مدى الأهمية البالغة المعاصرة والآنية لموضوع البحث:
تأتي الكتابة في هذا البحث في وقت عصفت فيه الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية والعالمية بالاستقرار المالي والاقتصادي العالمي، ودخلت إلى البيوت وأشاعت القلق والتوتر من خلال ارتفاع نسبة البطالة، وازدياد معدلات التضخم، وازداد الفقراء فقراً وذاع الهلع في المؤسسات المالية، وتهاوت مؤسسات مصرفية عملاقة، مما اضطر الدول والحكومات إلى الهرولة بالإنقاذ والإسعاف المالي، وضخ مليارات الدولارات، وتكشّف الأمر عن ضرورة العمل على الأخذ بسبل العلاج للأسباب والظواهر والارتدادات التي أحدثتها الأزمة، ثم تأكد لمراكز البحث المسئولة وسلطات اتخاذ القرار على المستوى المحلي والعالمي أن الأمر يحتاج إلى إصلاح هيكلي قد يطال أسس ومبادئ النظام الرأسمالي نفسه.
وظهر للعالم أن المؤسسات المالية الإسلامية هي الأقل تأثراً بتداعيات الأزمة العالمية غير المسبوقة منذ الأزمة الكبرى في سنة 1929- 1933 من القرن الماضي، وكأنها شهادة حق يمليها الواقع نفسه والممارسات العملية الفعلية لهذه المؤسسات، لا شركات ومراكز التقييم العالمية. ومن ثم تعالت النداءات وتنادى الناس في كل مكان بمنظومة النظام المالي والتمويل الإسلامي، وما يحتويها من برنامج الإصلاح المالي والمصرفي والاقتصادي الإٍسلامي.
ونعتقد أن المدخل الصحيح والجواب الشافي لهذه النداءات المحلية والعالمية هو العمل على: “تقنين أحكام فقه المعاملات المالية الإسلامية” ولا يُغني عن ذلك ولا يسد مسدّه ولا يؤدي دوره كل ما أنجزناه حتى الآن، لما للتقنين من مزايا موضوعية وفوائد عملية كثيرة من حيث تقليل حجم الاختلاف إلى حد كبير بين الممارسين على مستوى التطبيق، وبين الفقهاء على مستوى البحث والنظر والرأي.
مزايا التقنين مصالح شرعية:
من المسلم به أن:
1- الأحكام الشرعية مبثوثة في كتب الفقه ومذاهبه العديدة مما يترتب عليه صعوبة شديدة في الرجوع إليها.
2- الفتاوى والأقوال متعددة ومختلفة في الموضوع الواحد بحسب تباين الأفهام في المسألة الواحدة، واجتهاد كل مجتهد، وعلمه وخبرته.
3- الشروح والحواشي تصنف على متون كتب الفقه والمختصرات.
وعلى ضوء ذلك فإن التقنين تحصل معه المزايا التالية:
1- تصبح معه الأحكام مضبوطة واضحة يسهل الرجوع إليها. ويتركز الاجتهاد المطلوب فيها في سلامة تطبيقها على الوقائع المعقدة والمتغيرة.
2- وحدة الأحكام القضائية والتي بدونها يكون الاضطراب في الأحكام، وتأثر الثقة بالمحاكم ومن ثم بالنظام القضائي.
3- سرعة الفصل في المنازعات وهو مطلب مُلّح في هذا العصر الذي تزاحمت فيه الأقضية والدعاوي.
4- يشكِّل التقنين دافعاً قوياً لدراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن ومن ثم تحقيق نوع من الاستقلال التشريعي المطلوب.
5- سهولة رجوع الناس جميعاً بمختلف ثقافاتهم إلى التقنين والاطلاع على مواده وتوفر العلم المسبق بحكم القانون لدى المتقاضين، ومن ثم لايفر الناس إلى القوانين الوضعية.
6- إن تقنين أحكام الفقه الإسلامي تتويج للاعتراف الدولي بالقيمة الحقوقية والتشريعية للفقه الإسلامي التي تم الاعتراف بها في:
– المؤتمر الدولي للقانون المقارن بباريس سنة 1932م.
– مؤتمر القانون المقارن بلاهاي سنة 1937م.
– مؤتمر المحامين الدولي في لاهاي سنة 1948م.
– أسبوع الفقه الإسلامي بجامعة باريس سنة 1951م.
– ندوة التشريع الإسلامي في الدار البيضاء في المغرب سنة 1972م.
– ندوة عمداء كليات الحقوق والقانون بالجامعات العربية بجامعة بيروت العربية سنة 1973م.
– ندوة عمداء كليات الحقوق والقانون بالجامعات العربية بجامعة بغداد في سنة 1947م وسنة 1975م.
7- إن التقنين بداية صحيحة وعملية لنهضة تشريعية كبرى لكونه:
– أساساً لوحدة القوانين والنظم.
– أساساً للتواصل الفكري وتلاقيه لدى علماء الأمة العربية والإسلامية.
– أساساً لوحدة النظام القضائي.
– أساساً للوحدة الثقافية والعلمية.
– أساساً للوحدة السلوكية للأمة.
إلزامية إفراغ أحكام فقه المعاملات في نصوص قانونية ليلتزم بها المخاطبون بها:
في عصر زاحمت فيه القوانين الوضعية أحكام الشريعة الإسلامية، وسادت في التطبيق العملي لدى الأفراد والمؤسسات وأُضفى عليها طابع الإلزام، أصبح الأشخاص سواء طبيعيين أو اعتباريين يواجهون مشكلة حقيقية في الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة والفقه الإسلامي.
لهذا كان المخرج الوحيد هو تقنين أحكام الفقه الإسلامي في كل باب يراد له التطبيق الفعلي والعملي والإلزام به كي يصبح هذا التقنين هو المعبِّر عن إرادة ولي الأمر في الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية حين يصدر هذا التقنين، ومن ثم يصبح ملزماً في التطبيق لكل السلطات في الدولة.
ومما يؤكد ذلك ويدل عليه الحكم الشهير الذي أصدرته المحكمة الدستورية في الكويت بتاريخ 28/10/2009 ومما جاء به:
“إن أحكام الشريعة الإسلامية لا تكون لها قوة إلزام القواعد القانونية إلا إذا قننها المشرع وليس لها قوة النفاذ الذاتي والمباشر وإنما يتعين أن يتم إفراغها في نصوص تشريعية محددة، ومضمون تشريعي محدد، يمكن أن يلتزم به كل المخاطبين بأحكامه والقائمين على تنفيذه وتطبيقه، ولا يتسنى تبعاً لذلك مساواتها في الحكم بالنصوص الموضوعية فالنص الموضوعي يكون نافذاً فيما تضمنه من أحكام موضوعية”.
ونرى في هذا الحكم دعوة صريحة وقوية إلى تقنين أحكام الفقه الإسلامي في كل مجال يراد تطبيقها فيه، حتى لا يقع الاضطراب والتناقض في التطبيق، كما أشار إليه الحكم المنوه عنه في تعليله لما قضى به، من أن ترك القائمين على التطبيق والتنفيذ بتقصي القواعد والأحكام الشرعية غير المقننة قد يؤدي إلى اضطراب وتناقض بين هذه القواعد والأحكام، بسبب اختلاف وجهات النظر الفقهية.
لذلك فإن المصلحة الشرعية والحاجة العملية في هذا العصر والأوان تستلزمان تقنين أحكام فقه المعاملات لضمان التطبيق والالتزام به لدى كل المخاطبين بتنفيذ هذه الأحكام، وهو ما ندعو إليه ونتناوله تفصيلاً، بخاصة وأننا أمام عرف مستقر عام في بلادنا العربية والإسلامية ونصوص دستورية واضحة في الكثير منها تنص على عدم الفصل بين الدين والدولة.
الدساتير العربية وعدم الفصل بين الدين والدولة:
(1) فالدستور الكويتي ينص في مادته الثانية على أن: دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.
(2) الدستور المصري ينص في مادته الثانية على أن: دين الدولة الرسمي الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
(3) الدستور السوداني جعل الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي لقوانين الدولة.
(4) الدستور السوري ينص في مادته الثانية على أن: الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.
ومعنى مصدرية الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي للتشريع هو تقنين أحكام الشريعة والفقه ووضعها في شكل قانون أو قوانين.
(5) في مؤتمر وزراء العدل العرب في صنعاء باليمن فبراير 1981م صدر إعلان صنعاء باعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي الوحيد لقوانين الدولة العربية وتشريعاتها المدنية والتجارية والجنائية.
(6) في الاجتماع الأول لوزراء العدل بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ديسمبر 1982م تقرر ما يلي:
1- فيما يتعلق بمصادر التشريع وأسس القضاء بدول المجلس، فقد اتفقت الدول الأعضاء على أن تكون هذه المصادر من الشريعة وحدها.
2- انسجاماً مع ما ورد في المادة الرابعة(1) من النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة من المختصين بالدول الأعضاء تجتمع في إطار الأمانة العامة لدراسة إمكانية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية فيما يلي:
– القانون المدني. – القانون التجاري. – القوانين الجنائية..إلخ.
وفي الاجتماع الثاني لوزراء العدل في ربيع الثاني 1404هـ الموافق يناير 1984م تم التوصل إلى ما يلي: قرر وزراء العدل تقنين أحكام الشريعة الإسلامية على أن تقوم بذلك لجنة فنية متخصصة …
(7) تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي لمجمع الفقه الإسلامي(2) على أن يسعى المجمع لتحقيق أهدافه بكل الوسائل الممكنة ومنها مايلي:
“تقنين الفقه الإسلامي عن طريق لجان متخصصة”.
طرائق التقنين والمنهاج المختار:
نعرض هنا أربع طرائق رئيسة لتقنين الشريعة وهي:
1 – طريقة مجلس التعاون الخليجي.
2 – طريقة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
3 – ماصرح به بعض كبار علماء القانون الوضعي في هذا الخصوص.
4 – طريقة اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة في الديوان الأميري بدولة الكويت.
أولا: طريقة مجلس التعاون الخليجي:
تنص المادة الرابعة من النظام الأساسي على أن:
تتمثل الأهداف الأساسية لمجلس التعاون فيما يلي:
وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون التالية:
1. الشئون التشريعية والإدارية.
وتقرر في الاجتماع الأول لوزراء العدل بدول مجلس التعاون الخليجي(3) ما يلي:
1 – فيما يتعلق بمصادر التشريع وأسس القضاء بدول المجلس فقد اتفقت الدول الأعضاء على أن تكون من الشريعة الإسلامية وحدها.
ذلك أن مصادر الشريعة الإسلامية لا تنفي الاستفادة من متخلف الآراء والتجارب طالما أنها لا تتعارض معها..”.
2 – انسجاماً مع ما ورد في المادة الرابعة من النظام الأساسي فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة من المتخصصين بالدول الأعضاء تجتمع في إطار الأمانة العامة لدراسة إمكانية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي الاجتماع الثاني لوزراء العدل(4) تم التوصل إلى ما يلي:
إمكانية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية على أن تقوم بذلك لجنة فنية متخصصة تعمل وفقا للخطة المنهجية المرفقة.
وتشتمل هذه الخطة على:
1 – ما يقابل فروع القانون الوضعي في الفقه الإسلامي يهمنا منها:
“تدوين أحكام المعاملات وهي ما يطلق عليه في لسان القانون اسم “القانون المدني وفروعه” وعلى ذلك فهذا القسم يشتمل من فروع القانون على:
– القانون المدني.
– القانون التجاري.
– القانون البحري.
– قانون العمل.
– قانون التأمينات الاجتماعية.
– قانون الطيران.
– قانون القضاء.
2 – الصياغة والأسلوب:
وضعت الخطة المنهجية خمسة مبادئ تلتزم بها اللجنة في صياغة المشروعات التى تعدها:
– اللغة: اللغة العربية الفصحى هي لغة المشروع….
– الأسلوب: الأسلوب الميسر…
– توخي الإيجاز تحاشيا للإسهاب.
– المصطلحات: التزام مصطلحات الفقه الإسلامي.
– الترتيب: يكون الترتيب الصياغي للعمل على نحو الترتيب للفقه الإسلامي من كتبه وأبوابه.
3 – الإعداد: كيفية إعداد الحكم الشرعي:
تكوين الحكم الشرعي بتعمق جهد جماعي تتلاقح فيه الفهوم والأنظار وتحكمه ثلاثة مبادئ هي:
– من ناحية الترجيح الشخصي يقرر المبدأ الأول: حظر الترجيح الشخصي الخارج عن خلافيات علماء الفقه المعتبرين.
– بالنسبة للمسائل المختلف عليها بين الفقهاء يقرر المبدأ الثاني أنه: لا يركن في الخلافيات إلى الأقوال التي لا يسندها دليل شرعي وذلك للترجيح بين الآراء المختلفة للفقهاء القدامى.
– ينص المبدأ الثالث على: “إغناء هذه المدونة بترتيب الحكم الفقهي لما يتم تصور حكمه من القضايا المعاصرة والمسائل المستحدثة”.
4 – يحسم الخلاف بين أعضاء اللجنة المكلفة بأغلبية الآراء.
5 – المذكرة الإيضاحية يجب أن تشمل على أربعة أمور هي:
– بيان الدليل الشرعي على التأصيل للمادة مع بيان المراجع الأصلية لها.
– الإشارة عند الاقتضاء إلى المصطلح القانوني الوضعي الذي اشتهر به الحكم الموضح عنه في الفقه الإسلامي.
– التفسير التطبيقي للجزئية على التقعيد عند الاقتضاء.
– في حالة الاختلاف يذكر بيان وجهة نظر المخالف.
تعليق وتعقيب على خطة منهجية التقنين لدى مجلس التعاون الخليجي:
1. لم تتضمن الخطة شيئاً عن مبدأ أساسي في أسس التقنين وهو:
* مسلك القاضي في حالة سكوت التقنين عن حكم معين.
2. إن الخطة أخذت بمبدأ حظر الترجيح الشخصي وما يترتب عليه من إغفال مسلك مجلة الأحكام العدلية – التقنين الأشهر لدولة الخلافة العثمانية – إذ أخذت المجلة بآراء لبعض علماء المذهب على خلاف المفتى به في المذهب.
3. إن حظر الترجيح الشخصي بضوابطه الفقهية يغلق باب الاجتهاد مرة أخرى وهو ما لا يتصور الآن.
4. بالنسبة للصياغة والأسلوب لم تتضمن الخطة:
– تجنب التعريفات إلا عند الضرورة القصوى.
– أن يأخذ اللفظ الواحد معنى واحداً حيثما استخدم في نصوص التقنين منعاً من اللبس في الفهم.
– عدم الإكثار من الإحالة بين النصوص.
5. بالنسبة للمذكرة الإيضاحية ضرورة أن يضاف ما يلي:
ينشر القانون مذكرته الإيضاحية التي تحتوي على إبراز خصائص التقنين والأسباب التي دعت إلى إصداره والقصد منه.
ثانيا: طريقة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف:
وافق مجلس المجمع بجلسته رقم (62) في 7/1/1970 على الخطة المرحلية لأعمال لجان المجمع ومن بينها “تقنين الشريعة الإسلامية”، وقد عقدت لجنة البحوث الفقهية عدة اجتماعات وضعت فيها خطة العمل في مشروع التقنين على النحو التالي:
1 – تقنين المذاهب الفقهية التي يُعمل بها في البلاد الإسلامية، ويُبدأ في المرحلة الحالية بتقنين المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، كل مذهب على حده على أساس الرأي الراجح فيه، والآراء الأخرى تذكر في المذكرة الإيضاحية، كما يذكر في المذكرة الإيضاحية الرأي الذي يري أنه الأنسب للتطبيق في العصر الحاضر.
2 – ثم يبدأ في وضع قانون مختار من بين المذاهب جميعاً، وبذلك يمكن للمجمع أن يقدم لكل بيئة من البيئات الإسلامية التي ترتبط بمذهب قانوناً إسلامياً يصور ذلك المذهب في أمانة، كما يمكن أن يقدم قانوناً إسلامياً مختاراً من بين المذاهب المعمول بها يفي باحتياجات البيئات التي تطلبه.
وقد سار العمل في لجان التقنين في المجمع وفقا لهذه الخطة، وانتهت من المرحلة الأولى(5) فعلاً ولعل المجمع بصدد استكمال المرحلة الثانية.
ولكننا في عرض وجهات النظر الأخرى إثراء وفائدة كبري توجب علينا عرضها بإيجاز، فهناك ثلاث وجهات نظر تستخلص من محاضر ومناقشات اللجان الأساسية والفرعية حول منهج السير في تقنين الشريعة الإسلامية:
1 – وجهة نظر ترى الاكتفاء بمراجعة القانون الوضعي لإقرار مالا يكون مختلفا مع الشريعة الإسلامية وتعديل ما يكون مخالفاً، وإضافة مالا يكون مدرجاً بهذا القانون وله حكم في الشريعة.
وتعارض وجهة النظر هذه بأمور أهمها:
“أن القانون الوضعي كأي قانون آخر صادر عن عرف خاص وبيئة خاصة وفلسفة خاصة تختلف كثيراً أو قليلا عن الروح الإسلامية.
2 – وجهة نظر ترى تقنين الشريعة الإسلامية أساسا على أن ترتب من مبدأ الأمر وفقا لترتيب القانون الوضعي وأبوابه.
وتُعارَض وجهة النظر هذه بما عورضت به السابقة، ولكن أصحاب وجهة النظر هذه – في استدراك مهم – من وجهة نظرنا – لا يستبعدون إمكان التقريب والترتيب الذي يؤخذ به هنا والترتيب الذي يؤخذ به هناك في مرحلة ثانية من مراحل العمل، بعد أن تصاغ المواد من الشريعة الإسلامية مباشرة فتتوفر لها الروح الإسلامية الخالصة.
3 – وجهة نظر ثالثة ترى تقنين الشريعة الإسلامية من مبدأ الأمر في قانون موحد مختار من المذاهب الفقهية الإسلامية، لأن ذلك يحقق الوحدة الإسلامية المرجوة ويبتعد بالمسلمين عن إثارة الخلافات المذهبية.
وإن كانت وجهة النظر الأخرى ترى أن اختلاف المذاهب واقع لا يمكن تجاهله كما لا يمكن تجاوزه، والوحدة الإسلامية لا تتأثر بوجود هذه المذاهب المستندة إلى الكتاب والسنة بمقدار ما تتأثر بالتعصب الأعمى لبعضها.
تعليق وتعقيب على خطة منهجية التقنين في طريقة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف:
1 – لا شك أنه يمكن الجمع بين المبدأين الأول (تقنين المذاهب الأربعة الكبرى) والثاني (قانون مختار من المذاهب جميعا) وذلك بتبني طريقة المزج بين مبادئ التقنين المختلفة، والمنهجية المختارة في التقنين من قبل واضعيه هي ذات ثلاثة وجوه (الترجيح – التخيّر – حكم الحاكم) وكلها أصبحت مطبقة ومستعملة في الواقع فلا بأس، فمثلا:
– أن يتضمن النص حكماً فقهياً معينا يتفق حوله الرأي بأنه الأنسب والأصلح للواقع والمصلحة، وأن يوضّح في شرح النص في المذكرة الإيضاحية الاتجاهات والآراء الأخرى فيه، كي تعين القاضي مباشرة على التطبيق السليم والصحيح.
2 – هذا المسلك الذي نراه يستبعد التقيد ابتداء بمذهب معين كما يستبعد التزام منهج واحد في جميع نصوص التقنين، فمنها ما يناسبه منهجية الترجيح ومنها ما يناسبه منهجية التخيّر وهكذا.
3 – إنه المسلك المتفق عليه في وجدان واضعي التقنينات من ضرورة أن يعمل التقنين على التقارب بين صنوف التفكير والمفكرين كأساس لوحدة الأمة لا إذكاء روح الفرقة والانقسام والتعصب المدمر.
4 – إن هذا المسلك القائم على المزج بين مبادئ التقنين مجتمعة يجنب التقنين ما قيل في شأن “المتون القديمة” من أن عباراتها بعيدة إلى حد كبير عن الوفاء بأغراض التقنين، إذ في بعضها غموض ومختصرة إلى حد صارت به سببا في اختلاف الشراح وأصحاب الحواشي، ومن ثم تحتاج إلى توضيح وتجلية غموض، كما أنها قد تجمع بين الآراء الراجح منها وغير الراجح، وأنها قد تجرى على أقوال رجّح الشارح خلافها، وأن المتون كغيرها من أساليب الكلام الإنساني تخضع لحكم البيئة والزمن وكان لابد من أسلوب صياغة جديد لكل زمن جديد تراعى فيه احتياجاته من حيث الإيجاز والإطناب والإجمال والتفصيل والشرح والتمثيل والتقديم والتأخير وغير ذلك من أساليب الكلام وأبوابه.
ثالثا: طريقة التقنين في نظر بعض كبار علماء القانون الوضعي:
أ – أسلوب العمل المقترح في التقنين عند أ.د / سليمان مرقس(6):
يقوم على ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: وضع مشروع تمهيدي للتقنين المقترح يراعى التناسق بين مختلف أجزائه، يعرض على هيئة أو هيئات متخصصة في مختلف النواحي المتصلة بموضوعه.
المرحلة الثانية: عرض المشروع لاستفتاء عام على جميع المشتغلين بالقانون فقهاً وقضاء وتشريعاً أفراداً كانوا أم هيئات، وتجميع ملاحظاتهم وتبويبها وتمحيصها وتنقيح المشروع التمهيدي بما يُرى الأخذ به منها.
المرحلة الثالثة: يعرض المشروع بعد تنقيحه على لجنة الخبراء بحضور واضعي المشروع في صورته المنقحة لمناقشته وإقراره بعد إدخال ما يُرى إدخاله عليه من تعديل.
ثم يُحدد مواصفات خبراء إعداد المشروع التمهيدي بما يأتي:
– لهم خبرة سابقة في التشريع.
– إطلاع واسع في القوانين المدنية العربية المختلفة.
– إلمام بالفقه الإسلامي.
– إلمام بالقانون وأهم التشريعات المدنية الأجنبية المعاصرة.
– إلمام بالاتجاهات التشريعية المعاصرة في القانون المقارن.
متطلبات مُساعِدَة / معاونة:
– توفير مكتبة بأمهات الكتب والمراجع التي تلزم في العمل.
– سكرتارية فنية.
– تعيين مدة تقريبية لإعداد المشروع التمهيدي.
ب – متطلبات التقنين عند أ.د / عبدالرزاق أحمد السنهوري – عالم القانون الفذ:
وضع السنهورى- رحمه الله – تصوره لمتطلبات تقنين أحكام الفقه الإسلامي فيما يأتي:
1 – دراسة نشأة الفقه الإسلامي دراسة دقيقة وكيف تكوّن على مر السنين، وكيف تطور وبخاصة في العصور التي سبقت عصر المذاهب الكبرى: السني والشيعي والظاهري والخارجي وغير ذلك من المذاهب.
2 – دراسة مقارنة لنستخلص منها وجوه النظر المختلفة:
* وتتركز هذه الوجوه في تيارات التفكير القانوني.
* ثم تتبلور في اتجاهات عامة.
* ونستكشف من وراء كل هذا قواعد الصناعة الفقهية الإسلامية.
3 – ثم نقارن هذه الصناعة بصناعة الفقه الغربي الحديث ليتضح ما بينهما من الفروق ووجوه الشبه، فنرى أين وقف الفقه الإسلامي في أحكامه التفصيلية وفي تعريفاته فتمتد يد التطور إلى هذه التفصيلات على أسس تقوم على ذات الفقه الإسلامي وطرق صياغته وأساليب منطقة.
4- إن بلوغ المرحلة القصوى على طريق وضع تقنين مدني عربي موحد منبثق من الشريعة يتطلب إتمام هذه الدراسة للفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة دراسة مقارنة نستخلص منها وجوه النظر المختلفة واتجاهاته العامة وطرق صياغته وأساليب منطقه، حتى يمكن مراعاة ذلك كله فيما يراد استمداده منه من نصوص تجد مكانها في تقنين عربي موحد حديث.
5- ولما كان أسلوب الفقه الإسلامي يقوم على معالجة الحلول لمسائل متفرقة لا على أساس نظريات عامة، فهو مثلا يعالج أنواع العقود المختلفة ويضع الحلول لما يعرض من مشاكل بمناسبة كل منها ولا يحاول وضع نظرية عامة للعقد وأركانه وآثاره بصفة عامة، فلعله مما يسهل المهمة أن يبدأ بتقنين أحكام العقود وفي مقدمتها عقد البيع بعد دراستها الدراسة المقارنة في مختلف المذاهب وتخيّر أكثرها ملائمة لحاجات العصر الحاضر، ثم تعالج الموضوعات الأخرى تباعاً كالضمان والإثراء، ثم يشرع بعد اكتمال تقنين أحكام هذه الموضوعات المتفرقة في استخلاص قواعد نظرية عامة منها وتقنين هذه القواعد حتى ينبسط تطبيقها على سائر الموضوعات التي لم تقنن طالما أنه لا يوجد بشأنها نص مغاير.
نخلص من كلام علاّّمة القانون أنه يحدد متطلبات التقنين فيما يلي:
1 – دراسة نشأة الفقه الإسلامي دراسة دقيقة وهو بذلك يعنى تاريخ الفقه الإسلامي.
2 – دراسة مقارنة لاستخلاص وجوه النظر المختلفة واستكشاف قواعد الصناعة الفقهية الإسلامية وطرق الصياغة وأساليب الفقه الإسلامي.
3 – مقارنة هذه الصناعة بصناعة الفقه الغربي الحديث للوقوف على الفروق ووجوه الشبه.
حتى يمكن مراعاة ذلك كله فيما يراد استمداده منه من نصوص تجد مكانها في تقنين عربي موحد حديث منبثق من أحكام الفقه الإسلامي وفق منهجية التدرج والتنسيق بين أحكام الفقه الإسلامي وأحكام القوانين القائمة، وبعد بلورة خير الحلول التي حوتها كنوز الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة واختيار أكثرها ملائمة لحاجات المجتمع العربي المعاصر.
رابعاً: طريقة اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالديوان الأميري بدولة الكويت في تقنين أحكام الشريعة الإسلامية:
أ – مهمة اللجنة في مرسوم إنشائها رقم 139 لسنة 1991 وتعديله بالمرسوم رقم 259 لسنة 1997:
تنص المادة الثانية من المرسوم المشار إليه على:
“تتولى اللجنة وضع خطة لتهيئة الأجواء لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية مع مراعاة واقع البلاد ومصالحها ولها في سبيل ذلك دراسة القوانين السارية في مختلف المجالات واقتراح ما تراه بشأنها لضمان توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية”.
ب – في هذا الإطار مارست اللجنة الاستشارية العليا عملها وأصدرت العديد من المشروعات منها ما أصبح ساري المفعول، مثل:
(1) مشروع قانون بشأن المصارف والشركات الاستثمارية والمالية الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية والذي آل إلى:
القانون رقم 30 لسنة 2003 بإضافة قسم خاص بالبنوك الإسلامية إلى الباب الثالث من القانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية وأصبح ساري المفعول اعتباراً من أول ديسمبر سنة 2004.
(2) اقتراح تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 67 لسنة 1980 بإصدار القانون المدني وصدر القانون رقم 15 لسنة 1996 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون المشار إليه وأصبح ساري المفعول من تاريخ نشره في 2 يونيو سنة 1996.
ج – ملامح منهجية التقنين التى تنفرد بها اللجنة الاستشارية العليا:
1 – مراعاة واقع البلاد ومصالحها.
2 – مراجعة ودراسة القوانين السارية واقتراح ما تراه بشأنها لضمان توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
على أساس هذه المنهجية تم تعديل بعض أحكام القانون المدني.
وعلى هذا الأساس يظهر أن اللجنة الاستشارية العليا تأخذ بمنهجية التدرج والتنسيق بين أحكام الفقه الإسلامي وأحكام القوانين القائمة.
3 – وهناك منهجية أخرى اتبعتها اللجنة الاستشارية العليا حيث استقت التقنين واستنبطت أحكامه من الفقه الإسلامي مباشرة دون التقييد بمذهب معين مع الإستفادة من رحابة الفقه الإسلامي.
وعلى أساس هذه المنهجية تم مشروع قانون المصارف سالف الذكر، ومشروع قانون التأمين التعاوني الإسلامي وغيرهما.
4 – ومن أهم المبادئ والسياسات التي وضعتها اللجنة الاستشارية العليا لنفسها نذكر المبادئ الأربعة التالية:
* مراعاة واقع البلاد ومصالحها بما يعنيه ذلك من الأخذ بما يتناسب مع ظروف ومصالح البلاد من الأحكام الشرعية الاجتهادية.
* الاستفادة من رحابة الفقه الإسلامي وذلك بعدم التقييد بمذهب فقهي معين مع استبعاد الأقوال الشاذة التي لا تستند إلى دليل شرعي معتبر.
* التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية غير المطبقة مع تحديد الأولويات تفاديا لما قد يترتب من صعوبات في التغيير الفوري.
* الإبقاء على النظم التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية. وعلى اللجنة:
أ – دراسة القوانين السارية.
ب – دراسة مشاريع القوانين والنظم قبل إقرارها لضمان توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ج – دراسة تطوير القوانين والنظم إذا دعت الحاجة لذلك في إطار الشريعة الإسلامية.
د – اقتراح القوانين والنظم التي تراها مناسبة لتحقيق مهمتها لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في دولة الكويت.
5 – وضعت اللجنة الاستشارية العليا لنفسها إطاراً وقواعد لمنهجية حصر المخالفات الشرعية وأسلوب التعامل معها في التشريعات المالية والتجارية تقوم على المبادئ التالية(7):
أ – لزوم مراعاة الأولويات في التشريع وذلك بتقديم الأولي والأهم على ما دونه بحسب ترتيب المصالح والمفاسد التي تفضي إليها الأعمال وإنما يعرف ذلك بالنظر في مآلات الأفعال.
ب – ضرورة الاعتناء والتركيز على الكليات قبل الجزئيات تعويلاً على امتداد أبعادها التشريعية وسريانها في عدد لا يحصى من الفروع والقضايا الجزئية.
ج – اعتماد نتائج الاجتهاد الجماعي في الترجيح بين آراء الفقهاء في المسائل الخلافية من أجل الوصول إلى الحكم الشرعي في القضايا المستجدة في التشريعات.
د – إيجاد وتهيئة البدائل الشرعية لما حكم بحظره ومخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية إذا ترتب على منعه تفويت مصلحة معتبرة شرعاً.
آلية تحديد المخالفات الشرعية:
انفردت هذه المنهجية المشار إليها بوضع قواعد لتحديد المخالفات الشرعية في القوانين التجارية والمالية السارية على أساس تصنيف المواد التي انطوت عليها التشريعات السارية إلى أربعة صنوف:
* الصنف الأول:
– مالا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا يفوت شيئا من أركانها وشعائرها.
وهذا الصنف يعدّ خارجاً عن مسمى المخالفات الشرعية ما لم يكن من المباحات الأصلية التي يسع الإمام أو من يمثله تقييدها أو حظرها لداعي الحاجة العامة أو المصلحة الشرعية الراجحة ويكون هناك ضرورة لذلك فعندئذ تلحق بالصنف الثاني.
* الصنف الثاني:
– ما كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية بصورة قطعية جازمة لا تحتمل التأويل سواء ما يتعلق بالكليات أو الجزئيات وهو ما يندرج تحت عنوان:
(ما علم من الدين بالضرورة) وهو على قسمين:
أحدهما: ما كانت المخالفة فيه بالنص على مشروعية إتيانه.
الثانـي: ما كانت المخالفة فيه بترك النص على حظره حيث يلزم من ذلك الترك مخالفة شرعية واضحة.
وهذا الصنف بقسميه لابد من التخطيط لإزالة المخالفة فيه ورفعها من التشريعات المرعية بالتدرج المرحلي الذي يتسق مع مقاصد الشريعة من التيسير ورفع الحرج، ويتسق مع قواعدها الكلية من لزوم أهون الشرَّين وأخف الضررين ودفع أعظم المفسدتين بارتكاب الأخف، وهذا من باب السكوت عن تغيير المنكر إذا كان تغييره يؤدى إلى الوقوع في منكر أعظم منه لما يترتب على التسرع بإلغائه من اضطراب اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي وسيراً مع مقتضيات الحكمة ودواعي الرفق.
* الصنف الثالث:
– ما كان مخالفاً للأحكام الشرعية في نظر أحد الفقهاء أو بعضهم أو جمهورهم وهو ما يندرج تحت “المسائل الخلافية” سواء ما تعلق من ذلك بالجزئيات أو الكليات.
وهذا الصنف – باستثناء ما يتجه إليه فريق العمل من الفقهاء والمختصين إلى ترجيح جانب الحظر فيه على جانب الجواز بناء على المنهج الذي سيأتي بيانه – فإن أساس الأمر فيه أن هناك مندوحة وفسحة في هجر رأي القائلين بمخالفتها للشريعة أو الأخذ به والتعويل عليه.
ومما يجدر التنبيه عليه هنا أن ما يقصد هاهنا من التخيّر بين آراء الفقهاء في التشريعات العامة هو غير مسألة التلفيق وتتبع الرخص التي أنكرها بعض الفقهاء والأصوليين.
وأنه يجب أن يراعى في منهج التخيّر قبل الأخذ بالجواز والمشروعية الأمور التالية:
1 – أن لا يكون القول بالجواز من الآراء الشاذة المهجورة التي لا دليل عليها.
2 – أن لا يعارض أصل لزوم حماية الأركان والشعائر ولا يكون مخالفاً لمقاصد الشريعة أو قواعدها الكلية المتفق عليها مثل:
– سدّ الذرائع التي يتوجب سدّها.
– مراعاة تغير الأعراف فيما بُني من الأحكام الشرعية عليها إذ “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان”.
3 – أن يحقق الجواز مصلحة شرعية معتبرة شرعاً منصوصة أو مرسلة فيها جلب نفع أو دفع ضرر.
4 – أن لا يتناقض أو يتنافى مع التشريعات الأخرى جزئيا أو كليا.
* الصنف الرابع:
القضايا والمسائل المستجدة التي لا نص للفقهاء السابقين في بيان حكمها، وهذه يتوقف فيها حتى يصدر اجتهاد جماعي في شأنها بالإقرار أو التعديل أو الإلغاء.
المنهاج المختار لنا في تقنين الأحكام الشرعية في مجال المعاملات المالية:
على ضوء الطرائق السابقة التي ذكرناها وما قلناه تعليقاً وتعقيباً عليها نرى أن المنهج المختار لنا يقوم على المبادئ الخمسة التالية:
المبدأ الأول: عدم التقيد في التقنين بمذهب معين من المذاهب الفقهية:
لأن التقييد بمذهب معين يحرم التقنين الاستفادة من رحابة وسعة الفقه الإسلامي كما يحرمه من الاستفادة من الآراء الراجحة في المذاهب الأخرى.
وكذلك يمنع التقيد بمذهب معين الاستفادة من الآراء التي تحقق المصلحة العملية والفائدة الواقعية على ضوء متغيرات الزمان والمكان وهو مالا ينكر معه تغيير الأحكام.
أما ما قيل من أن التقييد بمذهب معين يخدم مصلحة بيئة من البيئات الإسلامية التي ترتبط بذلك المذهب فهذا ليس على إطلاقه إذا كان التقنين الذي ننشده خارج نطاق العقيدة والعبادات والثوابت الأخلاقية وبصفة أخص إذا كان تقنينا للمعاملات المالية.
هذا فضلاً عن أن التقييد بمذهب معين يصطدم بمشكلة النوازل والمستجدات التي ليس في كلام فقهاء المذهب المُعيّن حكم لها.
وعدم التقيد في التقنين بمذهب معين من المذاهب الفقهية نبذٌ للتعصب المذهبي، لأن كل مذهب من المذاهب الفقهية بني على أصول أساسها الكتاب والسنة وترمي كلها إلى العمل بالشريعة الإسلامية في كل مجالات الحياة.
كما أن عدم التقيد بمذهب معين أقرب إلى الصواب وأدعى إلى التيسير على الناس الذي تنطق به آيات القرآن والأحاديث النبوية الشريفة.
وربما يكون في التزام مذهب معين ضيق وحرج وفي غيره تيسير وتخفيف وهذا ما نادى به الأئمة الثقات والمصلحون في كل زمان من الأخذ بالفقه الإسلامي كله وعدم التقيد بمذهب واحد.
عدم التقيد بمذهب معين يترتب عليه الأخذ بآراء الفقهاء من الصحابة والتابعين وتابع التابعين لأن المذاهب الفقهية تكونت بعد ذلك بكثير.
كما أن عدم التقيد بمذهب معين يقلل دائرة الخلاف في الفروع أما الأصول فلا خلاف عليها.
وعدم التقيد بمذهب واحد يفيد في توحيد أحكام القضاء وهو الأصلح لعمل الناس وللقضاء أيضاً.
وقد نصت المادة الأولى من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة(8) على أن:
“تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها. ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة. فإذا لم يجد القاضي نصاً في هذا القانون حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية على أن يراعى تخيّر أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإذا لم يجد فمن مذهب الإمام الشافعي والإمام أبى حنيفة حسبما تقتضيه المصلحة..”.
وهذا النص ليس له نظير في نصوص القوانين العربية المستمدة من الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية التي صدرت فعلا ولا حتى مشروعات القوانين التي اطلعنا عليها ولم تصدر بعد.
وفي خصوص التقيد بمذهب معين يقول المرحوم أ.د. محمد سلامة مدكور(9):
“التقيد بمذهب أو رأي معين في المذهب جناية على الفقه الإسلامي”.
ومما هو جدير بالذكر أن هناك محاولات متواضعة لتقنين الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب معين ظهرت في القرن الهجري الثاني على بداية المقفع ولم يكتب لها القبول ثم ظهرت مرة أخرى في أوائل القرن الحادي عشر الهجري في شكل الفتاوى الهندية، ثم ظهرت أيضاً في القرن الثالث عشر الهجري بشكل أكثر قوة وتنظيماً في مجلة الأحكام العدلية سنة 1293 هـ وتتابعت بعدها ظهور القوانين المأخوذة من الفقه الإسلامي بشكل جزئي في قانون العائلات والأحوال الشخصية والوقف والوصية… الخ.
المبدأ الثاني: الإحالة في التقنين:
اختلفت القوانين المأخوذة من الشريعة الإسلامية اختلافاً بيّنا في حالة ما إذا لم يوجد نص قانوني يطبقه القاضي:
أ – فبعض القوانين يحيل القاضي إلى مبادئ الشريعة الإسلامية أولا.
ب – وبعض القوانين يحيل القاضي إلى أحكام الفقه الإسلامي أولا.
ج – وبعض القوانين يحيل القاضي إلى العرف أولا.
د – وبعض القوانين يحيل القاضي إلى الشريعة الإسلامية أولا.
(أ) من القوانين التي تحيل القاضي إلى مبادئ الشريعة الإسلامية قانون “المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984” في المادة الثالثة منه التي تنص على أن:
“تسترشد المحاكم في تطبيق أحكام هذا القانون وتفسير الكلمات والعبارات الواردة فيها وكذلك في حالات غياب النص بالمبادئ الشرعية وتتبع القواعد المنصوص عليها في قانون الأحكام القضائية سنة 1983.
– كما تنص المادة الأولي من القانون المدني اليمني رقم 14 لسنة 2002 على أن:
“يَسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المعاملات والمسائل التي تتناولها نصوصه لفظا ومعنى، فإذا لم يوجد نص في هذا القانون يمكن تطبيقه يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية المأخوذ منها هذا القانون، فإذا لم يوجد حكم القاضي بمقتضى العرف الجائز شرعاً فإذا لم يوجد عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة لأصول الشريعة الإسلامية جملة ويستأنس برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فقه الشريعة الإسلامية، ويشترط في العرف أن يكون ثابتا ولا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام والآداب العامة”.
ثم نصّ في المادة (18) منه على أن المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو “الفقه الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة”.
(ب) ومن القوانين ما يحيل القاضي على أحكام الفقه الإسلامي، فتنص المادة الأولى من – القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 المعدّل بالقانون رقم 15 لسنة 1996 على أنه:
“1 – تسري النصوص التشريعية على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها أو بمفهومها.
2 – فإن لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي وفقا لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقاً مع واقع البلاد ومصالحها فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف”.
– كما تنص المادة الثانية من القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 على أن:
1 – تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص.
2 – فإذا لم تجد المحكمة نصاً في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون فإن لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية.
3 – فإن لم تجد حكمت بمقتضى العرف، فإن لم توجد حكمت بمقتضى قواعد العدالة، ويشترط في العرف أن يكون عاماً وقديماً ثابتا ومطردا ولا يتعارض مع أحكام القانون أو النظام العام أو الآداب أما إذا كان العرف خاصاً ببلد معين فيسرى حكمه على ذلك البلد.
4 – ويسترشد في ذلك كله بما أقره القضاء والفقه على أن لا يتعارض مع ما ذكر.
– وتنص المادة (88) من مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد(10) على أن:
1 – تطبق النصوص القانونية على جميع المسائل التي تناولها بكل طرق دلالاتها.
2 – إذا لم يوجد نص قانوني تطبق أحكام الفقه الإسلامي الأكثر ملائمة للقانون دون التقييد بمذهب فقهي معين، فإن لم توجد تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها مع مراعاة العرف حيث يوجد بالشرائط المقررة فيه فقها.
(ج) ومن القوانين ما يحيل القاضي إلى العرف، فتنص المادة الأولى من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 على أن:
1- تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
2- فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضي العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم توجد فبمقتضي مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
– هذا وقد نص مشروع القانون المدني طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية في خطة العمل على:
1 – تستقى أحكام هذا التقنين من مبادئ الشريعة الإسلامية كما وردت في الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه مع مراعاة التنسيق بين هذه الأحكام حفاظا على وحدة التقنين وتجانس أحكامه وانسجام بعضها مع البعض الآخر.
ونص المشروع في المادة الأولي على أن:
1 – تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص بطريقة من طرق الدلالة الشرعية، ويستلهم القاضي في تفسيرها مقاصد الشريعة الإسلامية.
2 – فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه يحكم القاضي بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية.
– تنص المادة الأولى من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على أن:
1 – تسرى النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
2 – فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقييد بمذهب معين، فإذا لم يوجد فبمقتضي قواعد العدالة.
(د) من القوانين ما يحيل القاضي إلى الشريعة الإسلامية:
تنص المادة الأولي من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة(11) على أن:
“تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها. ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة. فإذا لم يجد القاضي نصاً في هذا القانون حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية على أن يراعى تخيّر أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإذا لم يجد فمن مذهب الإمام الشافعي والإمام أبى حنيفة حسبما تقتضيه المصلحة”.
فإذا لم يجد حكم القاضي بمقتضى العرف على ألا يكون متعارضاً مع النظام العام أو الآداب وإذا كان العرف خاصاً بإمارة معينة فيسرى حكمه على هذه الإمارة”.
تعقيب:
على النحو السابق نرى أن القوانين المأخوذة من الشريعة الإسلامية على اختلاف واسع فيما بينها في مسألة إحالة القاضي في حالة خلو القانون من نص مباشر ينطبق على المسألة المعروضة أمامه، ونرى ابتداء لتضييق نطاق هذا الاختلاف يلزم فهم المصطلحات المستخدمة بمعناها الدقيق في اصطلاح الفقهاء وليس بالمعنى العام الواسع في صدر التشريع المعني، ومن هذه المصطلحات التي استخدمت ثلاثة هي:
1 – المقاصد الشرعية.
2 – الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي.
3 – مبادئ الشريعة الإسلامية.
وهو ما نحاول تدقيقه فيما يلي:
(1) مقاصد الشريعة الإسلامية:
قال الشاطبي(12) في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة:
تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام:
* أحدهما: أن تكون ضرورية.
* الثاني: أن تكون حاجية.
* والثالث: أن تكون تحسينية.
إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد(13)، وأن للشريعة مقاصد عامة تراعيها في أبوابها التشريعية وتعمل على تحقيقها(14)، وثبوت المقاصد للشريعة حاصل بالكتاب والسنة والإجماع والاستقراء والمعقول، فقد أثبت الإجماع على أن للأحكام الشرعية مقاصد وأنها معللة بمصالح العباد ونقل الشاطبى الاتفاق على ذلك(15).
وقد اختلف الفقهاء في تحديد المقاصد العامة للشريعة على أقوال(16):
القول الأول: حصر الإمام العز ابن عبدالسلام المقاصد العامة في مقصد واحد وهو جلب المصالح ودرء المفاسد، وأدرج فيه بقية المقاصد كمراعاة التخفيف ورفع الحرج عن الناس، وإقامة العدل بينهم فها هو يقول رحمه الله: “ومعظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها(17)“، ثم قال: “والشريعة كلها مصالح: إما تَدرأ مفاسد أو تَجلب مصالح”(18).
القول الثاني: وهو المتداول عند بعض الأصوليين القدامى(19) من أن المقاصد العامة هي الضروريات الخمسة من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال وزاد بعضهم حفظ العرض(20).
القول الثالث: مقاصد الشريعة هي: “تحري الحق والعدل المطلق العام والمساواة في الحقوق والشهادات والأحكام وتقرير المصالح ودرء المفاسد ومراعاة العرف بشروطه(21) أي خمسة هي:
الحق – العدل – المساواة – تقرير المصالح ودرء المفاسد – العرف بشروطه
القول الرابع: مقاصد الشريعة هي: تهذيب الفرد ليكون مصدر خير لجماعته وإقامة العدل وجلب المصلحة(22).
القول الخامس: مقاصد الشريعة هي: حفظ النظام بجلب المصلحة ودرء المفسدة وإقامة المساواة بين الناس وجعل الشريعة مهابة، مطاعة، نافذة وجعل الأمة قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال(23).
القول السادس: مقاصد الشريعة هي عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل والعمل وإصلاح في الأرض(24).
القول السابع: مقاصد الشريعة هي تحرير العقل البشري من رق التقليد والخرافات وإصلاح الفرد نفسيا وخلقيا وإصلاح المجتمع – أي الحياة الاجتماعية بصورة يسود فيها الأمن العام والعدل بين الناس وصيانة الحريات والكرامة الإنسانية(25).
القول الثامن: مقاصد الشريعة هي: التعبد، وإنشاء المسلم الصالح وإقامة الأمة الصالحة(26).
لاشك عندنا في رجحان القول الثاني لأن الأقوال الأخرى بالتدقيق والتحقيق تدخل في ضرورة من ضرورياته، وهو التعريف السائد لدى جمهور الفقهاء والأصوليين من أن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية هي الضروريات الخمسة من:
“حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال” وزاد بعضهم حفظ العِرْض.
(2) الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي:
(أ) الدين والشريعة:
يقول تعالى:
(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13).
والشريعة في الاصطلاح ما شرع الله لعباده من الدين أي من الأحكام كما يقول القرطبي في تفسيره، ولذلك قالوا: الشريعة والدين والملّة بمعنى واحد وهو: ما شرعه الله لعباده من أحكام. ولكن هذه الأحكام تسمي شريعة باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها.
وتسمى ديناً باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها.
وتسمى ملة باعتبار إملائها على الناس.
ويقول الجرجاني(27) الشرع في اللغة عبارة عن البيان والإظهار والشريعة هي الإئتمار بالتزام العبودية، وقيل الشريعة هي الطريق في الدين.
وبهذا ربط الجرجاني – رحمه الله – بين الشريعة والدين ربطاً محكماً باعتبار الشريعة طريقاً في الدين.
(ب) الدين والعقيدة:
يقول تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: 3).
فالدين هنا أريد به أحكام العقائد والمبادئ التي اتفقت عليها الشرائع السماوية كلها.
(ج) الشريعة والفقه: من تعريفات العلماء نختار أن:
– الشريعة ما شرعه الله لعباده من الأحكام الثابتة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وما تفرع عنها من الإجماع والقياس والأدلة الأخرى(28).
وعلى هذا فإن أحكام الشريعة نوعان:
* نوع ثابت مباشرة من نصوص الكتاب والسنة مما هو صريح الدلالة على الحكم.
* ونوع آخر مستنبط من أدلة الكتاب والسنة أو مما لا نص فيه عن طريق القياس أو الاستصلاح والاستحسان والاستصحاب وغيرها من الأدلة الأخرى، وهو مجال عمل أهل الفقه والاجتهاد مقيداً بالأصول الشرعية في الاستدلال.
– والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية فيحتاج فيه إلى النظر والتأمل كما يقول الجرجاني(29)، ويطلق الفقه على مجموعة الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية.
ومن التعريفين يتضح بجلاء أن الفقه علم شرعي بمعنى ومفهوم الشريعة على ما سبق، وأنه قسم من الشريعة لا قسيم لها، وبذلك يترجح قول القائلين بأن الفقه أخص من الشريعة وليس مساوياً لها.
والفقه بمعناه الاصطلاحي: بأنه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية.
يطلق أيضاً على مجموع الأحكام الشرعية العملية المستنبطة بالاجتهاد من الأدلة التفصيلية.
والفقه بهذا المعني:
يشتمل بصورة مجردة على جميع فروع القانون المعروفة وأهمها:
* القانون الدولي العام.
* القانون الدستوري.
* القانون الإداري.
* القانون المالي.
* القانون الجنائي.
* القانون القضائي.
* القانون المدني.
* القانون التجاري.
* قانون العمل.
* القانون الدولي الخاص.
* قانون الشركات.
– وإذا أردنا أن نجمع بين المصطلحات السابقة لقلنا مطمئنين:
* الدين عند الله الإسلام: فالإسلام علم على الدين الذي ارتضاه الله لعباده والدين عند الله الإسلام.
* وأن الإسلام شريعة وفقه:
شريعة تقوم على أحكام ثابتة في العقيدة والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، ثابتة بالأدلة من الكتاب والسنة وما تفرع عنها من أدلة أخرى، وأن هذا النوع من الأحكام الاعتقادية والعبادات وثوابت الأخلاق أيضا لا مجال للتقنين فيه لأنها نقليه لا محل لعمل العقل الفقهي والاجتهاد فيها، وأنها لا تعرض عادة على التقاضي، ومن ثم لا يصح إيرادها في مواد التقنين.
وفقه يقوم على أحكام عملية مستنبطة من أدلتها الشرعية من عمل الفقهاء والمجتهدين ومجال عمله الواسع هو قسم المعاملات.
(3) مبادئ الشريعة الإسلامية:
(أ) المبادئ: جمع مبدأ.
والمبدأ اسم ظرف من البدأ.
وهو عند الحكماء يطلق على السبب كما يقول التهانوي في كشّافه، ويشمل المادة وسائر الأسباب الصورية والغائبة والشرائط.
والمبادئ في اصطلاح العلماء كما يقول التهانوي تطلق على ما يتوقف عليه مسائل العلم وعلى الأسباب(30).
ومبدأ الشيء كما جاء في المعجم الوسيط أوله ومادته التي يتكون منها كالنواة مبدأ النخلة، أو يتركب منها كالحروف مبدأ الكلام. ومبادئ العلم أو الفن أو الخلق أو الدستور أو القانون قواعده الأساسية التي يقوم عليها ولا يخرج عنها(31).
ونفهم مما سبق أن المبدأ أساس الشيء وقاعدته التي يتكون ويتركب منها ويقوم عليها بمثابة أوله ومادته فهو سبب لغيره يتوقف عليه ولا يخرج عنه.
(ب) استعمال المبادئ والقيم في القرآن الكريم
1) المبادئ وهي جمع مبدأ:
يقول الله تعالى:
(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104).
وفي تفسيرها يقول المفسرون(32):
– الشوكاني في فتح القدير 3/430:
“وإنما خصّ أول الخلق بالذكر تصويراً للإيجاد من العدم والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على المبدأ لشمول الإمكان الذاتي لهما”.
– ومثله أبو السعود في تفسيره 6/88:
ومثله فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي 8/378.
حيث يقول أبو السعود:
“أي نعيد ما خلقناه مبتدءًا إعادة مثل بدئنا إياه في كونها إيجاداً بعد العدم والمقصود صحة الإعادة بالقياس على المبدأ لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة لهما على السواء”.
ج) القواعد الفقهية:
– القاعدة في اللغة:
الأساس وتجمع على قواعد وهي: أسس الشيء وأصوله(33).
وقد ورد لفظ القاعدة في القرآن بهذا المعنى.
يقول الله تعالى:
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) (البقرة:127).
(فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ) (النحل:26).
– القاعدة في اصطلاح الفقهاء:
قال الحموي شارح الأشباه والنظائر لابن نجيم: “إن القاعدة عند الفقهاء حكم أكثري لا كلي ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامه”(34).
قال التهانوي(35): القاعدة في اصطلاح العلماء تطلق على معان ترادف الأصل والقانون والمسألة والضابط والمقصد وعرفت بأنها أمر كلي منطبق على جميع جزئياته ليتعرف أحكامها منه”.
وقال التفتازاني(36): بأنها حكم كلي ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامها منه.
وقال المَقرَّي(37): ونعني بالقاعدة كل كلي هو أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة وأعم من العقود، وجملة الضوابط الفقهية الخاصة”.
فالقاعدة الفقهية قاعدة كلية / أكثرية تتضمن حكماً تشريعياً عاماً ينطبق على جميع جزئياته ويتعرف أحكامها منه، فهي بمثابة الأصل والأساس الذي يبنى عليه غيره.
وعلى هذا النحو تتماثل مع المبدأ كما ذكرناه.
* وعلى هذا الأساس من معنى القاعدة والمبدأ سنورد مجموعة من القوانين التي نصت عليها على النحو التالي:
أولاً: نص قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 في جمهورية السودان على مجموعة من المبادئ العامة هي نفسها التي نص عليها باسم القواعد في قوانين أخرى سنذكرها. وهذه المبادئ العامة كما أوردها القانون المذكور هي:
(أ) الضرر يدفع بقدر الإمكان.
(ب) الضرر لايزال بمثله.
(ج) العادة محكَّمة عامة كانت أو خاصة.
(د) تعتبر المادة إذا اضطردت أو غلبت.
(ه) المشقة تجلب التيسير.
(و) لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
(ز) التعيين بالعرف كالتعيين بالشرط.
(ح) العجماء جرحها جبار ولكن فعلها الضار مضمون على حائزها.
(ط) على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
(ي) من كسر شيئاً فهو له وعليه مثله.
(ك) الخراج بالضمان.
(ل) الغرم بالغنم.
(م) الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل إلا بإذن.
(ن) من أخذ الأجر حوسب بالعمل.
(س) مطل الغني ظلم.
(ع) مطل القادر يُحلُّ عقوبته.
(ف) على القادر غرم الشكاية.
(ص) يضاف الفعل إلى الفاعل مالم يكن مجبراً.
(ق) المباشر ضامن وإن لم يتعمد.
(ر) المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد.
(ش) إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر.
(ت) العقد شريعة المتعاقدين.
(ث) يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع.
(خ) الضرورات تبيح المحظورات على أن الإضطرار لايبطل حق الغير.
(ذ) ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه.
(ض) لا اجتهاد مع نص.
القواعد الأساسية لإصدار الأحكام في قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م:
عند إصدار أي حكم تطبيقاً لأحكام هذا القانون يجب أن تتقيد المحاكم بالقواعد الأساسية الآتية:
(أ) رد الحقوق إلى أهلها ورفع المظالم.
(ب) إزالة الأضرار الناجمة بإجراءات استرداد الحقوق والمظالم.
(ج) الفصل الناجز في جميع المنازعات المتعلقة بالحقوق أو المظالم أو تطبيقاً لأحكام هذا القانون.
ثانياً: نص القانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن القانون المدني اليمني على مجموعة من المبادئ والقواعد الشرعية في المواد من 3-16 على النحو التالي:
مادة (3): الشريعة الإسلامية مبنية على رعاية مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم والتيسير في معاملاتهم وعدم تكليفهم بما يشق عليهم ويوقعهم في الضيق والحرج بما يخالف الشريعة الإسلامية.
مادة (4): الضرر يجب أن يزال ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض.
مادة (5): ما حرم لذاته ولسد الذريعة مباح عند الضرورة والضرورات تبيح المحظورات التي لا تندفع إلا بها.
مادة (6): الأمور بمقاصدها والعبرة في الكنايات بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
مادة (7): لا ينسب لساكت قول إلا ما استثنى بنص شرعي.
مادة (8): يجب إعمال الكلام في مقاصده.
مادة (9): اليقين لا يزال بالشك فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
مادة (10): الظن البين خطؤه لا عبرة به.
مادة (11): الأصل الظاهر (العدم) فمن تمسك به فالقول قوله، ومن أدعى خلافه فالبينة عليه، والأصل بقاء ما كان حتى يثبت غيره، والأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على تحريمها، وما حرم أخذه حرم إعطاؤه والأصل براءة الذمة حتى يثبت غيرها.
مادة (12): الأصل في المعاملات وأنواعها وكيفيتها ما أقره الشرع، ثم ما جرى به عرف الناس وتراضوا عليه، مالم يخالف حكم الشرع من تحليل حرام أو تحريم حلال، وإذا اجتمع التحليل والتحريم غلب جانب التحريم، وكل حكم مبني على عرف أو عادة يتغير بتغير ذلك العرف ويزول بزوال تلك العادة.
مادة (13): العقد ملزم للمتعاقدين، والأصل في العقود والشروط الصحة حتى يثبت ما يقتضي بطلانها والغش يبطل العقود، والضرر اليسير فيها الذي لا يمكن الإحتراز عنه عادة لايكون مانعاً من صحة العقد.
التعليق على هذا المبدأ:
وتأسيساً على ما جاء في معنى المصطلحات الشرعية التي استخدمتها القوانين ومشروعات القوانين السابقة يظهر لنا أن بينها فروقاً بالمعنى الفني الفقهي الدقيق، ولذلك يلزم أخذ هذا في الاعتبار عند تحديد مقصود واضع النص القانوني وتحديد مراده عند عدم وجود نص في القانون يطبقه القاضي، ومن ثم يجب عليه البحث عن الحكم الشرعي فيما أحاله إليه القانون نفسه والتقيد به. وبهذا يتضح لنا نطاق البحث الذي يخوله النص للقاضي ومدى اتساع دائرته من عدمه، فلاشك أن بحث القاضي عن الحكم الواجب التطبيق في دائرة المقاصد الشرعية يعطي القاضي سلطة أوسع في التقدير والملائمة، على خلاف التزامه بالبحث عن الحكم في إطار أحكام الفقه الإسلامي مع مراعاة ماقد يكون في النص المحيل من قيود وضوابط مثل:
– عدم التقيد بمذهب معين من المذاهب الفقهية أو العكس، كالقانون المدني الإماراتي وفقاً لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقاً مع واقع البلاد ومصالحها. وهكذا.
كما أن بحث القاضي في دائرة القواعد الفقهية والمبادئ يعطي القاضي أيضاً سلطة واسعة في التقدير والملائمة في المسائل والفروع المعروضة عليه وتحت أي قاعدة أو مبدأ فقهي تندرج تلك الفروع، فينفتح له بذلك باب يسهل التوصل منه إلى الإحاطة بالحكم الشرعي الصحيح، وتحصل الكفاءة في تطبيق المعاملات الجارية على القواعد الفقهية على حسب احتياجات العصر كما ذكرت مجلة الأحكام العدلية(38).
المبدأ الثالث: منهجية التخيّر والترجيح
لا شك أن اختلاف الزمان والمكان والأحوال يتطلب مراعاة الواقع والمصلحة فيه وهذا يتطلب المقدرة على الترجيح والتخيزّ حتى لا تفوت المصالح المتغيرة والأعراف المتطورة التي لا شك تستوعبها مقاصد الشريعة وقواعدها، وقد تتجافى معها بعض الآراء الفقهية بسبب الاختلافات المشار إليها.
أولاً- وجوب الترجيح عند الاختلاف:
يقول الشاطبي(39): وإذا كانت المذاهب كلها إلى الله، لكن الترجيح فيها لابد منه لأنه أبعد عن إتباع الهوى وأقرب إلى تحري قصد الشارع في مسائل الاجتهاد.
ويقول(40): إن محال الخلاف دائرة بين طرفي نفي وإثبات… فتعارض عليها الدليلان فاحتيج إلى الترجيح وإلا فالتوقف وتصير من المتشابهات.
ثانيا- (وجوب العلم بالدليل الراجح) و(وجوب اتباع ما رجح واعتمد):
يقول ابن عابدين في حاشيتة(41): “إن القول المرجوح بمنزلة العدم مع الراجح، فليس للقاضي الحكم به”(42، 43).
وجاء “إن الحكم والفتوى بما هو مرجوح خلاف الإجماع… وقال وهو المختارللفتوى”.
ويقول الإمام أبو حامد الغزالي(44) – والدليل سبب لمعرفة الحل والحرمة والترجيح عند الاختلاف في الأدلة، فإن ظهر ترجيح في جانب الحظر وجب الأخذ به، وإن ظهر ترجيح الحِلّ جاز الأخذ به لكن الورع تركه…. إلى أن قال وإن لم يظهر ترجيح وجب التوقف.
* الأصح هو أن المجتهد في المذهب من المشايخ الذين هم أصحاب الترجيح لا يلزمه الأخذ بقول الإمام على الإطلاق بل عليه النظر في الدليل، وترجيح ما رجح عنده دليله، ونحن نتبع ما رجحوه واعتمدوه كما لو أفتوا في حياتهم كما حققه الشارح… ويقول: وإلا فالواجب الآن اتباع ما اتفقوا على ترجيحه.
فمثلا: كتاب ملتقى الأبحر للشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي م 956هـ: فيه الأرجح والأصح والأقوى والمختار للفتوى في مذهب الإمام أبي حنيفة وجمع فيه مسائل(45) كتب هي: بتحقيق وهبه سليمان الألباني(46):
1- المختصر المبارك في الفقه للقدوري م 428هـ.
2- المختار للموصلي م 683هـ.
3- الكنـز- كنـز الدقائق لابن محمود م 710هـ.
4- الوقاية لابن إبراهيم المحبوبي م 781هـ.
ثالثاً- (وجوب العمل بالدليل الراجح):
يقول الآمدي في الإحكام(47): وأما أن العمل بالدليل الراجح واجب فيدل عليه ما نُقل وعلم من إجماع الصحابة والسلف في الوقائع المختلفة على وجوب تقديم الراجح على الظنين.وذكر منهجية كاملة لطرق الترجيح بعد ذلك. واستدل الجمهور على وجوب العمل بالدليل الراجح(48):
1 – إجماع الصحابة ومن بعدهم من السلف… وهكذا كان الصحابة في اجتهاداتهم يوجبون العمل بالراجح من الظنين دون أضعافهما.
2 – المعقول.
رابعاً- (منهجية الترجيح وطرقه):
* وفي طرق الترجيح ووسائله تحدث الأصوليون (أخصها كتاب الآمدي م631 هـ(49) – سواء كان ترجيحا بين النصوص أو بين الأقيسة (فيرجع إليها ونوصي بإخراجها من الآمدي) منها:
1- فما رواته أكثر يكون مرجَّحا.
2- المتواتر أرجح من الآحاد لكون الأول متيقنا والآخر مظنونا.
3- رواية السماع أولى من الرواية عن كتاب لبعدها عن تطرق التصحيف والغلط.
4- أو يكون خبر واحد فيما تعم فيه البلوى بخلاف الآخر.
5- أن يكون أحدهما أمراً والآخر نهياً فالنهي مرَّجح على الأمر.
6- الحظر أولى من الإباحة للاحتياط (ما لم يكن أحدهما الحظر والآخر الإباحة) لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرامُ الحلال”. ولقوله صلى الله عليه وسلم: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”.
7- أن يكون أحد الدليلين موافقا لدليل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس أوعقل أو حسٍّ والآخر على خلافهُ فما هو على وفق الدليل الخارج أولى.
8- أن يكون أحدهما أقرب إلى الاحتياط وبراءة الذمة بخلاف الآخر فالأقرب إلى الاحتياط يكون مقدَّما لكونه أقرب إلى تحصيل المصلحة ودفع المضرّة.
9- أن يكون الحكم في أصل أحدهما قطعيا وفي الآخر ظنيا فما حكم أصله قطعي أولى.
10- أن يكون دليل ثبوت الحكم في أصل أحدهما أرجح من الآخر.
11- أن تكون علة أحدهما أكثر تعدية من علة الآخر فهو أولى لكثرة فائدته.
ويقول العز بن عبد السلام(50): وإن التبس الحال احتطنا للمصالح بتقدير وجودها وفعلناها، وللمفاسد بتقدير وجودها وتركناهاوإن دار الفعل بين الوجوب والندب بنينا على أنه واجب وأتيناه.
وإن دار الفعل بين الندب والإباحة بنينا على أنه مندوب وأتيناه.وإن دار الفعل بين الحرام والمكروه بنينا على أنه حرام واجتنبناه. وإن دار الفعل بين المكروه والمباح بنينا على أنه مكروه وتركناه. ويقول وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن، واتفق الحكماء على ذلك، وكذلك الشراح. فإن الاحتياط لحيازة المصالح بالفعل ولاجتنابالمفاسد بالترك، وقليل من يفعل ذلك وقد يعبر عن القليل بالمعدوم.
خامساً- (التخير عند التساوي):
بعد أن أوضح العز بن عبد السلام ضوابط منهجية الترجيح قال: وإن اختلف في بعض ذلك فالغالب أن ذلك لأجل الاختلاف في التساوي والرجحان فيتخيرّ العباد وعند التساوي يتوقفون إذا تحيروا في التفاوت والتساوي… والطلب كالشرع وضع لجلب المصالح ودرء المفاسد، ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك لجلب ما أمكن جلبه من ذلك.. فإن تساوت الرتب تخيرّ وإن تفاوتت استعمل الترجيح عند عرفانه والتوقف عند الجهل به”. ويقول: “والسعيد من فعل ما اتفق على صلاحه وترك ما اتفق على فساده، وأسعد منه من ضم إلى ذلك فعل ما اختلف في صلاحه وترك ما اختلف في فساده”. ويقول: “كفى بالمرء شرفاً أن يتزين بطاعة مولاه فيما أمره ونهاه وكفى به شراً أن يؤثر هواه على طاعة مولاه.
سادساً- التخيّر عند ابن فرحون(51):
1- الركن الثاني من أركان القضاء وهو المقضي به:
(تخيّر القاضي من أقوالهم – الفقهاء – ولا يخالفهم جميعاً…)
2- إن تطبيق القانون يحتاج من القاضي إلى فهم وتأمل ودراسة للوقائع والتقصي لها ومن ثم فلا خوف من الجمود للنص أو للقاضي.
3- إن إلزام القاضي وتقييده بالقانون أمر تفرضه الضرورة العملية لحالة عدم القدرة على الاختيار والترجيح، وانقضاء عصر القاضي الفقيه المجتهد.
سابعاً- (التلفيق الممنوع):
ليس القول بجواز التلفيق مطلقا وإنما هو مقيد في د ائرة معينة فمنه ما هو باطل لذاته كما إذا أدى إلى إحلال المحرمات، ومنه ما هو محظور لا لذاته بل لما يعرض له من العوارض مثلما هو في تتبع الرخص عمداً بدون ضرورة ولا عذر، وهذا محظور شرعا سداً لذرائع الفساد بالانحلال من التكاليف الشرعية.
قال الغزالي: “ليس لأحد أن يأخذ بمذهب المخالف بالتشهي، وليس للعاصي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده فيتوسع(52).
ويندرج تحت هذا النوع بالأولى تتبع الرخص للنهي، والأخذ بالأقوال الضعيفة من كل مذهب(53).
ولما كان مجال التلفيق هو في الفروع الاجتهادية الشرعية الظنية فإن هذه الفروع الشرعية تنقسم إلى ثلاثة أنواع(54):
1- ما بني في الشريعة على اليسر مع اختلافه باختلاف أحوال المكلفين والعبادات المرخصة، ويجوز فيها التلفيق للحاجة.
2- ما بني في الشريعة على الورع والاحتياط وهو المحظورات لأن الله تعالى لا ينهى عن شي ء إلا لمضرته فلا يجوز فيها التسامح أو التلفيق إلا عند الضرورات الشرعية.
3- ما يكون مناطه مصلحة العباد وسعادتهم، وهو المعاملات والحدود، فدائرمعها أي المصلحة التي معيارها صيانة الأصول الكلية الخمسة، وصيانة المصلحة مقصودة شرعًا من الكتاب أو السنة أو الإجماع. ويقول ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص93 “والاعتبار بعموم البلوى في موضوع النص”.
ويقول الشاطبي في الموافقات(55): الحنيفية السمحة إنما أتى بها السماح مقيداً بما هو جائز على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها فتتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس والشرع جاء بالنهي عن إتباع الهوى.. والشريعة تبين الراجح من القولين فيجب إتباعه لا الموافق للغرض.
ثامناً- منهجية مجلّة الأحكام العدلية “التخيّرّ”:
جاء في تقرير المجلة(56):
“…. تعلق الأمل بتأليف كتاب في المعاملات الفقهية مضبوطاً سهل المأخذ عارياً من الاختلافات حاوياً للأقوال المختارة سهل المطالعة على كل واحد… وبموجب الإرادة العلية اجتمعنا في دائرة ديوان الأحكام العدلية وبادرنا إلى ترتيب مجلّة مؤلفة من المسائل والأمور الكثيرة الوقوع اللازمة جداً من قسم المعاملات الفقهية مجموعة من أقوال السادة الحنفية الموثوق بها، وقسمت إلى كتب متعددة وسميت بالأحكام العدلية…”.
وعلى سبيل التمثيل فقد جاء في المجلة:
(أ) في البيع والشرط:
إن المبايعات في زماننا أكثرها مربوط بالشروط، والشروط في مذهب الحنفية أكثرها مفسد للبيع إذا وقعت في صلب العقد، ومن ثم كان أهم المباحث في كتاب البيوع فصل البيع بالشرط، وهذا الأمر اقتضى مباحثات ومناظرات كثيرة، ولذا رؤي مناسباً إيراد خلاصة المباحثات التي جرت في ذلك على الوجه الآتي:
فنقول: إن أقوال أكثر المجتهدين في حق البيع بالشرط يخالف بعضها بعضاً، ففي مذهب المالكية إذا كانت المدة جزئية، وفي مذهب الحنابلة على الإطلاق يكون للبائع وحده أن يشترط لنفسه منفعة مخصوصة في المبيع، ولكن تخصيص البائع بهذا الأمر دون المشتري يرى مخالفاً للرأي والقياس، أما ابن ليلى وابن شبرمة ممن عاصروا الإمام الأعظم رضي الله عنه وانقرض أتباعهم فكل منهما رأى في هذا الشأن رأياً يخالف رأي الآخر، فابن أبي ليلى يرى أن البيع إذا دخله شرط أي شرط كان فقد فسد البيع والشرط كلاهما، وعند ابن شبرمة الشرط والبيع جائزان على الإطلاق، فمذهب ابن أبي ليلى يرى رأياً مبايناً لحديث: “المسلمون عند شروطهم”، ومذهب ابن شبرمة موافق لهذا الحديث موافقة تامة لكن المتبايعين ربما يشرطان أي شرط كان جائزاً أو غير جائز قابل الإجراء أو لا، ومن الأمور المسلمة عند الفقهاء أن رعاية الشرط إنما تكون بقدر الإمكان، فمسألة الرعاية للشرط قاعدة تقبل التخصيص والاستثناء، ولذا اتخذ طريق متوسط عند الحنفية فقسموا الشرط إلى ثلاثة أقسام: (شرط جائز وشرط مفسد وشرط لغوٌ) بيانه: أن الشرط الذي لا يكون من مقتضيات عقد البيع ولا يؤيده وفيه نفع لأحد العاقدين مفسد، والبيع المعلق به يكون فاسداً والشرط الذي لانفع فيه لأحد العاقدين لغو والبيع المعلق به صحيح، لأن المقصود من البيع والشراء التملك والتمليك أي أن يكون البائع مالكاً للثمن والمشتري مالكاً للمبيع بلا مزاحم ولا ممانع، والبيع المعلق به نفع لأحد العاقدين يؤدي إلى المنازعة، لأن المشروط له النفع يطلب حصوله والآخر يريد الفرار منه، فكأن البيع لم يتم لكن لما كان العرف والعادة قاطعين للمنازعة جّوز البيع مع الشرط المتعارف على الإطلاق، أما المعاملات التجارية فهي من أصلها في حال مستثنى…..وأكثر ذوي الحرف والصنائع قد تعارفوا معاملة خاصة تقررت بينهم، والعرف الطارئ معتبر فلا يبقى ما يوجب البحث إلا بعض شروط خارجة عن العرف، والعادة تشرط في المعاملات المتفرقة في المبايعات وليس لهذه المعاملات شأن يوجب الاعتناء بالبحث فيها، ولهذا لم تمس الحاجة في تيسير معاملات العصر إلى اختيار قول ابن شبرمة الخارج عن مذهب الحنفية، ولهذا حصل الاكتفاء بذكر الشروط التي لاتفسد البيع عند الحنفية.
(ب) في بيع المعدوم:
ذكر في المادة السابعة والتسعين بعد المائة، والمادة الخامسة بعد المائتين أنه لا يصح بيع المعدوم، والحال أن ما كان مثل الورد والخرشوم من الأزهار والبقول والفاكهة التي يتلاحق ظهور محصولاتها يصح فيه البيع إذا كان بعض المحصول قد ظهر وبعضها لم يظهر، لأنه لما كان ظهور محصولاتها دفعة واحدة غير ممكن وإنما تظهر أفرادها وتتناقص شيئاً فشيئاً اصطلح الناس في التعامل على بيع جميع محصولاتها الموجودة والمتلاحقة بصفقة واحدة، ولذا جوّز محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى هذا البيع استحساناً،وقال اجعل الموجود أصلاً والمعدوم تبعاً له وأفتى بقوله: الإمام الفضلي وشمس الأئمة الحلواني وأبوبكر بن فضل رحمهم الله تعالى. وحيث إن إرجاع الناس عن عادتهم المعروفة عندهم غير ممكن، كما أن حمل معاملاتهم بحسب الإمكان على الصحة أولى من نسبتها إلى الفساد وقع الاختيار على ترجيح قول محمد رحمهُ الله في هذه المسألة كما هو مندرج في المادة السابعة بعد المائتين.
(ج) في بيع الصُبْرة:
وفي بيع الصبرة كل مد بكذا عند الإمام الأعظم رضي الله عنه يصح البيع في مد واحد فقط، وعند الصاحبين رحمهما الله يصح في جميع الصبرة، فمهما بلغت الصبرة يأخذها المشتري ويدفع ثمنها بحساب المد على السعر الذي جرى عليه العقد، وحيث أن كثيرين من الفقهاء مثل صاحب الهداية قد اختاروا قول الصاحبين في ذلك تيسيراً لمعاملات الناس حررت هذه المسألة في المادة العشرين بعد المائتين على مقتضى قولهما. وأكثر مدة خيار الشرط عند الإمام رحمه الله تعالى ثلاثة أيام أما عند الصاحبين فالمدة على قدر ما شرط المتعاقدان من الأيام، ولما كان قولهما هنا أيضاً أوفق للحال والمصلحة وقع عليه الاختيار، وذكر بدون مدة الأيام الثلاثة في المادة الثلاثمائة، وهذا الخلاف جاز أيضاً في خيار النقد، إلا أن عدم تقييد المدة بثلاثة أيام وصحة تقييدها بأكثر من ذلك هو قول محمد رحمه الله تعالى فقط، إنما اختير قوله في هذه المسألة أيضاً مراعاة لمصلحة الناس كما ذكر في المادة الثالثة عشر بعد الثلاثمائة.
المبدأ الرابع: الاعتناء بالضوابط الفقهية
أولا: ضرورة الاعتناء بالضوابط للتقنين:
إذا كان التقنين قد أصبح ضرورة للمعاملات والعقود المالية الفقهية حتى يتحقق لها مزايا التقنين ويتحقق الأمل الذي نشدته مجلة الأحكام العدلية وبدأت تحقيقه “بتأليف كتاب في المعاملات الفقهية (تقصد طبعاً التقنين) يكون مضبوطاَ سهل المأخذ عاريا عن الاختلافات حاويا للأقوال المختارة سهل المطالعة على كل واحد حتى تعم الفائدة”، فإن هذه المرحلة يجب التهيئة والإعداد لها على نحو دائم وبشكل مستمر من انبعاث دور الضوابط الفقهية تدريساً وتحقيقاً وانتشاراً لتكون المادة الأساسية في التقنين المنشود.
وإذا كان علامة القانون المرحوم أحمد عبدالرزاق السنهورى قد دعا إلى:
1. دراسة تاريخ الفقه الإسلامي دراسة دقيقة.
2. الدراسة المقارنة لاستخلاص وجوه النظر المختلفة.
حتى يمكن مراعاة كل ذلك فيما يراد استمداده منه من نصوص تجد مكانها في تقنين عربي موحد حديث، فإننا نرى أن تدريس الضوابط الفقهية أبلغ في الأثر والإعداد من تاريخ الفقه وأقرب إلى المقارنة بالقوانين ومنهجها. ولعلّ ما تقوم به هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية من إصدار معايير شرعية أقرب إلى الضوابط الفقهية في الموضوعات التي تصدر فيها.
إذا كان ذلك كذلك فإننا نكرر الدعوة إلى تدريس مادة “الضوابط الفقهية في المعاملات المالية” ضمن مناهج أقسام الفقه المقارن في كليات الشريعة وأصول الدين بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية وقد قمنا فعلا بتدريس مادة الضوابط الفقهية في موضوعي:
1 – العقود كأهم موضوع في المعاملات المالية بعنوان ضوابط العقود في الفقه الإسلامي.
2 – الملكية وضوابطها.
وكان لنا في كل موضوع كتاباً يدرّس.
ونعتقد أن هذا هو الإعداد الجيد والإنجاز المطلوب حيث يعاد تدريس الفقه المقارن بطريقة الضوابط الفقهية فتتحقق له وفيه مقاصد التقنين حين ينادي المنادي بتقنين أحكام المعاملات المالية المعاصرة.
ثانياً: تعريف الضوابط الفقهية:
سبق القول بأن القواعد حكم كلي / أكثري ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامها منه، فالقاعدة أصل كلي يتضمن أحكاماً تشريعية من أبواب متعددة في المسائل التي تدخل تحت موضوعه ومن ثم فإنها أعم من جملة الضوابط الفقهية الخاصة(57).
0. فالضابط الفقهي لا يتعدى الموضوع الواحد الذي يرجع إليه بعض مسائله.
ويقول ابن نجيم في الفرق بين القاعدة والضابط(58):
“إن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى والضابط يجمعها من باب واحد هذا هو الأصل” ومثله السيوطي في الأشباه والنظائر.
* وقد ألُفت في الضوابط كتب مرجعية مثل:
– “الفوائد الزينية في فقه الحنفية “لابن نجيم رحمه الله وصل فيه إلى خمسمائة ضابط كلها بعنوان ضابط تتخللها أحياناً قواعد فقهية(59).
– “الكليات في الفقه” كلها ضوابط فقهية للعلامة محمد بن عبدالله الشهير بالمكناسي (سنة 917هـ 9 من فقهاء المالكية(60).
– “الاستغناء في الفروق الاستثناء” للشيخ بدر الدين محمد بن أبى بكر البكرى ذكر فيه ما يقرب من ستمائة ضابط تحت عنوان القاعدة وكلها ضوابط ذات شأن كما يقول الندوي(61).
* وقد فرق ابن نجيم بين الضابط والقاعدة فقال: “وبينهما فرق من وجهين”:
1 – من ناحية الطبيعة: فالقاعدة أساس للفروع التي تندرج تحتها فهى بمثابة العلة والفروع معلول لها.
والضابط ليس سوى تعبير عن أحكام متعددة متحدة بعبارة عامة واحدة دون اعتبار لما إذا كانت علة لهذه الأحكام أو لم تكن علة لها.
2 – من حيث النطاق: فالقاعدة أشمل وأوسع نطاقا لتناولها لفروع متعددة من موضوعات شتى ولكنها – أى الفروع – متشابهة في الحكم.
والضابط يقتصر على تناول فروع الموضوع الواحد.
ومن ثم فالقاعدة أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته عند تعرف أحكامها منه مثل:
1. العبرة في العقود للمقاصد والمعاني.
2. الغبن لا يزول بالشك.
3. لا ضرر ولا ضرار.
فالقاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى والضابط يجمعها من باب واحد ويجمع أحكام مسائل الموضوع الواحد مثل قولهم:
4. في كتاب الوكالة: “كل عقد جاز للإنسان أن يباشره بنفسه جاز أن يوكل غيره فيه”.
5. وفي كتاب الإجارة: “كل ما جاز أن يكون ثمنا في المبيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة”.
6. وفي كتاب العارية: “عارية الدراهم والدنانير وكل مكيل أو موزون ومعدود قرض”.
هذا وقد عبّر ابن نجيم(62) رحمه الله عن الضوابط بالفوائد حيث قال: “كنت قدألفت النوع الثاني من الأشباه والنظائر وهو الفوائد على سبيل التعداد حتى وصلت خمسمائة فائدة”.
7.ومن أمثلة الضوابط أيضا في باب المعاملات المالية ما قاله العلامة القدوري(63) في باب السلم:
“كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه وما لا يمكن ضبط صفته و لا يعرف مقداره لا يجوز السلم فيه”.
المبدأ الخامس: وضع منهجية فقهية لحصر المخالفات الشرعية في القوانين السارية في المعاملات المدنية المالية
إن المقاصد الشرعية يجب مراعاتها فهي المقصود الأعظم من الشريعة لاشتمالها على المصالح.
وإن المنهيات كلها مشتملة على المفاسد بمراتبها وأن الشر كله في المخالفات، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وضرورة الاحتياط في جلب المصالح ودرء المفاسد دون تعصب أو تساهل، والعقل تابع للنقل في الأحكام الشرعية بأدلتها المعتبرة، ومن ثم يلزم عدم التحيل لتفويت مقصد الشرع كله.
وإنه عند التعارض والاختلاف يكون الترجيح وفقا لقواعد الترجيح التي ذكرها الفقهاء والأصوليون مثل:
– ترجيح الحظر على الإباحة مع الأخذ في الاعتبار ما أشار إليه الغزالي من الورع.
– ترجيح المعلل بعلة متعدية على المعلل بعلة قاصرة وهكذا.
ولهذا يكون التساؤل:
س1: إلى أي مدى يكون الالتزام بالترجيح ووجوب الأخذ به وفقا “لمنهجيته” المعتمدة في الفقه والأصول؟ وبخاصة في كتاب الأحكام للآمدي.
س2: متي يكون التخيَّر من الأقوال؟
س3: متى يكون التلفيق ممنوعاً؟
ومتى تحددت “المنهجية” يكون على أساسها حصر المخالفات وفقاً لقواعد أو ضوابط تلك المنهجية وفي هذا الخصوص أذكر ما يلي:
المخالفات شر كلها:
يقول العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام(64):
“الخير كله في الطاعات والشر كله في المخالفات، ولذلك جاء القرآن بالحث على الطاعات دقها وجلها قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها، والزجر عن المخالفات دقها وجلها قليلها وكثيرها جليلها وحقيرها”.
ويقول العز بن عبدالسلام(65):
“المصلحة لا يجوز إهمالها والمفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها إجماع ولا نص ولا قياس خاص فإن فهم نفس الشرع يوجب ذلك”.
ويقول أيضاً(66):
“المصالح والمفاسد لا تعرف إلا بالشرع فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح”.
أولا- المخالفات الشرعية على دربين:
تأسيسا على ما تقدم وأخذا له في الاعتبار نقول إن المخالفات الشرعية في القوانين الوضعية المدنية والمالية على وجه الخصوص على دربين:
* الدرب الأول:
مخالفات شرعية بالإتيان أو بالفعل بمعنى إثبات أمر يخالف الدليل الشرعي من نص في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح، ومعنى ذلك اشتمال النص القانوني على مخالفة شرعية.
* الدرب الثاني:
مخالفات شرعية بالترك بمعني عدم إعمال الحكم الشرعي إذ لم يتضمنه النص القانوني، وهنا نكون أيضا بصدد مخالفة شرعية إذ لم يتضمن النص القانوني ما كان يجب أن يتضمنه من أحكام شرعية دلّ عليها الدليل الشرعي الصحيح، فالأحكام الشرعية يجب صيانتها من ناحية النص على ما يخالفها، ومن ناحية عدم النص عليها، فمقاصد الشريعة كما يقول الشاطبي وغيره مصونة من ناحيتي الوجود والعدم فيما يقيم أركانها ويثبت قواعدها عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، وما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها عبارة عن مراعاتها من جانب العدم(67).
المرحلة الأولى:
ولذلك فإن إزالة المخالفات الشرعية من القوانين المشار إليها مرحلة أولى وأساسية في تطبيق أو استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يقتضيه ذلك من:
1. إعلان المخالفات الشرعية.
2. تقديم البديل الشرعي.
وما يتطلبه هذا وذاك من ضرورة التهيئة للإعلان عن المخالفات، وإشباع الوعي حولها حتى يستطيع استقبال البديل بقناعة تامة وإيمان.
ولا شك أن هذا يتطابق مع مرحلة التدرج والتعايش والإعلان في إطار إستراتيجية تطبيق الشريعة الإسلامية.
وهذه المرحلة تستلزم إجراء حصر للمخالفات الشرعية الموجودة في القوانين القائمة وفقا للمنهجية الشرعية التي يمكن إجمالها في:
1 – ترتيب الأدلة الشرعية وبيان ما يخالف أي دليل منها وهي:
* النص من قرآن وسنة.
* الإجماع.
* القياس الصحيح.
2 – ما فيه اختلاف الفقهاء يجري فيه الترجيح وفقا لقواعد الترجيح المعتبرة شرعا.
3 – الآراء المرجوحة أو الشاذة والتي تصادم نصا أو إجماعا أو قياسا أو رأياً أقوى دليلاً منها لا يعول عليها عند الترجيح.
4 – يلزم في كل ما سبق بيان الدليل ووجه المصلحة الشرعية المعتبرة فيه.
أما المرحلة الثانية: فتتمثل في تطبيق أو العمل على تطبيق ما لم يكن موجودا من الأحكام الشرعية في نصوص القوانين المشار إليها، أو إصدارها في شكل تشريعات جديدة مكملة للمرحلة الأولى ومتممة لها ومستكملة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على أرض الواقع في تلك القوانين وما تستلزمه هذه المرحلة أيضا من إعداد وتهيئة لهذا التحول نحو استقبال هذه الأحكام الشرعية بوعي وبصيرة.
وعلى هذا النحو تتطابق منهجية حصر المخالفات الشرعية بشقيها في القوانين المدنية المالية مع توافر متطلبات النجاح بإذن الله.
ثانيا- قواعد تحديد المخالفات الشرعية(68):
على أساس ما سبق يمكن تصنيف المواد أو القضايا التي انطوت عليها التشريعات المرعية إلى أربعة صنوف:
الصنف الأول: ما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا يفوت شيئاً من أركانها وشعائرها.
الصنف الثاني: ما كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية بصورة قطعية جازمة لا تحتمل التأويل سواء ما يتعلق بالكليات أو الجزئيات وهو يندرج تحت عنوان “ما عُلِمَ من الدين بالضرورة حَظْرُه”.
الصنف الثالث: وهو ما يندرج تحت “المسائل الخلافية” سواء ما تعلّق من ذلك بالجزئيات أو الكليات.
وفي هذا الصنف هناك فسحَة في هجر رأي القائلين بمخالفته للشريعة أو الأخذ به والتعويل عليه حيث إن اختلاف الفقهاء في فروع الشريعة رحمةُ للأمة وتوسيع على العباد.
الصنف الرابع: القضايا المستجدة التي لا نصَّ للفقهاء السابقين في بيان حكمها وهذه يُتوقف فيها حتى يصدر اجتهاد جماعي في شأنها بالإقرار أو التعديل أو الإلغاء.
ثالثا- منهجية حصر المخالفات الشرعية تناسب طريقة مراجعة القانون الوضعي وتنقيته من المخالفات الشرعية والمزج بين أحكام الفقه الإسلامي والتقنينات الغربية:
هذه الطريقة لازال البعض ينادي بها، وصدرت بناء عليها قوانين في المعاملات المدنية ووضعت مشروعات قوانين وفق هذه الطريقة:
(أ) فقد صدر بناء عليها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 ونص في مادته الأولي على:
“فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقييد بمذهب معين، فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة”.
ونص في ديباجته على:
“.. جهد المشروع في التنسيق بين الأحكام التي اشتمل عليها فألف بين ما استمد من الفقه الإسلامي وبين ما اشتق من غيره من المصادر فجعل مزاجاً متآلفا يجمع بين قواعد نقلت عن الشريعة الإسلامية وقواعد نقلت عن التقنينات الغربية، وهو بتكوينه هذا يحكم التنسيق بين هذين المصدرين فيتسع لمواجهة أوضاع الحضارة الحديثة ويستحث الجهود لدراسة الفقه الإسلامي دراسة مقارنة ترده إلى ربيع حياته وتمكنه من مسايرة هذه الأوضاع متى تم إحياء الفقه الإسلامي على النحو المتقدم مهد السبيل للقانون المدني العربي”(69).
– كما صدر بناء عليها اقتراح بمشروع قانون بإصدار القانون طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية في جمهورية مصر العربية ونص في خطة العمل على:
“يراعي ما خضع له علم القانون من تطور وما أصابه من تقدم وذلك في ضوء تطور المجتمع الإسلامي وتقدم الفكر الإنساني”.
(ب) ثم وضع مشروع قانون المعاملات المالية العربي الموحد- الأمانة العامة للجامعة العربية – في نحو 1310 مادة ونص في المادة 88 منه على:
“إذا لم يوجد نص قانوني تطبق أحكام الفقه الإسلامي الأكثر ملائمة للقانون دون التقييد بمذهب فقهي معين فإن لم توجد تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها مع مراعاة العرف حيث يوجد بالشرائط المقررة فيه فقها”.
وهذه الطريقة سبق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن ناقشها، ومن المفيد أن نورد ما سطرته الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية في هذا الصدد فلقد قالت:
” وجهات النظر حول منهج السير في تقنين الشريعة الإسلامية:
تستخلص وجهات النظر التي تدور حول هذا الموضوع وأسانيد كل منها والاعتراضات التي وجهت إليها ومن محاضر ومناقشات اللجان الأساسية والفرعية على الوجه التالي:
1 – وجهة نظر ترى أن يكتفي بمراجعة القانون الوضعي لإقرار مالا يكون مختلفا مع الشريعة الإسلامية، وتعديل ما يكون مخالفا، وإضافة مالا يكون مدرجا بهذا القانون وله حكم في الشريعة.
وتستند وجهة النظر هذه إلى ما يأتي:
أ – أن هذا النهج يحقق السرعة المطلوبة.
ب – أن كثيرا من القوانين الوضعية مقتبس من الشريعة الإسلامية وتنحصر أوجه الخلاف في مواضيع محددة.
وتعارض وجهة النظر هذه بما يأتي:
أ – إن مصطلحات القانون الوضعي تختلف في معانيها عن مصطلحات الشريعة الإسلامية وإن اتفقت معها في ألفاظها في بعض الأحيان.
ب – إن القانون الوضعي كأي قانون آخر صادر عن عرف خاص وبيئة خاصة وفلسفة خاصة تختلف كثيرا أو قليلا عن الروح الإسلامية، ومن ثم فإن إقرار ما يبدو منه في ظاهره متفقا مع الشريعة الإسلامية يجر حتما إقرارا للروح الغربية التي صدر عنها القانون الوضعي.
وإلى ذلك كانت إشارة فضيلة الشيخ يس سويلم في جلسة لجنة البحوث الفقهية التاسعة عشرة بقوله ” نريد تقديم قانون روحه وجسمه إسلامي”.
مثال ذلك أن مراجعة بعض مواد القانون الجنائي قد تسفر حسب هذا المنهج عن اتفاقها مع ما يقتضيه مبدأ التعزير في الإسلام من سعة ومرونة، لكنه إذا نظر إلى أن هذا القانون الوضعي يعبر عن قيم أخلاقية معينة سادت في المجتمع الغربي في عصر من العصور وأن مبدأ التعزير في الإسلام ينبغي أن يكون مرتبطاً بالقيم الأخلاقية الخاصة بالمجتمع الإسلامي ونظرة الإسلام إلى الثواب والعقاب فإنه يصبح من الواجب تجنب القانون الجنائي الوضعي والاتجاه إلى صياغته من واقع الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي على هدى قيم الإسلام ومثله العليا..
ج – إن هذا الاتجاه يختلف مع ما قرره مؤتمر المجمع ومجلسه ولجنة البحوث الفقهية حيث تقرر “تقنين الشريعة الإسلامية لا مراجعة القانون الوضعي”.
2 – وجهة نظر ترى: أن تقنن الشريعة الإسلامية أساسا على أن ترتب من مبدأ الأمر وفقا لترتيب القانون الوضعي وأبوابه.
وتستند وجهة النظر هذه إلى أن هذا الاتجاه هو الذي يحقق سهولة تطبيق الشريعة في العصر الحديث وسرعة إنجاز المطلوب.
وتعارض وجهة النظر هذه بما عورضت به وجهة النظر الأولي من اختلاف المصطلحات بين الجانبين ومن صدور كل منهما عن فلسفة خاصة.
مثال ذلك: أن القانون الوضعي وقد جمع أنواع العقود المختلفة تحت باب واحد كان متأثرا بنظريته في العقد، وإطلاق إرادة المتعاقدين، بينما الشريعة الإسلامية لا تذهب هذا المذهب.
على أن الذين يسوقون هذه المعارضة لا يستبعدون إمكان التقريب بين الترتيب الذي يؤخذ به هنا والترتيب الذي يؤخذ به هناك وذلك في مرحلة ثانية من مراحل العمل بعد أن تصاغ المواد من الشريعة الإسلامية مباشرة فتتوفر لها الروح الإسلامية الخالصة.
الهوامش
(1) تنص المادة الرابعة على أن: تتمثل أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يلي: 3- وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الآتية: (د) الشئون التشريعية والإدارية.
(2) في ربيع الأول 1401هـ يناير 1981م أصدر مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد في مكة المكرمة القرار رقم 318 بإنشاء مجمع يسمى مجمع الفقه الإسلامي يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية واقتصادية في أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً فاعلاً بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمنفتحة على تطور الفكر الإسلامي لتلك المشكلات.
(3) 27 – 28 صفر سنة1403هـ الموافق 12-13 ديسمبر سنة 1982.
(4) يومي 26 – 27 ربيع الثاني 1404هـ الموافق 29 – 30 يناير سنة 1984.
(5) مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة رضي الله عنه – الطبعة التمهيدية 1392هـ – 1972 بإشراف مجمع البحوث الإسلامية ص 8 وما بعدها ط الشركة المصرية للطباعة والنشر بالقاهرة
(6) بحوث وتعليقات على الأحكام في المسئولية المدنية – د سليمان مرقس ص 706، وما بعدها – موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ح 352 ط الدار العربية للموسوعات – حسن الفكهاني.
(7) منهجية حصر المخالفات الشرعية في التشريعات التجارية والمالية – ابريل 1995.
(8) قانون اتحادى رقم 5 لسنة 1985 المعدل بالقانون الاتحادى رقم 1 لسنة 1987
(9) المدخل للفقه الإسلامي ص6 هامش (1) ط2 دار الكتاب الحديث.
(10) بإشراف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – الإدارة العامة للشئون القانونية
(11) قانون اتحادى رقم 5 لسنة 1985 المعدل بالقانون الاتحادي رقم 1 لسنة 1987
(12) الموافقات للشاطبى 2/8 – الموسوعة الفقهية الكويتية ح 38.
(13) انظر الجويني في البرهان 2/1230 والغزالى في شفاء العليل 159 روضة الناظر 2/344 والآمدى في الإحكام 2/277 وابن القيم الجوزية في إعلام الموقعين 3/3 وذكر المقرى في القواعد أن الأصل في الأحكام المعقوليه لأنه أقرب الى القبول وأبعد عن الحرج” القاعدة 73 ح 1/296.
(14) مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبدالسلام – د. عمر بن صالح بن عمر ص 71 رسالة دكتوراه ط دار النفائس – الأردن.
(15) الموافقات 1/139 – الإحكام في أصول الأحكام للآمدى 2/277 و 3/411 ط 1400/1980 دار الكتب العلمية – بيروت ابن القيم – مفتاح دار السعادة 2/409
(16) مشار إليها بنصها في د. عمر بن صالح بن عمر ص 77 وما بعدها مرجع سابق.
(17) ينظر قواعد الأحكام 1/7.
(18) ينظر المرجع السابق 1/9.
(19) كالغزالي في المستصفى 1/287 والمنخول /160 فما بعدها والرازى في المحصول 2/2/220 وابن قدامه في روضة الناظر 1/413 و414 وابن الحاجب في منتهى السول /182 وقد ألف الدكتور يوسف العالم رسالته للدكتوره في هذه الضروريات وسماها: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
(20) ممن أضاف العِرْض للضروريات الخمس الغزالي في إحياء علوم الدين 4/221 والقرافي في الفروق 4/33 وابن السبكى في جمع الجوامع 2/322 وابن النجار في شرح الكوكب المنير 4/162 وعده في رتبة المال تبعا لابن السبكى ولهذا ذكر أنواع الضروري خمسة وَعدّ العِرْض والمال نوعا واحدا (ينظر شرح الكوكب المنير 4/163) وقال الشوكاني في إرشاد الفحول 216: “وقد زاد بعض المتأخرين سادسا، وهو حفظ الأعراض فإن عادة العقلاء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم وما فدي بالضروري فهو بالضرورة أولى” وممن خالف في ذلك: الشاطبي حيث ألحقه بالكليات الخمس وأدخله تحت النهي عن أذايات النفوس (ينظرالموافقات 3/48) وتبعه ابن عاشور فلم يعده من الضروريات بل عده من قبيل الحاجيات وعلل ذلك بأن البشر قد أخذو ا الحيطه لأنفسهم منذ القدم، فأصبح مركوزا في الطبائع ولم تخل جماعة من البشر ذات تمدن من أخذ الحيطة له (ينظر مقاصد الشريعة الإسلامية /81 و82).
(21) ينظر تفسير المنار 11/268.
(22) ينظر أصول الفقه أبو زهرة /364.
(23) ينظر مقاصد الشريعة الإسلاميةص63و95و122و139.
(24) ينظر مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لعلال الفاسي /41و42.
(25) ينظر المدخل الفقهي العام 1/31 للرزقاه.
(26) ينظر المقاصد الشريعة الإسلامية لعبدالرحمن عبدالخالق ص9و11و20.
(27) التعريفات – ص126 – 127 – ط دار الكتب العلمية بيروت.
(28) د. القرضاوي – مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية – ص21.
(29) التعريفات – ص 168 – ط الكتب العلمية – بيروت
(30) انظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي – بتصرف – ح1 ص106.
(31) انظر المعجم الوسيط ص42.
(32) انظر أيضاً: مفاتيح الغيب للفخر الرازي 6/138 ورح المعاني للألوسي 10/151 وتفسير ابن عطية 10/214 وتفسير الطبري 5/286.
(33) المفردات للراغب الأصفهاني – تحقيق محمد سيد كيلاني ص409 ط 1381هـ / 1961م مصطفى الحلبي مصر.
– الزبيدي في تاج العروس – فصل القاف من باب الدال ح2 ص473 ط دار مكتبة الحياة – بيروت.
(34) غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر 1/22 ط دار الطباعة العامرة سنة 1357هـ.
(35) الكشاف ح6 ص278 ط1 – الهند مطبعة دائرة المعارف العثمانية سنة 1376هـ.
(36) التلويح على التوضيح 1/20 ط. محمد علي صبيح – مصر.
(37) القواعد مخطوط – اللوحة الأولى – مشار إليه في القواعد الفقهية للنووي ص41. ط دار القلم – دمشق.
(38) انظر شرح المجلة – المرحوم سليم رستم باز ص9 المجلد الأول نقلاً عن التقرير الذي تقدم للمرحوم عالي باشا الصدر الأعظم فيما يتعلق بالمجلة في غره محرم سنة 1286 هـ ط3 – دار الكتب العلمية بيروت.
(39) في الموافقات في أصول الأحكام 4/151.
(40) ص 175.
(41) جاء في رسالة رسم المفتى ص 57، 58.
(42) الإحياء 2/128.
(43) ط1 الرسالة.
(44) ج 3/ 490.
(45) (أصول الفقه وهبه الزحيلي ح 2/ 1186، 1887).
(46) (الإحكام ح 3/480).
(47) قواعد الأحكام 1/58- 59.
(48) تبصرة الحكام ص56، وما بعدها.
(49) (المستصفى ح 2/125-الإحياء 2/128).
(50) (الزحيلي أصول الفقه 2/ 1149).
(51) (عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق _ محمد سعيد الباني _ دمشق سنة 1341هـ – 1923م).
(52) ح 4/ 125.
(53) سبق الإشارة إليه.
(54) انظر المقرى – القواعد – اللوحة الأولي مرجع سابق.
(55) الأشباه والنظائر – تحقيق محمد مطيع الحافظ ص 192 ط دار الفكر دمشق – مشار إليه في القواعد الفقهية للندوى – مرجع سابق – البنانى على شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع 2/209 ط1 مصر – الاشياه والنظائر في النحو – للسيوطى 1/7.
(56) توجد نسخة مخطوطة في مكتبة الحرم المكي تحت فقه حنفي الرقم 64 – القواعد الفقهية للندوى مرجع سابق ص 48.
(57) مخطوط مكتبة الرباط برقم 1219 فقه مالكي رقم 827 شريط مصور منه بمركز البحث العلمي.
(58) مرجع سابق ص 48.
(59) الأشباه والنظائر ص15، 16، 166.
(60) اللباب في شرح الكتاب 2/45.
(61) (1/20).
(62) (2/189).
(63) 1/10.
(64) انظر الموافقات ج2 ص 7.
(65) انظر منهجية حصر المخالفات الشرعية في التشريعات التجارية والمالية وما بعدها طبع اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية – انظر في تفصيل ذلك ما سبق ص68 وما بعدها.
(66) كما صدر بناء على هذه الطريقة أيضا القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976 وجمع فيه الشارع الأردني بين أحكام من الشريعة الإسلامية وأخرى من التقنين المصري مستقاة من القوانين الغربية ونص في ديباجته على: “روعي أن يكون الفقه الإسلامي الأساس للتقنين.. ولم تغفل اللجنة بعض الأحكام الواردة في المشروع الأول والتي لا تتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي بصفة عامة ومع روحه بصفة خاصة” وراجعت اللجنة حسبما سنحت لها الظروف أقوال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم حتى تصل إلى ما يتفق وحاجة المعاملات المتطورة في ظل ما استقر من عادات وأعراف”.
وكذلك قانون المعاملات المدنية الإماراتي القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 1985 المعدل بالقانون الاتحادي رقم (1) لسنة 1987.