أبحاث

أدلة الفقه الأصولية من الترجيح إلى التقدير

العدد 168

مقدمة:

ذكر الامام أبو حامد الغزالي اثنين وخمسين من الترجيحات (سبعة عشر مرجحا يتعلق بالسند والمتن وخمسا تتعلق بأمر خارج للسند والمتن وثلاثون مرجحا يتعلق بالتعليل والقياس)([1]). وذكر أنه يمكن أن تكون وراء هذه الترجيحات أخرى من جنسها([2]). وأورد بنيونس([3]) خمس وستين من المرجحات التي تعود إلى السند([4]) واثنا عشر من المرجحات التي تعود إلى المتن([5]) وثمانية عشرة من المرجحات التي تعود إلى أمر خارج([6]) كما أورد ثلاث وأربعين من المرجحات التي تخص القياس([7]). أي أن مجمل المرجحات التي أوردها بنيونس هي مائة وثمان وثلاثون مرجحا، وهذه المرجحات هي ما اعتمدته في البحث. أما محمد إبراهيم الحفناوي فقد ذكر ما جملته اثنان وخمسين مرجحا([8])، عشرون تتعلق بحال الراوي([9]) وسبعة عشرة مرجحا في الأقيسة([10]). كما ذكر الحفناوي في خاتمة كتابه قوله “وقد يظهر أمام المجتهد تعارض الترجيحات وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعمل ذهنه ويبذل جهده من أجل معرفة ما يكون سببا في تقوية أحد المرجحات المتعارضة([11]). وذكر السبكي أحدى وستين مرجحا تتعلق بالراوي ووقت الرواية وكيفية الرواية ووقت ورود الخبر والمتن والحكم والأقيسة([12])، وقال الإمام تاج الدين السبكي “واعلم أن طرق الترجيح لا تنحصر فإنها تلويحات تجول فيها الاجتهادات ويتوسع فيها من توسع في فن الفقه”([13]) وأما الإمام الآمدي فقد أورد في كتاب الإحكام ما يزيد عن مائة وثمانين مرجحا([14])، منها مائة وثمان وعشرون مرجحا بين منقولين (إحدى وأربعين تتعلق بالراوي والرواية وإحدى وستين تتعلق بالمتن وأحد عشر تتعلق بالمدلول وخمسة عشر تتعلق بأمر خارج) كما أورد خمس وأربعين مرجحا عند الترجيح بين معقولين. وذكر في نهاية حديثه عن المرجحات قوله “وقد يتشعب من تقابل هذه الترجيحات ترجيحات أخرى كثيرة خارجة عن الحصر لا تخفى على متأملها”([15]). وهنالك الكثيرون من الأصوليين والفقهاء ممن تطرقوا لموضوع المرجحات كالإمام السرخسي([16]) والإسنوي([17]) وأبو يعلى البغدادي([18]). ولا يكاد يخلو كتابا في أصول الفقه من التطرق إلى المرجحات وطرق الترجيح. ويعود الاختلاف في عدد المرجحات – في تقديري- إلى سببين: أولهما عدم تطرق العالم إلى مرجحات تطرق لها عالم آخر أو أن أحدهم أجمل عددا من المرجحات في قاعدة عامة (مرجح واسع) بينما فصَّل الآخرون فيه وأوردوا عددا من المرجحات التفصيلية، ولكن الشاهد أن عدد المرجحات الذي يجب أن يستحضره الفقيه كبير جدا ويزيد بكثير عن مائة مرجح. كما أن العلماء والفقهاء الوارد أسماؤهم في هذا البحث وبالرغم من جهدهم الواضح والجلي في وضع قواعد للترجيح تسهل على غيرهم القيام بعملية الترجيح إلا أنهم لم يتطرقوا إلى الحالة أو الحالات التي قد يرد فيها الترجيح من عدة أوجه، ففي هذه الحالة يجب وضع طريقة للترجيح باعتبار جميع الأوجه قبل إصدار الحكم، وهذا هو ما حاولت أن أساهم به في هذه الدراسة. من جهة أخرى أردت الاستفادة من كل هذه المرجحات التي أوردها العلماء كأحد الركائز التي يمكن الاعتماد عليها في تقييم أدلة الأحكام بصورة عامة وليس فقط من باب الترجيح بين دليلين.

يعتمد البحث على المنهج الاستكشافي التحليلي بغرض اقتراح طريقة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر