حوار

نقد العدد الماضي

العدد 1/2

(1) خواطر حول أزمة العقل المسلم المعاصر :

للأستاذ عبدالحليم محمد أحمد

كاتب هذه الخواطر الأستاذ عبدالحليم محمد أحمد، عرفناه من رجال التاريخ – دراسة وتخصصاً، ومن رجال التربية – مهمة وممارسة، ومن رجال النشر – رسالة وفكراً، ونعرفه اليوم مفكراً حمل القلم بعد طول بحث ومعاناة.

أطلت الكاتب صرخته لتحرير العقل المسلم من الأثقال، فبدت وكأنها كانت محتبسة زمنا طويلا، حال بينها وبين الانطلاق مسائل، ثم أطلقت مخزون إلى التاريء مرة وإعادة، وكأنها تخشي أن يحول بينها وبينه حائل جليله.

لقد أن الكاتب الفاضل شهيقاً طويلاً، ثم حدثنا عن الدين والعقل والتراث والحضارة والفكر الإنساني وتاريخ العالم في زفير واحد، وكنت أستحسن له أن يتناول من بين هذه القضايا قضية واحدة، يطرحها طرحا مستفيضة هادئة، حتى يمكنها أن تحدث الأثر المرتجي منها، وهو تصحيح المفاهيم التي تراكمت عبر عصور طويلة من الضعف والحمود، فهي بذلك أكثر حاجة إلى الصبر والأناة في معالجتها، بغية الوصول إلى الهدف المقصود.

فعندما تناول الكاتب قضية تحرر العقل، وميز بين التعلم والحفظ والتقليد، با كنت أتوقع منه تعريفة علمية لكل من هذه المصطلحات، إذ هي مدار البحث، ولا يكفي في تمييزها قوله أن التعلم غذاء للعقل، والحفظ مسخ للعقل، والتقليد طمس للعقل.

وإذا كان الحفظ مسخاً للعقل، فهل هذا حكم مطلق لا قيود له؟ وكيف نستني حفظ القرآن الكريم، وحفظ الحديث النبوي الشريف، ومإذا عن الشعر والتاريخ ؟ ومإذا عن المنحى الغربي الحديث الذي بدأ يضع قواعد العلوم في منظومات تذكرنا بألفية بن مالك في النحو ؟ وما هو الحد الفاصل بين ما يحفظ وما لا يحفظ ؟ وما دور الحافظة في التكوين الفكري للإنسان؟.

وإذا كان التقليد طمساً للعقل، فما هي حدود القدوة والأسوة الحسنة، ولمإذا فرقوا بين التقليد المبكر والتقليد الأعمى ؟، وهل دعاة التقليد مدرسة واخدة ترى المحاكاة الفردية في كل ما فعل الأسلاف وما قالوا، أم أن لهم في ذلك تحليل وتصنيف وخلاف، يستحق من كاتبنا الرد والحوار.؟

وتحدث الكاتب عن سلبية المسلمين في الإسهام في الفكر الإنساني، وحمل جملة شعواء على عامة الخطباء والكتاب الخطابيين وأصحاب عقد النقص الذين يقرأون بضع كلمات عن نظريات دارون وفرويد وماركس، فيرفضونها رفضا باتا، أو يتناولونها بعقلية المتعصب الساذج الموغل في الخرافات.

وقد أجاد في عرض فكره عرضة منطقية مرتبة وإن كان شديد التركيز والإيجاز، مما يدعونا إلى الظن بأنه لم يجد مجالا للإشارة إلى المحاولات الحادة التي بذلها بعض المختصين القادرين على النقد العلمي الرصين لتلك النظريات، وأن يبرزها كأمثلة إيجابية تكملى الصورة التي رسمها للموقف الإسلامي المعاصر من الفكر الإنساني.

وبعد أن لهثنا وراء الكاتب عبر موضوعاته الشائقة المتعددة، اختتم بحثه بالتفريق بين الغزو الفكري وبين التفاعل الحضاري، فوضع في كلمات قليلة مضغوطة بذور نظرية جديدة تواجه الفكر الرافض للحضارة الغربية، وهو الفكر الذي يسيطر على الربع الثالث من القرن العشرين، ولعله أراد بذلك أن يطلق صغيرة خافتة وسط هذا السكون الشامل المسلم لا يكتب له، حتى إذا هيأت الأسماع الشيء جديد طلع علينا ببحث مستفيض متكامل يناسب خطورة الفكر الطروح.

ولم نكن نحب أن يختم الكاتب بحثه بملاحظة يقرر فيها أن هذا البحث – التي تصدر باب الأثاث بل تصدر العدد الافتتاحي من المجلة – ما هو إلا خواطر متناثرة كتبت في فترات متباعدة، لأن هذه الملاحظة وضعتنا أمام سؤالي مباشر : إلا تستحق كل هذه الأمور التي طرحت على بساط البحث، وفيها من الليل والطير ما فيها، أن تحظى من الكاتب بأكثر مما تحظى به اواطر المتناثرة المكتوبة في فترات متباعدة.

فإذا تعدينا هذه الملاحظات – وهي شكلية في أغلبها – فإننا نقر لكاتبنا بالأصالة والجرأة، وهما صفتان لازمتان لكل من أراد أن يلقي حجراً جديداً في بحيرتنا الآسنة.

(2) الخصائص الثابتة اللازمة والخصائص المكتسبة للحركة الإسلامية :

الأستاذ توفيق الطيب

إن الذين يضربون بفؤوسهم في الأرض البكر، يشهد الناس لهم – من بعد – بفضل السبق، ويذكرونهم بالخير بعد أن تخضر الأرض، وتورق فوق بساطها الأشجار :

ولكننا من أبناء جيلهم : لا نعفيهم من النقد، فنحن نعتقد أننا نساهم بذلك معهم في إخصاب الفكرة الجديدة، مهما بدت كلماتنا كالكف المعترضة وسط دوي التصفيق.

وتعد هذه الدراسة للأستاذ توفيق الطيب من بين الدراسات الرائدة في أرض الحركة الإسلامية – وهي أرض جديدة لم تلفت انتباه الكتاب الإسلاميين إلا منذ سنوات قليلة – وله في هذا المجال محاولات جادة متفرقة، تعكس ممارسته العملية في بعض البلدان العربية والأوربية خلال فترة طويلة من الزمن.

وأول ما يطالعنا في البحث الذي بين أيدينا تعريف الكاتب لأصطلاح الدعوة الإسلامية، وأنها هي رسالة الحركة الإسلامية، وأنها كانت تتمثل أولي الأمر بالرسول صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام وحله , فتمد كان هو الداعية الأول وهو وحده الدعوة، ثم لا آمن بله سرو ته من آمن وكثر عدد المؤمنين بهذا الدين المبايعين على إقامته بحيث أصبحوا فئة تمثل تياراً اجتماعياً مغايراً للمجتمع الجاهلي أصبح بالإمكان أن نسميهم حركة “ص ۸۷.

ثم يعود الكاتب فيعرف الدعوة إلى الإسلام في ص 96 فيقول “فالدعوة إلى الإسلام واجب فردي على كل مسلم، وهو يعني حمل الإسلام إلى العالم واجباً فردياً فحسبه ما دام نظامنا السياسي غائبا”.

وفهمنا من تعريفه الأول أنه يتصل بالدعوة الإسلامية أو الرسالة الإسلامية دين الإسلام نفسه الذي عرضه الرسول صلى الله عليه وسلم ÷ المجتمع الحال، ثم فهمنا من التعريف الثاني أنه يقصد شيئة محددة هو عملية تبليغ دين الإسلام إلى غير المسلمين، ومما أمر ان مختلفان أولهما هو الأصل وثانيها فرع من فروعه.

ثم نراه بعد ذلك – ويشاركه في ذلك عدد من الكتاب – يطلق اصطلاح الدعوة على أمر ثالث أسيراه البعث الإسلامي – ص ۹۷ – ويقصده به حركة الإصلاح الديني داخل العالم الإسلامي ذاته.

واستعمال مصطلح الدعوة في كل هذه المجالات بسبب فيما أرى خلطاً كبيراً بين الأحكام والقواعد التي تتناول كلاً منهم، مما يضعف الاستشهاد بأحدهما على الآخر أو المقابلة بينهما، فشتان ما بين دعوة المشركين إلى تغيير دينهم وبين دعوة المسلمين إلى التشبث باينهم.

ولفظ الدعوة في اللغة – ابن منظور في لسان العرب على سبيل المثال يتح لكل هذه الاستعمالات ولغيرها، ولكنه ونحن بصدد التحليل والتحديد لا يصلح في مقال واحد للدلالة على الإسلام مرة، وعلى التبشير به مرة أخري، وعلى حث المسلمين على التمسات به مرة ثالثة وهو ما يلخاليه علماؤنا في الأمر والمعروف والنهي عن المنكر، ويصن نما، علماء الاجتماع تحت عنوان الإصلاح الديني.

وتعرض الكاتب بعد ذلك للحركة الإسلامية الحديثة – ص ۸۷ فعمم حيث كان يجب أن يخص؛ ذلك أن حديثه عن الحركة الوهابية ثم المدرسة السلفية ثم حركة العشرينات التي لم يسمها لنا وأغلب الظن أنه يقصد بها حركة الإخوان المسلمين، دل على أنه يقصر حديثه على المنطقة العربية وحدها، فهو لم يتعرض لشبه القارة الهندية ولا جنوب شرق آسيا ولا إيران وتركيا، مع أن تأريخهم الحديث قد شهد تحركاً إسلامياً أصيلاً.

ووقع كاتبنا في التعميم مرة أخرى عندما تحدث عن الحركة الإسلامية المعاصرة – ص ۸۸ – وقال أنها دخلت طورآجعله يبدأ عقب نكبة فلسطين؛ ذلك أن تحليله يقتصر على المنطقة العربية أيضاً، إذ أن الحركة الإسلامية في اندونيسيا على سبيل المثال مرت بعدة أطوار هامة لا شك في ذلك، ولكن ليس من بينها نكبة فلسطين.

وإذ يدخل كاتبها بعد ذلك في صلب البحث ليحدثنا عن الخصائص العامة اللازمة للحركة الإسلامية، لا أخفي أنني فوجئت بحديث لم أكن أتوقعه.

ذلك أن ما ذكره مفصلا في خمسي صفحات متتالية – ۸۹ إلى 93 – عن الربانية والإيجابية والواقعية والأخلاقية.. إلخ لا يعدو فيما أرى حديثة من بعض خصائص الإسلام نفسه، أما الحركة كتيار يسري في جسم المجتمع، شأنه شأن التيارات المواكبة له والمتعارضة معه، فقد كنا نتوقع له تليلا سوسيولوجيا نصا، يضع أصابعنا على مكان الحركة الإسلامية بين الحركات العقائدية في عالمنا المعاصر، ما تشترك فيه معهم وما تختص به معني، تحليلا فنيا يخرجنا من عصير التعميمات إلى مرحلة التحديد العلمي للقضية مدار البحث، أما الحديث عن خصائص الإسلام فله مجالات أخرى واسعة.

كما أن الذين وقعوا في هذا اللبس من الكتاب اختلفوا فيما كتبوا، فمنهم من حدثنا أن ” خصائص دعوتنا هي الأخوة والتضحية والصبر، ومنهم من قال أن ” أساس حركتنا هو الإيمان والعمل ” إلى آخر ذلك مما يبدو في ظاهره اختلافا، والرأي عندي أنهم متفقون جميعا في شيء واحد، وهو أنهم لا يتحدثون عن الحركة ولا عن خصائصها، وإنما يتحادثون عن خصائص ديننا الحنيف وضرماء، وهي خصائص تتسع لكل ما قالوا ولغير ما قالوا من التبويبات والتقسيمات التي لا ماهود لها.

بقيت ملاحظة أخيرة، هي أن كاتبنا اهتم في تحليله بالجماعات دون الأفراد، ولا أظنه يختان مي في أن مفهوم الحركة يضم تحت مظلته كل الجهود الصادقة في الحقل الإسلامي، سواء صادرته عن مجموعات منظمة أو عن أفراد أفذاذ كالكتاب والعلماء والصحفيين والسياسيين والنواب وغيرهم، فلمإذا أسقط الجهود الفردية من البحث، مع أنه أقرها داخل إطار الحركة دون التنظيم ص 96.

كما أن الكاتب لم يتعرض لقطاع كامل هو القطاع الذي يتمثل في النهود الإسلامية الرسمية التي تصدر عن أجهزة حكومية أو أقليمية، والتي لها من الآثار ما لا يجوز تجاهله.

وقد اختتم الكاتب بحثه بحديث عن النقد الذاتي للحركة الإسلامية، ودوره في تطويرها وفي حمايتها من الانحراف، ووضح للنقد والناقدين شروطا نوافقه عليها إلى أبعد الحدود، ذلك لأنه أجاد تصنيفها وأحسن عرضها، مما حرك شوقنا لأن نلتقي معه مرة أخرى على صفحات هذه المجلة، وهو يمارس النقد – بهذه الشروط – لبعض ما عايشه وخالطه من مجالات العمل الإسلامي المتباينة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر