لقد كان تأثير الأعمال المصرفية بالنسبة للاقتصاد الإنساني الحديث مماثلاً لتأثير ظهور النقود بالنسبة للاقتصاد البدائي عندما كانت المقايضة هي القاعدة، لقد أدت الأعمال المصرفية إلى تسهيل التبادل بدرجة عظيمة وساعدت على تكوين رأس المال والإنتاج على
نطاق واسع لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسان، ولكن الأسلوب الذي اتبعته لتحقيق ذلك يعد مسئولاً عن أشد مساوئ الاقتصاد الحديث، وهي: عدم الانصاف في توزيع الدخل والثروة، وتركز القوى الاقتصادية، والنزعة المستوطنة تجاه التضخم والتكدس السريع للديون في العديد القطاعات الاقتصادية مع ترتيب نتائج سياسية، واقتصادية واجتماعية خطيرة. ولذلك فإن هذا النظام يتطلب منا دراسة دقيقة متفحصة ومؤيدة لإقامة إصلاح أساسي في الأعمال المصرفية حتى يتم التخلص من تلك المساوئ وتعديل النظام حتى يتوافق مع الغايات المنادى بها بصفة عالمية، وهي العدل، والإنصاف، والتقدم.
إن دور المصارف الرئيسي يعتبر دور وسطاء ماليين ما بين المدخرين الأساسيين.. أي الأسر.. والمستثمرين الأساسيين… أي الشركات. وتنشأ المدخرات من خلال مساهمة الملايين من الأسر حين تقتصر المشروعات التجارية فقط على عشرات الآلاف من الشركات، ويحتاج كل مجتمع إلى بعض الوسائل يتم عن طريقها حصر المدخرات ما بين المدخرين والمستثمرين على أساس نوع من الفهم بالنسبة لأسلوب رد الأموال والعوائد. إن قصور المعرفة ووسائل الاتصال واختلاف الميول بالنسبة للسيولة والمخاطرة والزمن اللازم، إلخ، يجعل التعامل المباشر بين المدخرين والمستثمرين الأساسيين غير فعال وذا مجال محدود. وقد أقدمت البنوك على تقديم أنواع مختلفة من التأمينات، وتسهيلات السحب والعوائد المضمونة التي ينطبق عليها نظام الفوائد بالنسبة للمدخرين، وإن للوسطاء الماليين أيضاً فيما عدا البنوك دوراً في هذا الصدد، ولكننا لن نتناوله بالدراسة حالياً. وتعد البنوك نظراً لحيازتها على الكثير جداً من الأموال العامة في وضع يجعلها قادرة على تقديم القروض لاستثمارها في المشروعات التجارية. وهكذا فهي تقوم بدور حاسم بالنسبة لتوزيع الموارد المالية المتوفرة في المجتمع، وإن واحدة من الحقائق الحاسمة في هذا الشأن هي كون القروض المصرفية قائمة على أساس مدفوعات ثابتة من الفوائد، واعتبار السيولة واحدة من اهتماماتها الرئيسية إلى جانب كسب الأرباح، وعند وضع البنوك لسياستها التوزيعية، فإنها لا تأخذ في الاعتبار احتياجات المجتمع وأولوياته من المشروعات الإنتاجية لأنها بحكم الظروف تفضل المشروعات ذات النمو السريع والفوائد المرتفعة.
إن احتياجات المجتمع الحديث المتزايدة بالنسبة لإيجاد وسيلة للتبادل لم يكن من الممكن سدها عن طريق النقود المعدنية بمفردها. ولو أننا استخدمناها ما كان لها جدوى على الإطلاق. لقد كان ظهور العملة الورقية، والشيكات المصرفية فيما بعد وقبولها بواسطة المجتمع باعتبارها نقوداً يرجع بصفة كبيرة إلى النظام المصرفي، وبأن الاعتمادات المصرفية، أو النقود التي ترد للبنوك وتقيد في دفاترها، تعد طريقة ملائمة لازدياد الودائع المالية بما يفي بطلب المجتمع منها، ولقد تطور ذلك الأمر كشيء ملازم لدور البنوك السابق ذكره وسرعان ما أصبح هو وظيفتها الغالبة التي فاقت وظيفتها السابقة في الأهمية.
ومع ذلك فإن من الهام أن نلاحظ أن الشروط التي أدت البنوك مهمتها الأولى على أساسها كانت مسئولة إلى حد كبير جداً عن تكوين طلبات واسعة من القروض ولقد أصبح طلب القروض قصيرة الأجل غير متناسب مع بنيان عملية الإنتاج بصفة رئيسية، ولكن البنوك لن تميل إلى التمويل طويل الأجل ولن تشارك في المخاطرات. ومن ثم فإن الالتجاء إلى سلسلة من التدابيرات قصيرة الأجل والاعتماد على وسطاء ماليين آخرين قد أصبح شيئاً حتمياً بالنسبة للشركات.
وتقوم البنوك بأداء عدد من المهام الأخرى مثل تنظيم طلبات الإيداع، وحفظ الأشياء الثمينة بطريقة مأمونة، ومهام التوكيل فيما يتعلق بالمدفوعات والمقبوضات، إلخ؛ والتحويلات المالية على مدى الزمان والمكان. ولكن تلك المهام لا تعنينا الآن لأنها ليست ذات صلة بالإصلاح المراد. ولذلك سوف نتناول بالبحث مهمتها الرئيسية ونتتبع بعض النتائج التي تمتد جذورها في نظام الفائدة ذاته.
النتائج المترتبة على الفائدة:
يواجه المستثمر الأساسي بأحوال متقلبة ولا يستطيع التنبؤ بنتائج مشروعاته بصفة أكيدة. ولكنه مع ذلك يكون ملزماً بدفع نسبة مئوية من الأرباح التي يحوز عليها زيادة على رأس المال الأصلي. وهو لا يكون لديه أي إرشاد في ذلك الشأن سوى توقعاته بالنسبة لأرباح مشروعه. ولو أن نسبة الربح المتوقعة كانت أدنى من سعر الفائدة السائدة في السوق، أو لنكن أكثر واقعية، لو أنها لم تكن مرتفعة بما يكفي لأن تترك له بعض الأرباح، فإنه سوف يضطر إلى التخلي عن المشروع.
وتلك غالباً تتضمن المشروعات التي تعد ذات أهمية طبقاً لترتيب الأولويات في المجتمع، ولكن الرد يكون بلا عون على الإطلاق في هذا الشأن. ولذلك، فإن المجتمع يجد نفسه مضطراً لاعتناق أساليب أخرى للاهتمام بمثل تلك المشروعات، وقد كان على مدى التاريخ يضطر لأن يقر بها في القطاع العام أو يمولها من خلال مؤسسات خاصة معتمداً في ذلك على الأموال العامة التي تجبى من خلال القروض أو الضرائب. ولذلك فإن تأسيس نظام دفع النسب الثابتة من الفائدة على القروض يعد شيئاً عدائياً بالنسبة لنمو المجتمع الحر ويؤدي إلى ظهور النزعة الاشتراكية.
ثانياً، إن الفوائد المستحقة على قروض البنوك يجب معالجتها كبند من بنود التكلفة التي تؤدي إلى ارتفاع منحنى التكلفة وتؤثر على سياسة الشركة بالنسبة لتحديد أسعار منتجاتها وأجور عمالها، بافتراض أن المجتمع الذي تسوده المنافسة الغير مثلى يقوم ببعض المناورات بالنسبة للكثير من الشركات في هذا الشأن.
وكلما ارتفعت منحنيات التكلفة، كلما دل ذلك على ارتفاع أسعار التوازن وإيجاد معدلات محدودة للإنتاج. وفوق ذلك، فإن متعهد الأعمال الذي يشارك في الأرباح لا يكون ملزماً بالتحقق من التكاليف أو الفوائد لأن التزامه الوحيد بالنسبة للممول هو مشاركته في الأرباح ذات المفعول الرجعي. وبالرغم من أنه يعتبر في عداد الساعين وراء الفائدة، فهو يستطيع مع ذلك أن يراعي الأهداف الاجتماعية عند وضعه سياسة الاستعمار وسياسة الأجور إذا رغب في ذلك، ويستطيع أن يخدم غايات أخرى على حساب بعض الأرباح قصيرة الأجل. ولكن تلك الحرية ليست متوفرة بالنسبة لصاحب العمل الذي يقوم بدفع الفوائد. .
إن جميع ما يعتبر صالحاً وحسناً من الناحية الأخلاقية والجمالية في المجتمع ينتج عن العمل الإبداعي وليس عن العمل الذي تقرره قوى الطبيعة بطريقة مجهولة. وقد كان العلماء الاقتصاديون في الأيام الخالية مضللين وفي نفس الوقت مضللين في محاولتهم إقناعاً بأن تصرفات متعهدي الأعمال كان يتم تقديرها بواسطة قوى مجهولة غير تاركين أي مكان لما يقوم به العمل الإبداعي. ولقد ساهم نظام الفائدة في تدعيم ضلالهم. ولسوف يكسب المجتمع لو أنه أزال ذلك القيد، ووسع فرص العمل التطوعي الذي يتجه وجهة أخلاقية بالنسبة لمتعهدي الأعمال.
وإن ثالث وأخطر النتائج لقيام قروض البنوك يكون على أساس الفائدة تتعلق بالمشروعات التي تتعرض للخسائر ولكنه يكون من الملزم بالرغم من ذلك رد المبلغ الأصلي والفوائد المشترط عليها، مع سد العجز من الموجودات ذاتها. ويطرح ذلك أمامنا موضوع العدالة. لو أن نتائج المشروع كانت غير أكيدة نتيجة لطبيعة المجتمع، فلماذا يضمن للممول عائد ثابت وأكيد بينما يترك للمتعهد بالأعمال كلية عبء جميع الشكوك التي تتجسد في شكل خسائر. إن الأحوال الغير جديرة بالثقة التي يتعاون فيها رأس المال والعمل لحث الإنتاج لا تضمن قيمة إنتاجية إيجابية لأي منهما. وبعد أن تناولنا المسائل المتصلة بالقدرة الإنتاجية لرأس المال والتمييز بين رأس المال العيني ورأس المال القيمي، وبينهما وبين رأس المال المؤمن عليه في مراجع أخرى فإننا سوف نركز انتباهنا على المسألة الرئيسية المتصلة بذلك. إن العقاب الذي يفرض على متعهد الأعمال الذي لم يصادفه النجاح ليس له أي مبرر على الإطلاق نظراً لعدم قدرتنا على التأكد من الأمور المحيطة بنا. وإنه من المفترض أن يكون الصيرفي قد اختبر مقدرة متعهد الأعمال وقام بفحصها قبل أن يقر بقبول تقديم القرض. ويرجع تكدس الخسائر إلى عوامل خارجة عن سيطرة المتعهد بالعمل تتعلق بإجراء تحليل كلي للاقتصاد كما ترجع أيضاً إلى الإدارة غير ذات الكفاءة بقدر مماثل. وإن فشل المشروع في تحقيق ربح يحرم متعهد الأعمال من الحصول على أي مكافئة مقابل خدماته التنظيمية، ويكون ذلك عن حق نتيجة لفشل المشروع في تكوين أي ثروة إضافية يمكن مكافأته منها. وإن إرغامه على سد العجز في رأس المال المتسبب عن الخسارة ودفع النسبة الفائدة يفترض وجود خاصية متأصلة لرأس المال، وهي أنه لا يجب أن يبقى كما هو بدون نقص فحسب ولكن يجب أن يؤدي مرور الوقت أيضاً إلى نموه بصرف النظر عن تقلب الأحوال. ويعد هذا افتراضنا خاطئاً ليس لديه أي أساس منطقي أو تاريخي. ويرتكب نظام الأعمال المصرفية عملاً يتسم بعدم الإنصاف فهو يعاقب الإقدام بصفة عامة، ويؤدي إلى إقصاء الأفراد من متعهدي الأعمال عن أي نشاط أبعد من ذلك نتيجة لحرمانهم من الموجودات التي كونوها من قبل. فإن الشيء الوحيد الذي يعد ذا أهمية هو مرور فيض ثابت من الثروة من طبقة متعهدي الأعمال إلى البنك بصرف النظر عما إذا كان ذلك يؤدي إلى أي مساهمة واقعية في ثروة المجتمع. وبالرغم من واقع الأمر الذي يعد فيه نمو الثروة غير أكيد بسبب تغير الأذواق، والجو، والأشياء الأخرى الغير قابلة للقياس بدقة مثل التطورات السياسية، والإختراعات إلخ… فإن رأس المال الذي يساهم في المشروع يكفل له نمو مطرد في حين أن التنظيم الذي قام بالإعداد لتلك المساهمة يتحمل كل العبء المتعلق بعدم الثبات ويعمل على تقديم التأكيدات لرأس المال! لذلك، فإنه يجب إصدار الحكم على نظام القروض القائم على أساس الفائدة بأنه غير عادل وتمييزي وضار بالصالح الاجتماعي.
إن الاستعاضة عن الفائدة بمبدأ المشاركة في الربح كأساس للقروض المصرفية المقدمة للأعمال التجارية سوف تعالج النتائج السيئة للنظام الذي ذكرناه منذ لحظات، وذلك هو الإصلاح الرئيسي الذي نقوم بتأييده. وإن الميزة الأخرى هي تأمين اشتراك البنوك بطريقة فعالة في المشروعات الإنتاجية التي تقوم بتمويلها، ونظراً لأن دخل البنوك يأتي بصفة مباشرة من الأرباح الفعلية التي تحصل عليها من المشاريع التي تمولها، فإن خبرتها أيضاً سوف تتركز في اتخاذ القرارات الفعالة ووضع الأساليب الإدارية الملائمة لتلك المشروعات.
الفائدة والقروض المصرفية:
سوف نتتبع الآن أثر الفائدة على إقامة القروض المصرفية. تعد قدرة البنوك بالنسبة لإقامة القروض منفصلة عن الشروط التي يتم بمقتضاها تقديم مثل تلك القروض، وهي تعتمد في ذلك على العادات الشائعة التي تتمثل في الاحتفاظ بجزء من الدخل في صورة نقد وإيداع والباقي في البنوك. ولا يعتبر نظام الفائدة شرطاً ضرورياً أو كافياً فيما يتعلق بقدرة البنوك على إقامة القروض.
ومع ذلك، تعد الفائدة حاسمة بالنسبة للأعراض التي تقدم القروض بمقتضاها وبالنسبة لمدى عرضها وطلبها. وفي حالة عدم وجود نظام الفائدة، وبافتراض أنه ليس من الممكن اعتبار البنوك مثل الشركات الساعية للربح وبافتراض أن تقديم القروض المعفاة من الفائدة واحداً من أدوارها الرئيسية، فإنه سوف يتم تقديم القروض المصرفية في ذلك الحين لأغراض المشروعات الإنتاجية. وسوف يتم إقامة القروض فقط في نطاق الإمكانيات الحقيقية للمشروع الإنتاجي لتكوين ثروة اجتماعية إضافية، ويجب أن نقوم بمضاهاة الموارد المالية التي تقوم البنوك بتزويدها في شكل القروض مع الموارد الواقعية التي ينتظر تعبئتها بواسطة متعهدي الأعمال. ولن تكون القروض التي تتم إقامتها على أساس المشاركة في الربح تضخمية على المدى الطويل، وسوف تكون طلبات القروض القائمة على أساس المشاركة في الربح محدودة في نطاق الموارد المتوفرة، كما أن قدرة البنوك على تقديم القروض سوف تستغل فقط بالدرجة التي تستدعيها تلك الطلبات بسبب التقيد بتوقعات الربح التي تحوز على رضى البنوك، وفي تلك الحالة لن يستطيع العرض خلق الطلب المتكافئ معه مثلما يحدث في الوقت الحالي.
ونستطيع أن نفي بالإصلاح المقترح حق قدره بعد أن نقوم بدراسة أبعد لطبيعة القروض المصرفية.
لقد كانت القروض في أيام ما قبل الرأسمالية تمثل إدخارات حقيقية. وقد كان الإشراف على الإنتاج الذي يتحقق عن طريق بعض المساهمة فيه ينتقل بصفة مؤقتة إلى المقترض، ومنذ أن ظهر نظام الأعمال المصرفية أصبح القرض يمثل قوة شرائية تتكون وتنقل إلى المقترض. وكان دفع الفائدة على القروض يتضمن نقل بعض ذلك الإشراف على الموارد الحقيقية من المدين إلى الدائن. ويؤدي دفع الفائدة على الأموال التي تتكون لغرض الإقراض بالذات إلى تعاظم تتطلب فيه الإمكانيات الإنتاجية المتوفرة في المجتمع ذلك الأمر، ثم تقدم الفوائد بعد ذلك إلى الأطراف المساهمة في الإيفاء بتلك الحاجة الاجتماعية مجازفين بـ: مدخراتهم الحقيقية (المودعين)، أو بفقدان المكافأة مقابل خدماتهم كوكلاء أو وسطاء (البنوك)، أو المكافأة مقابل الخدمات التنظيمية (الشركات).
ويحث النظام الحالي البنوك على تقديم الرعاية إلى المضاربين، والوسطاء الماليين الآخرين والحكومة الذين يعدون مقترضين نموذجيين قصيري الأمد ويظهر المستثمرون الأساسيون في حوافظ أوراقها المالية بصورة هامشية فقط وغير مباشرة غالباً. إن سلسلة الوساطات الطويلة بدرجة غير عادية بين المدخرين الأساسيين والمستثمرين الأساسيين تعد بصفة كبيرة نتاجاً للأسلوب السهل لإقامة القروض واستعمالها، ويرجع الفضل في ذلك إلى الفائدة، وتوجد علاقة صغيرة جداً بين ذلك وبين بنيان الإنتاج. ولو أننا أرجعنا تبرير ذلك التكاثر في أعداد الوسطاء الماليين ووسائل إقامة القروض إلى اختلاف الميول بالنسبة للسيولة، والمجازفة، وحجم الممتلكات والوقت والزمن المتضمن فإننا نكون قد افترضنا طهارة تلك الميول وذلك يعد أمراً مشكوكاً فيه للغاية. ويرجع ذلك التكاثر إلى حد كبير جداً للدعاية والمناورات السيكلوجية ذات الأثر الكبير. ويجب أن نتذكر صناعة الجنس التي كانت تبرر الفن الإباحي وما عداه بأنه يرجع إلى اختلاف الميول البشرية، وإنه من الضروري أن يكون للمجتمع معايير ثابتة غير قابلة للتأثر خلافاً عن الميول المتقلبة التي تستطيع الجماعات ذات المصالح المعينة التلاعب بها، سواء كان الأمر يتعلق بالجنس والعائلة أو بعلم المال والاقتصاد. وسوف تتقلص بشدة أساليب إقامة القروض عند التحول من نظام الفائدة إلى نظام المشاركة في الربح.
إن الدين العام قد أصبح الآن يمتلك أبعاداً لم يعد سداده يعتبر اقتراحاً ملائماً في ظلها، وإن المجتمع يجب أن يستمر في الانتفاع بتلك الديون عن طريق إقامة ديون غيرها في معظم الحالات. ويسير النمو الضخم في القروض الاستهلاكية جنباً إلى جنب مع النظم الاقتصادية الأكثر تقدماً، وسوف ينتج ذلك الأثر، وإلى طرح قضايا جديدة تتعلق بتبريره. وبافتراض وجود احتياطي بنسبة 10 في المائة بدون تسرب، فإن الودائع الإدخارية التي تساوي 100 تمكن البنوك من تقديم 1000 كقروض، ويتضمن ذلك نقل 100 سنوياً من المدين إلى البنك بافتراض أن يكون سعر الفائدة 10 في المائة سنوياً. وفيما مضى، كانت المائة المدخرة والمقدمة كقرض تتضمن نقل 10 فقط سنوياً. وفي حين يؤدي سداد القروض إلى القضاء على الأموال التي كونتها البنوك، فإن الفائدة التي تدفع عليها تبقى كما هي. ولقد تضاعفت قدرة المدخرات على الحصول على موارد إضافية بمجرد مرور الوقت، ويرجع ذلك الفضل إلى العرف الاجتماعي الذي يسمح للبنوك بتقديم القروض. أما بالنسبة لمقدار تلك الموارد الإضافية التي تذهب إلى المدخرين الأساسيين والمقدار الذي يتراكم في البنوك، فتلك قصة أخرى.
ولننظر بعين الاعتبار إلى الموقف المترتب على التحول من نظام الفائدة إلى المشاركة في الربح. إن قروض البنوك التي تقوم على أساس المضاربة من الممكن أن تكون بمثابة مضاعفة لودائعها الإدخارية، ولكن عائدها سوف يتراكم في شكل نسبة مئوية من الأرباح التي تم تحقيقها، نتيجة لتكون ثروة اجتماعية إضافية مترتبة على تلك القروض. ثم يتم اقتسام ذلك العائد بين البنوك والمودعين طبقاً لنسبة مئوية متفق عليها. وفي تلك الحالة سوف يهبط تراكم الأرباح على الودائع في مقابل الأخطار المحيطة بالمشروع الإنتاجي، ويتم تقدير حجم تلك الأرباح بالنظر إلى الأحوال السائدة في السوق ونسبتي المشاركة في الأرباح اللتين تخضعان إلى عوامل الطلب والعرض. كما أن مقدرة المدخرات الحقيقية على اكتساب موارد إضافية بمجرد مرور الوقت سوف تنهار تماماً. وبدلاً من ذلك فإنها سوف تمتلك إمكانية لاكتساب الموارد الإضافية في نطاق مقدرة المشروع الإنتاجي على تكوين ثروة إضافية عند استغلاله. وإن تقديم البنوك للقروض قد أدى بدون شك إلى توسيع تلك الإمكانيات، ولكن التحقيق الفعلي لذلك يعتمد على مدى الإمكانيات المتوفرة للإنتاج، وإن العرف الاجتماعي السائد الذي يسمح بتقديم قروض يستخدم إلى المدى الذي عن إلغاء الفائدة أن يدمج تقديم القروض الاستهلاكية في إطار الخدمات الاجتماعية التي تقوم الدولة بتنظيمها، وسوف تكون هناك أيضاً إمكانية محدودة لاستخدام المنح الحكومية وما يمثلها للمساهمة في تلك القروض. وهكذا، فإنها سوف تتوقف عن تهديد سلام الأسر وأمن الأفراد عن اختصارها إلى حد معقول خلافاً لما تقوم به الآن من خلق المخاوف والتوترات. وقد تستطيع الدولة أن تحصل على بعض القروض المعفاة من الفائدة من المواطنين، معتمدة في بقية احتياجاتها لرأس المال على القروض القائمة على أساس المشاركة في الربح التي تحصل عليها من المواطنين ومن البنوك وسوف يتدفق رأس المال الأجنبي أيضاً على نفس الأساس. وفي جميع تلك الحالات سوف يكون سداد القروض واستغلالها (عن طريق دفع النسبة المحددة من الأرباح ذات المفعول الرجعي) من اختصاص السلطة العامة. والجمعيات التعاونية من الممكن تشجيعها على تنظيم الشراء بالتقسيط بالنسبة للمستهلكين. وبينما تؤيد جميع الآراء زيادة كفاءة الفرد وتحسين مستوى معيشته عن طريق حصوله على سلع استهلاكية جدية في مستهل حياته بدلاً من الدفع من إيراده الذي سوف يحصل عليها فيما بعد، فإن ذلك يجب أن يتم بطريقة لا تتضمن تحويل نسبة كبيرة من إيراده إلى أصحاب الدخل في شكل فائدة على القروض التي قدمت إليه.
وإن تخفيض حجم القروض والديون العامة مع الحد من حجم القروض المصرفية سوف يسير في طريق يؤدي إلى إنهاء نزعة التضخم الذي أصبح يشكل مصدر خراب للاقتصاد الحديث، وسوف يحد أيضاً بشدة من مجال المضاربة. وتحقيق التوازن بالنسبة للزمان والمكان الذي يؤدي إلى التبرير الاقتصادي للمضاربة يجب أن ينظم بحكمة ويوضع في الإطار الإسلامي الذي لا يمكن أن يسمح بمعظم أساليب المضاربة الغير صحية السائدة في الوقت الحالي، وسوف يكون لذلك نتائج هامة بالنسبة للدورات الاقتصادية، وقد فادت المناقشات في أماكن أخرى بصدد أن تحريم الفائدة والمضاربة سوف يؤدي إلى إلغاء الدورات الاقتصادية. إن الاستثمارات القائمة على أساس إمكانيات الإنتاج طبقاً للتقييم المباشر لرجال الأعمال والصيرفيين ليس من المحتمل أن تتخطى حدودها إلى حد جعل إنهيار أسعار الأسهم محتماً حدوثه في مرحلة لاحقة.
وأخيراً، فإن التحول من الفائدة إلى المشاركة في الأرباح سوف يقاوم النزعة تجاه تركيز القوى الاقتصادية في أيدي الصيرفيين والممولين. وتعتمد الكثير من تلك القوى على وقوع قطاعات هامة من الاقتصاد في وضع من المديونية الدائمة. ومع إبطال الفائدة، سوف يتحول ذلك الوضع من المديونية إلى وضع آخر هو المشاركة في المجالات الاقتصادية على نطاق واسع. وبالنسبة للمديونية الخالية من التزام دفع الفائدة، فإنها مهما بقيت فإن المقرضين لن يحوزوا على أدوات تمكنهم من ممارسة السيطرة. وسوف تصبح الأسعار التفاوتية للفائدة والشروط التمييزية التي تمنح القروض على أساسها غير متيسرة للبنوك. وسوف تتضاءل أيضاُ القوة الاقتصادية للصيرفيين والممولين لأن القطاع المالي سوف ينكمش حجمه وسوف تهبط مساهمته في الدخل الحكومي كنتيجة ضرورية للتحول من الفائدة إلى المشاركة في الأرباح.
لقد حان الوقت الآن لننتقل إلى موضوع ملائمة الأعمال المصرفية الخالية من الفائدة.
البنوك المشتركة في الأرباح:
تستطيع البنوك القيام بالعمل كوسطاء ماليين يعملون على تعبئة الإدخارات المودعة بواسطة الأشخاص على أساس المشاركة في الأرباح، ويقدمون القروض إلى الشركات على نفس الأساس. ومن الممكن إنشاء شركات مصرفية تقوم على أساس رأس المال من الأسهم، ويشارك المساهمون في الأرباح وأيضاً في الخسائر التي تنجم عن الأعمال المصرفية. وسوف يكون على متعهدي الأعمال الذين يحصلون على رأس مال من البنوك إشراك تلك البنوك في أرباحهم طبقاً لنسبة مئوية متفق عليها. وسوف تشترك البنوك في الأرباح المتراكمة لديها والتي تخص المودعين في الحسابات “الاستثمارية” طبقاً لنسبة مئوية يتم تحديدها بطريقة مسبقة. وسوف يترك ذلك للبنوك جزءاً من الأرباح التي تساهم في تكوين الأرباح الإجمالية للأعمال المصرفية، بالإضافة إلى صافي الإيرادات من الرسوم والعمولات المفروضة مقابل الخدمات المصرفية الأخرى والأرباح التي تتراكم نتيجة لاستثمار رأس مال البنك.
وفيما يتعلق بعلاقة البنوك ومتعهد الأعمال، فإن التعرض للخسارة يقع على البنك، وتستطيع البنوك أيضاً أن تؤيد الاشتراك الفعلي في إدارة المشاريع، ويساهم البنك بجزء من رأس المال ويساهم متعهد الأعمال بالجزء الآخر، وفي تلك الحالة يستطيع كلا الطرفين الاشتراك في الأرباح وفي الخسائر أيضاً طبقاً لنسبة رأس المال التي ساهم بها كل منهما. وإن نقطة الاختلاف بين النظام الذي ذكرناه أولاً، أي نظام المضاربة، وبين هذا النظام الذي يطلق عليه شركة في القانون الإسلامي، هو أن التعرض للخسارة في النظام الأول يقع على الممول فقط، أي البنك، بافتراض أن متعهد الأعمال لم يستثمر أي رأس مال خاص به. ومع ذلك فإنه ليس من المحتمل أن تتعرض البنوك للخسارة بالنسبة لقروضها ككل. ومن الممكن تأمين ذلك بتنويع الاستثمارات والإشراف على الإدارة التنظيمية. وتستطيع البنوك أن تعفي المودعين في الحسابات الاستثمارية من أخطار الخسائر التي تقع عليهم مبدئياً عن طريق الاحتياطي المقتطع من الأرباح التي تم الحصول عليها عن القروض السابقة. وسوف تستطيع البنوك أيضاً أن تقبل إيداعات في شكل حسابات جارية تدفع عند الطلب. ولكن هؤلاء المودعين لن يخول لهم الحق في أي نصيب من الأرباح. ومن الممكن إخضاعهم أو عدم إخضاعهم لدفع الرسوم بالنسبة للخدمات. ولكن البنك سوف يضطر لأن يفرد جزءاً من ودائع الطلب الخاصة بهم لأغراض تقديم قروض قصيرة الأجل ومعفاة من الفائدة. أما بالنسبة للخدمات المصرفية الأخرى المقدمة حالياً مقابل رسوم معينة فإنها سوف تظل كما هي. ويوجد اتجاه قوي مؤيد لضم البنوك الاستثمارية وبنوك التنمية إلى البنوك التجارية حتى يضمن إشراك البنوك في الإنتاج وتكوين رأس المال بأساليب عديدة.
وسوف يستمر البنك المركزي في أداء مهامه التقليدية بالرغم من أنه لن يستطيع استخدام “سعر الخصم” كأداة من أدوات سياسته. وإن تقديم النصح، والإقناع الأخلاقي والإرشاد المنظم، الذي يقوم بدور بارز يضمن إشراك البنوك في الإنتاج وتكوين رأس المال بأساليب متعددة.
وسوف يستمر البنك المركزي في أداء مهامه التقليدية بالرغم من أنه لن يستطيع استخدام “سعر الخصم” كأداة من أدوات سياسته. وإن تقديم النصح، والإقناع الأخلاقي والإرشاد المنظم، الذي يقوم بدور بارز متزايد الأهمية سوف تزداد أهميته نظراً لحقيقة أن البنك المركزي سوف يكون تحت رعاية دولة إسلامية مكرسة لصالح الشعب. أما بالنسبة لمعدل الاحتياطي عند التحول من الفائدة إلى المشاركة في الربح، فإنه سوف يظل كما هو كأداة من أدوات السياسة. أما بخصوص نسبة ودائع الطلب التي تعد حصة لتقديم السلفيات والتي سوف يسمح للبنوك باستغلالها في تقديم قروض على أساس المشاركة في الربح، فإنها من الممكن أن تصبح كأداة جديدة للسياسة تعمل على التكييف بين العرض والطلب بالنسبة للقروض المعفاة من الفائدة. وإن “معدل إعادة التمويل” الذي بمقتضاه يقوم البنك المركزي بإقراض البنوك التجارية إلى المدى الذي يمكنها من تقديم نسبة معينة من القروض المعفاة من الفائدة، من الممكن أن يصبح أداة أخرى من أدوات السياسة التنظيمية لحجم القروض وضمان السيولة للبنك. وسوف يستعاض عن السندات والأوراق المالية بأسهم في المشروعات العامة وسوف يؤدي ذلك إلى تزويد البنك المركزي بالوسائل اللازمة لعمليات السوق المفتوحة.
وسوف تستمر الإدخارات في التدفق على الحسابات الإستثمارية نظراً لأن المودعين سوف يكفل لهم عائد إيجابي يكون سعره متقلباً في حدود معقولة، ويرجع ذلك الفضل إلى إسهام البنوك بقدر كبير من المدخرات وتنويعها لاستثماراتها. وبوجود النزعة الطبيعية إلى الإدخار ومعدل الربح السابق للمشروع الإنتاجي، فإن حجم الودائع الإستثمارية سوف يكون دالة نسبتي المشاركة في الربح –بين البنوك والشركات وبين البنوك والمودعين، وسوف يكون عرض القروض القائمة على أساس المشاركة في الربح دالة لحجم الإيداعات الإجمالية، عند معرفتنا نسبة الإحتياطي ونسبة التسليف. وسوف يتم تقرير الطلب على قروض البنك القائمة على أساس المشاركة في الربح من خلال نسبة الربح المتوقعة، أي نسبة المشاركة في الربح بين البنك والشركة، ونسبة الأرباح التي تعد الحد الأدنى المرضي بالنسبة للشركات.
القروض قصيرة الأجل:
إن عرض القروض قصيرة الأجل للمشروعات التجارية ومشكلة الكمبيالات المتصلة بذلك تحتاج إلى اهتمام خاص من جانب النظام الذي لا يعترف بالفائدة. وإنه من الصعب تقييم الكسب بالنسبة للإعتمادات قصيرة الأجل للغاية التي يكون المقصود بها هو الإيفاء باحتياجات المشروع التجاري من السيولة، ومن ثم المشاركة في الربح ليس من الممكن أن تكون هي أساس تلك القروض بل يجب تقديمها كقروض مضمونة السداد ولكن معفاة من الفائدة. وعلى أي حال، فإن رسوم الخدمات يمكن استردادها من المقترضين. وتستطيع البنوك استخدام جزء من ودائع الطلب لتقديم مثل تلك القروض نظراً لأنها لا تكون مرغمة على دفع أية أرباح لهؤلاء المودعين. وقد أثار بعض الكتاب مناقشاتهم مؤيدين دفع بعض “الأرباح” عن القروض التي تقدم عن شهر أو أكثر، والتي يتم تقديرها على أساس معدل الأرباح السنوي للشركة. وفي حالة الكمبيالات التي تتضمن مدة ثلاثة شهور أو أكثر فإنه يكون من الممكن تقدير معدل الربح المعين المناسب للنسبة المقدمة من رأس المال في شكل قرض.
ولكن ما يعد أكثر أهمية هو كيفية توزيع القروض قصيرة الأجل المعفاة من الفائدة. فكيف يمكننا تكييف الطلب مع العرض المحدود المتيسر لدينا؟
إن الكثير من الطلبات بالنسبة للمال المقترض والاعتمادات قصيرة الأجل تنبثق من داخل القطاع المالي ذاته ومن المحتمل حذفها نظراً لانكماش حجم ذلك القطاع نتيجة لإلغاء الفائدة. وفي قطاع الإنتاج، فإن إجمالي الطلب على القروض قصيرة الأجل يعتمد على حجم الإستثمارات طويلة الأجل وعلى حجم القروض التجارية السائدة (القروض المقدمة بواسطة شركة إلى شركة أخرى). وإن الاحتياجات بالنسبة للقروض على مدى الأسابيع أو الأشهر يمكن أن تقوم على المستوى الكبير. ومن الممكن أن يتم ذلك بواسطة البنك المركزي الذي سوف يقوم حينئذ بتأمين إيجاد عرض متكافئ مع الطلب عن طريق التلاعب “بمعدل إعادة التمويل” و “معدل الإقراض”. وسوف تقوم البنوك الفردية بمهمة توزيع تلك الموارد المالية المعدة للقروض على المستوى الجزئي طبقاً للمقاييس التالية:
1- الإحتياجات المعينة للشركات من القروض.
2- الأولويات الاجتماعية التي ترتبط بالمشروع.
3- طبيعة الضمان المقدم مقابل القرض.
4- إذا ما كان الراغب في القرض قد حصل أيضاً على قروض طويلة الأجل من البنك بالنسبة للمشروع ذاته.
5- متوسط رصيد طالب القرض من الحساب الجاري في البنك على المستوى السنوي أو الشهري أو الإسبوعي.
ومن اختصاص البنك المركزي أيضاً أن يمارس نفوذاً مباشراً أو تميزاً مباشراً بالنسبة لقرارات البنوك فيما يتعلق بالبند الثاني. وإن استخدام “معدل إعادة التمويل” بأسلوب تفاضلي يعتبر من صميم الموضوع. ومن المتوقع أن تفضل البنوك السندات المالية الجيدة على الغير جيدة وأن تقوم برعاية الشركات العميلة أكثر من المشروعات التي لا تشارك فيها. وإن متوسط الرصيد الذي يمتلكه طالب القرض في الحساب الجاري من الممكن أن يشكل الأساس بالنسبة للتسهيلات الخاصة بالسحب –على المكشوف- ويعد ذلك واحداً من أشكال منح القروض قصيرة الأجل.
أما بالنسبة للقروض المعفاة من الفائدة المقدمة إلى المستهلكين، فيجب تدبيرها بصفة عامة من خلال هيئات عدا البنوك والتي تعد بمثابة شركات ساعية للربح. وفي المجتمع الإسلامي يكون من الممكن تقديم قروض الاستهلاك من رصيد الزكاة المعد لهذا الغرض بالذات. ولقد اقترح بعض الكتاب أنه من الممكن أن يعهد إلى البنوك بإدارة مثل ذلك الرصيد، وبالإضافة إلى ذلك، فإن البنوك تستطيع تقديم بعض التسهيلات للمودعين بالنسبة للسحب على المكشوف لتكون حافزاً.
في جميع حالات القروض المعفاة من الفائدة فإنه يجب ضمان سدادها في نهاية الأمر بواسطة الدولة. وفي الحالات الحقيقية المتضمنة عدم القدرة على الدفع، فإنه يمكن السداد من رصيد الزكاة أيضاً. ومن الممكن أيضاً وضع خطة تأمين شاملة للعناية بذلك.
وأخيراً، يجب ملاحظة الرأي القائل بأن الاستعاضة عن الرسوم الثابتة من الفائدة بواسطة نسبة مئوية من الأرباح التي حققها المشروع تجعل العائد بالنسبة لقروض البنك يقوم على أساس أمانة متعهد الأعمال في مسك الدفاتر. وبنفس الطريقة، سوف يحصل المودعون في الحسابات الإستثمارية على نصيبهم المستحق من الأرباح فقط إذا قدم البنك إخطاراً صحيحاً بأرباحه. ولذلك، فإنه من المؤكد أن النظام بأكمله يتوقف على المعايير الأخلاقية للأطراف المعنية.
وإننا لا نستطيع أن ننكر الحاجة لرفع المعايير الأخلاقية للناس نظراً لوجود تكامل بين الأخلاق والمؤسسات الإسلامية، وإنه مما يؤمل فيه أن يسير ذلك التحسن في المعايير الأخلاقية جنباً إلى جنب مع التحول الإسلامي للمجتمع، ومع ذلك، فإن القوى الاقتصادية التي تعمل على منع الغش والإحتيال بالنسبة لمسك الحسابات تعد ذات أهمية مماثلة. وإن البنوك بصفتها ساعية للربح سوف تسترشد في أعمالها بالسجل الماضي للشركات الخاص بالأرباح التي حققتها ودفعتها للبنوك عن القروض السابقة. وهؤلاء الذين لديهم سجل يدل على أنهم قدموا حصة أكبر من الأرباح عن قروض البنك سوف تكون لديهم فرصة أكبر للحصول على قروض جديدة. أما هؤلاء الذين قدموا حصة ضئيلة أو ادعوا الخسارة فسوف تكون لديهم فرصة صغيرة للحصول على قروض جديدة. وسواء كان السبب هو الغش في مسك الدفاتر أو الإدارة السيئة، فذلك شيء لا يخص البنوك على الإطلاق. إن وجود سجل للشركة يدل على ضآلة أرباحها سوف يحرم تلك الشركة من قروض البنك في المستقبل مما يهدد استمرارها في العمل. وسوف تحاول الشركات الحفاظ على سجل جيد بالنسبة لأرباحها مراعاة لمصالحها على المدى الطويل، وسوف تكف عن الممارسات التي تعطي إنطباعاً سيئاً بالنسبة لكفاءتها في تحقيق الأرباح. وينطبق نفس الشيء على الأرباح والودائع. وسوف تؤدي المنافسة بين البنوك إلى تأمين وكبح النزعة إلى تصوير أرباح البنك كأقل من حقيقتها بهدف توزيع أرباح أقل على الودائع وإذا انغمست البنوك بصفة عامة في مثل تلك الممارسات، فإن حجم الودائع المصرفية سوف ينخفض مما يؤدي إلى إرغامها على تغيير تلك الممارسة حتى تجذب ودائع أكثر.
ومع ذلك، فإن البعد الآخر لتلك المشكلة هو كفاءة الأساليب الحديثة بالنسبة لمراجعة الحسابات بطريقة حاسمة والمراجعة الإدارية لمنع الغش والإحتيال، ومن الممكن أيضاً للبنك في معظم الحالات اشتراط إنجاز جميع المعاملات المالية للشركة عن طريقه.
إن تحول الأعمال المصرفية من الفائدة إلى المشاركة في الربح سوف يصبح أكثر سهولة لو تمت مصاحبته بتغييرات أخرى في إطار تحول المجتمع إلى النظام الإسلامي، وإن التحريم التام للفائدة سوف يسد الثغرات التي تستطيع إحباط الإصلاح المقترح لو أنه اقتصر فقط على قطاع الأعمال المصرفية، كما أن تحريم جميع أشكال المضاربات الغير صحية والأعمال المالية المتطرفة سوف يلغي الكثير من الوساطات وينخفض القطاع المالي إلى أبعاد معقولة. وسوف يؤدي فرض الزكاة على جميع أرصدة الصناديق إلى التقليل من تفضيل السيولة وسيؤدي إلى تشجيع الإستثمار. وإن وضع خطة شاملة للتكافل الاجتماعي على أوسع نطاق في دولة الرفاهة سوف يخفض الطلب بالنسبة للقروض الإستهلاكية ويقاوم النزعة تجاه تركيز الثروة والقوة الاقتصادية. وأخيراً، فإن تغيير الاتجاه من التركيز على الذاتية إلى الإتجاه التعاوني الإنساني المتمثل في مبدأ “عش وعاون الآخرين على المعيشة” سوف يؤدي إلى تغيير طبيعة وخاصية العلاقات الاقتصادية في المجتمع الإسلامي.
نظرة عامة:
لقد تم بالفعل فهم فكرة البنوك المشاركة في الربح وقد ظهرت حديثاً الكثير من المؤسسات المصرفية التي طبق عليها ذلك الإصلاح. وقد حاز بنك دبي الإسلامي على الكثير من النجاح بصفة رئيسية من خلال الإشتراك المباشر في التجارة والصناعة. أما بالنسبة للبنكين الإسلاميين في القاهرة والخرطوم فإنهما يعتبران حديثين للغاية حتى أنه لا يمكن أن نتحدث عن أي نجاح أحرزاه بعد. وفيما يتعلق ببنك التنمية الإسلامي في جدة، فإنه قد قدم في عامه الأول بعض الأمثلة العملية لكيفية توجيه الاستثمار على نطاق واسع من خلال الأرباح المتوقعة. لقد جذبت فكرة البنوك القائمة على أساس المشاركة انتباه دوائر الأعمال المصرفية في الغرب. وبقدر ما فشلت التنظيمات المالية الحديثة في قيادة العالم الذي أرهقته بتعقيداتها، وبتركيز القوى الاقتصادية، والركود، بقدر ما تحوز قضية الإصلاح على قوة أكبر. وإن الإصلاح الذي نقترحه بالذات يستحق الكثير من الإعتبار.