(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم آية 21)
تعد قضية الإصلاح أحد الفروض الواجبة على المسلمين جماعة وأفرادًا في كل زمان ومكان، والإصلاح ينصرف إلى كل البناءات البشرية سواء كانت بناءات اجتماعية أم سياسية أم حتى معرفية وثقافية وقيمية. بيد أنه من المهم الإشارة إلى أن إصلاح أي بنية اجتماعية أو فكرية لا يرجع بالضرورة إلى فسادها في ذاتها (فقد تكون تلك البنى أثبتت نجاحًا فذًّا في زمان ومكان معين)، وإنما قد يرجع أحيانا إلى فساد علاقتها ببيئتها الحيوية ما يُترجَم في إخفاقها في تحقيق وظائفها؛ نتيجة لعوامل تاريخية أو تحولات في بيئتها الثقافية والاجتماعية ذاتها. تؤدي تلك التحولات إلى خلق حالة من عدم الملائمة وعجز عن التفاعل المثمر؛ مما ينتج إخفاقًا في قيام تلك البنى بوظائفها وعملياتها الداخلية والخارجية في ظل بيئتها الجديدة.
لا شك أن المجتمع العربي الإسلامي يمرّ حاليًّا بأزمات ضخمة وشاملة منها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقيمي؛ ومن أخطر مؤشرات تلك الأزمات وصول المرض إلى العمود الفقري للمجتمع العربي المسلم وهو الأسرة بوصفها الوحدة الأساسية للنظام الاجتماعي. في هذا الإطار تُعنى هذه الورقة البحثية بطرح جوانب ضعف يتعيّن تداركها في المنظور الفقهي نتجت عن تطور في مقومات المجتمع واحتياجات البشر في العالم الإسلامي. وحيث تلعب المنظومة الفقهية – بصفتها بنية قانونية وقيمية وفكرية معًا- دورًا حيويًّا في صياغة الأسرة بصفتها بنية هي بمنزلة الركن في المنظومة الاجتماعية، فقد أصبح الإصلاح والتطوير في هذه المنظومة حتميًّا؛ كونه شرطًا لإصلاح المجتمع.
يهمني في مقدمة هذه الورقة البحثية الإشارة أولاً إلى خطة هذه الورقة من حيث موضوع البحث، والاقتراب المنهجي من هذا الموضوع، وأخيرًا الإطار المرجعي.
من حيث موضوع البحث تركز هذه الورقة على زاوية معينة ترى أنها ذات أولوية محورية في مناقشة موضوع الزواج والأسرة؛ ألا وهي تعريف الزواج في الفقه الإسلامي. فالتعريف هو البداية التي يتوقف عليها مجمل العلم بالشيء والتعامل معه، ومزايا التعريف وأمراضه تنتقل إلى سائر البناء.
أما الفقه الإسلامي فأهميته معلومة؛ إذ تستند مجمل المعالجة القانونية للأحوال الشخصية في أغلب بلدان العالم الإسلامي إلى الفقه الإسلامي. بل وتمتد هذه الرؤية إلى المخيال الشعبي والطرح الأيديولوجي الذي يسوي ويرادف الفقه بالدين والشريعة الإلهية، ولا ينظر
(اقرأ المزيد)