أبحاث

رأي في تكوين المجتهد في عصرنا هذا

العدد 39

مقدمة:

إن العديد من المفكرين المسلمين اليوم يتطلعون إلى الاجتهاد كعامل مهم من عوامل النهضة والقوة والتجديد في حياة المسلمين المعاصرة. فما هو الاجتهاد؟ الاجتهاد مثل الجهاد مشتق من “الجهد” وهو يعني بذل الجهد المضني في سبيل اكتشاف الأحكام
المبنية على الحق والحقيقة مسترشدا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والقياس والاجماع. ثم العمل على نشر الحق والحقيقة بين الناس والدعوة إلى تطبيقهما على الحياة.

لم ترد لفظة “مجتهد” في القرآن الكريم بل وردت كلمات مثل:

“الراسخون في العلم” في قوله تعالى: “… وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا” (آل عمران 7).

و”الذين يستنبطونه” في قوله “لعلمه الذين يستنطبونه منهم” (النساء 83).

(أهل الذكر) في قوله تعالى “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” (الأنبياء 7).

“خبير” في قوله تعالى “ولا ينبئك مثل خبير” (فاطر 14).

“العلماء” في قوله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” (فاطر 28)

هذا وفي الحديث الشريف: “إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها”.

فالمجتهد إذن هو المجاهد في سبيل الله الذي يحاول جهده أن يحقق الصفات والمؤهلات التي تتضمنها الآيات الكريمة والحديث الشريف. والمجتهد إنسان سري ذكي يجمع بين التقوى والعلم والحكمة والشجاعة. ثم إنه يمتاز باللطف وحسن القيادة. إنه طود شامخ يشار إليه بالبنان ويرجى منه الخير لبني الإنسان.

دور المجتهد في التاريخ الإسلامي:

لقد وهب الله تعالى المسلمين في تاريخهم وفي شتى أقطارهم من المجتهدين من أصبحوا من مفاخر العلم والتقوى في تاريخ الحضارة الإسلامية. فقد كان لهم الفضل في توجيه المسلمين إلى العمل بتعاليم دينهم الحنيف كما أنهم أثروا الفكر الديني الإسلامي بنتاج بحوثهم واستنباطهم.

وللعديد من المجتهدين الفضل في الدفاع عن حوزة الإسلام بدعوتهم المسلمين إلى الجهاد ضد غزو المعتدين كما فعل المجتهدون في العراق حين أعلنوا الجهاد ضد الغزو البريطاني للعراق في الحرب العالمية الأولى وحضروا ساحات القتال.

ثم إنهم ألهبوا الثورة العراقية سنة 1920 ضد الاحتلال البريطاني تلك الثورة التي أدت إلى تأسيس الحكم الوطني في العراق. وما يقال عن المجتهدين في العراق يصدق على ما قام به الإمام عبد الحميد بن باديس ورفيقه العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي (رضي الله عنهما) إذ كان لهما الفضل الأول في اذكاء العاطفة الإسلامية في نفوس المجاهدين الأحرار الذين حرروا الجزائر من الاستعمار.

أجل إن للعلماء المجتهدين الدور الإيجابي البارز في حمل رسالة الإسلام ومقارعة الإلحاد والفساد والاستعمار.

وما ضعف المسلمون وما استكانوا إلا حين ضعف المجتهدون في العالم الإسلامي: حين استبدت السلطات الحاكمة وحجرت الأفكار وبدأ التناحر والتعصب والمتذهب بين فئات المسلمين. فبعد أن كان الاجتهاد موضع التقدير والاجلال من قبل المسلمين عموما وشعوبا وحكاما مرت عصور اضطهد فيها المجتهد أو عذب أو استشهد. وذلك حين اصطدم رأيه بمصالح الفئة الحاكمة المستبدة. ولكن هذه حوادث نادرة في التاريخ الإسلامي ولله الحمد.

نقاط القوة والضعف في تكوين المجتهد على النهج القديم:

إن للاجتهاد في العالم الإسلامي مزاياه العالية من حيث التكوين العلمي والخلقي والروحي. فقد كان طالب العلم لأجل أن يبلغ منزلة الاجتهاد يطوي الليل والنهار في درسه وأبحاثه وعبادته. كما كان يقوم بتدريس من هم دونه في المنزلة العلمية. كل ذلك في سبيل الله وحبا في اكتشاف الحقيقة والاستزادة من العلم والمعرفة. وكان يتحلى بالزهد والقناعة في المعاش. فلا تطغى عليه أطماع المادة أو الجاه أو المنصب.

وكانت الدراسة المستمرة والبحث الدائب مقرونة بالتدريس تضمن لطالب العلم التعمق والإتقان في العلم والتعليم. وكان الدرس والتدريس يجريان في جو هادئ حر لا يعكر صفوهما امتحان آخر السنة ولا الشهادات المدرسية. فالدرس يجري بلا إلحاح ولا استعجال ومواعيد الدراسة تعين حسب الاتفاق والاقتضاء بين الأستاذ وطلابه. علام الاستعجال والعمر كله درس وتدريس بلا انقطاع؟

ومن مزايا الاجتهاد أنه “إفرادي” يؤسس على الاستقلال الفكري والاستنباط للمجتهد الفرد. المجتهد يكون رأيه بعد الدرس والتأمل العميقين ثم يجهر برأيه بكل جراءة وحرية مهما اختلف رأيه مع آراء غيره من المجتهدين. ولما كانت مجموعة العلوم والمعارف القديمة محدودة فقد كان في وسع طالب للعلم أن يكون موسوعيا إذا استطاع ورغب في ذلك فإلى جانب اختصاصه في العلوم الدينية كان يمكنه الغوص في الفلسفة أو التاريخ أو الأدب أو الرياضيات مثلا.

ولما دب الضعف والانحلال في المجتمعات الإسلامية أغلقت أبواب الفكر والعقول في وجه ما يدعي بالعلوم الدنيوية واقتصر الاجتهاد على العلوم الدينية. وأصبحت الحياة الفكرية الإسلامية راكدة تقريبا بينما سار الغرب في حقول العلوم المضبوطة والاكتشافات الجغرافية بخطى حثيثة. ولم يعد المسلمون يعنون بما يجري في الغرب من تقدم واستعداد، الأمر الذي أدى إلى استيلاء الغرب على معظم أقطار العالم الإسلامي نتيجة لما انتشر في العالم الإسلامي من انقسامات وما سادها من استبداد وعدم استعداد.

وفي عصور التخلف هذه مني البعض من العلماء المجتهدين بالعزلة والانكباب على الدرس والعبادة على الأكثر فلم يتصلوا اتصالا كافيا بالشعوب ولا بالحياة المعاصرة داخل العالم الإسلامي وخارجه ليطلعوا على مشاكل الإنسان المسلم وما يعانيه من مشاكل عقائدية وأخلاقية واقتصادية واجتماعية. وما يحيط به من أخطار خارجية. انتشر في العديد من الأقطار الإسلامية الاستبداد والفساد في نظم الحكم وانفصال بين الدين والدولة. وبين الشباب والإيمان (كنتيجة للثقافة العلمانية) وحصل تساؤل وتضارب بين ما يدعو إليه علماء الدين وبين التطبيق الواقعي في حياة  الناس عامة. والكثيرون يعيشون هذا التناقض في عصرنا هذا.

حاجتنا إلى اجتهاد جديد:

قبل الحديث عن تكوين المجتهد المطلوب للعصر الجديد يجدر بنا أن نستعرض المبادئ الأساسية التي تقودنا في حياتنا الإسلامية الجديدة والتي لا بد من أخذها بعين الاعتبار في تكوين المجتهد الجديد:

(1) إن الدين الإسلامي وهو دين الله الخالد دين شمولي يتناول حياة الإنسان (كفرد وجماعة) من كل جوانبها. إنه دين يربط الحياة الدنيا بالآخرة. إنه يدعو إلى الآخرة ولكنه لا يهمل الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا” (القصص 77) ولذلك فهو لا يقتصر على العقائد والعبادات بل يشمل أيضا حياة الإنسان الصحية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والابداعية والأخلاقية والوطنية والدولية..الخ. فالمطلوب من المجتهدين أن يرشدوا ويوجهوا الإنسان المسلم في شئون حياته كلها.

(2) إن الدين الإسلامي وهو دين الله الخالد جاء لبني الإنسان في كل مكان وتعاليمه المتضمنة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة صالحة لكل الأزمان. ولكن تطبيقها على الحياة والظروف والأزمنة والأمكنة المتغيرة والمتطورة تتطلب تطويرا في التطبيق. التعاليم الدينية ثابتة ولكن الظروف الكونية والحياتية دائمة التغير ولا سيما بعد تطبيق الاكتشافات العلمية والاختراعات الحديثة على حياة الإنسان المعاصر. ولذلك فيصبح لزاما على المجتهد أن يلم بالعوامل التي تؤدي إلى تغيير الظروف وبقدر نتائجها فيصدر أحكاما تلائم الموقف الجديد.

(3) لما كانت كل العلوم وكل الاكتشافات والمخترعات تدل على عظمة الخالق وهي من نعم الله التي لا تحصى على الإنسان فإنها تدعم في نفس الإنسان المؤمن إيمانه بالله تعالى والاعتراف بكل تواضع وخشوع بعلم الله وقدرته وإرادته فكل العلوم وكل المخترعات لها في نظرنا صفة دينية فهي قد تصبح من علوم العقائد حقا إذا ما أحسن توجيهها دينيا.

ولذلك فلا يصح في نظرنا تقسيم العلوم إلى علوم دينية وعلوم دنيوية فالعلوم كلها دينية. والتقنيات كلها دينية. وآيات الله سبحانه وتعالى تتجلى في علوم الدين والدنيا على السواء. ألم يقل سبحانه وتعالى “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق” (فصلت 53) إذن فالعالم الديني مؤهل لأن يدرس علوم الدنيا والدين على السواء، كما أن العالمين بعلوم الدنيا في وسعهم أن يدرسوا العلوم الدينية. كل العلوم وكل الفنون والمخترعات هي منح إلهية للإنسان فهي دينية.

(4) لما كانت البحوث العلمية والتطبيقية قد بلغت درجة عالية من الضبط والدقة والتوسع والتفرع لم يعد في وسع أي إنسان مهما بلغ من الذكاء وسعة الاستيعاب أن يلم بأكثر من فرع من العلوم. ولذلك فإعداد المجتهد يتطلب دراسة عامة واسعة في العلوم لرؤية الكل ثم الشروع في التخصص.

ولما كانت مرحلة التخصص هي مرحلة الاعداد للاجتهاد يترتب على ذلك تعدد المجتهدين الأخصائيين في شتى العلوم الدينية والدنيوية. ويستحسن أن يقرن المجتهد في العلوم الدينية اجتهاد باختصاص آخر كالرياضيات أو النبات أو التاريخ إلى غير ذلك أو بمهنة كالطب أو الفلاحة أو الاقتصاد إلى غير ذلك.

(5) لما كان الإسلام يدعو المسلم إلى طلب العلم “ولو بالصين” ويعتبر “الحكمة ضالة المؤمن التقطها أنى وجدها” يترتب على طالب الاجتهاد أن يكون متفتحا على العالم ولا سيما فيما يتعلق باختصاصه في العلوم الدينية أو العلوم الدقيقة: فيتعرف على النشاط الذي يمارسه أبناء سائر الأقطار الإسلامية. وهذا يتطلب إتقان لغات أجنبية واحدة على الأقل إلى جانب إتقان العربية.

(6) من المستحسن جدا في نظرنا أن يكون طالب الاجتهاد ممن زاولوا (أو يزاولون) ناحية من نواحي الحياة العملية التي تتصل بشئون كسب المعاش: كاشتغال في معمل أو اشتغال في حقل كما فعل الإمام علي بن أبي طالب أو اشتغال في متجر كما فعل الإمام أبو حنيفة. فالمفروض في المجتهد أن تكون له خبرة مباشرة بالحياة العامة مطلعا على مشاكل الحياة وسلوك الإنسان يفكر في سبيل تعديل هذا السلوك إن كان معوجا ويشجعه إن كان مستقيما. فالمجتهد ينبغي أن يكون رجل دنيا ودين في الوقت ذاته.

(7) المفروض في المجتهد أن يكون ملما بأحوال أمته وما تحويه من إمكانات عظيمة ينبغي أن تستثمر وتوجه نحو الخير من جهة وما تعاني منه من جهل وتخلف وفساد واستبداد من الجهة الأخرى وذلك يتطلب من أبناء الشعب تفهما جديدا لحقائق الدين الحنيف وتعاليم القرآن الكريم والسنة الشريفة.

فالقرآن والسنة يدعون المسلمين إلى الوحدة وإلى القوة وإلى العلم وإلى العمل الصالح مع التحلي بروح الأخاء والعدل والانصاف والرحمة. والمهمة التي يتعهدها المجتهد هي حمل المسلمين على أن يعيشوا دينهم فعلا وتطبيقا. وأداء هذه المهمة يتطلب الإلمام بقواعد التربية.

(8) وإلى جانب معرفة المجتهد بأحوال أمته يجدر به أن يتعرف على مواطن القوة والضعف في المدنيات الأخرى فمدنية الغرب مثلا فيها من عناصر القوة في الأسلوب العلمي وفي الاختراع ما ينبغي الحصول عليه والعمل به.

ولكن العلم والاختراع وما حققاه في الغرب من إنجازات في حقول غزو الفضاء وتفجير الذرة والعقول الإلكترونية والأوتومية في الصناعة والهندسة والبيولوجيا وما تشمل عليه من تلاعب بالوراثيات (الجينات) وطفل الأنبوب الزجاجي وزرع الأعضاء في جسم الإنسان وتعريف الموت والحياة كل هذه الإنجازات العلمية خلقت للإنسان المعاصر مشاكل وأخطارا اجتماعية إلى جانب المنافع الممكنة. وعلماء الدين والأخلاق والتشريع في الغرب لم يتوصلوا بعد إلى حلول ناجحة للعديد من المشاكل والأخطار المحدقة بالإنسانية وهي تتطلب من المجتهد المسلم في عصرنا هذا أن يكون مطلعا بصورة مباشرة على المسائل هذه والمشاكل التي تنجم عنها ليجد الحلول الإسلامية الناجحة لها.

(9) نظرا لتعقد الحياة العصرية وتنوع المشاكل واتساع العلوم وتطبيقاتها على الحياة أصبح من الضروري أن يتخصص المجتهد في حقل واحد من حقول المعرفة. وأن يتنوع المجتهدون وفق الاختصاص وأن يصبح الاجتهاد عملا تعاونيا بعد أن كان فرديا. وأن تؤسس مجالس اجتهاد يحضرها مجتهدون من شتى الاختصاصات فلم يعد في وسع المجتهد الواحد أن يلم بكل علوم الدنيا والدين ليجد الحلول لكل مشاكل الإنسان في هذا الزمان.

(10) نستخلص من كل ما مر أن العالم الإسلامي اليوم هو في أمس الحاجة إلى قيادة دينية حكيمة تتصف بالتقوى والعلم (علوم الدنيا والدين) والحكمة والشجاعة في هذا الافصاح عن الرأي والقدوة الصالحة. وهذا بعض ما يجب أن يحسب له الحساب في تكوين المجتهد في عصرنا.

المقترحات:

أ- تكوين المجتهدين: إن بروز المجتهدين العظام نادر في التاريخ وهو منحة إلهية ولا شك. فقد كان المجتهد في ما مضى يبزغ في بيئته بصورة طبيعية تلقائية من دون أي تخطيط أو قصد منقبل المجتمع الذي ينبت فيه. وكان الاجتهاد مقتصرا على العلوم الدينية غالبا أما اليوم وقد اشتدت الحاجة إلى العدد الوافر من المجتهدين على اتساع العالم الإسلامي فنحن ندعو إلى تشجيع بروز المجتهدين بأعداد كافية كما ندعو إلى الاجتهاد في علو الدنيا والدين على السواء. وها نحن فيما يلي نشير إلى بعض الأسس المقترحة لتكوين المجتهد:

(1) أن يكون قد نشأ على الإيمان والتقوى.

(2) أن يكون قد نشأ على حب العلم والتواضع أمام الحق والحقيقة فلا يخضع لمؤثرات ذاتية أو خارجية تزيغه عن الحق والحقيقة.

(3) أن يتحلى بالصبر فلا يكن سريع الهياج والانفعال ولا سيما إزاء غير المسلمين أو الذين يختلفون معه في الرأي.

(4) أن يكون داعيا وعاملا لوحدة المسلمين رافضا التمذهب والتعصب اللذين يسببان الانشطار بين المسلمين.

(5) أن يكون قد درس واحدا من العلوم المضبوطة (دراسة عميقة) على الأقل إذا كان اجتهاده في علوم الدين، وأن يدرس العلوم الدينية إذا كان اجتهاده في العلوم الدنيوية. ونقترح أن يكون درس الصحة مطلوبا من الجميع.

(6) أن يتقن لغة أجنبية واحدة على الأقل إلى جانب إتقانه العربية.

(7) أن يكون قد مارس (أو يمارس) خدمة عملية في الحياة كعامل أو زارع أو تاجر أو محام إلى غير ذلك.

(8) أن يكون اجتماعيا ذا شخصية جذابة وعاطفة إنسانية رحيمة يحسن ممارسة التعاون مع الآخرين في التنظيم والقيادة.

(9) أن يكون شجاعا في دفاعه عن الحق والصدوع برأيه.

(10) أن يكون مفكرا واقعيا في حياته حكيما في تصرفاته صادقا في وعوده ومواعيده وتحمل مسئولياته.

ب- مجمع المجتهدين:

نقترح إنشاء مجمع علمي رفيع المستوى يدعى “مجتمع المجتهدين” ينتمي إليه البارزون الممتازون من خريجي الجامعات ممن عرفوا بصدق العقيدة وتقوى الله. ويرغبون في تكريس أوقاتهم كلها أو جلها لخدمة الشريعة الإسلامية. أشخاص ليست لديهم أطماع مادية أو سياسية ويعتبرون انتمائهم لهذا المجمع أسمى ما يطمحون إليه في هذه الحياة.

الحد الأدنى للمستوى العلمي المطلوب للانتماء لهذا المجمع هو “دكتوراه الدولة” أو ما يعادلها والبروز في العبقرية والإنتاج بدرجة لا تقل إن لم تفق حملة دكتوراه الدولة.

إن الانتماء بهذا المجمع يكون مدى الحياة، والبحث العلمي والإنتاج الفكري فيه حر ومستمر. تهيأ للعضو فيه الوسائل والفرص للدرس والبحث والسفر في سبل الاتصال بمراكز البحوث والتحري في العالم، وتجلب الكتب والوثائق والوسائل الآلية التي يتطلبها الباحث.

البحث (والدرس والتدريس) في المجتمع لا يقيد بزمن فهو مستمر وللمجتهد أن ينظم أوقات درسه وتدريسه كما ينظم اللقاءات مع زملائه أو طلابه حسب مواعيد متفق عليها بكل حرية. فالدرس والتدريس في المجمع حران فلا امتحانات ولا شهادات. درس وبحث وإنتاج حر.

المجتهدون يحاضرون وينشرون في حقول اختصاصاتهم المنوعة فيحققون الاشعاع الفكري والديني للعالم الإسلامي كله، إن عالمنا الإسلامي لفي أمس الحاجة اليوم إلى العديد من “مجامع المجتهدين” في شتى أنحاء المعمورة. ومتى تعددت هذه المجامع في شتى أنحاء العالم الإسلامي فيمكن إذ ذاك التعاون فيما بينها وتبادل الزيارات فيما بين أعضائها.

(ج) مجلس شورى المجتهدين:

لم يعد الاجتهاد الفردي في نظرنا كافيا لمجابهة قضايا العصر التي يعيشها العالم الإسلامي بل لا بد من شورى بين ذوي الرأي من المجتهدين. فالله سبحانه خاطب نبينا (عليه الصلاة والسلام) بقوله (وشاورهم في الأمر) (آل عمران 159) كما قال تعالى في وصف المؤمنين (وأمرهم شورى بينهم) ( الشورى 38) فالشورى ينبغي أن تمارس في كل نواحي الحياة الإسلامية بما في ذلك الشئون العلمية والدينية ولذلك فنحن نقترح تأسيس مجلس شورى إسلامي يضم أبرز المجتهدين في فروع الحياة المختلفة.

نذكر على سبيل المثال لا الحصر الاختصاصات التالية:

المجتهدون في العلوم الدينية.

المجتهدون في الاقتصاد والسياسة والادارة.

المجتهدون في الشئون الدولية والدفاعية.

المجتهدون في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع.

المجتهدون في علوم الحياة والطب وعلم البيئة.

المجتهدون في الرياضيات والفلك والهندسة.

المجهتدون في الفيزياء والكيمياء وطبقات الأرض والزراعة والصناعة والتجارة.

إن مجلسا كهذا يضم أبرز العلماء المجتهدين في العالم الإسلامي يكون بمثابة الدماغ المفكر والموجه لحياة المسلمين.

إن العالم الإسلامي في أمس الحاجة اليوم إلى توحيد الفكر وتوحيد الاتجاه والسير إلى الأمام بشكل حي حركي نام ونرجو أن تصبح لغة المتجهدين (أفكارهم وأفعالهم) منسجمة مع روح العصر وتطلباته بحيث تنتهي القطيعة وتزول الفجوة بين حملة العلوم الدينية وحملة العلوم الدنيوية فالكل يصبحون علماء دنيا ودين في الوقت ذاته.

ونحن مع ابداء إجلالنا وتعظيمنا للأئمة المجتهدين من السلف رضي الله عنهم جميعا وجزاهم أجزل الجزاء على ما أسدوه من خدمات للدين كانت تلائم عصورهم. فإنا ندعو اليوم إلى تكوين جديد للمجتهدين تكوين يواكب متطلبات العصر الثقيلة.

نحن في أمس الحاجة إلى مجتهدين يشخصون الداء ويصفون الدواء للمجتمع الإسلامي من جهة ويخططون ويرشدون لتحقيق مجتمع إسلامي جديد قوي يتسلح بالإيمان والفضيلة وعلوم الدنيا والدين والعمل الصالح من الجهة الأخرى وأختم تاليا البيتين المشهورين:

لسنا وإن أحسابنا كرمت

يوما على الآباء نتكل

نبني كما كانت أوائلنا تبني

ونفعل مثل ما فعلوا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر