أبحاث

علم الاقتصاد الإسلامي بين مؤيد ومعارض

العدد 102

برغم من مرور فترة ليست بالقصيرة على ظهور ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي وتجسده نظريًّا في البحوث والدراسات العلمية المنصبة على هذا اللون من المعرفة من خلال مراكز البحوث والأقسام العلمية وغيرها والتى تعمل كلها على ترسيخ حقيقة أن هناك اقتصادًا إسلاميًّا شأنه شأن الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي ، أو بعبارة أخرى شأنه شأن الاقتصاد الوضعي من حيث كونه علمًا له فروعه وله قوانينه وله منهجيته وله سياساته .

برغم ذلك ورغم ما هناك من تراكم معرفي لا بأس بمستواه وبخطوات تجويده وتطويره فإن الكثير من الاقتصاديين لهم موقف من هذه الظاهرة، الكثير منهم ذوو رأي سلبي لا يؤيد ولا يعارض، وكأن الأمر لا يعنيه في شيء والبعض منهم معارض لذلك مؤمن بعدم معقولية ذلك وعدم إمكانيته؛ لأنه مخالف لطبائع الأمور الحاكمة للعلوم المختلفة .

وهذا البحث ما هو إلا مناقشة موضوعية هادئة مع هؤلاء بهدف تغيير موقفهم هذا، ومن ثم اكتساب حركة الاقتصاد الإسلامي زخمًا علميًّا جيدًا .

والورقة الراهنة تدور حول الإجابة على تساؤلات كبرى هي :

1- هل هناك حاجة لوجود علم للاقتصاد الإسلامي ؟

2- هل هناك إمكانية لوجود هذا العلم؟ وما هي أهم الاعتراضات على ذلك؟

3- كيف نرد على هذه الاعتراضات؟

وللإجابة عن ذلك كان من الضروري التعرض في البداية لتحديد مفهوم ومضمون الاقتصاد الإسلامي.

وفي ضوء ذلك احتوى البحث على المطالب التالية :

1- المطلب الأول : الاقتصاد الإسلامي المصطلح والمفهوم .

2- المطلب الثاني: الحاجة إلى الاقتصاد الإسلامي .

3- المطلب  الثالث : اعتراضات وردود .

المطلب الأول

المصطلح والمفهوم

يمكن القول: إن عدم وجود تحديد دقيق لمفهوم مصطلح «الاقتصاد الإسلامي» وللمقصود به قد أسهم في الموقف السلبي والمعارض لدى بعض الاقتصاديين(1) ، كما أسهم في تقييد سرعة الإنجاز لدى المؤيدين له ، مع أن ذلك ليس من انفرادات الاقتصاد الإسلامي، فقد عايش الاقتصاد العلماني لفترة طويلة من الزمن هذه الحالة، ليس فقط من حيث المفهوم، بل أيضًا من حيث المصطلح . وهذا أمر يعرفه جيدًا الاقتصاديون.

وبداية تجدر الإشارة إلى أن عددًا كبيرًا من المشتغلين بالاقتصاد الإسلامي تتوفر لديهم رؤية واضحة لمفهوم الاقتصاد الإسلامي وموضوعه، ومع ذلك فالأمر قد يكون في حاجة إلى مزيد من التحديد باعتبار أن ذلك يمثل نقطة البدء الصحيحة في أية دراسة .

ومن الواضح أننا هنا أمام العديد من التساؤلات ، منها ما يرجع إلى المقصود بكلمة «اقتصاد» هنا، فهل تعنى علمًا؟ أم تعنى فكرًا؟ أم تعنى نظامًا؟ أم تعنى واقعًا ماديًّا لما يعرف بالعالم الإسلامي؟ وبعبارة أخرى: هل المقصود المبادئ والقواعد والسياسات الاقتصادية المستنبطة من الكتاب والسنة ؟ أم المقصود ما دونه علماء المسلمين من آراء وأفكار ومقولات اقتصادية؟ أم هو ما أقامه المسلمون من مؤسسات اقتصادية عبر التاريخ مثل الدواوين وبيت المال ودار السكة …الخ؟ أم هو كل ذلك أو بعضه؟ . ومنها ما يرجع إلى المقصود بكلمة «إسلامي» وإلام ينصرف هذا الوصف، فهل ينصرف إلى المنهج المتبع في البحث والدراسة؟ أم ينصرف إلى موضوعات البحث ومسائله؟ وماذا عن دور الجهد البشري في هذا الموضوع؟

في القاموس الاقتصادي نجد العديد من المصطلحات ، والتى منها علم الاقتصاد، والفكر الاقتصادي، والنظام الاقتصادي. وبرغم تمايز حقائق هذه المصطلحات فإنها ذات وشائج قوية، فالفكر الاقتصادي إذا ما وصل لدرجة معينة من الحبكة والصقل يصبح تفكيرًا علميًّا محققًا بذلك أهم مقومات ومتطلبات ما يعرف بالعلم، وإذا كان العلم عملاً فكريًّا فإن النظام كيان واقعي عملي يعيشه الناس في حياتهم المحسوسة وغير المحسوسة . ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير بمفاهيم هذه المصطلحات ، فهي معروفة لدى جميع المشتغلين بالاقتصاد على تفاوت مستوياتهم .

وتحديدًا لمقصود الداعين إلى الاقتصاد الإسلامي من العلماء والمفكرين نقول إن المقصود هو إقامة علم للاقتصاد ، على غرار ما هو معروف اليوم بعلم الاقتصاد. هذه المسألة ينبغي أن تكون واضحة تمامًا لدى الجميع من المؤيدين والمعارضين، فالمقصود بالاقتصاد الإسلامي هو علم اقتصاد إٍسلامي أو هو علم إسلامي للاقتصاد ، تكون له من الخصائص والمقومات ما لأي علم معروف اليوم . ونترك تحديد موضوع هذا العلم لفقرات تالية في البحث، لكن الذي نحب ألا نتركه هنا دون تحديد هو ما نؤمن به من أن علم الاقتصاد الإسلامي يضم بين دفتيه كل الفروع المعروفة لعلم الاقتصاد القائم .ولاسيما ما يتعلق منها بفرع النظام الاقتصادي وفرع الفكر الاقتصادي إضافة إلى فرع التحليل الاقتصادي أو ما يطلق عليه لدى البعض النظرية الاقتصادية. ومعنى ذلك أنه يحتوى على أبعاد مذهبية وأبعاد نظرية تحليلية وأبعاد تاريخية وغيرها.. فإذا ما جئنا إلى هذه الكلمة «الإسلامي» فإن البعض عندما يسمعها يعتقد أننا أمام موضوع إلهي محض لا دخل فيه للبشر ، أي أننا أمام مجموعة من الأوامر والنواهي الإلهية في المجال الاقتصادي مدونة في شكل آيات وأحاديث أو في شكل أحكام شرعية. ونؤكد هنا أن هذا الفهم للاقتصاد الإسلامي من حيث كونه علمًا غير صحيح على الإطلاق ، بل إن عملاً مثل ذلك لا يدخل أصلاً في نطاق علم الاقتصاد الإسلامي . ومن المهم أن يكون واضحًا لدى الجميع من مؤيدين ومعارضين أن علم الاقتصاد الإسلامي هو صنعة بشرية محضة في كل جوانبها وأبعادها ، من حيث الشكل والهيكل والتبويب والتفريع ، ومن حيث المضمون والتحليل والمقولات . ومعنى هذا أن الجهد البشري في إنتاج وصناعة وتكوين علم الاقتصاد الإسلامي من هذه الحيثيات المختلفة لا يقل عن الجهد البشري في صناعة علم الاقتصاد العلماني المعاصر .

وإذا كان ذلك كذلك فيثور تساؤل له أهميته وهو: ما هي الحكمة وما هو المغزى من وجود هذا الوصف «الإسلامي»؟ . إن كل بحث علمي له مرجعيته ومصادر معرفته، ومرجعية الباحث في الاقتصاد الإٍسلامي هو الإٍسلام ، سواء بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر، بمعنى أنه في بعض جوانب الدراسة الاقتصادية الإسلامية مثل جانب النظام الاقتصادي تكون المرجعية المباشرة هي ما في الإسلام من أحكام وتوجيهات، حيث إن الباحث في هذا الجانب لا ينشئ شيئًا من عنده ، وإنما هو يرجع إلى النصوص الشرعية وما تولده من أحكام فيستخلص منها قواعد ومقومات النظام الاقتصادي الإسلامي، مثل الملكية الاستخلافية والملكية المزدوجة والحرية الاقتصادية المضبوطة والإدارة المشتركة للاقتصاد بين الدولة والقطاع الخاص..الخ، وليس له في ذلك أن يقول بشيء دون الاستناد والاعتماد على التعاليم الشرعية.

وفي بعض جوانب الدراسة مثل التحليل الاقتصادي وما يقوم عليه من تحليلات ووضع بعض النظريات والتوصل إلى بعض القوانين تكون المرجعية الإسلامية غير مباشرة ، متمثلة في حض الإسلام على هذا اللون من المعرفة ، وتقديم بعض الضوابط والتوجيهات حياله، لكن المرجعية المباشرة في مثل ذلك هي العقل والحس.

وينبغي ألا يفهم تعبير «مرجعية غير مباشرة» على أنه يعنى قلة الأهمية وضآلة الدور، وإنما كل ما يعنيه هو أن الدور الإسلامي هنا هو دور متجذر عميق الغور، وليس هو الدور المباشر القريب، ففي الجانب التحليلي، أو بعبارة أخرى في جانب الكشف عن القوانين وصياغة النظريات فإن علينا أن نعرف أولاً الدوافع والغايات وراء هذا الواقع، وهنا نجدنا  في حاجة إلى الهدى الإسلامي ، كذلك علينا عند وضع ما نراه من فروض أن نعى جيدًا الهدى الإسلامي في هذا المجال حتى لا تأتى فروضنا بعيدة أو مخالفة لما قال به الإسلام. وهكذا نجدنا حتى في هذا الموطن النظري أو التحليلي غير بعيدين عن الهدي الإسلامي، وإن كان القائم بذلك هو العقل والحواس .

ولعل ذلك يفسر لنا ما جرى العمل عليه من تقسيم العلوم الإسلامية إلى علوم نقلية وعلوم عقلية، الأولى مادتها ما حصلنا عليه من الوحي، والثانية ما حصلنا عليها من النظر العقلي من جهة ومن إعمال حواسنا في الواقع المحيط بنا من ناحية أخرى(2) . وبهذا نصل إلى أن علم الاقتصاد الإسلامي هو علم نقلي عقلي معًا. وهو في كل حال علم إسلامي، لأن الإٍسلام أمر به لتوقف مصالح المسلمين عليه، وكل ما كان كذلك من العلوم فوجوده في المجتمع فريضة شرعية يأثم المجتمع كله بتفريطه فيها .

ونكتفى هنا بهذا القدر من التوضيح للمقصود بـ «الاقتصاد الإسلامي» وفي فقرات قادمة نضيف إلى هذا القدر جوانب أخرى . وربما يطرح هنا تساؤل مضمونه : هل من الضروري التصريح بهذا الوصف «الإسلامي» لعلم الاقتصاد الذي يشيد طبقًا للهدي الإسلامي؟ وأم كان يكفى مصطلح علم الاقتصاد، أو الاقتصاد اعتمادًا على أن منهجية البحث إسلامية وكذلك الوعاء المعرفي؟

والجواب عن ذلك أننا لو سرنا على هذا النحو لكان أهون وأيسر، ولزالت بعض العقبات التى تقف حيال انطلاقة المعرفة في هذا العلم. ومع ذلك فللتصريح بهذا الوصف فائدة عملية لها أهميتها ، فالمعروف أن هناك في عالمنا المعاصر علمًا للاقتصاد وهو علم غربي في منهجيته ومعالجاته ومعظم مقولاته، فإذا ما قلنا علم الاقتصاد دون تقييد ربما اختلط هذا بذاك . ومعنى ذلك أنها عملية إعلان عن منهجية ورؤية إسلامية في تناول المسائل الاقتصادية . وبالتدريج وإلى أن يتعود الناس على ذلك فلن تبقى حاجة للتصريح بهذا الوصف، كما هو الحال في بقية العلوم الإسلامية، والتى تذكر مجردة من هذا الوصف مثل الفقه والتوحيد ..الخ ، وكما هو الحال لدى الباحث الاقتصادي الغربي الذي لا يعنون مؤلفه بالاقتصاد الرأسمالي ، مع أن كل تحليلاته ومنطلقاته لا تخرج عن إطار وفلسفة الرأسمالية .

ومن المفيد هنا إن لم يكن من المهم الإِشارة إلى ما يوصف به الاقتصاد القائم كتمييز له عن الاقتصاد الإٍسلامي، وهناك أكثر من صفة تستخدم بدرجات متفاوته من الشيوع بين المشتغلين بالاقتصاد الإسلامي أو من يسمون بالاقتصاديين الإسلاميين، وينبغي أن يكون التمييز واضحًا بين الاقتصادي الإسلامي و«الاقتصادي المسلم» حيث ينصرف المصطلح الأول إلى الجانب العلمي والمنهجي في معالجة القضايا الاقتصادية ، بينما المصطلح الثاني لا يعنى أكثر من كون الباحث مسلمًا ، بغض النظر عن منهجيته في بحثه الاقتصادي .

نعود إلى مسألتنا، فنقول: لقد شاع بين الاقتصاديين الإسلاميين مصطلح «الاقتصاد الوضعي» واستخدم بدرجة شيوع أقل مصطلح «الاقتصاد العلماني» وبدرجة أقل مصطلح «الاقتصاد التقليدي» وأقل من ذلك «الاقتصاد المعاصر» وبالتأكيد فإن أي مصطلح من هذه لا يخلو ولم يخل من ملاحظات ، بل واعتراضات، حيث لكل منها دلالاته ومضامنيه، والتى قد لا تتمشى مع المقصود. وعمومًا فهذا مجرد اصطلاح، ومواضعة بين أهل القضية، ولا مشاحة في الاصطلاح طالما لم يؤد إلى لبس وغموض يخل بمبادئ البحث العلمي. ولا أظن أن الاستطراد في تناول كل مصطلح من هذه المصطلحات وتوضيح ما له وما عليه أمر مطلوب هنا . والمهم أن يكون واضحًا تمامًا لدى القارئ عندما يرد عليه أحد هذه المصطلحات في معرض الحديث عن الاقتصاد الإسلامي أن المقصود به الاقتصاد الآخر ، والذي لا يصنف على أنه علم إسلامي للاقتصاد. والقضية في هذه الأوصاف سواء الإسلامية أو الوضعية.. الخ هي قضية علمية منهجية وليست لها أية مضامين أو دلالات أخرى.

المطلب الثاني

هل من حاجة إلى الاقتصاد الإٍسلامي؟

يرى بعض الاقتصاديين أنه ليست هناك حاجة إلى وجود علم للاقتصاد الإسلامي، بل إن الأمر ليصل إلى القول بعدم إمكانية ذلك . وفي هذا المطلب نبين وجه الحاجة ، وفي المطلب القادم نبين وجه الإمكانية .

إن وجوه الحاجة إلى وجود هذا العلم متعددة، منها ما يرجع إلى اعتبارات دينية، ومنها ما يرجع إلى اعتبارات علمية، ومنها ما يرجع إلى اعتبارات عملية واقعية .

الفرع الأول

الاعتبارات الدينية

قد يستغرب البعض القول بأن وجود علم للاقتصاد طبقًا للهدى الإسلامي هو فرض شرعي شأنه شأن بقية الفرائض الشرعية ، لكن المطلع على الإٍسلام وعلى الفكر الإسلامي وخاصة منه الفقه الإسلامي ذلك العلم المختص بدراسة الأحكام الشرعية العملية يرى ذلك أمرًا مقررًا معروفًا . لقد قسم الفقهاء الفروض الشرعية إلى نوعين: فروض أعيان وفروض كفاية . والمقصود بفروض الأعيان تلك الفروض الواقعة على عاتق كل فرد بعينه، مثل الصلاة والصوم والحج ..الخ ، والمقصود بفروض الكفاية هي تلك الأمور المتعين وجودها على مستوى الجماعة بغير تعيين فرد بذاته للقيام بها . وبعبارة أخرى هي فروض على الجماعة والمجتمع، كما أن الأخرى فروض على الأفراد ، وإذا كان الحكم في الأول موجه إلى كل فرد بذاته فهو في الثانية موجه إلى الجماعة كجماعة ، أو إلى المجتمع كمجتمع، بحيث إذا لم تتوفر فيها أثمت الجماعة بأكملها .

ومن الأمثلة البارزة لفروض الكفاية كل مهنة أو صنعة لايستغنى عنها المجتمع، مثل الزراعة والتجارة والصناعة وما يتفرع عنها من أنواع وفروع، وكذلك كل علم يحتاجه المجتمع لصلاح الدين ولصلاح الدنيا، مثل علوم الدين والطب والحساب..الخ . وتأصيلاً للمسألة نذكر طرفًا من أقوال العلماء في ذلك  .

يقول الغزالي : «أما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا، كالطب؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات. وهذه هي العلوم التى لو خلا بلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد..»(3) ويقول ابن عابدين: «وأما فرض الكفاية من العلم فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب واللغة وأصول الصناعات كالفلاحة والحياكة والسياسة..»(4)  .

ويشدد الغزالي على ضرورة توفر العلوم بقدر توفر الحرف والعمال، حيث لكل عمل جيد علم بأسراره. «ويجب على التاجر تعلم النقد لا ليستقصى لنفسه، ولكن لئلا يسلم إلى مسلم زيفًا وهو لا يدرى ، فيكون آثمًا بتقصيره في تعلم ذلك العلم، فلكل عمل علم به يتم نصح المسلمين، فيجب تحصيله»(5) بل إنه ليصل إلى الذروة في الاهتمام بوجود العلوم المطلوبة في المجتمعات الإسلامية على أعلى مستوى فيقول: «لو كان عند غير المسلمين علم أو اختراع ليس عند المسلمين أحسن منه وأفضل فإن المسلمين آثمون ومحاسبون على تقصيرهم»(6) .

إن العلماء لم يقولوا بذلك من فراغ وإنما استنادًا إلى العديد من النصوص الشرعية التى تحتم توفر العلوم والمعارف من جهة، وانطلاقًا من كون الإسلام عقيدة وشريعة ونظامًا يغطى كل جوانب الحياة والعلاقات بهديه وتوجيهاته . ونحن مطالبون ، كي نكون مسلمين حقًّا بثلاثة أمور: أولاً، أن نؤمن بوجود هدى إسلامي في المجال الاقتصادي، وثانيًا، أن نشتق من ذلك الإيمان معرفة علمية سليمة، وثالثًا، أن نطبق ما توصلنا إليه من علم في حياتنا. قال تعالى :{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون}(7) ومعنى ذلك أنه لا مناص من استنفار جماعة من المسلمين ليتفقهوا في الدين من الناحية الاقتصادية، ثم يحيلوا ذلك إلى عمل تعيشه الجماعة كلها .

وفي الإسلام العديد من الأوامر والنواهي والتوجيهات الاقتصادية في مختلف المجالات، ففي مجال العمارة والتنمية يقول تعالى :{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}(8) أي أمركم بعمارتها بكل أساليب وجوانب العمارة(9) .

وتحقيق ذلك يتوقف على انتهاج سياسات إنمائية صحيحة، وهو رهين نظريات اقتصادية سليمة. ويقول تعالى:{وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}(10) في الآية الكريمة نجد التوجيه بعدم ترك الأموال في أيدى السفهاء، كما نجد الحكم بكون المال قوام وعصب الحياة. ومعنى ذلك التعرف على السفه وحدوده وأبعاده ووضع سياسات اقتصادية تحول دون تدمير الأموال وضياعها من خلال قيام السفهاء عليها . وبالتالى فنحن أمام ضرورة المعرفة العلمية الاقتصادية في مجال النظريات وفي مجال السياسات. ويقول تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}(11) . الآية الكريمة تتحدث عن الإنفاق ، من حيث الكم والمقدار، وتصف سلوك المتقين، وتبين كيف أن قوام الحياة وازدهارها في الابتعاد عن الإسراف والتقتير. وإذن فنحن أمام ضرورة قيام دراسة علمية جادة لمفهوم وأبعاد الإسراف، وكذلك التقتير ، وبيان كيف يؤدى كل منهما إلى اختلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية . ثم  تحديد السياسات التى تحول بين المجتمع وبين الوقوع في هذين السلوكيين المنحرفين. ثم دراسة المجتمع القائم فعلاً للتعرف على موقع سلوكه الفعلي في ضوء هذا التوجيه ، وتحديد درجة الموافقة والمخالفة ، وكيفية تعديل الواقع كي يتواءم والوضع المثالي المنشود، والمطلوب الامتثال به من الإسلام.

كذلك فقد بين لنا القرآن الكريم أن هناك سننًا إلهية في المجال الاقتصادي، وقدم لنا أمثلة منها ، والمطلوب منا إعمال عقولنا وحواسنا للتعرف العلمي على هذه السنن ودراستها دراسة علمية بهدف الاستفادة منها في حياتنا من خلال جعل سلوكنا يتواءم معها(12) . وهكذا فنحن مطالبون إسلاميًّا بالمعرفة العلمية الاقتصادية في فروعها المختلفة، ولا يكفى في ذلك أن نجلس لنتعرف وندرس ما صنعه الآخرون من معارف وما أنتجوه من علوم .

إننا بذلك نكون مقلدين ولا نكون علماء ، وبالتالى فلا يقبل ما يقال: نحن نقوم بما يطلبه منا الإسلام من خلال دراسة علم الاقتصاد القائم . وخاصة أن هذا العلم القائم وإن قدم جوانب معرفية جيدة فإنه لا يستطيع تقديم كل ما هو مطلوب ، ومعنى ذلك أننا لم نمتثل لما تتضمنه وتشير إليه النصوص القرآنية .

الفرع الثاني

الاعتبارات العلمية والعملية

انتهينا في الفرع السابق إلى أن إيجاد علم للاقتصاد من المنظور الإسلامي فرض ديني على المجتمع المسلم. وقلنا إن العلم القائم حاليًا للاقتصاد لا يشبع الحاجة لذلك . وفي هذا الفرع نوضح هذه المقولة . فهل صحيح أن علم الاقتصاد القائم لا يفي بالغرض؟

إن الإجابة عن ذلك عليها أن تتعامل مع بعدين: الأول، الاقتصاد المعاصر من حيث كونه علمًا له مضمونه وله مقولاته وله مرجعياته. والثاني، الاقتصاد المعاصر من حيث كفاءته العملية ومقدرته على مواجهة المشكلات الاقتصادية المعاصرة .

1- من المعروف أن الاقتصاد المعاصر نشأ وترعرع في ظل النظام الرأسمالي، وتشكلت قوانينه في ظل ثقافته وقيمه ومرئياته للإنسان وللكون. ومن ثم كانت – وما زالت – مهمته وصف سلوك الناس الاقتصادي وتفسيره داخل هذا النظام ، وكذلك البرهنة على صلاحية ما ذهب إليه النظام من مواقف ومرئيات، وقد عبر عن ذلك الاقتصاديان الغربيان الشهيران ستونير وهيج بقولهما : «تعطي النظرية الاقتصادية تفسيرًا مبسطًا للطريقة التى يعمل بها نظام اقتصادي معين، وللمميزات الهامة لدى هذا النظام»(13) . وقد أفصح عن هذه الحقيقة بوضوح أكبر وتفصيل أكثر الدكتور رفعت المحجوب إذ يقول: «ويمكن أن نرجع اختيار المدرسة التقليدية لنموذج دراستها إلى الواقع الذي نشأت فيه. فاختيار هذا النموذج يجد ما يبرره في عصر الثورة الصناعية وفي سيطرة تعاليم المذهب الحر. فقد غيرت الثورة عقلية العصر، وضخمت في الأذهان فرصة الربح، ورسّخت الفلسفة النفعية . ومهد كل ذلك للنظرية التقليدية أن تقصر دراستها على الجانب المنفعي للإنسان ؛ لأنه الجانب الذي ميز فلسفة العصر، وبالإضافة إلى ذلك فإن الثورة الصناعية وما جرته من فلسفة أكدت في الإنسان العقلية المنفعية وأكدت فيه أيضًا العقلية الحسابية . ومهد ذلك للمدرسة التقليدية أن تجعل من الإنسان الاقتصادي، بالإضافة إلى كونه إنسانًا منفعيًا، إنسانًا متعقلاً يوازن بدقة فائقة بين الألم واللذة ويطبق قانون أقل مجهود. ومن ناحية ثالثة فقد مهد انتشار تعاليم المذهب الحر واتساع الأخذ به للأخذ بفرض الإنسان الحر ؛ ونظرًا لأن التدخل كان محصورًا وقت نشأة المدرسة التقليدية في حدود ضيقة فإن هذه المدرسة قد اتخذت نموذجها من مثالها الذي يتمثل في الحرية الاقتصادية ، ومع ذلك فإن فرض الإنسان الحر يجد تبريره في الواقع الذي عاصر نشأة النظرية التقليدية»(14) .

هذا اعتراف بالغ الصراحة في تمحور النظرية الاقتصادية حول النظام الذي نشأت وترعرعت في ظله. والمعروف أن خصائص ومقومات النظام الرأسمالي وكذلك فلسفته ومرجعيته تغاير إلى حد كبير خصائص ومقومات ومرجعية ومذهبية النظام الاقتصادي الإسلامي، وبالتسليم بذلك لا يسعنا إلا التسليم بضرورة وجود علم للاقتصاد يتولى مهمة وصف وتفسير السلوك الاقتصادي للأفراد والجماعات والمؤسسات التى تعمل داخل إطار هذا النظام، حيث إن علم الاقتصاد العلماني لا يتمكن من القيام بذلك، وليس ذلك من أصول مهامه . وقد عبر عن هذه الحقيقة، وإن كان في مناسبة أخرى، ماركس بقوله: «إن كل نظام اقتصادي تسود فيه مجموعة من القوانين والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية تكون قصرًا عليه، وإذا كان ذلك صحيحًا في نظام اقتصاد العبيد، ونظام الاقتصاد الإقطاعي والنظام الرأسمالي فإن النظام الاشتراكي يأخذ نفس الاتجاه، بمعنى خضوعه لقواعد وقوانين تختلف عن مثيلاتها في النظام الرأسمالي»(15) . ونحن هنا لم نشذ عن المألوف في قولنا بأن ثقافتنا مختلفة، ومن ثم فقوانينا مختلفة، وبالتالى فنحن في حاجة إلى معرفة علمية توصلنا إلى هذه القوانين. إن علم الاقتصاد هو بحسب تعريفه علم يبحث في السلوك الاقتصادي للإنسان. وبالطبع فإن الإنسان الذي خضع سلوكه للبحث والدراسة هو الإنسان الغربي، بما يحمله من ثقافة وما يحيطه من قيم ومعتقدات . وقد سلم ثقات العلماء من غربيين وغيرهم بأن السلوك البشري محكوم بالعديد من العوامل والمحددات المختلفة من مكان لمكان ومن زمان لزمان، وفي ذلك يقول الاقتصادي الأمريكي الشهير فبلن :«إن السلوك الإنساني هو وليد الصرح الاجتمــاعي والقيم التى تحكمه»(16) . والمعروف لدى علماء الاجتماع، كما يعبر آرون «أن التصورات الدينية هي بالفعل إحدى محددات السلوك الاقتصادي»(17) . ومعنى ذلك أن إحدى محددات سلوك المسلم الاقتصادي هي، على الأقل، عقيدته وقيمه وثقافته وما يحكمه من تشريعات إٍسلامية، وهي بغير جدال مخالفة تمامًا لما عليه الإنسان الغربي، فالمسلم يعتقد بالإله الخالق الرازق الحكيم المدبر، ويعتقد بالآخرة، وبالحساب والثواب والعقاب عن كل ما قدمه في حياته الدنيا من أعمال وأقوال وتصرفات، وكذلك هو يؤمن بأنه مستخلف في الأرض من قبل الله تعالى لإعمارها ، وأنه مسئول عن ذلك وعن كل جوانب علاقته بالكون بما فيه من أموال وموارد . كل ذلك ينتج لا محالة منطلقات ومسلمات تقوم عليها العلوم المختلفة، كما يرتب وجود العديد من القيم كمحددات لتفسير السلوك الاقتصادي لدى المسلم . والسؤال المطروح هو : هل نظام الحياة في الغرب، الذي هو موطن نشأة وترعرع علم الاقتصاد القائم، يضع لذلك كله أدنى اعتبار في منظومة قيمه وثقافته؟ . وربما يتشكك البعض في مدى تأثير هذا الإيمان في السلوك الاقتصادي ، وأسوق هنا بعض الأمثلة الداحضة لهذا الشك، عندما قدمت قافلة محملة بالسلع إلى المدينة من الشام تعدادها ألف بعير لسيدنا عثمان أقبل عليه التجار للشراء، وكلما عرضوا سعرًا رفض، وظلوا يرفعون في الأسعار وهو يرفض، وأخيرًا قال لهم: هناك من عرض ثمنًا يجاوز 1000% من ثمن الشراء فأثار ذلك دهشتهم . فأزالها عثمان بقوله : إن الذي عرض علّي ذلك هو الله تعالى، الذي قال: إن الحسنة بعشرة أمثالها . وقام بتوزيع السلع تبرعًا على المحتاجين في المدينة(18) .كيف يفسر الاقتصاد العلماني هذا السلوك؟

كذلك فإن المسلم يقبل على العمل الاقتصادي مهما تواضع العائد ولا يجرى مقارنات بين العمل والفراغ كما يحدث عادة لدى الإنسان الغربي؛ وذلك لأنه يرى العمل عبادة فيها مرضاة الله ، كما أنه يرى فيه غناءً من مد اليد للغير، مهما كان هذا الغير، فاليد العليا خير من اليد السفلى . وتصديقًا لذلك وجدنا أحد شيوخ الصحابة الطاعنين في السن وهو أبو الدرداء رضى الله عنه يمارس غراسة شجر بعض الفواكه التى لا تثمر إلا بعد سنين طويلة . وعندما سئل في ذلك قال: « ما على أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري»(19) . ما تفسير هذا السلوك علمانيًّا ؟ والمسلم لا يدخر للحصول على سعر الفائدة مهما كان ارتفاعه طالما آمن بأنه محرم شرعًا . والمسلم يجدُّ في السعي وطلب الرزق وممارسة النشاط الاقتصادي تنفيذًا لأوامر الله أولاً، وليعف نفسه ومن يعوله وليساعد المحتاجين ثانيًا ، لا جريًّا وراء التراكم المالي لذات التراكم ولا تحقيقًا للاستهلاك المظهري والترفى . وفي ذلك يقول e ردًا على بعض الصحابة عندما وجدوا شابًا قويًّا خرج مبكرًا لممارسة نشاطه الاقتصادي فقالوا: ويح هذا لو كان جلده وقوته في سبيل الله .فقال e :« لو كان خرج يسعى ليعف نفسه فهو في سبيل الله ولو كان خرج يسعى على أبوين كبيرين يكفيهما فهو في سبيل الله ، ولو كان خرج مكاثرًا مرائيًا فهو في سبيل الشيطان»(20) .

وهناك حادثة أخرى تثبت بوضوح إلى أى مدى تختلف البيئة الإسلامية عن بقية البيئات، ومن ثم تختلف القوانين المفسرة لها عن القوانين المفسرة لغيرها . فلقد جاء جماعة من الفقراء يشكون إلى الرسول e شكوى عجيبة كل العجب وغريبة كل الغرابة على أفئدة وأذهان من يعيش في البيئات الاجتماعية المعاصرة، إنهم لا يشكون سوء أحوالهم المادية، ولا يشكون ظلم الأغنياء لهم، وإهدارهم لحقوقهم المشروعة في ثرواتهم، كما هو المعتاد في عالمنا المعاصر، وإنما يشكون إلى الرسول e كيف أن الأغنياء سبقوهم بالأجر الجزيل عند الله تعالى ، فهما معًا متساويان في الفرائض والتكاليف، ثم زاد الأغنياء عليهم بإنفاق أموالهم في النواحي الاجتماعية فنالوا أجرًا من الله على ذلك هم لم يتمكنوا من تحقيقه(21) . هل هذه البيئة هي البيئة التى أنبتت الإنسان الاقتصادي صاحب المنفعة الذاتية المحضة والتى على أساسها أقيمت معظم فرضيات ونظريات علم الاقتصاد المعاصر؟ ولذلك يقول صاحب «اقتصادنا» بحق: « وهكذا ندرك الدور الإيجابي الفعال للإسلام في تغيير مجرى الحياة الاقتصادية وقوانينها، وتغيير الإنسان نفسه، وخلق شروط روحية وفكرية جديدة له . وكذلك نعرف مدى الخطأ في إخضاع مجتمع يتمتع بهذه الخصائص والمقومات لنفس القوانين التى يخضــع لها مجتمـع رأسمالي»(22). ثم إن لدينا نصوصًا إسلامية قرآنية ونبوية تتعامل مع الجوانب الاقتصادية، وهي تمثل أعلى درجة من الصدق، ومن ثم فمن الأهمية بمكان الاستعانة بها والاحتكام إليها عند قيامنا بوضع النظريات والقوانين الاقتصادية ، للتأكد من صحة وسلامة الفروض التى تقوم عليها هذه النظريات، وفي ذلك تصويب كبير لعلم الاقتصاد وما يتولد عنه من قوانين ومقولات، إن علم الاقتصاد المعاصر إذ يصر على الفصل الحاد بين السلوك كظاهرة خارجية محسوسة وبين دوافعه وغايته فإنه بذلك يتنكب الطريق العلمي السليم؛ لأن سلوك الإنسان هو سلوك إرادي وغائي، له دوافعه وأهدافه وغاياته، ومن ثم فلا يمكن الفصل بينهما. ومن الإشارات السابقة يتبين لنا أن الدوافع والأهداف والغايات للتصرفات الاقتصادية متفاوتة ومتغايرة ، وليست متجانسة ومتحدة، حتى يمكن إخضاعها كلها لقانون واحد. هذه مجرد أمثلة تكشف لنا عن بعض السلوكيات الاقتصادية للإنسان المسلم، والتى أثرت فيها بقوة عقيدته، وهي غريبة تمامًا عما هو مفهوم في المجتمعات الغربية، موطن علم الاقتصاد المعاصر ومنشئه. ولذلك فهو يعجز عن تقديم تفسير علمي لهذه الظواهر الاقتصادية .

2- وفوق كل ما تقدم ، بل وبغض النظر عن كل ما تقدم، ومن منطلق عملي نفعى محض نطرح هذا التساؤل: أليس علم الاقتصاد في حاجة ماسة إلى هزة عنيفة ومراجعات جادة جذرية لمقولاته في العديد من الفروع حتى يحقق لنفسه قدرًا أعلى من الكفاءة الاقتصادية المنشودة على مستوى الإنتاج وعلى مستوى التوزيع؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، طبقًا لما يؤمن به العديد من علماء العصر من اقتصاديين وغيرهم – كما سنرى – فما الذي يتولد عن تلك المراجعات القوية الشاملة، وهل هناك ما يمنع من أن يصل التعديل إلى المدى الذي نجدنا فيه أمام علم جديد للاقتصاد مغاير لما هو قائم الآن؟ وإذا ما كان هذا مطلبًا عالميًّا بما في ذلك قطاعات عديدة في العالم الغربي فَلِمَ نقف نحن المسلمين مكاننا ننتظر ما سيحدث وما سينتج ويصنع، ثم ننهض عند ذلك فقط لاستقدامه أو استيراده واستهلاكه؟ إننا أحرى من غيرنا بممارسة هذا العمل الجاد، بحكم ما نحن فيه من مشكلات اقتصادية قاسية ومتنوعة من تخلف وبطالة وعدم استقرار وسوء توزيع وفقر وتبعية وهامشية وغير ذلك ، وبحكم ما لدينا من هدى إسلامي قيم في المجال الاقتصادي، إذا ما تفهمناه جيدًا وفقهناه ثم طبقناه في حياتنا فإنه كفيل بإزالة ، أو على الأقل تقليل حدة هذه المشكلات . وهذا ما يجعل للإٍسراع بالبحوث الإسلامية وتعميقها أهمية كبيرة على حد تعبير أحد الاقتصاديين المعاصرين(23) . ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير بالعديد من المشكلات الاقتصادية العالمية المعاصرة، مثل مشكلة البطالة، ومشكلة سوء التوزيع، ومشكلة الفقر المطلق، ومشكلة تدهور البيئة، ومشكلة عدم الاستقرار الاقتصادي والنقدي، وغيرها . بعبارة أخرى، هناك مشكلة عدم تمكن الاقتصاد القائم من القيام الكفء بمهمته المتمثلة في كفاءة التخصيص وعدالة التوزيع. الأمر الذي جعل الكثير يتبرم من علم الاقتصاد ، أو على حد تعبير الاقتصادي الغربي «بلوغ» «هناك أعداد متنامية من الناس الذين يشكُّون في أن كل شيء على ما يرام في البيت الذي بناه علم الاقتصاد»(24) . وإذا كانت الدعوة القوية إلى ممارسة المراجعة الجادة لكل متطلبات النظرية الاقتصادية القائمة تخاطب العقل والحواس وتستحثها على النظر في تلك المعطيات من خلال التفكير النظري العلمي من جهة، ومن خلال الواقع والتجارب العملية من جهة أخرى فإن رجال الاقتصاد المسلمين مدعوون إلى النظر في ذلك، من خلال منحنى ثالث أكثر أهمية من المنحيين المذكورين وهو ما قدمه الإسلام في مصادره المتعددة من هدايات وتوجيهات اقتصادية، كفيلة إذا ما فهمت فهمًا صحيحًا ثم طبقت تطبيقًا رشيدًا أن تباعد بين المجتمعات والعديد من هذه المشكلات الاقتصادية الجاثمة . وهي في الوقت ذاته كفيلة بعلاج ما يحدث ويقع من هذه المشكلات علاجًا إن لم يكن ناجعًا تمامًا فهو أكثر كفاءة من غيره .

وهكذا نصل إلى أن هناك دعوة عالمية إلى المراجعة القوية الجادة لمعطيات علم الاقتصاد الراهن، وأن علينا من منطلق علمي وعملي وديني أن نلبي هذه الدعوة مشاركين في إنجاز هذه المراجعة، مستفيدين بكل ما لدينا من مصادر للعلم والمعرفة، بما فيها الوحي وما قدمه من هدايات في هذا المجال .

المطلب الثالث

اعتراضات وردود

عندما طرح موضوع الاقتصاد الإسلامي في المحافل العلمية اتخذ الاقتصاديون حياله ثلاثة مواقف. قلة قليلة تعاملت مع الموضوع بإيجابية ، وقلة أخرى كانت على العكس من السابقة رافضة معترضة، وكثرة غالبة التزمت الصمت ولم تحدد لها موقفًا ، وكأن الأمر لا يعنيها في شيء. وحتى يومنا هذا ما زال الوضـــع على ما وهو عليه تقريبًا.

وفي هذا المطلب نعرض بأكبر قدر ممكن من الأمانة أهم اعتراضات المعترضين، ثم نقوم بمناقشتها بهدوء وموضوعية، علّنا نصل إلى تصفية طيبة للموقف ونجتمع على كلمة سواء .

الفـــرع الأول

اعتراضــات

1- إن هناك علمًا للاقتصاد، وهو علم وضعي (Positive) محايد، ما عليه إلا أن يصف الواقع ويفسره ويتنبأ بما يكون عليه مستقبلاً . وليس له بعد ذلك من عمل فيما هو عليه الواقع من حسن أو سوء، وليس له مطمع ولا مقصد في تعديل هذا الواقع بما يتواءم ونموذج مفضل يراد له أن يكون . وبالاختصار لا علاقة له بالمعيارية (Normative) فهو لا يخرج عن أن يكون مرصدًا لما هو كائن . وبالاختصار نحن في نطاق علم الاقتصاد أمام ظواهر ملموسة وأمام واقع، وحرصًا على الموضوعية والابتعاد عن الأحكام والتقديرات الذاتية المتعارضة فلا مفر من الابتعاد عن الجوانب القيمية والانحصار داخل الجوانب «الوضعية» من حيث كونها تحقق المبدأ العلمي المتمثل في  «الموضوعية» . والمنطق العلمي الرصين كما صرح بذلك العديد من العلماء أن الوضعية في العلوم الاجتماعية شيء والموضوعية فيها شيء آخر، لا تلازم بينهما، بل قد يكونان متعارضين. وطالما أن علم الاقتصاد كذلك فهو علم عام، أو مطلق، يصدق على كل واقع، بغض النظر عما هو عليه من ثقافة وقيم. ويدعمون قولهم هذا بأن علم الاقتصاد يتكون أساسًا من مجموعة من القوانين والنظريات المحايدة مثل قانون الطلب وقانون العرض ونظرية سلوك المستهلك ونظرية سلوك المنتج وقوانين الغلة وقوانين المنفعة ..الخ. وبأنه علم عالمي لا وطن له. فكيف في ظل ذلك كله يمكن قبول فكرة قيام علم للاقتصاد من منظور إسلامي؟!

2- إن السلوك الاقتصادي للإنسان، والذي هو موضوع علم الاقتصاد هو سلوك واحد لا يختلف من مجتمع لمجتمع ولا من حضارة وثقافة لأخرى . ومن ثم فهو خاضع لوصف واحد، وتفسير واحد، وهذا ما يقوم به علم الاقتصاد الحالي. معنى ذلك أنهم ينفون أن يكون للمسلمين سلوك اقتصادي مغايرًا لسلوك غيرهم يبرر قيام علم خاص يفسر هذا السلوك.

3- من غير المقبول في عرف العلماء أن يكون أي علم ، بما في ذلك علم الاقتصاد ، دينيًا . فالعلم شيء والدين شيء آخر، لكل موضوعه ، ولكل مصادر المعرفة فيه .وبفرض أن للدين – أي دين – كلامًا في الاقتصاد فهو كلام ديني وليس كلامًا علميًّا ، حيث لا تخضع مقولاته للاختبار الواقعي ، ولا تقبل التمحيص العلمي للتأكد من صحتها، وبذلك تفقد أهم ركن لدخولها في حوزة القضايا العلمية .

4- أين الموجود حاليًا من دراسات في هذا الموضوع؟ إن المطروح منها لا ينهض ليُكون علمًا للاقتصاد. فأين هي النظريات والقوانين والسياسات؟ وأين هي المنهجية؟ وأين هي الموضوعات والمسائل؟ إن أقصى ما يمكن قبوله هو وجود فكر اقتصادي إسلامي ووجود نظام اقتصادي إسلامي .

الفرع الثاني

مناقشات وردود

1- إن القول بأن علم الاقتصاد علم وضعي لا مجال للمعيارية فيه هو قول مجافى للحقيقة ومخالف للواقع، فكثير من الاقتصاديين يؤكد على عدم خلو الاقتصاد من المعيارية ، لكنها في غالبها مضمرة مستترة، وإن كان البعض يصرح بها في صدر مؤلفاته الاقتصادية مشيرًا إلى أن علم الاقتصاد يتفرع إلى وضعي ومعياري(25) . وعلى مدار زمن طويل دارت مناقشات ومساجلات بين الاقتصاديين الغربيين حول علاقة علم الاقتصاد بالقيم، وكانت الغلبة في صف من ذهب إلى أن للقيم دورًا كبيرًا في علم الاقتصاد. إذن نحن أمام قضية حمالة للأوجه المتنوعة ولسنا أمام حقيقة مطلقة لا مجال للخلاف حولها، وبالتالى فلا مبرر لرفض فكرة قيام علم للاقتصاد متميز عن العلم القائم ، لتأثر باحثيه ومبحوثيه بقيم وثقافات مغايرة في كثير من جوانبها للقيم والثقافة الغربية التى نبت وشب وازدهر فيها علم الاقتصاد المعاصر. ولأنه من جهة أخرى يمتلك معيارًا موضوعيًّا لا خلاف حوله بين الباحثين فيه وهو ما قدمه الإسلام من هدايات في مختلف المجالات الاقتصادية . ومسألة الوضعية والمعيارية التى أثارت بشدة اهتمام المفكرين الغربيين، تحفل بها أدبيات اجتماعية وفلسفية متعددة، والذي يعنينا هنا هو ما أشار إليه بصراحة أحد الاقتصاديين الغربيين(26) من أنهم اضطروا للابتعاد عن نطاق المعيارية لعدم توفر مرجع موضوعي يحتكمون إليه ويحكمونه في تفضيلاتهم وتوجيهاتهم ، ومن ثم فإن الأمر يموج بالآراء المتعارضة المتصارعة التى يزعم كل منها أنه الأصح وأنه الأفضل والأحسن. وهذا الواقع مغاير لما عليه الباحثون الإسلاميون في العلوم الاجتماعية، حيث هناك المعيار أو النموذج الذي يحكم كل نزاع ويلتف حوله الجميع، ويرضون حكمه فيما يذهبون إليه. وهل بابتعادهم عن هذه المنطقة وانحصارهم – كما يدعون – في المنطقة الوضعية قد سلموا من النزاع والشقاق الذي يصل إلى حد التعارض الصارخ؟

الواقع المعهود في مختلف العلوم الاجتماعية بما فيها علم الاقتصاد يشهد بعكس ذلك تمامًـا ، فنحن أمام العديد من المواقف المتعارضة المتصارعة حيال الظاهرة الواحدة . وكمثال على ذلك ما نشاهده في تفسير وتبرير سعر الفائدة. والصراع في علم الاجتماع بين المدارس والنظريات المتعددة أشد أوارًا. ثم إن القول بالاحتكام للواقع والتعامل فقط مع المقولات التى يمكن أن تخضع لحكمه هو في حد ذاته موقف معياري، لأنه انحياز لجهة ما ، ثم إن ذلك يؤدى إلى تقديس الواقع وتأليهه ، رغم ما قد يكون عليه من فساد، مما يفسد قضية العلم من أساسها، ثم إن واقع الأمر ليؤكد على ما هنالك من فصام شبكي بين ما يعلنه بعض الاقتصاديين من التمسك بالوضعية والبعد عن المعيارية والغائية وما يجرى عليه العمل فعلاً في بناء النظريات الاقتصادية المختلفة، والتى لم تكن في جملتها حيادية بل كانت غائية. ولعل من أقوى وأوسع وأدق من تناول ذلك العالم الأمريكي الشهير جون هرمان راندال في مؤلفه الكبير «تكوين العقل الحديث» حيث تتبع بتفصيل مسيرة علم الاقتصاد منذ بداياته مثبتًا أن الغائية كانت وراء معظم نظرياته، وهذه بعض عباراته نضعها أمام القارئ «إن علم الاقتصاد قام أساسًا لتسويغ مطالب طبقات التجار بالتحرر من تدخل الحكومة» . «إن تطور نظريات الاقتصاد كان رهين تطور المطالب الخاصة بالطبقة المتوسطة، فعندما كانت مصلحتها في تدخل الدولة لحماية مكاسبها وتدعيمها قدمت نظريات التدخل وبررتها، وعندما تمكنت من تحقيق نفوذها القوى في المجتمع لم تعد في حاجة إلى تدخل الدولة، فجاء الاقتصاد ليبرر هذا التحول وينادى بالحرية على يد الفيزوقراط والكلاسيك» . وفي برهنته على تحيز علم الاقتصاد في الكثير من مقولاته يشير إلى ما حدث من طمس متعمد لموضوعات كثيرة أثارها آدم سميث تتعلق بأحوال الطبقة العاملة والمزارعين وسوء ما هم عليه، وضرورة تحسين أوضاعهم، والتأكيد على أنه لا سعادة لمجتمع يكون القسم الأعظم من أفراده فقراء تعساء. يقول راندال: إن كل ما أثاره آدم سميث في هذا الصدد طمس عليه «إن مشاعر الرحمة هذه الموضوعة في غير موضعها كانت تعكس نظرة رجعية لدى آدم سميث لم يشاركه فيها علماء اقتصاد الصناعة المنتصرة. وقد أسدل ستار النسيان على تلك المقولات، وأصبح بعد ذلك آدم سميث ممثلاً بالدرجة الأولى لسياسة حرية التجارة ومبدأ عدم التدخل » ثم يسير راندال مع علم الاقتصاد فيقول :«عندما جاء ريكاردو ومالتس وجدناهما معًا كليهما يعمل بطريقته الخاصة على تبرير الوضع القائم الذي هو في مصلحة الصناع، فقدم مالتس في ذلك نظرية السكان وقدم ريكاردو نظرية الريع». ثم يدخل راندال مع علم الاقتصاد مرحلة الكلاسيكية الحديثة بزعامة بنثام وتلميذه جون ستيوارت مل، فيقول: «كان بنثام نفسه الناطق بلسان الطبقة الإنجليزية المتوسطة، وقد بدا له أن ما تطلبه هذه الطبقة هو أفضل شيء للمجتمع». ويعلق راندال على نظرية المنفعة الحدية التى كانت محورية في أفكار المدرسة الكلاسيكية الحديثة قائلاً: « أما نظرية المنفعة الحدية في الاقتصاد فقد اكتشف الاقتصاديون المعاصرون في السنوات العشر الأخيرة فقط أنها بعيدة كل البعد عن أي اتصال بالعالم الاجتماعي الواقعي وما يجرى فيه»(27) . ولم ينفرد راندال بهذا التقرير عن موضوعية وحيادية علم الاقتصاد فقد أيده في ذلك المؤرخ الأمريكي الشهير كافين رايلي(28). وكذلك العديد من الاقتصاديين ، أذكر منهم على سبيل المثال الاقتصادي الغربي الشهير ميردال حيث يقول: « إن علمًا اجتماعيًّا مبرأ من الغرض لم يوجد أبدًا ولن يوجد مستقبلاً»(29) ، ويصرح الاقتصادي الأمريكي كارسون« لا يملك الاقتصاديون تفادى تحديد معاني مجموعة واسعة ومتنوعة من المسائل: الأسعار المثلى، والتوزيع الأمثل، والاستثمار الأمثل، والبطالة المثلى، وما إلى ذلك . وربما تتأسس توصياتهم على جهد أصيل لالتزام الحياد والتجرد والتقييم الأمين للمشاهدات المتاحة، ولكنها تخضع في تقديراتها بالضرورة لوجهات نظرهم الخاصة .. ويعنى ذلك مباشرة أن الاقتصاد كدراسة للسلوك والعقائد الإنسانية لا يمكنه تجنب الأحكام التقديرية، ومهما كانت المقاومة فإن منظومة علم الاقتصاد لن تتحرر أبدًا من الأيديولوجية»(30) . وأكد الدكتور جلال أمين على أنه كانت وراء مقولات الحرية والتدخل الشائعة في علم الاقتصاد غايات معينة يراد تحقيقها(31) . وكذلك يعترف الدكتور سعيد النجار بـ « أن القيم الاجتماعية السائدة هي التى تحدد الغاية النهائية من كل دراسة اجتماعية ، وأنه من الطبيعي أن يتفاوت الفكر الاقتصادي بين جيل وجيل لتفاوت القيم التى يؤمن بها كل من الجيلين، وفرق بين الدراسة التى تصدر عن إيمان بالحرية الفردية وبين ما يصدر عن إيمان بالدولة كحقيقة اجتماعية مستقلة عن الفرد وأكبر منه» ويذهب إلى أن تغاير القيم هو أكبر عامل مسئول عن الفروق بين النظريات الاقتصادية عبر عصور المجتمع الأوربي ، ويستشهد على ذلك بأن الدراسة الاقتصادية في القرن الثامن عشر استهدفت أساسًا قيمة وفكرة الحرية الفردية ولذلك جاءت كل النظريات والقوانين مشبعة بهذه الفكرة الأم، حتى إنه بتأثيرها ظهرت نظريات ودراسات لم تكن معهودة من قبل في الدراسة الاقتصادية وهي دراسة نظريـــة التوزيـع(32). ثم ألم يكن وراء نظرية كينز غرض أساسي هو حماية النظام الرأسمالي من التدهور والسقوط؟ . ويصوغ بعض الباحثين هذه القضية صياغة جيدة قائلاً: «إن العلم طالم
ا كُيِّف على أنه علم اجتماعي فمعنى ذلك أن له جانبين؛ أحدهما وضعي والثاني غائي… الأول يمثل النطاق أو الموضوع [الوسائل والأدوات والقوانين] ، والثاني يمثل الهدف، ولكل علم هدف. والعلاقة بين الجانبين الوضعي والغائي هي علاقة أقرب إلى التكامل منها إلى التبادل، فقبل أن نحدد نطاق الفعل يجب أن نعرف الهدف منه والعقبات التى تواجه هذا الهدف، وكيفية تحديده ومعايير هذا التحـديد ، وبالتالى فالنطاق دالة للهدف»(33). ومعنى ذلك أنه من غير الممكن علميًّا وجود علم اجتماعي وضعي محض لا مجال للغائية فيه .

ونتيجة لهذا كله فقد انتهى دكتور عبد العزيز هيكل إلى القول بأنه «يعتقد أنه يجب ألا نغالى في إضفاء الصفة العلمية على النظريات الاقتصادية في مجموعها ، حيث إنها ليست سوى تعبير عن آراء أصحابها وتوجهاتهم الاجتماعية والسياسية، ومدى تأثر هذه التوجهات بالمراحل التاريخية التى عايشها القائلون بها»(34) . وليس صحيحًا أن علم الاقتصاد يقوم أساسًا على مجموعة من القوانين والنظريات التى يقال عنها رغم كل ما تقدم: إنها نظريات محايدة، فالواقع أن علم الاقتصاد يحتوى على العديد من الفروع النظرية والتطبيقية والوصفية . ففيه النظريات وفيه السياسات وفيه التاريخ وفيه النظام. والقول بعدم ذلك يخرج العديد من الجهود والعطاءات الاقتصادية الكبرى من مجال ونطاق علم الاقتصاد ، وينبغي أن نميز بوضوح بين القوانين الاقتصادية وبعضها. فبعض هذه القوانين هي في حقيقتها قوانين طبيعية؛ لأنها تتعلق بسلوك الأشياء ولا مدخل للإرادة الإنسانية فيها، مثل قوانين الغلة وقوانين المنفعة، وشبيه بها ما كان هناك مدخل ما للإرادة الإنسانية ولكنه متمش مع الفطرة البشرية مثل قوانين العرض والطلب . هذه القوانين هي فقط التى يمكن أن تتسم فعلاً بسمة الحياد المذهبي، أما البعض الآخر من القوانين الاقتصادية فهو ما كان نابعًا عن ظروف محددة معينة، يصدق طالما توفرت هذه الظروف وعند تغيرها غالبًا ما لايصدق. وما أكثر هذه القوانين في علم الاقتصاد، بل هي تكاد تمثل معظمه ، عكس النوع الأول الذي هو من القلة بمكان، ثم إن إطلاق لفظة قانون اقتصادي عليه فيه من التسامح والتجوز الشيء الكبير؛ إذ هو بالأحرى قانون طبيعي يدركه الاقتصادي وغير الاقتصادي، بل إنه في معظم الحالات لا يحتاج إلى تفكير علمي من أساسه، حيث قد يدرك بالبديهة وعلى ألسنة غير العلماء، وإذن فالقول بأن القوانين الاقتصادية هي قوانين محايدة على إطلاقه فيه مغالطة علمية كبيرة . وليس صحيحًا القول بأن علم الاقتصاد القائم علم عالمي لا وطن له، وليس علمًا أوروبيًّا أو غربيًا . والشواهد على ذلك كثيرة، لعل من أهمها نظرة في مراجع تاريخ الفكر الاقتصادي المشهورة فنجدها منذ بداية تناولها لتاريخ الفكر وحتى آخر خطوة معه لا تفرد مكانًا ولو زهيدًا لأي مفكر خارج النطاق الغربي(35) . وهي غير مخطئة في ذلك لأنها تتحدث فعلاً عن فكر اقتصادي غربي. فإذا جاءوا بعد ذلك وقالوا هذا هو الفكر الاقتصادي على المستوى العالمي فتلك دعــوى زائفة . والأكثر زيفًا منها قبولها واعتناقها من قبل المشتغلين بالاقتصاد في بقية أرجاء العالم. وعلينا أن نميز بدقة بين العالمية بمعنى الهيمنة والسيطرة والعالمية بمعنى اشتراك العالم كله في إنتاج الشيء وصناعته . إن المعنى الأول قائم فعلا اليوم في دنيا الناس، فعلم الاقتصاد الرأسمالي أو الغربي هو العلم المسيطر والمهيمن عل العالم. بينما المعنى الثاني لا نجد له وجودًا ، وهذا هو المعول عليه في مناقشتنا هذه . وليس معنى ذلك أن كل ما في الاقتصاد القائم حاليًا مرفوض من قبلنا وأن كل ما فيه غير مقبول لدينا، بل إننا نؤمن – وسوف نعرض لذلك مفصلاً في فقرة قادمة – بأن معطيات الاقتصاد المعاصر منها ما هو قائم على قيم معينة مرفوضة إسلاميًّا وما هو قائم على قيم معينة مقبولة إسلاميًّا ، وماهو غير قائم على قيم إطلاقًا ، أي أنه بعبارة أخرى حيادي حيال القيم، وهو بدوره مقبول إسلاميًّا . وبالتالى فإن القول بالحاجة إلى علم للاقتصاد ذي منطلقات إسلامية لا يعنى بالضرورة نفي العلم القائم كلية ، بل نفي بعض معطياته المتعارضة فقط مع هذه المنطلقات، والإبقاء على ما عداها والاستفادة بها واعتبارها لبنة من لبنات بنائه وليست بغريبة عنه .

وبعد هذا العرض الموسع لقضية الوضعية والمعيارية، ألا يحق لنا أن نخلص إلى هذه النتيجة ذات المفارقة الواضحة، إن ما يقوله الاقتصاديون ويؤكدون عليه في صدور مؤلفاتهم من أن علم الاقتصاد علم وضعي يعني بما هو كائن لا بما ينبغي أن يكون هو في حد ذاته موقف معياري وليس موقفًا وضعيًّا. فهم في الحقيقة لا يخبرون بذلك عن واقع فعلاً في مؤلفاتهم وإنما عما ينبغي أن يكون . ويصدق ذلك على الواقع الذي يتحدثون عنه، وكذلك على العمل الفكري والعطاء العلمي الذي قدموه فعلاً . فما قدموه في مؤلفاتهم على أنه هو الواقع الفعلي ليس هو في الحقيقة الواقع الفعلي، وإنما هو ما يجب أن يكون عليه في تصوراتهم، وفي ذلك يقول د. المحجوب: «وبعد أن أقامت المدرسة التقليدية فرض المصلحة الشخصية خلصت إلى أن الفرد هو خير من يدافع عن مصلحته – هذا موقف قيمي – وطلبت لذلك الحرية له، ولجأت مرة أخرى إلى التجريد في سبيل الوصول إلى الصورة التى يجب أن يكون عليها الفرد والسوق التى تتفق مع المصلحة الشخصية، فأسقطت من هذه الصورة التدخل والاحتكارات ، وخلصت بذلك إلى فرض الحرية الاقتصادية والمنافسة الحرة . ثم صاغت من مبدأ المصلحة الشخصية، وهو ما يجب أن يكون عليه تصرف الإنسان، ومن مبدأ الحرية الاقتصادية وهو ما يجب أن يكون عليه الفرد والسوق، نقطة بدء لدراستها»(36)، وهكذا دخلت القيمية من أكثر من باب على الوضعية المزعومة .

2- وفيما يتعلق بالاعتراض الثاني القائم على فرضية وحدة السلوك الاقتصادي فإن هذه الفرضية غير صحيحة، والصحيح أن هناك قواسم مشتركة وسمات عامة، وهناك في نفس الوقت خصوصيات وانفرادات ، فالسلوك الاقتصادي هو سلوك اجتماعي، والسلوك الاجتماعي – كما سبقت الاشارة – محصلة العديد من المؤثرات البيئية المختلفة لاختلاف الثقافات والقيم السائدة . وبالتالى فما يصلح لوصف سلوك وتفسيره قد لا يصلح للتعامل مع سلوك مغاير . وهب أننا أمام مشكلة بطالة في عديد من الدول وطلب من عدد من الاقتصاديين بحث ودراسة هذه المشكلة وتقديم علاج لها فهل نتوقع أن تجيء هذه الدراسات متماثلة في التشخيص والعلاج، حتى بفرض تماثل الأسئلة المطروحة؟ . إن القرآن الكريم يصرح بأن الناس كلهم من أب واحد وأم واحدة، ومن ثم فلهم جميعًا قسمات مشتركة ، ويصرح في نفس الوقت بأنهم شعوب وقبائل وأن هناك اختلافات كبيرة وكثيرة بينهم خاصة على مستوى التجمعات، ومعنى ذلك أن التكييف الصحيح لسلوك الناس هو ما يرتكز على التماثل والتميز ، وعلى الوحدة والاختلاف .

وهذا ما يؤكده العلم الحديث في كثير من فروعه ، فبرغم حب كل إنسان للتملك والاقتناء فإن دوافع ذلك مختلفة باختلاف الشعوب والجماعات، فهناك دافع التظاهر والتكاثر، وهناك دوافع التعفف ومساعدة الغير، وهناك غير ذلك(37) . وهكذا نصل إلى تمايز السلوك الاقتصادي، وبالتالى تمايز القوانين المفسرة لهذا السلوك . وها هي شهادة مجموعة من الاقتصاديين « ليس هناك علم اقتصاد صالح لكل أشكال المجتمع ، إذ لا يمكن أن نتوقع أن تكون القوانين الاقتصادية في مجتمع يسود فيه الإنتاج بقصد الإشباع المباشر لحاجات المنتجين هي نفس القوانين الاقتصادية لمجتمع يسود فيه إنتاج المبادلة، كما لا يمكن أن نتوقع أن تكون القوانين الاقتصادية في مجتمع تقوم فيه روابط الإنتاج على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج هي نفس القوانين الاقتصادية لمجتمع تقوم فيه هذه الروابط على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج . حقيقة إنه توجد بعض الظواهر الاقتصادية المشتركة بين أكثر من شكل من الأشكال التاريخية للمجتمع الإنساني يقابلها قوانين اقتصادية نظرية مشتركة، ولكن القوانين الاقتصادية التى تميز كل شكل من الأشكال التاريخية للمجتمع أهم بمراحل من هذه القوانين المشتركة عند التعرف على طبيعة العملية الاقتصادية في شكل معين من هذه الأشكال»(38) .

ثم إننا في دراستنا للعلوم الاجتماعية والاقتصادية من المنظور الإسلامي لا نسير وفق من سار على التمحور حول «السلوك» ودراسته وتفسيره من حيث هو مجرد ظاهرة خارجية محسوسة، إننا ندرس السلوك وما وراءه من دوافع وأهداف، فتصرف الإنسان تصرف واع مقصود ومدفوع بدوافع معينة، ومن المهم دراسة هذه الدوافع والغايات لما لها من أثر جوهرى في التعرف على السلوك وفي تعديله وتقويمه . وهناك مدرسة غربية قوية تنهج هذا النهج في دراسة العلوم الاجتماعية وتتمحور حول الفهم أو المعنى أو التصرف(39) ؛ وهي قريبة مما تجرى عليه الدراسات الاجتماعية من المنظور الإسلامي .

وهذا عكس ما يجرى عليه العمل في علم الاقتصاد المعاصر حيث يعني فقط بالسلوك الخارجي الاقتصادي للإنسان في استهلاكه أو في إنتاجه أو في تبادله، دون أن يلتفت إلى ما هناك من دوافع وأهداف وراء ذلك، بذريعة أن ذلك لا يدخل في اختصاصه، أو على أحسن الفروض أن الدوافع واحدة هي دوافع اقتصادية محضة. وهذا ما يفقد الدراسة الكثير من جدواها باعتراف الكثير من علماء الغرب أنفسهم .

وفي ذلك يقول د. رفعت المحجوب: «إن الاقتصاد الذي يهمل الإحساسات النفسية أو يقلل من شأنها لايستحق أن يوصف بأنه واقعي ولا بأنه سياسي؛ فالعامل النفسي يقوم وراء أغلب الظواهر الاقتصادية؛ لأن التصرف الاقتصادي لابد أن يمر بنفس إنسان، وعلى ذلك فإدخال العنصر النفسي في التحليل الاقتصادي يجعل الاقتصاد علمًا واقعيًّا يترجم الحقيقة»(40) .

3- أما الاعتراض الثالث القائم على عدم التسليم بقيام علم على أساس ديني بحجة أن العلم شيء والدين شيء آخر ، وأن المقولات الدينية تفتقد أهم مقوم من مقومات المقولة العلمية وهي قابلية التمحيص العلمي من خلال محاكمتها في الواقع(41) ، ففيه مخالفات علمية، فليست كل المقولات العلمية، أيًّا كان مجالها يكون محك علميتها تمحيصًا واقعيًّا ، وإلا لخرج من نطاق العلم ألوان عديدة من المعارف ومنها المعارف الرياضية والمعارف الفلسفية، والمعارف الدينية، وهذا غير مقبول لدى جماهير العلماء. وفي ذلك يقول رائد الوضعية المنطقية في مصر الدكتور زكي نجيب محمود : « إن هناك مجموعتين من العلوم، وذلك إذا قسمنا العلوم على أساس المنهج ، فهناك مجموعة العلوم الطبيعية بما فيها العلوم الإنسانية إذا نحن أخذنا الإنسان من ظاهر سلوكه، ثم هناك مجموعة العلوم الرياضية بما في ذلك كل علم ينهج نهج الرياضة في اتخاذ مقدمات مسلم بها لتكون هي السند الذي يرجع إليه في إثبات صدق النتائج، أما مجموعة العلوم الطبيعية فنقطة البدء في طريق سيرها مقومات مسلم بصوابها مقدمًا .. ثم يواصل .. ماذا تكون وسائل التحقق من الصدق في كل منهما؟ والجواب هو أننا في العلوم الطبيعية نجعل إمكان تطبيق نتائجنا التى نصل إليها على الواقع الفعلي هو مقياس القبول. وأما مجموعة العلوم الرياضية وما ينهج نهجها فوسيلتنا إلى الحكم بصواب النتيجة أو خطئها هو الرجوع إلى المسلمات الأولى.. فإذا وجدنا أن النتيجة المعينة قد تولدت تولدًا سليمًا من تلك المقومات المسلم بصوابها كانت نتيجة صحيحة.. وعلم الدين علم قائم ضمن المجموعة الرياضية من حيث المنهج، لأن الباحث العلمي فيه يسير على خطوتين، الخطوة الأولى هي المسلمات والخطوة الثانية هي استخراج ما يمكن استخراجه من نتائج تتولد من ذلك النص الشرعي .. ومن حق من يراجعونه أن يسألونه عن النص الذي ولد منه هذه النتيجة وطريقة الاستدلال التى مكنته من ذلك التوليد.. هذه العملية الاستدلالية التى تنصب على النص المعين لنستخرج منه ما يجوز استخراجه مع التزام منطق القياس هي عملية «علمية» كـــأدق ما تكون العلوم»(42) . فهل بعد هذا الكلام يجيء بعض الاقتصاديين ويقولون ما يقولون؟! وهم أبعد ما يكونون عن علم العلم وفلسفته.

ولعل من أبرز من تعرض من علماء الغرب المعاصرين لقضية الدين والعلم والأخطار الجسيمة التى نجمت عن الانشقاق بين العلم والدين والأخطاء المدمرة التى ارتكبها العلم في حق نفسه عندما ابتعد عن الدين وعن القيم والغايات وانحصر في الوسائل والأدوات هو عالم النفس الأمريكي الشهير إبراهام ماسلو، ومن أقواله في ذلك: «إذن لا يمكن انتزاع القيم الروحية والمعاني الأخلاقية من ميدان المعرفة الإنسانية والبحث والتجربة، كما لا يمكن أن نترك هذه القيم للخزن في مخازن الكنيسة. وإذا كان العلم بمفهومه الحاضر لا يريد هذه الوظيفة ولا يقدر على حملها فلابد من تطوير مفهوم علم أوسع، علم مزوّد بقوى ووسائل أكبر، علم يستطيع دراسة القيم ويعرف كيف يغرسها في الإنسان»(43) .

وقد سبق أن ذكرنا أن علم الاقتصاد الإسلامي من حيث مقولاته هو علم بشرى يخضع للحكم عليه بالصواب والخطأ ، وسوف نعيد القول في ذلك مفصلاً في فقرة قادمة . يضاف إلى ذلك ما سبق أن أوضحناه بصدد تحديد المقصود بوصف «إسلامي» وأنه لا يعنى لا من قريب ولا من بعيد أننا أمام مجموعة نصوص شرعية وإنما نحن أمام مقولات مستخلصة تارة من هذه النصوص في المجال الاقتصادي، وتارة أخرى مستخلصة من المشاهدات الواقعية. وكلتا المقولتين لا تمتنع على الحكم بالصواب أو الخطأ .

4- أما الاعتراض الرابع المبني على أن الموجود حاليًا لا يحقق متطلبات القول بوجود علم اقتصاد إسلامي فإن معيار الحكم في ذلك يتوقف على ما يعتبره العلماء المختصون بفلسفة العلوم معيارًا لوجود علم ما ، بحيث إذا تحقق في المعرفة المطروحة هذا المعيار صح إطلاق اسم علم معين عليها . وبدون الدخول في تفاصيل ذلك فإن ما تحقق حتى الآن رغم تواضعه في جوانب عديدة يشكل علمًا، طبقًا للمعيار المتعارف عليه، والقائم على وجود موضوع محدد وبعض القوانين والمسائل ومنهجية محددة للمعرفة فيه(44) .

وبفرض أن كل ما قيل فيما هو موجود الآن من دراسات في الاقتصاد الإسلامي صحيح فإن القضية التى نحن بصددها الآن ليس الحكم على الموجود بكونه يمثل علم الاقتصاد الإسلامي أم لا، وإنما هي مدى إمكانية قيام هذا العلم . يضاف إلى ذلك التأكد من عدم اطلاع الكثير من الاقتصاديين المعارضين على قدر معقول ولا أقول كل ما قدم من عطاء في هذا الصدد، ويرجع ذلك إلى رداءة شبكة الاتصالات العلمية من جهة، وعدم توفر الاهتمام الكافي لدى هؤلاء للتعرف على ما يدور في هذا النطاق من جهة أخرى. وفي ضوء ذلك كله فلا نجد لهذا الاعتراض أساسًا علميًّا صلبًا .

ومما يثير الدهشة قبول هؤلاء فقط بمقولة «فكر اقتصادي إسلامي» و«نظام اقتصادي إسلامي» مع أن التسليم بوجود فكر اقتصادي إٍسلامي يحتم عدم رفض إمكانية تطور هذا الفكر ليصبح فكرًا علميًّا يدخل في نطاق العلم، شأنه شأن أي تفكير لا يرفض العقل إمكانية تطويره حتى يجتاز اختبار التفكير العلمي، أي يصبح علمًا من العلوم. كما أن التسليم بوجود نظام اقتصادي إسلامي يؤدى إلي التسليم بإمكانية إن لم يكن بإلزامية قيام علم يفسر السلوك الاقتصادي داخل هذا النظام ويبرر مقولاته وقواعده، كما هو الحال لدى كل من النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي. وإلا فكيف يعيش الناس داخل هذا النظام وكيف تقنن وتضبط وتفسر سلوكياتهم؟

خلاصة المطلب :

إن علم الاقتصاد يحتوى على العديد من الفروع، وهي ليست كلها تحليلاً نظريًّا وضعيًّا ، ثم إنه علم مشبع بالقيم حتى في تحليلاته النظرية، ولا خلاف حول تنوع وتغاير الكثير من القيم المؤثرة في السلوك الاقتصادي، وهو فوق ذلك علم غائي في معظم جوانبه أو بالأحرى في مفاصله ومحاوره. وغايات الناس وأهدافهم تتحدد أساسًا من خلال منطلقاتهم الفكرية والعقيدية وهي متفاوتة ومتغايرة في كثير من جوانبها بين المسلم وغير المسلم، فالمسلم له عقيدته التى تحدد وجهة نظره حيال الكون وحيال خالقه وحيال وظيفة الإنسان وغاياته ووظائفه وعلاقته بغيره، وحيال نظرته لما بعد الموت من حياة أخرى فيها ثواب وفيها عقاب، كما أن للمسلم شريعته التى تضبط سلوكه الاقتصادي وغيره من حيث ما يحل وما يحرم وما ينبغي وما لا ينبغي .

في ضوء كل ذلك فإنه لا يوجد للموقف المعارض لقيام علم اقتصاد إسلامي مبرر علمي مقبول . ومما يؤسف له أن يكون هذا هو اعتراف عالم اقتصاد غربي، إذ يقول الدكتور فولكر ناينهاوس بعد استعراض مطول للاقتصاد العلماني – حسب تسميته – وللاقتصاد الإسلامي : «لم يرد في هذا البحث سبب أساسي يرفض أن يكون علم الاقتصاد الإسلامي علمًا»(45) .

الهوامش :

 

  1. زكريا نصر ، المريدية وأبحاث تراثية أخرى، القاهرة، ط 1، بدون ناشر ، 1989 م ، ص 134 وما بعدها.
  2. الغزالي، المستصفى، المطبعة الأميرية، القاهرة : 1322 هـ، ص 503، ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جمع عبد الرحمن قاسم، الرياض : 1398 هـ – ج 19 ص 230، ابن خلدون، المقدمة، بيروت : دار القلم، 1986م، ص 435 وما بعدها، ابن عابدين، حاشية رد المختار، بيروت : دار الفكر، 1979 م، جـ 1 ص 35، د. عبد الله الثمالي، الاقتصاد الإسلامي بين النقل والعقل، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة السادسة، العدد (24)، 1995 م.
  3. إحياء علوم الدين، القاهرة : مطبعة صبيح، 1985م، جـ 1 ص15.
  4. حاشية ابن عابدين، مرجع سابق، جـ 1 ، ص 42.
  5. إحياء علوم الدين، مرجع سابق، جـ 2 ص67.
  6. نقلا عن كارم غنيم، قضية العلم والمعرفة عند المسلمين، مجلة المسلم المعاصر، السنة العاشرة، العدد (39) 1404 هـ، ص 60.
  7. سورة التوبة، الآية رقم (132)
  8. سورة هود، الآية رقم (161)
  9. ابن العربي، أحكام القرآن، القاهرة : مكتبة الحلبي، 1958 م، 3 / 1047، الزمخشري ، الكاشف، بيروت : دار المعرفة، 2 / 278، الجصاص، أحكام القرآن، بيروت : دار الكتاب العربي، 3 / 165.

 

10.  سورة النساء، الآية رقم (5)

11.  سورة الفرقان، الآية رقم (67)

12.  د. يوسف ابراهيم، السنن الإلهية في الميدان الاقتصادي، مركز صالح كامل، جامعة الأزهر، 1997م، ص 18.

13.  النظرية الاقتصادية، ترجمة صلاح الصيرفي، د ن ، 1962 م، ص 1.

14.   رفعت محجوب، الاقتصاد السياسي – الكتاب الأول، القاهرة : دار النهضة العربية، 1964 م، ص 36، 37.

15.  د. جميل توفيق، د. صبحي قريضة، اقتصاديات الأعمال، الأسكندرية : دار المطبوعات الجامعية، 1979 م، ص 12.

16.  نقلا عن د. عيسى عبده، الاقتصاد الإسلامي – مدخل ومنهاج، القاهرة : دار الاعتصام، 1973 جـ 1 ص157.

17.  هـ . ب. ريكمان، منهج جديد للدراسات الإنسانية، ترجمة د. علي عبد المعطي محمد، د. محمد علي محمد، بيروت : مكتبة مكاوي 1979 م، ص 60.

18.  صادق عرجون، عثمان بن عفان، جدة : الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط 3، 1404 هـ، ص 151 وما بعدها.

19.  عبد الحي الكتاني، التراتيب الإدارية، بيروت : نشر محمد أمين، د ت ، 2 / 102.

20.  السيوطي، الجامع الصغير، القاهرة : مكتبة الحلبي، 1 / 92، ولمزيد من المعرفة بدوافع النشاط الإنتاجي لدى الصحابة والتابعين، يراجع أبو بكر ابن أبي الدنيا، إصلاح المال، المنصورة : دار الوفاء، 1990.

21.  انظر نص الحديث في الترغيب والترهيب للمنذري، بيروت : دار الفكر، 1981، 2 /524.

22.  محمد باقر الصدر، اقتصادنا، بيروت : دار الفكر، 1969 م، ص 230.

23.  محمد سلطان أبو علي، تقديم لكتاب د. محمد صقر، الاقتصاد الإسلامي، القاهرة : دار النهضة العربية، 1978 م.

24.  نقلا عن د. محم عمر شابرا، ماهو الاقتصاد الإسلامي؟ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 1996 م، ص 26.

25.  جيمس جوارتيني وريتشارد ستروب، الاقتصاد الجزئي، ترجمة د. محمد عبد الصبور، الرياض : دار المريخ، 1987 م، ص 27، فولكر ناينهاوس، آراء جديدة في علم الاقتصاد المعياري: النهوج الغربية والمنظور الإسلامي. مجلة المسلم المعاصر، لسنة 18، العددان (69/70) 1994م.

26.  R.G. Lipsey, An Indroduction to Positive Economics, 3rd, English Language Book Society, pp. 4-6.

27.  الغرب والعالم، سلسلة عالم المعرفة، القسم الثاني، رقم (97) 1986 م، ص 21، 156، 157.

28.  G. Myrdal, Asian Drama, An Inquiry into the Poverty of Nations, London: Allen Lane, 1968, vol.3, p. 31.

29.  ماذا يعرف الاقتصاديون عن التسعينات وما بعدها؟ مرجع سابق، ص 45.

30.  العولمة، القاهرة : دار المعارف، سلسلة اقرأ رقم (636) 1998 م ص 20 وما بعدها.

31.  تاريخ الفكر الاقتصادي، بيروت : دار النهضة العربية، 1973 م، ص 8 وما بعدها.

32.  د. مصطفى رشيدي، الاقتصاد العام للرفاهية الاقتصادية، الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية، ص 117.

33.  مدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، بيروت : دار النهضة العربية، ص 13.

34.  د. رفعت العوضي، في الاقتصاد الإسلامي، قطر، الشئون الدينية، كتاب الأمة، 1990 م، ص 40 وما بعدها.

35.  L. G. Reynalds, Economic Growth in the Third World, 1850 – 1950, London: Yale University, Press, 1985. P. 3.

36.  الاقتصاد السياسي، مرجع سابق، ص 37.

37.  رالف رانتون، دراسة الإنسان، ترجمة عبد الملك الكاشف،  بيروت : المكتبة العصرية، 1964 م، ص 191 وما بعدها، د. عبد الله غانم، التبادل وعمليات الاستثمار والادخار، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 1982 م، ص 20 وما بعدها.

38.  د. محمد دويدار وآخرون، أصول الاقتصاد السياسي، الإسكندرية : دار المعرفة الحديثة، 1996 م، 1/39، وانظر د. عبدالرحمن يسري، أسس التحليل الاقتصادي، الإسكندرية : مؤسسة شباب الجامعة، ص 6 وما بعدها، د. عيسى عبده، مرجع سابق، ص 110، د. عمرو محيي الدين، التخلف والتنمية، بيروت : دار النهضة العربية، ص 6 وما بعدها.

39.  هـ. ب. ريكمان، مرجع سابق، ص 193 – 315، د. صلاح قنصوة، الموضوعية..، مرجع سابق، ص 250 وما بعدها.

40.  الاقتصاد السياسي، مرجع سابق، ص 24 وما بعدها.

41.  د. محمد عمر شابرا، ما هو الاقتصاد الإسلامي؟ مرجع سابق، ص 48 وما بعدها.

42.  د. زكي نجيب محمود، قيم من التراث، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1999 م، ص 143.

43.  خطر الانشقاق بين الدين والعلم ، ترجمة د. ماجد الكيلاني، مجلة الأمة، قطر، عدد ربيع الأول، 1401 هـ.

44.  د. أحمد الخشاب، علم الاجتماع ومدارسه، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية، 2/6.

45.  آراء جديدة في علم الاقتصادالمعياري: النهوج الغربية والمنظور الإسلامي، مجلة المسلم المعاصر، العدد (69/70)، لعام 1994م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر