مقدمة:
شرع الله تعالى لهذه الأمة الاجتماع في المساجد في أوقات معلومات لمقاصد نافعات في الدنيا والآخرة، وقد أولى فقهاء الشريعة صلاة الجماعة عنايتهم بحثا عن مختلف أحكامها الفقهية، ومقاصدها الكلية، وتروم هذه المقالة البحث عن مقاصد صلاة الجماعة السياسية والدستورية، في محاولة لاستثمارها في بناء منظومة مقاصد الشريعة الخاصة بالأمة، انطلاقا من ذلك الشبه المعتبر شرعا بين إمامة الصلاة “الإمامة الصغرى” وبين رياسة الدولة “الإمامة الكبرى”، من خلال الغوص في أسرار صلاة الجماعة للكشف عما تحويه من درر في الميدان السياسي سواء في الحكم والإلزام أو في الصفات المطلوبة في الإمام علما وورعا أو في الفوائد والمقاصد المرادة للشارع منهما كالوحدة والطاعة والنظام والاجتماع.
ويتأكد هذا الشبه من خلال تلك العلاقة التاريخية بين مؤسسة المسجد ومؤسسة الدولة بشكل واضح من خلال قراره -صلى الله عليه وسلم- أن يكون سكنه ومقامه الشريف داخل المسجد النبوي الشريف، ليصبح المسجد المركز السياسي للجماعة، وعليه فان تعدّية مقاصد صلاة الجماعة “الإمامة الصغرى” واستثمارها في بناء مقاصد للإمامة الكبرى تجعل من المسجد دويلة صغيرة يتعلم من خلالها المسلمون حقوق المواطنة المتساوية ومبادئ التنظيم المحكم والوحدة وقوة الرابطة، وغيرها من الحكم المستفادة من صلاة الجماعة وتوظيفها في صياغة مقاصد الشريعة في ما يخص الاجتماع السياسي في إطار الدولة.
وتركز الدراسة على أهم مقصد لصلاة الجماعة وهو حفظ نظام الأمة ووحدة الاجتماع، والتربية على المواطنة الصالحة من حيث الانتظام حتى طاعة ولي الأمر في صفوف متراصة ومستقيمة وموحدة الجميع فيها متساو، والأفضل فيها للمجتهد في الطاعات والسابق للخيرات والمتقن للعبادات، خلف إمام واحد يأتمون بأمره جميعا، كل ذلك في نظام عجيب يعطي بهجة منظر، ويوحي بأهمية الوحدة وحسن النظام من غير فتنة مضلة في حالة الاستفتاح عليه.
وتهدف الدراسة إلى استثمار مقصد الاجتماع في التقليل من الاختلاف السياسي بقدر ما هو قليل في الاختلاف أثناء صلاة الجماعة، بحيث يمكن توظيف هذا المقصد العام في حل العديد من الإشكاليات حول صلاة الجماعةكمسألة تكرار صلاة الجماعة بعد صلاة الإمام الراتب، ومسألة تعدد المساجد في المحلة الواحدة بلا مقتضى شرعي، ومسألة الخروج على الحاكم وغيرها، مما يحتاج الفصل فيها إلى معرفة مقاصد الاجتماع للارتباط بين غاية الاجتماعين التعبدي والسياسي من أجل التواصل والإحسان والتعاطف من خلال ربط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وربط مواطنة المؤمنين برياسة الدولة، ومحاولة بناء الوحدة المقاصدية، من خلال العناصر الآتية:
أولا: صلاة الجماعة بين التعبد والتقصد.
ثانيا: وجه الارتباط بين مقاصد صلاة الجماعة ومقاصد الدولة في الفقه الإسلامي.
ثالثا: توظيف مقاصد صلاة الجماعة في التأسيس لمقاصد الشريعة الخاصة بالدولة.
رابعا: تفعيل مقاصد الشريعة الخاصة بالأمة في الاجتهاد المقاصدي.
أولا: صلاة الجماعة بين التعبد والتقصد
الصلاة عمود الإسلام، والركن الثاني من أركانه، وهي سبب لكل خير وسعادة الدنيا والآخرة، فلا إسلام لمن ضيعها يقول الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) (البقرة: 238)، وهي بذلك تحتل دورا مركزيا وحاسما يقول النبي r: “..واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة”(1)، وتزداد أهميتها بتأديتها جماعة مع المسلمين، ومن ثم فإنه إذا كانت الصلاة فرادى شعار المسلم، فان صلاة الجماعة في المساجد شعار الدولة المسلمة.
ولأهميتها شرعت حتى في حالة الخوف في ميدان القتال، فلو كان في التخلف عن الجماعة رخصة لرخص للمجاهدين في تلك الساعة الحرجة، فكيف بالآمن المطمئن، وظاهر أن حاجة المسلمين إليها أثناء ملاقاة العدو ضرورية لخصوصية الظرف الذي يتطلب وحدة الصف، وذلك سداً لذريعة التفريق والاختلاف والتنازع، وطلباً لاجتماع القلوب وتآلف الكلمة، وهذا من أعظم مقاصد الشرع، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ، وَيَقُولُ: “اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكم” رواه مسلم، وهي بهذا الاعتبار رمز لوحدة المسلمين وجمع قلوبهم واتحاد صفوفهم “إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية” رواه أبو داود بإسناد حسن، والمتأمل في طبيعتها وأهدافها وخصائصها ووظائفها الروحية والاجتماعية، يلاحظ أثرها على تنمية الحس الإصلاحي والخيري لدى المسلم، والعمل على السير بها قدماً في اتجاه الانسجام والتوازن والصلاح والخير(2).
1- حقيقة صلاة الجماعة وحكمها:
صلاة الجماعة ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وقد تعبد الله(3) الرجال المقيمين أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، مما يجعلها من أعظم شعائر الدين الحنيف، لما فيها من المقاصد الشرعية والمعاني الاجتماعية والسياسية مما لا يخفى على كل متأمل، فهي حكم تكليفي طلب الشارع فعله من المكلف، لما صح من أحاديث وآثار، وبما ثبت من مواظبة النبي وأصحابه عليها، فقد حثِّ النبي rعلى تأديتها جماعة في المسجد حيث قال: “صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة”(4) وفي رواية: “بخمس وعشرين درجة”(5) وفي لفظ: “بخمس وعشرين جزءًا”(6) والجزء والدرجة بمعنى واحد(7).
ومن ثم فلا ينبغي التهاون في المحافظة على صلاة الجماعة، فعن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي عليه الصلاة والسلام في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة -وكان رحيماً رفيقاً- فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: “ارجعوا فكونوا فيهم، وعلِّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم”(8). مما يدل على أهميتها في الحياة التنظيمية، بل والأخروية، حيث توعد النبي عليه الصلاة والسلام تاركها بالختم على قلبه، فعن ابن عباس وابن عمر أنهما سمعا النبي rيقول على أعواده- المنبر: “لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجماعات أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين”(9).
لما فيها من معاني ومقاصد اجتماعية وسياسية كإظهار شعائر الدين، وحماية الوحدة الدينية،وحفظ نظامها، والتحذير من الابتعاد عن الجماعة وما يضاف إلى ذلك من ترابط إسلامي وثيق وتواصل اجتماعي متكامل، وتعارف وتعاون ومحبة.
2- مقاصد صلاة الجماعة السياسية
مما سبق تكون الصلاة في المساجد مع الجماعة من أوكد العبادات وأجل الطاعات وأعظم شعائر الإسلام، إلى درجة أنها تصبح محل إعجاب عند الله تعالى؛ لمحبته لها سبحانه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله rيقول: “إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع”(10) فالإضافة إلى المقاصد الفردية للصلاة كونها صلة بين العبد وربه، وتقوية لصلته بالله، بحيث ترتقي علاقته الروحية بربه إلى مستوى عالٍ من اليقظة الروحية التي تمكِّنه من أن يعبده فيها كأنه يراه، وبالتالي رفع درجات المراقبة والمحاسبة والخوف من الله، فضلا عن رفع درجة إيجابيته الاجتماعية، وهذا المقصد التربوي للصلاة، يعد من أقوى مقاصدها، لأنه يتعلق بالجانب العملي أو السلوكي في حياة المسلم، وهو الجانب المعول عليه في الحياة.
وقد استخرج العلماء من تكليف الشارع العباد بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المساجد، فوائد اجتماعية ودستورية لا تحصى منها أنها تدرب المسلم على النظام والترتيب، فإلزامية متابعة المصلين للإمام؛ دون تقدم عليه ولا تأخر عنه في جميع أقوال وأفعال الصلاة امتثالا لقصد الشارع الظاهر في قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: “فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً”، وهي بذلك تعلم المسلمين التوحد، وجمع الكلمة، وتربط بين المسلم ومجتمعه، وتشجعه على نبذ الفوضى والأنانية، والخلاف والشقاق، ومن ثم فهي تعمل على حفظ وحدة صفوف المسلمين، وقيام نظام الألفة والتربية على الانتظام والانضباط والإتباع والسمع والطاعة والاقتداء؛ كما يحصل في الاجتماع أيضا التعارف وتبادل التحية والسلام، وغير ذلك من الحكم في مشروعيتها والفوائد التعبدية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية، فضلا عما يقتضيه كل ذلك من إقامة نظام الجماعة السياسية المسلمة من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(11). فلن يتأتى ذلك إلا إذا اجتمعوا جماعة واحدة في صفوف متراصة كالبنيان وراء إمام واحد دفعا للفساد والاختلاف، ومنه سمي المسجد بالمسجدُ الجامعُ: لأنه علامة للاجتماع(12).
وعندما بدأ الرسول ببناء أمته كانت التربية العملية بعد العقيدة هي الأساس، وكانت الصلاة حجر الزاوية في عملية التنمية الشاملة إلى أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى إدارة الحكم، وإذا كانت الأمة المسلمة تريد استئناف الإقلاع الحضاري فان عليها أن تبدأ من حيث بدأ نبيها مستخدمة نفس المنهج، بعيدا عن التعلق بالأشكال والمظاهر على حساب المضامين والجواهر.
ثانيا: وجه الارتباط بين مقاصد صلاة الجماعة ومقاصد الدولة في الفقه الإسلامي:
ترتبط مقاصد الدولة في الإسلام بمقاصد صلاة الجماعة لاشتراكهما في مقصد الاجتماع والانتظام والمؤاخاة، وقد استدل العلماء، بالقياس على ذلك الترابط بينهما، قال الزركشي: “وَمِنْ السُّنَّةِ أَنَّ إمَامَةَ الصِّدِّيقِ ثَبَتَتْ بِالْقِيَاسِ، لِقَوْلِ عُمَرَ t: رَضِينَاهُ لِدِينِنَا أَفَلا نَرْضَاهُ لِدُنْيَانَا”(13)، وقال الآمدي: “ومن ذلك حكمهم في إمامة أبي بكر بالرأي والظن، وقياسهم العهد على العقد في الإمامة”(14) ودليلهم هذا يُسمى عند جمهور الأصوليين بقياس الأولى، وهي دلالة النص عند الحنفية.
فقد استأنس أهل السنة والجماعة بهذا القياس الجلي على إمامة أبي بكر خليفة لرسول الله، كما استأنس الفقه السياسي بطاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه من خلال فكرة ائتمام المصلين بالإمام وعدم الاختلاف عليه، كما استأنسوا بكراهية إمامة الناس وهم له كارهون من حديث: “لعن الله رجلا أمّ قوما وهم له كارهون”(15) بشرعية الحاكم ورضا الناس عنه بالبيعة الاختيارية، كما استأنسوا بوحدة الصفوف ووجوب تسويتها على مقصدية المساواة في الركوع والسجود لا فضلا لوزير على فقير، وعلى مقصدية الانتظام العام، ومثل الاستفتاح على الإمام في حالة الخطأ وعدم مسايرته في زيادة ركعة، مما يؤسس لحرية الرأي من غير خروج عليه حفاظا على نظام الأمة، وغيرها من المقاصد التي يمكن لأولي الألباب استشرافها، لتبرز مقاصد صلاة الجماعة ذات الصلة بالقيم السياسية في الدولة الحديثة،كأداة لتربية الحس الجماعي والبعد النظامي في الدولة(16).
1- قياس الإمامة الكبرى على الإمامة الصغرى:
وهو ظاهر من خلال قراءة مبحث حجية القياس في كتب الأصوليين حيث يستدل على حجيته بإجماع الصحابة على قياس استخلاف الرسول rلأبي بكر ليصلي بالناس مكانه في مرض موته، اعتبروا ذلك إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن أبا بكر خليفته(17)، قال ابن القيم: “وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدَّمُوا الصِّدِّيقَ فِي الْخِلافَةِ وَقَالُوا: رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ rلِدِينِنَا، أَفَلا نَرْضَاهُ لِدُنْيَانَا؟ فَقَاسُوا الإِمَامَةَ الْكُبْرَى عَلَى إمَامَةِ الصَّلاةِ”(18).
فإذا صح هذا القياس أمكن توسيعه إلى جميع أحكامه ومستلزماته، كشروط الخلافة قياسا على شروط الإمامة، ومقاصد الدولة على مقاصد صلاة الجماعة، وهو ما يعد مظهرا من مظاهر التجديد الأصولي المعاصر، حيث يتم توظيف المقاصد في توسيع القياس وإخراجه من الجزئية والفرعية إلى الكلية والجنس، وهو ما عبر عنه الجويني بالقياس الكلي، وسماه د/حسن الترابي بـ”القياس الواسع”، بحيث تصبح المقاصد حكما كليا حاكما على الجزئيات قاض عليها، تقاس عليه النوازل والمستجدات بحيث أصبح القاعدة كما يقول د/جاسر عودة: “تدور الأحكام الشرعية مع مقاصدها وجودا وعدما كما تدور مع عللها وجودا وعدما”(19) فالإمامة رفعة في الدنيا، وشرف في الآخرة،مقصدها الأساس الاقتداء والاجتماع وعدم الاختلاف عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: “إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه” متفق عليه، فيلزم الاقتداء بالحال التي كان عليها الإمام فقد صلى النبي rيوماً بأصحابه قاعداً وهم قيام، فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: “وإذا صلى -الإمام- جالساً، فصلوا جلوساً أجمعون”(20).
وترتبيا على ذلك يتأكد الشبه بين مؤسسة المسجد ومؤسسة الدولة من خلال السيرة النبوية السياسية عندما جعل النبي rسكنه ومقامه الشريف داخل المسجد النبوي الشريف، ليصبح المسجد هو نفسه المقر السياسي للجماعة حيث كان مسجده عليه الصلاة والسلام مقرا لقيادة الدولة وإصدار القرارات ووضع السياسات العامة، ليعلّم من بعده أنه لا فرق بين الدين والدنيا، وبين العبادة والسياسة، واقتداء بسيرته النبوية كانت خطة العرب المسلمين إذا ما فتحوا مدينة عملوا على بناء مسجد، وبجانبه دار الإمارة(21).
ومن الموافقات بينهما أن كلاهما تكون تحت إمرة إمام واحد تجتمع عليه القلوب، وتكون به الجماعة، دفعا لفتنة تعدد الأئمة التي هي مدعاة للتفرق والاختلاف، والتناحر والشقاق، لذا كان من شريعة الإسلام الدعوة إلى إتباع وطاعة إمام واحد سدًّا لذريعة التفرق.قال النووي:”اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد..، ونقل عن إمام الحرمين في كتابه الإرشاد قوله: قال أصحابنا: لا يجوز عقدها لشخصين(22)، وللحديث الصحيح: “…وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً”(23).
والمقصود من نصب الإمام الأعظم اجتماعُ الكلمة ولمُّ الشّمل وإقامةُ الدّين وتنفيذُ أحكام الله تعالى وحمايةُ حوزة البلاد وحفظُ بيضة المسلمين وقمعُ الشّرّ والفساد، ولذلك كانت الإمامةُ موضوعةً لخلافة النّبوّة في حفظ الدّين وسياسة الدّنيا.
ومن الموافقات بينهما أيضا اشتراط العلم والورع والاجتهاد في متوليهما حتى لا يصبح الأمر ميداناً يتسابق إليه أهل الأهواء والسفهاء، فكان من السنّة أن يتولى الإمامة والخلافة الفاضل الأحق بهما، ولا بأس بأن يؤم المفضول الفاضل فلقد صلى النبي rمأموماً مع أبي بكر الصديق t، فلما أحس به أبو بكر t، تأخر إلى الصف، وتقدم النبي rإماماً، كما صلى عليه الصلاة والسلام مأموماً خلف عبد الرحمن ابن عوف t، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر، فأشار إليه النبي rأن يستمر”(24) أخرجه مسلم، ولا شك أن رسول الله rأفضل منهما.
ومع شرف الإمامة في كليهما -“الإمام العادل”- إلا أن خطورتها في الدين والدنيا لا تخفى، فهما يتفقان في كونهما أمانة ومسؤولية، لا تولى لمن سألها أو طلبها ممن هو ليس أهلا لها، فإذا توجبت وأدى حقها الذي عليه، فإن أجرها كبير وعظيم فبهما يتحقق الانتظام العام، وتندفع حياة الفتنة الهرجية والمرجية. والواجب على الإمام أن يراعي أحوال جماعته من حيث إطالة الصلاة من عدمها، والتيسير على الرعية، ومن ثم يشتركان في وجوب الرفق والتخفيف بالرعية والمأمومين، ومراعاة أحوال الناس خلفهما، وعدم المشقة عليهم، فمن مجموع هذه الموافقات تنبّه المقاصديون لمقاصد الاجتماع السياسي وذكروا منها: وجوب المساواة وحفظ الحرية وإقامة النظام وتحقيق العدل وحفظ الوحدة وقوة الرابطة الدينية، والتعارف والتعاون والتناصح، مما يمكن معه التأسيس لذاتية مستقلة لمقاصد الشريعة على مستوى الأمة(25).
2- مقصدي الحرية والمساواة في ضوء صلاة الجماعة:
حقيقة الإسلام كامنة في إخلاص الدين لله فلا معبود بحق سوى الله؛ ومقتضى هذا الإخلاص تحرير النفس البشرية من العبودية والخضوع لغير الله؛ وبذلك يسمو الإنسان بإرادته من الخوف بمقتضى عقيدة التوحيد”لا اله إلا الله” التي تمثل بحق شعار لإعلان حرية وكرامة بني آدم؛ بحيث تسقط معها كل الطواغيت الوضعية(26)، يقول الإمام ابن عاشور:”ومن استقراء تصرفات الشريعة الإسلامية في أحوال الرقيق وعتقهم استخلص الفقهاء قاعدة”أن الشارع متشوف للحرية”(27).
أ- مقصد الحرية في ضوء صلاة الجماعة:
الإنسان مجبول في الفطرة على العيش حرا طليقا من الخضوع للأقران والأضداد، ولما كان الإسلام دين الفطرة كان منهجه في تقرير الحريات أن الأصل فيها الإباحةولا يجوز تقييد الفعل أو حظره إلا بنص خاص(28)، ومن ثم فلا غرابة أن يجعلها ابن عاشور(29) مقصدا من أهم المقاصد الشرعية مستدلا بمقولة عمر بن الخطاب أنه قال: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”(30)، وعليه يعدّ الإسلام ثورة تحررية شاملة للإرادة الإنسانية من كل عبودية لغير الله، مما يجعلها بحق أمانة مرتبة لمسؤولية ووعي بالحق والتزام به وفناء فيه(31). ومن ثم حق القول أن التكليف هو أساس الحرية وعلامتها، وأن الإنسان الجدير بصفة الحر هو المؤمن بالله(32)، فكلما زاد الإنسان إخلاصا في العبودية لله زاد تحررا من كل مخلوق في الطبيعة وحقق أقدارا اكبر من درجات الكمال الإنساني(33).
فالحرية في التصوير الإسلامي إنما هي ثمرة لعقيدة التوحيد التي تغرس في نفوس الموحدين اليقين الجازم بأن لا اله إلا الله يخاف ويرجى؛ ولا اله إلا الله يجتنب سخطه ويلتمس رضاه؛ من فضله يطمع؛ ومن قوته يستمد؛ إليه يتودد؛ واليه يحتكم؛ وبه يعتصم؛ كونه لوحده هو الضار والنافع(34).
وعلى هذا فخطة الإسلام في تحرير الناس تنطلق بداية بتحرير ضمائرهم ووجدانهم بغرس فيهم الشعور بالكرامة حتى إذا ما استقر ذلك في نفوسهم كانت الاستجابة إلى التشريع امتثالا وطواعية(35) ويزيد في تثبيت هذه الحرية وتأكيده عليها تدريب المسلمين على ممارستها في صورة العبادات المقررة في الفروض العينية والكفائية إشعارا للناس بقدسيتها وتمكينا لها في نفوسهم، وبهذا تكيّف الحرية بأنها هبة الله وقدر الإنسان الذي تميز به عن كل مخلوق، كضروريات وحاجيات أولية للإنسان تقتضيها فطرته؛ ولذلك قررها الشارع في صورة تكاليف وواجبات آمرة ضمانا لقوة الإلزام بها، استجابة لتلك الفطرة(36) يقول الإمام علال الفاسي(37) الحرية جعل قانوني وليس حق طبيعي؛ وأنه لم يخلق حرا وإنما ليكون حرا”.
ب- مقصد المساواة في ضوء مقاصد الجماعة:
جاء الإسلام في أهدافه الكبرى ليرفع من كرامة الإنسان من حيث هو إنسان، فشرع من الأحكام التي تكفل التخلص من استعباد الإنسان لأخيه الإنسان معلنا مبدأ سواسية الناس في التكليف الشرعي، فلا عبودية إلا لله مما يعني اعتبار المساواة أساسا لكل الحريات وليس مجرد حرية كما هي عند بعض فقهاء القانون، فتحرير العقيدة أساس الحريات(38).
وفي أداء صلاة الجماعة تأكيد للمساواة الكاملة والحرية المطلقة في ممارسة الحقوق المشروعة في إطار من النظام العام الشرعي، فإذا أقيمت الصلاة انتظم الجميع في صفوف متراصة على سبيل المساواة بعضها خلف بعض؛ كل فرد حر في اختيار مكانه من الصف؛ لا يجوز أن يؤثر عليه غيره مهما كانت منـزلته؛ كما لا يحق لأي أحد أن يمنعه من ذلك.
ومن مظاهر المساواة في صلاة الجماعة تسوية الصفوف(39) بلا تمييز أو تفضيل فالجميع خاضع خضوع عبودية لله، وواقف وقفة حرية بالنسبة لما سوى الله، ولا يسوغ لأحد أن يخل باستقامة الصف بتقديم أو تأخير؛ وإلا كان معتديا على نظام الجماعة، لا فرق بين حاكم ومحكوم؛ ولا بين الصغير والكبير؛ أو بين الغني والفقير لا فرق بين أي من المصلين؛ فبتكبيرة الإمام يكبر المأمومون، وبتسليمه يسلمون كلهم على صف واحد في نظام عجيب، وأعجب ما فيه أنه أثناء أداء الصلاة تمارس صور الرقابة الشعبية على أعمال الإمام”كسلطة” في صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإذا أخطأ الإمام ساهيا عن قول أو فعل من أوضاع الصلاة فللمأموم واجب تصحيح الخطأ بتنبيه الإمام إليه(40) وفي ذلك تدريب على تقديم النصح والرقابة بالمعروف والموعظة الحسنة.
فرغم أنه مأمور بطاعته في جميع الأحوال ركوعا وسجودا؛ ابتداء وانتهاء؛ إلا انه إذا خرج عن قواعد المشروعية وجب رده برفق ولين، وهو في ذلك كله يمارس ويتدرب على حرية الرأي ويتعلم واجب طاعة الحاكم في غير معصية، فان خرج الحاكم على قواعد المشروعية وجب نصحه بالاستفتاح دون الخروج عليه.
ثالثا: توظيف مقاصد صلاة الجماعة في التأسيس لمقاصد الشريعة الخاصة بالدولة
تشكّل أحكام الدولة جانبا مهما من التشريع الإسلامي جعلت الفقه يهتم بها ويركز عليها تأصيلا وتقعيدا، كونها ركيزة أساسية لإقامة الدّين وسياسة المحكومين بالعدل والقسط، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، فغايتها: “حمل الكل على مقتضى النظر الشّرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها”(41) ومن هنا كانت إقامة الحكومة التي تنوب عن الشّارع في حمل المكلَّفين وفق منهاجه، واجبا كفائيا(42) وهذا ما أكده الفقيه السياسي الماوردي: “وعقده- أي الإمامة- لمن يقوم بها واجب بالإجماع”(43) كما أنّ إقامتها تقع في مرتبة الضّروري من الدّين(44)، لأن بدونها لا يستقيم حال الأمّة وإلاّ آلت إلى الهلاك والتلاشي، فكانت بذلك من أعظم الواجبات الدّينية، بل لا قيام للدّين إلا بها(45)، لكونها: “رياسة عامّة في أمور الدّين والدنيا”(46)، ومن هنا جعل الفقه السياسي قيام السلطة وسيلة ضرورية لقيام الإنسان بمهمة الخلافة التي كلفه الشارع الحكيم القيام بها؛ وقد عبر الإمام الغزالي عن هذا الترابط ما بين الدين والتنظيم السياسي أيّما تعبير مما يدل على تألق فقهه السياسي حيث يقول: “الدين والملك توأمان؛ والدين أصل؛ والسلطان حارس؛ وما لا أصل له فمهدوم؛ وما لا حارس له فضائع”(47). فالسلطة السياسية ضرورة من ضرورات الدين وأنها أي (الإمامة) أصل مقطوع به لا يفتقر في صحته؛ وملاءمته لتصرفات الشارع إلى شاهد(48)؛ مما يعني اعتبار تأسيس الدولة في الإسلام أحد مقاصد الشريعة(49).
1- ذاتية مقاصد الشريعة الخاصة بالدولة:
مقاصد الشريعة كما يقول الإمام الشاطبي: “أرواح الأعمال”(50) أما عن مقاصد الدولة وسلطتها فقد استدل الفقهاء على أنها مستمدة من طاعة ولاة الأمور الذين أسندت إليهم الأمة مسؤوليات، ولذلك ليس في الإسلام خليفة ولا إمام ولا حاكم يستمد تعيينه أو بقاءه أو تمديد حكمه من الله تعالى، إنما يستمد سلطاته من الأمة، وهو ما يفسر عدم وجود خطابات شرعية للحاكم وإنما للأمة التي تستنيبه وتفوضه، وجدير بالتساؤل هل الدولة في الإسلام من قبيل المقاصد أو من قبيل الوسائل؟ وبتعبير دقيق هل إقامتها أمر مطلوب لذاته أو مطلوب لغيره؟ فرغم ما للدولة من أهمية في إحقاق الحق وإبطال الباطل بما تتمتع به من امتيازات السلطة العامة، يتعجب الدارس كيف لم يجعلِ العلماءُ المتقدمون إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة ضمن الضروريات الخمس،وحول هذا المعنى يقول د/الريسوني: “وعند التحقيق في المسألة يلاحظ أن الدولة ليست من المقاصد، بل هي وسيلة من الوسائل وحتى لو كانت أُمُّ الوسائل، فهذا لا يغير انتماءها إلى جنس الوسائل، المطلوبةِ لغيرها لا لذاتها، فهي من المصالح المرسلة، تتحدد أهميتها ومكانتها تبعا لما تحققه وتخدمه من مقاصد،لأن أحكام الشريعة مقاصد ووسائل، ومن ثم فهي في النظر المقاصدي الشرعي، مثلها مثل سائرِ الولايات والمؤسسات في الدولة مجرد وسائل لا تطلب لذاتها، وإنما لخدمة وتحقيق مصالح مواطنيها، كونها نائبة عن الأفراد وعن المجتمع وخادمة لهما، فمقاصد الدولة لا تختلف عن مقاصد الأمة والمجتمع، في حفظَ الضروريات الخمس وتنميتَها تخطيطا وتنفيذا(51).
وقد لخَّص فقهاء السياسة الشرعية مقاصد الحكم قديما في أمرين اثنين، فقالوا: “الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا”(52). فأمّا حراسة الدين، فبحفظه على الدوام من الزّوال والتبديل والتحريف، أي حفظه وجودا وعدما كما ذكر الشاطبي(53)، وأما سياسة الدنيا، فالمراد منه حفظ مصالح الخلق، ورعاية مصالح المقيمين فيها، وحفظ هذه المصالح غير ممكن من قبَل الأفراد، بل لابد لها من حكومة مؤهلة لذلك.
وقد تنبه بعض المقاصديين المعاصرين إلى مسألة الفصل والتمييز بين نوعين من الخطابات الشرعية التكلفية. أحدهما: الخطابات الموجهة إلى الأمة باعتبارها مكلفا كجماعة؛ والثاني: الخطابات التكلفية الموجهة للأفراد؛ وهذا خلافا للنظرة السائدة والتي تعتبر خطابات الشارع الحكيم كلها موجهة للأفراد مما ترتب عنه اعتبار الشريعة شريعة أفراد والفقه فقه أفراد.
إذ يكاد الفكر المقاصدي الحديث(54) يتفق على عدم قدرة مقاصد الشريعة كما عرضها القدماء وبلورها الشاطبي من جانبها الفردي على الإحاطة بمطالب الحياة المعاصرة المعقدة والمتشعبة؛ مما يعني ضرورة الاعتماد على الكليات المقاصدية(55) وربطها بأهداف الأمة لتنظيم الحياة بقواعد قادرة على التوليد منها، وهو السبب الذي ساهم في تعطيل التنظير والتقعيد في مجال البناء التنظيمي للمجتمع الإسلامي وهذا ما يظهر جليا في عدم ملاحظة مقاصد الشريعة في كثير من مجالات الفقه(56).
واعتبروا أن هذا الفصل يعد من الأولويات في الاجتهاد المقاصدي المعاصر من خلال البحث عن المقاصد العليا والمصالح العامة الناظمة لنصوص الشريعة في أصولها وفصولها على مستوى الأمة/الدولة، فمن خلال إمعان النظر في الخطابات الشرعية الموجهة للأمة أمراً ونهياً، وسبر الأحكام في سياقاتها المختلفة تمكن الفقه المقاصدي من إبراز البعد الجماعي في منظومة مقاصد الشريعة، ويظهر ذلك جليا من خلال العمل المنقطع النظير الذي قام به الإمام الطاهر بن عاشور الملقب بـ الشاطبي الثاني؛ ومن بعده وعلى خطاه الإمام علال الفاسي مما يعني أن تطبيق الشريعة مرهون بتحقيق التطابق بين مقاصد الشارع ومقاصد المكلف وبين أهداف الأمة(57).
حيث يعد ابن عاشور أول من استدرك على القدامى إغفالهم مراعاة المقاصد الضرورية على مستوى الأمة(58)، ولم يسلم من استدراكه عليهم حتى شيخ المقاصد الإمام الجليل الشاطبي(59).
2- مقصد حفظ نظام الجماعة.
لما كان الاجتماع البشري مظنّة النـزاع؛ لما جبل عليه الناس من التنافس والتدافع في الطباع بسبب اختلاف الأهواء، كان الغرض من نصب الإمام هو حفظ النظام، وهذا ما أكّدته النصوص في مجموعها واستقراءات الفروع الفقهية بمجملها بما لا لبس فيه، كالآيات والأحاديث الآمرة بطاعة ولاة الأمر في المنشط والمكره وعدم الخروج المسلح عليهم؛ ولو كان عبدا حبشيا؛ إلا أن يكون كفرا بواحا، فثمرة مقاصد الشريعة من حفظ الكيان الاجتماعي بانتظام الفرد في المؤسسة الاجتماعية لتحقيق مقصد حفظ المجتمع ونبذ الفرقة ومخالفة الجماعة حصنا من الشيطان لحديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله rيقول: “ما من ثلاثة في قرية، ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. “قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة”(60).
فمن المقاصد التي دلت عليها صلاة الجماعة وجعلت علماء المقاصد يعتبرونها مقصدا من مقاصد الاجتماع السياسي في الدولة ما عبر عنه د/سلمان العودة بـ”ضرورية الاجتماع”، حيث يقول: “ولأجل تحقيق هذه الضرورية جاء تشريع صلاة الجماعة والجمعة والحج، وتقديم الاجتماع على حاجّية إعادة بناء الكعبة كما في الصحيحين(61). وهذا من ركائز الاجتماع الإنساني السليم.
ورغم محورية قاعدة وجوب حفظ النظام ومركزيتها في منظومة الفقه الإسلامي، أصوله ومقاصده؛ إلا أنها بقيت مرسلة إرسال المسلّمات؛ ولم تشغل بال الفقهاء وعلماء الأصول والمقاصد كما شغلتهم سائر القواعد الفقهية والأصولية والمقاصدية من حيث تأصيلها ومجالات استثمارها وبيان مستندها، مما يوحي أن الفقهاء القدامى كانوا يعتبرون حسن حفظ النظام كامنًا في الكليات الخمس التي: “اتفقت الأمة بل سائر الملل؛ على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس؛ وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل؛ وعلمها عند الأمة كالضروري؛…”(62).
ويعتبر المفكر المقاصدي ابن عاشور من المنظرين لفكرة مقاصدية النظام العام في منظومة مقاصد الشريعة على مستوى الدولة؛ حيث يقول: “إذا نحن استقرينا موارد الشريعة الدالة على مقاصدها من التشريع استبان لنا من كليات دلائلها ومن جزئياتها المستقرة أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة… ثم يقول: “وقد استشعر الفقهاء في الدين كلهم هذا المعنى في خصوص صلاح الأفراد، ولم يتطرقوا إلى بيانه وإثباته في صلاح المجموع العام؛ ولكنهم لا ينكر أحد منهم؛ أنه إذا كان صلاح حال الأفراد وانتظام أمورهم مقصد الشريعة؛ فإن صلاح المجموع وانتظام أمر الجامعة أسمى وأعظم… وهل يقصد إصلاح البعض إلا لإصلاح الكل(63).
وقد خصص -رحمة الله عليه- كتابا مستقلا لأصول النظام الاجتماعي في الإسلام تحدث فيه بإسهاب عن أصول الإصلاح الاجتماعي؛ حيث أكد على أهمية مقصد حفظ نظام الأمة وأن “مراد الله في الأديان كلها؛ منذ النشأة إلى ختم الرسالة واحد؛ وهو حفظ نظام العالم وصلاح أحوال أهله”(64).
رابعا: تفعيل مقاصد الشريعة الخاصة بالأمة في الاجتهاد المقاصدي.
أقام الإسلام سلطة عليا تحكم بين الناس بالحقّ والعدل، ووضع ضمانات لعدم جور الحُكام، فمنع التعسّف في استعمال السلطة لأغراض غير مشروعة، وذلك بمراقبة الحُكام ومُساءلتهم فيما يتعلق بشؤون الرّعية، منعا للاستبداد والانفراد في اتخاذ القرارات والسياسات، والتي يعبر عنها الماوردى وظيفيا بقوله(65): “مما تنصلح به الدنيا – المجتمع- حتى تصير أحوالها منتظمة وأمورها ملتئمة فهي سلطان قاهر – سلطة عامة- تتألف برهبته الأهواء المختلفة وتجتمع بهيبته القلوب المتفرقة، وتنكف -تكف إراديا- بسطوته الأيدي المتغالبة لأن من طبائع الناس حب المغالبة على ما أثروه والقهر لما لا ينكفون عنه إلا بمانع قوي”.
وهذا السلطان القاهر الذي يقضي على الفوضى ويحقق الانتظام والالتئام يجليه الإمام الايجى(66) بقوله: “فإنهم -الأفراد- مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء وما بينهم من الشحناء قلما ينقاد بعضهم لبعض فيقضى ذلك إلى التنازع والتواثب، بل ربما أدى إلى هلاكهم جميعا، وتشهد له التجربة والفتن القائمة عند موت الولاة إلى نصب – تنصيب- آخر بحيث لو تمادى لعطلت المعايش، وصار كل احد مشغولا بحفظ نفسه وماله تحت قائم سيفه، وذلك يؤدي إلى رفع الدين وهلاك جميع المسلمين”.
1- تفعيل مقصد الاجتماع في التقليل من الاختلاف والنـزاع في مسألة هدم مساجد الضرار:
من القضايا الدالة على أهمية مقصد الاجتماع تحريق النبي عليه الصلاة والسلام: لمسجد الضرار، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيه،ِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة: 107)، فمن تأمل في بواعث وغايات هدم وحرق النبي rلمسجد الضرار المستفادة من الآيات القرآنية وجدتها تتلخص في أربعة غايات قال الشوكاني(67) “فقد أخبر الله سبحانه أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة: الأول الضرار لغيرهم، وهو المضارة. والثاني الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام؛ لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق”.
أ- الإضرار والضرر:قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا) فكلمة “ضراراً” جاءت بصيغة المفعول لأجله؛ أي ما حملهم على بناء المسجد شيء إلا من أجل إنـزال الضرر بالجماعة المسلمة المؤمنة والأذى بالمسجد المجاور لهم الذي أسس على التقوى من أول يوم من إنشائه؛ وهو مسجد قباءكما قال ابن الجوزي(68): “ضراراً انتصب مفعولاً له، والمعنى: اتخذوه للضرار.
ب- تقوية الكفر وأهله، ومحاربة لله ولرسوله وجماعة المؤمنين:
فقوله تعالى: (وَكُفْرًا) معطوف على (ضِرَارًا)؛ أي من أجل الكفر والإلحاد والمحاربة، فقد كان مسجد الضرار قاعدة ومأوى للمنافقين يُحيكون فيه المؤامرات على الدولة المسلمة الفتية، وفي بعض الروايات أنه كان مقراً لأبي عامر الفاسق ينتظر فيه جند الروم ليصلوا إلى المدينة المنورة ويخرجوا النبي rوأصحابه منها(69).
ج- تفريق جماعة المسلمين وإضعافها
وهو المقصود من قوله تعالى: (وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فقد أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء فتقل جماعة المسلمين،، فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم، فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة وإضعاف الشوكة.
د- تقوية العدو المحارب لله ورسوله:فقوله تعالى: (وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ)؛ أي ترقباً وانتظاراً لمقدم من حارب الله ورسوله من قبل أن يبنى مسجد الضرار، وهو أبو عامر الراهب الخزرجي الفاسق، فيجد مكاناً مرصداً له، وقوماً راصدين مستعدين للحرب معه، وهو أبو عامر الفاسق الذي جند نفسه لمحاربة الله ورسوله، وكان قد خاض الحروب العديدة ضد النبي rقبل أن يبنى مسجد الضرار.
تلك هي مقاصد وبواعث مسجد الضرار الأول الذي أمر النبي rبهدمه وحرقه، ونهى عن الصلاة فيه، والتي يظهر أنه لم يُنشأ لغرض العبادة أو التعبد وتقوية جماعة المسلمين؛ وإنما كان في حقيقته قلعة عسكرية من قلاع الحرب والكفر والنفاق يُنطلق منها لحرب الله ورسوله.
2- مسألة جواز هدم المساجد التي بنيت للضرر والضرار أو لعلة من العلل أو الأسباب الموجبة، لا قربة لله تعالى:
ينكر بعض العلماء جواز هدم مساجد الضرار، لأن المساجد بنفسها لا علة فيها، إنما العلة في الإمام أو أهل المسجد، فلا يوجد مسجد يحرم الصلاة فيه لنفسه وبنائه، بل إنما تحرم الصلاة لشيء آخر غير المسجد، ولا يسمى بهذا الاسم إلا مسجد الضرار الأول، أو مسجد جَمَعَ كُلَّ علل مسجد الضرار الأول، وخلافا لهم يرى البعض من العلماء جواز إقدام ولاة أمور المسلمين على هدم أو إزالة أو تحويل لبعض المساجد لعلة واحدة فقط من العلل الأربع، ولم يشترطوا اجتماع الشروط كلها في المسجد ليهدم أو يهجر امتثالا لقوله: (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا) فمن الجائز لأهل الولاية هدم هذه المساجد وإزالتها. قال الإمام القرطبي: “قال علماؤنا: لا يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد، ويجب هدمه، والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغراً، إلا أن تكون المحلة كبيرة، فلا يكفي أهلها مسجد واحد فيبنى حينئذ، وكذا قالوا لا ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلاثة، ويجب منع الثاني، ومن صلى فيه الجمعة لم تجزه، وقد أحرق النبي rمسجد الضرار وهدمه”. وقال: “قال علماؤنا: وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه”(70).
ومن ثم يجب على ولي الأمر التمييز بين المسجد الذي بني في أصله ضراراً بقصد إضعاف وحدة المسلمين وجماعتهم كالمساجد الطائفية والعنصرية، وبين أن يطرأ على المسجد الضرر باستيلاء أهل البعد والضلالة عليه، فالثاني يزال ضرره ويعود المسجد إلى حاله الذي كان عليه، والأول إذا لزمه الضرر يجب إزالته مثل المساجد التي بنيت ضراراً ويمكن إزالة ضررها فلولِيّ الأمر الحق في هدمها وحرقها وإزالتها، وله الحق في إبقائها وإزالة الضرر منها، فالهدم خاص بما كان منها بقصد التفريق بين المؤمنين في الملة الواحدة، وهكذا كل مسجد انطبق عليه الوصف الشرعي للضرار بمقصد الانتظام ووحدة الاجتماع سواء بني رياءً أو سمعةً أو بدعوى عنصرية أو حزبية ضيقة، مثلما تبنيه الجماعات الدينية، والأحزاب والطوائف من مساجد خاصة بهم، لينفردوا بها عن باقي مساجد المسلمين العامة، فهذه كلها فيها معنى الضرار الواجب إزالته شرعا، وعليه يدور حكم هدم مساجد الضرار وجودا وعدما مع مقصد الاجتماع والائتلاف.
3- حكم تكرار صلاة الجماعة في ضوء مقاصد الاجتماع للصلاة في المسجد:
يتفق الفقه على أن المسجد إذا لم يكن له أهل معروفون، بأن كان على شوارع الطرق، فهذا لا يكره فيه تكرار الجماعة، بل الأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حده لأنه لا يؤدي إلى تقليل الجماعات(71)، كما أجمعوا على عدم كراهة تكرار الجماعة في مسجد ليس له إمام ولا مؤذن(72)، وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت قوماً فيه الجماعة فهل يصلون جماعة بإمام غير الراتب بعد الراتب؟ ذهب جماعة من الفقهاء إلى المنع من إعادة الجماعة وقالوا يصلون فرادى، وذهب آخرون إلى استحباب إعادة الجماعة بالنسبة لهم إلا في المسجد الحرام والمسجد النبوي فإنه يكره فيهما إعادة الجماعة، ويتأكد المنع إذا كان بقصد الاختلاف على الأئمة ومفارقة الجماعة أو لجأ إليها أهل الزيغ والضلال لإظهار نحلتهم وإعلان بدعتهم، فإن الإعادة تمنع حفاظاً على وحدة الصف واتحاد الكلمة ومنعا لأهل الباطل من إظهار بدعتهم، وفي الموطأ(73): “سئل مالك عن مؤذن أذّن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد، فأقام الصلاة وصلّى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ، أيعيد الصلاة معهم؟ قال: لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه فليصل لنفسه وحده”. وعليه يكره عند المالكية تكرار الجماعة في مسجد له إمام راتب، وكذلك يكره إقامة الجماعة قبل الإمام الراتب، ويحرم إقامة جماعة مع جماعة الإمام الراتب(74)– قال الإمام ابن عبد البر: “بعد أن ذكر قول الإمام مالك وغيره ممن منع تكرار الجماعة – قال:”هذه المسألة لا أصل لها إلا إنكار جمع أهل الزيغ والبدع، وألا يتركوا وإظهار نحلتهم، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام ثم يأتون بعده، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم، فرأى أهل العلم أن يمنعوا من ذلك وجعلوا الباب بابا واحداً، فمنعوا منه الكل، والأصل ما وصفت لك”(75). فإذا اتُّخذ التكرار ذريعة ووسيلة لتفريق الجماعة وتشتيت الكلمة وتمزيق الوحدة فهو ممنوع، والنظر في المآلات معتبر عند أهل العلم. ولأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة، فيستعجلون لإدراكها فتكثر الجماعة، وإذا علموا أنها لا تفوتهم، يتأخرون فتقل الجماعة، وتقليل الجماعة مكروه(76). ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: “لا تختلفوا فتختلف قلوبكم”(77).
ومن أجل هذا منع جماعة من أهل العلم من تعدد الجمعة في بلد واحد – إذا لم تدع الحاجة إلى التعدد- بأن كان المسجد الكبير كافياً لهم، قال ابن قدامة(78): “لا نعلم في هذا مخالفاً إلا أن عطاء قيل له: “إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر” فقال: “لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزي ذلك عنهم”. وقال ابن العربي في تفسير قوله تعالى: “وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ”(79) “… وهذا يدلّك على أن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب…ولهذا المعنى تفطّن مالك -رضي الله عنه- حين قال: إنه لا تُصلى جماعتان في مسجد واحد لا بإمامين ولا بإمام واحد…حيث كان ذلك تشتيتاً للكلمة وإبطالاً لهذه الحِكمة…”(80) وذلك حرصاً على توحيد كلمة المسلمين وردعاً لأهل الأهواء الزائغة الذين يعتزلون المسجد الكبير ويبنون لأنفسهم مساجد أخرى ضرراً وتفريقاً للكلمة وشقاً لعصا المسلمين ليبطلوا المعنى الروحي من هذا الاجتماع العظيم، وسداً لذريعة التوصل بما هو مصلحة إلى مفسدة.
الخاتمة:
أجمعت كلمة المقاصديين قديما وحديثا على أن المقصد العام من الإسلام وشريعته يدور حول استصلاح الإنسان جلبا لمصلحته ودرءًا لمفسدته، وإن اختلفت التعابير أحيانا؛ ورغم ذلك لم تتجه نظرة الفقهاء إلى قضايا الأمة ليتعطل بذلك التنظير والتقعيد في مجال البناء التنظيمي للمجتمع الإسلامي، وهذا ما يظهر جليا في عدم ملاحظة مقاصد الشريعة في كثير من مجالات الفقه، ولقد كشفت الدراسة عن إبانة كتابات ابن عاشور أن هنالك مقاصد كلية خاصة بمصالح الأمة وعلى رأسها الحرية والمساواة والعدل وحفظ نظام الأمة وتحقيق وحدتها، يشهد لها مسارعة الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى مبايعة أبي بكر الصديق tقبل دفنه عليه السلام- دليلا قاطعا على أهمية الانتظام والاجتماع على إمام واحد، فقد كانت مسارعتهم مراعاة لمقصد شرعي ألا وهو حفظ نظام الدولة والحفاظ على هيبتها ووحدتها والعمل على استمرارها وفي القيام بدورها في الدعوة إلى دين الله.
وقد أثبتت الدراسة العلاقة الوطيدة بين الصلاة والدولة في حفظ نظام الاجتماع من خلال إقامة الصلاة في جماعة واحدة، ومن خلال الطاعة المبصرة والنصيحة الواضحة والشورى الصادقة، وتنمية ملكة الإحساس لديه بالمسؤولية، فالصلاة ثروة أساسية لا تقدر بثمن لمن وعى مقاصدها، وأدرك دورها في تحقيق التزكية الروحية والسلوكية، والتنمية الاجتماعية في حياة المسلمين، وعمل على إدخالها ضمن الثروات الكبيرة التي يمتلكها المجتمع من أجل النهوض بأوضاعه، ولم ينظر إليها نظرة جزئية بسيطة كما هو واقع المسلمين في نظرتهم للصلاة اليوم، فالصلاة بإمكانها أن تحدث تغييرات كبيرة وعميقة ومتجددة في حياة المسلمين، إن هم صححوا نظرتهم إليها، وحققوا مقاصدها عبر أنظمتهم التربوية، وبيئاتهم الأسرية، ومؤسساتهم المسجدية.
وفي الأخير تثمّن الدراسة توظيف أطروحة مقاصد الشريعة كأداة منهجية لإعطاء الخطاب الشرعي قدرات استيعابية أكبر، فبعد ما كانت الخطابات الشرعية منظور إليها كخطاب للأفراد، ولها مقاصد ضرورية وحاجية وتحسينية، زاد المعاصرون مقاصد للشريعة مقصودة للشارع على مستوى الأمة مثل العدالة، والحرية والكرامة الإنسانية، والوحدة، وضرورية الاجتماع والائتلاف، مما يشحذ الهمم للغوص في غمار البحث حول مقاصد الاجتماع من خلال العبادات الجماعية كصلاة الجماعة والجمعة والحج، و البحث من جديد في نطاق قياس رئاسة الدولة على إمامة الصلاة في العصر الحاضر، في ظل تمزق الوحدة الإسلامية وتعدد مرجعياتها الفقهية، واختلاف بين أئمتها وعلمائها في مناهج التغيير والإصلاح.
* * *
الهوامش
1- أخرجه مالك كتاب فضل الصلاة، ج2، ص175 برواية: “استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن” وله طرق كثيرة بمجموعها يعد صحيحا كما قال ابن عبد البر، وقال الحاكم:”صحيح على شرط الشيخين ولست أعرف له علة يعلل بمثلها”. ووافقه الذهبي وكذا المنذري في الترغيب ينظر: الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، سنة 1985، ج2، ص135.
2- رشيد رضا، تفسير المنار، تعليق سمير مصطفى رباب، دار إحياء التراث العربي، بيروت 2002. ج4، ص 25.
3- اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجماعة، فقال الحنفية والمالكية: الجماعة في الفرائض غير الجمعة سنة مؤكدة للرجال العاقلين القادرين، وقال الشافعية: إنها فرض كفاية على الأصح، وذهب الحنابلة إلى أنها فرض عين ولكنها ليست شرطا لصحة الصلاة. ينظر: أقوال الفقهاء وأدلتهم في تبين الحقائق 1/132 والمنتقى 1/228 والشرح الصغير 1/428 ومغني المحتاج 1/229 وكشاف القناع 1/532.
4- متفق عليه: البخاري كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، ومسلم، كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة.
5- البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة.
6- متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، برقم 648، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 649.
7- ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/158، وسبل السلام للصنعاني، 3/66.
8- متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد، ومسلم، كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة.
9- ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، بلفظ: “الجُمُعات”.
10- قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، 1/337: رواه أحمد بإسناد حسن، وكذلك رواه الطبراني بإسناد حسن وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/163، ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1652.
11- ينظر تفصيلا حول هذه الفكرة: راشد الغنوشي؛ الحريات العامة في الدولة الإسلامية؛ ص40 ود/ الطاهر بن خرف الله؛ المرجع السابق؛ ص120.
12- سعيد بن علي القحطاني، صلاة الجماعة، دون تاريخ نشر، ص7.
13- الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، بيروت دار الكتب العلمية طبعة 2000، ج 6، ص25، وروضة الناظر، لابن قدامة، ص148.
14- الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج3، ص 114.
15- رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي rقال: “ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون. وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط. وأخوان متصارمان”ورواه ابن حبان في صحيحه، والطبراني في الكبير (12275 وقال العراقي: إسناده حسن.
16- د/فؤاد عبد الرحمن البنا، بين الصلاة والسياسة-أوجاع الانفصال وجسور الاتصال في الصلاة- دراسة موثقة للقيم السياسية في الصلاة، الناشر: منتدى الفكر الإسلامي، عرض بتاريخ: 29/01/2013، على الرابط: http://www.elaphye.net
17- ونص الحديث في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: “مرض النبي rفاشتد مرضه، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة: يا رسول الله، إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فعادت، فقال: مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف، فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة رسول الله r.
18- ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، بيروت دار الكتب العلمية، ط1، سنة 1991 ج1، ص161
19- د/ جاسر عودة، فقه المقاصد إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها، المعهد العالي للفكر الإسلامي، فرجينيا ط3 سنة2008، ص54.
20- متفق عليه، ويرى أكثر أهل العلم أنهم لا يصلون قعودا، واعتبروا الحديث منسوخ، وهو قول الشافعي مستدلا بحديث عائشة في “الصحيحين” أنه عليه السلام صلى بالناس جالساً، وأبو بكر خلفه قائم، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي r، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر، وليس المراد أن أبا بكر كان إماماً حقيقة، لأن الصلاة لا تصح بإمامين ولكن النبي rكان الإِمام، وأبو بكر كان يبلغ الناس، فسمي لذلك إماماً، واللّه أعلم: ينظر الزيلعي، نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، دار القبلة جدة، ط1، سنة 1997 ج2، 50.
21- حمدان رمضان محمد، دور المسجد في تحقيق الاندماج السياسي -دراسة تحليلية- من منظور اجتماعي، بحث منشور كلية العلوم الإسلامية، جامعة الموصل العراق، العدد: 13 المجلد السابع، سنة 2013، ص17.
22- شرح النووي على مسلم ج12 ، ص231.
23- أخرجه مسلم في الإمارة، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
24- عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله rذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر tفقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله rوالناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله rفأشار إليه رسول الله rأن امكث مكانك…ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله r، فلما انصرف قال: “يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟” فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله rوفيه: “من رابه شيء في صلاته فليسبح… وإنما التصفيق للنساء”. رواه البخاري واللفظ له 2/167 ومسلم 4/145 وأبو داود 1/578.
25- الإمام الطاهر بن عاشور؛ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام؛ ص208 وما بعدها.
26- د/عبد الحكيم حسن العيلي؛ الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام؛ دار الفكر العربي؛1983؛ ص150.
27 – الطاهر بن عاشور؛ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام؛ ص158 وقد عبر عنها بقوله ” الحرية المنشودة”.
28- د/عبد الحكيم العيلي؛ الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام؛ ص170.
29 – الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، الشركة التونسية للتوزيع، ص131.
30- أبو الفرح بن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، الزهراء ، الجزائر، ص94.
31- ينظر تفصيلا حول هذه الفكرة: راشد الغنوشي؛ الحريات العامة في الدولة الإسلامية؛ مركز دراسات الوحدة العربية؛ بيروت؛ طبعة 1993؛ ص37.
32- ينظر الإمام علال الفاسي؛ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها؛ ص247.
33- ينظر تفصيلا حول هذه الفكرة: راشد الغنوشي؛ الحريات العامة في الدولة الإسلامية؛ ص 38 .
34 – د/ يوسف القرضاوي؛ الخصائص العامة للإسلام؛ مؤسسة الرسالة؛ بيروت 1980؛ ص17.
35- د/ حمود حنبلي؛ حقوق الإنسان؛ بين النظم الوضعية والشريعة الإسلامية؛ ديوان المطبوعات –الجزائر-؛1995؛ ص73.
36- د/ فتحي الدريني؛ خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم؛ مؤسسة الرسالة 1982؛ ص406.
37- ينظر الإمام علال الفاسي؛ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها؛ ص247.
38- ينظر تفصيلا حول هذه الفكرة: د/الطاهر بن خرف الله؛ مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان؛ ج1؛ في النظرية العامة للحريات وحقوق الإنسان؛ ط1 ، 2007؛ ص113.
39 – فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ rأَنَّهُ قَالَ: “إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا،..، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّفَّ في الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ،” البخاري كتاب الآذان، ومسلم في كتاب الصلاة عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ”.
40- د/عبد الحكيم العيلي؛ الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام؛ ص671.
41- ابن خلدون، المصدر نفسه، ج1/202.
42- عضد الدين الإيجي، شرح المواقف، دار الكتب العلمية -بيروت، لبنان- ط1- 1998م، ج8/376 .
43- الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية -بيروت، لبنان- ط1-1985م، ص5.
44- ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي، الدار العربية للكتاب، تونس، ط/1979م، ص211.
45- ابن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، قصر الكتاب – البليدة، الجزائر- ص153.
46- الإيجي، المصدر السابق، ج8/376.
47- الغزالي؛ المرجع السابق؛ ص99 .
48- الشاطبي؛ الاعتصام؛ ص74.
49- د/حمادي العبيدي؛ الشاطبي ومقاصد الشريعة؛ منشورات كلية الدعوة الإسلامية؛ طرابلس؛ ليبيا؛ ط1؛ سنة 1992؛ ص241.
50- الشاطبي؛ الموافقات؛ ج2 ؛ ص 344.
51- د/أحمد الريسوني، الدولة في الإسلام بين منطق المقاصد ومنطق الوسائل بتاريخ:15/10/2014 على الرابط:
http://www.islamion.com/kotap.php?post=12547
52- عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، مؤسسة الكتاب الثقافية- بيروت، لبنان- ط2 – 1996، ج1/202، والماوردي، المصدر السابق، ص5.
53- الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة-مكة، السعودية- ط2/ سنة1975م، ج2/8.
54- وقد أشار د/يوسف القرضاوي في أكثر من موضع حاجة الفقه الإسلامي إلى إعادة النظر في المقاصد من حيث مفردتها بالاهتمام بالمقاصد المتعلقة بالمجتمع كالحرية والمساواة والعدالة والإخاء والكرامة والتكافل؛ ينظر مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية؛ ص84.
55- ينظر تفصيلا أكثر مقدمة كتاب د/أحمد الريسوني؛ الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية؛ الناشر اللجنة العلمية لحركة التوحيد والإصلاح؛ بالمغرب؛ ط1؛ سنة 2007 ، وقد حدد فضيلته هذه الكليات المقاصدية وفصلها بدورها إلى أربع: أولها: ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وثانيها: التعليم والتزكية وثالثها: جلب المصالح ودرء المفاسد، ورابعها: قيام الناس بالقسط، وهي التي سماها من قبله سماها د/ طه العلواني، بالمقاصد القرآنية العليا الحاكمة وعددها هي التوحيد والتزكية والعمران. وهي عند غيرهم محصورة في مقاصد ثلاث: العبادة و الخلافة والعمارة.
56- محمد مهدي شمس الدين؛ مقاصد الشريعة – حوار مع عبد الجبار رفاعي؛ مجلة آفاق التجديد؛ دار الفكر؛ بيروت؛ 2001؛ ص19 .
57- د/ حسن حنفي؛ مقاصد الشريعة وأهداف الأمة – قراءة في الموافقات للشاطبي- مجلة المسلم المعاصر العدد103السنة26 ص102.
58 – ابن عاشور، مقاصد الشَّرِيعة؛ ص302.
59- ينظر إلى هذا الرأي عند د/عبد الكريم الحمداوي؛ في النظام السياسي الإسلامي فقه الأحكام السلطانية ؛ -محاولة نقدية للتأصيل والتطوير-؛ ص43. الاتجاه الفردي في المقاصد الشاطبية؛ ذلك أن الفردية مبدأ فلسفي عريق في الفكر الإنساني؛ والمجتمعات البدائية نفسها كانت فردية التصرف والمقصد”. ينظر المرجع نفسه؛ ص44.
60- أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة، والنسائي، كتاب الإمامة، باب التشديد في ترك الجماعة، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/246 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/109.
61- د/ سلمان العودة، مقاصد التشريع الإسلامي؛ موقع إسلام أون لاين.نت.
http://www.islamonline.net
62- الشاطبي؛ الموافقات؛ ج1 ؛ ص37.
63- الطاهر بن عاشور؛ مقاصد الشريعة؛ ص 190.
64- الطاهر بن عاشور؛ أصول النظام الاجتماعي في الإسلام؛ دار السلام؛ القاهرة؛ ط2؛ سنة 2006؛ ص08
65- الماوردي؛ أدب الدنيا والدين؛ ص104.
66- الإيجي؛ المواقف؛ ج8؛ ص346.
67- الشوكاني، فتح القدير،ج2، ص 403.
68- ابن الجوزي، زاد المسير 3/500.
69- محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ج11، ص39.
70- ينظر : القرطبي، الجامع8/254.
71 – ينظر: الأم للإمام الشافعي 1/278 والمدونة الكبرى للإمام مالك 1/89 والاستذكار لابن عبد البر 4/63 والمجموع للنووي 4/221.
72 – ينظر الشرح الصغير للدردير 1/432، 442، وبدائع الصنائع للكاساني 1/418.
73 – ينظر: ابن عبد البر ، الاستذكار 4/63.
74 – ينظر: المدونة 1/89، والاستذكار 4/63 والشرح الصغير للدردير 1/432، 442، والكافي 1/220 ، والمنتقى للباجي1/137.
75 – الاستذكار 4/64، 65.
76 – الكاساني، بدائع الصنائع 1/419.
77 – رواه أبو داود 1/432 وأحمد 4/122 والحاكم 1/583 .
78 – ابن قدامة، المغني 3/213.
79 – سورة التوبة آية (107).
80- ابن العربي، أحكام القرآن 2/582 ينظر: تفسير القرطبي 8/257.