا بين الأختين) استعمال دال على الممنوع هو اجتماعهما فى عصمة رجل، بمعنى اتحاد وقت الاجتماع، وهذه الكثافة اللغوية مقصودة؛ لأن أى أشكال الانفصال على تعددها (بالطلاق / أو الوفاة) مفهوم بالمخالفة بين دلالة الاجتماع، وهذه الكثافة اللغوية المتضمنة للأحكام الكثيرة فى البناء اللغوى القصير إحدى خصائص التراكيب القرآنية.

3- الألفاظ والتعابير الخاصة بإنهاء العلاقة الزوجية:

حرص الشرع الإسلامى على البعد تماما عن اتخاذ خطوات تقود إلى تعريض الأسرة للانهيار، وهو ما نلاحظه من حرمة إجبار المرأة على تكوينها، وحرمة عضلها (إجبارها)، وتكريه طلاقها إلخ.

وقد استعمل القرآن الكريم بعض الألفاظ والتعابير الخاصة بهذه الحالة جاءت فى النص العزيز متناسقة مع الغايات المعلنة فيه من وراء تكوين الأسرة.

(3-1):

استعمل النص العزيز تعابير كثيرة تتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، والتوقف أمام دلالات أمثال هذه التعابير قاض بما قدمنا به من مثل:

– دلالة الكراهة: سمى القرآن لقاء المرأة الرجل ميثاقا غليظا وظهور علامات قائدة إلى تعريض هذا البناء السامى لخطر الهدم هو الحاكم فى صيغة قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ سورة النساء 4/21.

ودلالة الاستفهام هنا واضح أنها دالة على إنكار ما يقع من مقدمات مضرة بالعلاقة.

– دلالة منع الرجل من أخذ ما كان مسببا للزواج وهو ما يظهر فى قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً﴾.

– دلالة تبشيع التنكر لما كان مع الزواج بعد الانفصال وهو المستفاد من قوله تعالى: ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾.

هذه الدلالات الثلاثة الكبرى هى ما ينبغى أن يحكم أى زوجين اضطرتهما – ولا يكون الانفصال إلا مع الضرورة – الحياة والظروف الخاصة إلى إنهاء العلاقة الزوجية فى تعاملهما معا، كما لوحظ على التراكيب الخاصة بإنهاء العلاقة التفصيل الشديد فى بيان حقوق المرأة والأولاد والتشديد على من يحاول تضييعها، وجاء هذا التفصيل والتشديد بسبب من أن الوضع النفسى يقود إلى الظلم وإرادة الانتقام والخصومة، وهى علاقة دافعة إلى احتمال وقوع التجنى من طرف الرجل.

4-      ألفاظ غايات بناء الأسرة فى القرآن الكريم:

استعمل القرآن الكريم عددا من الألفاظ – سبقت فى تمهيدها الورقة – حددت غايات الزواج وتكوين الأسرة فى محاور الإعمار، والسواء النفسى والبدنى، والانسجام الاجتماعى، وهى ذات الغايات التى حرص الإسلام عليها فى تشريعاته كلها.

وتحليل ألفاظ: المودة والرحمة والسكن قائد إلى هذه النتيجة التى نقولها.

هذه مجموعة من الملاحظات التى تتعلق بما ظهر من دلالات عدد من الألفاظ والتعابير الكامنة وراء ما سميناه معجم الأسرة فى القرآن الكريم، باعتباره النص الحاكم لبناء الأسرة فى المجتمع المصرى الذى هو مجتمع مسلم على الأقل من الناحية القانونية، ولا مانع من أن يخضع غير المسلمين اعتقادا لهذه الأحكام مع شرط ارتضائها.

ومن مجموع ما سبق يمكن لنا أن نجمل عددا من النتائج ظهرت من تأمل معجم الأسرة فى القرآن الكريم من خلال ملاحظة أبنية الألفاظ والتعابير كما يلى:

1-   نوَّع القرآن الكريم فى استعمال الألفاظ الخاصة بالتعبير عن أطراف العلاقة المكونة للأسرة، بحيث رأينا استعماله لمفردة الزوج فى السياقات التى توزع الكلام على طرفى العلاقة (الرجل / المرأة)، ثم انفرد القرآن باستعمال مفردة (البعل / البعولة) فى السياقات المتعلقة بما يخص الرجل من أحكام، أو يرتفع فيها حظه عن المرأة، وكذلك استعمل القرآن لفظ (امرأة) فيما يخص المرأة من أحكام أو يرتفع حظها فيه.

2-   أظهرت دراسة تراكيب الجمل والتعابير الخاصة بمعجم الأسرة فى القرآن الكريم عناية كبيرة بالدلالة على مشاركة الرجل والمرأة فى القيام بعبء مؤسسة الزواج، ولذلك كثر الاعتماد على العطف كسبيل لأسلوب قادر على تحقيق دلالة المشاركة.

كما أظهرت دراسة التراكيب ذاتها عناية بتفصيل الأحكام الخاصة بكل طرف، فلجأت إلى توظيف أسلوب الاستثناء باعتباره طريقا أسلوبيا لإخراج بعض الأطراف مما يخصها من أحكام.

3-   ظهر من تأمل التراكيب الإضافية، توزعها على الطرفين مكونى الأسرة الأساسية (الرجل / والمرأة) عن طريق التنويع فى استعمال ضمائر الذكور والإناث المتصلة: (هـ / ها/هم/ هن) وهو ما يعكس الابتعاد عن إطلاق الأحكام من غير ارتباط بأحد طرفى بناء الأسرة، أو بهما جميعا، مما يعكس أن القرآن حريص على بيان دلالة كونهما مشتركين معا.

4-   ظهر من الألفاظ والتعابير الخاصة بالأسرة فى النص الكريم العناية بالأمور المادية (مالية / وبدنية) بجوار الأمور النفسية وهو ما يعكس شمول الإسلام وعنايته ببدن الإنسان وروحه.

5-   كما ظهر من ملاحظتها كذلك التفاوت فى حسم الأحكام المتعلقة بما حرمه الله، وظهر من استعمال القرآن لهذه الألفاظ والتعابير اقترانها بما يتعلق بحقوق الأعراض والأموال. 

6-   كما ظهر كذلك قلة الحديث عن الحقوق والواجيات الخاصة بكل فرد من الطرفين، مما يوحى بأن الأصل كما تشير البنية اللغوية هو التعامل بالفضل بينهما وأن تفصيل الحقوق الخاصة بكل واحد منهما إنما كان عند النـزاع فقط.

7-   ظهر أن تأمل الأبنية اللغوية لمعجم الأسرة فى القرآن الكريم لازم فى مجال دراسة قضايا الأسرة التشريعية والقانونية والنفسية والاجتماعية على حد سواء.

وقد تجلى من وراء هذه التأملات فى معجم الأسرة عدد كبير من مقاصد الشريعة الكلية والجزئية، من مثل ظهور مقاصد الرحمة الذى ظهر نصا، والشفقة، ورفع الحرج (عدم العضل وغيره)، وحفظ البدن بوجوب الإنفاق والرزق، ومنع الإضرار والإيذاء البدنى والنفسى، كما ظهرت مقاصد الحفاظ على العرض والمال من خلال معجم الأسرة (الألفاظ والتعابير) فى الآيات القرآنية التى وردت سلفا.

كما ظهرت مقاصد للشريعة من وراء سكوت الشارع الحكيم – عز وجل- من مثل مقصد الحرية فى تنظيم كثير من الشئون الخاصة بالأسرة رعاية لتغييرها مع الأزمان، مثل سكوت الشارع عن التفصيلات المتعلقة بالخطبة فرفع حرجا، وراعى أعراف المجتمعات، كما سكت عن تفصيلات أحكام الحضانة، وتهذيب الأولاد وتعليمهم أكتفاءا بالمبادئ العامة تحقيقا لمقاصد رفع الحرج، والتحرير فى وضع النظم المناسبة فى تنظيم هذه الشئون وهو ما لم نجده مثلا عندما نص تفصيلا على إقامة العلاقة تأسيسا أو إنشاء وإنهاء؛ لأن التفصيل هنا دال على ثبات هذا النظام وإرادة الشارع أن يثبت هذا النظام المكون للأسرة، ونحو ذلك كثير يمكن ملاحظته.

* * *

المراجع

·     أحكام القرآن، لابن العربى، تحقيق: على محمد البجاوى، دار الفكر العربى القاهرة سنة 1392هـ= 1972م.

·     تذكرة الأريب فى تفسير الغريب، لابن الجوزى، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1425هـ= 2004م.

·     تفسير القرطبى = الجامع لأحكام القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة سنة 1987م.

·     تفسير الماوردى = النكت والعيون، دار الصفوة، القاهرة ووزارة الأوقاف الكويتية سنة 1413هـ= 1993م.

·     فقه السنة، للسيد سابق، دار الفتح للإعلام العربى، القاهرة سنة 1418هـ= 1998م.

·     قائمة معجمية بألفاظ القرآن الكريم ودرجات تكرارها، للدكتور محمد حسين أبى الفتوح، مكتبة لبنان بيروت سنة 1410هـ= 1990م.

·      القرابة: دراسة أنثرولغوية لألفاظ وعلاقات القرابة فى الثقافة العربية، للدكتور كريم زكى حسام الدين، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة سنة 1410هـ= 1990م.

·      معجم العلوم الاجتماعية، للدكتور إبراهيم مدكور وآخرين، اليونسكو والهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1975م.

·     المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقى، دار الحديث القاهرة 1417هـ= 1996م.

·     مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهانى، تحقيق: صفوان عدنان داوودى، دار القلم، دمشق والدار الشامية بيروت سنة 1408هـ.

·     مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق: عبدالسلام هارون، مكتبة مصطفى البابى الحلبى، القاهرة 1390هـ= 1970م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر