أن تاريخ النظريات الاقتصادية لا يختلط بالتاريخ الاقتصادي بالرغم من ارتباطه به ارتباطا وثيقاً. كما أن تاريخ النظريات النقدية لا يمكن خلطه بتاريخ النقود الذي يؤثر على جزء كبير منه. فالنظريات التي تخلق بالضرورة انطلاقا من الواقع تعبر عنه أو تتفوق عليه أو تتطلع إلى سبل جديدة وأحياناً تنجح في أن توجهه إليها.
والتاريخ النقدي للإسلام في القرون الوسطى هو شيء معروف في مجمله لنا. وذلك استنادا إلى النصوص والدراسات المسكوكية وأن لم يتم الكشف عنه تماماً… وهناك مؤلفات عديدة تثبت ذلك… أما في مجال النظريات النقدية فنجد أننا لا نستطيع الإدلاء بمثل هذا القول. فبخلاف بعض الدراسات القانونية الجادة بشأن عمليات الربا والربح (1)، لا نجد هناك ألا بعض الأفكار العامة التي نوقشت بإيجاز… ومن حين لآخر نجد أن اهتمام الباحثين يتجه إلى بعض الفقرات الهامة التي تشرح مصدر ووظائف النقود الذهبية والفضية.
فمن الغزالي (القرن الحادي عشر) إلى ابن خلدون (القرن الرابع عشر) مروراً بأبي الفضل الدمشقي (القرن الثاني عشر) نجد مختلف الملاحظات حول أسباب اختيار هذه المعادن النفيسة وحول دورها كمقياس للقيم ووسيلة للمبادلات…
ولم يكن من الصعب بالنسبة للباحثين اكتشاف تأثير التفكير اليوناني القديم على هذه الملاحظات.. وقد يكون من المفيد في غير ذلك أن نبحث عن الخلافات بين أصحاب النظريات المسلمين، وهذه الخلافات تنتج عن وظائفهم الأولى.
فالكاتب الأخلاقي أو الاقتصادي الفني أو عالم الاجتماع.. هؤلاء لا يتفقون في نظرتهم للأشياء دائما. فعلى سبيل المثال (2) نرى أن الغزالي لا يعطى للنقود صفة المحافظة على الثروات أو ادخار القوة الشرائية التي يعترف لها بها ابن خلدون (3).. وذلك بتأثير التعاليم الدينية التي تحارب الاكتناز (انظر القرآن، آل عمران الآية 14، والتوبة الآية 34).
ويعلن أن العملات الفضية والذهبية خلقت للتداول… ووفقاً لما نادى به أرسطو فأنه ينفي أنه يمكن اقتناؤها لذاتها وأن هذه العملات تستخدم لغرض آخر غير المبادلات وكمقياس مشترك للقيم… ونجد أنه من الأصلح في بحثنا عن المصادر الأدبية، الرجوع إلى حقبة أقدم من الزمان.. وفي هذا نجد مؤلفا هاما لمسكويه يجب علينا ذكره وهو مؤلف صواميل (Sawamil) (الذي كتب ولا شك حوالي عام 1980) رقم 162 (4).
وهنا نرى أنه/ مؤيداً للكفر اليوناني/ يعلن قبل أبى الفضل الدمشقي (5) أن الحياة في مجتمع وتقسيم العمل، قد خلقا الحاجة إلى أشياء مجزية يمكن استخدامها بدورها لإثابة أعمال أخرى، وتكون لها صفة القبول الأكيد، ولا مفر من أن تكون لهذه الأشياء صفة الندرة.. ونجد أن الذهب بما له من صفة الثبات والقدرة على الانصهار، قد أحتل المكانة الأولى بالنسبة لكل المنتجات الأخرى. ويضيف أن الفضة هي البديل أو الاحتياطي “خليفة، نائب” وذلك بسبب قابليتها للقسمة وهو شيء ضروري. كما أنه يؤكد أن قيمة الذهب تساوى عشرة أضعاف قيمة الفضة، ويفسر هذا تفسيراً غريباً إذ يقول “لأن عشر هى الحد الأقصى للآحاد” (نهاية الآحاد)…
ولكن غرضنا هنا ليس بالتأكيد البحث عن مؤلفات المفكرين والفلاسفة لمواجهة نظريتهم للنقود.. بل أننا نريد الرجوع إلى الأدب القانوني وعلى الأقل بعض المؤلفات الهامة حتى عام 1200 وبصفة استثنائية حتى منتصف القرن الثالث عشر.. أى حوالي خمسمائة عام بين مجرد الإحساس الأول بالمفهوم والصياغات التقليدية الدقيقة.. فكيف الرجوع إليه وبأي حدود؟
وفي الغالب سيكون موضوع بحثنا الملاحظات التي تصاحب الحلول والأحكام أو الأسباب المعلنة لها أكثر من الحلول ذاتها..
وهى التبريرات التي تأتى لاحقة لها والتي تتضاعف في شكل معارضات جدلية بين الأساتذة… ولكن ذلك لا يهمنا. ..
أن هدفنا لن يكون تحديد أصول القواعد أو أسسها – ولن يكون أيضاً تحديد درجة تطبيقها الفعلي. بل أن الهدف هو استخراج وإعادة تجميع المفاهيم النقدية بقدر المستطاع. تلك المفاهيم التي هي سبب أو نتيجة أو عارضة مصاحبة لتلك القواعد.
ومن الطبيعي أن تكون نواة المؤلفات التي يجب علينا الرجوع إليها في هذا الصدد هي المؤلفات أو الفصول التي تهتم بالقرارات القانونية التي تلعب فيها النقود دوراً هاماً..
ومثال ذلك قبل كل شيء عمليات الصرف والمبادلات والمعاملات الأخرى سواء كانت نقدية ككل أو في جزء منها، والتي عنى المشرعون بشأنها لإبعاد صفة الربا أو الفائدة التي يدينها القرآن بشدة… ويعد تطبيقهم لهذا النهي تطبيقاً دقيقاً راسخاً ويذهب إلى أدق التفاصيل (حتى إذا كانوا قد قبلوا على مر العصور اللجوء إلى بعض التوفيق).
وقد زادوا من وقتها في تشريعاتهم عن طريق الإلغاء الجذري للغرر Alea.. وفيما عدا ذلك فنهاك مجالات أخرى للقانون الإسلامي، لا يجيب تجاهلها في هذا الصدد… ونعني بذلك وبصفة رئيسية الضرائب الدينية أو ما يسمى “بالزكاة” و”الصداق” في الزواج والقانون الجزائي الذي يختص “بالدية” و”بالسرقة”.
وتظهر المفاهيم النقدية من هذه الزوايا المختلفة. ونحاول في الصفحات التالية إبراز إلى أي حد يمكن أن يكون هذا التقارب مفيداً…
ومثل كل الأشياء النافعة نجد أن الذهب والفضة قد خلقهما الله لحسن الحظ ليكونا في خدمة الإنسان… ولكن على الإنسان ألا يسئ استعمالهما..
ولا يهمنا بهذا الصدد التحديدات التي تضعها الأخلاق الإسلامية بشأن هذين المعدنين حينما لا تدخل تلك التحديدات في الإطار القانوني النقدي.
ومن ناحية أخرى يهمنا أن ننوه بأن هذين المعدنين النفيسين هما المكونان الأصليان للنقود الإسلامية. ويقال الناقدان دون تحديد أيهما.. فسك النقود بمعناه الخالص، له معناه وأهميته… وبالإضافة إلى ذلك فأنه بينما يكون للذهب والفضة استخدامات أخرى، إلا أنهما ينفردان بصفة العملة وحدهما.. ومن ناحية أخرى نجد بين المعدنين فرقا في القيمة يبدو ظاهراً باستمرار.. وبناء على ما تقدم سوف ندرس – بالتتابع – عند رجال القانون (الفقه) في الإسلام ما يلي:
أولاً: نوعية النقود الذهبية أو الفضية بالنسبة للمعدن النفيس غير النقدي.
ثانياً: علاقة النقود الذهبية بالنقود الفضية.
ثالثاً: الغرر النقدي aloi monetaire والإلتجاء إلى النقود المعدنية غير الذهب أو الفضة…
أولاً: الواقع أن التفرقة بين القطع المسكوكة والذهب والفضة غير النقديين هى غير واضحة عند رجال الفقه في الإسلام.. فالمعدن النفيس الخام سواء قطع صغيرة أو سبائك لا يتمتع في الغالب بصفات قانونية واضحة مثل “الدينار” و”الدرهم” وهى بالترتيب تطلق على الذهب والفضة النقدية.. وهذا ما يشرحه المزنى Mazani (القرن التاسع)، وهو تلميذ للإمام الشافعي:
“للذهب والفضة النقدية نفس المعنى الذي للذهب والفضة وغير النقدية”. (6).
وكان لعادة وزن القطع بدلاً من الاعتماد على علامتها نتيجة تمثلت في الإحساس بأن التفرقة بين النقود بمعناها الخالص والمعدنين النفيسين تكاد تكون معدومة أو غير كاملة…
وحتى لا نحمل هذه الدراسة أكثر مما تحتمل، سوف نترك جانباً حالة المصوغات وذلك رغم أهميتها النظرية وبخاصة عند عدم الاعتراف بالعمل.
ونجد انعدام التفرقة بين المعدن النفيس النقدي وغير النقدي واضحاً وبخاصة في المبادئ العامة التي تحكم عمليات الربا…
وتتفق مدارس الفقه على قائمة دنيا – قابلة للمدّ عند البعض ومحددة عند البعض الآخر – وتضم هذه القائمة ستة عناصر للربا وهى الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر والملح..
وينهى الفقهاء عن التفاضل والتباطؤ delai في المعاملات التي تختص بعنصر واحد… فالكميات يجب أن تكون متطابقة والامتلاك فوريا لكل من الطرفين… وينهون عن التباطؤ فقط في حالة تبادل نوعين من هذه العناصر عندما تكون لهما نفس الدرجة.. وتختلف هذه الأحكام بالنسبة للعناصر الأخرى ولكنها لا تختلف بالنسبة للذهب والفضة..
فيتفق الفقهاء على المطالبة بأن يكون التبادل بين هذين المعدنين فوراً..
ويجب التأكيد هنا على أن هذه القواعد العامة تنطبق بنفس الطريقة على الدنانير وسبائك الذهب كما تنطبق على الدراهم وسبائك الفضة.
وهكذا فأن تعبير “الصرف” يطلق على التبادل بين النوعين سواء كانت في صورة عملة نقدية أم لا.. ويطلق على الذهب والفضة تعبير “أصول الأثمان” أو “أثمان” أو “قيم الأشياء”.. ولصفتهما الأساسية كأثمان أو لثمنيتهما نجد أن فقهاء المذهبين المالكي والشافعي يوضحون أصل وجود هذين المعدنين في قائمة عناصر الربا.. وتوضح هذه الصفة “العلة” في ذلك.. أما فقهاء المذهب الحنفي فيرجعون طابع هذين المعدنين الربوى إلى صفة “الوزن” pesage فيهما.. ولكن هذا يمنعهم من النظر إلى الذهب والفضة كأثمان وقيم للأشياء.. بل يطلقون عليهما لفظ “الأثمان المطلقة” (7) Prix absolus
ولنقف لحظة عند مناقشة السبب أو المعيار الشرعي لإطلاق الصفة الربوية على هذين المعدنين النفيسين…
يسوق فقهاء المذهبين المالكي والشافعي حجة أخرى تتمثل في شرعية السلم (salam) Liceite de la vente a livrer مقابل الذهب أو الفضة على معان أخرى أو مواد أخرى تباع بالوزن.. فليس هناك ربا في هذه الأصناف، مما يقصر العلة على المعدنين النفيسين.. فهى تكمن في “ثمنيتهما”..
وتحديد العلة لا يتبعه بالضرورة امتداد عن طريق القياس.
وهناك حجة شافعية مكملة لذلك وهى أن الشرط المزدوج للمساواة والتواقت الذي وصفه الفقه الإسلامي لبيع غذاء مقابل غذاء آخر من نفس النوع هو في الحقيقة وسيلة شرعية للنهى عن إجراء مثل هذا البيع لحرمته.. ونفس الشيء بالنسبة للذهب والفضة وهما “أثمان للأشياء تساعد على الحفاظ على منافع الحياة” وتستحق بذلك الاحترام مثل الغذاء… (8).
ويمكن أن نعتبر هذه الخلفية خلفية تقديسية وحيوية، لصالح هذين المعدنين النفيسين.
وهذا شيء مثير للاهتمام.. فلم نكد نتوقع رؤية مثل هذه المبادئ عند أساتذة الفقه الإسلامي الراشدين..
ويسلّم فقهاء المذهب الحنفي أيضاً بأن الذهب والفضة بما لهما من صفة النقود هما “حياة الأموال”. كما أن مواد الغذاء هى “حياة النفوس”، ولكنهم يعطون تفسيراً موسعاً للمسلمات المقدسة.. فالمعادن ومواد الغذاء التي تم الاتفاق عليها كعناصر للربا هي بالنسبة إليهم مجرد أمثلة نموذجية يمكن التوسع فيها للقضاء على الربا.
وبالنسبة للمعاد فأن صفة الوزن فيها تكفي لتحديد الربا عن طريق التباطؤ، بينما الوزن المصاحب لنفس الجنس يحدد بالزيادة الربا عن طريق عدم التكافؤ. (9)
ويرفض الظاهريون بما عرف عنهم من تمسّكهم والتزامهم الشديد هذا التمييز والتوسعات التي نادت بها بعض المذاهب الأخرى.. ويخصص ابن حزم (القرن الحادي عشر) صفحات طويلة لتفنيد “العلة” التي يسوقها الفقهاء مع التنديد بالعتسف والمتناقضات..
فيوجه سؤالا إلى المالكية والشافعية قائلاً:
بأى حق تستخدمون معيارا محددا للذهب والفضة بين عناصر الربا وذلك في غياب نص صريح بهذا الشأن..
وأنه لمن غير الصحيح إضفاء صفة التثمين عليها وحدها ذلك “أنكم تعرفون أن كل شيء قابل للبيع هو ثمن صحيح بالنسبة لأى شيء آخر يباح بيعه”…
ولاشك أن معارضى ابن حزم سوف يقولون أن هذه الصياغة مفرطة في التبسيط.. أما بالنسبة للحنفية فأنهم ينددون بالتناقض الذي يتمثل في جعلهم صفة الوزن سببا شرعياً للربا بالنسبة للذهب والفضة وقصر صفة التباطؤ على هذين المعدنين في المبادلة مع باقى المواد الموزونة.(10)
ولكن لنرجع إلى موضوعنا الرئيسى وهو إنعدام أو ضعف التفرقة القانونية بين سبيكة المعدن النفيس ونفس هذا المعدن في صورة عملة نقدية..
وقد قلنا أن عادة وزن النقود ليست ببعيدة الصلة عن هذه الظاهرة.. وقد رأينا الآن أهمية الميزان عند الحنفية فيما يتصل بموضوع الربا.. فنرى أنهم ينظرون إلى الدراهم لإستخدامها في الوزن وأن كانت تصبح: “عددية” بتأمل الناس وهم ينددون بالمبادلة العددية. (11)
ولا يعتبر الشافعية الميزان صفة أساسية، ولكن لاشك هناك في أن التحليل النهائى يعتبر الميزان شيئاً أساسياً.. وقد أعترف الكتاب “الأم” (بداية القرن التاسع) بشرعية المبادلة بالميزان وليس بالقياس للذهب مقابل الذهب.. أو بالتحديد فأنه يسمح بالمبادلة بين الدنانير ذات الوزن الأثقل من ناحية وأخرى ذات قيمة أكبر من ناحية أخرى طالما هناك مساواة تامة في الوزن.
وظهر بعد ذلك في المذهب للشافعى (القرن الحادى عشر) انه بالنسبة للمواد التي يتم وزنها عادة، تفوق المساواة الوزن، لا المقياس، كما في حالة مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة سواء كان ذلك على هيئة معدن خام أو عملة نقدية (12).
وبنفس المعنى جاء في “محلى” الظاهرية لابن حزم إعتراف وتأييد لهذا النوع من المبادلة التي تختص بمعدن نفيس واحد.. وذكر إجماع الفقهاء على المطالبة بالمساواة في الوزن… وذكر أن مالكاً كان يقبل مبادلة الدرهم بدرهم أقل وزنا على سبيل المكارمة (13).
والواقع أنه يجب علينا تعميق البحث فيما يختص بمالك (نهاية القرن الثامن) وفقهاء مذهبه.
وفي الموطأ Muwatta يعترف مالك بشرعية المبادلة بالوزن للذهب بالذهب وللفضة بالفضة.. وإذا كانت المبادلة لأحد عشر ديناراً بشعرة دنانير كانت المبادلة صحيحة، إذا كانت هناك مساواة في الوزن رغم اختلاف الأعداد. (14)
وكانت هناك أحاديث قد تم توثيقها منذ وقت قريب تنهى عن بيع “دينار بدينار ودرهم بدرهم”. فإذا كان الاهتمام ينحصر في العدد فقط بغير اشتراط المساواة في الوزن أفلا نعتبر ذلك بداية لما أسماه المالكية بالمبادلة؟
ولنرجع الآن إلى أكبر مؤلفات أبحاث الذمة Casuistique وهو المدونة Mudawwana (القرن التاسع).
وتأتى آراء مالك على لسان تلميذ له يسأله (سحنون Sahnun) ويضم الكتاب حوالى خمسين صفحة تسمى “بكتاب الصرف” (15). وفيه تبحث الأثمان المتعلقة بالعمليات النقدية والتي تتعلق بالمعادن النفيسة.. وهنا يجب على القارئ أن يقرأ بعناية وأن يقارن بين الفقرات وبعضها حتى يتفهم المعنى وحتى يستطيع اكتساب موقف مناسب.
ويجب التنويه بأن الاصطلاحات التخصصية في هذا الكتاب لم تصل بعد إلى درجة الكمال الفنى التي وصلت إليها فيما بعد.
وعندما يختص الأمر بالقروض أو بالبيع أو بتبادل النقود “كيلا” kayla، فالنص يشير إلى أن الأمر يتعلق بالقياس وليس بالوزن.. (16)
وهكذا فأن بدل الدرهم بالكيل يرادف “المراطلة” بمعناها التقليدى Muratala ومن المسلم به أن العدد يمكن أن يتغير وذلك للمحافظة على المساواة في الوزن.. وذلك على الأقل بالنسبة للآحاد. وبعد ذلك تمت الإشارة إلى البدل على أنه شيء شرعى أو “معروف”.
ويمكن حدوثه بين دينارين ذوى أوزان مختلفة على ألا تكون عدم المساواة في الوزن مدعاة للتعويض على شكل صفة أحسن أو “جواز عند الناس”..
ولا يؤيد المالكية كلهم هذا القول الأخير.(17).
ونرى أن المبادلة على أساس العدد دون التنفيذ بالوزن، وأن لم يسمح بها صراحة، إلا أننا نجد هنا الأساس لشرعيتها… وهناك تعليق أكثر وضوحاً كتبه المالكي المعروف “الباجى”. (القرن الحادى عشر) في الموطأ فهو يعترف بشرعية العمليتين مع أجازة – في حالة المراطلة – تبادل عدد مختلف من القطع إذا توفرت المساواة في الوزن…
ويجيز في حالة المبادلة وجود إختلاف طفيف في الوزن إذا تطابقت الأعداد.. ولكنه يؤكد الفكرة التي وردت في المدونة والتي تقضى بأن الإختلاف في الوزن في حالة المبادلة بالأعداد إنما هى “على سبيل المعروف والتفضل”… ولا يعتبر ذلك “تفاضلاً” حقيقياً.. ونرى أن هذه الصياغة الجميلة مع ما فيها من لعب بالألفاظ تؤكد أن هذا يعتبر تساهلا محدوداً…
ويؤكد مؤلفنا: هذا النوع من الثروة (النقود) يحتمل نوعين من أنواع التقييم: الوزن والعدد… والنوع الأول هو الأقرب والأوفق، ومع ذلك فالمبادلة بالعدد مقبولة على سبيل المعروف، وإذا لجأنا إلى هذه الطريقة فأن زيادة يسيرة في الوزن تعتبر شرعية على سيبل المعروف على ألا يكون هناك خديعة في الأمر.. وفي الحالة الأخيرة يجب الابتعاد عن هذه الطريقة.
وبالنسبة للمبادلة على أساس الوزن فلا ضرورة هناك للمسامحة في حالة عدم تساوى الأعداد.. فيؤكد (الباجى): “سقط حكم العدد” وأنه لمن دواعى العرف أن تقبل المعاملات على أساس العدد بالنسبة للذهب والفضة وذلك مع معرفة وزن ما يعترف بعدده.
“يعتبر الوزن أساس المعاملة وهو أساس المساواة”.(18).
وقد أكد “الباجى” تفوق الوزن على العدد بالنسبة لذهب والفضة في القسم القانونى المجاور: “القضاء” لدين نقدى ناتج عن السلف أو عن عقد آخر…
ومن ناحية المبدأ يجب مراعاة المساواة في العدد أو الوزن الناتجة عن العقد. أى تبعا لكون الدفع الأصلى في حالة السلف أو الدين كان بالعدد أو الوزن.. وهذا ما تؤكده “المدونة” وفيها إضافة أنه في حالة السلف بالعدد يكون السداد غير شرعى إذا كان المدين يدفع عدداً أقل ووزناً أكثر أو عددا أكثر ووزنا أقل.(19).
وقد أيد (الباجى) هذه القاعدة، ولكنه بعد ذلك رأى أنه، في حالة السلف بالوزن، يكون الدفع شرعياً أيا كان العدد أقل من الوزن.. والسبب في ذلك هو:
“مراعاة الوزن منذ البداية تلغى مراعاة العدد”.. وكل عملية تجرى على أساس الوزن لا يكون هناك أعتبار للعدد سواء كان يسيراً أو كبيراً.
كذلك كان حكمه واضحاً في حالة الوفاء بدين ناتج عن عملية أخرى غير السلف وعقدت على أساس العدد والوزن.. فيرى أن الوزن هو الأساس..: “في حالة وجود كل من الوزن والعدد بطل حكم العدد”. (20).
ومن ناحية أخرى ما هو حكم الزكاة أو الصدقة؟
ويجب أن نذكر أن النظرية وحدها هى التي تهمنا وليس درجة التطبيق الفعلية… فقد حدد الأساتذة النصاب بالنسبة للذهب بعشرين دينارا، وبالنسبة للفضة بمائتى درهم. ونرى غالبية الفقهاء تعنى أيضاً سبيكة الذهب أو الفضة أسوة بالقطع النقدية.(21).
ولا شك أن الدنانير أو الدراهم لها صفة وزنية في هذا العدد… فهى تمثل أوزانا “شرعية” بالرجوع إلى الأوزان التقليدية التي ترجع إلى مكة في العصور الأولى للإسلام..
وهكذا فأن الدرهم يزن 1/40 من الأوقية أو سبعة أعشار المثقال وهو الوزن القانونى للدينار.. وفي بعض النصوص نجد هناك بعض التغيير: عشرون مثقالا بدلا من عشرين دينارا، وخمس أوقيات بدلا من مائتى درهم. ولكن هل هناك رأى مخالف في المؤلفات الماليكة؟
جاء في المدونة وفقا لمالك لا يجوز الاعتراف إلا بالعدد.. ويرجع ذلك إلى نتائج التغيير في المبادلة وإلى الرغبة في تثبيتها على أساس الميزان القانونى.
أما الموطأ ففيه وردت بعض الأقوال التي تسببت في كثير من التردد بين الفقهاء… فقد جاء فيه أنه لا زكاة هناك على العشرين دينار أو المائتى درهم إذا كانت “ناقصة بينة النقصان” إلا إذا كانت تجوز بجواز الوازنة..
وهذا الاستشهاد هو محاولة لإعادة أهمية العدد التي يرفضها باقى الفقهاء.. وقد كان موضوع تفسيرات مختلفة للمالكية.. وأحد هذه التفسيرات تقضى أن نقصان الوزن نقصانا يسيراً لا يؤثر على النصاب الموضوع إذا أكتمل العدد.. وهناك تفسيرات أخرى تعتمد صراحة على العدد دون النظر إلى الوزن..
ومن الجائز أن يكون هناك تطور في الاتجاه المضاد.. “فالباجى” يميل إلى الاعتقاد بسيادة الوزن حتى ولو لم يكتمل العدد ويؤكد أنه لا داعى لمراعاة العدد بالنسبة لنصاب الزكاة في البلاد التي يجرى العمل فيها بوزن الدراهم.(22).
وهناك عامل مختلف يرجع كفة عدم التفرقة القانونية للمعدن النقدي بالنسبة للمعدن في شكل سبيكة.. وهو خشية “الربا” في عدم المساواة في حالة زيادة تقدير النقود..
وحالة فرق القيمة هذه قد وردت في “المدونة” ثم تم استبعادها بعد ذلك.. وهى موجودة في الواقع في أذهان الناس ولكن لا يجب أخذها في الاعتبار عند الوفاء بدين أو سلف وتعويضها عن طريق نوع السبيكة التي تضاهيها في الوزن..
ويوضح النص أن “السكة” أو “العين” شيء آخر غير الذهب والفضة التي تؤثر عليها فهى شيء مضاف لها.. وهو شيء لا يعاد زيادة الجودة الأصلية للمعدن.(23).
ويختار فقهاء المالكية في حكم دفع رسوم سك النقود في حالة ذهاب أحد الأفراد إلى بيت المال بسبيكة من معدن نفيس وطلب مبادلتها بالقطع النقدية..
ويجمع غالبية الأساتذة على شرعية مثل هذه الرسوم التي تمنع المساواة التامة في الأداء. ويعطى مالك لذلك حكماً متسامحا يعارضه فيه الشافعي، وقد ترجع معارضته لذلك إلى أن هذا الأداء كان يجرى العمل به في المدينة (24)، ولكن أغلب أنصال مالك قد استبعدوا هذا الحكم أو حددوه بحالات الضرورة القصوى..
ومع ذلك فقد لاحظنا بالنسبة لنصاب الزكاة الشرعية، موقفا مالكيا يفصل بين النقود والسبائك وذلك عن طريق تأكيد سيادة عدد القطع النقدية على وزنها… وبالإضافة إلى ذلك فهناك بعض العمليات القانونية التي تتصف بالشرعية أو عدم الشرعية وفقاً للمذاهب المختلفة، وبناء على كونها قطعا نقدية أو سبائك.. ولم يجمع الفقهاء على أحكام مثل هذه الحالات…
وتتمثل إحدى هذه الحالات في حالة البيع “بالجزاف” Guzaf دون التقيد بالوزن أو العدد أو القياس، ولا نجد لها تطبيقاً عملياً في مجالنا ولكن مالكا قد أفتى بشأنها… فقد سمح بالتبادل بالجزاف للسبائك أو الحلى ولكن ليس للدراهم أو الدنانير المعدودة، طالما كان عددها غير محدد، لأنه سوف يكون في هذه الحالة بنية الغرر وهو لا يعتبر جزءا من “بيوع المسلمين”. (26).
أما الكتاب الأم للشافعى فأنه يعترف بشرعية عملية الجزاف سواء كان ذلك للنقود أو السبائك.(27) ولم يحدث التمسك بهذه المواقف الأساسية الواضحة فيما بعد على مرّ العصور، بينما أصر الظاهرية على تأكيد شرعية الجزاف على كل الأشكال المعطاة للمعدنين النفيسين.(28).
أما الشافعية والحنفية وبعض فقهاء المالكية فقد تحدثوا عن مجرد “الكراهية” وليس عدم الشرعية أو التحريم… وهذه الأخيرة ستكون موضوعاً للخلاف عند المالكية وكذلك موضوعاً لإجتهادهم في تفسير النص الأًصلى.
وإذا فحصنا النص الأصلى نجد أنه يستند على العدد وليس الوزن:
وهو إشارة إضافية إلى إهتمام مالك بهذا الأسلوب في التقدير (حتى أنه ورد في القرآن الكريم نفسه 12، 20 عبارة “دراهم معدودة” والذي ورد في سورة يوسف..
أما “الباجى” فأنه بعد تفنيده لتفسيرات أسلافه من المالكية يعلن تفسيره الخاص وهو أن الدنانير والدراهم لا يمكن مبادلتها بالجملة لأنها لا يمكن تخصيصها، وبناء عليه فأن العمليات الخاصة بها يجب أن تراعى “الذمة” وهو شيء غير ممكن في حالة البيع بالكتلة حيث أن هذا البيع يستبعد بالقياس والعدد والميزان.(29)
وهنا يجب علينا شرح المعنى القانونى المزدوج لكل من التخصيص Particularisation والذمة dimma، ولا غنى لنا عن فهم هذين التعبيرين لمواصلة هذه الدراسة. ونرى أنه في الفقه الإسلامى التقليدى يكون الأمر متصلا بعين أو معين أو بنوع آخر تم تحديده بدقة وهو “الذمة”.. ونتائج هذه التفرقة واضحة ومحسوسة خاصة في الأعمال القانونية prestation وهنا تبرز المشكلة:
هل من الممكن للنقود أن تكون قابلة للتعيين Individualisation في حالة العقود الملزمة؟ وقد شغلت هذه المشكلة الفقهاء ولا يجب علينا التقليل من أهميتها القانونية.. وقد اختلفت الآراء بشدة وتراوحت بين عدم القبول والإلزام وذلك باختلاف المذاهب ووفق اتجاهات الأساتذة.. ويمكن القول إجمالا أن الحنفية يرفضون الأمر (31).. أما الشافعية (32) والحنابلية (33) والظاهرية (34) فيقبلونه… ويتأرجح المالكية بين رفض المبدأ وبين قبوله قبولاً مخففاً (359، ودون الدخول في تفاصيل الآراء المختلفة دعونا نناقض الحجج الاساسية التي تدعمها..
يبنى الظاهرية رأيهم الإيجابى استناداً إلى قول للخليفة عمر بشأن المبادلة التي يجب اجراؤها على أساس من المساواة: الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار… ويفسر تعبير “العين بالعين” بتفسير “هذه القطعة بهذه القطعة” ويخلص من ذلك أن النقود “تتعين” في المبادلات. (36) وتذهب بعض الحجج التي تؤيد تعيين النقود إلى أنه لا سبب هناك لمعاملة الدرهم والدينار معاملة تختلف عن معاملة الأموال الأخرى في هذا الشأن ورفض تشبيهها بمواد أخرى مثل الحديد وهو قابل للتعيين سواء كان مشغولاً أم لا أو مثل لترات الزيت من نفس الإناءن وهى مواد يمكن تبادلها بصفة أساسية ولكنها قابلة للتعيين.(37).
ويتميز الرأى المالكي والحنفي بأنه يميز بين النقود والأموال الأخرى وتستند إلى ذلك لرفض تعيينها.. فإذا كانت الدنانير والدراهم قابلة للتعيين فالعمليات الخاصة بها ستكون غير شرعية بدون “أطلاق العقد”… مثلهم في ذلك مثل الملابس والأغذية.
وبالإضافة إلى ذلك فالنقود كوسيلة للتبادل لكونها ثمن للأشياء يجب أن تكون “في الذمة” وذلك وفقاً لتعريف “الثمن” الوارد في معجم “الفراء” (حوالى سنة 800: الثمن ما يثبت في الذمة)… كذلك فان الأموال الأخرى حتى إذا كان من الممكن استبدالها فهى أشياء مرغوبة لذاتها بينما النقود مرغوبة لاستخدامها استخداماً ثانوياً أى كوسيلة للحصول على الأشياء المثمنة (المثمنات): أو أن “المقاصد” تفوق (أشراف) الوسائل.. ويعترف بالتعيين كسب هذا التفوق.. وبالإضافة إلى ذلك فأن النقود لها صفة عينية ضعيفة أو معدومة ولذلك لا أهمية لتعيينها قانونيا. (38)
ومع ذلك نجد هناك بعض التمييز والتفرقة عند أنصار تعيين النقود ومعارضيها وذلك عند بحث أمر “القبض” الذي يتلو “العقد”.
فيعتقد ابن قدامة الحنبلى (حوالى 1200) أن النقود مثل كل شيء قابلة للمبادلة عن طريق العقد (عوض) قد تم تعيينها بدلاً من التعيين الرسمى وذلك عن طريق “التقابض” المتبادل عند عقد الصفقة.. والذي يلجأ إليه الطرفان قبل فصلها.. وينتج عن ذلك أنه إذا أكتشف “عيبا” في هذه الفترة الزمنية يحق للقابض أن يطالب بنقود أخرى بدلا من التالف بينما لا يحق له ذلك إذا اكتشف العيب بعد “الحيازة”.(39).
ويعترف الحنفية (40) والمالكية أن النقود يتم تعيينها عن طريق الحيازة.. وقد ذهب المالكية إلى أبعد من ذلك (وذلك رغم رفضهم للمبدأ) وأيدوا التعيين عن طريق العقد.
وذكروا قرارا بهذا المعنى صادرا عن “ابن القاسم” وهو أحد المالكية (41) ويوافق الغالبية على تعيين النقود في العقد ذاته وذلك في حالات التبادل والإيجار. (42).
وفي إطار بحثنا عن سبل التفرقة بين القطع النقدية وسبائك المعادن النفسية نناقش الآن مظهرين قانونيين وهما “السلم” salam و”القراض” Qirad.
والسلم هو تبادل قرضين prestaiton أحدهما فورى والآخر لأجل… وهذا الأخير لا ينطبق على عين: وهو مبدأ بيع شيء عن طريق الدفع الفورى… ولكن المالكية والشافعية كثيراً ما يخلطون بين هذا النوع من الممارسة التجارية والسلف أو القرض. (43).
ويعترف عدد من أساتذة هذين المذهبين بأنه في حالة السلم salam يكون “المسلم فيه” من القطع النقدية أو أى أموال أخرى عينية بمجرد التعرف على السك والوزن وذلك لتجنب الشك:
أليس هذا هو العرف في حالة الصداق في الزواج؟ (44).
أما الحنابلة فإنهم يعارضون ذلك كما هو الحال بالنسبة لآى مادة موزونة.(45)
أما أبو حنيفة (القرن الثامن) فيلجأ بالنسبة للمسلم فيه contre – prestation غير المعين إلى ذكر عدم تعيين النقد في العقود في حالة العمليات التي يغلب عليها صفة البيع.
فبسبب عدم قابلية الدينار والدرهم للتعيين يقتصر دورهما على كونهما “ثمنا” ولكن ليس كمبيع أو مثمن وهى الصفة التي يجب توافرها في المسلم فيه… وقد ورد عليه معارضوه أنه في حالة المبادلة فإن بيع الدراهم بالدنانير تجعل العمليتين أشياء مثمنة ومبيعات…
ومن هنا هل فصل الحنفية بين سلم salam السبائك والقطع النقدية؟
نجد هنا أن الرد مزدوج ومتعارض.. فنجدهم تارة يفرقون بيهم ويعتبرون السبائك كمسلم فيه وكسلع معينة، وتارة أخرى يشركونها في عدم شرعية هذا الإستخدام للنقود المسكوكة وذلك بسبب القواعد الخاصة التي تحكم التعامل بها لتجنب الربا…
ويذهب ترددهم إلى أبعد من ذلك ويؤثر على المسلم Muslem. (المقدم Avance):
فاذا كان المسلم على هيئة سبائك وليس قطعا نقدية فهل تكون العملية شرعية إذا كان المسلم فيه مواد موزونة أى ربوية Usuriaire؟
فيرد أحد تلاميذ أبى حنيفة بنعم ويشبه السبائك بالنقود المسكوكة التي يختلف وزنها عن وزن السلع.
ويرد تلميذ آخر له “بلا” ويرفض هذا التشبيه. (46).
و”القرض” Qirad أو “المضاربة” Mudaraba هو نوع من العقود التجارية يمكن إطلاق اسم توصية عليها commandiate.
ويتفق الأساتذة على أن رأس المال الأساسى يجب أن يكون من الذهب أو الفضة في صورة نقدية…
هل يقبلون سبائك المعادن النفيسة لنفس الغرض؟ أنهم عموماً يرفضون ذلك مع تشبيه السبائك بالسلع. وبهذا المعنى يسوقون الحجج أن السبائك يمكن تعيينها عند إبرام العقد…
أما الرأى المخالف وتعتنقه الأقلية فإنهم يقبلونها كنقود في تأسيس القرض ويؤكدون أن السبائك تتميز على القطع النقدية في كونها لا تتأثر بتغييرات الأسعار – وسوف نعود لمناقشة هذه الميزة فيما بعد…
ويرى علماء آخرون مالكية وشافعية التفرقة بين ما إذا كانت السبائك تؤدى وظيفة النقود في العقد أم لا. (47)
ثانياً:
لقد وصفنا فيما تقدم الذهب والفضة جنبا إلى جنب دون التفرقة بين هذين المعدنين النفيسين… ولكنا نجد أن هناك مشكلة على الصعيد النقدي، وهى مشكلة العلاقة بين المعدنين وكيفية وجودهما معا من مختلف الزوايا.. فهل يطغى معدن منهما على الآخر؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فعلى أى أساس؟ وهل هناك إمكان استبدال أحدهما بالآخر في القواعد التي تحكم التعامل بهما؟ وهل سعر الصرف ثابت أو متغير؟
(1) أن القانون المتعلق بالدية في حالة القتل هو بمثابة تأكيد حقيقة تاريخية قديمة ومعروفة: وهى أن سكان سوريا ومصر هم “أهل الذهب” وسكان العراق هم “أهل الفضة”… ونحن نعلم أن الدينار يرجع أصله إلى الإمبراطورية البيزنطية وأن الدرهم يرجع أصله إلى دولة Sassanide ومنها امتد تفوق الذهب إلى مكة والمدينة وشمال أفريقيا والفضة إلى إيران وخراسان واسبانيا.. ونعنى بالتفوق هنا تفوق الاستعمال وليس المقصورية Exclusixite ومن ناحية أخرى نذكر أن الدية في تقييمها الإسلامى التقليدى تتكون من مائة ناقة.. ويظل الشافعية والظاهرية أوفياء لهذا التحديد الاصلي والذي تتغير قيمته التجارية مع مرور الوقت..
ولكن المالكية والحنفية يضعون أرقاما ثابتة بالنسبة للدية من الذهب أو الفضة (ويضع الحنفية أيضاً أرقاما ثابتة بالنسبة للأبقار والأغنام أو الملابس) وترجع هذه الأرقام إلى أيام الخليفة عمر: ألف دينار بالنسبة لأهل الذهب وأثنى عشر ألف درهم.. وتقول الحنفية عشرة آلاف لأهل الفضة.. ويذكر مالك في مؤلفه “الموطأ” أن العرف قد جرى على عدم قبول ذهب وفضة البدو كدية و”عدم قبول الذهب من أهل الفضة ولا الفضة من أهل الذهب”.. وهكذا تتأكد صفة الفردية المزدوجة بالنسبة للنقود وأن هذا التأكيد غير مطلق. (48)
بل أن في الأمر أكثر من ذلك.. نجد أن البتر كعقاب للسرقة والذي أمر به القرآن (38/5) يخضع بانسبة لغالبية العلماء لنصاب مرتبط بالشيء المسروق. (49)
ويختلف هذا النصاب ومقداره يكون بالدرهم أو بالدينار، باختلاف العلماء. (50)
ولنلتزم بالمذاهب الرئيسية: يرى الحنفية أن النصاب مقداره عشرة دراهم مضروبة.. أما مالك فيرى أن مقاره ثلاثة دراهم ويعينه الشافعي بربع دينار (أو مثقال) وذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقترح الحنفية مساواة الدينار بعشرة دراهم. (51)
ويذكر مالك بالعرف حيث يذكر ربع الدينار بدلا من ثلاثة دراهم (أي الدينار يساوى اثنى عشر درهما) ولكنه يؤكد أن النصاب المفضل هو ثلاثة دراهم سواء زادت قيمتها أو نقصت…
ويتردد مؤيدوه فيما بعد بين كون ذلك قصرا أو تفضيلا للفضة في هذا المجال. (52)
وعلى نقيض ذلك نجد الشافعي يرفض الإعتراف بدور الفضة ولا يهمه في ذلك إرتفاع أو إنخفاض أسعار صرف الدراهم… وهو يعتبرها في هذه الحالة سلعة مثل السلع الأخرى. (53)
وهكذا نرى هنا الانقسام الجغرافي للمبدأ وهو يتأكد:
من ناحية الحنفية العراقية التي يتبعها أحياناً المالكية المدينية والمذهبان يفضلان عيار الفضة.. ومن ناحية أخرى الشافعية في مصر والتي تنادى بسيادة عيار الذهب. (54)
ونرى أن الحنفية والمالكية ينفردان وحدهما بتحديد حد أدنى للصداق.. والغريب أن فقهاء المذهبين يساوون بين الحد الأدنى للصداق وبين نصاب السرقة الذي يتبعه البتر. ففي الحالتين يفقد عضو من الجسم الإنسانى عوضه ويصبح مباحاً للآخرين…
وقد أعترض على هذا التشبيه كثير من الفقهاء ومنهم المالكي ابن رشد Averroes (القرن الثانى عشر).. ويبلغ الحد الأدنى للصداقة عند أبى حنيفة وأنصاره درهمين أو ما يعادلهما أى مقدار دينار بالنسبة لهم.. أما مالك وأنصاره وهم من المؤيدين لاستخدام الفضة فهم يحددون الحد الأدنى للصداق بربح دينار أو ثلاثة دراهم. (55)
تشترك نظرية الزكاة في تحديد مشكلة الموقف النسبى لكل من الذهب والفضة.. فنجد أن العرف قد جرى على تحديد حد أدنى ملزم للذهب وآخر ملزم للفضة..
وهنا يظهر السؤال التالى: هل يجب عند تحديد الزكاة ولتحديد النصاب الملزم لها أن يفرق بين المعدنين النفيسين في حيازة نفس المالك أو يمكن جمع المعدنيين أو ضمهما؟
وينقسم الفقهاء (القرن الثامن إلى التاسع) بين هذين الحلّين..
ومن بين أنصار الحل الأول نجد ابن أبى ليلى، الشافعي، أبا عبيدة بين سلام، داوود الظاهرى…
ومن بين أنصار الحل الثانى: الأوزاعى، أبو حنيفة، مالك. (56)
ونرى التناقض مثيرا على الصعيد النظرى لأن رفض جمع المعدنين يؤكد إستقلال كل معدن عن الآخر..
ونرى الفقهاء يؤكدون أنهما مختلفان في الجنس ولكل معدن “أصل في نفسه”…
أما جمعهما فيستند على وحدة دورهما كعملة نقدية…
ومع ذلك فلا يمكن لأصحاب هذا الرأى الإدعاء بكون المعدنين من جنس واحد وهو ما يمنح عدم المساواة في الصرف: ويرى الحنفية هذا الرأى استثناء في بعض الحالات المحدودة ومن باب الإستحسان أو المساواة القانونية…
ولهذا الجمع قواعد مختلفة حسب الفقهاء:
أما أن يكون كل معدن قائما بنفسه عند ضمه إلى الآخر لتحديد النصاب (مالك) أو يضاف أحد المعدنين إلى الآخر سواء أخذت أسعار الصرف في الاعتبار أم لا.. (يختلف أبو حنيفة وأنصاره الأوائل حول هذا الرأى)
أو تضاف الدنانير إلى الدراهم بناءا على نسبة محدودة لتحديد الزكاة: والأولوية في هذه الحالة لعيار الفضة على عيار الذهب…
وقد انتقد معارضو الضم بعض التناقضات في هذا الحل.
فيرى أبو عبيد بن سلام (النصف الأول من القرن التاسع): أن الزكاة تجب على من لا يملك دراهم ولكن يملك عشرين؟؟؟؟ (الحد الأدنى المفروض) والذي يساوى كل منها أقل من عشرة دراهم حساب سعر الصرف… وأن كان ما يملكه يقل عن مائتى درهم وهو الحد الأدنى المفروض.
ولا تجب الزكاة على من يملك عشرة دنانير يساوى كل منها سعر الصرف عشرين درهما أو أكثر..
وهكذا نجد الدراهم وقد انفصلت عن الدنانير.. فكيف يمكن إضافة الدنانير إلى الدراهم إذا كنا نعتبر الدنانير “عروضا” (يتم تقييمها بالدراهم) عندما تقل عن العشرية بينما الدنانير تقود (عين) عندما يصل عددها إلى عشرين؟
وفيما بعد رفض الظاهرى ابن حزم الحجة النقدية التي تفرض علاقة بين الذهب والفضة:
“كل الأشياء يمن بيعها مقابل أشياء أخرى وبذلك يمكن اعتبارها أثمانا”..
وفي نقده للضم يقول أنه إذا كان الضم على أساس سعر الصرف المتغير فإن ذلك قد يفرض الزكاة على دينار واحد.. “فقد رأينا الدينار يرتفع سعره في الأندلس إلى أكثر من ماتئى درهم”. (58)
هل نريد مثلا آخر لهذه التفرقة عند بعض الفقهاء؟
نجد في هذا المثال في عقود الشركة Contrat d Assosication فلا يجوز عند الشافعية والظاهرية وبعض المالكية وزفر Zufar أحد أنصار أبى حنيفة أن يكون رأس مال الشريكين من ناحية الفضة والذهب من ناحية أخرى…
ويرفض ابن القاسم. أحد أتباع مالك، خلط المعدنين في عملية واحدة لتقييم الحصة الأصلية والشركة. ولكن هناك بعض فقهاء المالكية الذين لا يؤيدون هذا الرفض.
أما الشافعية فيؤكدون على الفرق في “الجنس” بين الذهب والفضة ولذلك فهما لا يكونان “مالا مختلطا”.. ويوافقهم الظاهرية على ذلك…
ويذهب فقهاء المذهبين إلى وجوب تحويل رأس المال إلى معدن واحد لتسوية الأمر قبل إبرام عقد الشركة. (60)
(2) بحثنا الآن موضوع تحويل الذهب والفضة وبالعكس.. ولنقف لحظة لتعريف النظام النقدي كما يراه الأساتذة تعريفاً أدق…
نجد أن مبدأ الصرف بين المعدنين النفيسين هو مبدأ معترف به وسواء كان ذلك من العامة أو الأفراد أو الحرفيين أو الدولة…
ونجد أنواع الصرف محلا لبحث وريبة العلماء في خوفهم المستمر من الربا. وكما ذكرنا من قبل فالشرط الأساسى هو عدم التأخير ومع ذلك يمكننا القول بأن هناك حرية في الصرف ذات معنى مزدوج… ففيما عدا تعليمات الدولة المؤقتة والتي لا تهم الأبحاث النظرية. نجد هناك حرية في الصرف فيما يختص بالقوانين الإسلامية…
ولكن هل يصل ذلك إلى حد عدم التفرقة في حالة سداد الديون بمعدن أو بآخر من النقدين؟ وهل يمكن استبدالهما بحرية؟
ولا يوجد رد دقيق بهذا الشأن….
ومن ناحية المبدأ فالعقود المبرمة بالدينار يجب تنفيذها بالدينار والمبرمة بالدرهم يجب تنفيذها بالدرهم.. ومع ذلك فأغلب الفقهاء يعتبرون الدفع بمعدن نفيس آخر غير الذي ذكر في العقد نافذا وشرعياً إذا أتفق الجانبان على ذلك… فالتحويل بالنسبة لهم غير مجبر.
وبالإضافة إلى ذلك فإنهم يصحبون تطبيق عمليات الصرف بشروط دقيقة بغرض جعلها خالية من الربا. (61).
وتبين مشكلة التكملة النقدية Appoint Monetaire مثلا بالدرهم لمبلغ مدفوع بالدينار تشكك العلماء في بعض أساليب الصرف وأن كانت مألوفة.
ويظهر هذا التشكك في الصعوبات النظرية التي تسببها هذه المسألة والحلول المتسامحة لها. (62) ويجب التأكيد هنا على أن المسألة لا تخص شرعية الصرف الأساسية ولا شبه الصرف… فالأخيرة تختلف من بلد لبلد وعلى مر العصور..
ولا يعارض الفقهاء ذلك في شيء فهم يرون هذا التغير الفعلى ويعتبرونه شيئاً مسلما به…
ولكن هناك استثناء يبرره نظامهم حيث يتحدد عدد قانونى للدنانير أو الدراهم.. وقد رأينا ذلك بالنسبة للعشور dime والصداق والسرقة والدية… وهم في تمسكهم بالعرف في العصور الأولى للإسلام يصرون على مساواة الدينار بعشرة دراهم أو الدينا باثنى عشر درهما حسب اختلاف المذاهب. وأكثر الآراء غرابة رأى المالكية الذي يصر رغم معارضيه على الاعتراف بنسبتين مختلفتين عشرة دراهم بالنسبة للعشور واثنى عشر درهما بالنسبة للمسائل الأخرى..
وكان الدينار أو “المثقال” ينظر إليه عموماً على أساس أنه وزنه 10/7 من الدرهم. (64) ولكن مهما كانت المحاولات للرجوع بالأشياء إلى ما كانت عليه في عصر الرسول صل الله عليه وسلم وأصحابه فأن البحوث القانونية لم تذكر نسبة جبرية في المبادلات.
ونجد أنفسنا هنا أمام نظام مركب أو مزدوج للمعدن الواحد Monometalisme Composite وليس إلى نظام معدنى مزدوج كما يعتقد الكثيرون. (65)
ثالثاً:
لم يستطع الفقهاء دفع بعض المشاكل التي نتجت عن الواقع الفعلى المنقد، مثل تغير الوزن والعيار والقيمة التجارية.. ونجد في مؤلفاتهم العديد من الحالات والحلول الناتجة عن خوفهم من حدوث الربا…
وسوف نذكر هنا بعض الآراء التي تساعدنا أكثر في توضيح مفهومهم للنقود.
(1) حدثت تغييرات نقدية على مر العصور وجرت العادة في البلاد الإسلامية على ذكر نوعية سك النقود في العقود القانونية… وهذا التحديد ملزم في تنفيذ الواجبات الناتجة عن هذه العقود. وإذا لم يذكر نوع السك فالعبرة هنا بالعرف الإقليمى فهو الذي يحدد نوع النقود الذي ينفذ بها الإلتزام… ونجد معظم الحلول تنص على احترام وزن أو سك النقود أو الاثنين معا وذلك أكثر من العدد كما ذكرنا من قبل وكذلك ففيه رفض واضح للإعتراف بتغيرات الصرف.
وهذه الآراء تختص أولاً بالنقود ذات الوزن الصحيح والعيار الصحيح. ولكن جاء ذكر التزييف النقدي (الزيوف) في زمن مبكر. (66)
ولا يوافق الأساتذة على عادة قرض أو قطع النقود باعتبارها تسبب الفساد والغش… ولمالك أحكام أشد من أبى حنيفة في هذا الصدد. (67)
وتبدو المشكلة شائكة في حالة نقص العيار بسبب إضافة قدر كبير من معدن ردئ أو عندما يستبدل “الخالص” “بالمغشوش”. (68)
فما هو مصير مثل هذه النقود المزيفة وفقا للفقه القديم؟
نجد أن الفقه لا يصدر حكما ملزما بالإدانة وأنما يتكيف مع الواقع (69) وللحفاظ على حقوق المتعاقد المعنوية نرى الفقه وقد ذكر “العيب”. وتجتهد المذاهب المختلفة في تفسيره وتحديده… ولكنه يحذر من جميع أنواع التعويضات التي قد يلجأ إليها المتعاقدون لتعويض فروق الجودة.. (في العيار أو السك أو تناقض القيمة) بين المعادن النفيسة المتغيرة أو المشروطة… وتهتم بعض العمليات القانونية وعملية تحديد الحد الأدنى للضرائب بمشكلة الغش وهى منتشرة… وتختلف مذاهب الفقهاء في هذا الصدد وسوف نذكر بعض الإتجاهات والمواقف.
يبدو أن المذهب الحنفي أكثر المذاهب بحثا في هذا الموضوع وتقديما للحلول المركبة وذلك. بعد محاولات ابى حنيفة لتحديد النسبة القليلة أو “الكثيرة” للتغيير. فنجد أنه فيما يختص بالصرف بين الدراهم أن الأساس كما ذكره الشيبانى (النصف الثانى من القرن الثامن) (70) هو تفرقة ثلاثية بين القطع المغشوشة حسب ما إذا كان المعدن النفيس هو الغالب أى يكون ثلثى القطعة على الأقل أو أن المزيج هو الغالب أو أن يكون كل من المعدن النفيس والمزيج نصف المقدار تقريباً…
وفي الإفتراض الأول نجد أنه بالرغم من الغش فان القطع النقدية تساوى بالدراهم والدنانير العادية أخذا بالقاعدة العامة أن المادة الغالبة هى السائدة وأن المغلوب يعامل كأن لم يكن.. وتساق الحجج بأنه في النقود ذات العيار الأعلى هناك دائماً قدر قليل من المزيج الذي لا يمكن الاستغناء عنه.. أما في الافتراضين الآخرين نجد أن التفرقة تكون على أساس معيار محدد: وهو تجربة الانصهار التي تفصل بين المعدنين لفحصهما كل على حدة أو التي تصل إلى الحرق والقضاء على أحدهما مثل حالة الفضة مع النحاس أو الصفر مع الفضة بحيث تكون السيادة للمعدن الباقى. ويتبع ذلك تصنيف معقد فيما يختص بتحريم الربا…
ولكن ذلك لا يكفي… هناك تفرقة هامة إضافية يذكرها الحنفية بشأن القطع النقدية التي يغلب عليها الغش في تعامل الناس.. وهكذا ينهون عن استقراض النقود بالعدد إذا كان الناس يتعاملون بالوزن.. وإذا كانوا على العكس من ذلك يستخدمونها بالعدد فأن استقراضها بهذه الطريق يعتبر شرعيا ويوصف محتوها من الفضة بأنه “تابع للصفر” accessoire dulaiton (71) وفي مجالين مختلفين للفقه مثل الزكاة الشرعية والقرض والمضاربة نجد أن المبدأ السائد يستند إلى العرف وإذا كانت القطع التي يغلب فيها الغش مقبولة كنقود (أثمان رائجة)… وهنا يكون الإلزام من عدمه بالنسبة للمضاربة بالمقارنة مع القطع الذهبية أو الفضية أو مع السلع البسيطة. (72)
ونجد مثلا لهذه النظرة الحنفية بشأن دراهم بخارى المعروفة تحت اسم gitrifiyya أو gatarifa (73) وكانت تحتوى نحاسا أكثر من الفضة ولكنها كانت لها قيمتها كنقود بين شعوب الإقليم ولذلك بحثها الفقهاء بحثا منفصلا.
ومن بين قراراتهم فتى باعتبار قطع الزكاة على غرار الدراهم ذات العيار الجيد. (74) ونجد أن المدارس الأخرى أقل تسامحا من الحنفية فيا يتعلق بالمضاربة والاستثمار للنقود المغشوشة: فهى تحرمه تماما أيا كانت درجة الغش. (75)
ولكن بالنسبة لأمور الفقه الأخرى مثل أمور الصرف وتحديد الحد الأدنى الملزم نجد الحلول كثيرة وهذه الحلول مدعمة بالبراهين الدقيقة وذلك لإتباع القواعد الكبرى للربا والزكاة كما يراها كل مذهب أكثر منها لبحث مسالة الغش.. والتفرقة بين الغش الظاهر والغش المستتر التي ينادى بها الحنابلة والظاهرية هى معيار مفيد وأن كان على قدر من الغموض.. وهو يسمح لغالبية الفقهاء باستخدام القطع النقدية ذات العيار السيئ الظاهر، استنادا إلى الغش الظاهر لا يخدع أحد وأنه لانتشاره عبر العصور فأنه يسبب “المشقة والضرار” ولذلك يجب تحريمه.. وهذا لا يمنع الفقهاء من انتقاد كل من الحنفية والمالكية لإصدارهم قرارات متسامحة بهذا الشأن. (76)
(2) وهكذا نصل أخيرا إلى أحد المشاكل الهامة التي طرحت على الفقهاء:
ما هو حكم قطع النحاس أو البرونز التي لا تحتوى على معدن نفيس ولكن تستخدم استخداما جاريا كعملة نقدية؟
وهذه هى “الفلوس” (77). وجاءت بعد “الفوليس” Follis (تعبير لاتينى) وهو قطعة نحاسية بيزنطية، وقد صنعت وتم تداولها في العالم الإسلامى.. وكان استخدامها بالعدد كعدد محتوى من الدراهم… ومن هنا ظهرت المناقشات حول معنى الألفاظ الواردة في العقود مثل درهم أو نصف درهم أو درهمين من الفلوس. (78)
وكان السؤال الأساسى هو: هل تعامل “الفلوس” قانونيا مثل النقود؟…
ويبدو أن السؤال لم يطرح بشأن الزكاة والتي تنص قواعدها على الذهب والفضة… أما النحاس وهو ذو قيمة ضعيفة فيعفي من الزكاة. (79)
ولكن ما هو حكم المعاملات والعقود حيث يجب تجنب الربا والتأخير؟
ينقسم الحنفية بهذا الشأن.. فيسمح أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف بالمبادلة مع عدم المساواة في العدد بين الفلوس (على أن تكون المبادلة فورية) بينما يرفض الشيبانى ذلك.. لماذا؟ لنسمع التفسيرات التي وصفت لكل من هذين الرأيين بعد ذلك…
يستند الرفض على تشبيه الفلوس بقطع النقد من المعادن النفيسة… فهى مع كونها “عدديات معدودات” هى أيضاً “أثمان” ما دامت تستخدم مثل الدينار والدرهم في قياس قيم أو “مالية” الأشياء وهى غير قابلة للتعيين والمساواة بينهم، تفرض أن تكون المبادلة على أساس واحد…. ويرد على ذلك بأن إلزام التساوى لا ينطبق عليها لأنها لا تقاس بالكيل أو الوزن ولأنها من ناحية أخرى “ثمنيتها” قد بطلت في حق المتعاقدين من قبل المبادلة على أساس عدم المساواة.. فهى عندئذ سلعة عادية باعدد وقابلة للتعيين.
وسوف نلحظ أن ثمنيتها غير مرفوضة على الإطلاق… بل هى مقبولة من الذين ينادون بالغائها.. ولكن بما أنها نتجت في البيع العادى عن “اصطلاح” انسانى وليس من طبيعة الأشياء يمكن أذن إلغاء الاتفاق الضمنى للمتعاقدين لجعل العقد شرعيا…
وينطبق هذا أيضاً بالنسبة للسلم salam فيقبل أبو حنيفة وأبو يوسف (80) استخدام الفلوس بالعدد وكمسلم فيه وذلك على عكس الدراهم والدنانير.. ويلجأ الشيبانى إلى حكم معارض بالنسبة للفلوس… ولكنه في بعض مؤلفاته يوافق على موقف أستاذه أبى حنيفة. (81)
وعلى العكس نجد أنه بالنسبة لعقود الشركة والمضاربة يتفق الشيبانى في حكمه مع حكم أستاذه:
الفلوس هى أثمان مطلقة وعند استخدامها تكون مقبولة مثل الدنانير والدراهم..
أما أبو حنيفة وأبو يوسف فأنهما نظرا إلى الصفة النقدية المتقطعة للفلوس يرفضانها لتأسيس رأس المال… وأن كان هناك رأى ينسب لأبى يوسف مؤداه الموافقة على هذا في حالة الشركة. (82)
أما الشافعي فهو ملتزم بالمعادن النفيسة المسكوك منها وغير المسكوك، وهو يرفض بغير مواربة الاعتراف بالصفة النقدية للفلوس. ومن هنا تأتى أحكامه وأحكام أنصاره مقاربة لأحكام أبى حنيفة.
فما هى الحجج التي يسوقها في الكتاب “الأم”؟ لا يمكن معاملة الفلوس معاملة الذهب والفضة لأن الزكاة الشرعية لا تصيبها..
وإذا كان بيع النحاس معترفا به فينسحب ذلك على الفلوس أسوة بمساواة المعدن المضروب بالمعدن الخام مثل في حالة الذهب والفضة..
ويمكن الرد بأن الفلوس لها سعر جارى مثل الدنانير والدراهم. ولكن هذا ليس صحيحا في كل زمان ومكان.. فالقمح في الحجاز والذرة البيضاء في اليمن تستخدم كأثمان ولكن السلم في هذه الحالة يكون غير شرعى لأنها نقود بشرط، واستخدامها محدود ولا تستخدم في التعويضات المالية لتعويض الخسائر. فالمدين بكسور الدرهم لا يستطيع إلزام دائنه بقبول الفلوس كوسيلة للدفع.. وبالإضافة إلى ذلك هل ينطبق السلم Vente a livrer على الفخار لإستخدامه كنقود في أسواق معينة؟ (83)
وفي مواجهة هذه الآراء الحنفية والشافعية الواضحة لا نجد في المذاهب الأخرى ما يسترعى انتباهنا على الصعيد النظرى… فالمذهب الحنبلى وهو مذهب صارم يميل إلى التشكك والتقييد… أما الظاهرية فلم يبحثوا إمكانية تشبيه المعدن النفيس والمعدن الردئ.. وتأتى ملاحظاتنا الأخيرة عن المذهب المالكي.. فقد جاء في المدونة رأيا صريحا لمالك: فقد قال ابن القاسم أن استاذه لم يصرح بشرعية استخدام الفلوس في الشركة… ويذكر أن مالكا لم يضع نفس القواعد التي تتبع في استخدام الذهب والفضة لاستخدام الفلوس.. فقد قبل في البداية مبادلة الفلوس بالمعدن النفيس ثم عاد فأعلن كرهه لهذه العملية ولكن دون إبداء رأى بشأن تحريمها تماما مثل الحال في الدراهم. (86)
وهكذا جاء في “المدونة” تشبيه وأن كان غير كامل بالنقود الذهبية والفضية.. ويقال أن هذه الآراء موافقة للآراء السائدة في المدينة في العصور القديمة.
ويقول مؤسس المذهب: “إذا جرى العرف بين الناس على أن للجلود صفة السكة والعين (نقود) فسوف أرفض مبادلتهما بتأخير مع الذهب والفضة”. (87)
وبهذا ثبت العرف الذي يخلق النقود حتى إذا كانت من معدن بخس ولكن هذه “النقود الإتفاقية”. رغم الاعتراف بها قانونيا إلا أنها لا تصل إلى الكمال النقدي الذي تتصف به المعادن النفيسة.. ويبدو ذلك من استخدام كلمة “كره” بدلا من “حرم”…
نرجو أن يكون العرض السابق قد ألقى بعض الضوء على بعض النواحى الأساسية لآراء المسلمين في النقود…. وأن كان هذا العرض قد تعرض لطبيعة ووظيفة النقود ولنا بعض الآراء في هذا الصدد…
فقد رأينا فيما تقدم في بحثنا عن المساواة التامة بين قطع المعدن النفيس النقدية وغير النقدية تسميتها “بالأثمان والقيم”. (88) وبطريقة أكثر دقة ما هو مفهوم فقهاء المسلمين عنها؟
إذا استثنينا الظاهرية نجد أن الفقهاء يجمعون على أن المعادن النفيسة لا تعبر فقط عن القيم والأثمان بل أنها تكونها.. فهى بحكم طبيعتها غير المتغيرة تعتبر مرجعا أساسياً ثابتا ومعيارا للقيم بالنسبة لجميع الأموال المتغيرة والزائلة… فإذا بحثنا الموضوع بعقم سنصل بمنطق بسيط ومتناقص في آن واحد إلى حرمانها من كونها شيئاً قيت في حد ذاتها أو من اكتسابها “لقيمة” معينة.. فإذا لم تكن هناك قيمة لن يكون هناك تغيير في القيمة أو أسعار جارية… وهذا ما ورد في “المدونة” عند بحثها بشأن نقود الذهب والفضة: “فهى ليست لها أسواق تحول إليها”. (89)
وهذا هو ما يعلنه بقوة الفقيه المالكي الباجى: “ليس لها قيمة بذاتها لأنها تستخدم في تقييم الأشياء ولكن لا يوجد شيء آخر لتقييم الأشياء غيرها…. ولا اختلاف بينها إلا في الوزن والجنس… وليس لها مثل المبيعات قيمة متغيرة حسب البلاد”. (90)
ولذلك لا يدهشنا أن نقرأ عند ابن خلدون أن الذهب والفضة في مأمن من “حوالات الأسواق”. ولسوف يهمنا أن نعرف في هذا الإطار التغيرات الفعلية للصرف بين الذهب والفضة.
ويربط الغزالى (شافعى) بين عدم الإعتراف بالقيمة الذاتية للنقود وبين التأكيد بأنها غير مرغوبة لذاتها بل لكونها مقياسا للقيم.. وهذه هى وظيفتها التي يسندها إليها ابن رشد في مؤلفه القانونى “البداية” وابن قدامة في المغنى. (92)
وقد يكون من المفيد الرجوع إلى مراجع أخرى..ز
وأخيرا نتساءل … إلى أى درجة يتعارض هذا الموقف مع رأى الشيرازى وهو شافعى ومعاصر للغزالى الذي أبداه في مؤلفه “المهذب” Muhaddab بالنسبة لزكاة النقود عن الذهب والفضة فيقول أن المعدنين “معدان للنماء” مثل الجمال والأبقار التي ترعى في الخلاء وهى مستحقة للزكاة بينما الأحجار الكريمة واللآليء التي تستعمل لذاتها والجمال والأبقار “العوامل” (التي تعمل) معفاه من الزكاة. (93)
وهنا أيضاً ليس هناك استخدام مباشر أو منفعة ذاتية للنقود.. ولكن ألا تتفق هذه الوظيفة التي تتجه إلى “نماء الثروة” (94) مع النظرية الخلدونية (في الفقرة السابق ذكرها) والتي تقضى بأن المعدنيين النفيسين مطلوبان ليس فقط للمحافظة على الأموال بل كعوامل لتنميتها أيضا؟
الهوامش
1) الأعمال القديمة ل أ. كوهن، بينالى فكار وعرين، مقالات “الربا” schacht والصرف لـ Enc. Islam td Heffening… وأخيراً عن الربا berger – vachon في “القواعد والقيم في الإسلام المعاصر”.
Normes et valeurs dans l’Islam cantemporair
باريس 1966، ص 81 – 100، والمؤلفات العامة في القانون الإسلامى.
2) (Ihya)، مجلد 32، الجزء الثانى، الفصل الرابع، أنظر فان دين برج في “دراسات إسلامية” Studia Islamica، الفصل السابع، باريس 1957 ص 86 – 88.
3) المقدمة، الفصل الخامس، الجزء الأول.
4) (صواميل) Sawamil، القاهرة سنة 1951، ص346 – 349
5) له “كتاب الإشارة إلى محاسن التجارة”، ترجمة ريتر Ritter في كتابه “الإسلام” Der Islam، المجلد السابع سنة 1917، ص 49 -50
أنظر رودنسون Rodenson “الإسلام ورأس المال”، باريس سنة 1966، ص 49 – وقبل مسكاويه Miskawayh يجب ذكر “قدامة بن جعفر” أنظر كاهن Cahen في Orient المجلد الخامس عشر، ص 169
6) المختصر، المجلد الثانى، ص 140
7) أنظر “المنتقى” (القرن الحادى عشر)، الجزء الرابع، 258، “البدائع” (القرن الثانى عشر)، الجزء الثانى، 16، والخامس، 215 “الإيضاح” (القرن الثانى عشر) ص 91
8) الإشراف، الجزء الأول، 255 – 256، المهذب Muhaddab الجزء الأول، 270
9) المبسوط، الجزء الثانى عشر، 114-115، البدائع، الجزء الخامس، 183
10) المحلى Muhalla، الجزء الثامن، 468 – 486 – ملاحظة لينات دى بلفورد Fords Linant de Belle في المجلة الجزائرية Revue Algerienne سنة 1960، ص 30 في الظاهرية ل تثقل نظرية الربا على باقى التكوينات القانونية كما في المذاهب الأخرى.
11) البدائع، الجزء الخامس، 197 – 198
12) الأم Umm، الجزء الثالث، 26-30، المهذب، الجزء الأول، 273
13) المحلى Muhalla، الجزء الثامن، 493 – 514
14) المنتقى، Muntaqa، الجزء الرابع، 276
15) المجلد الثامن
16) كما في نوع الوزن الذي ورد في قاموس Kazimirski- ومن هنا جاء تعبير “درهم كيل”، بالنسبة للنقود الفضية القديمة.
17) المدونة، الجزء الثامن و 139 – 140، 148
18) المنتقى Muntaqa، الجزء الرابع، 259 – 276
19) المدونة، الجزء الثامن، 132 – 133
20) المنتقى، الجزء الرابع، 260 – 261، تتضمن أحكاما مالكية تقليدية لا يتنافي حكم فيها مع ما ورد ذكره هنا، وقد وردت هذه الأحكام أيضاً في مؤلف مغربى في (القرن الرابع عشر) “الدوحة المشتبكة في ضوابط دار الشكة” لأبى الحسن ابن الحكيم – مونيس Mones مدريد سنة 1960، ص91 – 106
21) يختلف الأئمة الشيعة مع ذلك. “شرائع” كيرى Querry، الجزء الأول، 146 – 147 أنظر أيضاً “أموال” فقرة 1290
22) المنتقى، الجزء الثانى، 95 – 97، أنظر أيضاً “اشراف” Israf، الجزء الأول، 174
23) المدونة، الجزء الثامن، 138، 144- 145
24) اختلاف مالك والشافعي، الجزء السابع، 204، أنظر:
Schacht, The Origins of Mohammaden Jurisprudence
67.. وقد أكد الغزالى عدم شرعية الحصول على رسوم السك، المرجع السابق، الجزء الثامن، الفصل الثانى.
25) المنتقى، الجزء الرابع، 259، “البداية”، الجزء الثانى، 195
26) الموطأ Muwatta، أنظر المنتقى الجزء الرابع، 267، والمدونة الجزء الثامن، 131
27) الأم، الجزء الثالث، 26، 28
28) المحلى، الجزء الثامن، 493
29) “اشراف”، الجزء الأول، 283 – المنتقى، الجزء الرابع، 267، 268، وقرب نهاية القرون الوسطى ساد الرأى الذي يستند إلى نص الموطأ أن بيع النقد وبالكتلة جائز شرعاً في حالة جريان العرف على وزنها وليس عدها، أنظر ابن ناغى، تعليق على الرسالة: commentaire de la Risala القاهرة سنة 1914، الجزء الثانى، 141 (تحت).
30) سوف نتناول هذه المشكلة بالبحث في دراسة أخرى هى الآن في مرحلة التحضير.
31) المبسوط، الجزء الثانى عشر، 121، الجزء الرابع عشر، 15 – 17
البدائع Badai، الجزء الخامس، 186، 212، 218، 233 – 234
32)المختصر: الجزء الثانى، 151- 152، المهذب، الجزء الأول، 300
33) المغنى: الجزء الرابع، 40-41 (إمكانية تعيين عملة أو أخرى أو العملتين أثناء التبادل).
34) المحلى: الجزء الثامن، 489
35) يرى البعض أن التعيين يعتمد على البائع: الفروق، الجزء الثالث، 255
36) المحلى: المرجع السابق.
37) الاشراف: الجزء الأول، 272، الفروق، الجزء الثالث، 255 -256
38) الاشراف، الجزء الأول، 271 – 272، المنتقى، الجزء الرابع، 268، الفروق، الجزء الثانى 135-136، الجزء الثالث، 256، المغنى، الجزء الرابع، 43
39) المغنى، الجزء الرابع، 43-45
40) البدائع، الجزء الخامس، 218، أنظر المرجع السابق 210 – 220، والحلول الواردة في عقود التبادل حول الاختيار بالنظر Option de la vue، استبعاد القطع المسكوكة لأنها لا تعتبر “عينا” مثل السبائك وحول اختيار العيب والمطبقة أيضاً على النقود ولكن تختلف نتائجها تبعا لفصل الأجراء ووفق مناهج الأساتذة.
41) المنتقى.
42) الفروق، الجزء الثالث، 257، 258
43) أنظر آراء Santillana في Istituzioni didiritto Musulmano Malichita الجزء الثانى، 169، 384
44) الاشراف Israf، الجزء الأول، 281 – 283، المنتقى الجزء الرابع، 294، البداية الجزء الثانى، 204 (ولكنا نجد العكس عند المالكية في الأزمنة الحديثة)، المهذب الجزء الأول، 297، (الأم الجزء الثالث، 86)….
45) المغنى، الجزء الرابع، 299….
46) المبسوط، الجزء الثانى عشر، 127، البدائع، الجزء الخامس، 186، 212…
47) المدونة، الجزء الثانى عشر، 87، الاشراف، الجزء الثانى، 55، المنتقى الجزء الخامس، 157، 165، البداية الجزء الثانى، 235، المختصر الجزء الثالث، 60-61، المهذب الجزء الأول، 385، البدائع الجزء الرابع، 82، المغنى الجزء الخامس، 14-5، المحلى الجزء الثامن، 247، أنظر أيضاً فيما بعد ما ذكر بشأن السرقة…
48) المدونة، الجزء السادس عشر، 117-الاشراف الجزء الثانى، 189، المنتقى الجزء السابع، 68، البداية الجزء الثانى، 403، الأم الجزء السادس، 91-92، الرد، 277، الآثار رقم 980، المبسوط الجزء السادس والعشرون، 77-78، البدائع الجزء السابع، 254، المغنى الجزء السابع، 759 – 60، المحلى الجزء العاشر، 389….
49) الظاهرية لا يعترفون بالنصاب الا استثناء إذا كان كل الشيء المسروق من الذهب، وإلا فأنهم لا يعفون عن السارق إلا إذا كان مقدار السرقة تافها، “المحلى” الجزء الحادى عشر، 352-353
50) أنظر المغنى الجزء الثامن، 240 – 243، والمحلى الجزء الحادى عشر، 350 – 351.
51) إذا سرقت عشرة دراهم على شكل سبيكة ولكن قيمتها لا تصل إلى عشرة دراهم نقدا فلا يجوز بتر يد السارق.. وهذه التفرقة تضاف إلى الأمثلة السابقة للتفرقة بين السبائك والقطع المضروبة: المبسوط، الجزء التاسع، 136 – 138، الهداية، الجزء الثانى، 88، البدائع الجزء السابع، 77. جاء في المغنى، الجزء الثامن، 243 – 244 أنه بالنسبة لأقلية شافعية يصل النصاب إلى ربع دينار نقدى.
52) المدونة، الجزء السادس عشر، 66 (حيث لا يذكر الربع دينار إلا إذا كان المسروق ذهبا) – الاشراف، الجزء الثانى، 269، 270، المنتقى، الجزء السابع، 156 – 158، البداية، الجزء الثانى 438 – 439، وعن أحمد بن حنبل يذكر بالمعنى المالكي ضيقاً أو واسعاً، المغنى، الجزء الثامن، 242
53) الأم، الجزء السادس، 133 – 134، المذهب، الجزء الثامن، 240 -243
54) نفسه.
55) المدونة، الجزء الرابع، 73، الاشراف، الجزء الثانى، 207، البداية، الجزء الثانى 18-20، اختلاف مالك والشافعي، الجزء السابع، 207، المبسوط الجزء الخامس، 81، البدائع، الجزء الثانى، 275 – 276 – المغنى.
56) ينسب الحنابلة كل من الحلين إلى مؤسس مذهبهم.
57) بالإضافة إلى مسألة الضم نجد أن أنصار الحل الأخير لا يعترفون بنصاب الزكاة بين عشرين وأربعين دينارا إلا إذا كان ذلك مساويا لمائتى درهم عند الصرف.. وبهذا نرى أن الذهب يخضع للفضة بطريقة أو بأخرى…
المحلى، الجزء السادس، 67، البداية الجزء الأول، 247، أنظر الملاحظة التالية بشأن هذه الفقرة.
58) الأموال فقرة 11489 – 1158، المدونة الجزء الثانى، 20، الاشراف الجزء الأول، 175، البداية الجزء الأول، 248 – 249، الأم الجزء الثانى، 34، الرد 278، اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى، 128، المبسوط، الجزء الثانى، 192، والثالث، 20، والحادى عشر، 174، الهداية الجزء الأول، 75، البدائع الجزء الثانى، 19، الخامس، 199، المغنى الجزء الثانى، 275-276، السابع، 3-4، المحلى، السادس، 75-83
59) المدونة، الثانى عشر، 64-65، البداية، الثانى، 249 – 250
60) المختصر، الثانى 230، المهذب، الأول، 245، المبسوط، الحادى عشر، 166، 174، المحلى، الجزء الثامن، 125، المغنى، الخامس، 16
وليس للحنابلة حكم في هذه الحالة، الإفصاح 203
61) أنظر الأم، 27، الآثار، رقم 838، المدونة الجزء الثامن، 109، 138، المغنى الجزء الرابع، 47 – 48
62) المدونة، الجزء الثامن، 108، 113، 127، 149، الحادى عشر 191
63) خاصة عن ابن حزم في المحلى، الجزء العاشر 394
64) وهذا هو الواقع منذ إصلاحات الخليفة عبد الملك (نهاية القرن السابع) 4.25 جرام للدينار و 2.97 للدرهم.. وكان وزنهما قبل ذلك أكثر من المذكور.. أنظر Miles في مقالة الدينار والدرهم في Inc. Islam، أنظر التاريخ النقدي للإسلام في القرن الأول الهجرى وخريطته التقليدية عند البلاذورى القرن التاسع، النقود، ص 9-18. ولكن هذا التاريخ والنقد الذي يمكن توجيهه إليه ليسا موضوع بحثنا هنا. ولكن نذكر فقرة في المدونة الجزء السادس عشر 66 عن ابن القاسم أحد أنصار مالك حيث ذكر أنواع الصرف.
65) كما ذكر أخيرا استنادا إلى وجود النقدين معا.. ص 4881
LOccidente el Islam nell alto medioevo spolete 1965
66) وزن، قيم، يقابله ناقص.. ويقابل “الجيد”.
“الردىء”، ويقابل “الرائج” “الفاسد”
67) نقود، 16 المنتقى، الجزء الرابع، 264-265، الأمثلة التاريخية في المجلة، الجزء الحادى عشر، 363، والعقوبات الجسدية للمخالفين في الحجاز في القرن الأول الهجرى، أنظر أيضاً “أحكام سلطانية” (القرن الحادى عشر) ص 329 – 330، وفيما بعد “الدوحة” ص 121 – 124 والتي تنتهى إلى تأكيد حرمة النقود الذهبية والفضية.
68) يطلق لفظ بهرج أو مبهرج على النقود ذات العيار الناقص.
69) يبدو أن الحنابلة قد أعلنوا عدم شرعية أى بيع أو شراء بالنقود المغشوشة.. ولكن التفسيرات الحديثة نفت ذك.. المغنى، الجزء الرابع، 49- 50. يفتى الغزالى بأنه يمكن قبول هذه النقود إذا كانت سائدة في أماكنها “الأجباء”، الجزء الثالث عشر، الفصل الثانى.
70) الجامع الكبير، 340 – 341
71) المبسوط، الجزء الثانى عشر، 145 – 146، الهداية الجزء الثالث، 62 – 63 البدائع، الجزء الخامس، 196-197، ( و 198 حول شراء القطع المغشوشة بالعدد).
72) الهداية، الجزء الأول، ص 74، البدائع، الجزء الثانى، 17-18، الجزء السادس، 82
73) أنظر.
Cl. Cohen l’occidente e l’Islam nell altp mediovo
74) الهداية والبدائع – يذكر أنه يعتبر البيع شرعيا إذا تم بيع خمسة Gitri Fiyya بدرهم واحد وليس ستة.. البدائع، الجزء الخامس 197.
75) الاشراف، الجزء الثانى 55، المهذب، الجزء الأول، 385 المغنى: الخامس، 15
76) المدونة، الجزء الثامن، 128-129، 152، الاشراف: الأول، 175، الأم، الثانى، 33 – 34 الثالث، 27، المهذب، الأول، 158، 174، المغنى، الثالث، 5 والرابع 49 – 50، والثامن، 243، بشأن السرقة المحلى، السادس، 66، الثامن 489-510
77) جمع فلس – أنظر بشأنه
udontch في Enc. Islam 2
78) مثلا في المدونة، الجزء الرابع عشر، 27 (أنظر أيضاً الثامن، 153-154)، المبسوط: الجزء الرابع، 26-28، الهداية، الثالث، 63-64
79) استثناء في المدونة، الثانى، 52، إذا كان النحاس يستخدم كسلعة يتم نقلها للتجارة.
80) الآثار، رقم 850، المبسوط، الجزء الثانى عشر، 182 – 184، الهداية، الجزء الثالث، 63، البدائع، الجزء الخامس، 185 – 186 – 802، 212
81) أصل، الجزء الأول، ص 7، الجامع الصغير، 77، البدائع، الجزء الخامس، 208
82) المبسوط: الجزء الثانى عشر، 136 – 137، الرابع عشر، 24، 25، الثانى والعشرين، 21، البدائع، الجزء السادس، 59-82، والشرعية استقراض الفلوس، انظر المرجع السابق، الجزء السابع، 395
83) الأم، الجزء الثالث، 28، 86… أنظر أيضاً المختصر، الجزء الثانى، 139-140، المهذب، الأول، 385، حجة القمح في الحجاز فيما يختص بالمضاربة في البدائع، الجزء السادس، 82
84) المغنى، الجزء الخامس، 15، الإفصاح، 172
85) المدونة، الجزء الثانى، 52، الثانى عشر، 86
86) المدونة، الجزء الثامن، 103 – 104 – 128 – 129، 152 – 155، الجزء التاسع، 52، 115، 120، الجزء الخامس عشر 119
بالنسبة لبعض الآراء المتسامحة أنظر المرجع السابق الجزء الثامن 111
87) المدونة، الجزء الثامن، 104
88) في بداية القرن الماضى ندد ريكارد بالغموض الذي يكتتف التعبيرين:
اثمان وقيم فالأثمان هى “القيم التي يمكن تبادلها بواسطة النقود فقط”
Oeuvres completes, traduction francais, paris 1847,p, 582
89) المدونة، الجزء الثامن، 134
90) المنتقى، الجزء الرابع 258، الخامس 98، والمهذب، الجزء الأول، 385
91) المقدمة، الفصل الخامس، القسم الأول
92) البداية، الجزء الثانى، 132، المغنى، الجزء الثالث، 8
93) المهذب، الجزء الأول، 158.. لا تعترف جميع المذاهب بهذا الإعفاء.
94) هناك صدى لذلك عند الحنابلة في النصف الأول من القرن الرابع عشر.
Laoust, Esai sur les doctrine d’ibn Taimiya, paris 1939 p.358, n.4