أبحاث

نحو علم للقواعد الاعتقادية الشرعية

العدد 107

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، أحاول في هذه الدراسة الإجابة عن سؤال علمي مضمونه: هل يمكن قيام علم – أو فرع من فروع البحث والدرس الكلاميين – للقواعد الاعتقادية الشرعية، كما حدث في مجال الدراسات الفقهية منذ أكثر من ألف عام؟

وقد غلب على ظني أن الإجابة عن هذا التساؤل هي بالإيجاب، بل إنه ليكاد يكون قائمًا بالفعل في مؤلفات وأعمال قديمة ومعاصرة، وإن لم يُفرد له علمًا مستقلًا، أو فرعًا متميزًا من علم الكلام. وغلب على ظني كذلك أنه ربما كان في تجديد العناية به بين المشتغلين خير للدراسات الكلامية في أصول الدين، تثري به وتتجدد وتنمو، كما كان الحال بالنسبة لنظيره الفقهي، الذي ولَّد فروعًا من البحث، ووجوهًا من النظر، وألوانًا من التأليف العلمي، غني بها الفكر الفقهي، والنظر التشريعي عند المسلمين.

وسأحاول طرح الفكرة -التي لم يقدر لها بعد أن تتعمق وتتحدد- في فقرات ثلاث على وجه الإيجاز، كما يلي:

أولاها: عن علم القواعد الفقهية باعتباره الأصل الذي نريد أن ننسج على منواله.

والثانية: عن بعض الجهود السابقة في مجال القواعد الاعتقادية أو الكلامية.

والأخيرة عن جملة من القواعد الاعتقادية التى صاغها العلماء السابقون أو رأوا إضافتها إلى جهودهم، باعتبار ذلك خطوة على الطريق الذي نشير إليه، أو لبنة في البناء الذي نتطلع إليه. وبالله التوفيق.

أولًا- القواعد الفقهية:

القواعد جمع قاعدة، وهي لغةً: الأساس الذي يُبنى عليه، واصطلاحًا: “قضية كلية تشتمل على أحكام جزئيات موضوعها، التى تسمى فروعًا واستخراجها منها تفريعًا؛ كقولنا: كل إجماع حق”[1].

وقد استعملت كلمة (قانون) المعربة قبل تطور معناها في العصر الحديث بمعنى القاعدة، فاستخدمها ابن جزي الغرناطي (636هـ) عنوانًا لكتابه الرائع في القواعد الفقهية: (قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية).

والفقهية نسبة إلى الفقه وهو “العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية”[2].

فالقواعد الفقهية إذن هي “القضايا الكلية التى تندرج تحتها مجموعة من الأحكام الشرعية العملية”[3].

نشأ هذا العلم في القرن الهجرى الرابع أو أواخر الثالث، متأخرًا نسبيًّا عن علم الفقه الذي يُعد أعرق العلوم الإسلامية وأسبقها، وعن علم أصول الفقه الذي يحقق ويحرر “قواعد استنباط الأحكام الفقهية من أدلتها الإجمالية” على يد الإمام الشافعي أواخر القرن الهجري الثاني.

ويبدو أن الفضل في نشوء علم (القواعد) يرجع إلى رجال المذهب الحنــفي؛ إذ يروي السـيوطي الشافعي (911هـ) وابن نجيم الحنفى (970هـ) أن أول مَن جمع طائفة من القواعد الفقهية هو الإمام أبو طاهر الدباس – من رجال القرنين الثالث والرابع الهجريين – الذي “جمع أهم قواعد مذهب أبي حنيفة في سبع عشرة قاعدة كلية، وكان أبو طاهر ضريرًا يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد خروج الناس منه، وذكر ابن نجيم أن أبا سعيد الهروي الشافعي قد رحل إلى أبي طاهر ونقل عنه بعض هذه القواعد، ومن جملتها القواعد الخمس التى تعتبر أمهات القواعد ومباني الأحكام الشرعية من نصية واجتهادية؛ وهي: الأمور بمقاصدها، الضرر يزال، العادة محكمة، اليقين لا يزول بالشك، المشقة تجلب التيسير”[4].

ويظهر أن القواعد السبع عشرة للدباس قد أفضت إلى حنفي آخر، هو أبو الحسن الكرخي (340هـ) الذي ضم إليها (22) قاعدة أخرى، وأصدر المجموع في رسالة عرفت بقواعد الكرخي[5] قام على شرحها والتمثيل لها بالفروع والنظائر حنفي آخر هو أبو حفـــــص نجـــم الدين عمــر النســفي (537هـ) الفقيه المتكلم المعروف.

ولئن بدأ علم القواعد حنفيًّا فقد نما وازدهر على يد فقهاء المذاهب الأخرى؛ إذ تلقى الفقهاء من مختلف المذاهب هذا الفرع النامي في دوحة الفقه بالعناية البالغة، وبخاصة الشافعية منهم، ومن أبرزهم العز بن عبد السلام (660هـ) في قواعده الكبرى والصغرى، وتاج الدين عبد الوهاب السبكي (771) في (القواعد والأشباه والنظائر)، وجمال الدين الإسنوى (772هـ) في خمسة كتب له مهمة، ثم السيوطي في كتابه الشهير الجامع (الأشباه والنظائر في فروع فقه الشافعية).

وكان للمالكية إسهام بالغ الأهمية تمثــل في جهود الإمام القــرافي المصري (684هـ) وبخاصة في كتابيه (الفروق) و(الأحكام) وهو فيهما نسيج وحده، وفي كتاب (القواعد) لأبي عبد الله المقري (758هـ) الذي احتوى 1200 قاعدة مرتبة على أبواب الفقه (وللونشريسي) (914هـ) كتاب (إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك) يضم أكثر من مئة قاعدة، ولا ننسى في هذا الصــدد كتــابي الشاطبي (790هـ) الموافقات، والاعتصام، وما يحتويانه من قواعد.

وعُني فقهاء الحنابلة بعلم القواعد، فكتب ابن رجب (795هـ) كتابه الشهير البارع (القواعد) وبالعنوان نفسه كتب ابن اللحام البعلي (803هـ) ومن بعدهما يوسف بن عبد الهادي المقدسي (909هـ) كتابه (مغنى ذوي الأفهام).

ولم يفُت فقهاء الإمامية الإسهام في هذا الجانب من الإبداع الفقهي، وفي مقدمتهم العلامة الحلي (726هـ) الذي ألف كتابه (القواعد) الذي شرحه ابنه محمد (771هـ) في (إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد) ومنهم الشهيد الأول أمين مكــــــي العاملــي (786هـ) الذي جمع ثلاثمائة قاعدة في كتبه (القواعد والفوائد) وتبعه مقداد بن عبد الله السيوري (826هـ) بالعنوان نفسه.

وفي القرن الرابع عشر الهجري كتب الشيخ آل كاشف الغطاء كتابه (تحرير المجلة) تعليقًا على (مجلة الأحكام العدلية) وكذا السيد ميرزا حسن الموسوي البحتوردي الذي نشر دراسة مستفيضة في سبع مجلدات بعنوان (القواعد الفقهية).

وهكذا ازدهر العلم خارج الدوائر الحنفية التي قلت عنايتها به نسبيًّا وإن لم تنقطــع، حتى إن ابن نجيم المصري (970هـ) جاء في القرن العاشر بكتابه (الأشباه والنظائر) ينسج فيه كما قال على منوال ابن السبكي الشافعي (القواعد والأشباه والنظائر) الذي سبق ذكره، ولكن تتابعت الأعمال بعد ذلك للخادمي (1176هـ) وغيره، حتى توجت بمقدمة المجلة التى تضم تسعًا وتسعين قاعدة شرحها كثيرون منهم ومن غيرهم. ومن أحدث الأعمال الحنفية (شرح القواعد الفقهية) للشيخ أحمد الزرقا (1357هـ) الذي نشره ولده شيخ فقهاء الشام الدكتور مصطفى الزرقا، الذي يعد هو والباحث المصري الدكتور/ جمال الدين عطية من أكثر الناس عناية بعلم القواعد الفقهية في الوقت الحاضر – فيما نعلم -، وكذا الدكتور الشيخ الحصري بكلية الشريعة بالأزهر الذي ألف في هذا الباب أكثر من كتاب.

هذا، وقد لاحظ علماء (القواعد الفقهية) أن ما يقدمونه في بحوثهم الجديدة ليس كله من قبيل (القواعد الكلية) بل هو يضم أحيانًا مجرد (ضوابط) جامعة تحتوي تقسيمًا أو تصنيفًا أو ربطًًا لمسائل باب معين من الأبواب الفقهية في منظومة أو صيغة تعين على تذكره واستحضاره[6]، فسمى بعضهم مؤلفه في هذا الصدد باسم (الأصول والضوابط) كالإمام النووى الشافعي (676هـ) الذي نُشر ببيروت أخيرًا، أو (القواعد والفوائد) للشيخ محمود حمزة مفتي دمشق في عهد السلطان عبد الحميد، الذي يقول عنه الدكتور الزرقا “ولكن القواعد الكلية.. قليلة جدًّا فيه، وجل ما جاء فيه تحت عنوان القواعد إنما هو ضوابط جزئية أو أحكام أساسية في موضوعات خاصة..”[7].

كما لاحظوا أن هذه القواعد لا تطَّرد دائمًا فتنطبق على جميع جزئياتها، بل هي أحكام أغلبية تنطبق على معظم جزئياتها فقط، حتى قال مهذب فروق القرافي نقلًا عن العلامة الأمير “من المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية”[8]، ومن ثم عرفها الدكتور مصطفى الزرقا بأنها “أصول فقهية كلية في نصوص موجزة… تتضمن أحكامًا تشريعية مهمة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها”[9]. ولهذا الاعتبار تولد إلى جانب هذا العلم فنان أو فرعان فِقهيان، هما:

أ- فن الأشباه والنظائر، وهو يجمع الحالات التى تنطبق عليها القاعدة أو يشملها الأصل الفقهي الوارد فيها، كما هو الحال عند السيوطي وابن نجيم وأمثالهما.

ب- فن الفروق، وهو يتتبع الحالات المستثناة المختصة بحكم خاص دون نظائرها لفروق دقيقة أو معانٍ خاصة أثرت في الحكم الذي تستحقه فخرجت على القاعدة واستثنيت منها، كما هو الحال في فروق القرافي وغيره.

على أن الفن بفروعه الجديدة بدا لهم في أثره الواقعي بالغ الجدوى على دارسي الفقه وعلومه حتى قال الزركشي في معرض الكلام عن أقسام علم الفقه: “العاشر: معرفة الضوابط التى تجمع جموعًا والقواعد التي ترد إليها أصولًا وفروعًا، وهذا أنفعها وأعمها، وأكملها وأتمها، وبه يرتقي الفقيه إلى الاستعداد لمراتب الاجتهاد، وهو أصول الفقه على الحقيقية..”[10].

وربما كان كلام الشهاب القرافي أكثر دقة واعتدالًا فيما يتعلق بجدوى هذا العلم وعلاقته بأصول الفقه، إذ يقول “إن الشريعة المحمدية اشتملت على أصول وفروع. وأصولها قسمان:

– أحدهما: المسمى أصول الفقه، وأغلب مباحثه في قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ.. وما يتصل بذلك كالنسخ والترجيح.

– والثاني: هو القواعد الكلية الفقهية. وهذه القواعد لم يُذكر منها شيء في أصول الفقه، وقد يشار إليها هناك على سبيل الإجمال. وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، وتتضح له مناهج الفتوى، ومن أخذ بالفروع الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه تلك الفروع واضطربت، واحتاج إلى حفظ جزئيات لا تتناهي، ومن ضبَط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات..”[11].

لقد أسهم هذا العلم مع ربيبيه الأشباه والفروق، ومعهما علما الخلاف ورد الفروع إلى الأصول وهما منه بسبيل، ومن قبلهما علم أصول الفقه، في تكوين (الملكة الفقهية) التى هي غاية الدرس الفقهي كله، ويسرت هذه العلوم مناهج التناول للأبواب الفقهية المنتشرة المسائل المتعددة الفروع، ومن ثم استمرت العناية بها واتصلت منذ ألف عام كاملة حتى يوم الناس هذا. والحمد الله رب العالمين.

ثانيًا- القواعد الكلامية، محاولات سابقة:

لقد كان، ومازال، يبدو لي غريبًا، أن ينشأ علم (القواعد الفقهية) ويزدهر وينضج غير بعيد من الدراسات الكلامية، وتعجز هذه الأخيرة عن الإفادة منه، وإقامة فرع مماثل (للقواعد الشرعية الاعتقادية) في إطارها. وذلك أن “علم الكلام واحد من العلوم الشرعية الإسلامية، ومن الطبيعي أن يشترك معها أو يتقارب من الناحية المنهجية، سواء في مصادر استمداد الأحكام والأفكار أو في كيفية صياغتها”[12]. بل إن هذا هو ماحدث بالفعل؛ إذ “ارتبط الكلام – في هذه الناحية المنهجية – بعلمي الفقه وأصوله في بداية الأمر، بحيث اعتمد المتكلمون على الفقهاء والأصوليين، واستعاروا منهم – في غالب الأحيان- صيغ الاستدلال وأساليبه، وطرق الجدل وآدابه، وإن كان المتكلمون يعتبرون علمهم رئيس العلوم الشرعية أو العلم الأعلى بينها، الذي تستمد منه سائر العلوم أسسها ومسلماتها، وتحــيل إليه عقدها ومشـــكلاتها”[13].

ومع هذه الوشائج القوية بين الفقه والكلام فإن المتكلمين يفشلون في استعارة هذا العلم الذي أكد وجوده وآتى أكله في إطار الفقه، وأدى إلى نشوء مباحث أو دراسات جديدة ما كان لها أن تظهر لولا تلك المبادرة لأبي طاهر الدباس في خلوته المباركة التى تلقفتها عقول ذكية مبدعة أنتجت منها الكثير الطيب.

ومما يزيد الأمر غرابة أن ينجح الصوفية، وبينهم وبين الفقهاء ما بينهم، في الإفادة من التجربة الفقهية، كما يتمثل ذلك – في تصورى – في الكتاب العظيم (قواعد التصوف) لأبي العباس أحمـــد بن أحمـــد بن محمــد بن زروق الذي يقول في فاتحة كتابه “… وبعد، فالقصد بهذا المختصر وفصوله، تمهيد قواعد التصوف وأصوله، على وجه يجمع بين الشريعة والحقيقة، ويصل الأصول والفقه بالطريقة”[14]. بل إنه ليبدو لي أن (حِكم ابن عطاء الله) تنحو هذا النحو، وتقصد هذا القصد؛ وهو إقامة قواعد شرعية للتصوف على غرار القواعد الفقهية.

على أن حقيقة الأمر أن بعض المتكلمين والفقهاء في الماضي والحاضر فكروا في هذا الأمر، وحاولوا صياغة قواعد اعتقادية وخلفوا لنا تراثًا مهمًّا في هذا الصدد، يمكن أن يسوغ القول الذي أسلفت أن هذا العلم يكاد يكون قائمًا، وإن لم يفردوه علمًا مستقلًا أو فرعًا متميزًا من فروع الدراسات الكلامية. وهو تراث مهم حقًّا لحقته جهود معاصرة. وسأحاول في هذه الفقرة الإشارة إلى نماذج من هذين الجانبين، بما لعله يؤكد المعنى الذي تتضمنه هذه الصفحات، وهو إمكانية قيام علم (القواعد الاعتقادية) فرعًا مستقلًا استقلالًا نسبيًّا عن فروع الدراسات الكلامية، وسأبدأ بنماذج من تراث علم القواعد الفقهية، ثم من التراث الكلامي، ثم من الجهود المعاصرة.

1- لا يكاد يخلو كتاب من كتب (القواعد الفقهية) من قواعد اعتقادية كلامية؛ وذلك بسبب العلاقة الوثيقة بين الفقه والكلام من ناحية، وبين الكلام وأصول الفقه من ناحية أخرى.

أ-وربما كان أوضحها في هذا الشأن كتاب الإمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي (771هـ) صاحب الطبقات، وإن لم ينفرد – رحمه الله – بالاهتمام بالقواعد الكلامية كما ذكر أحد الفضلاء[15]، غير أنه ينفرد بتخصيصه قسمًا من الأقسام السبعة لكتابه في (القواعد الفقهية) لما أسماه (القواعد الكلامية) وأورد فيه خمس قواعد اعتقادية كما يلي:

  • السعادة والشقاوة لا يتبدلان، أو الاعتبار في الأعمال بالخواتيم خلافًا للمعتزلة.
  • الحل والحرمة والطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية ليست من صفات الأعيان، إنما هي صفات حكيمة من اعتبار الشارع.
  • العلة تسبق المعلول زمانًا عند البعض، وتقارنه عند آخرين.
  • المشار إليه (بأنا) الهيكل المخصوص؛ ويعنى به هذا البدن المتقوم بالروح حقيقة الإنسان.
  • وصف الحسن والقبح شرعي لا عقلي خلافًا للمعتزلة[16].

ثم أتبعها – رحمه الله – بالفروع الفقهية المندرجة فيها، وتلك لعمري محاولة رائدة لتقديم صياغة محكمة لطائفة من القواعد الاعتقادية أو الكلامية مع شرحها – وإن كان شرحًا ينحو منحي فقهيًّا – مما يؤسس للفرع الجديد الذي ندعو إليه.

ب- وممن عنوا بإيراد بعض القواعد الاعتقادية في أثناء كتبهم في (القواعد الفقهية) نظرًا لكونها مشتركة بين النوعـين: الإمام شهـاب الدين القرافي (684) صاحب الفروق والأحكام، ومن أمثلة ذلك ما أورده في الكتاب الأخير إجابة عن السؤال السابع والثلاثين بشأن ما يقلد فيه العلماء وما لا يقلدون فيه، فأوضح أن “التقليد لا يجوز في الأحكام الاعتقادية” “فإن الشرع طلب منا العلم بما يجب له – سبحانه وتعالى – وما يستحيل وما يجوز”[17] وهذا مجرد مثال، ومن تتبع كتاب (الفروق) له يجد الكثير من هذا الباب.

ج- ومنهم الإمام عز الدين بن عبد السلام القاسمي الشافعي (660هـ)، وسأشير – مجرد إشارة هنا – إلى ما تضمنته (القواعد الصغرى) له من قواعد مرتبطة بالمسائل الكلامية؛ فمن ذلك الفصل الخاص (ببيان مصالح الدارين) الذي يختمه بقوله: “لا تقع مصالح الآخرة ومفاسدها إلا في الدنيا، إلا الشفاعة، ولا قطع بحصول مصالح الآخرة ومفاسدها إلا بالشرع، وتعرف مصالح الدنيا ومفاســدها بالتجارب والعادات”[18]. ومن ذلك ما ذكره بشأن أنــواع الحقوق الواجبة على العبد[19]، وما لا يتعلق به الطلب والتكليف من المصالح والمفاسد وإنما يتعلق الطلب والتكليف بآثار بعضه[20]، وما يترك من المفاسد إذا تعلقت به مصلحة إباحة أو ندب أو إيجاب حيث ذكر منها “الكفر القولي والفعلي يباحان بالإكراه مع طمأنينة القلب بالإيمان”[21].

د- ومنهم الإمام النووي يحيي بن شرف (676هـ) في كتابه (الأصول والضوابط) الذي افتتحه بقاعدة في (القدر): “مذهب أهل الحق الإيمان بالقدر وإثباته، وأن جميع الكائنات خيرها وشرها بقضاء الله – تعالى – وقدره، وهو مريد لها كلها، ويكره المعاصي مع أنه مريد لها؛ لحكمة يعلمها – سبحانه وتعالى –”[22].

وهو ينبه أن الكتاب – على إيجازه – أوسع مجالًا من (القواعد الفقهية)؛ إذ يقول: “أما بعد، فهذه قواعد وضوابط، وأصول مهمات، ومقاصد مطلوبات، يحتاج إليها طالب المذهب، بل طالب العلوم مطلقًا”[23].

ه- ولا أنسى في سياق هذه النماذج كتاب الإمام الشهيد محمد بن أحمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي (ولد عام 693هـ) (قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية) الذي افتتحه بأبواب عشرة “فيما يجب في الاعتقادات من أصول الديانة”[24]، وختمه بسبعة عشر بابًا في التصوف[25].

و- كما لا أنسى أيضًا كتاب الشيخ أبي العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن زروق (قواعد التصوف) – الذي سلفت الإشارة إليه -، وهو بحكم وحدة الموضوع أو تقاربه بين التصوف والكلام يحوي الكثير من القواعد الاعتقادية مما قد يظهر أثره في الفقرة الأخيرة من هذا البحث بإذن الله.

2- أما التراث الكلامي في مجال (القواعد الاعتقادية) فزاخر مستفيض، وسأكتفى منه بمثالين في هذا المقام؛ لأن هذا التراث هو المصدر الأصيل لعلم (القواعد الاعتقادية) في حال قيامه بطبيعة الحال، وهما أعمال كل من شيخ الإســلام أحمـد بن عبد الحليم بن تيمية (728هـ) والعلامة اليمني النظار محمد ابن إبراهيم الوزير (840 هـ).

أ- فأما الأول فقد رأيت – برغم عنايتي بآثاره ومؤلفاته – أن أحيل قارئ هذا البحث إلى عمل مهم أنجزه الشيخ عبد الرحمــــن بن ناصــر آل سعـــدى (1376هـ) بعنوان (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد المنوعة والضوابط والأصول)؛ فهو قد تتبع أعمال الشيخ – إلا ما فاته منها ككتاب الاستقامة الذي نشر بعد صدور كتابه – وكذا النشرة الكاملة من (درء تعارض العقل والنقل) واستخلص منها قواعد جامعة (في أصول الدين، وفي أصول الفقه، والتفسير، والحديث، وفي أصول الأخلاق والمناظرات)[26] وهو ينبه إلى أن كتابه يضم “ما يزيد على الألف ما بين أصل، وقاعدة، وضابط، وكلام جامع”[27] والكثير منها إن لم يكن أكثرها هو من (القواعد الاعتقادية). وأحسب أنه خير ما كتب في هذا الباب، فهو يقرب تراث الشيخ من هذه الزاوية زاوية (القواعد والضوابط والأصول) بصفة عامة في الأحكام الاعتقادية بخاصة.

ب- وأما الآخر فهي أعمال الشيخ ابن الوزير، وبخاصة كتابه الكبير الذي نشر أخيرًا وهو (العواصم والقواصم) الذي سبق نشره موجزًا بعنوان (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم). وكتاب (العواصم والقواصم) يشبه أن يكون مؤلفًا في (القواعد الاعتقادية) ومؤلِفه يقول فيه مشيرًا إلى سبب تأليفه “جاءتني رسالة محبرة واعتراضات محررة.. فرأيت ما يخصني غير جدير بصرف العناية إليه.. وأما ما يختص بالقواعد الإسلامية التي أجمعت على صحتها العترة الزكية مثل تصحيح الرجوع إلى الآيات القرآنية، والأخبار النبوية، والآثار الصحابية، ونحو ذلك من القواعد الأصولية.. فتعرضت لجواب ما اشتملت عليه من نقض تلك القواعد الكبار التى قال بها الجلة من الأئمة الأخيار.. وقد قصدت وجه الله في الذب عن السنن النبوية والقواعد الدينية”[28].

وهذا الكتاب مع كتاب ابن الوزير الآخر (إيثار الحق على الخلق) من خير المصادر لأبحاث (القواعد الاعتقادية) وربما أوردت في الفقرة الأخيرة بعض ما حواه كتاب العواصم.. بإذن الله.

3- أما عن الجهود المعاصرة في محاولة صياغة (القواعد الاعتقادية) والكتابة عنها والإحساس بالحاجة إلى استكمالها لبنة في صرح الدراسات الكلامية، فسأذكر منها بعض الأعمال على سبيل المثال، من تلك التى صدرت في مصر والمملكة العربية السعودية مما تيسر لي الاطلاع عليه:

أ- ففي المملكة السعودية سبقت لي الإشارة إلى العمل الهام والرائد في هذا الصدد للشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي (طريق الوصول) وللمؤلف نفسه كتاب بعنوان (القواعد والأصول الجامعة) نشر بمصر أيضًا، يضم ستين قاعدة، وقسمًا آخر للفروق بين المسائل المشتبهات، وهو لا يخلو من مسائل اعتقادية، وإن غلبت عليه القواعد الفقهية.

ب- وهناك عملان آخران، يبدو من كل منهما أنه قدم لنيل درجة جامعية، أولهما للأستاذ عثمان على حسن بعنوان: (منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال على مسائل الاعتقاد) مع عنوان جانبي (قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد) حصل به على درجة (الماجستير)، والعمل الآخر للدكتور إبراهيم بن محمد بن عبد الله البريكان بعنوان (القواعد الكلية للأسماء والصفات عند السلف) حصل به على درجة الدكتوراه، وكلاهما منشور في الرياض.

ولا ينكر أنهما من الأعمال القليلة المتخصصة في ميدان (القواعد الاعتقادية) على مستوى البحث الجامعي، كما أنهما حاولا صياغة القواعد نفسها على نحو موجز، وتناولها بمنهج متقارب، وبيان تطبيقاتها وما يترتب عليها من أحكام. وإن كان من الملاحظ على كل منهما التشدد المذهبي والتعنت مع المخالفين، والإلحاح على مسائل الخلاف بين الفرق الكلامية كالصفات ونحوها.

وقد يمتاز الأول بدقة الصياغة اللفظية للقواعد نوعًا ما، واتباع منهج لا بأس به من الناحية الشكلية، ولكن مستوى التحليل قريب الغور، بينما يتميز الثاني بعمق التحليل واستيعابه بالنسبة إلى الأول. هذا فضلًا عن أن الأول حصر القواعد في عشر زعم أنها تميز السلف من أهل السنة والجماعة، مع أن أكثرها يشترك فيها الخلف أيضًا، كما أن بعضها – كالقاعدتين السابعة والثامنة – ربما كان موضع نظر[29]، ولكنهما -على كل حال- من الخطوات الجديرة بالتشجيع والنقد على درب تأسيس هذا الفن الجديد.

ج- أما العملان اللذان صدرا في القاهرة فأولهما لأحد كبار رجال القضاء والبحث الشرعي وهو الدكتور محمد زكي عبد البر بعنوان (تقنين أصول الفقه) وصاغه في مواد محررة موجزة، وعقب عليه بالشرح على طريقة القانونيين المعاصرين، والمواد المشتركة فيه بين القواعد الفقهية العلمية والقواعد الاعتقادية الشرعية، كلها تصلح مواد للفن المقترح قيامه، وتمتاز بأسلوب في الصياغة دقيق ومحكم[30].

والآخر هو (قانون الفكر الإسلامي) الذي أصدره الدكتور محمد عبد المنعم القيعــي رئيس قسـم التفسير (سابقًا) بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة في مطلع الثمانينات، وهو في رأيي أهم الأعمال وأوضحها على درب تأسيس علم (القواعد الاعتقادية)، لولا أنه – رحمه الله – قصد به أن يلخـــص القواعـــد الأساســــية – وبخاصة المنهجية – في جميع ميادين الفكر الإسلامي، فانتشرت القواعد عليه واتسع مجالها. كما أنه لفرط ثقته في نفسه وجهده لا يكاد يستدل على ما يقرره من مبادئ وأحكام، وقلما يحيل على مصادره أو مراجعه، كما أن علم أصول الفقه غلب على العمل كله باعتباره منهجًا للتفكير في المسائل الشرعية كلها، على أن المجموعة الكلامية – وهي التى تهمنا من هذا العمل الجاد – تبلغ أربعًا وثمانين مادة قسمها – رحمه الله – إلى خمسة أقسام:

أولها: في الفلسفة الكلامية على حد تعبيره، ويشمل المواد من 36 حتى 71، وهو فيها يلخص مقررات علم الكلام المتأخر الممزوج ببعض البحوث الفلسفية، فيما يعرف في تقسيمات علم الكلام (الأمور العامة) بما في ذلك المسائل المنهجية.

أما القسم الثاني ففي الإلهيات، الله وصفاته وأفعاله، وهو يمزج فيه روحًا سلفية بروح أشعرية مع تحرر مذهبي يقترب به أحيانًا من آراء المعتزلة كرأيه في الحسن والقبح مثلًا[31]. ويختص المواد من 72 إلى 99.

والقسم الثالث يتناول النبوات في المواد من 100 إلى 109.

يأتى بعده الرابع في الحياة الآخرة من 110 إلى 113.

ويختم المجموعة الكلامية بما أسماه ملحقات علم الكلام في المواد من 114 إلى 119، تناول فيها بعض ما يعرف في علم الكلام بالأسماء والأحكام، مع عرض سريع معتدل لأسس التصوف هو أدنى إلى التفهــم المتعــاطف منه إلى أي شيء آخر[32].

إن هذا العمل في تقديري أشمل وأبرع إنتاج فكري معاصر في ميدان القواعد الاعتقادية والمنهجية بوجه عام، وإن اتسم بطابع شخصي واضح في الرأي والتناول والصياغة جميعًا[33].

هذا، وربما سمح لنا أن نختم هذه الفقرة بأن الدواعي التى تدعو إلى تطوير الجهود المذكورة وأمثالها إلى فن مستقل للقواعد الاعتقادية أسوة بالقواعد الفقهية تتمثل في أمور منها:

1- تحريك الدراسات الكلامية بإيجاد ميادين جديدة للبحث، وصيغ للتناول غير تقليدية.

2- دعم الملكة الكلامية التى تعين على صقل شخصية المفكر المعاصر في المسائل الاعتقادية من وجهة النظر الشرعية والعقلية معًا.

3- الإسهام في تنمية روح التسامح والاعتدال والإنصاف في الدراسات الكلامية.

4- إحياء الدراسات البينية التى تهدف إلى إعادة التضامن المعرفي بعد تشتت ميادين البحث المتخصصة، فالفرع الجديد سيربط بين مجالات الفقه وأصوله، والكلام، ودراسات الكتاب والسنة، فضلًا عن متطلبات الصياغة اللغوية.

5- الانتفاع بالتجربة الفقهية في ميدان القواعد أملًا في تحقيق الثمار الطيبة التى جناها الفقهاء في هذا المجال.

6- التطلع إلى تحقيق دوافع جديدة للحيوية والتجدد في مجال علومنا التراثية، بإنشاء فروع جديدة للبحث والدرس بعد أن توقف ذلك أمدًا طويلًا.

في الفقرة الأخيرة التالية نود أن نقدم نموذجًا لمجموعة من (القواعد الاعتقادية) تأكيدًا لإمكان قيام هذا الفن في إطار الدرس الكلامي، كما حدث في مجال العلوم الفقهية، غير أننا لا نملك نظرًا لطبيعة هذا البحث وظروف إعداده أن نقدمها في الصورة التى نطمح إليها من حيث منهجية الصياغة والعرض والاستدلال والشرح، كما أننا لا نملك مكنة تصنيف هذه المجموعة على نحو دقيق، سواء من حيث الجوانب التي تتناولها من الدرس الكلامي، أو من حيث مستويات هذه القواعد، مذهبية تخص فريقًا أو مدرسة فكرية معينة، أو إجماعية يتفق فيها جميع المسلمين، أو أعم من ذلك تلتقي عليها كل الأديان المنزلة مثلًا؛ فإن كل هذه المحاولات في التصنيف والعرض أحرى بها أن تأخذ حقها من التأمل وحظها من الوقت، وما يقدر لها من جهود الباحثين ذوي الكفاءات المتنوعة والأساليب المتفاوتة، كما هو الشأن في نمو الأفرع الجديدة من البحث والنظر واكتمالها التدريجي.

ومن ثم، فسنقنع هنا بإيراد هذه المجموعة المحدودة على النحو الذي اتفق لنا الآن، آملين أن يستمر البحث على هذا الدرب إذا رأى المهتمون به والمتخصصون جدوى هذا الاستمرار وبالله التوفيق:

أ – من القواعد المهنجية:

1- أسباب العلم للخلق ثلاثة: الحواس السليمة، والخبر الصادق، والعقل.

2- الإلهام يعمل به في حق الملهم، وليس بحجة في حق الغير، ولا يجوز أن يدعو غيره إليه (محمد زكي عبد البر: تقنين أصول الفقه).

3- تأويل النصوص الشرعية يستلزم: اتباع قانون العربية، وجمع النصوص المتعلقة بموضوع النظر، وأهلية القائم بالتأويل (ابن رشد: فصل المقال ص 23) (والغزالي: فصل التفرقة بين الإسلام والزندقة).

4- من اجتهد في طلب الحق، فعجز عنه فلا يعاقب. وخطؤه الذي غفل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له (ابن تيمية في كتابه معارج الوصول. ط القاهرة ص 35).

5- الاعتقاد بأن الفِرق الاثنين والسبعين هالكة والفرقة الناجية واحدة لا يستند إلى نص صحيح، وقد حقق المحدثون أنه لم يصح في هذا الباب شيء (العواصم والقواصم لابن الوزير، 1 /186).

ب- في صفات الله وأفعاله -تعالى:

6- القول في الصفات كالقول في الذات؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} (الشورى: 11). (عبد الرحمن آل سعدي: طريق الوصول، ص 6).

7- إدراك الحكمة في أفعاله – تعالى – ممكن، وقد يجب كفاية، ولا يجب على الأعيان، وإدراك الحكمة على وجهي الجملة والتفصيل متعذر بالنسبة لجميع الخلق. (العواصم والقواصم 1 / 185).

8 – كل كمال ثابت لله – تعالى – إجمالًا، ونثبت على وجه التفصيل ما ثبت بالدليل الشرعي، وأدلة ذلك ظاهرة عقلًا ونقلًا.

جـ – في أفعال العباد:

9- ما خرج عن طاقة العبد من المطلوبات ساقط الوجوب، وما اضطر إليه العبد من الممنوعات غير محظور بقدر الضرورة (عن ابن تيمية كما نقل صاحب (طريق الوصول) ص 112).

10- اتفق على أن التكليف بغير الطاقة غير ممكن فعلًا ولا واقع شرعًا، فلا محل للبحث في إمكانه عقلًا.

11- العلم النافع هو الإيمان، والعمل الصالح هو الإسلام، هذا تصديق الرسول فيما أخبر، وهذا طاعته فيما أمر.. والأول أشرف، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا {قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (ابن تيمية: معارج الوصول، ص 17).

12- اجتناب الكبائر يكفر الصغائر بالإجماع. ولا يعتد بخلاف الخوارج المنقرضة (ابن الوزير: العواصم 9/ 104).

13- لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار للأدلة الدالة على ذلك شرعًا (السابق 9 /176).

د ـ في أمور الآخرة:

14- الجزاء الأخروي ثابت قطعًا عقلًا وشرعًا. وجمهور الأمة متفق على خلود الجنة والنار، وخالف في ذلك جهم بن صفوان في المتقدمين وبعض العلماء والصوفية من المتأخرين. (كشف الأستار للصنعاني اليمني – ط المكتب الإسلامي، بيروت).

15- قصارى العقل في أمور الغيب، ومنها أحوال ما بعد الموت، أن يثبت إمكانها، أما وقوعها فلابد فيه من دليل شرعي ثابت (ِشرح العقائد النسفية والعواصم 9 / 181).

16- قول المرجئة: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، بدعة فاسدة (العواصم 9 / 4 – 10).

17- أصول العقيدة من الإيمان بالله وكمالاته، وبالأنبياء كافة، وبالآخرة والجزاء، من الأحكام الاعتقادية التى لا تقبل النسخ، ولا تختلف فيها الشرائع بصريح القرآن {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (سورة الشورى، آية 13).

ه – أمور تكميلية:

18- ليست الإمامة من أصول الدين عند أهل السنة، وإنما هي مسألة شرعية عملية ألحقت بعلم الكلام لأسباب تاريخية (تتفق في ذلك كل كتب الكلام السنية).

19- ليست المفاضلة بين الصحابة من أصول الدين، ولا هي مما أجمع عليه السلف، والواجب احترامهم جميعًا، وعدم الخوض فيما وقع بينهم من خلاف. (ينظر مجموع الفتاوي لابن تيمية ومنهاج السنة له أيضًا).

20- الكرامة للأولياء ثابتة بالكتاب والسنة، وهي خارق للعادة يظهره الله – تعالى – على يد مسلم تقي {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة} [يونس: 62-64] (طريق الوصول- مرجع سابق، 106).

21- الصوفية بنوا أمرهم على الإرادة، ولابد منها، بشرط أن تكون إرادة عبادة الله وحد بما أمر.

والمتكلمون بنوا أمرهم على النظر المقتضى للعلم، ولابد منه، لكن بشرط أن يكون علمًا بما أخبر به الرسول.

ومن طلب علمًا بلا إرادة، أو إرادة بلا علم فهو ضال، ومن طلب هذين بدون اتباع الرســول فيهما فهو ضال (معارج الوصول لابن تيمية ص 18) وهذه خاتمة المقال، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

الكلمات الدالة:

النظريات الفقهية، العقيدة الإسلامية، القواعد الفقهية، العقائد الإسلامية، القواعد والنظريات الفقهية، علم الكلام.

* بحث ألقي في مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1996.

** مدير الجامعة الإسلامية بباكستان وأستاذ دار العلوم بجامعة القاهرة.

[1] الكفوي: الكليات ص 728 بتصرف قليل. مؤسسة الرسالة، ط2، 1993.

[2] السابق ص690.

[3] جمال الدين عطية: التنظير الفقهي، ط أولى، سنة 1987، ص 52.

[4] انظر: مصطفى الزرقا: المدخل الفقهي العام، جـ1 م2، ص 953، ط دمشق سنة 1968.

[5] نشرت بمصر ملحقة بكتاب عبيد الله بن عمر الدبوسي الحنفي (تأسيس النظر) انظر ص 110 وما بعدها، نشر زكريا على يوسف، مطبعة الإمام بالقاهرة، د. ت.

[6] انظر جمال الدين عطية: التنظير- مرجع سابق 69 _ 76.

[7] مصطفى الزرقا: المدخل جـ1 م2 ص 958.

[8] السابق 948.

[9] السابق 947.

[10] الزركشي: المنثور في القواعد، ط 2 الكويت 1985، 1/ 71.

[11] مصطفى الزرقا: المدخل 949 – 950.

[12] حسن الشافعي: المدخل إلى دراسة علم الكلام، ط 2، مكتبة وهبة بالقاهرة سنة 1991م ص 134.

[13] السابق 174.

[14] أبو العباس أحمد بن زروق: قواعد التصوف، ط القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ب.  د..

[15] انظر: جمال الدين عطية: التنظير: مرجع سابق: ص 107.

[16] المرجع السابق: وقد نقلناه عنه لأن الأصل ما زال مخطوطًا لم ينشر.

[17] القرافي: الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، نشر المكتب الثقافي بالقاهرة، سنة 1989، بتحقيق الشيخ أبي بكر عبد الرازق، ص 98.

[18] عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام: الفوائد في اختصار المقاصد، المسمى بالقواعد الصغرى، ط أولى بالقاهرة 1988م، ص 44.

[19] السابق 54.

[20] السابق 65- 66.

[21] السابق 61.

[22] النووي: الأصول والضوابط، تحقيق د. محمد حسن هتيو، بيروت 1986، ط أولى ص 23.

[23] السابق 21.

[24] انظر محمد بن أحمد بن جزي: قوانين الأحكام الشرعية، ط القاهرة بتحقيق الشيخ عبد الرحمن حسن محمود، ط الأولى، عام 1985، ص 5 _ 17.

[25] السابق 464 – 506.

[26] عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي: طريق الوصول إلى العلم المأمول، ص 5، ط أولى، القاهرة.

[27] السابق: الصفحة نفسها.

[28] محمد بن إبراهيم الوزير اليماني: العواصم والقواصم، بتحقيق شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة، ط أولى 1992م. 9/ 322 – 323.

[29] انظر: عثمان على حسن: منهج أهل السنة والجماعة، دار الوطن بالرياض، بدون تاريخ، ص85-127، وقارن د. إبراهيم بن محمد البريكان: القواعد الكلية للأسماء والصفات، دار الهجرة بالرياض ط. أولى سنة 1994م، ص101 وما بعدها.

[30] محمد زكي عبد البر: تقنين أصول الفقه، مكتبة التراث بالقاهرة سنة 1989، ط أولى _ انظر كلامه عن (الإلهام) ص 95 _ 96.

[31] انظر محمد عبد المنعم القيعي: قانون الفكر الإسلامي، ط أولى القاهرة، 1981، ص 39.

[32] السابق 54 – 58.

[33] انظر مثلا الفصل الختامي في المرجع السابق، ص 201 _ 204.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر