أبحاث

الوظائف التربوية والدعوية لمقاصد الأحكام الفقهية

العدد 144

مقدمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، واتبع هداه، وبعد،،

فإن للأحكام الفقهية العملية الجزئية مقاصد تتنوع ما بين مقاصد عالية تأسيسية، ومقاصد عامة كلية، ومقاصد خاصة، ومقاصد جزئية، كما تتنوع بين مقاصد قطعية ومقاصد ظنية، ومقاصد تعود على الفرد وأخرى تعود على الجماعة، وهكذا..

ولهذه المقاصد وظائف وأدوار ومهام تؤديها، ولا شك أن أبرز هذه الوظائف هي الوظائف الفقهية والأصولية التي تنعكس مباشرة على عملية الاجتهاد الفقهي بكل أنواعه، سواء كان اجتهادًا تأصيليًّا أم تنـزيليًّا أم تشغيليًّا أم إنشائيًّا أم انتقائيًّا أم تفعيليًّا…الخ.

لكنَّ هناك أنواعًا أخرى من الوظائف تقوم بها وتؤديها مقاصد الأحكام الفقهية العملية الجزئية، ومن أهمها الوظائف التربوية والدعوية، ومن هنا كانت فكرة هذا البحث الذي سنقتصر فيه على هذين المجالين من الوظائف؛ نظرًا لجديتهما وطرافتهما – حَسَبَ علمي – وأهميتِهما للإنسانية عامة، وللدعاة والمربين خاصة؛ حيث تناولنا الحديث عن الوظائف الأصولية والفقهية في مكان آخر(1).

* * *

ومن الأمانة العلمية هنا أن نذكر أن أستاذنا العلامة الدكتور أحمد الريسوني تحدث عن بعض فوائد المقاصد في كتابه: “الفكر المقاصدي قواعده وفوائده”، وذكر منها ستًّا هي: أنها قبلة المجتهدين، وأنها منهج فكر ونظر، ودورها في فتح الذرائع وسدها، وأنها تزيل الكلل وتسدد العمل، وأنها توسع وتجدد في الوسائل، ولها دور كبير في خدمة العمل الدعوي(2).

وهذه الفوائد – أو الوظائف كما أسميناها – التي ذكرها د. الريسوني تشمل فوائد فكرية، وفوائد دعوية، وأخرى أصولية فقهية(3).

وسنفيد مما سبق في مواضعه من هذا البحث إن شاء الله تعالى فيما يتصل بالوظائف التربوية والدعوية خاصة، وسنقسم الوظائف إلى قسمين: وظائف تربوية، ووظائف دعوية، وكل منهما في مبحث مستقل.

تحديد مصطلحات البحث:

من المهم قبل بداية كل بحث تحديدُ المصطلحات وضبط مضامينها، ومن مصطلحات هذا البحث ما يلي:

(مقاصد الأحكام الفقهية، الوظائف الدعوية، الوظائف التربوية).

ونعني بمقاصد الأحكام الفقهية: الغاية من كل حكم فقهي عملي، أو ما قصده الشارع من تشريع كل حكم فقهي عملي جزئي… فنقول مثلا: مقصد الركوع، ومقصد رمي الجمرات، ومقصد الحجاب، ومقصد حد السرقة، ومقصد متعة المطلقة، وهكذا.

ويحسن أن نعرف الوظيفة قبل أن نعرف الوظيفة الدعوية أو التربوية.

جاء في قاموس “الشامل” أن من معاني الوظيفة: “1- إسهام الجزء في نشاط الكل. 2- نتائج أو آثار عنصر اجتماعـي أو ثقـافي…. 3- دور اقتصادي يؤديه شخص”(4).

وجاء في موسوعة السياسة: “وظيفة عامة (Fonction publique): مركز قانوني يشغله موظف معين من قبل الدولة له اختصاصات وواجبات وحقوق تمارس الدولة من خلاله وظائفها العامة مع نمو وظائف الدولة الحديثة وتعدد فروع خدماتها للمواطنين، ولعبها دورًا واسع النطاق والأثر في المجتمع”(5).

وفي معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية جاء: “الوظيفة: نوع العمل الذي يمكن للبناء أداؤه بوضوح لتحقيق أهداف معينة، ويتضمن المفهوم الإداري للكلمة الواجبات والمسئولية والسلطات، وهي مكونات الوظيفة”(6).

وبالتأمل في هذه التعريفات نجد الوظيفة تدور حول هذه المصطلحات: “نتائج – تلازم – آثار – أدوار – أداء – واجبات – مسئوليات – سلطات”.

ويمكن أن نضع للوظيفة تعريفًا في الاصطلاح في ضوء ما سبق، فنقول: الوظيفة اصطلاحًا هي: “الأدوار التي تؤديها، والمهمات التي تقوم بها، ونواحي الإفادة منها، والآثار التي تترتب على العمل بها في علم من العلوم”.

ومن هنا فوظائف المقاصد الجزئية تعني: “الأدوار التي تقوم بها مع الحكم الشرعي، والمهمات التي تؤديها معه، والنتائج التي تترتب على إعمالها في ضوء ضوابطها وطبيعتها”.

وبما أن الأمور التربوية هي ما يعود مباشرة على الفرد نفسه: قلبه وعقله وروحه وبدنه وذوقه، بينما تتخطى الأمور الدعوية الإنسان نفسه إلى “المدعوين” في المجتمع.

فإنه بناء على ذلك يمكننا تعريف:

الوظائف التربوية بأنها: الأدوار والمهمات التي تقوم بها مقاصد الأحكام الجزئية بما يعود على الفرد نفسه.

والوظائف الدعوية بأنها: الأدوار والمهمات التي تقوم بها مقاصد الأحكام الجزئية بما يتجاوز الفرد إلى المجتمع والمدعوين فيه.

* * *

ومن هنا فإننا في هذا البحث سنتحدث عن الوظائف التربوية والوظائف الدعوية التي تؤديها وتقوم بها مقاصد الأحكام الفقهية العملية، بما يعود على الفرد نفسه، وما يعود على أفراد المجتمع أو مجموعهم…وسنفرد كل مجال منهما: “تربوي، ودعوي” بمبحث مستقل… والله المستعان.

المبحث الأول

الوظائف التربوية لمقاصد الأحكام الفقهية

يقصد بالوظائف التربوية هنا – كما سبقت الإِشارة في تحديد مصطلحات البحث – ما يعود على الفرد نفسه، ولا يتخطاه إلى غيره، وما يتصل بفكره وعقله، وقلبه وإيمانه، وروحه ووجدانه، ومن الوظائف التربوية التي تؤديها مقاصد الأحكام الفقهية ما يلي:

المطلب الأول: تصحيح كمال التوحيد:

قد يكون هناك شيء من الدهشة حين نقرأ هذا العنوان؛ إذ ما علاقة التوحيد وتصحيحه وكماله بمقاصد الأحكام العملية الجزئية؟ وهو سؤال وجيه، وتعجب في محله، لكن سرعان ما يتبدد هذا التعجب حين نعلم أن العقيدة ثلاثة أقسام: إلهيات، ونبوات، وسمعيات، وضمن الإلهيات نجد الأسماء والصفات، ومن أسماء الله تعالى “الحكيم”، ومن صفاته “الحكمة”.

وإن “الحكيم” الذي يمتنع الخلل في خلقه وأمره وشرعه، ويضع كل شيء في مكانه بقدَر، ولا يخلق شيئًا عبثًا، ولا يشرع شيئًا دون حكمة وغاية – يستحيل أن يكون حكم من أحكام شريعته ودينه بلا هدف ومقصد، سواء كان هذا المقصد معلومًا لنا أو مجهولاً، وجهلنا له لا يعني عدم وجوده، وإنما علمه من علمه، وجهله من جهله.

وإن الذي ينفي التقصيد – الكلي منه والجزئي – عن شريعة الله وعن أحكامه فإنما يعطل بعض ما يقتضيه اسم الله “الحكيم”، وما توجبه صفة الله تعالى “الحكمة”، وهذا مما يشوش عقيدة التوحيد عند المسلم.

من أجل هذا نقول: إن الاهتمام بالتقصيد، والعمل به، والتعويل عليه، والرجوع في ممارسة الاجتهاد إليه، وأنه لا يند حكم من أحكام الشريعة عن التقصيد وأن يكون له مقصد، علمه من علمه، وجهله من جهله، إنما هو نوع من تصحيح عقيدة التوحيد عند المسلم، وتعزيز لها.

المطلب الثاني: الزيادة في الامتثال والانقياد والاستمرار والإتقان(7):

وهذه الوظيفة خاصة بالمكلف، فإنه إذا علم مقصد الحكم “زاد” امتثاله وانقياده، واستمراره وإتقانه للعمل، ودفْعه إليه وتنْشيطه عليه، وذلك بمجرد الامتثال والانقياد، وبخاصة في أمور العبادات، ولهذا قال الآمدي: “ما يدل على العلة ـ يقصد من النصوص – يكون أولى؛ لقربه من المقصود؛ بسبب سرعة الانقياد، وسهولة القبول”(8).

وقال ابن عاشور: “وفي الإعلام بالعلة تنشيط للمأمور بالفعل على الامتثال؛ إذ يصير عالمًا بالحكمة”(9).

ويقول د. أحمد الريسوني: “إن معرفة مقاصد الأعمال تحرك النشاط إليها، وتدعو إلى الصبر والمواظبة عليها، وتبعث على إتقانها والإحسان فيها”(10).

ولا يعني هذا أن العبد لا يمتثل أو ينقاد لأمر الله ويقبل على تنفيذ حكمه إلا بمعرفته للمقصد أو أسرار الأحكام، وإنما يكفي أنه أمْر الله أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا وحده كافٍ للامتثال والانقياد والاستمرار، ولهذا فإننا نتحدث هنا عن “الزيادة” في هذه المعاني، وليس مجرد الإتيان بها؛ إذ “المقصود أن الحكم الشرعي لا يخلو عن حكمة ومصلحة، لكن قد تعلم هذه الحكمة فيسهل الامتثال”(11).

ويقول المناوي في كلام نفيس: “من فقه عن الله أمره ونهيه، وعلم لماذا أمر ونهى، تعاظمَ لذلك وكبر في صدره شأنُه، وكان أشدَّ تسارعًا لما أمر، وأشد هربًا مما نهى؛ فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها وأقدار الأشياء وحسن تدبير الله تعالى في ذلك لهم بنور يقينهم ليعبدوه على بصيرة وطمأنينة، ومن حُرم ذلك عَبَدهُ على مكابدة وكره؛ لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر الله فالنفس إنما تنقاد إذا رأت نفعَ شيء أو ضره، والنفس والشيطان جندُهما الشهوات؛ فيحتاج الإنسان إلى أضدادهما من الجنود ليقهرهما، وهو الفقه”(12).

فليس من المعقول أن يستوي العبد الذي يعرف هدف الحكم مع العبد الذي لا يعرف، في سرعة الامتثال وفي الانقياد، وكذلك الاستمرار والإتقان، وهذا لا يعد قدحًا في عبودية العبد أو عقيدته، فهناك حد أدنى من الامتثال والانقياد والاستمرار والأداء لا يجوز لأحد النـزول عنه سواء علم مقاصد الأحكام أم لم يعلمها، وإنما يتفاوت العباد في درجات هذه المعاني ويتفاضلون بقدر معرفتهم بما نحن بصدد الحديث عنه.

ولهذا قال الأصفهاني: “وإنما غلب ثبوت الحكم بالعلة في الشرع؛ لأن تعقل العلة في الحكم أقرب إلى الانقياد والقبول من التعبد المحض”(13).

وجعل ابن دقيق العيد ذلك باعثًا على تعظيم الأولين، قال وهو يتكلم عن مشروعية الرَّمل في الطَّواف واستحبابه مطلقًا في طواف القدوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، قال: “وإن كانت العلة التي ذكرها ابن عباس(14) قد زالت فيكون استحبابه في ذلك الوقت لتلك العلة وفيما بعد ذلك تأسيًا واقتداء بما فُعل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك من الحكمة: تذكر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفي طي تذكرها مصالح دينية؛ إذ يتبين في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة إليه، وبذل الأنفس في ذلك، وبهذه النكتة يظهر لك أنَّ كثيرًا من الأعمال التي وقعت في الحج، ويقال فيها: إنها تعبُّد – ليست كما قيل. ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها حصل لنا من ذلك تعظيم الأولين، وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله، فكان هذا التذكر باعثًا لنا على مثل ذلك، ومقررًا في أنفسنا تعظيم الأولين، وذلك أمر معقول”(15).

بل جعل العلامة المحقق ابن القيم الجوزية معرفة الحِكَم والمقاصد والأسرار بابًا ينقل العبد من مجرد الامتثال إلى المحبة والمعرفة والحمد والإجلال، فقال: “إن للحكم في كل مسألة من مسائل العلم مناديًا ينادي للإيمان بها علماً وعملاً؛ فيقصد إجابة داعيها ولكن مراده – أي الهروي صاحب منازل السائرين – بداعي الحكم الأسرار والحكم الداعية إلى شرع الحكم، فإجابتها قدر زائد على مجرد الامتثال؛ فإنها تدعو إلى المحبة والإجلال والمعرفة والحمد، فالأمر يدعو إلى الامتثال، وما تضمنه من الحكم والغايات تدعو إلى المعرفة والمحبة”(16).

ومن هنا لم يكن غريبًا أن تُشفع كثير من نصوص القرآن والسنة ببيان الهدف من أحكامها، سواء أكان في المأمورات بذكر الأجر والثواب المترتب على القيام بها، أم في المنهيات بذكر الإثم والعقوبات المترتبة على إتيانها، وفي ذلك ما فيه من تحفيز الناس على السرعة والزيادة في الامتثال والانقياد، والإتقان في العمل، والاستمرار بحب ورضا وحمد وإجلال، وليس مجرد الامتثال والسمع والطاعة فقط، وإلا لما كان في ذكر النصوص لذلك معنى.

لقد أورد د. الريسوني عددًا من النصوص من هذا القبيل في القصاص، والتيمم، والزنى، والغيبة، وإتيان النساء أثناء الحيض، وهي أمثلة معروفة مقاصدها ومنصوصة، ثم قال: “فمن شأن هذه التعليلات المرافقة للأحكام، المنبهة على ما تجلبه من خير ونفع، وما تدفعه من فساد وضرر، أن تكون حافزًا إضافيًّا على العمل والصبر على مقتضياته ومتطلباته، ومثل القرآن الكريم كان النبي ينهج هذا النهج، ويبين علل الأحكام ومقاصدها تحبيبًا وترغيبًا في التزام التكاليف الشرعية، والمواظبة عليها، والتحمس لها”(17).

إذن فمعرفة مقصود التكليف تجعل المكلف أكثر حبًّا للعمل، وأرغب في أدائه بإتقان، وأقرب إلى الامتثال الحقيقي المرضي، فلم يشرع الله الأحكام ليعنت عباده، ولكن رحمة بهم، ومصلحة لهم، وتيسيرًا عليهم، وهذا بحد ذاته من مقاصد وضع الشريعة.

المطلب الثالث: سلامة الإتيان بالتكليف وحسن التطبيق والتطمين:

إذا كانت معرفة المكلف للمقاصد تحمله على مزيد من الإتقان والامتثال، وتزيل كلله وتنشطه، فإنها كذلك تعمل على حسن تطبيق التكليف، وتسديد العمل، وتجعله على بصيرة؛ فيأتي المكلف بالتكليف على الوجه المقصود منه.

يقول د. الريسوني: “وكما أن معرفة المقاصد تقوي الرغبة في العمل والمواظبة عليه، فإنها تسدد العمل وتساعد على حسن تطبيقه وسلامته. ومن لا يعرف مقاصد ما يفعل يوشك أن يزل في عمله، ويحرفه عن قصده وحقيقته،… والمكلف عليه أن يجعل قصده وعمله موافقَيْن لقصد الشارع، فمن أين له هذا إذا لم يعرف مقصود الشارع فيما كلف به؟ وكيف نطلب منه أن يوافق شيئًا ويحققه وهو لا يعرفه”(18).

وهذا كلام محسوس ومشاهد في الواقع، ولا يقتصر على العبادات أو الأوامر والنواهي الشرعية فقط، وإنما ينسحب على الحياة ومناشطها المختلفة جميعًا؛ فلا يؤتى بالعمل على وجهه إلا إذا عرفنا وجهه، ولا نأتي به على الوجه السديد والسليم إلا بعد معرفتنا لغايته ومقصوده ومراده، وإلا أدينا العمل أو التكليف جسدًا بلا روح، وشكلاً بلا مضمون، ونشاطًا بلا أثر ولا فائدة.

بل لا نبالغ إذا قلنا إن الجهل بمقصود الحكم يجعل المكلفين – في أحيان كثيرة – يأتون به على عكس مراد الشارع منه، وقد يؤدي ذلك إلى تعطيل آثار الأحكام الشرعية، “كمن يصومون رمضان، ولكنهم يأكلون في رمضان أكثر مما يأكلون في غير رمضان، ويرضون شهواتهم في رمضان بما لا يفعلونه خارج رمضان”(19).

ويضرب د. الريسوني لذلك مثلاً آخر بالاستئذان عند دخول البيوت، ومقصوده منع النظر الفجائي الذي قد يقع على ما لا يجوز، أو ما لا يحب الناس أن يرى منهم أو عندهم في حرمات بيوتهم… ولكن من لا يعرف هذا المقصد أو لا يراعيه قد يتوقف عند الباب منتظرًا الإذن له بالدخول، ولكنه قد يرسل بصره داخل البيت عبر بابه أو نوافذه؛ فهذا قد التزم بالاستئذان التزامًا عمليًّا صوريًّا، ولكنه انتهكه من حيث مقصوده(20).

ومثال آخر من الأمثلة التي يكثر حولها الشغب بين الملتزمين – غير المتعمقين في مقاصد الشرع ومراميه – وهو الأمر بتقصير الثياب، أو النهي عن إسباله.

روى مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم” قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله؟ قال: “المسبل، والمنان، والمُنَفِّقُ سلعتَه بالحلف الكاذب”(21).

وذكر جمع غفير من العلماء – سبق بيانهم – أن هذا الوعيد محمول على من أسبل ثوبه كبرًا وبطرًا، وذلك بجمع النصوص التي وردت في هذا الموضوع، فنتج عن مجموع النصوص تقييد إطلاق هذا الوعيد بالكبر والبطر والخيلاء.

ونحن نتساءل هنا: ماذا لو أسبل ثيابه لغير بطر ولا كبر ولا مخيلة، هل ينطبق عليه هذا الوعيد الشديد، ونُدخل بذلك شعوبًا كاملة في نار جهنم؟ إنه بذلك قد فعل النهي شكلاً، ولكن لم يحصل مقصوده مضمونًا.

ونتساءل من جهة أخرى: ماذا لو قصر ثوبه تخايلاً على الناس بأنه يقيم السنة، وبطرًا وكبرًا واحتقارًا للآخرين لأنهم منفلتون عن الشرع متسيبون معادون للسنة مقصرون فيها؟ إنه يكون قد التزم شكلاً بالحكم، ولكنه حقق المقصود من النهي عن ضده، فانظر إلى أي حد تكون الخطورة!.

وما أروع ما ذكره ابن الجوزي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حُلة اشتُريت له بسبعة وعشرين بعيراً، وكان لتميم الداري حلة اشتريت بألف درهم، يصلي فيها بالليل، ثم قال لله دره: “فجاء أقوام، فأظهروا التزهد، وابتكروا طريقة زينها لهم الهوى، ثم تطلبوا لها الدليل، وإنما ينبغي للإنسان أن يتبع طريقًا ويتطلب دليلها، ثم انقسموا: فمنهم متصنع في الظاهر، ليثُ الشرى في الباطن، يتناول في خلواته الشهوات، وينعكف على اللذات، ويري الناس بزيه أنه متصوف متزهد، وما تزهد إلا القميص، وإذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون”(22).

ومن هنا يتبين لنا خطورة قيام المكلف بالتكليف دون معرفة مقصوده، ودون علمه بالغاية التي شرع لها الحكم، كما يتبين لنا الأهمية البالغة لأنْ يتفقه المكلف بمقاصد الأحكام والتعرف إلى الغايات التي شرعت لها الأحكام بشيء من التفصيل والتحديد ما أمكنه ذلك.

فمثلا: لو عرف المسلمون مقاصد ومرامي ما جاء في دينهم من أحكام المياه، والوضوء، والغسل، والتيمم، والاستنجاء، والسواك، وخصال الفطرة، وطهارة الثوب والبدن والمكان في الصلاة، ومن النهي عن تنجيس الطرق وأماكن الجلوس، وعن الروائح الكريهة – لما رأيت دنياهم تملؤها الأوساخ والأزبال والقذارات، ولكانوا آية من آيات الله، وحجة من حجج دين الله، ولو عرفوا الأبعاد التربوية والحضارية للصلاة لتعلموا منها ضبط أعمالهم ومواقيتهم، واحترام مواعيدهم، وتنظيم صفوفهم، وترتيب شئونهم ولتخلصوا من أدرانهم ورذائلهم وانعزالهم وانكماشهم وأنانيتهم وعشوائيتهم، وهكذا يقال في سائر أحكام الشريعة(23).

ومن شأن العلم بذلك أيضًا أن يعمل على وضوح الرؤية لدى المكلف فلا يأتي بما ينافي مقصود الشارع كما سبق، وكذلك يعمل على طمأنينة(24) المكلف إلى الشرع، وهذا يحمله على مزيد من الإتقان، كما يحمله على تبليغه والدعوة إليه والدفاع عنه؛ ولهذا قال الله لنبيه: (المص. كِتَابٌ أُنـزلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ). (الأعراف: 1، 2). ولا يتصور أن يخلو صدر الداعية من حرج حين لا يعلم مقصود الشارع من شرعه، ولن يكون الإنذار ذكرى للمدعوين من المؤمنين، ولن يأتي أكله مع غير المؤمنين إلا إذا زال هذا الحرج من صدر الداعية، ولا يكون ذلك إلا بالوقوف على أهداف وغايات ومقاصد التشريع والرسالة.

ولا غرو أن طلب إبراهيم – عليه السلام – من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى مع إيمانه التام بطلاقة القدرة الإلهية: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي…). (البقرة: 260). “فأجاب الله دعوته، وأراه وعلمه، وأفهمه وطمأنه”(25).

إذن فمعرفة مقصود الحكم الشرعي من شأنه أن يُطَمْئن المكلف، ويعمل على حسن تطبيقه للحكم، بعدم تحقيق العكس من مقصوده، وبهذا تؤتي الأحكام الشرعية ثمارها عند تطبيقها، وتؤدي نتائجها وفوائدها في النفس والمجتمع والأمة.

* * *

المبحث الثاني

الوظائف الدعوية لمقاصد الأحكام الفقهية

ويقصد بالوظائف الدعوية هنا – كما سبقت الإِشارة في تحديد مصطلحات البحث – ما يعود على الآخرين، وما يتصل بفكرهم وعقولهم، وقلوبهم وإيمانهم، وأرواحهم ووجدانهم. ومن الوظائف الدعوية:

المطلب الأول: التجديد في الفكر:

تمثل مقاصد الشريعة الإسلامية مرجعية معتبرة للتجديد في الفكر الإسلامي بشكل عام، وفي الفقه والأصول بشكل خاص، وتتميز هذه المرجعية بأنها قادرة على تقديم الإجابات المناسبة لما ينـزل بالأمة من نوازل، سواء كانت نوازل عامة في جوانب حياتها الثقافية والسياسية والاجتماعية والحضارية، أم نوازل فقهية تمس حياة الناس من الناحية الشرعية المباشرة.

وتحت هذه المظلة الواسعة تنطلق حركة الاجتهاد والتجديد انطلاقة رحيبة تأخذ مداها، لتحتضن كل جديد، وتستوعب كل حادث، ولا تقف مكتوفة الأيدي أمام أي نازلة، إنما تقوم بتوصيف واقعها، وتستنـزل حكمها في ضوء هذه المظلة مع مراعاة النصوص الجزئية الخاصة والعامة.

وما من شك في أن هذه المظلة الكبرى التي تمثل ساحة واسعة للمجتهد المعاصر تتكوّن – بداية تكوينها – من المقاصد الجزئية التي تعتبر مهادًا لتكوين المقاصد الخاصة، وتكوّنان – بدورهما – المقاصد الكلية والمفاهيم التأسيسية والمقاصد العالية التي ترتكز عليها عملية التجديد الفكري في النسق الإسلامي العام.

إن نظرية المقاصد هي الرؤية الكلية التي تندرج في إطارها كل الرؤى الفكرية والقواعد الفقهية، ولا تتعلق باستنباط الأحكام الشرعية فحسب، “بل إنها تشكل المفهوم الكلي الذي يحكم طريقة التفكير الإسلامية، والتي توائم موائمة فريدة بين هداية النقل ودراية العقل؛ فهي منهج لتجديد الفكر الإسلامي على هدي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهج صحابته عليهم الرضوان في النظر المقاصدي… الذي يوفر منهجًا للأحكام العقلية كما هي منهج للأحكام العملية”(26). وهذا يقتضي كون النظر المقاصدي صالحًا لإحداث الفاعلية والتجديد، ومرتكزًا أساسيًّا في صناعة تنمية دائمة، ونهضة إسلامية شاملة.

وهذا التجديد لابد أن يصدر من أهله وفي محله: من أهله الذين سبروا أغوار الشريعة بمقاصدها ونصوصها، بمواردها ومصادرها، بكلياتها وجزئياتها، ثم آتاهم الله فهمًا وبصيرة لتوصيف الواقع وفهمه فهمًا دقيقًا وتوصيفًا صحيحًا يطابق الواقع، ثم تكون عندهم قدرة فائقة على ممارسة عملية التنـزيل بكل أبعادها المعقدة في واقعنا المعاصر، وفي محله الذي يقتضي أن يكون في مساحات الاجتهاد المشروعة.

المطلب الثاني: الرد على المتشككين وتفنيد الشبهات:

إن الشبهات التي يلقيها المتشككون والمبتدعة(27) على العقيدة والشريعة تتردد بين الحين والآخر منذ أول يوم نـزلت فيه الرسالة، وقد أورد القرآن الكريم العديد من هذه الشبهات حول الرسول والرسالة التي يثيرها غير المسلمين من ملاحدة وأهل كتاب، ثم يورد الرد عليها ويفندها، وهو في القرآن أكثر من أن يحصى.

وهذه الشبهات تتطلب علماء على قدر كبير من الوعي بأهداف وغايات ومقاصد الرسالة، ولديهم تفنن في بيان فلسفة الأحكام ومقاصدها؛ إذ لا يُبلّغ الدعوة ويقيم الحجة ويرد الشبهة ويكشف زيفها إلا المتعمقون في مقاصد الشريعة، المستوعبون لأهداف الرسالة وغاياتها.

ولأن أهداف الرسالة أهداف إنسانية نبيلة(28)، ومقاصد إسلامية شريفة، فإنها تمثل قاسمًا مشتركًا بين البشر، ولا يختلف عليها أحد.

وحسبنا قول الله تعالى مبينًا أهداف إرسال الرسول: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ). (الأعراف: 157).

وقول جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – حينما قال له النجاشي: “ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من الملل”؟

قال جعفر – رضي الله عنه -: “أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوى الضعيف؛ فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولاً كما بعث الرسل إلى من قبلنا، وذلك الرسول منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع – أي نترك – ما كان يعبد آباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا أن نعبد الله تعالى وحده، وأمرنا بالصلاة – أي ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي – والزكاة – أي مطلق الصدقة – والصيام – أي ثلاثة أيام من كل شهر أي وهى البيض أو أي ثلاثة على الخلاف فى ذلك – وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة؛ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعدا علينا قومُنا؛ ليردونا إلى عبادة الأصنام، واستحلال الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورجوناك أن لا نظلم عندك يا أيها الملك. فقال النجاشي لجعفر: هل عندك مما جاء به شيء؟ قلت: نعم. قال: فقرأت عليه صدرًا من “كهيعص”، فبكى والله النجاشي حتى أخضل – أي بل لحيته – وبكت أساقفته”(29).

ففي هذه الآيات الكريم، وفي قول جعفر لا نجد أجمع للخير، وأوعب لصالح الإنسانية من هذه المقاصد التي ذكرتْها الآيات، وبيَّنها جعفرُ بن أبي طالب رضي الله عنه.

بل إن للفكر المقاصدي دورًا كبيرًا في المناظرات والحجاج الشرعي والعقلي، الأصولي والفقهي، والمتأمل لمناظرات الإمام مالك الأصولية والفقهية – سواء كانت شفهية أم تحريرية – مع فقهاء عصره يقف على أهمية المقاصد في هذا المجال(30).

وإذا كان الوعي بالمقاصد بكل مراتبها من الضروريات لتبليغ الدعوة وتفنيد الشبهات في كل عصر؛ فإن ذلك أوجب في عصرنا الذي أضحى من أهم خصائصه: ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، وفي ظل هذا الانفتاح “العنكبوتي والفضائي” غير المحدود يصبح لزامًا على كل ناطق باسم الإسلام أن يكون له أوفى نصيب من الغايات التي جاءت في الآيات الكريمة، وفصَّلها جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه.

ولذلك كان هذا هو منهج الراسخين في العلم، يقول شيخنا د. يوسف القرضاوي أن من منهجه ذكر “الحُكم مقرونًا بحِكمته وعلته، مربوطًا بالفلسفة العامة للإسلام. وهذا ما التزمته في فتاواي وكتاباتي بصفة عامة، وذلك لأمرين:

الأول: أن هذه هي طريقة القرآن والسنة…. الثاني: أن الشاكين والمشككين في عصرنا كثيرون، ولم يعد أغلب الناس يقبلون الحكم دون أن يعرفوا مأخذه ومغزاه، ويعوا حكمته وهدفه، وخاصة فيما لم يكن من التعبدات المحضة. ولابد أن نعرف طبيعة عصرنا، وطبيعة الناس فيه، ونـزيل الحرج من صدورهم ببيان حكمة الله فيما شرع، وبذلك يتقبلون الحكم راضين منشرحين. فمن كان مرتابًا ذهب ريبه، ومن كان مؤمنًا ازداد إيمانًا”(31).

وقال عن إحدى الخطوات المنهجية التي سلكها في بحثه “فقه الزكاة” من قبل: “لم أكْتفِ ببيان الحكم الشرعي مجردًا في كل مسألة، بل عُنيت بتفسير الحكمة من وراء تشريعه، والسر فيما أوجبه الشارع أو استحبه، أو نهى عنه أو أذن فيه، وهذا اقتداء بالشارع نفسه الذي عُنِىَ بتعليل الأحكام، وبيان مقاصدها ومنافعها للبشر أفرادًا وجماعات، ولم يكتفِ بالتكليف المجرد، والإلزام الصارم، اعتمادًا على التزام المكلفين – بحكم إيمانهم – بامتثال كل ما يصدر عن الشارع، عقلوا حكمته أو لم يعقلوها. وإذا كان بيان الحكمة من التشريع أمرًا محمودًا على كل حال، فهو في عصرنا أمر لازم، لغلبة الأفكار المفسدة، والتيارات المضللة والوافدة من الشرق والغرب، فلم يعد يكفى إصدار الحكم المجرد، وانتظار صيحات المكلفين بعده: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (البقرة: 285)”(32).

ويقول د. الريسوني – بحق -: “إننا اليوم في ظل التحديات الفكرية والثقافية والإعلامية التي تواجهنا وتحاصرنا أصبحنا أكثر اضطرارًا إلى أن نعرض على الناس ونشرح لهم مقاصد شريعتنا ومحاسن ديننا، فهذا هو الكفيل بإنصاف ديننا المفترى عليه، وإبرازه بما هو عليه، وما هو أهله، وهو الكفيل بدفع الشبهات، ورفع الإشكالات، وإقامة الحجة كاملة ناصعة؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة”(33).

إن معرفة مقاصد الشريعة “تعطي المسلم القناعة التامة والمناعة الكافية ضد الحرب الضروس التي تقام اليوم ضد الإسلام عن طريق الغزو الفكري والعقدي والتيارات المنحرفة، والدعوات البراقة، والأفكار الهدامة التي تطلق من هنا وهناك عبر وسائل الإعلام التي تنوعت وتعددت في عصرنا الحاضر، وأصبحت السلامة منها أمرًا متعذرًا، وليس هناك من وسيلة لمواجهتها إلا عبر تحصين المسلم عن طريق القناعة بهذا الدين وبيان مقاصده مما يعطي المسلم هذه الحصانة”(34).

ومن يتأمل في تاريخ أعلامنا المصلحين والمجددين يدرك تمام الإدراك أنه لا يخلو مجدد أو مصلح من الاهتمام بالفكر المقاصدي، وأن الاهتمام بهذا الفكر يبرز في حالات الرغبة في النهضة والتجديد والحفاظ على الهوية ونشر الدعوة والإصلاح؛ وفي ضوء هذه الحقيقة نفهم ما رواه البيهقي عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يرث هذا العلم من كل خلَف عدوله؛ ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين”(35).

قال المناوي: “وهذا إخبار منه بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأنه تعالى يوفق له في كل عصر خلقًا من العدول يحملونه، وينفون عنه التحريف، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر”(36).

ولا يتصور أن يكون هؤلاء الفضلاء الأخيار عدولاً ثم يخلون من فقه مقاصد الشريعة وإدراك غايات الرسالة؛ لأنهم لا يستطيعون رد تأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين إلا بالتمكن من غايات الشريعة ومقاصد الرسالة، وهذا من وظائف المقاصد بكل مراتبها.

وحين يقول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). (يوسف: 108). فمن معاني البصيرة في هذا السياق – والله أعلم بمراده – أن يكون متبصرًا بمقاصد الشريعة وغايات الرسالة؛ فيكون قوي الحجة ظاهر البرهان، فينقاد إليه الناس بما معه من حقائق ورسوخ وتبصر بما يدعو إليه، وهذا لا ينفك عن مقاصد الشريعة.

ولهذا يقرر العلامة ولي الله الدهلوي أن علم الأسرار والحكم والمقاصد “أحق العلوم بأن يصرف فيه من طاقة نفائس الأوقات، ويتخذه عدة لمعاده بعدما فرض عليه من الطاعات؛ إذ به يصير الإنسان على بصيرة فيما جاء به الشرع”(37).

وحين يقول أيضًا: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ). (الرعد: 17). فإن الزبد هو ما يطفو فوق سطح الماء، وهو إشارة إلى عدم الثبات والقوة والعمق، وهذا شبيه بالظاهرية في فهم النصوص التي ترفض التقصيد والتعليل وتقف عند ظاهر النص دون سبر أغواره والوقوف على مقاصده وغاياته؛ ولهذا قال الدهلوي: “ومن عجز أن يعرف أن الأعمال معتبرة بالنيات … فإنه لم يمسه من العلم إلا كما يمس الإبرة من الماء حين تغمس في البحر وتخرج، وهو بأن يبكي على نفسه أحق من أن يعتد بقوله”(38).

لكن الراسخين في العلم، المتعمقين في فهم الدين والفقه فيه، فلا شك أن فقههم هو الذي ينفع الناس، ويمكث في الأرض، والآخر هو الذي يذهب جُفاءً، كما يذهب زبد السيل.

وإذا كان كثير من الأصوليين احتجوا لمشروعية القياس بقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ). (سورة الحشر: 2). والله تعالى يقول: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ). (سورة آل عمران: 13). ويقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ). (سورة آل عمران: 190). ويقول: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ). (سورة يوسف: 111). ويقول: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ . هُدًى وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ). (سورة غافر: 53، 54). – فإنه يعني – والله أعلم بمراده – أن العبرةَ – وهي ما يَعْبُرُ به الإنسان من الماضي إلى الحاضر والمستقبل – والآياتِ والهدى والذكرى لا تكون ولا ينتفع بها إلا أولو الأبصار والألباب، ولا يمكن أن نتصور أولي الألباب والأبصار إلا والفكر المقاصدي في القلب من تكوينهم وفكرهم ومنهجهم.

المطلب الثالث: الترشيد في مجال الدعوة الإسلامية:

من الوظائف العامة الهامة للمقاصد الجزئية أنها ترشد الدعوة الإسلامية، والحركة للإسلام، وتعمل – إلى حدٍّ كبير – على وحدة الأمة(39)؛ فضلاً عن العاملين في ساحة العمل الإسلامي، وتجعل جميع العاملين متفاهمين متفقين متعاونين، يعذر بعضهم بعضًا في الفروع ما كانت قائمة على أدلة معتبرة من الشرع.

وإذا كانت المقاصد عمومًا قد أدَّتْ دورًا مشكورًا ومقدورًا في ساحة الاجتهاد الفقهي المعاصر، تأصيلاً وتنـزيلاً، فإننا ندعو إلى أن تلعب دورًا أكبر في التقريب بين الدعوات المعاصرة ومناهجها المتنوعة؛ إذ إن هذا الدور لم يأخذ مداه حتى الآن، ولم تصدر نداءات تدعو إلى تفعيل المقاصد في التقريب والتوحيد بين الدعاة إلى الله تعالى.

إن معرفة مقاصد الشريعة تظهر أهميتها كذلك في “ترتيب الأولويات بالنسبة للداعية في الدعوة إلى الله تعالى؛ فيقدم الضروريات على الحاجيات، والحاجيات على التحسينيات، ويقدم ما فيه مصلحة عامة على ما فيه مصلحة خاصة، ويقدم الأهم على المهم، كما يحذر الناس من الضرر الأكثر خطورة قبل تحذيره لهم من الضرر الأقل خطورة، كما يخاطب كل أناس على حسب عقولهم، وبالخطاب الذي يناسب أفهامهم”(40).

ولا يخفى أن معظم الخلاف بين العاملين للإسلام يكون في فروع الدين وجزئياته، أي في الأحكام الفقهية العملية، ولو تفقه هؤلاء بمقاصد الأحكام الفرعية، وعلموا أنه متى اتضح المقصد فلا بأس من تعدد الصور وتنوعها – لزالت إشكالات كبيرة، وتوفرت طاقات هائلة، ونقلنا معاركنا إلى ساحاتها الحقيقية.

وإذا كانت المقاصد تقرب بين الفقهاء، وتقلل مساحات الخلاف، فلا يستغرب أن يكون لها دور فاعل في تقليل الخلاف بين العاملين والدعاة، والقضاء على الشغب في ساحة العمل للإسلام، وكما قال ابن عاشور: “إن أعظم ما يهم المتفقهين إيجاد ثلة من المقاصد القطعية؛ ليجعلوها أصلا يصار إليه في الفقه والجدل”(41).

وسيظل العمل الإسلامي – رموزه وجماهيره – في محنة كبيرة ما لم نتدارك هذا الأمر بنشر ثقافة المقاصد، وتمكين الوعي المقاصدي بينهم؛ لأن هذا ضمانة كبيرة لسلامة البدن الإسلامي، واستعادة العافية للدعوة الإسلامية بكل شرائحها وفصائلها، وأرجى لأن يحقق العمل الإسلامي مقاصده، ويصل لغاياته.

المطلب الرابع: التصحيح والمعيارية والتقييم:

ومن أهم الوظائف التي تثمرها رعاية المقاصد وظائف التصحيح والمعيارية والتقييم والتقويم .. فالمعرفة بمقاصد الأحكام الفرعية العملية هو صلب الفقه والفهم والاستيعاب والوضوح، وهذا الفهم والوضوح هو الذي يمكّن المكلف من كل ما سبق.

ولنضرب مثالاً في تصحيح المواقف وتقييمها وتقويمها بموقف هارون من موسى حين ترك القوم يعبدون العجل، ولنورد القصة كاملة من القرآن الكريم، قال تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ . وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). (الأعراف: 148-151).

وقال – عز وجل – في مقام آخر موضحًا نهي هارون لهم عن اتخاذهم العجل، وأن ربهم الرحمن: (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى . قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا . أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي . قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي). (طه: 90-94).

فانظر إلى نبي الله موسى – عليه السلام – حين علم وأتى ورأى قومه عاكفين على العجل يعبدونه من دون الله ماذا فعل؟ رجع غضبان أسِفًا، ونهر قومه وعنفهم في الخطاب: “بئسما خلفتموني من بعدي، أعجلتم أمر ربكم؟”، ولم يكتفِ بذلك بل ألقى الألواح – وهي المقدسة التي فيها التوراة – وأخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه!!

وما ذلك إلا لأن موسى – عليه السلام – لم يعرف من هارون أهدافه ومقاصده من هذا الفعل، فلما شرح له هارون – عليه السلام – وجه فعله ومقصد تصرفه من أن القوم استضعفوه، وكادوا يقتلونه، وبيَّن له خشيته من أن يقول له موسى: “فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي” – حين وضَّح له هارون هذه المقاصد، وكشف له هذه الغايات “سكت عن موسى الغضبُ” و”أخذ الألواح” وقال: “ربِّ اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين”.

ومثال آخر من السنة النبوية، وهو حديث الأنصار والمهاجرين الذي رواه الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: “لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ؛ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الأَنْصَارِ شَيْءٌ. قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلاَّ امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا. قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ. قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ. قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ. فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الأَنْصَارِ. قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمْ اللَّهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: أَلا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ؟ قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلاً فَأَغْنَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلامِكُمْ؟ أَفَلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَفَرَّقْنَا”(42).

هذا مثال يبين مدى ما يمكن أن يصل إليه المسلم حين لا يعلم مقصد الحكم أو غاية التصرف، حتى وصل بالبعض الحالُ إلى أن يقول: “لقي رسول الله قومه”، وهي قالة قد تقدح في إيمان المسلم.

فلما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن لهم مقصد تصرفه، وهو أنه يتألف بالعطايا – وهي لعاعة من الدنيا – قومًا ليسلموا، ووكَّل الأنصار إلى إيمانهم، بكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وطابت نفوسهم، ورضوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا وحظًّا؛ فضلاً عن أن الطريقة التي اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف تعبر عن منهجية فريدة في التربية.

يقول د. الريسوني معلقًا على ذلك في سياق مقاصدي معبر: “فهؤلاء الأنصار الفضلاء الأخيار حين لم يدركوا مغزى ما فعله رسول الله استاءوا وتشوشوا، وحين بيَّن لهم صلى الله عليه وسلم مقاصده ومراميه انشرحوا ورضوا واطمأنوا، ولقد كان من الممكن أن يقال لهم: هذا حكم الله ورسوله، فارضوا به وسلموا تسليمًا، وليس لكم أن تتقدموا ولا أن تتكلموا، وهذا كلام صحيح لا غبار عليه، ولكن حين يكون مُعزَّزًا ببيان المقاصد والحكم، ولا سيما في موارد الاستشكال والالتباس، يكون أصح وأتم، ويكون التصرف اللازم أنسب وأسلم”(43).

إذن فمعرفة المقصد من الحكم أو الغاية من التصرف تصحح المواقف، وتُعدِّل التصورات، وتطمئن النفوس، وتطيب الخواطر، وتقوِّم المسار، وتنـزع فتيل الفتنة – والفتنة أشد وأكبر من القتل!! – وبغير معرفة المقصد ووضوحه يضل الإنسان، ويقع في مهاوي الهلاك، وأكل لحوم الناس، ويأخذ ما ليس له، ويترك ما هو له، بل يقترف ما قد يقدح في معتقده وإيمانه؛ فيضل ضلالاً بعيدًا.

وهذا يبين لنا أن استحضار المقصد قبل العمل وأثناءه وبعده يعد – بلا شك – معيارًا يقيس مدى صحة العمل من خطئه، ومدى نجاحه من فشله، ومدى ما حققه من إنجاز ونفع، كما أننا يمكن أن نُقيِّم أعمالنا وممارساتنا وتصرفاتنا في ضوء المقصد منها، فالمقاصد عمومًا – والجزئية منها خصوصًا – تضبط السلوك وتقيمه، كما أنها تصححه وتقومه.

المطلب الخامس: توسيع الوسائل وتجديدها:

وهذه واحدة من أهم الوظائف التي تؤديها المقاصد الجزئية دعويا، وفي غير مجال الدعوة كذلك، وهي أننا متى ظهر المقصد واتضح فلا يضيرنا بأي الوسائل أقمناه متى كانت الوسيلة مشروعة، غير عائدة على المقصد بالإبطال.

وهذه الوظيفة أو ذلك الأثر تصدق المقاصد فيه على مجالات لا حصر لها تتجاوز المجال الأصولي والفقهي إلى مجالات العلوم كافة، بل مجالات الحياة جميعًا، وكذلك تصدق وسائلها على المجالات نفسها، وليس الأمر محصورًا في الأصول، أو مقصورًا على الفقه والفتوى فحسب.

وهذا من مقومات صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، وخلودها وعمومها، يقول ابن عاشور: “معنى صلوحية شريعة الإسلام لكل زمان أن تكون أحكامُها كلياتٍ ومعانيَ مشتملة على حِكم ومصالحَ صالحة لأنْ تتفرع منها أحكامٌ مختلفة الصور متحدة المقصد”(44).

وربما يختلف الأمر في العبادات عن غيرها، فوسائل العبادات لابد من الإتيان بها على وجهها كما شرعها الله تعالى، أما في غير العبادات فإن الأمر مختلف، فلا يكاد يوجد حكم فيها واضح المقصد إلا وتتعدد وتتنوع صوره ووسائله.

ولا يعني هذا أن الأمر في العبادات هكذا بإطلاق، وإنما هناك من وسائل العبادات ما يتنوع صوره أو وسائله.

وإذا كانت المقاصد ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، فإن الوسائل تمثل عنصر المرونة والتغير والسعة في الشريعة الإسلامية لاستيعاب المستجدات، واحتضان التطورات، وتحقيق الغايات.

وأحوج من يحتاج فقه الوسائل هم الدعاة إلى الله تعالى؛ إذ إن الدعوة مجال خصب ورحب، ويحتاج إلى مرونة في المواقف والوسائل، وإلى سعة أفق، وبخاصة في عصرنا الذي أصبحت سمته التعقيد والتضييق والتشابك.

ولقد سلك سيدنا نوح ـ عليه السلام ـ وسائل متعددة ومتنوعة لتحقيق مقصده وهو تبليغ الرسالة مع عناد قومه وإصرارهم على رفض الدعوة: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا . فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا). (سورة نوح: 5-12).

ونحن نعلم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من تنوع الوسائل وتعددها وتجددها وسعتها ما لا نعلمه عن نبي مع قومه، ولا رسول مع رسالته، والمطالع لسيرته الشريفة لا يخطئه هذا المعنى في مراحلها جميعًا(45).

ولا تقل حاجة الفقه عن حاجة الدعوة في هذا المعنى، وبخاصة في مجال السياسة الشرعية(46) الذي يحكمه “فقه المصالح والمفاسد” بما يحقق مقاصد الشريعة ومصالح الناس، وفي ظل هذا الفقه تتجلى البراعة في استخدام الوسائل وتنوعها وتجددها لتحقيق الأهداف والغايات، وليس هناك باب أرحب في الفقه الإسلامي من باب السياسة الشرعية لابتنائه وقيامه على فقه المصالح والمفاسد، وسعة منطقة العفو فيه.

فلو ضربنا مثلا في هذا السياق باختيار الحاكم، فليس بالضرورة أن يتم اختياره كما تم اختيار الخليفة الأول أبي بكر – رضي الله عنه – في سقيفة بني ساعدة، ولكن يمكن أن يتعدد ويتنوع شكل اختيار الحاكم كالأشكال التي نراها في عصرنا من خلال صناديق الاقتراع، والمهم في هذا أن تتحقق الشورى، وأن يختار الناس حكامهم بكامل إرادتهم وتمام حريتهم؛ ليكون الاختيار صحيحًا تترتب عليه آثاره، وتتحقق به مقتضياته.

ولا مانع كذلك من تعدد وتنوع شكل الحكم نفسه، كما يتنوع ويتعدد في بلاد الغرب، المهم أن يتحقق المقصد من قيام الحكام والحكومات، وهو حراسة الدين وسياسة الدنيا به.

وإذا كانت المقاصد تعمل على تجديد الوسائل وتنويعها؛ فإنها أيضا تفيد في اختيار أنسب الوسائل لتحقيق مقصود الشرع، كما تعمل على هدايتنا للواجب منها والمندوب والمباح؛ نظرًا لأن للوسائل حكم المقاصد.

وهكذا فإننا نجد أن وضوح المقصد ووجوده وظهوره يعود على الوسائل بالمرونة والتجدد والتنوع، ويعمل على اختيار أنسبها وأصلحها، وأوفقها حكمًا للمقصود، وفي هذا من العمل على سعة الفقه الإسلامي ومرونته واستيعابه ما لا يمكن معه أن تند حادثة من مستجدات العصور بعيدًا عن مظلة الشريعة.

تبين لنا من خلال هذا الفصل الأهمية البالغة لمقاصد الأحكام الجزئية، وأن وظائفها متنوعة ومتعددة، وأن الآثار المترتبة على العمل بها كثيرة، وربما لو دققنا النظر وأمعنا الفكر لاستخرجنا وظائف أخرى متنوعة غير ما أوردناه، تتوزعها المجالاتُ المختلفة، التربوية والاجتماعية والدعوية والسياسية والقانونية، وغيرها من المجالات؛ فضلا عن مجال الأصول والفقه، ولعل فيما سبق ما يعطي الطريقة والمنهجية التي يمكن أن نستنبط بها وظائف أخرى. والله أعلم.

الخاتمة:

إن الشريعة الإسلامية وأحكامها وتشريعاتها لن نستطيع أن نفقهها حق الفقه، ونفهمها حق الفهم، ونستوعب طبيعتها حق الاستيعاب، إلا إذا وقفنا على أسرارها ومقاصدها وغاياتها التي شرعت من أجل تحقيقها في واقع الحياة.

ويعد الفقه بمقاصد الأحكام الفقهية في ضوء مقاصدها أهم خطوة لتنـزيل تلك الأحكام في الواقع بما يحقق مصلحته ويوفِّي متطلباته حق الوفاء، وبما لا يتعارض مع أصول الشريعة ومقرراتها العامة ومقاصدها العالية، وبدون هذا الفقه سَتنِدُّ كثيرٌ من المستجدات عن مظلة الشريعة الإسلامية، ونُوقع أنفسنا وشريعتنا في تناقضات عجيبة، وهذا – بحد ذاته – مناقض لمقصد الله تعالى من وضع الشريعة.

وقد ظهر من هذه الدراسة أن التمثل بأحكام الإسلام وفق مقاصدها له فوائده وعوائده على الفرد والمجتمع.

فمن ناحية الفرد يسهم في الإتيان بالأحكام على وجهها الصحيح، ويعمل على سلامة تطبيقها وإحسانه، كما أنه يجعل المؤمن أكثر اطمئنانًا، ويجعله يقبل على العمل بحب وشوق؛ إذ الإسلام يقوم عليهما، ويزيل أي حرج من قلب المؤمن، وفي هذا ما فيه من زيادة الإيمان بربانية الشريعة، وصلاحيتها الحضارية لقيادة الحياة.

ومن ناحية المجتمع فإنه يُرشّد حركته وعبادته، ويعزز من صحة تدينه، ويجدد حياته، ويجعله أكثر قدرة على معايشة واقعه؛ يفعل فيه فعله وينفعل به، كما أن تحكيم مقاصد الأحكام يُسهم بشكل فاعل في تقييم وتقويم العمل وتوجيهه الوجهة الصحيحة الرشيدة، ويقوم بدور فعّال في رد الشبهات، وهو أمر نحتاج إليه بشدة في عصرنا في ظل الفضاءات الإعلامية الواسعة والمتقاربة والمفتوحة، كما أن تمثُّل هذا الفكر يمنحنا مرونة في التنقل بين الوسائل المشروعة لتحقيق الهدف المنشود.

إن لمقاصد الأحكام الفقهية وظائف وفوائد وأدوارًا تتخطى مجال العلوم الشرعية من فقه وأصول وفتوى ودعوة وتربية وغيرها إلى مجالات أوسع وأعمق، وآفاق أرحب وأشمل، وإذا نحن حكَّمنا هذا الفكر في تلك المجالات الرحيبة والعميقة فلا ريب أن هذه العلوم وتلك المجالات ستتجدد وستتطور، وتقوم بأداء وظائفها المنوطة بها، وتُحقق أهدافها المرصودة؛ فتنتعش الحياة الفكرية، ويترشد تفكير الإنسانية؛ رُقيًّا في الخلق، وسُموًّا في السلوك، وحضارة في البناء والعمارة.

* * *

الهوامش

(1) راجع: المقاصد الجزئية وأثرها في الاستدلال الفقهي. وصفي عاشور أبو زيد. رسالة دكتوراه بقسم الشريعة الإسلامية – كلية دار العلوم – جامعة القاهرة. 2011م..

(2) راجع الفكر المقاصدي قواعده وفوائده: 75، وما بعدها. طبعة دار الهادي. بيروت.

(3) من الجدير بالذكر أن العلامة عبد الله بن بيه تحدث عما أسماه محائر أو مدارك أو أكنسة المقاصد، وهي وجوه الاستفادة منها والاستنجاد بها، ولكنها كلها أصولية وفقهية ولا علاقة لها بالتربوية أو الدعوية، راجع: علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه: 99-102، أ.د. عبد الله بن بيه. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية. لندن. الطبعة الثانية. 2006م، وللدكتور نور الدين الخادمي إشارات خفيفة، وهي أصولية وفقهية كذلك، انظر: الاجتهاد المقاصدي: 1/58-59. العدد 65 من سلسلة كتاب الأمة القطري. جمادى الأولى. 1419هـ.

(4) الشامل، قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعية إنجليزي وعربي: 227. د. مصلح الصالح. دار عالم الكتب. الرياض. الطبعة الأولى. 1420هـ/1999م.

(5)  موسوعة السياسة: 7/295. عبد الوهاب الكيالي، ومجموعة من المفكرين والسياسيين. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. لبنان. د. ط . د. ت.

(6) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية إنجليزي فرنسي عربي: 170. أحمد زكي بدوي. مكتبة لبنان. 1982م.

(7) في المطلب الثاني والثالث نجمل تحت كل منهما عددا من الوظائف والفوائد من غير إفراد لكل منها ولا تفصيل؛ وذلك لأنها وظائف تربوية وتزكوية بعضها قريب من بعض.

(8) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 4/274

(9) التحرير والتنوير: 13/224.

(10) مدخل إلى مقاصد الشريعة: 15-16.

(11) معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة: 357. محمَّد بنْ حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني. دار ابن الجوزي. الطبعة الخامسة. 1427هـ.

(12) فيض القدير: 2/647-648. وهذا المعنى يتردد كثيرا في “الفيض” حينما يتحدث عن الفقه في الدين والفهم عن الله، أو حينما يتعرض لشرح حديث: “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده”.

(13) بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب: 3/108-109. شمس الدين أبو الثناء محمود ابن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني. تحقيق: د. محمد مظهر بقا. معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي. مركز إحياء التراث الإسلامي. مكة المكرمة. الطبعة الأولى. 1406هـ /1986م.

(14) العلة المقصودة هنا والتي ذكرها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هي ما رواه البخاري من حديث ابن عباس قال: “قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ”. صحيح البخاري: كتاب المغازي. باب: عمرة القضاء.

(15) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: 316. تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (المتوفى: 702هـ). تحقيق: مصطفى شيخ مصطفى، ومدثر سندس. مؤسسة الرسالة. بيروت. الطبعة الأولى. 1426هـ / 2005م.

(16) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: 1/132. محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد الله. تحقيق: محمد حامد الفقي. دار الكتاب العربي. بيروت. الطبعة الثانية. 1393هـ/ 1973م.

(17) الفكر المقاصدي: 93-94.

(18) الفكر المقاصدي: 95، وراجع حجة الله البالغة: 1/8.

(19) الفكر المقاصدي: 96.

(20) الفكر المقاصدي: 96-97.

(21) صحيح مسلم: كتاب الإيمان. باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف. وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. والمنفِّق (بتشديد الفاء المكسورة): المروج أي الذي يسعى إلى نفاقها ورواجها.

(22) صيد الخاطر: 29. أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي. تحقيق: عبد القادر أحمد عطا. دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة الأولى. 1412هـ/1992م.

(23) الفكر المقاصدي: 96

(24) انظر حجة الله البالغة: 1/8.

(25) الفكر المقاصدي: 93.

(26) مقاصد الشريعة إطارًا ووسيلة للإصلاح والتجديد في المجتمعات الإسلامية. د. أمين حسن عمر. ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الواحد والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة: 1/464. الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. كوالالمبور. (14-16 رجب 1427هـ – 8-10 أغسطس 2006م).

(27) انظر حجة الله البالغة: 1/8. طبعة دار التراث.

(28) انظر: الأبعاد الإنسانية للمقاصد الإسلامية. د. إبراهيم أحمد مهنا. ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الواحد والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة: 1/525-541. الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. كوالالمبور. (14-16 رجب 1427هـ – 8-10 أغسطس 2006م).

(29) السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون: 2/31. علي بن برهان الدين الحلبي. (المتوفى: 1044هـ) . دار المعرفة. بيروت، 1400هـ.

(30) راجع مثلا: الفكر المقاصدي عند الإمام مالك وعلاقته بالمناظرات الأصولية والفقهية في القرن الثاني الهجري: 591-679. د. محمد نصيف العسري. دار الحديث. القاهرة. ومركز التراث الثقافي المغربي. الدار البيضاء.  الطبعة الأولى. 1429هـ/2008م.

(31) فتاوى معاصرة: 1/16-17، وعقب الشيخ في نفس الموضع على قوله تعقيبا مهما فقال: “ومع هذا لابد أن نؤكد للناس، أن من حق الله تعالى، أن يكلف عباده ما شاء، بحكم ربوبيته لهم، وعبوديتهم له، فهو وحده له الأمر، كما له الخلق. ولهذا لابد أن يطيعوه فيما أمر، ويصدقوه فيما أخبر، وإن لم يدركوا علة أمره، أو كنه خبره، وعليهم أن يقولوا في الأول: “سمعنا وأطعنا”، وفي الثاني: (آمنا به كل من عند ربنا). إن الله لا يأمر بشيء، ولا ينهى عن شيء، إلا لحكمة. هذه قضية ثابتة جازمة. ولكن لسنا دائما قادرين على أن نتبين حكمة الله بالتفصيل. وهذا مقتضى الابتلاء الذي قام عليه أمر التكليف، بل أمر الإنسان (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه).

(32) فقه الزكاة: 1/21. مؤسسة الرسالة. بيروت. الطبعة الثامنة. 1405هـ/1985م.

(33) مدخل إلى مقاصد الشريعة: 19. د. أحمد الريسوني. دار الأمان بالرباط، ودار السلام بالقاهرة. الطبعة الأولى. 1431هـ/ 2010م.

(34) مقاصد الشريعة وأثرها في الإصلاح والتشريع ووحدة الأمة. د. عبد الله الزير. ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الواحد والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة: 1/572. الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. كوالالمبور. (14-16 رجب 1427هـ – 8-10 أغسطس 2006م). وراجع: الدليل الإرشادي إلى مقاصد الشريعة الإسلامية: 2/11-12. لأستاذنا الدكتور محمد كمال الدين إمام.

(35) سنن البيهقي الكبرى: كتاب الشهادات. باب:  باب الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول كفوا عن حديثه لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع أو أنه لا يبصر الفتيا. رقم (20700). راجع سنن البيهقي الكبري: 10/209. أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي. تحقيق : محمد عبد القادر عطا . مكتبة دار الباز. مكة المكرمة. 1414هـ/ 1994م. ورواه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي هريرة. رقم (599). انظر مسند الشاميين: 1/344. سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني. تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي. مؤسسة الرسالة. بيروت. الطبعة الأولى. 1405هـ/ 1984م.

(36) فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير : 6/514. للعلامة محمد عبد الرؤوف المناوي. ضبطه وصححه أحمد عبد السلام . دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. 1415هـ/1994م.

(37) حجة الله البالغة: 1/3.

(38) حجة الله البالغة: 1/5.

(39) راجع: تحقيق وحدة الأمة الإسلامية وفق المقاصد الشرعية. د. عبد الرحمن بن جميل بن عبد الرحمن. ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الواحد والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة: 1/474-487. الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. كوالالمبور. (14-16 رجب 1427هـ – 8-10 أغسطس 2006م)، وانظر أيضًا: مقاصد التشريع في القرآن الكريم ودورها في توحيد الأمة الإسلامية. د. إحسان موسى حسن الربيعي. نفس المصدر: 1/488-502.

(40) مقاصد الشريعة وأثرها في الإصلاح والتشريع ووحدة الأمة. د. عبد الله الزير. ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الواحد والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة: 1/573. الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. كوالالمبور. (14-16 رجب 1427هـ – 8-10 أغسطس 2006م).

(41) مقاصد الشريعة: 37.

(42) مسند الإمام أحمد: مسند أبي سعيد الخدري، رقم (11748). 3/76. مؤسسة قرطبة. القاهرة. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

(43) مدخل إلى مقاصد الشريعة: 18-19.

(44) مقاصد الشريعة: 92. طبعة دار السلام.

(45) راجع في هذا المعنى: الفكر المقاصدي للريسوني: 104. وقد ضرب مثالاً على الوسائل بالديموقراطية.

(46) انظر: دور مقاصد الشريعة في السياسة الشرعية منهجًا وممارسة. رحيمة بن حمو. مخبر الدراسات الشرعية. جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية. قسنطينة. الجزائر. العدد الرابع: 2/600-615. صفر 1426هـ/مارس 2005، وانظر: دور الاجتهاد المقاصدي في السياسة الشرعية. د. أم نائل بركاني. ضمن الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الواحد والعشرين، مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة: 1/474-487. الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. كوالالمبور. (14-16 رجب 1427هـ – 8-10 أغسطس 2006م)، وعلاقة مقاصد الشريعة بعلم السياسة الشرعية. د. خالد بن إبراهيم بن محمد الحصين. نفس المرجع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر