أبحاث

دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم

العدد 19

[إن علاقة المرأة بالنسبة لله بصفتها فرداً كثيراً ما يتم إهمالها. لقد تناولت الدكتورة دفت سعود وجهاً هاماً من أوجه تلك العلاقة. ونحن نرحب بالتعليقات والآراء الأخرى- المحرر].

إن موضوع مناقشتي هنا يتعلق بتعريف دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم. وتتمثل المصطلحات الرئيسية في هذا الشأن فيما يلي: الأدوار والمسئوليات، والمرأة المسلمة، والعالم. إنني أود أولاً أن أركز على المصطلح الأخير وهو “العالم”. ماذا يعني؟ إن مصطلح “العالم” في مجال الدراسات الدينية والفلسفة يشير بصفة عامة إلى ثلاثة مكونات: الله، والعالم الخارجي والإنسان. (بالطبع إن ما أعنيه بكلمة man هو الإنسان وليس الرجل). ومن ثم فإن مصطلح “العالم” في استعمالنا هنا سوف يشير إلى الله، والعالم الخارجي والإنسان، وأود أن أحلل موضوع دراستنا إلى ثلاثة عناوين منفصلة بالرغم من تداخلها، وهي:

1-   دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه الله.

2-   دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه العالم الخارجي.

3-   دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه نفسها وتجاه غيرها من بني الإنسان.

إن واحداً من الأسباب التي تجعلني تواقة إلى تأكيد المتضمنات الثلاثية في التعبير “العالم” هو أنني اكتشفت شيئاً أفزعني وأدهشني وهو أن الأغلبية الساحقة من الكتاب والمحدثين –المسلمين وغيرهم- عند تناولهم الموضوع المتعلق بدور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم يقومون بتعريف العالم، أو بصفة أدق يقصرون العالم على المنزل. أي في عبارة أخرى، فهم تقريباً يركزون تماماً دور ومسئوليات المرأة المسلمة في إطار الزواج، ولكن الزواج والمنزل، أياً كانت أهميتهما لا يكونان العالم، إنهما ليسا إلا جزءاً من حياة المرأة المسلمة ويجب النظر إليهما في ذلك الإطار، فالمرأة المسلمة لديها دور معين تقوم به ومسئوليات معينة تجاه الله والعالم الخارجي والإنسان؛ منذ مولدها إلى نهاية حياتها سواء كانت متزوجة أم لا، وسواء كان لديها منزل أم لا؛ ويبدو لي أنه قد أسيئ فهم دور المرأة المسلمة في العالم على مدى قرون، ولجيل بعد جيل، ويرجع ذلك بصفة كبيرة إلى الاعتقاد الغالب في المجتمعات المسلمة أن عالم المرأة هو المنزل، وأن النساء خارج نطاق الزواج لسن جديرات بأي اهتمام أو قيمة، ويبدو أنه حتى الكتاب أو المتحدثين الذين كان لديهم ما يكفي من السماحة لأن يسلموا بأن للنساء المسلمات بعض المهام، فلنقل تجاه الله أو المجتمع، فإنهم على الرغم من ذلك يعتقدون أن تلك المهام تعد ثانوية ويتم أداؤها فقط في حالة إذا ما كان وضعهن الزوجي يسمح بذلك.

إنني أتحدى تلك الافتراضات، وسأوضح هنا أن مسألة المرأة لوقت طويل –طويل طويل للغاية- كان ينظر إليها من الاتجاه الخاطئ من التلسكوب، ويبدو أنه لا سبيل إلى اجتناب إعادة النظر في هذا الموضوع –أي دور ومسئوليات المرأة المسلمة في العالم، والنظر إليه من الوجهة السليمة بدون تحيز أو تحامل عميق الجذور. إنني أشعر أن هنا السؤال المفرد الذي يحوز على أكثر الأهمية والذي يواجه العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، ولو لم نجد الإجابة في الوقت المناسب، فإننا قد نواجه بأزمة شديدة من أي أزمة عرفها المسلمون في أي وقت مضى.

ولنبتدئ من حيث كان يجب أن نبدأ –بالسؤال التالي: ما هي علاقة المرأة بالنسبة لله؟ بدلاً من السؤال ما هي علاقة المرأة مع الرجل أو وضعها بالنسبة له. ولإجابة ذلك السؤال الذي طرحناه في عبارة واحدة نستطيع أن نقول: إنها نفس العلاقة تماماً مثلها مثل الرجل. ومن أجل أن أوضح هذه النقطة فإنني أشير إلى فكرة “العهد” التي جاء ذكرها مرات عديدة في القرآن كما جاء ذكرها في الوصايا القديمة والحديثة، وهكذا فإنه يوجد في أعماق تقاليد الإسلام بأكملها التي ترجع إلى الأنبياء الأولين. ما هو العهد؟ إن العهد هو اتفاق أو عقد ولكنه يختلف عن الاتفاقات أو العقود المعتادة في نواحٍ واضحة معينة؛ ومن الممكن تصوير العهد القائم بين الله، والعالم الخارجي والإنسان في مثلث تتكون قاعدته من العالم الخارجي والإنسان. وطبقاً للعهد القائم بين الله والعالم الخارجي والإنسان، فإن لله حقوقاً معينة، ويحوز الله على تلك الحقوق لمجرد كونه الله- الخالق المقيت. إن الإسلام والعالم الخارجي يحصلان على طيبات الحياة وأسبابها، وفي مقابل ذلك يجب الالتزام بإرادة الله، وفي حن أن الإنسان يستطيع أن يجد مخرجاً من أي تعاقد إنساني، فإنه ليس باستطاعته أو باستطاعة العالم الخارجي أن يختار الخروج من عهد الله، ولا يستطيع أي منهما أن يقول لله: “يا إلهي، إنني لا أرغب في تلك الاتفاقية وأريد أن أنسحب منها”، لأن الله هو الله وأن الإنسان والعالم الخارجي هم خلقه، ولذلك فإنه لا يوجد مخرج من ذلك العهد، وبالنسبة للعالم الخارجي، فإنه لا يوجد أي صراع بينه وبين الله، فالعالم الخارجي نظراً لأنه ليس لديه إرادة لا يستطيع انتهاك شروط العهد، وهكذا فإن قوانين العلوم الطبيعية تعد ثابتة وغير متغيرة، فالنهار يتبع الليل ويتبع الليل النهار، ويتبع الفصل بفصل آخر في نظام رائع. ومع ذلك فإن تلك الحالة لا تنطبق على عالم الإنسان.

اختيار العصيان

إن الإنسان لديه حرية الاختيار في عصيان الله، وفي أن يرفض اتباع الوصايا، متحديا ًإرادة الله، وأن يختار الخطأ بدلاً من الصواب. ويزخر كل من العهد القديم والقرآن بقصص عن العصيان المتعمد من الإنسان، وعن جحوده المتواصل وعدم إيمانه، وانحرافه المستديم عن الصراط المستقيم. ومع ذلك، فإن حقيقة أن الإنسان يميل إلى العصيان لا تعني أنه يستطيع أن يتبرأ من العهد بمقتضى ذلك، إنه يستطيع خرق القانون، ولكنه لو فعل ذلك يجب عليه أن يتحمل العقاب، وهو يستطيع العصيان، ولكنه لو فعل ذلك يجب عليه أيضاً أن يتحمل العقاب ومن هذا، فإن فخر الإنسان يكمن في حقيقة كونه ذا إرادة حرة –وأنه يستطيع الاختيار بين الصواب والخطأ- وذلك ما يميزه عن المخلوقات الأخرى. ولكن تلك الحقيقة في نفس الوقت تكمن فيها مأساته. إن كلاً من جرأة الإنسان، ورغبته في قبول الأمانة التي رفضتها جميع المخلوقات الأخرى، وفشله الذريع في الالتزام بالمثل الأعلى نتيجة لضعفه الأخلاقي قد صور في أسلوب جميل للغاية في الآية القرآنية: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً”.                                                                                    (33: 72)

فلنتوقف لحظة قصيرة لننظر في مفتاحي الرموز هنا، وهما تعبيري: الجاهل والظالم. ويبدو لي أن تحليل هاتين العبارتين يعطي مفاتيح كثيرة هامة لفهم علاقة المسلم بالعالم، فكلمة “الجاهل” تترجم غالباً ignorance” ولكننا إذا فحصنا المجال الذي يستعمل فيه ذلك التعبير وأحد مشتقاته سوف نرى أنه لا يشير بصفة رئيسية إلى وضع ثقافي، وهو الجهل، ولكنه يشير إلى وضع أخلاقي يتسم فيه تصرف الإنسان بنفاذ الصبر، والغطرسة، والفسوق، والكفر المتواصل. إن الجاهلية لا تعد مجرد الفترة السابقة للإسلام ولكنها من الممكن أن تتسم أي فترة يصبح فيها الإنسان جاهلاً.

إن التعبير “الظلم” يعد واحداً من أهم التعبيرات في القرآن. وبمعناه الحرفي، فهو يشير إلى “وضع الشيء في غير مكانه الصحيح” أو “التصرف بأسلوب يتعدى الحدود الملائمة”، وإن الحدود الملائمة هي “حدود الله” التي لا يمكن تخطيها دون أن يتحمل من تخطاها العقاب. ولنعط مثلاً بسيطاً: إن جسم الإنسان مكون بأسلوب يجعله يحتاج إلى قدر معين من الراحة حتى يتمكن من أداء وظائفه بطريقة ملائمة. ولو أن الإنسان أنكر على جسده الحق في الراحة بطريقة متكررة، فإنه يتعدى الحدود الخاصة بالجسد التي حددها الله، وهكذا يكون متهماً بارتكاب الظلم. وتوجد حدود لكل ما خلقه الله، وإن أي محاولة لتعدي تلك الحدود تعد ظلماً. إن القرآن يخبرنا ببساطة وبوضوح أن الله ليس من الممكن أبداً أن يرتكب ظلماً (السورة 50 الآية 19) ولكن الإنسان دائماً ما يظلم نفسه.

إن واحدة من مسئوليات المسلم الرئيسية –سواء كان رجلاً أم امرأة- هي محاولة فهم المتضمنات العميقة كما يعينه أن يكون الإنسان جاهلاً وظالماً وتفادى أن تنطبق عليه أي من الصفتين.

صلة المرأة المسلمة بالله

لنعد إلى موضوعنا الأول: ما هو دور ومسئولية المرأة المسلمة تجاه الله؟ إن الإجابة كما قدمناها من قبل تتمثل ببساطة فيما يلي: إن دورها يتماثل تماماً مع دور الرجل المسلم، لقد خلقت المرأة من نفس المادة التي خلق منها الرجل، وهي تقف بمفردها أمام الله في يوم الحساب طبقاً لأعمالها كما أكد القرآن مراراً، وهكذا فإن المرأة المسلمة تعد مسئولة عن خلاصها ويجب أن تعمل على ذلك مثلها مثل أي رجل مسلم. ما هي واجباتها المحددة تجاه الله؟ إن ذلك يعتبر في حد ذاته موضوعاً واسعاً ولا يمكنني تناوله حتى بطريقة عابرة. وحتى لو كان لدي الوقت فإنني لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال بالنسبة للجميع. إن لكل شخص أسلوبه المختلف في صلته مع الله. فطبقاً للبعض يعد إعلان الإيمان، وإقامة الصلوات خمس مرات في اليوم، ودفع الزكاة، وأداء الصيام في شهر رمضان، وأداء الحج مرة في الحياة هو خلاصة واجبهم تجاه الله. وطبقاً لبعض آخرين –مثل رابعة التي كانت شديدة الحب لله والتي تعتبر صلواتها شعراً من أجمل ما وضع- يعتبرون حب الله شاملاً تماماً ويترفعون بأنفسهم عن التطلع إلى أي أجر. ولقد كانت كلمات رابعة الخالدة وهي: “إلهي إذا كانت أعبدك خوفا النار فاحرقني بنارها أو طمعاً في الجنة فحرمها عليّ، وإذا كنت لا أعبدك إلا من أجلك فلا تحرمني من مشاهدة وجهك” تعد مثالاً للإيمان الخالص. وإنني شخصياً أؤمن أن أفضل تعبير يوجد حول علاقة الإنسان مع الله من الممكن أن نجده في تقاليد الإسلام الصوفية. وهنا يكون من الضروري أن أقدم تحذيراً فإن الإسلام يحتوي على أكثر من مجرد تقاليد صوفية متميزة، إن ما يتضمن بصفة عامة تحت اسم الصوفية يعد في رأيي –جزئياً إن لم يكن كلياً- مضاداً تماماً لروح التعليمات القرآنية.

ومن الصعب للغاية أن نتناول موضوعاً معقداً تماماً في مساحة صغيرة ولكنني سوف أحاول أن أظهر الفارق الأساسي بين الصوفية والتصوف القرآني. إن المتصوفين يتصورون البحث عن الله بمثابة رحلة، وإن الأربع كلمات الهامة هي الطالب والمطلوب والأساس والهدف. وإنه لا يوجد أي التباس في الإسلام مثله مثل المتقدات التوحيدية الأخرى، فيما يتعلق بالطالب والمطلوب. إن الطالب هو المؤمن الملتزم والمطلوب هو الله. حينئذ فإن هذين التعبيرين يعنيان نفس الشيء في كل من الصوفية والتصوف القرآني. ويمكننا وصف ذلك الأسلوب بطرق عديدة ولعل أفضل وصف له هو الحب. ويبدو أن الحب هو أسلوب الصوفي وأيضاً التصوف القرآني. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يكون كل من هذين التعليمين مختلفين تماماً كل عن الآخر؟ حتى نرى الفارق بين هذين التعليمين فإننا نحتاج أن نعرف المعنى الذي يضيفه الصوفيون والمتصوفون القرآنيون على الحب. بالنسبة للصوفيين، يدفع الحب الطالب إلى إفناء نفسه (ويصبح ذلك هدف الرحلة التصوفية). إن الصوفي ينشد الله وبعد أن يجد الله، يفقد نفسه في الله مثلما يحدث لقطرة من الماء تقع في المحيط. وهكذا فإن بحثه عن الله يتضمن اعتزال العالم وإلغاء شخصيته (وهذا ما يحرمه الإسلام). أما في التصوف القرآني، فإن الحب لا يتم تعريفه في إطار إلغاء الشخصية، وإن التعريف الأفضل له هو (البقاء). وحتى أوضح الفارق بين نوعي الحب هذين سوف أقدم مثالاً للحب الإنساني –يعتقد بعض الناس أن حب شخص لآخر يعني الاندماج معه بطريقة تجعل الشخص يفقد ذاتيته، في حين يعتقد آخرون أن الإبقاء على شخصية الفرد يعد شرطاً ضرورياً للحب، لأنك لو لم تكن أنت بذاتك وأنا بذاتي فلا يمكن أن تكون علاقتنا ذات معنى. وكما أكد المتصوفون مثل الغزالي، والرومي، وإقبال، فإن الحب يؤدي  إلى تماسك وتقوية النفس ولذلك فإنه هو أساس لشخصية الإنسان وليس لإنكارها.

إن هدف التصوف القرآني يتم تحقيقه عندما يدرك المتصوف وجود الله في داخل نفسه فيصبح مدركاً بأن رسالته في الحياة هي  إظهار الحقيقة العظمى التي أوحيت إليه. وكل مسلم –رجلاً كان أم امرأة- يدعى للشهادة بالتوحيد بالله “أشهد أن لا إله الله..” وأنه ليس من الممكن قول تلك الشهادة دون وجود الإدراك الداخلي؛ وكل مسلم –سواء كان رجلاً أم امرأة- يجب أن ينشد إدراك الله في داخل ذاته وعندما يتوفر له هذا الإدراك الداخلي فإن عليه أن يترجمه إلى حقيقة واقعية. إن المتصوف الإسلامي الحقيقي يجب أن يجعل رؤيته الصوفية حقيقة واقعة لأننا نعتقد أن الإيمان لا يكون تاماً بدون الأعمال وأن الجهاد هو جوهر الإيمان.

العلاقة مع العالم الخارجي

أما موضوعنا الثاني فيتعلق بعلاقة الإنسان بالعالم الخارجي. وبصفة عامة، يظهر التاريخ أنه كان للإنسان موقفان تجاه العالم الخارجي، فكان إما أنه يخشى قدرته التدميرية وأصبح ينظر إليه كإله، أو أنه كان يعتبرها كشيء يجب استغلاله أو الانتفاع به. وفي وقت ما لجأ الإنسان إلى السحر لاستغلال قوى الطبيعة لخدمة غاياته، أما الآن فهو يستخدم العلم لنفس الغرض، ونادراً ما كان يتذكر الإنسان أن العالم الخارجي يعد نظيراً له في علاقة العهد الثلاثية، ونادراً ما كان يتذكر أنه نظراً لمنحه هبة العقل التي تمكنه من تنظيم وتصنيف الفوضى المحيطة به، فإنه تقع على عاتقه مسئولية خاصة لحماية العالم الخارجي. ولقد أخبرنا القرآن مراراً كيف نحافظ على الطبيعة التي وصفها بأسلوب جميل كآية من آيات الله. وعند النظر إلى الطبيعة وفهمها بطريقة صحيحة فإنها تصبح صديقاً للإنسان ومعلماً له، ومصدراً للراحة والرخاء. ولكن الإنسان لسوء الحظ يتعامل بطريقة عادلة مع الطبيعة أو مع الله، وهذا هو السبب الذي جعله يواجه الآن تلك المشاكل الهائلة المتعلقة للبيئة. ويبدو لي أن معظم المسلمين –رجالاً أم نساءً- ليسوا فقط لا يقومون بواجباتهم تجاه الطبيعة ولكنهم لا يدركون حتى وجود مثل ذلك الواجب. ومن ثم، فإنهم تركوا الطغاة ذوي المصالح الذاتية يقومون بإزالة الأحراش، وتغيير مجرى الأنهار، وإقامة المستوطنات والصناعة بدون اعتبار لتلوث الهواء والماء، ويقومون بتبديد الموارد الطبيعية الثمينة لإرضاء عقولهم التافهة في حين يموت الملايين جوعاً.

مأساة المرأة

وموضوعنا الأخير هو: ما هو دور ومسئوليات المرأة المسلمة تجاه نفسها وتجاه غيرها من الناس؟ عند تحليلنا لمفهوم (الظلم) قمنا بالفعل بإجابة جزء من هذا السؤال: وهو التزام المرأة المسلمة تجاه نفسها. فهي لا يجب أن تكون ظالمة لنفسها أو أن تترك روحها في الضلال. ونستطيع أن نقتبس كلمات شكسبير:

“كن صادقاً مع نفسك بصورة متواصلة مثل الليل والنهار حينئذ لن تكون مخادعاً مع أي إنسان”.

ولكن ماذا نعني بالقول أن تكون صادقة مع نفسها؟ إننا لا نستطيع الإجابة على هذا السؤال بدون الإشارة إلى الحالة الواقعية للنساء المسلمات في جميع أنحاء العالم. كم امرأة مسلمة في العالم تدرك حتى أنها مسئولة عن خلاصها، وأن عليها واجباً تجاه الله يفوق مسئولياتها المنزلية؟ كم امرأة مسلمة في العالم أعطيت الفرصة لتصبح إنساناً كاملاً يستطيع أن يستغل أعظم هبتين منحهما الله للإنسان –أي هبة العقل وهبة الإرادة الحرة؟ إن الإجابة على تلك الأسئلة تمثل نوعاً من المأساة. ولكنه يوجد نوع آخر من المآسي أكثر خطورة –وهو مأساة هؤلاء النساء اللاتي خرجن بمعجزة ما من المقابر ومن الأبراج ومن الصوامع وأدركن أ،هن أيضاً لديهم الإدراك بالله في داخلهم. هل فكرتم أبداً ماذا يحدث لهؤلاء النساء؟ وما هي العقوبات التي تنزل بهن؟ إذا كان من الصعب الإجابة على تلك الأسئلة، سوف أقص عليكم بعض القصص. دعني أخبرك عن المرأة المسلمة التي كانت تعمل كطبيبة وكانت لديها موهبة خاصة بالشفاء وكانت ممتلئة بالشفقة على العاجزين والمرضى، ولم تستطع أن تجد زوجاً لأنه يبدو أنه لم يكن هناك أي رجل مسلم على استعداد لقبول إخلاصها لمهنتها. دعني أخبرك عن المرأة المسلمة التي كانت راغبة بإخلاص أن تعيش طبقاً للأسلوب الإسلامي والتي لم يكن زوجها سكيراً فحسب ولكنه كان أيضا ًغير مدرك على الإطلاق لواجباته الإسلامية تجاه أسرته. ماذا كان عليها أن تفعل؟ أن تظل مع رجل يدمر جسدها وروحها أو أن تجلب على نفسها سخط ما يدعى بالمجتمع الإسلامي برفضها التضحية بوعيها الذاتي الأخلاقي على مذبح المبادئ الأخلاقية للتقاليد الزائفة؟ دعني أخبرك عن المرأة المسلمة الكاتبة التي اعتقد زوجها أنه يجب إشعال النارل في كتبها ومقالاتها لأنها كانت تصرف انتباهها عنه وتجعلها تعتقد أن كتابة بعض الكلمات الجيدة على قطعة من الورق أكثر أهمية من طهي ثلاثة وجبات جيدة كل يوم له. هل من الضروري أن أعدد الأمثلة؟ إن القائمة لا تنتهي، ولكن الأمثلة القليلة التي قدمتها يجب أن تكون كافية لأن تقيم الدليل على ما أعتقد أنه حقيقة محزنة ومريرة للغاية –وهي أنه يقع ظلم عظيم على معظم النساء المسلمات ذوات الإدراك في يومنا هذا. ولقد حدث في أحد المؤتمرات التي حضرتها أنه كان هناك رجل مسلم يبدو عليه الضيق عند ذكر حقوق المرأة، ثم قال بصبر نافذ “ولكن نساءنا في الحقيقة ليست لديهن أي مشاكل”. إن ذلك العمى، ذلك الرفض الصارم القاسي حتى بالإعتراف بوجود مشكلة تؤدي إلى المعاناة يظهر لنا كيف سيكون من الصعب إيجاد الحل، فكيف يستطيع الإنسان حل أي مشكلة لو لم يعرف أو يم يقر بوجودها؟

المشكلة موجودة مع ذلك، وسوف يؤدي رفض مواجهتها فقط إلى تفاقم الموقف. ولا يمكن أيضاً حل تلك المشكلة بدون إعادة النظر كلية بالنسبة للقيم والاتجاهات الاجتماعية الأساسية. مثلاً، في المجتمع الإسلامي الذي نشأت به، سمعت طوال حياتي أن الزوج يعد mayazi khuda أو إلهاً في شكل بشري. لقد كانت تلك العبارة تكرر مرات عديدة كل يوم وكانت تعتبر كشيء بديهي. وإنني أتعجب كيف لم يستوقف ذلك أي شخص في هذا المجتمع القويم. إن مثل تلك العبارة من الممكن أن تكون مساوية للشرك. إنني أتعجب كم من الوقت سوف تستمر المجتمعات الإسلامية في التظاهر بأنها لم تتعد حدود الله بإرغامها المرأة المسلمة –وخاصة المجاهدة- على أن تخضع لأي شيء فيما عدا الله. إنني أتعجب كم من الوقت سوف تستمر المرأة المسلمة في تقديم التنازلات الروحية حتى تستطيع أن توفر الحياة لجسدها، إنني أتعجب إذا ما كان الرجل المسلم سوف يفكر أبداً في معنى الالتزام الذي يفرضه عليه الله “بالحفاظ على وحماية” المرأة التي يتزوجها وأن يسأل السؤال التالي: ما الذي سوف يحميه ويحافظ عليه؟ مجرد الجسد الذي يكون مآله الفناء أم الروح الخالدة؟ إنني أتعجب إذا ما كان سوف يأتي ذلك اليوم الذي لن تطالب فيه النساء المسلمات اللاتي كرسن أرواحهن لله أن يمتن بأجسادهن، وعندما لن يتم إعطاؤهن الاختيار بين هذا العالم والعالم الآخر.

وكم أود لو كانت لدي بعض الإجابات، لكن جميع ما لدي هي بعض أسئلة متضاربة. وسوف أنهي ذلك بدعوة لله القادر في حكمته اللانهائية ورحمته أن يعاوننا جميعاً على إدراك الحقيقة وأن يمنحنا الشجاعة لأن نؤدي واجبنا تجاه الله سبحانه وتعالى أياً كان الثمن الذي نضطر لدفعه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر