كلمة التحرير

الشورى في الإسلام

العدد 150

(1)

معنى الشورى

لكل نظام سياسي روحه التي تتدفق في شرايين مؤسساته، وتصبح أهم ملامحه، وأبرز قسماته، ومن هنا تحتل الشورى أهميتها في النظام السياسي الإسلامي، يغيب بغيابها، ويعود بعودتها، بل إن الشورى – كما يرى “سيد قطب”- “أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظامًا سياسيًا للدولة، فهي طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم عليه أمرها كجماعة، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة بوصفها إفرازًا طبيعيًا للجماعة… ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة، إن الشورى نص مكي: كان قبل قيام الدولة الإسلامية، إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم بعد…، إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية، وهي من ألزم صفات القيادة”.

والشورى في أقرب مفاهيمها اللغوية إلى السياسة – علمًا وعملاً- هي طلب الرأي، وتعريفها الاصطلاحي عند المعاصرين من أهل الفقه السياسي الإسلامي هي “استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها، في الأمور المتعلقة بالشأن العام، رغبة في الالتزام بالجماعة، أو شعورًا بإلزام الرأي العام”. وتجد الشورى أدلتها القرآنية في آيتين في كتاب الله:

الأولى في سورة الشورى في قوله: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الآية 38).

والثانية في قوله تعالى في سورة آل عمران: (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (الآية 159).

والآيتان تتحدثان عن الشورى باعتبارها وصفًا خبريًا للمؤمنين كما في آية الشورى، وأيضًا باعتبارها واجبًا على ولي أمر المسلمين كما جاء في الآية الثانية.

وهو ما ترجمه رسول الله  إلى واقع فيما يرويه “أبو هريرة”، لم يكن أحد أكثر شورى لأصحابه من رسول الله ، وإذا كانت الشورى تجب في الأمور الخاصة كما ترد في الشأن العام، فإنها في دراستنا هذه إحدى ركائز فقه الدولة الإسلامية، مضمونها التأكيد على سلطة الأمة، وضرورة عرض الأمر عليها في كل التدابير الدنيوية التي تعتمد على الرأي، لا في المسائل الدينية التي هي من اختصاص الوحي، وهو ما رجحه “ابن جرير الطبري” في تفسيره، و”أبو بكر بن العربي” في كتابه “أحكام القرآن” وغيرهما، وهو ما نرجحه أيضًا، صحيح أن هناك آراء للبعض مثل “الآلوسي” في تفسيره، و”أبي بكر الجصاص” في كتابه “أحكام القرآن” تجعل الشورى تستوعب الأمور الدنيوية والأمور الدينية التي لا وحي فيها، استنادًا إلى أن رسول الله  شاور المسلمين في أسارى بدر، وهو أمر من أمور الدين.

والرأي عندي أن الشورى مبدأ إسلامي تنوعت تطبيقاته، ولا حد لصوره في دنيا الواقع، وهي من أمور الدنيا لا الدين، ولا وجه للاستدلال بالمشاورة في أسارى بدر؛ لأنها شورى في أمر دنيوي، غايته الانتصار للدين.

(2)

إلزامية الشورى

انقسم الفقه الإسلامي إزاء إلزامية الشورى إلى اتجاهين:

الأول: يقول إن الشورى واجبة.

والثاني: يقول إن الشورى مستحبة.

وهذا حديث حول الشورى ابتداء والخلاف قديم، عالجه المفسرون قديمًا من أمثال الإمام “الطبري” و”الجصاص”  و”الرازي” وهم من القائلين بوجوب الشورى، وسار على خطاهم من المتأخرين “ابن تيمية” وتلميذه “ابن قيم الجوزية”، وأيده كثير من المعاصرين في مقدمتهم الأستاذ الإمام “محمد عبده” وتلاميذ مدرسته، ويرون أن القرآن كان صريحًا في إيجابها في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، وقد ظهر الوجوب في آية الشورى بالسياق القرآني الذي ربط بين الصلاة والزكاة – وكلاهما واجب بلا خلاف- وبين الشورى، وذكر القرآن الكريم للشورى بعد الصلاة، وقبل الزكاة، من أكبر الأدلة على وجوبها، فالقرآن الكريم في هذه الآية يكرر على مسامعنا نحن المسلمين بعض الواجبات التي لزمتنا بحكم الإيمان، وهذا يعني – كما قال بحق “د. مهدي فضل الله”: “إن الصلاة إذا كانت فريضة عبادية واجبة، والزكاة فريضة مالية واجبة؛ فإن الشورى فريضة سياسية واجبة” فالآية خبر يراد به الإلزام وهو ما قال به أغلب كبار العلماء من المعاصرين أمثال “محمود شلتوت”، و”عبد الوهاب خلاف”، و”سيد قطب”، وغيرهم.

ويرى غالبية أهل التفسير أن قول الله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) والتي تم الاستدلال بها على وجوب “الشورى” نزلت في حق الأنصار، الذين كثرت اجتماعاتهم في دار “أبي أيوب الأنصاري” للتشاور في كل أمر فمدحهم الله تعالى على ذلك، والمدح لا يدل على الوجوب.

وهذا الرد لا يستقيم مع ما قرره علماء الأصول بأن العبرة تكون لعموم اللفظ وليس لخصوص السبب، وبخاصة عندما لا يكون هناك أي تأثير لخصوصية السبب كما هي في هذه الآية، فهي خطاب للأنصار وللمسلمين على حد سواء.

والرأي عندي أن أغلب وجوه النظر التي أوردها من قال بأن الشورى حكمها الاستحباب لا الإيجاب، لا تصمد أمام الأنظار الأصولية والفقهية التي تقول بالوجوب؛ بل إن “ابن حزم” وهو من أشد المدافعين عن أن الآية للندب لا للوجوب، والذي اعتمد الحجاج العقلي ردًا على القائلين بالوجوب مثل قوله: “نسأل من زعم المشاورة، فإن قالوا لا يصح من الشرع إلا بمشاورتهم كلهم أتوا بالمحال، وإن قالوا: يصح بمشاورة البعض، قلنا: فماذا البعض؟ وكم حده؟”.

وكلام “ابن حزم” كله ينصب على أمور الشرع والدين، والمشاورة إنما تكون في أمور الدنيا لا الدين، فالدين وحي كله، وهو ما أكده “ابن حزم” بقوله: “… صح يقينًا أنه لم يجعل الله قط إلى الصحابة تحريمًا ولا تحليلاً، فقد صح أنه لم يأمره الله تعالى قط بمشورتهم في شيء من الدين، وصح يقينًا أن الذي أمره تعالى بمشاورتهم فيه… إنما هو ما أُبيح لهم التصرف فيه كيف شاءوا فقط”.

والذي رجحناه في أمر الشورى أنها في الشأن الدنيوي العام والخاص، وميدانها في هذه الورقة تدبير شئون الأمة فيما لا نص فيه، وهو مبدأ لا وجود للحياة السياسية الراشدة إلا به، وكما يقول “سيد قطب” بحق: “… إن الشورى كالصلاة بالنسبة للمؤمن المسلم، فكما لا يمكن للمسلم أن يترك الصلاة، فكذلك لا يمكن له أن يترك العمل بالشورى، وبخاصة في الأمور العامة بمصلحة المجتمع”، ولا ينبغي أن يقال بأنها خاصة بالنبـي  للأسباب الآتية:

1- أنها ليست خاصة بأمور الدين حتى يستقل بها الوحي، ولا تكون إلا في عهد الرسالة.

2- أن الأمر حتى لو صح بأنه موجه لرسول الله ، فالراجح عند علماء الأصول أن الخطاب الموجه إلى الرسول  والمتضمن تشريعًا، هو خطاب موجه لكافة المسلمين.

3- إذا قلنا أن الرسول  -وهو المسدد بالرأي- لزمته الشورى، فمن باب أولى أن يلتزم بها المسلمون من بعده.

(3)

حجية الشورى

قلنا إن الشورى – على الرأي الذي نرجحه – ملزمة ابتداء، فهل هي ملزمة انتهاء باعتبار حجيتها.

يميل أغلب المفسرين إلى القول بأن الشورى حتى عند العمل بها لا يجب على الحاكم الالتزام بما انتهت إليه المشاورة معتمدين على قول الله تعالى في ختام الآية: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).

وقد قيل في الرد على هذا الرأي ودليله: “لم يبين الله مستند هذا العزم والرأي الأخير الذي يكون عليه العزم، هل هو رأي من استشارهم أم رأيه هو؟ بل قال: إذا “عزمت” أي على رأي ما، ولم ينص ما هذا الرأي، هل هو رأي الرسول نفسه بعد الشورى أو رأي من استشارهم؟ ومن قال هنا إن العزم يكون على رأي الرسول الذي اختاره، ولو كان هو الرأي المخالف لرأي من استشارهم، فقد تحكم في القرآن، وقال فيه بغير علم، وحمل الآية ما لا تحمل”.

والذي يعنيني هنا أن الآية تحتمل رأي هؤلاء وأولئك، والدليل إذا دخل إليه الاحتمال بطل به الاستدلال كما يقول الأصوليون.

والرأي عندي أن الأمر بالتوكل لا صلة له بالاستشارة وحجيتها وإلزاميتها لأن التوكل يعني حسم الأمر، ومراعاة الأسباب الظاهرة، يقول “علاء الدين البغدادي” في “تفسير الخازن”: “فإذا عزمت – يعني على المشاورة- فتوكل على الله أي فاستعن بالله في أمورك كلها، والمقصود أن لا يكون للعبد اعتماد على شيء إلا على الله في جميع أموره وأن المشاورة لا تنافي التوكل، إن مبدأ الشورى وجودًا والتعامل معه حجية يجعل احترام رأي الأكثرية في مواجهة رأي الأقلية من مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ومن قواعد علم الأصول “الأكثر مدار الحكم عند فقدان الدليل”، ومنها أيضًا قاعدة “الكثرة حجة”، ويقول الإمام “الغزالي”: “الكثرة مسلك من مسالك الترجيح”.

إن اعتماد الشورى ابتداء يحتم النزول على نتيجتها انتهاء، والقول بغير ذلك يعني إهدارها كمبدأ إسلامي، وربما نعذر الفقه القديم على تردده، لأنه في عصر اجتهاد الحكام يصبح المجتهد الحاكم ملزم بما انتهى إليه اجتهاده، لأنه الحق الذي عرفه، أما اليوم وقد غاب الحاكم المجتهد، وتعددت الاختصاصات، فالشورى مؤسسة إلزام وليست هيئة استنارة.

يقول العلاّمة “عبد الوهاب خلاف” في كتابه “السياسة الشرعية”: “إن من العلماء – سامحهم الله- من قال: إن الأمر بالتشاور للندب لا للوجوب، ومنهم من قال إنه للوجوب، ولكن لا يجب على المستشير أن يتبع رأي مستشاريه، وفي ظل هذه التأويلات، هدم الشورى كثير من الخلفاء، واستخدموا سلطانهم المطلق فيما يريدون”.

والرأي عندي أن استفراغ الوسع والطاقة من أهل الشورى كان لعلمهم بإلزامية الشورى، ولعلمهم بأهمية الوظيفة التي أُنيطت بها تكليفًا من الخالق ووكالة عن الأمة، وكما يقول بحق الداعية الإسلامي الكبير الشيخ “محمد الغزالي” رحمه الله: “وليس الأمر عبثًا صبيانيًا استشر الناس ثم خذ رأيًا بعد ذلك لا تلتفت فيه إلى آراء الناس..، إن الشورى التي لا تلزم من ينفذونها شورى لا قيمة لها، وهو نوع من العبث أو اللعب، فالشورى الناقصة شورى مزورة مرفوضة”.

وفي كلمة موجزة لخصت الأمر كله ونطق بها الإمام “محمد عبده” بقوله”: “في معنى الشورى، ولماذا أمرنا الله بها إذا كان الحاكم لا يتبعها أو يلتزم بها؟”.

(4)

أساليب الشورى

لا تشير الفترة النبوية، ولا تجارب عصر الصحابة إلى أسلوب متبع في الشورى، أو إلى طرق محددة تمثل الطرق الوحيدة للوصول إلى الشورى، فالمسألة إذن باب مفتوح أمام الخبرة البشرية لتحديد أفضل السبل للوصول إلى شورى معبّرة عن موقف الإسلام من المسألة المطروحة، ومترجمة عن المصلحة في لحظة الاختيار الشوري، فالأعلمية شرط في أهل الشورى فردًا وجماعة، ولكنها أعلمية لا تنحصر في العلم الديني الشرعي – على أهميته وضرورته- بل تستوعب كل علم مطلوب لفهم المسألة وتقدير الموقف، ومن هنا دخل إلى أهل الشورى علماء كل فرع تستوجبه الشورى من علوم الدين أو علوم الدنيا، والتجربة والخبرة لها ذات الأهمية مع الدرجات والشهادات التي تمنحها المؤسسات والجامعات، لأن شهادة الخبرة الواقعية، قد تكون أكثر صدقًا من الأوراق والتوقيعات الأكاديمية، المهم توزيع الأدوار، وترتيب المسئوليات، يستوي في ذلك الاختيار بالتعيين، أو التعيين بالاختيار، وتجربة الإسلام الأولى في تحديد أهل الشورى مُعلِمة لا ملزمة؛ لأنه تحديد تفرضه الوقائع ولا توجبه الأحكام، يقول “أبو الأعلى المودودي”: “إن الإسلام قد نهض بمكة كحركة من الحركات، ومن طبيعة الحركات أن الذين يستجيبون لدعوتها قبل غيرهم هم الذين يكونون أصحاب الداعي وسواعده ورجال مشورته، ولما كثر المستجيبون لدعوة الحركة الإسلامية، واشتد صراعها مع القوى المخالفة – القوى المضادة- أنجبت بنفسها وأبرزت رجالاً كانوا ممتازين عن سائر المسلمين بخدماتهم وتضحياتهم وبصيرتهم وفراستهم، ولم يكن انتخابهم قد تم بالأصوات، ولكن بما عانوا في حياتهم من المحن والشدائد، ثم هاجر رسول الله  من مكة إلى المدينة، وكان نفر من أهل المدينة ممن لهم نفوذ وكلمة مسموعة بين أهلهم يدعونهم إلى الإسلام، وعلى دعوة من هؤلاء خرج رسول الله ومن كان معه من المهاجرين من مكة إلى المدينة حيث اختارت الحركة صورة التنظيم السياسي فأصبحت دولة، ثم بدأ يبرز في هذا المجتمع المدني عنصران جديدان، يشملان أولئك الذين قاموا بأعمال جديدة في الشئون السياسية والعسكرية، وبدعوة الناس إلى الدين، وأولئك الذين نالوا شهرة عظيمة بين الناس من حيث علم القرآن وفهمه والتفقه في الدين”.

المسألة فيمن يتصدى للشورى تبقى في الدرجة الأولى جوهرها العلم والاختصاصات وليس الصناديق والأصوات، فأسلوب الشورى تحكمه طبائع الواقع، ومصالح الأمة.

(5)

مجالات الشورى

الشورى كما تكون في الخاص من المسائل تكون في الشأن العام، والشورى باعتبارها من مبادئ النظام السياسي الإسلامي تتحرك أصالة على الأمور العامة، وتتحرك تبعًا على الأمور الخاصة ذات الصلة الوثيقة بالشأن العام، ودائرتها التشريعية كل فروع القانون، ودائرتها الاجتماعية كل ما يحتاج إلى التنظيم من أحوال الناس، وكل المسائل التي يشتجر فيها الخلاف بين الحاكم والمحكوم.

وفي اجتهاد “عمر بن الخطاب” تصوير أمين لدور الشورى في الحياة العامة في السلم والحرب، فبعد فتح العراق طلب الجند تقسيم الغنائم على الطريقة التي اعتادوها، فاستشار القائد سعد بن أبي وقاص قيادته المركزية ممثلة في الخليفة عمر بن الخطاب الذي رفض تقسيم أرض السواد، وقدم تحليلاً ماليًا للمسألة يحسن نقله عن قاض القضاة الإمام “أبي يوسف” في كتاب “الخراج”.

قال عمر يرد فيه على تساؤلات بعض الصحابة وقد طلبوا تسليم الفيء وتقسيم الغنائم: “… إذا قسمت أرض العراق بعلوجها، وأرض الشام بعلوجها، فما يسد به الثغور، وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أهل الشام والعراق؛ وتمسك الفاتحون بمطالبته بالقسمة وأكثروا في ذلك، وقالوا: أتقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا؟ فكان عمر لا يزيد على أن يقول هذا رأي، ثم رأى أن يستشير فجمع عشرة من كبراء الأنصار وأشرافهم، فلما اجتمعوا قال لهم: إني لم أزعجكم إلا أن تشكوا في أمانتي فيما حملت من أموركم، فإني واحد كأحدكم.. قالوا: قل نسمع يا أمير المؤمنين، قال: سمعتم كلام هؤلاء الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم، وإني أعوذ بالله أن أرتكب ظلمًا، لئن كنت ظلمتهم شيئًا هو لهم وأعطيت غيرهم لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنّمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم، فقسمت ما غنموا من مال بين أهله، وأخرجت الخُمس فوجهته على وجهه، … وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها، فتكون فيئًا للمسلمين – المقاتلة والذرية- ولمن يأتي بعدهم، أرأيتم هذه الثغور؟ لابد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام؟ لابد أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء، فمن أين يُعطى هؤلاء إذا قُسمت الأرضون والعلوج جميعًا؟ فقالوا جميعًا: الرأي رأيك، فنعم ما قلت ونعم ما رأيت، إن لم تُشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال، وتجري عليهم ما يتقون به رجوع أهل الكفر إلى مدنهم”.

خلاف بين الخليفة وجنوده، تحسمه شورى أهل الرأي في مجلس إسلامي مهيب، عرض دقيق، وخلاف له آدابه، واجتهاد له ما بعده، بين قائد يتطلع إلى الأفق البعيد، وبين جنود يتمسكون آنيًا وفورًا بما يظنونه حقًا لهم، الخليفة يريد للغنائم أن تكون مصدرًا للدخل القومي للجيل الحالي والأجيال القادمة، الخليفة يقترح صندوقًا سياديًا يحمي الأجيال القادمة من العوز، ويحمي المدائن المزدهرة من الانهيار، هذه هي الشورى في الإسلام، وظيفة لا سلطة، واختصاصات لا أصوات، والتزام بما يوجبه الإسلام دقيق، قبل إعلان نتائج الصناديق.

والحمد لله الذي بنعمته

تتم الصالحات،،

* * *

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر