الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين… وبعد:
فقد اكتشف العلم في العصر الحديث مصادر للدواء وطرقًا للعلاج، لم تكن معروفة من قبل، كما أن مختبرات البحث العلمي قد طورت أساليب العلاج وصنوف الدواء، وأنواع الغذاء بصورة لم تسبق، وكان من سوء الطالع أن يصدر ذلك كله من دول لا تحكمها مبادئ الشريعة الإسلامية، ولا يكبح جماحها شيء من أخلاق هذه الشريعة وسلوكها، وأن يعيش المسلمون على هامش حضارة هذا العالم، عالة على غيرهم في كل شيء،
ولهذا أصبح غذاء المسلمين كدوائهم محكومًا بتدبير غيرهم، ودواؤهم يعتمد في اكتشافه وإنتاجه على من لا يشاركهم في مبادئهم وسلوكياتهم، وكذلك غذاؤهم، وقد نجم عن ذلك مشكلات وعقبات، كان من رحمة الله تعالى بعباده، أن تكفل دينه الحنيف بحلها، في إطار ما حوته الشريعة الإسلامية من أحكام، تتضمن اليسر وعدم العنت بالمكلفين بها، إذ لم تأت هذه الشريعة لتسد على الناس منافذ حياتهم الحقيقية، وإنما جاءت لتلبية حاجاتهم المشروعة، التى تقتضيها ظروف حياتهم في كل زمان ومكان، تيسيرًا عليهم، ورفعًا للحرج والعنت عنهم .
ولهذا كان هذا البحث الذي يعرض لبعض المشاكل الناجمة عن المنتجات الصناعية الحديثة في مجال الغذاء والدواء، التى ترد إلى بلاد المسلمين من دول لا تدين بالإسلام، أو صرحت شركات الإنتاج فيها، لبعض الدول الإسلامية بإنتاجها وفقًا لتوصيف معين ألزمتها به، لتأتي هذه المنتجات في نهاية الأمر مشتملة على مواد نجسة أو محرمة أو ضارة، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية .
ولإظهار أثر الاجتهاد الفقهي في مجال الصناعات الغذائية والدوائية المعاصرة، أتنارل مسائل هذا البحث فيما يلى:
المطلب الأول: حقيقة المواد المحرمة شرعًا في المنتجات الغذائية والدوائية المعاصرة .
الفرع الأول: المواد النجسة في بعض المنتجات الغذائية والدوائية المعاصرة.
الفرع الثاني: المواد المسكرة في بعض المنتجات الغذائية والدوائية المعاصرة.
الفرع الثالث: الإضافات الضارة بالصحة في بعض المنتجات الغذائية المعاصرة .
المطلب الثاني: أثر التصنيع في انقلاب الأعيان النجسة طاهرة، والمحرمة مباحة.
الفرع الأول: حقيقة الاستحالة والفرق بينها وبين الاتحاد الكيميائى والخلط.
الفرع الثاني: مدى استحالة الأعيان النجسة أو المحرمة بالتصنيع.
الفرع الثالث: آراء الفقهاء فى أثر الاستحالة فى الأعيان النجسة أو المحرمة.
المطلب الثالث: حكم تناول أو استعمال المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على نجس أو محرم أو ضار.
الفرع الأول: تناول أو استعمال المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على نجس أو مسكر أو ضار حال الاختيار .
المقصد الأول: تناول الغذاء أو الدواء المشتمل على مواد نجسة حال الاختيار.
المقصد الثانى: تناول الغذاء أو الدواء المشتمل على مواد مسكرة حال الاختيار.
المقصد الثالث: تناول الغذاء المشتمل على إضافات ضارة بالصحة حال الاختيار.
الفرع الثاني: تناول أو استعمال المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على نجس أو محرم أو ضار حال الضرورة .
المقصد الأول: تناول المنتجات الغذائية المشتملة على نجس أو محرم حال الضرورة.
المقصد الثاني: تناول أو استعمال المنتجات المشتملة على نجس أو محرم حال الضرورة.
المقصد الثالث: تناول المنتجات الغذائية المشتملة على مواد ضارة بالصحة حال الضرورة .
المطلب الأول
حقيقة المواد المحرمة شرعًا
في المنتجات الغذائية والدوائية المعاصرة
تحتوي بعض المنتجات الغذائية والدوائية على مواد محرمة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وحرمتها من هذه الوجهة، إما لأنها نجسة، أو لأنها مسكرة، أو لأنها ضارة بالصحة، ولهذا فإني أبين فيما يلي حقيقة هذه المواد التي تدخل في بعض المنتجات الصناعية، في مجالي الغذاء والدواء في الوقت الحاضر.
الفرع الأول
المواد النجسة في بعض المنتجات الغذائية والدوائية المعاصرة
المقصد الأول
أجزاء الخنزير
من المنتجات الصناعية في مجال الغذاء والدواء، ما تدخل بعض أجزاء الخنزير في تصنيعه، وذلك كالأجزاء التالية:
ا- جلود الخنازير وعظامها:
فمن هذه الجلود والعظام يستخلص الجيلاتين الخنزيري، بطرق كيميائية، لينتج عنه نوعان من الجيلاتين: جيلاتين (ب)، الذي يستخدم في صناعة الكبسولات الصلبة، التى تستخدم في تعبئة المواد الدوائية، كما يستخدم في الصناعات الدوائية على نطاق واسع، أبينه فيما بعد، كما ينتج عنه جــيلاتين (أ) الذي يستخدم أكثره في الصناعات الغذائية.
ومن استخدامات هذا الجيلاتين في الصناعات الغذائية المعاصرة:
أ- تغليف اللحوم، وخاصة لحم البقر المعلب، والأحياء المائية المأكولة.
ب- صناعة المثلجات: كالجيلاتي، والآيس كريم، ومنتجات الألبان: كالزبادي المخلوط بالفاكهة، والكريمة المخفوقة، وبعض أنواع الجبن.
ج- صناعة الحلويات المختلفة: مثل بعض أنواع العلك، وحبات الحلوى الهلامية، والسكاكر، والكريمات، والملبسات.
د- صناعة الأطعمة المهيأة على شكل مساحيق مهلمة: كالجيلي، والبودنج، وغيرهما.
هـ- صناعة المخبوزات: كالعجائن، والكعك، والفطائر، والتورتة بأشكالها المختلفة.
و- صناعة المشروبات المختلفة: كمشروبات الحليب، والحسـاء، وعصائر الفاكهة، وغيرها.
ز- صناعة المربات، كمادة مجمدة بها، وصناعة الحلويات، كمادة مزينة لها.
ح- تجهيز أقوات المرضى، الذين أجريت لهم جراحات في الجهاز الهضمي، أو المصابين بقروح في المعدة والاثنا عشر.
ط- صناعة الأغذية المنخفضة السعرات الحرارية، التى تستخدم للتحكم في وزن الجسم، وتغذية مرضى السكر.
ع- يستخدم كبديل للدهون الحيوانية والنباتية في إعداد بعض الأغذية.
ومن استخدامات الجيلاتين في الصناعات الدوائية المعاصرة:
أ- تحضير كبسولات الدواء القاسية أو اللدنة، والكبسولات الدوائية الدقيقة.
ب- إنتاج أقراص المص القاسية أو الطرية، ونموها من المستحلبات المحملة بالفيتامينات والمواد العلاجية الأخرى.
ج- إنتاج معاجين الأسنان والمعلقات والمراهم والكريمات.
د- إنتاج الأقراص أو الملبسات الدوائية، حيث تغلف بالجيلاتين لمنع الذوبان السريع لها.
هـ- تحضير التحاميل الشرجية والمهبلية، لما له من خاصية الذوبان بفعل حرارة الجسم.
و- استخدامه كمرقيء (موقف للنزيف) في الأعمال الجراحية، وكمضاد للتهيج في الحروق وغيرها من إصابات الجلد.
ز- استعماله كبديل أو موسع للبلازما، لاستخدامه عند الحاجة إلى تعويض الدم المفقود، بسبب الإصابة أو العمليات الجراحية(1).
2- شحوم الخنزير:
تستخدم شحوم الخنزير في الأغذية وبعض أنواع الأدوية، وقد عمدت الصناعات الغذائية في كثير من الدول الغربية التى يصل إنتاجها إلى الدول الإسلامية، إلى استنباط طرق جديدة من المنتجات، لاستيعاب الفائض من شحوم الخنزير الرخيصة الثمن، وذلك في صورة أصناف مختلفة من الأطعمة، حيث يتم تغيير هذه الشحوم بتعريضها إلى مختلف عمليات الهدرجة، وإزالة اللون منها والرائحة، بالإضافة إلى تلوينها وتوزيع أحماضها الدهنية، وهذا الشحم المعالج يستخدم في صناعة (المرجرين)، ويستخدم في طهي الأطعمة وقليها، وتلميع المعجنات بعد مزجه بالسكر والكاكاو، كما يستعمل في صناعة بعض أنواع الجبن، والشيكولاتة، والبسكويت، والآيس كريم، ونحوه من المثلجات؛ يضاف إلى هذا أن ما يصنع في الدول غير الإسلامية من زيوت نباتية: كزيت الزيتون، والقطن، والنخيل، ودوار الشمس، والفول السوداني، والخردل، ونحوها، قد تعالج بأملاح الاستيارات، أو ثنائيات الجيلسريد، المستخرجين من منتجات الخنزير، ومثل هذا يقال على المرجرين النباتي، الذي يشتمل غالبًا على ثنائيات وأحاديات الفليسريد المؤسترة، المستمدة من الأحماض الدهنية الخنزيرية المصدر، بغية زيادة تماسك قوامها وإكسابها خاصية الانسياب على رقائق الخبز.
كما تستخدم شحوم الخنازير في تحضير كثير من المراهم والكريمات ومواد التجميل وبعض الأدوية، والصابون الطبـي ومعاجين الأســـــنان، ونحو ذلك(2).
3- أنسولين الخنازير:
أثبت العلم الحديث أن الأنسولبن المستخلص من بنكرياس الخنازير، له أثر في تخفيض معدل السكر بالدم لدى المرضى بالبول السكري، وأكثر أنواع مخفضات معدل السكر بالدم، تتمثل في الأنسولين المستخلص من بنكرياس الخنازير أو الأبقار، أو الناتج عن المزج بينهما في مركب واحد، إذ العلاج الأمثل في جميع حالات مرض السكر التى تحدث في السن المبكرة وبعض الحالات في المرضى البالغين، هو حقن الأنسولين، الذي يستخلص أكثرها من بنكرياس الخنازير(1).
4- خميرة الببسين الخنازيرية:
يحضر الجبن من إنفحة(2) حيوان مأكول اللحم وغيره، كما يحضر من إنفحة الخنزير، أو الخمائر المستخرجة من بعض الجراثيم والفطريات، وإذا كانت الدساتير الغذائية في الدول التي لا تدين بالإسلام تسمح باستخدام الإنفحة المستخرجة من معدة البقر، أو معدة الحيوانات المجترة الأخرى في تحضير الجبن، فإنها لا تمنع من استخدام الخمائر الأخرى المناسبة، ومنها خميرة الببسين المستخرجة من معدة الخنزير لهذا الغرض، ولا يستطيع المسلم الحصول على المعلومات المتعلقة بمصدر الخميرة بسهولة، وقد يتوقف عن تناول الجبن بسبب ذلك(3)، ومن المعلوم أن كثيرًا من أنواع الجبن يرد إلى الدول الإسلامية من هذه الدول بمسميات عدة.
مدى طهارة أجزاء الخنزير :
لا خلاف بين الفقهاء على أن الخنزير لا تعمل فيه الذكاة، فلا تطهر أجزاؤه ولا تطيب بها، وإذا ذكى صار ميتة، ولا خلاف يينهم كذلك على نجاسة جميع أجزائه، باستثناء شعره، الذي يرى جمهور المالكية طهارته، وباستثناء جلده الذي يرى الظاهرية طهارته بعد الدبغ، وهو رواية عن أبي يوسف ومالك(4).
والدليل على نجاسة أجزائه قول الله تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه}(5).
وجه الدلالة من الآية الكريمة:
الرجس: هو القذر والنجس، والضمير في (فَإِنَّهُ) يعود إلى أقرب مذكور إليه، وهو المضاف إليه (الخنزير)، كما قال ابن الهمام والبابرتي وابن حزم وغيرهم، أو المضاف (اللحم) كما قال ابن كثير، وعلى كلا التأويلين تكون أجزاء الخنزير نجسة؛ لأن الضمير وإن صلح عوده إلى كل من المتضايفين في اللغة، إلا أن عوده إلى المضاف يقتضيه الاحتياط في هذا الموضع، ليشمل الحكم جميع أجزاء الخنزير.
المقصد الثاني
إنفحة الميتة
تستخدم الإنفحة في صناعة الجبن، حيث تعمل على غلظ قوام اللبن الذي يصنع منه الجبن، وكما تؤخذ هذه الإنفحة من الحيوانات المأكولة اللحم المذكاة شرعًا، تؤخذ من غير المأكول اللحم، ومن ميتة الحيوان المأكول اللحم، ومن الحيوان المأكول اللحم إذا لم يذك ذكاة شرعية، ومن غير ذلك.
مدى طهارة إنفحة الميتة:
أ- اتفق جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة رالظاهرية) على أن الإنفحة المستخرجة من الحيوان المأكول اللحم بعد تذكيته طاهرة، وقيد الشافعية طهارتها بما إذا كان لم يطعم غير اللبن، فإذا طعم غيره، كانت نجسة(1).
ب- واختلفوا في حكم إنفحة ميتة غير الخنزير، أو غير المذكى ذكاة شرعية على مذهبين:
المذهب الأول:
يرى أصحابه نجاسة إنفحة الميتة والحيوان غير المذكى ذكاة شرعية، وهو قول الصاحبين، وإليه ذهب المالكية وهو مذهب الشافعية والحنابلة(2).
المذهب الثاني:
يرى من ذهب إليه طهارة إنفحة الميتة والمذكى ذكاة غير شرعية، وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحابه ورواية عن أحمد، وقول داود (3).
أدلة المذهبين:
استدل أصحاب المذهب الأول على نجاسة إنفحة الميتة وغير المذكى ذكاة شرعية بما يلي:
– القياس:
ا- إن الإنفحة مائع في وعاء نجس، فكان نجسًا ، كما لو جمع في وعاء نجس(4).
– اعترض على هذا الوجه:
قال ابن عايدين: إن نجاسة المحل لا تؤثر في حال الحياة، فاللبن الخارج من بين فرث ودم طــاهر ، فكذا بعد الموت(1).
– إن هذا المائع (الإنفحة) لو أصاب الميتة بعد فصله عنها لكان نجسًا، فكذلك قبل فصله(2).
استدل أصحاب المذهب الثاني على طهارة إنفحة الميتة والمذكى ذكاة شرعية بما يلي:
أولاً: آثار الصحابة:
إن الصحابة رضوان الله عليهم أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن، وهو يعمل بالإنفحة التى تؤخذ من صغار المعز، وذبائح أهل المدائن ميتة، وروى عن عمر بن شرحبيل قال: سئل عمر رضى الله عنه عن الجبن، وقيل له: إنه يعمل بإنفحة الميتة، فقال: سموا وكلوا، وكذلك قال علي رضى الله عنه، وهذا دليل على طهارة إنفحة الميتة(3).
ثانيًا: القياس:
إن إنفحة الميتة تعتبر بإنفحة المذكاة ذكاة شرعية، بجامع أن كلا منهما أخذ بعد موت الحيوان(4).
الرأي الراجح:
والذي تركن النفس إليه هو نجاسة إنفحة الميتة، وما لم يذك ذكاة شرعية، لما وجه به أصحاب المذهب الأول مذهبهم ، ولأن المائع ينجس بملاقاته النجاسة، والوعاء الذى أخذت منه الإنفحة نجس لموت الحيوان، وأكل الصحابة الجبن المصنع في المدائن لا يدل على طهارة إنفحة الميتة، وإنما يدل على إباحة تناول الجبن المنعقد بها للحاجة إليه، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، والقياس على إنفحة المذكاة ذكاة شرعية، قياس مع الفارق، فإن إنفحة المذكاة طاهرة، لطهارة وعائها، بخلاف إنفحة الميتة أو غير المذكاة ذكاة شرعية.
المقصد الثالث
الدماء المسفوحة من الحيوانات
تجمع الدماء الحيوانية عند خروجها من الذبيحة، سواء كانت مأكولة اللحم، أو غيرها، حيث يستخدم جزء منها في تغذية الحيوانات، وتسميد الزراعة، أو تحضير المواد التجميلية والبيولوجية، ويستخدم الجزء الباقي في تحضير أغذية الآدميين.
ومن الأغذية التى يدخل الدم الحيواني في تحضيرها: النقانق المحشوة بالدم، والبودنج الأسود، ومعجون الدم، والحساء، كما يستخدم الدم لتغيير لون بعض الأغذية، مثل: الهامبورجر، وأغذية الأطفال، بإضافة مستحلبات اللبن المدمي إلى هذه الأغذية.
وأما بلازما الدم فإنه يستخدم أكثر من الدم الكامل في الأغذية، نظرًا لانخفاض تكلفتها، واحتوائها على نسبة عالية من البروتين، ولهذا فإنها تضاف إلى معلبات لحم البقر والدجاج، وكثير من منتجات الألبان، والفطائر، والعجائن، والحساء والنقانق، والهامبورجر، كما تستخدم كبديل رخيص عن زلال البيض في المعجنات، وقد تمزج مع الدقيق لزيادة نسبة البروتين فيه، ولتحسين طعم المعجنات المخبوزة، كما تستخدم في صناعة أغذية الأطفال(1).
– مدى طهارة الدم المسفوح:
لا خلاف بين الفقهاء على نجاسة الدم المسفوح، الذي يسيل من الحيوان غير المائي، سواء انفصل عن الحيوان الحي أو الميت(2) .
استدل لنجاسة هذا الدم بما يلي:
أولاً: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
ا- روى عن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنهما قالت: (جاءت امرأة إلى النبـى (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض، كيف تصنع؟ فقال: تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه)(3).
2- روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبـي (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا، إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)(1).
وجه الدلالة منهما:
أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أصاب ثوبها أو بدنها الدم، أن تغسل ما أصاب ثوبها أو بدنها منه، إذا أرادت الصلاة، فدل هذا على نجاسته.
ثانيًا: الإجماع:
حكى ابن رشد إجماع العلماء علي نجاسة دم الحيوان البري، وقال ابن العربي: اتفق العلمـاء على أن الدم نجس(2).
الفرع الثاني
المواد المسكرة في بعض المنتجات الغذائية والدوائية المعاصرة
تشتمل كثير من المنتجات الغذائية والدوائية، على نسب متفاوتة من الكحول ونحوه من المواد المسكرة، والكحول هو المسئول عن إحداث السكر في الأشربة الكحولية المختلفة، والكحول المستخدم في الصناعات الغذائية والدوائية، هو الكحول الإيثيلي، وهو سائل مائع عديم اللون، طيار، ذو رائحة خفيفة، شديد الميل إلى الماء، طعمه حارق شديد، سام، يحترق في الهواء، يتفاعل مع الأحماض والفلزات النشطة، ينتج عادة من تقطير العصارات السكرية الطبيعية المتخمرة، كالثمار والحبوب والخضروات، والنباتات السكرية أو النشوية.
ومن استخدامات الكحول في الصناعات الغذائية المعاصرة:
أنه يستعمل في إذابة الزيوت الطيارة، التى تدخل كمكسبات للطعم والرائحة في المواد الغذائية، أو لتحضير الملونات التي تضاف إليها، كما يضاف إلى مجموعة من الأطعمة والأشربة لإكسابها نكهة معينة ومذاقًا مميزًا.
وفي شأن استخدامه في الصناعات الغذائية، يقول البروفسور محمد عبد السلام: (ينتج الكحول عادة بكميات صغيرة في سياق إنتاج العديد من الأطعمة: كالعجين المختمر، ومنتجات الألبان المختمرة، ولا تزيد كمية الكحول الناتجة في ذلك عن 0,5%، كما أن مختلف عصائر الفاكهة تحتوى على كمية من الكحول تصل إلى 0,5%، ولكنها تعتبر مشروبات غير مسكرة (أي خالية من الكحول)، باستثناء عصير العنب الذي تصل نسسبة الكحول فيه إلى 1 %، ومع هذا فانه يعد شرابًا غير مسكر، ويضاف الكحول عمدًا إلى مجموعة من الأطعمة والأشربة، لإكسابها نكهة معينة ومذاقًا مميزًا يستسيغها المستهلك، وتضاف بعض المسكرات: كالروم، وبراندي الكرز، والكونياك، وما إلى ذلك من المواد الغذائية مثل: المثلجات، وأنواع الحلوى، والعصائر وما شابهها، وحشو أنواع من الشيكولاتة والفاكهة، والمشروبات غير الكحولية، كما تضاف أنواع الكحول إلى اللحوم والأطعمة البحرية أثناء الطهي والقلي، أو عند إعداد أنواع أخرى من الطعام(1).
ويقول د. الهواري : (هناك بعض السوائل التى لا تعتبر فى عداد الأغذية، تستخدم لاستخلاص أو إذابة المواد الغذائية، وتدخل ضمن المنتوج الغذائي، ومن أشهرها الغول (الكحول)، الذي يسمى عادة الغول الإيثيلي، وغالبًا ما يتم استعماله في تحضير الملونات أو النكهات(2).
ويقول د . رجائي: يدخل الكحول في بعض المواد الغذائية: مثل المشروبات الغازية، ليذيب الزيوت الطيارة، التى تدخل كمكسبات للطعم والرائحة، وبعض أنواع الشكولاتة(3).
– ومن استخدامات الكحول في الصناعات الدوائية المعاصرة:
أ- نظرًا لخاصيته في قتل الجراثيم والميكروبات، فإنه يضاف إلى المستحضرات الدوائية، ليحفظها من نمو الجراثيم أو الميكروبات أو البكتريا لمدة طويلة، ولا يقوم بهذه الوظيفة في الدواء إلا إذا كانت نسبته فيه لا تقل عن 20% من حجم السائل الدوائي، ولذا فإنه يصبح خطرًا على الصحة، ويسبب أعراض السكر في مراحله الأولى، وهى الخفة والنشوة والتهدئة والاسترخاء .
ب- كما يستخدم الكحول في الدواء كسواغ أو محسن للمذاق، ويقصد بالسواغ: القاعدة الدوائية التى تتوزع فيها العناصر الفعالة، ليمكن تناولها بصورة مخففة وبجرعات مناسبة، ويكون مخلوطًا مع الماء في قاعدة دوائية، وتتفاوت نسب الكحول في الدواء، إذ تصل نسبته في بعضها إلى أكثر من 50% من محتوى الدواء ويضاف إليه الشراب والمواد العطرية لتجهيز الإكسيرات، وهى أكثر السواغات استعمالاً في الأدوية المقوية، ومستحضرات السعال، والمواد الهاضمة، وغيرها من المستحضرات السائلة، والمقصود من استخدام الكحول كسواغ، هو تحسين مذاق الدواء، وقد يستخدم الخمر أحيانًا بدلاً من الكحول في بعض أنواع الدواء، لإعطائه طعمًا مقبولاً عند تناوله .
ج- كما يستخدم الكحول في الصناعات الدوائية، لاستخلاص المواد الفعالة من النباتات الطبية، حيث ثبت أن معظم هذه المواد تذوب باستخدام الكحول الإيثيلي، وعند محاولة استئصال الكحول من هذه الخلاصات، فإن بعض المواد الفعالة تترسب في القاع، وتمثل خطورة كبيرة على متناولى الدواء، لوجود نسبة كبيرة من المادة الفعالة مترسبة في القاع، يؤدى تناولها دفعة واحدة حدوث التسمم، وقد تودي بحياة متناولها، كما يستخدم لإذابة بعض المفردات الدوائية، التى لا تذوب إلا في الكحول، ليكون المفرد الدوائي على شكل محلول في المستحضرات الدوائية السائلة، هذا فضلاً عن استخدامه كمذيب للمواد الطيارة، التي تكسب المستحضر رائحة وطعمًا مستساغًا، نظرًا لعدم ذوبانها في الماء.
د- وقد يستخدم الكحول بنسب عالية في بعض الأدوية، خاصة تلك التي تعطى للأطفال لتسكين المغص، أو تهدئة السعال أو لإحداث النوم لهم، أو كمضاد للتشنج أو الحساسية، أو لتخليص الجسم من التسمم بالكحول الميثيلي، عن طريق الغسيل الكلوي(1).
– أثر الكحول في إحداث السكر:
الكحول: مركب سام، يصنف ضمن مثبطات أو مخمدات الجملة العصبية المركزية، فهو يعمل في الدماغ فعل المخدر والمهدئ الخفيف، ويحرض على النعاس والنوم، ويزداد تأثير الكحول كلما زاد تركيزه فى الدم، فإذا بلغ تركيزه فيه إلى 0,04%، فإن هذا المقدار كاف لتعطيل المراكز العليا في المخ، وإذا ارتفعت نسبة التركيز إلى 0,15%، فإن علامات التسمم تبدأ في الظهور، ويصاحب ذلك تعطل الفكر وقدرات العقل، وإذا بلغت النسبة 0,40% فقد المرء وعيه، وأصبح عديم الشعور، فإذا ما تجاوز المقدار 0,50% تعطل مركز التنفس في المخ، وانتهى أمر متناول الكحول إلى الوفاة.
وإذا كان للكحول هذا الأثر المسكر لعقل متناوله، فإن له آثارًا ضارة أخرى بأجهزة الجسم المختلفة، إذ إنه يمنع الكبد من تخزين السكريات والفيتامينات الضرورية للبدن، ويؤدي إلى تشمعه وتخريب خلاياه، كما يحدث تهيجًا بأغشية جدار المعدة، مما يعرضها للإصابة بالقرح والالتهابات المعدية، ويحدث التهابًا حادًّا للبنكرياس، وتمددًا للأوعية الدموية وغلظها، مما يترتب عليه الإصابة بالغرغرينا، وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، كما يحدث التهابًا بالجهاز التنفسي، وتهيجًا بالشعب الهوائية، وتدرنا للرئة، والإصابة بالسل الرئوي(1).
الفرع الثالث
الإضافات الضارة بالصحة
في بعض المنتجات الغذائية المعاصرة
أولاً: حقيقة الإضافات الغذائية:
صدر التعريف الدولي الأول للمواد المضافة عام 1956م، بأنها: أية مادة ليست لها قيمة غذائية تضاف بقصد إلى الغذاء، وبكميات قليلة ، لتحسين مظهره أو طعمه أو قوامه أو قابليته للتخزين.
إلا أن هذا التعريف أغفل المواد التى تضاف لرفع القيمة الغذائية، كالفيتامينات والمعادن، في الوقت الذي اعتبر فيه بقايا المبيدات والمواد الكيماوية التى تتسرب إلى الأغذية عند تعبئتها، مواد مضافة.
وقد صدر تعريف دولي حديث يعرف المواد المضافة، بأنها مادة لا تستهلك بذاتها كغذاء، ولا تستعمل عادة كمكون غذائي، سواء كان لها قيمة غذائية أم لا، وتضاف لتخفيف أغراض تكنولوجية، سواء أثناء التصنيع أو التحضير، أو التعبئة أو التغليف، أو النقل، ويتوقع أن تصبح هذه المواد جزءًا من الغذاء، وتؤثر على خواصه.
وهذا التعريف وإن أخرج من حقيقة المواد المضافة: بقايا المبيدات أو المضادات الحيوية أو الهرمونات والسموم التي تفرزها البكتريا الممرضة أو الفطريات، أو الكيماويات التي تتسرب إلى الغذاء عن طريق مواد التعبئة، إلا أن هذا التعريف كسابقه لا يشمل المواد التي تضاف إلى الغذاء لرفع قيمته الغذائية .
ثانيًا: تصنيف الإضافات الغذائية:
اقترح المعهد البريطاني لعلوم الأغذية، تصنيف هذه الإضافات إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: المواد المضافة التي تساعد في عمليات التصنيع، وتشمل: مانعات التكتل، والأنزيمات، ومانعات الرغوة، ومانعات الالتصاق، ومساعدات الكبسلة، ومانعات الاسمرار، ومذيبات الاستخلاص، ومساعدات الترطيب، ومحسنات القوام.
المجموعة الثانية: المواد المضافة التي تؤثر على خواص المنتج النهائي، وصنف إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: المواد المضافة التي تؤثر على الصفات الفيزيوكيماوية، والفيزيائية للمنتج .
القسم الثاني: المواد التي تؤثر على الصفات الحسية، وتشمل: المستحلبات، ومثخنات القوام، والمثبتات، والمواد المنظمة، ومساعدات الانتفاخ، والمركزات البروتينية، ومواد النكهة، والزيوت الطيارة، والبهارات، والمواد الملونة، ونحوها.
القسم الثالث: المواد المساعدة على تخزين الأغذية، وتشمل: المواد الحافظة، ومانعات الأكسدة، ومانعات التلون والمواد التى تساعد على الإنضاج، والمحلبيات.
القسم الرابع: المواد التي تساعد على تحسين القيمة الغذائية لما تضاف إليه من غذاء: الفيتامينات، والمعادن، والأحماض الأمينية.
ثالثًا: أسباب استخدام الإضافات الغذائية:
يمكن إجمال الدوافع لاستخدام الإضافات الغذائية في رفع جودة الغذاء أو نوعيته، وتحسين القيمة الغذائية له، والمحافظة عليه من الفساد أو التلف، وزيادة تقبل المستهلك للغذاء، وتيسير تحضيره، وتوفيره بصورة أفضل وأسرع، وتقليل الفاقد أو التالف منه بقدر الاستطاعة، هذا بالإضافة إلى العامل الاقتصادي المتمثل في زيادة تصريف المنتج من المواد الغذائية وتحقيق زيادة في عائد تسويقه.
رابعًا: الأضرار الناجمة عن هذه الإضافات:
لم يكن يهتم بهذه الإضافات الغذائية منذ نصف قرن تقريبًا، إلا من يقومون بالصناعات الغذائية، إلى أن صدر عام 1958م مادة في شكل قاعدة قانونية، تسمى قاعدة (ديلاني) تمنع استخدام المواد المضافة في الغذاء، إذا ثبت أنها تسبب حدوث الأورام السرطانية لحيوانات التجارب، وعلى إثر ذلك زاد الاهتمام بهذه الإضافات الغذائية، وأثارت جدلاً حادًّا بين العلماء ما بين مؤيد لإضافتها إلى الغذاء وبين معارض لذلك، إلى أن أعلن مختبر كيميائي بكندا عام 1969م، أن مادة (السيكلاميت) التى تضاف إلى بعض أنواع المرطبات، مادة مسرطنة، وذلك بعد مضي عشرين عامًا على استخدامها في هذه الصناعة، وكان من نتيجة ذلك زيادة السعار المحموم بين الناس ضد كل مادة كيميائية تضاف إلى الأغذية التي يتناولها الإنسان، ثم أعلن بعد ذلك د. فينجولد العامل في إحدى مستشفيات فرانسيسكو، عن ملاحظاته عن المواد المنكهة والملونة الصناعية، المضافة إلى الآيس كريم، وما لحق الأطفال الذين كان يعالجهم من أضرار بسبب تناولهم له؛ ونتيجة لذلك أخضعت الإضافات الغذائية لإعادة الفحص والتقييم، وكان من نتائج ذلك أن توصل العلماء إلى أن بعضها ضار، ويشكل خطورة على صحة الإنسان، ولهذا صدرت الأوامر في العديد من الدول بمنع استخدامها لما تشتمل عليه من أضرار شديدة، حتى عام 1976م، خمسًا وعشرين مادة، وعدد هذه المواد الممنوعة في تزايد مستمر، نظرًا لما تسفر عنه البحوث العلمية من اكتشاف المزيد من أضرار هذه المواد .
ومن الإضافات الغذاية التي منع استخدامها في الصناعات الغذائية لما تسببه من أضرار شديدة: المادة الصناعية الملونة المسماة (Butter Yellow)، التى تحدث سرطان الكبد، والمادة الملونة المسماة (FD & C Yellow)، التى تتلف القلب، وحامض الخليك أحادي الكلور، الذي يستخدم كمادة حافظة، وهى شديدة السمية، ومادة الدولسين (Dulcin P-ethoty Phengl Urea))، التى تستخدم في تحلية بعض المنتجات الغذائية، وهى مادة محدثة لسرطان الكبد، ومادة 8- سيتاريب بولي أوكس الإيثيلين (Palyoxy ethylene-8 Sterate)) التى تستخدم كمادة مستحلبة لمنتجات المخابز، وهى مادة محدثة لأورام وحصى في المرارة، ومادة كومارين (Comarin) وهى مادة منكهة، وتحدث تسممًا بالكبد، والمادتان الملونتان للأغذية (FD & C Orange 82) واللتان تسببان تلف الأعضاء، وكذلك المادة الملونة (FD & C Red 1) المسببة لسرطان الكبد، ومادة (FD & C Red 4) الملونة، المحدثة لتلف الغشاء الكظري، والمادة الملونة (FD & C Red 32) التى تسبب تلف الأعضاء، والمادة الملونة (Sudan 2) المسرطنة، والمادة الملونة (FD & C Yellow 1)، التي تحـدث أضــرارًا معوية ، والمادة المنكهة (Safrole) التي تحدث سرطان الكبد، وزيت الكلاموس (Oil of Calamus) الذي يستخدم كمادة منكهة، وهو يســـبب سرطـــان المعـــدة ، وحمـض (NDGA) المانع للأكسدة، والذي يسبب تلف الكلية، والمادة الحافظة للمرطبات، المسماة (“DEPC” Deithyl Pyrocarbonate))، التي تتحد مع الأمونيا وتكون اليوريات، والمادة الملونة (FD & C Violet 1)، المسببة للسرطان، إلى غير ذلك من أمثلــة يضيق المقـام عن ذكرها(1).
وقد ترتب على اكتشاف هذه الآثار الضارة بصحة الآدميين في هذه الإضافات، أن انقسم المهتمون بها إلى فريقين، قام أحدهما بإعطاء صورة قاتمة لهذه الإضافات، وحذر من استخدامها، بحسبانها ضارة ضررًا محضًّا، فليس فيها نفع البتة لأحد، إلا لأصحاب مصانع الغذاء التى تستخدم هذه الإضافات لتحقيق ثروات طائلة بدون وازع إنساني أو أخلاقي، يينما اعتبر الفريق الآخر أن الهجوم على هذه الإضافات الغذائية هجوم على العلم رالتكنولوجيا التي أنتجتها في المقام الأول.
وسواء كان الميل إلى الفريق المؤيد أو المعارض لاستخدام هذه الإضافات، فإنه لابد وأن يؤخذ في الاعتبار مقدار الضرر الذي يمكن أن يتحمله المستهلك لهذه الأغذية، وحاجات ورغبات المستهلكين، وخاصة الأطفال الذين تغريهم الأغذية المضاف إليها مكسبات الطعم واللون رالرائحة أكثر من غيرها، والذين تؤثر فيهم هذه الإضافات أكثر من غيرهم، لضعف مناعاتهم، وقلة مقاومة أجسامهم النحيلة للأمراض، وكثرة استهلاكهم للأغذية المشتملة على هذه الإضافات، والعوامل الاقتصادية، ومدى توافر عوامل السيطرة على مقدار هذه الإضافات، وإجراء التحاليل الدائمة للمنتجات المضاف إليها ذلك؛ لبيان مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
ومما ينبغي مراعاته في مثل ذلك، أن إضافة مادة جديدة غير معروفة إلى النظام الغذائي، غالبًا ما ينتج عنه ضرر، ومن ثم فان إضافة مادة كيميائية إلى المواد الغذائية المصنعة، سواء كانت مادة منكهة، أو ملونة، أو حافظة، أو محسنة للقوام أو المذاق، أو نحو ذلك، يزيد من احتمال إصابة متناولها بالضرر، ولو كانت المادة المضافة قليلة، ولهذا اقترح وضع معادلة للموازنة بين المضار والمنافع من تناول الأغذية المشتملة على هذه الإضافات، وفي ضوء ما تسفر عنه هذه المعادلة يتقرر استعمال هذه الإضافات في المواد الغذائية أو منعها.
إلا أنه في جميع الأحوال منع استخدام هذه الإضافات في الغذاء، إذا كانت لتغطية الأخطاء أو العيوب في عملية التصنيع، أو لإخفاء فساد المادة الغذائية، أو لخداع المستهلك، أو إذا كان يؤدي إلى فقد مقدار كبير من القيمة الغذائية للغذاء، أو كان بالإمكان الاستعاضة عنها بأساليب التصنيع الجيد، أو اقتضى الحصول على النتيجة المرجوة من الإضافات، زيادة نسبة المضاف منها إلى المواد الغذائية .
المطلب الثاني
أثر التصنيع في انقلاب النجس طاهرًا والمحرم مباحًا
سبق أن بينا أن من المواد الغذائية والدوائية المعاصرة، ما يشتمل على نجس أو محرم، وأن هذه المواد النجسة أو المحرمة تدخل فى تصنيعه وإنتاجه بطريقة أو بأخرى، وبعض هذه المنتجات تتعرض لإضافات كيميائية وغير كيميائية، وتتعرض لدرجات حرارة مختلفة عند تصنيعها، وقد ينقلب عين النجس أو المحرم في المنتج الغذائي أو الدوائي وينماع فيه، فلا تظهر صفاته وخصائصه المعروفة بعد تصنيعه وانقلاب عينه إلى حقيقة أخرى، غير الحقيقة التى كان عليها قبل التصنيع، ومثل هذا يدعو إلى التساؤل عن مدى بقاء النجاسة أو الحرمة في المنتج الغذائي أو الدوائي، الذي دخل النجس أو المحرم في تصنيعه، وقد بحث الفقهاء ذلك تحت عنوان (أثر الاستحالة في الأعيان النجسة أو المحرمة).
الفرع الأول
حقيقة الاستحالة والفرق
بينها وبين الاتحاد الكيميائي والخلط
أولاً: حقيقة الاستحالة:
أ- معنى الاستحالة في عرف الفقهاء:
عرفها ابن عابدين بأنها: (تغير العين النجسة، وانقلاب حقيقتها إلى حقيقة أخرى)(1).
وبقريب منه قال الحطاب في تعريفها: (إزالة جميع صفات العين النجسة إلى صفات أخرى مخالفة، وإزالة اسمها إلى اسم آخر)(2) .
ومعنى هذا أن الاستحالة تقتضي تغير حقيقة الشيء وصفاته، بحيث تكون له حقيقة أخرى وصفات أخرى بعدها، مغايرة لما ثبت له قبلها.
ب- معنى الاستحالة في عرف الكيميائيين:
عرفها د. الهواري بأنها (كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر، كتحويل الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون)(3).
وعرفها د. عبد الآخر بأنها (تحول المادة إلى مادة أخرى مختلفة، لها صفات فيزيائية وكيميائية، نتيجة للتغيرات الكيميائية في البناء الجزيئ للمادة، وذلك كتحول الكحول إلى خل)(4) .
ومن أمثلة المواد المتحولة إلى مواد أخرى، ذات طبيعة خاصة، وصفات فيزيائية وكيميائية تختلف عن الأصول المتحولة عنها: تحول لحوم الميتات وفضلات الإنسان والحيوان إلى أملاح تستفيد منها النباتات، وذلك بفعل البكتريا والفطريات المسببة لذلك، ومن أشهر هذه الأملاح: نترات الكالسيوم، والبوتاسيوم، ونحوهما.
ثانيًا: الفرق بين الاستحالة وبين الاتحاد الكيميائي:
تختلف الاستحالة بمفهومها السابق عن الاتحاد الكيميائي بين المواد الذي تتفاعل فيه عدة مواد بالخلط، تفاعلاً كيميائيًّا، وتتحد معًا لتكون مركبًا كيميائيًّا له صفات فيزيائية وكيميائية مختلفة عن مكونات الخليط، وبذلك تتحول المواد وتذوب خصائصها لتكون مواد جديدة، وذلك كتفاعل المعادن أو القلويات مع الأحمـاض لتكوين الأملاح(1).
ثالثًا: الفرق بين الاستحالة والخلط بين المواد:
كما تختلف الاستحالة بالمعنى السابق، عن الخلط بين المواد، الذي هو مجرد تداخل أجزاء مادة في أجزاء مادة أو مواد أخرى، ليتكون من ذلك مخلوط، أو مزيج أو مستحلب، أو محلول صلب أو رخو أو سائل أو غاز، ويظل كل مكون من مكونات الخليط محتفظ بصفاته وآثاره الطبيعية والكيميائية والأقرباذينية، وكل مادة من مواد الخليط تمر داخل جسم الإنسان بعمليات التمثيل الغذائي (الأيض) كما لو كانت غير مختلطة بغيرها، أما الصفات الطبيعية المشتركة التى تطرأ على الخليط، من لون أو طعم أو رائحة أو قوام، فهى صفات عارضة لكل مكون من مكونات الخليط، ولا تغير من حقيقته، كخلط شحم الخنزير بشحم البقر، وهذا الخلط لا يترتب عليه زوال خصائص المواد المخلوطة وذوبانها، بل تظل مكونات الخليط باقية على حقيقتها، مهما تغيرت صفاتها الطبيعية، ويمكن فصل هذه المكونات بعضها عن بعض، كما أن آثارها كمطعوم أو مشروب داخل جسم الإنسان تظل كما هى(2).
الفرع الثاني
مدى استحالة الأعيان النجسة
أو المحرمة أو الضارة بالتصنيع
وإذا نظرنا إلى المواد النجسة أو المسكرة أو المحرمة التي تدخل فى تصنيع الغذاء أو الدواء أو الإضافات التي تضاف إليهما بغرض إكساب الطعم أو الرائحة أو اللون، أو نحوها، فإنا نجد أن بعض هذه المواد يصدق عليه أنه استحال في المنتج الغذائي أو الدوائي، وبعضها لا يصدق عليه ذلك.
فإن عظام الخنازير وجلودها التي يصنع منها الجيلاتين الخنزيري، تستحيل بالتصنيع إلى مادة أخرى لها صفات فيزيائية وكيميائية تختلف عن الأولى، إلا أن هذه الأجزاء الخنزيرية لا تستحيل استحالة كاملة فيما صنع منها، وفي هذا الصدد يقول أ. د. وفيق الشرقاوي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب بالشركة العربية للمنتجات الجيلاتينية الدوائية بمصر: ( إن جلود الخنازير وعظامها لا تستحيل استحالة كاملة، وإنما تستحيل استحالة جزئية، ويمكن بطريقة التحليل الطيفي التعرف على أصل الجيلاتين المستخلص من جلود وعظام الخنازير، بعد العمليات الكيميائية المختلفة التي يتم بها استخلاصه، لوجود بعض الخصائص في هذا الجيلاتين يمكن بها التعرف على أصله الذي استخلص منه)(1).
وأما بالنسبة لشحوم الخنازير التي تدخل في صناعة بعض الأغذية والأدوية، فإنه يصدق عليها أنها تستحيل في بعض المنتجات بالتصنيع، ولا يصدق عليها ذلك في البعض الآخر، لأنها تخلط فيه ببعض مكونات المنتج، كخلط شحوم الخنازير ببعض الشحوم أو الزيوت الأخرى للاستهلاك الآدمي، ولا يترتب على الخلط استحالة للمواد المخلوطة كما سبق، وحتى لو قيل بأن شحوم الخنازير تستهلك في جميع المنتجات الغذائية والدوائية، فإن هذه الشحوم لا تستهلك استهلاكًا كاملاً بالتصنيع؛ لإمكان التعرف عليها بعده، وفي هذا الصدد تقول أ. د . ليلى عبد الفتاح، أستاذ الكيمياء التحليلية بكلية الصيدلة- جامعة القاهرة: (لقد تم الكشف عن دهن الخنزير في وجود الدهون الحيوانية والنباتية والزيوت المهدرجة الأخرى،.. وذلك لأن دهن الخنزير يتميز بتركيب جلسريدي فريد، يختلف عن بقية الدهون الحيوانية والنباتية، فهو يحتوي على أحماض دهنية مشبعة في الموقع، يينما تحتوي الدهون الأخرى على أحماض دهنية غير مشبعة)(2)، ومن ثم فإن ما قيل في أثر الاستحالة لا يصدق كذلك على شحم الخنزير، حتى ولو قيل بأن للاستحالة أثر في انقلاب النجس طاهرًا، والمحرم مباحًا.
وأما الأنسولين الخنزيري فإنه لا يستحيل بالتصنيع، إذ تظل له صفاته الفيزيائية والكيميائية، وإن اختلف شكله الصيدلاني عن شكل الأنسولين المستخرج من بنكرياس الخنزير نتيجة للمعالجات الكيميائية.
وخميرة الببسين الخنزيرية وإنفحة الميتة أو إنفحة الحيوان غير المذكى ذكاة شرعية، فإنه يصدق عليها أنها تستحيل في الجبن الذي حُضِّر منها.
أما الدماء ومنتجاتها فلا تستحيل في المنتجات الغذائية التى دخلت في تصنيعها، بل يصدق عليها مسمى الخلط؛ لأن جزئياته تداخلت في جزيئات ما خلط به، ليتكون من الجميع المادة الغذائية، ولتبقى كل مادة في الخليط محتفظة بصفاتها وآثارها الطبيعية والكيميائية والأقرباذينية، وتمر في نهاية الأمر داخل جسم الإنسان بعمليات التمثيل الغذائي كما لو كانت غير مختلطة بغيرها.
وأما الإضافات المنكهة أو الملونة أو الحافظة أو المحسنة للقوام، أو المساعدة على التصنيع أو نحو ذلك، فإنها لا تستحيل في المنتج الذي أضيفت إليه، وإنما يصدق عليها مسمى الخلط الاحتفاظ بصفاتها وآثارها ونحوها بعد هذا الخلط في المنتج الذي أضيفت إلى مكوناته.
وأما المواد المسكرة التى تضاف إلى بعض الأغذية، فإنها تضاف لإكسابها نكهة ومذاقًا، وماكان بهذه المثابة لا يصدق عليه أنه استحال في المنتج الذي دخل في تصنيعه، ونسبة المسكرات في المنتجات الغذائية الأخرى تدل عليها آثارها في متناولها، كما أن المنتجات الدوائية التى دخل الكحول في تصنيعها، ترتفع نسبة الكحول فيها بدرجة لا يمكن معها القول بأن الكحول استحال فيها بحيث لم يبق له أثر في متناول الدواء، سواء استعمل في الدواء كمادة حافظة أو مستخلصة للمواد الفعالة أو أضيف كمادة فعالة في أدوية الأطفال لتسكين المغص أو تهدئة السعال أو إحداث النوم أو نحو ذلك، ومن ثم فلا يمكن القول بأنه استحال في هذه المنتجات، بحيث ذهبت آثاره الطبيعية والكيميائية والأقرباذينية.
الفرع الثالث
آراء الفقهاء في أثر الاستحالة في الأعيان النجسة أو المحرمة
اختلف الفقهاء في أثر الاستحالة في الأعيان النجسة أو المحرمة على مذهبين:
المذهب الأول:
يرى من ذهب إليه أنه لا أثر للاستحالة في انقلاب النجس طاهر أو المحرم مباحًا(1)، بل تبقى العين المستحيلة على حكمها الذي كانت عليه قبل الاستحالة، وهو قول أبي يوسف وبعض الحنفية وبعض المالكية، وهو مذهب الشافعية، وظاهر مذهب الحنابلـة، وعليه جمهــور أصحـــاب أحمد(2).
المذهب الثاني:
يرى من ذهب إليه أن للاستحالة أثرًا في انقلاب النجس طاهرًا والمحرم مباحًا، وهو قول الطرفين من الحنفية، وأكثر الحنفية، وجمهور المالكية، وابن تيمية وابن القيم، ومذهب الظاهرية(3).
أدلة المذهبين:
استدل أصحاب المذهب الأول على أن لا أثر للاستحالة في النجس أو المحرم بما يلي:
أولاً: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
1- روي عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أكل لحوم الجلالة وألبانها)(4).
2- روي عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن شرب لبن الجلالة)(5).
وجه الدلالة منهما:
نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديثين عن أكل لحوم الجلالة وشرب لبنها، فلو كان للاستحالة أثر في طهارة الأعيان النجسة أو حل الأعيان المحرمة، لما نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن تناول نتاج الجلالة، إذ العذرة والجيفة ونحوهما تستحيل في باطنها إلى لحم ولبن وبيض، وهى أعيان تختلف حقيقتها وصفاتها وخصائصها عن حقيقة وصفات وخصائص العذرة والجيفة.
ثانيًا: الاستصحاب:
إن أمثال العذرة والسرجين والخنزير والكلب، قد حكم بنجاسة عينها، وما حكم بنجاسة عينه لا يزول عنه الحكم ولو استحال إلى مادة أخرى ما دامت عينه باقية استصحابًا لحكمه قبل الاستحالة(1) .
ثالثًا: القياس:
إن الأعيان النجسة لم تكن نجاستها بالاستحالة، فلا تطهر بها، قياسًا على الدم يصير قيحًا أو صديدًا(2).
استدل أصحاب المذهب الثاني على أن للاستحالة أثرًا في انقلاب النجس طاهرًا والمحرم مباحًا، بما يلي:
أولاً: الكتاب الكريم:
قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث}(3).
وجه الدلالة من الآية:
أفادت الآية الكريمة حل الطيبات وحرمة الخبائث، وطيب الأعيان وخبثها إنما يعرف بتتبع حقائقها وصفاتها، فإن لم تظهر فيها صفة الخبث كانت على حالها في الطيب، ولأن في الطيب نفعًا يقتضي إباحته تحصيلاً لنفعه، وفي الخبيث ضررًا يقتضي تحريمه توقيًا لضرره، فإذا زال عن الأعيان وصف الخبث بزوال الضرر الذي كانت تحدثه، فإنها تكون حلالاً طاهرة؛ لأن هذا ما يقتضيه دوران العلة مع معلولها، فكان للاستحالة أثر في تبدل الخبيث إلى طيب، بحيث تثبت له صفات الطيب وحكمه.
ثانيًا: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)(4).
وجه الدلالة منه:
أفاد الحديث أن الجلد النجس إذا دبغ فإنه يطهر بالدباغ، وهذا دليل على أن الجلد النجس قبل الدباغ يستحيل بالدباغ إلى اسم آخر، له صفات غير التى كانت له قبل، فكان للاستحالة أثرها في انقلاب النجس طاهرًا.
ثالثًا: القياس:
إن العين النجسة إذا انقلبت إلى عين أخرى، طهرت، قياسًا على طهارة الخمر بتخللها، والجلالة بحبسها، والنطفة بتحولها إلى علقة نجسة ثم إلى مضغة، حيث تطهر به(1).
رابعًا: المعقول:
ا- إن الأحكام إنما هى على ما حكم الله تعالى بها فيه، مما يقع عليه الاسم، الذي خاطبنا الله تعالى به، فإذا سقط الاسم سقط الحكم، فإذا استحالت صفات عين النجس أو المحرم، بطل عنه الاسم الذي ورد به الحكم، وانتقل إلى اسم آخر له حكم آخر، والعكس بالعكس، كالعصير يصير خمرًا، أو الخمر تصير خلاًّ(2).
2- إن الشرع رتَّب وصف النجاسة على حقيقة العين النجسة، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فضلاً عن جميعها، فإن الخنزير إذا وقع في مملحة وصار ملحًا، اختلف حقيقة ما صار إليه عن حقيقته قبل الوقوع، فالملح غير العظم واللحم، وإذا صار ملحًا ترتب حكم الملح ولا يترتب حكم الخنزير، فاستحالة العين تستتبع زوال الوصف المترتب عليها(3).
3- أخبر الله سبحانه وتعالى أن اللبن يخرج من بين فرث ودم، وقد اتفق الفقهاء على حل نتاج الجلالة إذا حبست وعلفت الطاهرات، لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب، وعكس هذا فإن الطيب إذا استحال خبيثًا صار نجسًا، كالماء والطعام إذا استحال بولاً وعذرة، فكان للاستحالة أثرها في انقلاب الخبيث طيبًا، والطيب خبيثًا، والنجس طاهرًا، والطاهر نجسًا، والمحرم مباحًا، والمباح محرمًا؛ لأن الحكم يتبع الاسم والوصف، ويدور معه وجودًا وعدمًا(4).
الرأي الراجح:
والذي تركن النفس إليه من المذهبين، هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول، من أن الاستحالة لا أثر لها في انقلاب النجس طاهرًا أو المحرم مباحًا، لما استدلوا به على مذهبهم، ولأن نجس العين أو المحرم، لم تحصل نجاسته أو حرمته بالاستحالة حتى تزول بها.
وما استدل به أصحاب المذهب الثاني على أن للاستحالة أثرًا في انقلاب النجس طاهرًا، والمحرم مباحًا، لا يقوم حجة لهم على مذهبهم، فليس في الآية التى استدلوا بها إلا حل الطيبات وحرمة الخبائث، وليس فيها ما يدل على أن المحكوم بطيب حله متحول من خبيث محرم، حتى تدل على أن للاستحالة أثرًا في طيب الخبيث أو إباحة المحرم، إذ تظل هذه الدعوى مفتقرة إلى دليل بعد الاستدلال بهذه الآية، والإهاب الذي طهر بالدباغ هو جلد قبل الدباغ وبعده، فحقيقته وخصائصه لم تنقلب بالدباغ إلى أخرى، والاستحالة تقتضي انقلاب حقيقة العين وصفاتها وخصائصها، وهذا لا يصدق على دباغة الجلد.
والقياس على الخمر المحرمة تنقلب إلى خل فتطهر وتحل، والجلالة إذا حبست، والنطفة إذا تحولت فصارت مضغة، قياس فاسد، وذلك للنهي عن إمساك الخمر حتى تتخلل، ولم يثبت حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدل على إباحة خل الخمر، وطهارة لحم الجلالة ولبنها وبيضها بالحبس، ليس استحالة لعين النجس أو المحرم، فإن الأعيان التى تباح من الجلالة قبل حبسها وبعده حقيقتها واحدة، حيث يصدق عليها في الحالين أنها لحم وبيض ولبن، بل إن حرمة تناول نتاجها كنتيجة لتناولها الخبائث يعد دليلاً على أن الاستحالة لاأثر لها في انقلاب النجس طاهرًا، رغم استحالة هذه الخبائث في بدنها إلى لحم وبيض ولبن، والحكم على النطفة بالنجاسة يحتاج إلى دليل، كما أن هذه النطفة إذا صارت مضغة فإنه لا يصدق عليها استحالة؛ لأن مكونات النطفة الأمشاج خلايا، وهى نفس مكونات المضغة، وإن زاد عدد الخلايا في هذه عن سابقتها.
وقولهم: إن الحكم تابع للاسم الذي ورد به الحكم، بحيث يسقط الحكم بسقوط الاسم، قول منقوض بجلد الميتة قبل الدباغ وبعده، فإنه يصدق عليه مسمى الجلد في الحالين، مع أن حكمه فيهما مختلف، فهو نجس قبل الدباغ، وطاهر بعده، ومنقوض كذلك بلحم الجلالة ولبنها وييضها، فإن حقيقته واحدة قبل حبس الجلالة وبعده، مع أن الحكم مختلف في الحالين، فهو محرم التناول قبل الحبس، مباح بعده.
ولهذا كان القول بأن الاستحالة لا أثر لها في انقلاب النجس طاهرًا أو المحرم مباحًا، هو الراجح من المذهبين.
المطلب الثالث
حكم تناول أو استعمال المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على نجس أو سكر أو ضار
أبين فى هذا الصدد حكم تناول أو استعمال المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على مواد نجسة أو مسكرة أو ضارة، في حال الاختيار، وحكم تناولها أو استعمالها في حال الضرورة أو الحاجة إليها، وذلك في الفروع التالية.
الفرع الأول
حكم تناول المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على نجس أو محرم
أو ضار حال الاختيار
بينت من قبل أن من أجزاء الخنزير ما يدخل في الصناعات الغذائية والدوائية، كالجيلاتين الخنزيري، وشحوم الخنازير، والأنسولين الخنزيري، وخميرة الببسين الخنزيرية، وأن جميع أجزائه نجسة، وأن الإنفحة المأخوذة عن الميتة أو من غير المذكى ذكاة شرعية، تستخدم في صناعة الجبن، وأن الدماء المسفوحة ومشتقاتها تدخل في بعض المصنوعات الغذائية، وأن هذه وتلك عدها بعض الفقهاء من الأعيان النجسة، كما بينت الصناعات الغذائية والدوائية المشتملة على الكحول أو المسكرات، أو المشتملة على مكسبات الطعم والرائحة والنكهة، أو المواد الحافظة، أو المساعدة على التصنيع ونحوها، وأبين فيما يلي حكم تناول هذه المنتجات حال الاختيار.
المقصد الأول
تناول الغذاء أوالدواء المشتمل على مواد نجسة حال الاختيار
أولاً: تناول ما اشتمل على أجزاء الخنزير:
اتفق الفقهاء على حرمة تناول أجزاء الخنزير المختلفة حال الاختيار(1)، ومما يدل لحرمة تناولها ما يلي:
القرآن الكريم:
قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير}(2) .
وجه الدلالة من الآية:
أفادت الآية حرمة تناول لحم الخنزير، إلا أن العلماء قالوا: بحرمة تناول جميع أجزائه، وعللوا تخصيص اللحم بالذكر في الآية دون بقية أجزاء الخنزير، بأن اللحم معظم مقصوده(1).
الإجماع:
حكى كثير من العلماء إجماع الفقهاء على حرمة تناول جميع أجزاء الخنزير، ومن هؤلاء النووي، والمقدسي، وابن حزم، والقرطبي، و غيرهم(2).
وإذا كان ثمة اتفاق على حرمة تناول أجزائه حال الاختيار، وقد رجح مذهب القائلين بأنه لا أثر للاستحالة في انقلاب النجس طاهرًا، أو المحرم مباحًا، فإنه يحرم حال الاختيار تناول المنتجات الغذائية أو الدوائية التى قيل باستحالة أجزاء الخنزير فيها، وبالنظر لما قاله بعض الكيميائيين من أن أجزاء الخنزير لا تستحيل استحالة كاملة، بل استحالة جزئية، فإنه يحرم تناول هذه المنتجات، حتى على قول من يرى أن للاستحالة أثرًا في انقلاب النجس طاهرًا، أو المحرم مباحًا؛ لأنه لا يصدق على هذه المنتجات أن أجزاء الخنزير الداخلة في تصنيعها قد ذهبت صفاتها وخصائصها وآثارها الكيميائية وغيرها، وأما المنتجات التى أضيفت بعض أجزاء الخنزير إلى مكوناتها، أو خلطت بها، فإنه يحرم تناولها باتفاق، لأن أجزاء الخنزير لم تستحل فيما أضيفت إليه أو خلطت به.
ثانيًا: تناول ما اشتمل على إنفحة الميتة:
اختلف الفقهاء في حكم تناول الجبن المنعقد بإنفحة الميتة، أو المذكى ذكاة غير شرعية على مذهبين:
المذهب الأول:
يرى أصحابه جواز تناول الجبن المنعقد بإنفحة الميتة أو المذكى ذكاة غير شرعية، وهو مروى عن عمر وعلى وغيرهم من الصحابة، وهو مقتضى ما روى عن أبي حنيفة وأحمد من طهارة إنفحة الميتة، وهو قول بعض المالكية، وإليه ذهب الشافعية والحنابلة(3).
المذهب الثاني:
يرى من ذهب إليه حرمة تناول الجبن المنعقد بإنفحة الميتة، أو المذكى ذكاة غير شرعية، وهو قول المحققين من المالكية، وإليه ذهب الظاهرية(4).
أدلة المذهبين:
استدل أصحاب المذهب الأول على حل تناول الجبن المنعقد بإنفحة الميتة بما يلي:
آثار الصحابة:
روى عن عمر وعلي رضى الله عنهما أنهما رخصا في أكل الجبن المنعقد بإنفحة الميتة، وروى أن الصحابة أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن، وهو يعمل بإنفحة ذبائح أهلها، وذبائحهم ميتة(1)، فدل هذا على حل تناول الجبن المحضر من إنفحة الميتة، أو المذكى ذكاة غير شرعية.
– وجه ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثاني من حرمة تناول الجبن المنعقد بإنفحة الميتة ما يلي:
المعقول:
إن إثم المحرم- وهو إنفحة الميتة- ظاهر في جميع الجبن الذي أضيف إليه، فحرم تناوله، شأنه في هذا شأن كل ما مزج بحرام(2).
الرأي الراجح:
والذي تركن النفس إليه، هو مذهب القائلين بحل تناول الجبن المنعقد بإنفحة الميتة أو المذكى ذكاة غير شرعية؛ لما استدلوا به، ولأنه قد تنعدم المواد الطاهرة التي يحضر بها الجبن، فيكون استعمال هذه الإنفحات مما تدعو إليه الحاجة، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، وهى مبيحة لتناول المحرم أو استعماله.
ثالثًا: تناول ما اشتمل على الدماء المسفوحة ومكوناتها:
لا خلاف بين الفقهاء على حرمة تناول الدم الكثير أو القليل، المسفوح من الحيوان المأكول اللحم عند تذكيته، أو الذي يسيل من الحيوان الحي، أو الحيوان الذي يحرم أكله وإن ذكى، وقد حكى ابن رشــد اتفاق العلماء على هذا(3)، ومما يدل على حرمته ما يلي:
الكتاب الكريم:
قال تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}(4).
وجه الدلالة من الآية:
أفادت الآية حرمة تناول الدم المسفوح، فدلت على حرمة تناول ما دخل في تصنيعه هذا الدم أو بعض مشتقاته، حال الاختيار.
المقصد الثاني
تناول الغذاء أو الدواء المشتمل على مواد مسكرة حال الاختيار
للكحول الإيثيلي الاستعمالات السابقة في مجال الغذاء أو الدواء، وهذه المادة التى يعزى إليها الإسكار في المشروبات الكحولية، ولا يخالف أحد من الفقهاء في حرمة تناول أو استعمال المسكر أو ما اشتمل عليه حال الاختيار، أيًّا كانت المادة التى اتخذ منها، وسواء كانت نسبة المسكر كثيرة أو قليلة، وإن كان للشيخين من الحنفية تفصيل في بعض أنواع المسكرات تبعًا لما تتخذ منه، وإن كانا لا يختلفان مع جمهور الفقهاء في أن مادة الكحول الإيثيلي بصفاتها وخصائصها المعروفة محرمة التناول أيًّا كانت المادة التى استخلصت منها(1).
ومما يدل على حرمة تناول المسكرات واستعمالها، أو تناول واستعمال ما دخلت في تصنيعه من الأغذية والأدوية، حال الاختيار ما يلي:
أولاً: القرآن الكريم:
قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْــــطَانِ فَاجْتَنِبُـوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}(2).
وجه الدلالة من الآية:
أفاد عموم الخمر في الآية حرمة تناولها أو استعمالها صرفًا أو ممزوجة بغيرها، سواء في طعام أو شراب أو دواء أو غيرها، والأمر باجتنابها أمر باجتناب كلها أيًّا كان مقدارها والمادة التى اتخذت منها.
ثانيًا: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
ا- روي عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) وفي رواية (كل مسـكر خمر ، وكل مسكر حرام)(3).
2- روى عن وائل الحضرمي (أن طارق بن سويد سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنها ليست بدواء، ولكنها داء)(1).
3- روي عن أم سلمة رضى الله عنها: (أن النبـي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليها وقد نبذت نبيذًا في جرة، فخرج والنبيذ يهدر، فقال (صلى الله عليه وسلم): ما هذا؟ فقالت: فلانة اشتكت بطنها فنقعت لها، فدفعه برجله فكسره، وقال: إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء)(2).
وجه الدلالة من الأحاديث:
أفادت هذه الأحاديث حرمة تناول المسكر صرفًا أو ممزوجًا بغيره من طعام أو شراب أو دواء، وقد قال العينى وابن عابدين والشوكاني وابن البزاز وابن رسلان وغيرهم: إن النهي عن المسكرات في هذه الأحاديث محمول على حال الاختيار، وأما حال الاضطرار فلا تحرم(3).
المقصد الثالث
تناول الغذاء المشتمل على
إضافات ضارة بالصحة
بينت من قبل مدى الضرر الذي يصيب الإنسان، من تناول المواد الغذائية التي أضيف إليها مكسبات الطعم واللون والرائحة والمواد الحافظة ومساعدات التصنيع وغيرها من إضافات، والذي قد يصل إلى حد الإصابة بالتسمم، أو الإصابة بالسرطان أو الفشل الكبدي أو الكلوي، أو تلف الأعضاء، والذي قد ينتهي بالمصاب إلى الوفاة.
ومن ثم فإنه يحرم تناول المنتجات الغذائية التي أضيفت إليها هذه المواد، والتي ثبت بالتحاليل المعملية أو غيرها، الإضرار بالإنسان، سواء على سبيل القطع أو الظن، وسواء كان هذا الإضرار متمثلاً في مجرد اعتلال الصحة، أو الإخلال بوظائف الجسم البشري، أو إحداث أمراض ولو في المستقبل، أو كان هذا الإضرار يصل إلى حد الإصابة بالأمراض المزمنة، أو التى لا يرجى البرء منها، أو مؤديًا إلى ذهاب منفعة عضو أو أكثر من أعضاء البدن، أو الإخلال بأدائه لهذه المنفعة، أو يؤدي إلى هلاك متناول الأغذية المشتملة على هذه الإضافة.
ومما يستدل به لحرمة تناول هذه المنتجات إن ترتب عليها ذلك ما يلي:
أولاً: القرآن الكريم:
ا- قال تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}(1).
2- قال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(2).
وجه الدلالة منهما:
نهى الحق سبحانه في الآيتين عن قتل النفس و الإلقاء بها إلى ما فيه هلاكها، والنهي يفيد التحريم عند إطلاقه، ولما كان تناول الأغذية المشتملة على إضافات قد يؤدي إلى الهلاك ولو على المدى البعيد، فإنه يكون محرمًا.
3- قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(3).
وجه الدلالة من الآية:
حرم الله سبحانه وتعالى كل ضار خبيث، ولما كان من شأن هذه الإضافات الإضرار بصحة من يتناول الغذاء المشتمل عليها، فإنها تكون خبيثة منهيًا عنها.
ثانيًا: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)(4) .
وجه الدلالة منه:
نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن كل ما يشتمل على ضرر، وإذا كان في الإضافات الغذائية السابقة إضرار ببدن الآدميين، حرم استعمالها، وحرم تناول المنتجات الغذائية التي أضيفت إليها، إن كانت تؤدي إلى الإضرار بمتناولها، سواء اقتصر الضرر على اعتلال صحته أو بلغ حد إهلاكه.
ثانيًا: القواعد الشرعية:
من هذه القواعد: قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)(5).
وإذا كان المحافظة على النفس أحد المقاصد الضرورية للشارع، فإن الحفاظ عليها يكون واجبًا، ولا يتأتى الحفاظ عليها فى حال الغذاء المشتمل على الإضافات الضارة، إلا بالكف عن تناوله، فيكون الكف عن تناوله واجبًا لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الفرع الثاني
حكم تناول المنتجات الغذائية أو الدوائية المشتملة على نجس أو محرم
أو ضار حال الضرورة
أبين في هذا الفرع حكم تناول المنتجات الغذائية أو الدوائية، إذا دخل في تصنيعها مواد نجسة أو محرمة أو ضارة، ودعت الضرورة أو الحاجة إلى تناولها واستعمالها.
المقصد الأول
تناول المنتجات الغذائية المشتملة
على نجس أو محرم حال الضرورة
لا خلاف يين الفقهاء على حل تناول النجس أو المحرم في الجملة، أو ما اشتمل على أي منهما، إذا دعت إليه ضرورة الغذاء أو الحاجة إليه، وتوافرت شروط أي منهما في حق المتناول(1).
ومما يدل لهذا الحكم ما يلي:
الكتاب الكريم:
1- قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه}(2).
وجه الدلالة من الآية:
أفادت الآية الكريمة أن ما اضطر إليه المرء، فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب، حيث أسقط الله سبحانه وتعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه .
2- قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَـاغٍ وَلاَ عَــادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيم}(3).
وجه الدلالة من الآية:
أفادت الآية حل تناول النجس أو المحرم عند الضرورة إليه، إذا توافرت شروطها.
– مدى توافر حال الضرورة الغذائية في زماننا:
إذا استعرضنا الحالات التى قد يضطر معها المرء إلى التغذي على المحرم أو النجس في زماننا، فإنا نجد أنها حالات نادرة للغاية، وذلك لتنوع المنتجات الغذائية وتنوع مصدرها في ظل الأنظمة الاقتصادية العالمية السائدة، مما يصعب معه وجود حالة يتعين على المرء فيها أن يتناول من المحرم أو النجس، استبقاء لمهجته، أو وجود حالة يكون المرء في حاجة معها إلى هذا التناول حتى لا يقع في حرج وضيق، مما يمكن القول معه بندرة توافر حال الضرورة أو الحاجة المقتضيان لإباحة التناول من الغذاء المشتمل على نجس أو محرم.
المقصد الثاني
تناول أو استعمال المنتجات الدوائية المشتملة على نجس أو محرم
حال الضرورة
اختلف الفقهاء في حكم تناول أو استعمال الأدوية، المشتملة على مواد نجسة أو محرمة، إذا دعت الضرورة إليها، سواء كانت المواد النجسة أو المحرمة من قبيل المواد المسكرة أو المأخوذة من بعض أجزاء الخنزير أو نحو ذلك، ولهم فيه مذهبان:
المذهب الأول:
يرى أصحابه إباحة التداوي بالمحرم أو النجس، أو بما اشتمل على أي منهما في حال الضرورة، وهو قول بعض الحنفية، وما عليه مذهب الشافعية، وإليه ذهب الظاهرية(1).
المذهب الثاني:
يرى من ذهب إليه عدم جواز التداوي بالنجس أو المحرم أو بما اشتمل على أي منهما، وإن دعت إليه الضرورة، وهو مذهب جمهور الحنفية، ومذهب المالكية، والحنابلة(2).
أدلة المذهبين:
استدل أصحاب المذهب الأول على جواز التداوي بالمحرم أو النجس أو بما اشتمل على أي منهما حال الضرورة بما يلي:
أولاً: الكتاب الكريم:
قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه}.
وجه الدلالة من الآية:
أسقط الله سبحانه ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه، فكل محرم هو عند الضرورة حلال، إلا لحوم الآدميين، وما يقتل من تناوله عند الظاهرية، وكذا المسكرات عند غيرهم، والتداوي بمنزلة الضرورة، فيباح فيه تناول هذه المحرمات للتداوي بها، استنادًا إلى هذه الآية .
ثانيًا: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
ا- روى عن أنس رضى الله عنه (أن رهطًا من عرينة أتوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضاؤنا، فأمرهم النبـي (صلى الله عليه وسلم) أن يلحقوا براعي الأبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صلحت بطونهم وأبدانهم)(1).
2- روى عن أنس رضى الله عنه قال: (رخص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما أو وجع)(2).
وجه الدلالة منهما:
أفاد الحديث الأول حل التداوي بشرب أبوال الإبل، وهى نجسة، ولو كانت من مأكول اللحم، عند جابر بن زيد والحسن البصري، وسعيد بن المسيب وحماد، وأبي حنيفة وأبي يوسف، وجمهور الشافعية(3)، فدل الحديث على جواز التداوي بالنجس، وبما يحرم تناوله؛ لأن كل نجس محرم التناول، وأفاد الحديث الثاني: حل التداوي بلبس الحرير، وهو مما يحرم على الرجال لبسه حال الاختيار، فدل على حل الاستشفاء بلبسه، وقد كان التداوي بالنجس أو المحرم في الحديثين عند الضرورة إلى ذلك، ولهذا رخص فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
– اعترض على الاستدلال بالحديثين:
بأن الاستشفاء بالنجس أو المحرم في الحديثين، خاص بمن رخص لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيه، فلا يفيد الحديثان حكمًا عامًّا في حق غير من ورد ذكرهم في الحديثين(4).
– أجيب عنه:
بأن دعوى الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ولا دلالة في الحديثين على اختصاص الحكم فيهما بمن رخص لهم في التداوي بالنجس أو المحرم(5).
واستدل أصحاب المذهب الثاني على حرمة التداوي بالنجس أو المحرم عند الضرورة إليه بما يلي:
أولاً: الكتاب الكريم:
قالى تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.
وجه الدلالة من الآية:
حرم الشارع كل خبيث، والنجس أو المحرم خبيث، فدلت الآية على حرمة التداوي بهما، وإن دعت إليه الضرورة.
ثانيًا: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:
ا- روى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)(1).
وجه الدلالة منه:
أفاد الحديث حرمة التداوي بالمحرم مطلقًا، سواء كانت حرمته بسبب نجاسته أو غيرها.
2- روى عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الدواء الخبيث)(2) .
وجه الدلالة منه:
أفاد الحديث حرمة التداوى بالدواء الخبيث، وقد قيل: إن الخبيث هو النجس المحرم(3)، فدل الحديث على حرمة التداوي بالنجس أو المحرم وإن دعت إليه الضرورة.
تأول بعض العلماء هذين الحديثين، بأن النهي عن التداوي بالمحرم أو الخبيث، إنما هو عند عدم الضرورة أو الحاجة، لإمكان الاستغناء بالحلال الطاهر عن المحرم أو النجس(4).
الرأي الراجح:
والذي أميل إليه هو مذهب القائلين بحل التداوي بالمحرم أو النجس، إذا دعت إليه الضرورة وتوافرت شروطها، ومثلها في ذلك الحاجة إلى التداوي بهما عند توافر شروطها، لما استدلوا به على مذهبهم، وللجمع بين الأحاديث الواردة في التداوي بالنجس أو المحرم، فتحمل أحاديث النهي عن التداوي بهما على حال الاختيار، والأحاديث المقيدة لحل التداوي بهما على حال الضرررة، وقد قال بهذا الجمع كثير من العلماء، وهذا خير من إعمال بعض الأحاديث وإهمال البعض الآخر، أو ادعاء خصوصية إباحة التداوي بالمحرم أو النجس بمن ورد ذكرهم في هذه الأحاديث، لأن الأصل عدم الخصوصية، إلا أن يقوم عليها دليل، ولا دليل، فيكون الحكم فيها عامًّا في حق الجميع.
وإن كنت أرى أنه في زماننا هذا، الذي قفز فيه التقدم التكنولوجي قفزات واسعة في مجال صناعة الدواء، بحيث تنوعت المواد العلاجية، وتعددت مصادرها، وأشكالها الصيدلانية، والشركات المنتجة لها، يصعب أن تتوافر شروط حال الضرورة أو الحاجة، المقتضية تناول أو استعمال الدواء المحرم أو النجس، لوجود البدائل المباحة الطاهرة للأدوية المختلفة.
المقصد الثالث
تناول المنتجات الغذائية المشتملة
على مواد ضارة بالصحة حال الضرورة
إن حفظ النفس من المقاصد الضرورية، ولهذا شرعت أحكام كثيرة لتحقيق هذا المقصود الشرعي، ومن بين هذه الأحكام شرعية التناول من المحرم إذا كان يتحقق به حفظ المهجة، واستبقاء النفس إذا أشرفت على الهلاك، ولم يكن ثمة مباح يتحقق به ذلك، وإنما أبيح التناول من المحرم في هذه الحالة، لما قد يكون فيه من نفع .
وأما ما يتيقن أو يغلب على الظن اشتماله على إضرار بأعضاء البدن في الحال أو في المال، أو يؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة أو لا يرجى البرء منه، أو يودي بحياة متناوله، فإنه لا يباح في حال الاختيار، ولا في حال الضرورة كذلك، لأنه لا نفع فيه أصلاً أو غلب ضرره على النفع الذي يرجى منه.
ومن الإضافات الغذائية السابق الإشارة إليها، ما له أثر مدمر لبعض أعضاء البدن، ومنها ما يسبب السرطان أو الفشل الكلوي، أو الكبدي، أو يؤدي إلى التسمم، أو نحو ذلك من أضرار، فإذا أخذ في الاعتبار أن ما يمنع في بعض البلاد من هذه الإضافات لآثاره الضارة، قد يسمح به في بلاد أخرى لم تصلها نتائج تحاليل هذه الإضافات، أو ليس لديها من الأجهزة ما يمكنها من كشف أضرارها، وفي غيبة الرقابة على المنتجات الغذائية أو ضعفها، يكون ثمة إفراط في استعمال هذه الإضافات، بغية تحقيق الربح، ومن ثم فإن الضرر منها يكون أكثر، ولهذا فينبغي منع استخدام ما ثبت ضرره من هذه الإضافات في الصناعات الغذائية، وعدم التوسع في استخدام ما لم يتم الكشف عن آثاره منها، لدرء المفسدة التي قد تنجم عنها بقدر الاستطاعة، إذا تبين مستقبلاً أن لها آثارًا ضارة بالجسم.
نتائج البحث
1- تتعدد المواد النجسة الداخلة فى المنتجات الغذائية والدوائية؛ فمنها الجيلاتين الخنزيرى المستخلص من عظام الخنازير وجلودها، الذى يدخل في تصنيع بعض الأغذية والأدوية، ومنها شحم الخنزير الذى يدخل فى تصنيع ذلك أيضًا، والأنسولين الخنزيرى الذى يصنع منه مخفض السكر بالدم البشرى، وخميرة الببسين الخنزيرية التى يحضر منها الجبن، ومنها إنفحة الميتة الق يحضر بها الجبن، والدماء المسفوحة من الحيوانات مأكولة اللحم وغيرها، التي تدخل فى صناعة الغذاء، ومن المواد ما هو مسكر كالكحول الذى يدخل فى بعض المصنوعات الغذائية والدوائية، ومنها ماهو ضار كبعض المواد المنكهة أوالملونة أو الحافظة أو المساعدة على التصنيع.
2- إن استحالة هذه المواد بالتصنيع يقتضى انقلاب حقيقتها إلى حقيقة أخرى، لها صفات فيزيائية وكيميائية تختلف عن الأولى، والاستحالة بهذا المفهوم تختلف عن اتحاد المواد كيميائيًّا، بحيث تتفاعل عدة مواد مخلوطة تفاعلاً كيميائيًّا، لتتحد معا مكونة مركبًا كيميائيًّا، له صفات فيزيائية وكيميائية مختلفة عن مكونات الخليط، كما تختلف الاستحالة عن الخلط بين المواد، الذى ينتج عنه تداخل مادة فى مادة أو أكثر، ليتكون من ذلك مخلوط أو مزيج أو مستحلب أو محلول، إلا أن كل مكون فى الخليط يحتفظ بصفاته وآثاره.
3- من المواد السابقة ما يصدق عليه أنه استحال بالتصنيع، ومنه ما لا يصدق عليه ذلك، فأجزاء الخنزير التي تدخل فى صناعة الأغذية والأدوية المختلفة، وإن قيل بأنها تستحيل بالتصنيع، إلا أن استحالتها ليست كاملة، حيث يمكن بعد التصنيع معرفة الأصل الخنزيرى الداخل في المنتج، وأما الدماء المضافة إلى الأغذية أو الإضافات المنكهة أو الملونة ونحوها، والمواد المسكرة المضافة إلى الغذاء والدواء، فإنها لا تستحيل بالتصنيع فيما أضيفت إليه، وإنما يبقى أثر المسكر وخصائصه فى المنتج بعد التصنيع.
4- لا أثر للاستحالة فى انقلاب النجس طاهرًا والمحرم مباحًا، وفقًا للراجح من أقوال الفقهاء، ومن ثم فإن المود النجسة أو المحرمة التي تدخل في تصنيع الغذاء والدواء، لا تنقلب أعيانًا طاهرة أو مباحة بالتصنيع، وحتى على قول من يرى أن للاستحالة أثر فى النجس أو المحرم، فإن هذه المواد لا يصدق عليها أنها استحالت بالتصنيع إلى عين أخرى؛ لأن أجزاء الخنزير لا تستحيل استحالة كاملة، والمواد النجسة أو المحرمة الأخرى غير الخنزير يصدق عليها أنها مخلوطة إلى ما صنع منه الغذاء أو الدواء، والخلط غير الاستحالة، ومن ثم فإن جميع هذه المواد باقية على حكمها الذى كانت عليه قبل التصنيع.
5- يحرم تناول أجزاء الخنزير، والدم المسفوح، والمسكر، والميتة، والمواد الضارة بصحة الآدميين حال الاختيار، باتفاق الفقهاء، ويحل تناول النجس أو المحرم أو ما اشتمل على أى منهما حال الضرورة أو الحاجة، إذا توافرت شروطهما، ولم يكن فى تناولهما ضرر، وعلى هذا اتفاق الفقهاء، وأما تناول ما فيه إضرار بالآدمى فلا يحل باتفاق ولوكان فى حال ضرورة.
6- يباح التداوى بالمحرم أو النجس أو ما اشتمل على أي منهما، حال الضرورة أو الحاجة إذا توافرت شروطهما.
7- إن حال الضرورة أو الحاجة، المقتضية إباحة النجس أو المحرم فى الغذاء أو الدواء، قد لا توجد فى زماننا إلا نادرًا، نظرًا لتعدد مصادر الغذاء والدواء، وتنوع أصوله وأشكاله، والبلاد المنتجة له، وتوافر كثير من البدائل المباحة الطاهرة، مما يجعل توافر حال الضرورة أو الحاجة مجرد صورة فرضية فى هذا العصر.
(*) بحث مقدم إلى مؤتمر (الاجتهاد فى قضايا الصحة والبيئة والعمران)، الذى عقدته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة اليرموك بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامى والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة فى الفترة من 3-4 تشرين ثانى 2002م .
(1) أ . د. وفيق الشرقاوي: (الجيلاتين) بحث مقدم إلى ندوة الكويت الفقهية الطبية الثامنة المنعقدة في 22/ 5/ 1995م. ص ا-6، د. محمد الهواري: الطعام والشراب بين الحلال والحرام. بحث مقدم إلى الندوة السابقة. ص 8- 10.
(2) أ. د. محمد عبد السلام : مشكلة استخدام المواد المحرمة في المنتجات الغذائية والدوائية (بحث مقدم إلى الندوة الكويتية السابقة)، ص 4-5، الطعام والشراب بين الحلال والحرام / 70.
(1) مجموعة من العلماء: مبادئ علم الأدوية والعلاج/ 144-145، مجموعة من العلماء: الموسوعة العربية الميسرة/ 244 .
(2) الإنفحة: شىء يستخرح من بطن الجدى الراضع، يعصر في صوفه، ويغلظ به الجبن، الفيرور آبادي: القاموس المحيط ا / 2620.
(3) الطعام والشراب بين الحلال والحرام/ 10- 11.
(4) البابرتي: العناية، ابن الهمام: فتح القدير على الهداية 64/1، 65، 82، الشيخ عليش: منح الجليل 1/ 600، النووى : المجموع 215/1، 9 /5، ابن قدامة: المغني 66/1، 70، 82، ابن حزم: المحلى 153/1، 161، 7 / 388، 64/8، القرطبـي: الجامع لأحكام القرآن 222/2.
(5) من الآية 145 من سورة الأنعام.
(1) الكاساني: بدائع الصنائع 5 /43، شرح الخرشي 85/1، الشربيني: مغنى المحتاح 1/ 80، المغني 74/1.
(2) ابن عابدين: رد المحتار 138/1، شرح الخرشى 85/1، المجموع 2 / 576، ابن تيمية: الفتاوى 21/ 103 .
(3) الحصافى: الدار المختار ورد المحتار 138/1، المغني 74/1.
(4) المغني 74/1.
(1) رد المحتار 1 / 138.
(2) المغني 1/ 74.
(3) المصدران السابقان.
(4) رد المحتار 138/1.
(1) مشكلة استخدام المواد المحرمة في المنتجات الغذائية والدوائية / 5-6، الطعام والشراب بين الحلال والحرام / 8.
(2) الهداية والعناية 171/1، عبدالسميع الآبى: جواهر الإكليل 1/ 11-12، الكوهجي: زاد المحتاج 1 /74، المغني 32/1، المحلي 133/1.
(3) تحته: أي تحكه لتزيل عين الدم، وتقرصه: أى تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها؛ ليتحلل بذلك ويخرج ما يشربه الثوب، وتنضحه: أى تغسله، والحديث أخرجه الشيخان (صحيح البخاري 1 /65، صحيح مسلم 136/1).
(1) أخرجه الثسيخان (صحيح البخاري 658، صحيح مسلم 1/ 262).
(2) ابن رشد: بداية المجتهد 79/1، ابن العربي: أحكام القرآن/ 53.
(1) مشكلة استخدام المواد المحرمة في المنتجات الغذائية والدوائية/6-7.
(2) الطعام والشراب بين الحلال والحرام/ 20.
(3) د. رجائي: المواد النجسة والمحرمة في الغذاء والدواء/ 16 .
(1) د. عبد الآخر: بحث إعلامي حول الاستغناء عن المحرمات والنجاسات في الدواء والغذاء، بحث مقدم إلى ندوة الكويت الثامنة، المنعقدة في 1990م.
(1) د. نبيل الطويل: الخمر ومضارها على الجسم والعقل / 22، المواد النجسة والمحرمة في الغذاء والدواء/3، د، عثمان: التصنيف الكيميائى للمسكرات والمخدرات/8-9، 11-16 .
(1) Jacaboon, H. F. eatera Digest : The Consumers Factbook of Food Additives. 1976.
– د. علي كامل: المواد المضافة للأغذية/ 32-35.
(1) ابن عابدين: رد المحتار 1/ 210.
(2) الحطاب: مواهب الجليل 1/ 97.
(3) د. محمد الهوارى : استحالة النجاسات (بحث مقدم إلى ندوة الكويت الفقهية الطبية الثامنة 1995م)، ص 2.
(4) د. أبو الوفاء عبد الآخر: الاستغناء عن المحرمات والنجاسات/25.
(1) د. يحيى خواجي، د. عبد الآخر: إعادة النظر فى فتاوى إباحة المطعومات المخلوطة بالمحرمات/ 5-6.
(2) المصدر السابق.
(1) مناقشات الندوة الفقهية الطبية الكويتية الثامنة 1995 م.
(2) جواب عن سؤالي لها عن هذا الموضوع .
(1) باستثناء الخمر تتحول إلى حل بنفسها أو بتخليلها، حيث اختلف الفقهاء في حكم عينها بعد هذه الاستحالة.
(2) فتح القدير 176/1، الدردير: الشرح الكبير 1 / 50، مغني المحتاج 1/ 81، المغني 72/1.
(3) ابن نجيم: البحر الرائق 239/1، شرح الخرشي 88/1، فتاوى ابن تيمية 21/ 68، ابن القيم: إعلام الموقعين 12/1، المحلى 166/1 ، 178 .
(4) الجلالة من الدواب: التي تأكل العذرة والجيفة، والحديث أخرجه الترمذى وقال: حسن غريب (سنن الترمذي 4 / 270).
(5) أخرجه أبو داود والنســـــــــائى والترمذي وغيرهم من أصحاب السنن بأسانيد صحيحــــة، وقال عنه الترمذى: حسن صحيح. (الشوكاني: نيل الأوطار 139/8).
(1) الشيرازي: المهذب 1/ 48 .
(2) المغني 98/2.
(3) من الآية 157 من سورة الأعراف.
(4) الإهاب: هو الجلد أول ما يوضع في الدباغ، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه 3/ 176 .
(1) رد المحتار 1/ 210، أسهل المدارك ا / 40، المغني72/1.
(2) المحلى 1/ 166، 178.
(3) البحر الرائق 1/ 57، رد المحتار 1/ 210 .
(4) إعلام الموقعين 1/ 12 .
(1) فتح القدير 64/1، منح الجليل 1/ 600، النووى: المجموع 5/9، ابن قدامة: الكافي 1/ 489، المحلى 388/7.
(2) من الآية 3 من سورة المائدة .
(1) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 7/2، القرطبى: الجامع لأحكام القرآن 2/ 222، الجصاص: أحكام القرآن 1/ 124 .
(2) المجموع 25/9، المقدسى: الشرح الكبير 11/ 67، المحلى 388/7، 392، القرطبـى: الجامع لأحكام القرآن 2/ 223.
(3) الدر المختار ورد المحتار 1/ 138، أبو الحسن: كفاية الطالب الرباني 53/2، مغني المحتاج 1/ 80، المغني 1/ 74 .
(4) كفاية الطالب الرباني2/ 53، ابن جزى: القوانين الفقهية / 157، المحلى 127/8.
(1) المغنى 74/1، 8 / 162.
(2) المحلى 127/8 .
(3) ابن رشد: بداية المجتهد 1/ 467 .
(4) من الآية 145 من سورة الأنعام .
(1) السرخسي: المبسوط 24/ 14، 17، رد المحتار 4 /215، 6/ 449، 451، بدائع الصنائع 2935/6، منح الجليل 522/4، حاشية الدسوقي 4/ 352، ابن عبد البر: الكافي في فقه أهل المدينة / 188 ، المجموع 9/ 41، الرملي: نهاية المحتاج 8/ 11، 12 مغني المحتاج 4/ 186، المغني 8/ 305، 308، البهوتي: كشاف القناع 77/2، 6/ 113، 116، المحلى 1 / 177، 7/ 404، 478 .
(2) الآية 90 من سورة المائدة.
(3) أخرج الروايتين مسلم في صحيحه 6/ 101.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 125 .
(2) أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، وصححه الحاكم على شرط الشيخين (ابن بلبان: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 10 / 69، الحاكم: المستدرك 218/4).
(3) العيني: عمدة القارئ 3/ 34، رد المحتار 4/ 215، 249/5، نيل الأوطار 1/ 49، عون المعبود 0 1/ 352.
(1) من الآية 195 من سورة البقرة.
(2) من الآية 29 من سورة النساء.
(3) من الآية 157 من سورة الأعراف.
(4) أخرجه البيهقي وابن ماجة والدارقطنى في سننهم وأحمد في مسنده، وصحح الحاكم إسناده (مسند أحمد 313/1، المستدرك 57/2، السنن الكبرى 69/6، سنن ابن ماجة 2 / 784، سنن الدارقطنى 3/ 77).
(5) السيوطي: الأشباه والنظائر/286.
(1) بداية المحتهد 1/ 476، المجموع 9/ 52، فتاوى ابن تيمية 24/ 268، المحلى 177/1.
(2) من الآية 119 من سورة الأنعام .
(3) الآية 145 من سورة الأنعام.
(1) رد المحتار 4/ 215، المجموع 9/ 50 ، المحلى 7/ 426 .
(2) رد المحتار 4/ 215، ابن رشد: المقدمات الممهدات 3/ 466، كشف القناع 6/ 200 .
(1) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين (صحيح البخاري 9/4، صحيح مسلم 11/ 154).
(2) أخرجه الشيخان في صحيحيهما (صحيح البخاري 4 / 32، صحيح مسلم 234/2).
(3) العناية 1/ 101، الشيرازي: المهذب 46/1، المحلى 1 / 222 ، 239، العيني: عمدة القارئ 3/ 33.
(4) الهداية ا / 102، عمدة القارئ 3/ 33.
(5) نيل الأوطار 1/ 49.
(1) أخرجه أبو داود في سننه وسكت عنه، وقال الشوكاني: في سنده إسماعيل بن عياش، وفيه مقال، إلا أنه إذا حدث عن الشاميين فهو ثقة، وقد روى هذا الحديث عن الشاميين (سنن أبى داود 3/ 335، نيل الأوطار 9/ 93).
(2) أخرجه الحاكم وصحح إسناده، وسكت عنه الترمذي، ورمز له السيوطى بالصحة (المستدرك 4/ 410، سنن الترمذي 6/ 244، السيوطى: الجامع الصغير مع فيض القدير للمناوى 6/ 314).
(3) ابن العربي: عارضة الأحوذي 8 / 203.
(4) المجموع 9/ 51، 53، السنن الكبرى 5/10، رد المحتار 5/ 249 .
ثبت بأهم مصادر البحث
أولا: القرآن الكريم.
ثانيا: كتب التفسير وأحكام القرآن:
ا- أحكام القرآن: أحمد بن على الرازى الجصاص، دار الكتاب العربي، بيروت.
2- أحكام القرآن: محمد بن عبد الله (ابن العربى) دار الجيل، بيروت.
3- تفسير القرآن العظيم: إسماعيل ابن كثير القرشى، مكتبة عيسى الحلبـى، القاهرة.
4- الجامع لأحكام القرآن: محمد بن أحمد القرطبـى، دار الكتب المصرية، القاهرة.
ثالثًا: كتب السنن والآثار وشروحهما:
1- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: رتبه علاء الدين بن بلبان الفارسى، دار الكتب العلمية، بيروت.
2- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستانى، المكتبة العصرية، بيروت.
3- سنن الترمذى: محمد بن عيسى ابن سورة السلمى، مطابع الفجر الحديثة، حمص.
4- سنن الدار قطنى: على بن عمر الدار قطنى، دار المحاسن، القاهرة.
5- السنن الكبرى: أحمد بن الحسين البيهقى، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن.
6- سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزوينى، دار الفكر العربى، بيروت.
7- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، عالم الكتب، بيروت.
8- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج النيسابورى، دار إحياء التراث العربى، بيروت.
9- عارضة الأحوذى: محمد بن عبد الله (ابن العربي) دار العلم للجميع، بيروت.
10- عمدة القارى: محمد بن أحمد العيني، مطبعة مصطفى الحلبى، القاهرة
11- عون المعبود: محمد شمس الحق آبادى، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
12- المستدرك: محمد بن عبد الله الحاكم، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب.
13- مسند أحمد بن حنبل: المكتب الإسلامى، بيروت.
14- نيل الأوطار: محمد بن على الشوكانى، المكتبة التوفيقية، القاهرة.
رابعًا: كتب الفقه الإسلامى:
أ- كتب الفقه الحنفى:
1- البحر الرائق: زين الدين بن نجيم، دار المعرفة، بيروت.
2- بدائع الصنائع: أبو بكر بن مسعود الكاسانى، مطبعة الإمام، القاهرة.
3- الدر المختار: محمد بن على الحصكفى، ورد المحتار عليه: محمد أمين ابن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
4- المبسوط: محمد بن أحمد السرخسى، مطبعة السعادة، القاهرة.
5- الهداية: على بن أبى بكر المرغينانى، وفتح القدير عليه: كمال الدين بن الهمام، والعناية على الهداية: محمد بن محمود البابرتى، دار إحياء التراث العربى، بيروت.
ب- كتب الفقه المالكى:
1- بداية المجتهد: محمد بن أحمد بن رشد، دار المعرفة، بيروت.
2- جواهر الإكليل: صالح بن عبد السميع الآبي، مكتبة عيسى الحلبى، القاهرة.
3- حاشية الدسوقى: محمد بن عرفة الدسوقى، على الشرح الكبير: الشيخ أحمد الدردير، مكتبة عيسى الحلبى، القاهرة.
4- القوانين الفقهية: محمد بن أحمد ابن محمد (ابن جزى الكلبـي) دار العلم، بيروت .
5- الكافى فى فقه أهل المدينة: يوسف بن عبد الله بن عبد البر، دار الكتب العلمية، بيروت.
6- كفاية الطالب الربانى: علي بن خلف المنوفي، دار الفكر، بيروت.
7- المقدمات الممهدات: محمد بن أحمد بن رشد، دار الغرب الإسلامى، بيروت.
8- منح الجليل: الشيخ محمد عليش، مكتبة النجاح، ليبيا.
ج- كتب الفقه الشافعى:
1- زاد المحتاج: عبد الله بن حسن الكوهجى، إدارة إحياء التراث، قطر.
2- المجموع: يحيى بن شرف النووى، مطبعة التضامن الأخوى، القاهرة.
3- مغنى المحتاج: محمد بن أحمد الشربينى الخطيب، المكتبة التجارية، القاهرة.
4- المهذب: إبراهيم بن على بن يوسف الفيروزآبادى، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
5- نهاية المحتاج: محمد بن أحمد الرملى، مكتبة مصطفى الحلبى، القاهرة.
د- كتب الفقه الحنبلى:
1- الفتاوى الكبرى: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مكتبة المثنى، بغداد.
2- الكافى: عبد الله بن قدامة المقدسى، المكتب الإسلامى، بيروت.
3- كشف القناع: منصور بن يونس البهوتى، مكتبة النصر الحديثة، الرياض.
4- المغنى: عبد الله بن قدامة المقدسى، عالم الكتب، بيروت.
هـ- كتب الفقه الظاهرى:
– المحلى: على بن أحمد بن سعيد بن حزم، دار التراث، القاهرة.
خامسًا : كتب وموسوعات علمية:
1- أعمال ندوة الكويت الفقهية الطبية الثامنة، المنعقدة فى 1995م، طبع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الكويت.
2- التصنيف الكيميائى للمسكرات والمخدرات: د. صلاح أحمد عثمان، طبع أوفست.
3- حكم التداوى بالمحرمات: أ. د. عبد الفتاح إدريس، دار النهضة العربية، القاهرة.
4- الخمر ومضارها على الجسم والعقل: د. محمد على البار. مطبعة دار التراث.
5- مبادئ علم الأدوية والعلاج: مجموعة من العلماء، مطبعة انترناشيونال برس، القاهرة.
6- المواد المضافة للأغذية: د. على كامل الساعد، الشركة الجديدة للطباعة، عمان.
7- الموسوعة العربية الميسرة، مجموعة من العلماء، إشراف محمد شفيق غربال، دار نهضة لبنان، بيروت.