يتجه الفقهاء المسلمون المحدثون عند مقارنة الشريعة الإسلامية بالنظم الدستورية الغربية إلى إدراج قواعد النظام السياسي الإسلامي وعناصره ومعاييره تحت التقسيمات والقوالب الغربية. ومن أهم هذه النظم التى أدراجها هؤلاء الفقهاء نظم الولايات والحرمات والمباحات التى أدرجوها تحت مصطلح الحريات العامة(1) وهذه النظم، وإن اتفقت مع نظام الحريات العامة الغربي في أصل تكريم الإنسان فإنها تختلف عنه اختلافا جوهريا ويترتب على إدراجها نتائج خطيرة لا أعتقد أن من أخذ بمصطلح الحريات العامة بديلا عنها يقبلها أو يرضاها(2). وهذه الاختلافات وتلك النتائج تدور معظمها حول أمور أربعة ستقتصر هنا على الخطوط الأساسية دون دراستها دراسة تفصيلية وهذه الأمور هى:
1- اختلافا الظروف التاريجية التى ظهر فيها كل من النظامين.
2- فقدان الفاعلية والتأثير والمرونة لكل من المصطلحات الغربية والإسلامية.
3- تناقص الحريات العامة مع عقيدة التوحيد الإسلامية.
4- مضاد فكرة الحرية في مجال العقيدة، لفكرة الدين نفسه.
أولا: اختلاف الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور كل من المصطلحات الإسلامية والغربية:
ظهر مصطلح الحريات العامة في الغرب لمواجهة استبداد الملوك والكنيسة الكاثوليكية وما تبع هذا الاستبداد من تصرفات وأحكام في مواجهة العلم والفكر ولمواجهة الطبقات البرجوازية التى كانت تبحث لها عن دور في إدارة شئون مجتمعاتها بصورة تحقق مصالح هذه الطبقات. كما كان لتصرفات الكنيسة الكاثوليكية وأحكامها في مواجهة العلم- هذه لتصرفات وتلك الأحكام التى كانت تنسب في القصور الكنسي للدين نفسه- أثرها في ظهور حريتى العقيدة والرأى، ولو كان من شأن ممارستها الخروج على الدين أو الاستهزاء به وهدم أسسه وهو الأمر الذى لايتفق مع الإسلام- فالحرمات والولايات والمباحاث، وإن كانت قررت في الإسلام لتكريم الانسان، فإنها نبعث من الدين نفسه واتفقت مع مقصد التكريم وهو الوصول إلى تقوى الله والإيمان به لا الخروج عليه، ثم إن ظهور الإسلام في الجزيرة العربية حيث لم يعرف سكانها ضغوطا للسلطة سواء كانت سلطة مدنية أو كنسية تتطلب من الأفراد حريات أو حقوقا في مواجهتها ففي ظل مجتمع قبلى يربط بين أفراده رابطة الدم والقرابة ما كان يمكن لهؤلاء الأفراد أن يفقدوا شعورهم بذواتهم وباستقلالهم الفردي(3) وبالتالي فإنهم والحرية واقعهم الفعلي ، ما كانوا في حاجة إلى تقرير حريات لهم وإنما كانوا في حاجة إلى أن تضبط هذه الحريات الواقعية التي لم تصل إلى مستوى الفكرة بما يحقق مايستهدفه الإسلام من توحيد لله وغرس تقوى الله وخشيته في نفوس المسلمين.
ثانيا: فقدان كل من المصطلحات الإسلامية والغربية لفعاليتها وتأثيرها:
أ- إن الأخذ بمصطلح الحريات العامة بدلا من مصطلحات الولايات والحرمات والمباحاث لايحقق المرونة التي دعت إلى الأخذ به. ويشرح الأستاذ محمد أسد ( ليوبولد فايس سابقا )(4) ذلك فيقول: إن الشخص الأوروبي أو الامريكي عندما يستخدم هذه المصطلحات، إنما يستخدمها وفي ذهنه أحداث تاريخ الغرب الذي صنعها في حاضره وماضيه كله وفي حدود التطورات موضعها الطبيعي فحسب ولكنها تصبح سهلة الفهم معروفة المقاصد فذكرها يحشد في الذاكرة كل الصور الذهنية لما حدث في الماضي، وما قد يحدث في المستقبل خلال التطور التاريخي للغرب ولعل هذا هو السر في أن هذه المصطلحات استطاعت أن تساير سنة التغيير التي تخضع لسلطاتها كل الأفكار البشرية- فمعظم المصطلحات السياسية والاجتماعية تدل على معان تختلف كل الاختلاف عن المعاني التي اكتسبتها عندما تكونت في الأصل. ولكن سنة التغيير هذه تظل ماثلة في ذهن المفكر الغربي وإدراكه مما أعطاه القدرة دائما على مراجعة وتعديل مصطلحاته كشئ هو في حاجة مستمرة إلى المراجعة والتعديل ومثل هذه المرونة تختفى عندما تأتي أمة من الأمم انتسبت إلى حضارة مختلفة عن الحضارة الغربية ومرت خلال تجارب تاريخية متنوعة، فتقتبس هذه المصطلحات السياسية كما استعملت في الغرب وتستخدمها، عندئذ تبدو لها مثل هذه المصطلحات وكأنها تحمل في ذاتها معان مطلقة لاتتغير ولاتتبدل غافلة في ذلك عن مراحل التطور التاريخي التي مرت خلالها الأمر الذي يؤدي إلى جمود تفكير الأمة السياسي وهو الجمود الذى طنت أنها باقتباسها هذه النظم الجديدة ستعمل على الخلاص منه.
ب- إن نقل مصطلح الحريات العامة إلى المجتمع الإسلامي يحرم المصطلحات الإسلامية المقابلة: الولايات، والحرمات، والمباحاث من إشعاعها وتأثيرها في نفوس المسلمين في الوقت الذي لايكون للمصطلحات الغربية المنقولة إلى المجتمع الإسلامي نفس الإشعاع ونفس التأثير اللذين تتمتع بهما في مجتمعاتها فقد مات الآلاف منهم في سبيل تقرير هذه الحريات- لذلك كان لكلمة الحرية تأثيرها وإيحاءاتها بالنسبة لهؤلاء الأفراد- كما أن ذكر هذه الكلمات كما تبن لنا الاستاذ محمد أسد ( الفقرة السابقة ) (( يحشد في الذاكرة كل الصور الذهنية لما حدث في الماضي، زما يمكن أن يحدث في المستقبل خلال التطور التاريخي للغرب )) – ولذلك كان للعدوان على هذه الحريات أثره البالغ. فى الحياه الاجتماعية والسياسية في هذه البلاد فإذا نقل المصطلح بعد ذلك إلى المجتمعات الإسلامية، فإنه لايكون له في هذه المجتمعات ذلك الاشعاع والتأثير الذي يتمتع به في المجتمعات الغربية وفي الوقت نفسه يحرم المصطلحات الإسلامية المقابلة الولايات والحرمات والمباحاث، بحلوله محلها وأبعاده لها، من أشعاعها أو تأثيرها الذى كانت تتركه هذه المصطلحات فى نفوس المسلمين، فالمسلم حسب عقيداته لاينبغى له أن يسكت عن العدوان على حرمة من حرمات الله ولا يتخلى عن ولاية ألزمة الله بها وأوجبها عليه ولكن إن استبعدنا هذه المصطلحات الإسلامية وأحللنا محلها المصطلحات الغربية فإنه يترتب على ذلك أن نفقد المصطلحات الإسلامية قدرتها في التأثير على مشاعر المسلمين دون أن يكون للمصطلحات التي حلت محلها نفس التأثير أو الاشعاع الذى تتركه في المجتمعات الغربية.
ولذلك كان- كما يعبر عن ذلك برنارد لويس (( بين النموذج السياسي الأوروبي وأيدولوجيته وبين المشاعر العميقة والرغبات الأصيلة لجماهير الشعب ( يقصد الجماهير الإسلامية ) هوة سحيقة واسعة ))(5).
ومما يؤكد المعنى المتقدم أنه يلزم لاستعادة أى مصطلح لفعاليته الرجوع به إلى ماضيه وربطه بهذا الماضى. ويشرح الاستاذ دليل برنز في كتابه المثل السياسية(6) فيقول: (( إن نقطة البدء في دراسة المثل الأعلى هو معنى الكلمة لارنينها لأن الرنين فقط ماهو إلا الجسد الذى تعيش فيه روح الكلمة أى معناعا فإذا قلنا أنه يجب أن نعلم ما كان الناس يقصدون بكلمة حرية فإننا نعني العاطفة التي دفعتهم إلى ابتكار هذه الكلمة وإذا كان معنى الحرية ( على سبيل المثال ) مازال قائما لم يندثر أمكننا في النهاية أن نعرف الكيفية التي نجعل لها من حاضرنا مستقبلا أفضل، إذ يجب أن يفرض أن مثل هذه الكلمات لو أنها مازالت تحمل معناها فقد يكون لها فعاليتها كقوى تعمل في ميدان السياسة فنرى لها أثرا في تشكيل التاريخ.. ويختلف هذا النوع من التاريخ اختلافا كبيرا عن تاريخ الحقائق وزمانها لأن الوسيلة المثلى لفهم معنى كلمة من الكلمات العظمى هى الإحساس بهذه الكلمات لا بذكر مدلولاتها- وليس في مقدور أحد أن يختبر الإحساس بتوجيه بعض الأسئلة وبقدر استحالة اعتماد هذا التاريخ على الذاكرة وحدها بقدر فائدته في الحياة العامة والذاكرة قد يستطاع تنميتها عندما يكون الإنسان صغيرا أما الشعور فهو أكثر أهمية في المرحلة الناضجة من الحياة- فإذا أحس الإنسان بما كان يحرك مشاعر اجداده غمرة ذلك النوع من الشعور الذي يمكنه من القضاء على شرور الحاضر وخلق الخير للمستقبل )).
ومن هنا لزم لاستعادة فعالية المصطلحات المنقولة إلى المجتمعات الإسلامية كمصطلح الحريات العامة أن نرجع إلى الماضي الذي نشأت في ظله هذه الكلمة أى تاريخ أوروبا وليس إلى تاريخ المسلمين. وهذا الماضى لايمكن أن يخلق عند المسلمين. وهذا الماضى لايمكن أن يخلق عند المسلم هذا الإحساس أو تلك العاطفة (( لما كان يحرك مشاعر أجداده ذلك النوع من الشعور الذي يمكن من القضاء على شرور الحاضر وخلق الخير للمستقبل )).
وبالتالي لن يكون لمصطلح الحرية أو الحريات العامة عند المسلم أى معنى أو فعالية فلن يكون لاستخدام كلمة الحرية أو مصطلحات الحرية العامة الفعالية أو المعنى الذى يحرك في المسلم الشعور أو الاحساس أو العاطفة التي تدعوه إلى التمسك بها ومواجهة أى عدوان عليها من جانب الحكام هذا فضلا عن أن استخدام هذه المصطلحات قد ينشأ عنه استبعاد المصطلحات الإسلامية المقابلة: الولايات والحرمات والمباحاث وهى مصطلحات لها فعاليتها ومعناها عند المسلم خاصة عندما تنمي عنده الشعور بها حتى يحس المسلم بما كان يحرك مشاعر أجداده ويتولد عنده الإحساس الذى يثير فيه القوة على العمل. وهذا كفيل به أن نربط بين هذه المصطلحات وعقيدتنا نحن المسلمين في توحيد الله- هذه العقيدة التي كانت وما زالت إحدى القوى المحركة لتاريخ البشرية.
ثالثا: التناقض بين مصطلح الحريات العامة وعقيدة التوحيد الإسلامي
أ- إن فكرة الحرية في بنائها النظرى تفترض وجود التزام أو حد أو قيد على السلطة العامة في الدولة فهى تمثل حقا في مواجهة الدولة باعتبارها كيانا مستقلا عن أفراد المجتمع الذى يشكل هذه الدولة(7). هذا الكيان المسمى بالدولة ليس له وجود في النظام الإسلامي. كما أن السلطة بمعناها الغربي ليس لها وجود أيضا في هذا النظام، حيث يكون الحكم والأمر في هذا النظام الله وحده، وحيث لايعتبر الحاكم سوى صاحب ولاية شرعية تقوم بتنفيذ أوامر الله ونواهيه(8).
ففي النظام الإسلامي حسب عبارة أبى حامد الغزالي صلى الله عليه وسلم والسلطان والسيد والأب والزوج، فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شئ بايجابهم بل بايجاب الله تعالى طاعتهم ولولا ذلك لكان لكل مخلوق أوجب على غيره شيئا كان للموجب عليه أن يقلب عليه الإيجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر إذ الواجب طاعة الله تعالى وطاعة من أوجب الله طاعتهم )).
ففي النظام الإسلامي لايعني وجود مصطلح حريات عامة بمعناها الغربي سوى الانتقاص من عبوديتنا لله جل وعلا، حيث تكون الحرية بهذا المعنى حدا أو قيدا أو التزاما على حكم الله جل وعلا قد يقال هنا إن الحرية لا تعتبر قيدا أو حدا على حكم الله وأمره وإنما هى حد على سلطان الحكام كحقيقة اجتماعية وسياسية ولكن أمامنا في هذه الحالة وضعان: ففي الوضع الأول أن يكون هذا السلطان خاضعا لحكم الله وأمره ومعبرا عن هذا الحكم وذلك الأمر،ففي هذا الوضع يكون القول بأن الحرية حد أو قيد على هذا السلطان هو في الحقيقة قول بأن الحرية حد أو قيد على حكم الله وأمره. هذا في الوضع الأول، أما في الوضع الثانى وهو وضع خروج سلطان عن حكم الله وهديه فإن معني عبوديتنا لله هو الذى يحكمها ويسودها، أو أن الخروج وعدم الالتزام من جانب الحاكم بحكم الله وأمره، فيه خروج وعدم الالتزام من جانب الحاكم بحكم الله وأمره، فيه خروج وعدم التزام بمعنى العبودية لله هو الذى يفسر ويحكم هذا هذا الخروج، وبذلك لانكون في حاجة لفكرة الحريات العامة لتفسير حكم خروج الحكام عن أوامر الله ونواهيه ويكون في اللجوء إلى الحريات العامة مع وجود معنى عبوديتنا لله بعد عن الاقتصاد في الاساليب الفنية، حيث نستخدم فكرتين لتفسير وضع واحد خاصة وأنه ينبغي علينا- نحن المسلمين- أن نفسر كافة أوضاعنا وفقا لعبوديتنا لله كلما كان ذلك ممكنا.
ب- إن مصطلحات الولايات والحرمات والمباحاث والتي استخدمها الإسلام وصولا إلى تكريم الإنسان تكريما يحقق عبوديته لله كان ولابد وأن يتفق مع معنى هذه العبودية- هذا فضلا عن ارتباط نظامها وأحكامها بهذه العبودية على الوجه الذى تعرضه فيما يلي
1- أن الولايات تقوم في جوهرها على ولاية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهى تتضمن بهذا المعنى وجوب مشاركة المسلمين في الحياة السياسية للجماعة الإسلامية وتحقيق إقامة الدين: وهى وإن كانت تتفق مع الحريات السياسية فإنها تختلف من عدة وجوه فأولا تعتبر الحرية حقا يتيح لصاحبه الاختيار بين مخاطر استعمال هذا الحق ومزاياه بينما تعتبر الولاية واجبا على المسلم متى توافر شروط إعمالها ثم أن صاحب الولاية ثانيا لا يستخدم ولايته للحد من سلطة ولى الأمر أو الحاكم حماية لنفسه، كما هو الحال بالنسبة للحريات وإنما يستخدمها إقامة للدين لمسائدة الحاكم إذا لم تكن لهذا الحاكم القدرة على القيام بمهام وظيفته- كما أن موضوع الولايات ثالثا يشمل كافة الأمور الذى تدخل في إقامة الدين وهى في هذا تختلف عن موضوع الولايات ثالثا يشمل كافة الأمور الذى تدخل في إقامة الدين وهى في هذا تختلف عن موضوع الحريات السياسية الذى يختلف موضوعه من حرية إلى أخرى.
( انظر عرض ذلك الموضوع ومراجعته في رسالتنا المرجع السابق ) وقد يقال أنه يمكن استخدام مصطلح الحريات السياسية مع بقاء المفاهيم الإسلامية لفكرة الولاية الشرعية، ولكن هذا القول يمكن الرد عليه من ثلاثة جوانب
أولها ــــ أن الاحتفاظ بهذه المفاهيم مع استخدام مصطلح الحرية يتناقص في بعض جوانبه مع المصطلح نفسه. ذلك أن ولاية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قد تحدد موضوعها في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فلو استبدلنا هذه الولاية بحرية الرأى على سبيل المثال نجد أن حرية الرأى قد تتضمن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما تتضمن غيره من الأمور التي لاتتفق مع الأمر بالمعروف ــــ والنهى عن المنكر. فلصاحب هذه الحرية أن يهاجم الدين، كما أن له أن يطالب بأمور لاتتفق مع أحكام الدين بحال من الأحوال. مثل الدعوة إلى إقامة مجتمعات للمرأة أو السخرية من الدين نفسه أو الاستهزاء بأحكامه.
ثانيها ــــ أن مصطلح يفيد الاختيار بين عدة أمور وهذا لايتفق مع الفكرة التي تقوم عليها الولاية وهى أنها واجب فالقول بأن الحرية تعتبر واجبا- وهذا نتيجة الأخذ بالمفاهيم الإسلامية للولاية يؤدى إلى التناقض مع مصطلح الحرية نفسها من حيث أن مصطلح الحرية يفيد الاختيار بين استخدام الحق في الحرية وعدم استخدامه.
ثالثهما ــــ أنه ليس ثمة مايدعو إلى استخدام مصطلح الحريات بديلا عن الولايات وخصوصا وأن فكرة الحريات السياسية لاتفسر لنا كثيرا من الولايات الشرعية التي تعتبر من فرائض الدين كإقامة الصلاة ومنع المنكر كالفواحش عموما وإماطة الأذى عن الطريق. إن استخدام مصطلح الحريات السياسية بدلا من الولايات الشرعية يؤدي إلى وجود فئتين من المصطلحات في النظام الإسلامي لكل فئة تسميتها الخاصة: فئة يطلق عليها مصطلح الحريات السياسية والفئة الثانية يطلق عليها مصطلح الولايات الشرعية، مع أن كلا الفئتين من طبيعة واحدة وتخضعان لنفس الأحكام.
2- إن الحرمات: حرمة النفس، وحرمة المال، وحرمة العرض، وحرمة السكن ـــ تختلف عن الحريات الغربية من وجهين:
الوجه الأول: أن فكرة الحرمات فكرة دينية تتصل بالحلال والحرم ويلتزم بمراعاتها كافة المسلمين وهى وفقا لهذا لاتقتصر على تفسير العلاقة بين المسلمين وولاة أمورهم فحسب بل وتفسير العلاقة بين المسلمين بعضهم ببعض حيث يجب على المسلمين مراعاة حرمات غيرهم وهى التي تفسر في الإسلام تحريم القتل والسرقة والربا وقذف المحصنات كما تفسر أيضا التزام الحاكم المسلم والمسلمين معه بمنع كل مايكون من شأنه إشاعة الفاحشة أو الفساد بين المسلمين بينما تقتصر الحريات الغربية على تفسير حماية الفرد من عدوان سلطة الدولة عليه من حيث عدم جولز القبض عليه دون إذن من الجهات القضائية المختصة ( مما يطلق عليه حق الأمن والأمان ) وعدم اتخاذ جهة الضبط الإداري المختصة إجراءاتها بدون أن يخولها ذلك نص في القانون وبدون سبب أو مبرر قانوني فلا دخل لهذه الحريات في تفسير تجريم بعض الأفعال وإنما يفسر هذا التجريم في أطار حماية النظام الاجتماعى فحماية هذا النظام هي التي تفسر لنا تجريم القتل والسرقة وزنا الزوجة أو الزوج والقذف والسب.
وقد ترتب على ارتباط نظام الحرمات بالعقيدة الدينية وفكرة الحرم والحلال في الإسلام أن وصل تكريم الإنسان في الإسلام إلى درجة- لا أعتقد- أن نظاما آخر وصل إليها حتى الآن ومن يطلع على فقهنا الإسلامي في كتاب ( البغاة ) يدرك عظمة الأحكام ودرجة نمائها، وقدرتها على رعاية كرامة الإنسان فى أدائه لولاياته الشرعية حتى وإن كان مخطئا في هذا الأداء.. ما دام هذا الأداء قد نبع من تأويل سائغ. فقرر هؤلاء الفقهاء بالنسبة للبغاة- وهم الذين يخرجون على ولى أمر المسلمين بتأويل القواعد الآتية(9):
** عدم اتباع الفارين أو المنسجين من البغاة، أو الإجهاز على جرحاهم أو قتل أسراهم وهذا هو قول الحنابلة وإن كان فقهاء الحنفية والشافعية قد قيدوا هذه الأحكام بأن لا يكون لهؤلاء فئة يتحيزون إليهاء وإن كان فئة يتحيزون إليها فيجوز للإمام اتباعهم والإجهاز على جرحاهم وقتل أسراهم.
** عدم جواز قتل من حضر مع الخارجين على الإمام دون أن يقابل. فإن أسر منهم أحد فدخل في الطاعة فإنه يخلى سبيله، وإن أبي ذلك وكان رجلا قويا حبس حتى تنقضي الحرب، فإن انقضت الحرب خلى سبيله ولم يحبس.
** إنه لايجوز للمسلمين في حالة وقوع حرب بينهم سواء كانوا تابعين للإمام أو تابعين للبغاة الخارجين عليه، أن يقتلوا الرجال الذين لايقاتلون ولا الأسرى ولا النساء ولا الصبيان ماداموا لم يقاتلوا فإنهم إن قتلوا أحدا منهم لزمهم ضمانه لأنهم قتلوا معصوما لم يؤمر بقتله (( بل يتجه رأى عند الحنابلة إلى يلزمهم القصاص أيضا لأنه قتل مكافئا عمدا)).
** عصمة وحرمة أموال الخارجين على الحكومة الإسلامية- وقد وصل حكم هذه الحرمة عند بعض الفقهاء حدا بعيدا بحيث تكون هذه الحرمية حتى لأسلحة هؤلاء الخارجين وكراعهم ( الكراع: هو مايستخدم في الحرب من دواب ).
فلا يجوز للحكومة الإسلامية أو للمسلمين استخدام هذه الأسلحة إلا إذا كان ثمة ضرورة لذلك.
وفي اعتقادي أن فكرة الحرية الشخصية تقصر عن استيعاب الأحكام السالف الإشارة إليها وهذا ماوقع فعلا من الفقهاء المحدثين الذين حاولوا الكلام عن الحريات العامة في الإسلام لأنهم لم يستطيعوا أن يعرضوا هذه الأحكام في إطار فكرة الحريات العامة ذلك لأنهم في عرضهم لهذه الفكرة لم يتخلصوا من مفهومها الغربي باعتبار أن الحرية قيد على السلطة ومن ثم فهى تفترض وجود السلطة ومن ثم فهى تفترض وجود السلطة بما تستند إليه من أصول فكرية حيث تستند فكرة السلطة على أساس حماية نظام المجتمع لذلك فقد ترتب على الأخذ بمصطلح الحرية في العالم الإسلامي إن أخذنا واعين أو غير واعين بالأصول الفكرية التي قامت عليها هذه الفكرة، والتي تقوم على حاية النظام الاجتماعي والفضاء على الفوضى فيه حيث تعتبر الحرية في ظل هذه الأصول (( تقيدا إزاديا بالنظم )) كما يعبر عن ذلك الاستاذ اندريه هوربو(10).
وهو الأمر يختلف عن نظام الحرمات في الإسلام التي لاتعتبر تقيدا إراديا بالنظام بل مقوما أساسيا من مقوماته بحيث رينبغي فهم النظام الاجتماعي في الإسلام بدون مراعاة الحرامات فيه.
الوجه الثاني: إن فكرة الحرمات قد ترتب نتائج تتعارض مع فكرة الحرية أو بعبارة أخرى قد يترتب على الأخذ بمصطلح الحريات الفردية بدلا من الحرمات بدلا من الحرمات استبعاد بعض الأحكام الشرعية المترتبة عليها وأهم هذه الأحكام:
** أن حرمة العرض تقتضي تقييدا لحرية الشخص بالمفهوم الغربي وها ما حدث فعلا في تاريخنا الإسلامى عن بن الخطاب- رضى الله عنه – عندما أمر بقص شعر نصر بن حجاح أولا ثم نفيه ثانيا لما رأى أن وجوده في المدينى مع مايتمتع به من جمال كان له أثره على أعراض المسلمين(11) .
** منع الشخص الذى يطلع على بيوت جيرانه من الاطلاع عليهم ولو لم يكن مافعله سوى الوقوف في نافذة داره أو شرفتها، والاطلاع عليهم منها وهو أمر يدخل في نطاق حرياته الشخصية بالمفهوم الغريي، وهذا المنع يستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (( لو أن رجلا اطلع على بيت قوم بغير إذنهم صلى الله عليه وسلم (( لو أن رجلا اطلع عليك بغير أذن فقذفته بحصاره ففقأت عينه ما كان عليك جناح ))(12)
** منع الرجال من الاختلاط بالنساء سواء على وجه الانفراد أو بوجود الغير- غير المحرم- مع أن هذا يدخل في نطاق حريته الشخصية بالمفهوم الغربي
** إنه يترتب على الأخذ بفكرة الحريات الفردية إباحة الأفعال الجنسية بين البالغين مادام الفعل قد تم برضائهم. وهو أمر تحرمه الشريعة لمساسه بحرمة الأعراض التي لايسمح- وفقا لها- بابإحة هذه الأفعال الجنسية ولو كانت برضاء أصحابها.
3- الإباحة الشرعية كإباحة العمل والتجارة والاجتماع والانتقال من مكان إلى مكان واستخدام ما يريد من وسائل الانتقال يختلف عن مصطلح الحريات الشخصية من عدة وجوه أهمها:
** الوجه الأول: إن الإباحة في الشرع تقوم على أساس أن الشارع جل وعلا لاقصد له فى فعل المباح دون تركه ولا في تركه دون فعله، بل قصد، جعله لخيرة المكلف. مما كان من المكلف من فعل أو ترك فذلك إلى قصد الشارع بالنسبة إليه إلا أن الفعل المباح وإن لم يكن مطلوب الفعل أو الترك بخصوصه، فإنه قد يكون مطلوب الفعل أو الترك على الجملة أو بالنظر إلى الكل. وهذا الطلب قد يكون على سبيل الندب أو الوجوب كما أن الترك قد يكون على سبيل الكراهية أو المنع وتوضيح ذلك فيما يلي
** إن الانسان مباح له التمتع بالطيبات من المأكل والمشرب والمركب مما سوى الواجب من ذلك أو المندوب المطلوب من محاسن العادات أو المكروه في محاسن العادات كالإسراف. فلو ترك الإنسان ذلك جائزا أو مباحا، ولو ترك ذلك جملة لكان على خلاف خطاب الشارع إليه ففي الحديث (( إذا وسع الله فأوسعوا )) صحيح البخاري كتاب الصلاه (( وأن الله نعمته على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته على عبده )) الترمزى كتاب الأدب (( وأن الله جميل يحب الجمال )) صحيح مسلم. وهكذا لو ترك الناس كلهم ذلك لكان مكروها.
** إنه يباح للإنسان الأكل والشرب ووطء الزوجات ووجوه الاكتساب الحائر كالعمل والتجارة وممارسة الحرف والمهن المختلفة والانتقال من مكان إلى مكان آخر، فإذا اختار الإنسان أحد هذه الأشياء على سواها فذلك جائز، أو إذا تركها في بعض الأحوال أو الأوقات أو إذا تركها بعض الناس جملة كان جائزا ومباحا. فلو فرضنا ترك الناس كلهم لكان تركا لما هو من الضرورات المأمور بها. فكان القيام بها واجبا على الجملة
** إن الإنسان يباح له لتنزه في البساتين وسماع الغناء المباح فعل ذلك بعض الأوقات أو في حالة ما فلا حرج فيه. فإن فعل ذلك دائما كان مكروها وكان لفعله هذا أثره على عدالة الشخص ومن ثم تأثيره على توليه المناصب العامة(13).
والإباحة الشرعية، كما تبين لنا، ترتبط بمقاصد الشريعة والمصالح العامة للمسلمين حيث تشكل هذه المصالح وتلك المقاصد جانبا من بنائها الشرعي، ولذلك جاز لأولياء الأمر التدخل في المباحاث وتنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية والمصالح العامة للمسلمين، ويكون هذا التدخل محكوما بهذه المقاصد وتلك المصالح- ومن ثم لايعتبر هذا التدخل استثناء أو قيدا على أصل الإباحية وإنما تطبيق لأصل المصلحة أو المقصد الذي تم التدخل تفسيرا يتفق مع تحقيق المصلحة أو المقصد الذى تم التدخل على أساسه. فللأفراد أن يعملوا أو لا يعملوا كما أن لهم أن يتاجروا أو لا يتاجروا ولكن ليس لهم أن يمتنعوا جميعا عن العمل أو ممارسة حرفهم أن تجارتهم فى جميع الأحوال أو بصورة تؤثر على مصالح الناس، فإن فعلوا ذلك كان لولى الأمر وفقا لحاجة الناس أن يتدخل ويفرض عليهم العمل أو التجارة أو الحرفة تأكيدا لمصالح الناس في وجود من يقوم بمثل هذا العمل لأنه مثل هذا ترك للضرورات المأمور بها ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز لولى الأمر حمل أرباب الحرف والصناعات على العمل بأجرة المثل إذا امتنعوا عن العمل وكان في الناس حاجة لصناعاتهم وحرفهم(14). هذا وتتعارض المعاني السابق عرضها مع النتائج التي تقوم على اعتبار التجارة أو العمل أو ممارسة مهنة أو حرفة من الحرف أو الانتقال حقا من الحقوق أو حرية من الحريات الفردية- واعتبارها حقا من الحقوق يترتب عليه أنه إن جاز لولى الأمر التدخل فإن القرار الصادر بالتدخل من جانبه يعتبر قيدا على حق الفرد في التجارة أو العمل أو الانتقال. ويرتب الفقه الوضعي وعلى الأخص في فرنسا والبلدان التي تسير على نهجها على اعتبار أن التدخل في الحرية قيد عليها أمرين:
أولهما: أن يتم بصدد هذا التدخل المقيد للحرية ورعاية هذه الحرية. وذلك بالاتجاه دائما نحو تأكيد الحرية. وهذا هو الأمر الذى يتفق مع اعتبار القرار بالتدخل قيدا على الحرية. وهذا هو الأمر الذى يتفق مع اعتبار القرار بالتدخل قيدا على الحرية. وبالتالي ينبغي على القاضي أو الفقيه إذا عرض عليه مثل هذا القرار أن يفسره تفسيرا ضيقا.
ثانيها: إذا كان التدخل في الحرية وقع من جانب الإدارة، فإن هذا الفقه يشترط أن لايتجاوز الإجراء الذي تتخذه جهة الإدارة أهدافه، وأن يكون ضروريا، وألا يتجاوز تقييده للحرية مالقضيه الضرورة فعلا(15). هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن اعتبار العقل حقا يستوجب أن يكون للعامل حق الإضراب على العمل وهو أمر لم يذهب اليه الفقهاء الذين اعتبروا العمل حقا للفرد فى الإسلام. ومن ناحية ثالثة أن القول باعتبار الانتقال أو المجىئ والروح حقا شخصيا يتعارض مع ما فعله عمر بن الخطاب رضى الله عنهمن منعه كبار الصحابة من الخروج من المدينة للاستعانة بهم في الرأى والمشورة.
الوجه الثاني: إن المناخ النفسي التي تثيره كلمة الحرية الفردية يختلف عن المناخ الذي يسود فكرة الإباحة. ففكرة الحريات الفردية تقوم على أساس من انفلات الفرد من كافة القيود التي تقف في طريق رغباته، الأمر الذي وجد تدعيما في فلسفة الأحرار الانجليز في القرن التاسع عشر حيث صاغوا فكرتهم عن الحرية في عبارات تقوم على ضرورة انفلات الفرد من حكم العادات والتقاليد ومن أى ارتباط بجماعة ما وهى فكرة وإن تعرضت للنقد من جانب بعض علماء الاجتماع- فإن النقد الموجه لها لم يعن استبعاد هذه الروح أو ذلك المناخ الذي مايزال موجودا في المجتمعات الغربية(16). يراه الناظر في كتابات كتابها، وحياة أفرادها حيث يرى الإنسان في حياة هؤلاء مبلغ انغماسهم في الحياة الجنسية سواء في الحدائق العامة أو وسائل مواصلاتهم العامة.
هذا فيما يتعلق بالروح أو المناخ الذي يسيطر على الحريات الفردية، أما فيما يتعلق بالمناخ النفسي للمباحاث الشرعية فإن هذا المناخ لايقوم على أساس انطلاق النفس البشرية أو انفلاتها من كل العقبات التي تحول دون رغباتها، وإنما يقوم على أساس ضبط النفس أو بعبارة أدق الورع. فالمسلم طبقا لقاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة، له أن يمارس كل عمل ويتمتع بكل شئ لايجد نصا يحرمه أو ينهى عنه أو يأمر بخلافه. إلا أن المسلم مع ذلك يخضع لقاعدة ينبغي عليه أن يراعيها هي الوقوف عند الشبهات لأن من يفعل ذلك فإنه يكون قد استبرا لعرضه ودينه. ولأن من اجترا على ماشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان كما في الحديث الشريف في الصحيحين ويتحقق ورع المسلم ووقوفه عند الشبهات على مستويين هما:
الأول: مستوى يتحقق عند اجتهاد المسلم للوصول للحكم الشرعي في مسألة من المسائل ووقوعه في الشك والتردد عند هذا الاجتهاد، ويحصل هذا إذا لم يتمكن المسلم من التأليف بين الأدلة الشرعية المتعارضة ولا الترجيح بينها. أو إذا حصل للمسلم بالنسبة لفعل من الأفعال الشك أو التردد فيما إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سكت عنه أو بينه أو إذا ورد بالنسبة لهذا الفعل حديث ضعيف لم يبلغ إلى درجة الاعتبار. ولا ظهر عليه الوضع لأن العلة التي ضعف بها لاتوجب الحكم عليه بأنه ليس من الشريعة مثل ضعف الحفظ أو الإرسال إذ أن ضعيف الحفظ لايمتتنع أن يحفظ في بعض الأحوال والمراسل قد يكون صحيحا.
الثاني: إذا كان المسلم يعرف أن هذا الفعل مباح لايعتريه شك في ذلك ولكن قد يجد في ممارسته ذريعة إلى ارتكاب الحرم أو وسيلة إلى ترك الواجب. فهنا ينبغي على المسلم أن يقف عن فعل هذا الأمر المباح حتى لايقع في ذلك- ومثال ذلك- أن المسلم يستطيع أن يعمل في أى مكان يرى أنه أصلح له، ولكن ينبغي عليه أن يرفض العمل في المكان الذي يجد أن العمل فيه يجر إلى مخالفة دينه أو يورطه في ذلك، وإن كان العمل في المكان مباحا، وهذا الأمر قد يختلف من مسلم لآخر. كما يختلف بالنسبة لهذا العمل من وقت لآخر فالمسالة اذن نسبية يراعى فيه ظروف كل مسلم. كما يراعي فيها نوع العمل والزمان الذي يتم فيه وإذا كان المناخ النفسي للمباحاث يقوم على ضبط النفس أو الورع فإن هذا لا يعني أن الإسلام لايهتم بتحرر الإنسان من كافة الضغوط التي تحول دون تنميته لذاته أو بناء هذه الذات، إلا أن هذا التحرر يختلف عن ذلك الانطلاق أو الانفلات الذي يسود المناخ النفسي للحريات الفردية من حيث أن التحرر في الإسلام لايجد أساسه أو منطلقه في ذات الإنسان نفسه، كما هو الحال بالنسبة للحريات الفردية(17)، وإنما يجد اساسه ومنطلقه في عبودية الإنسان لربه. هذه العبودية التي تحمل صاحبها على التحرر من سيطرة رغبات الذات الإنسان نفسها سواء كانت هذه الرغبات متعلقة بمال أو بجاه أو بسلطان، سواء كان هذا السلطان سلطان العادات والتقاليد، أو صاحب سلطان العادات والتقاليد، أو صاحب سلطان من البشر. فاتجاه المسلم لله والتجرد لعبوديته يجعل صاحب هذا الاتجاه لايعبد إلا الله عبادة تقوم على أن الله هو الحكم العدل القادر الرزاق الوكيل الحسيب له الأسماء الحسنى ومن ثم لاينتظلا المسلم الرزق من سواه ولا يتوقع العون أو السند من غيره. ومن خلال هذه العبودية لله يستشعر المسلم أيضا بأن الله له رقيب، على فعله حسيب، ومن ثم لايخش إلا إياه. ومن هذه الخشية يكون ورع عند المسلم ووقوفه عند الشبهات فهذا الورع عند المسلم ينبع من عبوديته لله. هذه العبودية التي تورث في قلب صاحبها الخوف من الوقوع في الحرام أو التوقف عند أداء واجب. فالورع والتحرر عند المسلم إذن ينطلقان من نبع واحد هو عبوديته لله.
رابعا: مضادة فكرة الحرية في مجال العقيدة للدين نفسه:
إن فكرة الحرية تتضمن حرية الغقيدة وهى تسمح لصاحبها بالتخلص من الدين أو الاستهزاء والسخرية من أفكاره، ويكون نقل فكرة الحرية بهذه الصوره إلى فقهنا الإسلامي واعتبارها جزاء من بناء هذا الفقه أثره في جعل ماتتضمنه فكرة الحرية من أفكار مضادة للدين جزءا من الدين نفسه.
ولو قلنا بأخذ هذه الفكرة مع استبعاد مابها من أفكار متعارضة مع الدين أو مضادة مضادة له فإن استبعاد هذه الأفكار المضادة للدين لن يمنع- في اعتقادي – من أن تظل فكرة الحرية مقياسا يقاس به الدين نفسه، ويظل عدم وجود حرية الإنسان في ظل الشريعة الإسلامية، ولذلك حاول الفقهاء المسلمون إثبات وجود حرية العقيدة في الإسلام ودللوا على ذلك بأسانيد كثرة منها بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿ لا إكراه في الدين ﴾. وقوله تعالى: ﴿ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ﴾. وكذلك عهد عمر لأهل القدس حيث أعطاهم أمانا لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانهم لاتسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم وما ذهب إليه فقهاء المسلمين ( إنا أمرنا بتركهم وما يدينون )(18).
ولكن لهذا القول أكثر من وجه من وجوه الخطورة على الإسلام:
أولها: أن قول هؤلاء الفقهاء أو الكتاب بحرية العقيدة يؤدي إلى إظهار أحكام الإسلام بمظهر القصور أوالنقص فضلا عن التناقض، ففكرة حرية العقيدة لاتفسر لنا أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية من قتله حدا ( وفقا لرأى الجمهور أو تعزيرا عند بعض الفقهاء ) وانفساخ زواجه وبطلان معاملاته المدنية والتوارث بينه وبين أقاربه الخ. وكلها أحكام من شأنهاالتأثير على حريته- وهى لاتقف عند عدم تفسيرها هذه الأحكام بل تتناقض معها أيضا.
يؤدى القول إلى أخذ الإسلام بحرية العقيدة أن تعتبر أحكام المرتد أحكاما استثنائية على مبدأ حرية العقيدة ومن ثم ينبغي ( أن تفسر هذه الأحكام تفسيرا ضيقا ) وهذا لايتفق مع ماذهب إليه فقهاء المسلمين من تحديد معنى الارتداد تحديدا يقوم على أساس من التوسعة في تفسيره.
ففي ضوء القول بأخذ الشريعة الإسلامية بمبدأ حرية العقيدة يفهم معنى الارتداد في حدود إعلان المسلم رجوعه عن دينه وخروجه من هذا الدين بالكلية. وهذا هو التفسير الضيق لمصطلح الارتداد الذي يقتضيه اعتبار أحكام المرتد استثناء على قاعدة عامة هي حرية العقيدة ولكن هل هذا هو الفهم الذي أخذ به فقهاء المسلمين؟ أو الفهم الذى تقتضيه الأصول الشرعية؟
في الاجابة على هذا التساؤل نجد أن فقهاء المسلمين توسعوا في معنى الردة توسعا يحقق معناها الحقيقي في الشرع. فاعتبروا في الردة إلى المعنى الضيق معان أخرى منها سب الله تعالى أو رسوله أو قذف أو النبى أو جحد كتاب الله أو شئ منه أو أحد من أنبيائه أو كتاب من كتبه أو فريضة ظاهرة مجمع عليها أو استحلال محرم مشهور مجمع عليه كالخمر أو الخنزير أو الميتة والدم، والزنا وغيره متى كان ذلك من غير جهل منه. يقودنا القول بحرية العقيدة في الإسلام أيضا إلى القول بحق الذميين في إنشاء الكنائس والبيع على خلاف العهد بينهم وبين المسلمين، فإذا كان هذا العهد يقتضي الاقتصار على كنائس معينة أو أماكن معينة. فإن القول بإن الإسلام يقرر حرية العقيدة ويعطى لهم الحق في إنشاء الكنائس في أى مكان يريدون لأن هذا هو موجب هذه الحرية. إن حرية العقيدة لاتفسر لنا كيف يمكن للأسير أن يتخلص من القتل فيظهر الإسلام اضطرارا وخوفا(19).
وكل هذه الصور السابقة بعرضها وجعل حرية العقيدة مقياسا لها يظهر الإسلام بمظهر الدين المناقض للحرية. وهو الأمر الذي يؤدي إليه منطق وجود حرية العقيدة في الإسلام.
إلا أننا أخذنا بالمنطق الصحيح للإسلام في هذه المسألة فإننا لن نتخلص من وصم الإسلام بالنقص والقصور فقط بل نظهره بأنه الدين الذي يقوم على أسس منطقية سليمة تستبعد أى قصور فيه أو انتقاص منه. وهو الأمر الذى يتفق مع كونه دينا سماويا منزلا من حكيم عليم. وهذا المنطق الذي يفسر لنا هذه الأوضاع المتصلة بما يسميه بعض فقهاء المسلمين حرية العقيدة في الإسلام يبدأ من حقيقة أساسية مسلم بها لايجوز إنكارها أو إخفاؤها وهو أن الإسلام دين عقيدة تسعى للانتشار في جميع أنحاء العالم وهذا الدين يوجب على المسلمين السعى لنشره بين كل البشر، فهو الغاية والهدف من تكوين كل جماعة إسلامية، ومقتضى ذلك أن من دخل الإسلام وآمن به واعتقد بسموه لاينبغي أن يرجع عنه لأن الرجوع عنه إضعاف للجماعة الإسلامية قد يستغله بعض سيئ النية من أعداء الإسلام للدخول فيه ثم الخروج منه مما ينتج عنه فتنة بين ضعفاء الرأى من المسلمين، كما يعد تخذيلا لهم، ولذلك كان موقف الإسلام في ذلك حاسما، فحكم بقتل المرتد عن دينه مع إعطائه الفرصة الكافية في الرجوع عن ردته.
هذا والمسلمون في نشرهم لدينهم ملتزمون بأحكام الإسلام بألا يكرهوا أحدا على الدخول فيه وإنما عليهم فقط إزالة العوائق التي تحول دون انتشاره بين الناس ولا يعد التزام المسلمين بعدم إكره غيرهم على الدخول في الإسلام منحا أو تحويلا لغير المسلمين حرية في العقيدة. ذلك أن ما يوجبه هذا الحكم على المسلم ألا يكره غير المسلمين في الدخول في الإسلام دون أن يمنح غير المسلم حقا فى حرية العقيدة، لأن وجود هذا الحق في الإسلام يتناقض مع الأحكام التي سبق ذكرها، هى حق الأسير غير المسلم حقا في أن يتخلص من القتل بإعلان إسلامه وهو أحد الاختيارات التي للإمام قبل دخوله الإسلام، هذا بالنسبة للذميين فالقاعدة التي تحكم علاقات المسلمين هى مبدأ الوفاء بالعهود، ومقتضى هذا المبدأ أن نحترم نحن المسلمين عهد الذمة بيننا وبينهم، وبموجب هذا العهد علينا أن نحافظ على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وأن نتركهم على مايدينون دون أن يظهروا في دينهم من الأمور التي تعد مساسا بمشاعرنا نحن المسلمين وأن نتركهم على كنائسهم وبيعهم وأمورهم التي تم عليها عقد الذمة بيننا وبينهم دون الأمور التي لم تدخل في عهدنا معهم(20).
ثانيها: أن حرص هؤلاء الفقهاء على إثبات أخذ الإسلام مصطلح حرية العقيدة أدى إلى تجاوزهم للخلاف الذى دار بين الفقهاء القدامى حول تفسير آية ﴿ لا إكراه في الدين ﴾. والفقهاء القدامى اختلفوا حول تفسير هذه الآية عدة أقوال أولها: أنها منسوخة. ثانيها: أنها نخصوصة في أهل الكتاب الذين يقرون على الجزية –
ثالثها: أنها نزلت في الأنصار لأن المرأة منهم إن لم يعش لها ولد تجعل على نفسها أن تهوده، ترجو بذلك طول عمره فلما أجلى الله بنى النضير قالوا كيف نصنع بأبنائنا فأنزل الله آية ﴿ لا إكراه في الدين ﴾– رابعها: أن قوله تعالى لا إكراه في الدين عموم في نفى الإكراه بالباطل أما الإكراه بالحق فهو من الدين(21).
وأيا كان الأمر حول أولى هذه الأقوال بالأخذ به فإنه ينبغي على الباحث أن يعرض هذه الأقوال جميعا ويأخذ بالقول الذى يتفق مع الأصول المتبعة في التفسير والتي لاتتعارض مع المنهج الذي يتبعه الباحث في نفسير آيات أخرى من التنزيل الحكيم فلا يأخذ بمنهج في التفسير هنا لايتبعه في موضع آخر ولكن الفقهاء المحدثين تجاوزوا كل هذا، وأخذوا بهذا الوجه من التفسير الذي يتفق مع مصطلحات الغرب وأفكاره وقيمه دون أن يضعوا الاعتبارات التي تقتضيها أصول التفسير لآيات الله أمام نظرهم.
ثالثها: إن حرص بعض الفقهاء على إثبات أخذ الإسلام بمصطلح حرية العقيدة قد ساهم فيما يبدو لي، فيما انتهوا إليه من رأى في نفى حكم قتل المرتد من الشريعة الإسلامية، وذلك حتى يسلم لهم قولهم، بحرية العقيدة في الإسلام من التناقض وحتى يستبعدوا هذا الحكم الذى يقوض دليلهم في إثبات أخذ الإسلام بهذه الحرية ولعل هذا الأمر الذى دعا أحد كبار أساتذتنا إلى استبعاد سنة الآحاد كمصدر للأحكام الدستورية حيث لايحتج بهذه السنة إذا أتت بحكم لم يرد به نص أو إشارة في القرآن(22) وكما لم نكن هنا بصدد تقويم الآراء التي تذهب إلى عدم أخذ الإسلام بحكم جواز قتل المرتد، وإنما نحن بصدد إثبات الخطورة المترتبة على الأخذ بمصطلح لم يأخذ به الإسلام فلنا على ماذهب إليه أستاذنا الكبير عدة ملاحظات تكشف عن خطورة أخذ الإسلام بمصطلح غريب على الإسلام:
أولا: تجاوز ما انتهى إليه فقيه ومحدث كبير كالشوكاني من أن أحاديث قتل المرتد أحاديث متواترة.
ثانيا: إن القرآن لم يخل من إشارة أو تهديد للمرتد بالعقوبة في الدنيا والآخرة مثل قوله تعالى: ﴿ ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ﴾ وقد فسر الطبري ﴿ حبطت أعمالهم ﴾ (( بأنها بطلت وذهبت، وبطولها ذهاب ثوابها، وبطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة ))(23).
ثالثا: تجاوز ماذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الحدود سبعة منها حد الردة وليس تعزيرا كما ذهب إليه أستاذنا الجليل- حتى لو سلمنا بأن عقوبة القتل كانت تعزيرا وليس حدا فإنه أيضا يؤدي إلى نفس النتيجة المترتبة على اعتبار قتل المرتد حدا وهو المساس بحرية العقيدة.
وختاما
فإن إدراج نظم الولايات والحرمات والمباحات تحت مصطلح الحريات العامة الغربي أدى إلى إدخال أحكام ومعان جديدة لا يعرفها الإسلام ولاتؤدي إليها أحكامه مع حرمان هذه النظم الإسلامية مما لها من خصائص وفقدانها لاتساقها مع أحكام الشريعة الأخرى. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تخلف هذا المصطلح عن نقل ما للمصطلح الإسلامي من معان طيبة وحرمانه كذلك من كل إشعار وتأثير في نفوس المسلمين. إن الأخذ بمصطلح الحريات العامة في الإسلام لم يقف عند مناقضته لتوحيد الله في الإسلام أو تضاده في مجال حريتى العقيدة والرأى لفكرة الدين نفسه بل تقاصر عن أن ينمى عند المسلمين الشعور أو العاطفة التي تدعوهم إلى التمسك به أو مواجهة أى عدوان عليه. وأن كل هذا يدعونا إلى التمسك بالمصطلحات الإسلامية واستبعاد ما عداها من مصطاحات دخيلة على الإسلام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الهوامش
(1) انظر على سبيل المثال:
د. عبد الكريم زيدان: مجموعة بحوث فقهية ص 79 وما بعدها بغداد 1976.
د. فتحى عبد الكريم: الدولة والسيادة- القاهرة- مكتبة وهبة 1977.
د. عبد الكريم العيلي: الحريات العامة في الإسلام.د. صبحي الصالح معالم الشريعة الإسلامية ببيروت.
(2) اقرأ في تقرير أصل التكريم في الإسلام قوله تعالى: ﴿ ولقد كرمنا بنى آدم ﴾، وفى ارتباط هذا التكريم بالعقيدة الدينية كقوله تعالى: ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾.
(3) د.طه بدوي: أصول علم السياسة- الطبعة الرابعة ومشار اليه عند د. محمد سليم العوا. النظام السياسي الإسلامى- مطبعة المكتب المصري الحديث 1975 ص 13. وأيضا في معنى مقارب، الدكتور حسين قاسم العزيز، موجز تاريخ العرب قبل الإسلام صفحات 90 وما بعدها بيروت 1971.
(4)منهاج الحكم في الإسلام ص 46، 47 طبعة 1964.
(5) الغرب والشرق الأوسط، تعريب الدكتور نبيل صبحي طه- المختار الإسلامي، 1979.
(6) ص 27، 28 سلسلة الألف كتاب.
(7) انظر في اعتبار الدولة في الفقه الغربي كائنا مستقلا عن الأفراد Carre de Malborg Contrikution ala Muoric general de LʼEtat p.p 7-10 وفي أن الحرية في هذا الفقه التزام على الدولة Broud, ph-,la notion de lʼberle publique en Droit prancais p.p 47 ets lgoy19. وفي أن الدولة لاتعتبر في الإسلام كبانا متميزا عن أفرادها وأن فكرة الولاية في الإسلام تحل محل فكرة السلطة كتابنا الخليفة توليته وعزله ( موضوعي طبيعة الخلافة ووظيفة التولية ).
(8) أبو حامد الغزالي المستصفى ص 53- طبعة المكتبة التجارية 1937.
(9) انظر في مذهب الحنابلة المغني لابن قدامه بجزء 8 ص 522 ومابعدها. وفي مذهب الشافعية كفاية الاخيار في حل غاية الاختصار جزء 2ص 199 وما بعدها. وفي مذهب أبو حنيفة بدائع الصنائع للكاساني ص 4398 وما بعدها طبعة زكريا على يوسف. وفي مذهب مالك الشرح الصغير جزء 4ص 428، 429 طبعة دار المعارف.
(10) Andre Houriou, Droit Constiutionnal et Institutions politiques p.188 ed. Paris-1975.
(11) ابن الحوزي، سيرة عمر بن الخطاب ص 61، 62. القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر.
(12) انظر في عرض أوجه النظر الفقهية حول هذين الحديثين: الصنعاني- سبل السلام جزء 3 ص 262، 263. طبعة التجارية بدون تاريخ.
(13) انظر في ذلك الموافقات للشاطي جزء 1 ص 78، 79. ( بتحقيق الشيخ محمد محيي عبد الحميد ).
(14) انظر في عرض دكتور محمد المبارك، آراء ابن تيمية في الدولة ومدى تدخلها في المجال الاقتصادي ص 34 وما بعدتها طبعة دار الفكر 1970 وأيضا الطرق الحكمية لابن القيم ص 247 طبعة مطبعة السنة المحمدية 1953 ( بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي ).
(15) انظر في ذلك، د. محمد عصفور الحرية بين الفكرين الديمقراطي والاشتراكي ص 112 وما بعدها- القاهرة 1961.
(16) انظر في ذلكets. 28 Nisbet, Robert A. Community & Power A Galaxy Book P. 2
(17) المرجع السابق ص 224.
(18) انظر في إثبات حرية العقيدة د. عبد الكريم زيدان المرجع السابق ص 123، 124. ودكتور فتحي عبد الكريم المرجع السابق ص 375، 376.
(19) انظر في هذه الصور الكافي ( فقه حنبلي ) جزء 3ص 156، 157، 261، 270، 271. والشرح الصغير ( فقه مالكي ) جزء 4ص 431 وكفاية الأخيار في حل غاية الاختصار الجزء الثاني ص 200- 203 ( فقه شافعي ).
(20) أبى عبيد القاسم بن سلام: الأموال وأيضا شرح السيد الكبير للرخى ومحاضرات لنا في فقه السير تخصص الدراسات الإسلامية جامعة الرياض 1397/ 1398هـ.
(21) ابن العربي: أحكام القران المجلد الأول بتحقيق البجاوي ص بتحقيق البجاوي ص 232، 233- الآية 256 من سورة البقرة- طبعة القاهرة 1957.
(22) استاذنا الدكتور عبد الحميد متولى: مبادئ نظام الحكم في الإسلام ص 188 وما بعدها الطبعة الأولى: ولا أقول إن هذا الحديث وحده قد ساهم بل ساهم معه أحاديث أخرى مثل حديث الأئمة من قريش.
(23) تفسير الطبري للآية 217ص 355 جزء 2 طبعة الحلبي سنة 1955م.