أبحاث

الدين والتطور الاجتماعي في مصر (1952 / 1970)

العدد 45

ستظل الفترة الناصرية, من أخصب فترات التاريخ المصري والعربي, تجاه العديد من القضايا للإجتماعية والسياسية, وستظل قضية «الدين والدولة», واحدة من أهم هذه القضايا التي لم تحسم بعد(1), وفي هه الدراسة, وانطلاقا من قناعة مؤداها أن معرفة التاريخ هي الخطوة الأولىٰ لخلق التصور المستقبلي, نحاول أن ندرس علاقة النظام السياسي الناصري تجاه بعض قضايا التطور الإجتماعي, إدراكاً, وسلوكاً. وعليه فسوف نمحور دراستنا حول الجزئيتين التاليتين :

أولاً : موقع الدين في عملية التعليم خلال الفترة (1952 ـــ 1970).

ثانياً : الدين وقضايا الأحوال الشخصية خلال نفس الفترة.

أولاً : موقع الدين في عملية التعليم خلال الفترة (1952 ـــ 1970) :

نظر النظام السياسي إلىٰ قضية التعليم كجزء من عمليات التنمية الإٍجتماعية التي واكبت حركته بامتداد الفترة (1952 ـــ 1970) وكان لعبد الناصر رؤيته الخاصة تجاه هه القضية التي توزعت علىٰ مستويات ثلاثة :

مستوىٰ أول : التعليم فيه يمثل أداة لتحقيق تكافؤ الفرص بين قطاعات المجتمع والقوىٰ المختلفة حتىٰ لا يحدث ما أسماه عبد الناصر بالانفصال بين الشعب والمثقفين «إن من دخلوا الجامعة وجدوا الفرصة التي لم يجدها الآخرون, لم يجدها العامل, ولم يجدها الفلاح, لم تجدها الغالبية العظمىٰ من هذا الشعب. إن علىٰ من دخل الجامعة وعلىٰ من يعمل فيها مسئولية كبرىٰ تجاه الشعب حتىٰ تنصهر هذه العوامل الطبقية التي تنبثق في قلوب الناس(2)».

ومستوىٰ ثان : يصبح التعليم فيه أداة لعملية التنشئة السياسية, وخاصة أن المجتمع يعيش عمليات تغيير إجتماعي, وتجديث ثوري, ولابد أن تتواكب معها جميع أدوات عملية التنشئة السياسية والتي يأتي التعليم في مقدمتها, وفي هذا المعنىٰ يذهب إلىٰ أن العلم هو السلاح الحقيقي للإٍرادة الثورية, «فمن هنا يبدأ الدور العظيم الي لابد للجامعات ومراكز العلم علىٰ مستوياتها المختلفة أن تقوم به»(3).

ومستوىٰ ثالث : يصبر التعليم فيه أداة من أدوات الحراك الإٍجتماعي, فيساهم التعليم ـــ من وجهة نظر عبد الناصر ـــ في التفاعل بين الطبقات القائمة, وتكوين طليعة من المتعلمين والمثقفين المنتمين لكل هذه الطبقات والتي كانت أول من أيّد الثورة في بداياتها(4).

وداخل قضية التعليم أدرك النظام السياسي الموقع الخاص للدّين, فاحتل خلال الفترة (1952 ـــ 1970) أهمية ورعاية خاصة, تبدّىٰ لك في مجمل سياسات وقرارات النظام السياسي التعليمية, وفي حجم المادة التعليمية المقدمة, ونوعيتها, ولمعرفة هذا الموقع الذي احتله الدين, سوف نعالج العملية التعليمية خلال الفترة موضع البحث من خلال حجم ونوعية مادة التربية الدينية والتاريخ, مقارنة بإجمالي المادة التعليمية المقدمة, مع مقارنات بين الفترات الزمنية, وبين المستويات التعليمية المختلفة (الابتدائي ـــ الإٍعدادي ـــ الثانوي). وعليه فسوف تكون مادّتا التربية الدينية والتاريخ هما المغيرين الأصليين في تحديد موقع الدين في العملية التعليمية, ويعود إختيار مادتيْ التربيةٰ الدينية والتاريخ إلىٰ أهميتهما في تحديد رؤية النظام السياسي لأحداث وخبرات التاريخ في بعدهما الإٍسلامي أو الديني, وأيضاً في معرفة طبيعة ودور الدين في حياة المجتمع المصري, وكيفية توظيف هذا الدور.

واهتم النظام السياسي الناصري بتدريس مادتْي الدين والتاريخ ولكن تفاوتت درجات الأهمية وفقاً لتطور النظام السياسي وتطور قضاياه الاجتماعية والسياسية ووفقاً للمستويات التعليمية. فالذي يدرَّس للمرحلة الابتدائية يختلف كمياً وكيفياً عما يدرَّس للإٍعدادية, وكذلك الحال بالنسبة للمرحلة الثانوية. ولمعرفة هذا النواحي نتابع المادتين خلال ثلاث فترات تايخية مختلفة, ومن خلال المستويات التعليمية الثلاث (الإٍبتدائية, والإٍعدادية, والثانوية), الفترة الأولىٰ 51/1952, وهي تغطي واقع تدريس المادتين السابق لقيام الثورة مباشرة. أما الفترة الثانية فهي 53/1954 وهي التي تبرز لنا المؤشرات الأولىٰ لعملية التغيير في تعليمهما, أما الفترة الثالثة فهي الفترة 68/1970 والتي تمثل المحصلة الأخيرة لموقف النظام السياسي من مسألة التعليم الديني والتاريخ.

1 ـــ فبالنسبة للفترة الأولىٰ 51/1952 يلاحظ تعدد أهداف النظام السياسي تجاه المادتين :

ـــ إشعار التلاميذ روح التدين ومراقبة الله وحب الخير ومحاسبة النفس.

ـــ ترغيبهم في شعائر الدين وفرائضه وتعويدهم أداءها والتمسك بها.

ـــ تنشئتهم علىٰ الآداب الإٍسلامية التي تهب النفوس وتثير نوازع الخير فيها.

ـــ الإٍتصال بكتاب الله وتجويد تلاوته ومحاولة فهم ما يستطيع التلاميذ فهمه والانتفاع به في معناه ولفظه(5).

ويؤكد الاطار السابق أيضا علىٰ ضرورة الربط بين قصص التهذيب والآيات والأحاديث التي لها علاقة بموضوع البحث وأن يضرب الأمثال لذلك من مظاهر حياة التلاميذ في بيئاتهم(6). ولقد تم تطبيق هذا كاملاً علىٰ المنهج الديني للسنوات الإٍبتدائية والتعليمية المختلفة وبدأ تدريسه الفعلي مع السنة الثالثة الإٍبتدائية, ويلاح أن إجمالي عدد الحصص الدينية وصل إلىٰ سنوات الدراسة المختلفة, وعلىٰ المستوىٰ النوعي ركز التعليم الديني علىٰ موضوعات عامة بلا مضمون سياسي واضح كالصبر والمحافة علىٰ الوقت وما إلىٰ ذلك(7).

( ب ) بالنسبة لمادة التاريخ خلال نفس الفترة يلاح أنها كانت تقدَّم بمعدل حصتين أسبوعياً وأنها هدفت إلىٰ :

«ضرورة بذل المدرس للجهد لإٍثارة انتباه التلاميذ حيث تمثل هذه القصص بداية عهدهم بدراسة التاريخ, ويحسن أن يلم التلاميذ ببعض التوايخ الهامة التي تكوّن معالم أساسية للعصور التي يدرسونها, مثل تواريخ ميلاد النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, وهجرته, وفتح العرب لمصر, وإنشاء القاهرة والأزهر»(8).

وعليه جاء تركيز المنهج علىٰ الشخصيات التاريخية الهامة في تاريخ مصر القديم, وعلىٰ سير أبطال الإٍسلام, وأحوال مصر الحربية والإِقتصادية وصلاتها الخارجية, وحالتها  الاجتماعية, وتم التركيز أيضا علىٰ أهمية الدور الذي لعبته أسرة محمد علي في تاريخ مصر المعاصر(9).

ويقدَّم منهج التاريخ في هذه الفترة نفسه, خاصة علىٰ مستوىٰ المرحلة الأولىٰ, كتجسيد واضح لرؤية النظام السياسي الملكي لتاريخ مصر قدمه وحديثه, حيث التركيز علىٰ جانب الشخصيات التاريخية الهامة, وعلىٰ الشخصيات الإٍسلامية, وأسرة محمد علي, وجميعها تعكس إهتمام النظام بإبراز تأكيده علىٰ البعد الديني, والملكي في تاريخ مصر والذي يمثله هو ذاته.

2 ـــ الفترة الثانية 53/1954 : لا يلاحظ تغير يذكر في موقف النظام السياسي الجديد تجاه تدريسه لمادة الدين, حيث تساوت الجرعة الدينية المقدمة لتلاميذ المراحل الدراسية المختلفة, فنجدها تكاد تتساوىٰ بالنسبة للمرحلة الأولىٰ مع الفترة السابقة 51/1952, وأيضاً تتشابه نوعية ما تم تقديمه من مادة علمية, وكذلك الحال بالنسبة لمادة التاريخ, مع تغيير بسيط بالنسبة لما يتعلق بالنظام السياسي الملكي, أو جذوره التاريخية والإٍجتماعية التي يعبر عنها.

( أ ) فبالنسبة لمادة الدين : يلاحظ أن تدريسها قد بدأ مع السنة الأولىٰ بعكس الفترة 51/1952 التي بدأت مع السنة الثالثة الإٍبتدائية, ويلاحظ تزايد الجرعة تدريجياً مع السنوات الخامسة والسادسة(10). وأيضاً يلاحظ تركيز المنهج إسلامياً ومسيحياً علىٰ ذات القيم التي ركزت عليها المرحلة السابقة (كالصبر وحسن المعاملة, والتواضع) وإن ازداد الحديث عن قيمة الجهاد(11). وكمياً نجد تناقص الجرعة الدينية المقدمة للطلاب في المستويات التعليمية الأخرى فهي تصل في الإٍعدادية إلىٰ 8 حصص دينية للسنوات الأربع(12)وفي الثانوية تصل إلىٰ حصة واحدة لكل قسم : الأدبي والعلمي(13). وبمقارنة ذلك بالإٍجمالي العام للحصص التعليمية تصبح الإٍبتدائية  8,5% والإٍعدادية 5,6% والثانوية 2,8%, ولكن مضمون المادة تطور نسبياً, حيث نجد التركيز علىٰضرورة عدم الإٍقتصار علىٰما يقدم إليهم من دروس إذ ينبغي. الإٍهتمام بالجمعيات الدينية والعناية بالمصلىٰوبأعمال البر والإٍحسان للفقراء وغيرها من القيم الدينية الإٍجتماعية التي تؤكد علىٰعلاقة الدين كمادة تدرَّس بالمجتمع الذي يعيشه الطالب(14).

ب ـــ بالنسبة لمادة التاريخ خلال الفترة 35/1954, يلاحظ أن هذه المادة لم يتم تدريسها في السنوات الأربع الأولىٰمن المرحلة الإٍبتدائية وبدأت مع السنة الخامسة, ولم يحدث تغيير يُذكر فيما قدَّم من مادة علمية. وكذلك الحال بالنسبة لمناهج المرحلة الإٍعدادية والتي ركز منهج السنة الأولىٰفيها علىٰبدء الحضارة الإٍنسانية, والسنة الثانية تحدثت عن مصر الفرعونية, والثالثة عن تاريخ الإٍسلام في مصر, والرابعة عن تاريخ مصر في العصر الحديث(15).

أما المرحلة الثانوية فلقد تركز التعليم حول تاريخ الدولة الإٍسلامية بالسنة الثانية, وتاريخ مصر والعالم العربي في العصر الحديث بالنسبة الثالثة قسم أدبي, ولقد تم التأكيد في المادة التاريخية علىٰقيم العروبة والتراث وعلىٰأهمية الدور الإٍسلامي في نشر الحضارة في العالم المحيط وإبراز دور العقل والفكر في انتشاره وكذلك الإٍدانة غير المباشرة للنظام الملكي السابق(16). وبالنسبة للجرعة الدينية نجدها تصل في الإٍبتدائية إلىٰ9,5% من الإٍجمالي, والإٍعدادية إلىٰحوالى 4,2% من إجمالي عدد الحصص الاسبوعية لمختلف المواد, وفي الثانوية وصلت إلىٰ5,5% من الإٍجمالي, وهي النسبة التي لا تختلف كمياً عن الفترة السابقة 51/1952. وهو ما يعطي دلالة علىٰأن تغييراً سياسياً ومنهاجياً شاملاً لم يكن قد حدث أو بعبارة أخرىٰلم يكن الوعاء التعليمي قد وصلته نتائج التغيير السياسي الذي أحدثته ثورة يوليو 1952, والتي برزت لها نتائج واضحة مع بدايات عام 1956 عندما حسمت العديد من القضايا السياسية والإٍجتماعية الداخلية والخارجية, واستقرت الأمور في أيدي النظام الجديد بقيادة عبد الناصر.

3 ـــ الفترة الثالثة 68/1970 : وتعد هذه الفترة من أهم الفترات التاريخية التي تم التركيز فيها علىٰقضية الدين ضمن البرامج التعليمية والثقافية المختلفة, ويعود ذلك إلىٰطبيعة المرحلة التي شهدت أكبر هزيمة عسكرية للنظام السياسي المصري, أثرت سياسياً واجتماعياً علىٰقطاعات المجتمع المختلفة, وكان لابد أن يترك هذا التأثير بصماته علىٰقضية التعليم, وموقع الدين والتاريخ كمادة دراسية فيها, وتعود أهمية هذه المرحلة إلىٰكونها محصلة أخيرة لمجمل سياسات النظام التعليمية ولموقع الدين فيها, ويتضح ذلك باستعراض مضمون المادة التعليمية المقدمة.

( أ ) فبالنسبة لمادة الدين : يلاحظ تأكيدها في المرحلة الإٍبتدائية علىٰضرورة تفهم التلاميذ للدين وأحكامه من معاني الإٍشتراكية القائمة علىٰالكفاية والعدل وتكافؤ الفرص والتعاون علىٰالبر والتقوىٰ, وأن ينشَّأوا علىٰإحترام العمل والإٍيمان بأهميته للفرد والمجتمع وأثره في رفع مستوىٰالمعيشة ورقي الأمة وتقدمها, وأن يُغرس في نفوسهم الإٍيمان بأن الثواب والعقاب يقومان علىٰالعدل(17). وأن أهم وسائل تحقيق أهداف التربية الدينية التي تبناها النظام أن تستغل المواقف الواقعية في حياة التلامي وفي المبادئ الدينية, وأن تستغل المناسبات الدينية والمناسبات القومية كعيد الهجرة والمولد النبوي وعيد الوحدة, وعيد الأم في تنمية معارف التلاميذ الدينية المرتبطة بهذه المناسبات القومية والإٍجتماعية, وفي إكتسابهم بعض الإٍتجاهات السليمة. ففي عيد الوحدة يمكن استغلاله في تمكين المعاني القومية والوطنية في نفوسهم مع تبصيرهم بأن الاتحاد والتعاون والتآخي من المبادئ الهامة في الدين(18), ولقد وصل حجم الجرعة الدينية إلىٰ10% من إجمالي عدد الحصص المقدمة للمرحلة في جميع المواد.

أما المرحلة الإٍعدادية : فلقد تم التركيز فيها علىٰقيم عامة مفادها أن التربية عملية تربوية تتطور مع الزمن, وتساير المجتمع وتتمشىٰمع الوجدان, والعاطفة الدينية من أقوىٰالعواطف التي تهدف إلىٰتحقيق القيم الأخلاقية والمثل العليا في الحياة(19). وعليه كانت التربية الدينية من أقوىٰالعوامل في إعداد الشباب الي يؤمن بالله وبالوطن وبالمجتمع الذي يعيش فيه علىٰأسس قوية من الديمقراطية الصحيحة والإِشتراكية القومية, والتعاون المثمر بين أفراده لتحقيق العدالة الإٍجتماعية, ولقد تركز مضمون المنهج علىٰهذه القيم وبالأخص الجانب الذي يتجه إلىٰمواجهة الإِستعمار وإلىٰقضايا التطور الإٍجتماعي وغيرها(20).

أما المرحلة الثانوية فقد تزايد المضمون الثوري للدين علىٰعكس المراحل السابقة, وأيضاً مقارناً مع الفترات السابقة, حيث نجد التأكيد علىٰقيم الولاء للوطن, ولأهدافه السامية, التي تتفق مع أهداف الدين وجهاده في مقاومة أساليب الإٍستعمار, واعتزازه بالتراث ثقافياً وخلقياً, وتقوية ميوله إلىٰالبناء علىٰأمجاد الماضين وبإرادة قوية وحب للتضحية في السلم والحرب, متخذاً من البطولات الإٍسلامية أحسن قدوة(21), وغيرها من القيم الدينية الهامة والتي تتبدّىٰواضحة في منهج القرآن الكريم والحديث والبحوث الدينية(22).

( ب ) بالنسبة لمنهج التاريخ يلاحظ أن مادة التاريخ كانت تحت عنوان «التربية الإٍجتماعية والوطنية». بالنسبة للمرحلة الإٍبتدائية قد ركزت علىٰ قيم لتعريف التلاميذ بما يناسبهم من مباديء الميثاق الوطني, واتجاهاته في الديمقراطية والإٍشتراكية, وتقوية إيمانهم بما جاء به, حتىٰ تصبح جزءاً من مقومات شخصياتهم, وتنمية روح الإٍعتزاز بالوطن والولاء له, متدرجين من الأسرة, فالمجتمع المحلي في القرية, فالمدينة, فالمحافظة, فالجمهور, فالوطن العربي, وقد تبدّىٰ هذا في مناهج التاريخ والجغرافيا(23)ونفس القيم تم تدريسها علىٰ المرحلة الإٍعدادية والثانوية, كما يظهر الجدول رقم ( 1 ) وكما تظهر القيم التي بثها المنهج التعليمي في المرحلتين(24).

وتمثل هذه المرحلة المحصلة الأخيرة للسياسات التعليمية للنظام السياسي الناصري تجاه المضمون الديني للمادة التعليمية, سواء تضمنتها مادة الدين, أو مادة التاريخ. وكرس النظام السياسي فيها قيم الإٍنتماء والإٍعتزاز بالتراث الإٍسلامي, والهوية القومية, بالإٍضافة إلىٰ القيم الروحية المتوارثة, والتي كانت موجودة بوضوح أكثر في الفترتين السابقتين, وهذا ما يوضحه الجدول رقم ( 1 ) الذي تم استخلاصه من واقع النتائج في الفترات الثلاث السابقة.

جدول رقم ( 1 )

تطور القيم الدينية داخل النظام التعليمي في مصر (1952 ـــ 1970)

العام الدراسي

المرحلة التعليمية

53/1954

68/1970

الإٍبتدائية

الدين : تم التركيز علىٰ قيم :

آداب الزيارة ـــ حسن المعاملة ـــ تدبير الوقت ـــ آداب الضيافة والتواضع.

التاريخ : تم التركيز علىٰقيم :

الكفاح المصري القديم ـــ قيم الترابط مع الأجداد ـــ قيم التوحيد والعباد.

الدين : تم التركيز علىٰ قيم :

الصراحة ـــ الوفاء بالعهد ـــ التسامح ـــ حقوق الوالدين ـــ حقوق الوطن والجهاد في سبيله.

التاريخ : تم التركيز علىٰقيم :

البطولة في التاريخ المصري القديم ـــ تاريخ الدولة الإٍسلامية ـــ بطولة صلاح الدين الأيوبي وجهاده ضد الصليبيين.

الإٍعدادية

الدين : تم التركيز علىٰ قيم :

الشجاعة ـــ الصبر ـــ الحلم ـــ ضبط النفس عند الغضب ـــ العفو عند المقدرة.

التاريخ : تم التركيز علىٰ قيم :

عظمة المصريين القدماء ـــ تاريخ مصر لم يخل من الزعماء ـــ تأثير الإسلام علىٰمصر.

الدين : تم التركيز علىٰ قيم :

الأمانة ـــ الشجاعة ـــ التوسط في الإٍنفاق والإٍدخار ـــ الموقف من اليهود إسلامياً ـــ حب الوطن.

التاريخ : تم التركيز علىٰقيم :

إبراز التاريخ وأحداثه في ضوء الميثاق الوطني ـــ التركيز علىٰالدور الإٍجماعي والشعبي للحكام الأول ـــ الجهاد.

الثانوية

الدين : تم التركيز علىٰ قيم :

الأبطال في تاريخ الإٍسلام ـــ عدم الإٍعتداء علىٰالغير ـــ الوفاء بالعهد ـــ التعاون.

التاريخ : تم التركيز علىٰ قيم :

قوة الإٍيلام قديماً ـــ الحركات الإٍستقلالية في الدولة الإٍسلامية القديمة.

الدين : تم التركيز علىٰ قيم :

الإٍعتزاز بالتراث في مواجهة الإٍستعمار ـــ التسامي بالغرائز والميول لدىٰالنشء ـــ الإٍسلام وحقوق الإٍنسان ـــ قيم الحرية والإٍخاء والمساواة في الإٍسلام.

التاريخ : تم التركيز علىٰ قيم :

عظمة الحضارة العربية ـــ تعميق القومية العربية والشعور القومي ـــ دور الإٍسلام في توحيد المنطقة العربية قديماً.

المصدر : أعده الباحث من النتائج التي وردت في الفترات الثلاث السابقة.

من الجدول السابق يلاحظ ما يلي :

( أ ) تركيز الفترات 53/1954 علىٰقيم دينية تتقارب مع القيم التي تواجدت قبل عام 1952 مما يعني أن حجم التغيير الذي حدث في بناء القيم الدينية داخل هيكل التعليم كان جزئياً وقد يكون مما ساهم في ذلك عدم الإٍستقرار السياسي وطبيعة المرحلة الإٍنتقالية.

( ب ) وجود قيم مشتركة بين فترتْي الدراسة : كالصبر والشجاعة بالنسبة للقيم الدينية, وكالتركيز علىٰعظمة المصريين القدماء, بالنسبة للتاريخ, وهو ما يعني أحد إحتمالين.

الأول : هو أن تكون العقليات التي خططت للتعليم الديني, وللتعليم بوجه عام في بداية الفترة (1952 ـــ 1970) هي نفسها التي خططت في نهاية الفترة, ومن الملاحظ هنا أيضاً طول الفترة التي تولىٰفيها كمال الدين حسين مسئولية التعليم في مصر (12 عاماً) وهو المعروف بميوله المحافظة دينياً.

الثاني : هو رغبة النظام السياسي أو حاجته سياسياً, أن تظل داخل العملية التعليمية بعض القيم الثابتة والتي تمثل سمة أصيلة في الشخصية المصرية : كالصبر وإحترام الموت, والشجاعة .. الخ, وهي القيم التي قد تفيد النظام السياسي وقت الأزمات السياسية أو العسكرية.

( ج ) حدث علىٰالرغم من التشابك السابق, تغيراً سياسياً في العديد من القيم الدينية وفي التركيز داخل مادة التاريخ علىٰبعض القيم وإبرازها كالقومية العربية والشعور القومي, وكالإٍعتزاز بالتراث الإٍسلامي, وربطه بواقع المجتمع المصري والعربي, وغيرها, وهذا التطور بتوازىٰمع التغيرات السياسية والإٍجتماعية والثقافية العامة التي حدثت في المجتمع.

ثانياً : النظام السياسي وقضايا الأحوال الشخصية :

يثير البعض بشأن موقف النظام السياسي من قضايا الأحوال الشخصية ـــ تشمل قضية المرأة وتحديد النسل والقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية ـــ إفتراضاً مفاده أن ثمة عقد غير مكتوب قام بين عبد الناصر وبين رجال الدين يقضي بألا يقترب النظام السياسي من قضايا الزوج والطلاق والميراث في مقابل إطلاق يده في باقي الأمور السياسية والإٍجتماعية, بيد أن هذا الافتراض غير صحيح علىٰإطلاقه, فلقد تعامل النظام السياسي مع قضايا الأحوال الشخصية ليس باعتبارها قضية مستقلة بذاتها, ولكن علىٰأنها جزء من قضية التغير الإٍجتماعي والسياسي وعملية التنمية التي عاشتها مصر إبان هذه الفتره. وعليه أصبحت الأحوال الشخصية قضية إجتماعية وإقتصادية, وهو ما تبرزه مدركات ومواقف النظام السياسي بوضوح تجاه قضيتْي المرأة وقوانين الأحوال الشخصية.

1 ـــ فبالنسبة لقضية المرأة : يرىٰعبد الناصر أنها لابد أن تتساوىٰبالرجل ولابد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة «حتىٰ تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية في صنع الحياة»(25). ولكن لا تصل هذه المشاركة إلىٰ الحد الذي يمكن معه تجنيد الفتيات العرب من أجل تحرير فلسطين «إذ أن للمرأة رغم هذه المشاركة واجبات أخرىٰ أكثر وأكثر بالإٍضافة إلىٰ أن لدينا رجالاً أكثر»(26). وهذه الرؤية تتضح أكثر عندما يطالب عبد الناصر بالتركيز علىٰ الدور أو المكتسبات الشخصية, وعنده أن الأسرة هي الخلية الأولىٰ للمجتمع «ولابد أن يتوفر لها كل أسباب الحماية التي تمكنها من أن تكون حافظة للتقليد الوطني مجددة لنسيجه متحركة بالمجتمع كله ومعه وإلىٰ غايات النضال الوطني»(27).

ومن حقوق المرأة الأساسية في رؤية النظام السياسي «التعليم الذي يمثل تطبيقاً حياً لمبادئ الثورة في مجال تكافؤ الفرص»(28).

وبالنسبة لمواقف النظام السياسي تجاه قضية المرأة يلاحظ أنه قد كفل لها العديد من الحقوق السياسية والإٍجتماعية الهامة, وفي مقدمتها الإٍعتراف لها بحق التصويت والترشيح لأول مرة وذلك في دستور 1956, ولقد تزايدت نسبة المشتغلات بالمهن التعليمية والفنية من 8,3% عام 1961 إلىٰ 19,3% عام 1971 من إجمالي عدد العاملين. وارتفعت نسبة المشتغلات بالأعمال الإٍدارية والتنفيذية من 9,% عام 1960 إلىٰ 1,4% مع نهاية الفترة عام 1970. وحدثت زيادة ملحوظة في الحقوق الإٍجتماعية للمرأة كان لها مؤشراتها الواضحة ففي عام 1967 بلغ عدد الجمعيات النسائية 190 جمعية, أما اللجان النسائية في جمعيات مشتركة فيبلغ عددها 470 لجنة, كما تبلغ عدد الجمعيات الأخرىٰ التي شاركت المرأة في عضويتها 233 جمعية.

وتجدر الإٍشارة أيضاً إلىٰ نشاط إجتماعي هام ظهر بفعل النظام السياسي المصري تجاه المرأة وهو نظام الرائدات الريفيات الذي أخذ به في مصر منذ عام 1964, حيث أن العمل الإٍجتماعي الرسمي بالريف كانت تمارسه وزارة الشئون الإٍجتماعية من خلال الوحدات الإٍجتماعية التي تعمل في مجال تنمية المجتمع حيث يقوم به في الغالب أخصائيون إجتماعيون بينهم نسبة محدودة من النساء, وقد وُجد أن طبيعة العمل الوظيفي وأعباءه بالإٍضافة إلىٰ عدم إنتماء الأخصائيين الإٍجتماعيين (بما في ذلك الإٍناث) إلىٰ القرىٰ التي يعملون بها في الغالب, كل ذلك يجعل تأثير العمل الإٍجتماعي الرسمي محدوداُ, في إعداد قيادات نسائية محلية يتوفر لها المعرفة والإٍحساس بمطالب نساء القرية, والقدرة علىٰ التعبير عنها والمهارة اللازمة لتجميع النساء الريفيات, وراء الجهود المختلفة المحققة لها, وتزداد مساهمة نساء القرية الإٍيجابية والجادة في برامج تنمية المجتمع وتعمل كقيادة محلية وسيطة تعبر الفجوة الثقافية بين العقلية والمفاهيم الحضرية من جهة, والعقلية والمفاهيم الريفية من جهة أخرىٰ, وتعاون القيادات الحضرية في إدراك الواقع الريفي والعمل معه بالأساليب التي تتلاءم وطبيعة ظروفه وأوضاعه الإٍقتصادية والثقافية والإٍجتماعية(29).

هذا عن الوضع العام للمرأة في مجال إهتمام النظام السياسي وسلوكياته السياسية تجاهها. ويبقىٰ قضية تعليم المرأة وأخيراً قضية الأحوال الشخصية.

فبالنسبة لإٍنجازات النظام السياسي في قضية تعليم المرأة : يلاحظ أن مجال التعليم الذي سبق الإٍشارة إليه كان من أهم المجالات التي دخلت فيها الثورة محدثة تغيرات عدة علىٰ المستويين الكمي والكيفي. وكان طبيعياً أن ينسحب التغيير علىٰ العنصر النسائي في عملية التعليم, حيث يُجمع العديد من الدراسات علىٰ أن التغييرات التي أحدثتها الثورة في النظام التعليمي النساء, وخاصة من الطبقات الدنيا, ونخص هنا مجانية التعليم, والإٍهتمام بإنشاء المدارس بالريف والحضر ووجود حوافز لدىٰ الأسر لتعايم بناتهن نتيجة لاتساع النطاق النسبي لفرص عمالة النساء, لأن التعليم لم يعد في هذه الفترة مجرد غاية في حد ذاته كما كان علىٰ العهد السابق بالنسبة لبنات الطبقات لعليا. وقد أدىٰ لك إلىٰ إقبال النساء علىٰ التعليم مما أدىٰ إلىٰ تغير وأحياناً ضعف نوعي في ها المجال(30), ويمكن رصد هذه التغييرات إحصائياً علىٰ النحو التالي :

ـــ في المرحلى الإٍبتدائية كانت نسبة الإٍناث سنة 1954 (35%) إرتفعت إلىٰ (38%) عام 1970. هذا بجانب وجود إرتفاع ملموس في نسب إستيعاب المدارس الإٍبتدائية للأطفال اللائي في سن الإٍلزام. فقد تبين أن هذه النسب كانت في عام 1960 (56%) ارتفعت إلىٰ (85%) عام 1971.

ـــ أما في التعليم الإٍعدادي فنظراً لأنه لم يكن موجوداً قبل 1952, فسوف نكتفي هنا بعرض تطور عدد الإٍناث بعد 1952, ففي عام 53/1954. كان عدد الإٍناث في هذه المرحلة 72 ألف تلميذه, زاد في عام 65/1966 إلىٰ 174 ألف تلميذة وفي عام 71/1972, ارتفع إلىٰ 304 ألف تلميذة. وباتخاذ عام 53/1954 كسنة أساس نجد أن عدد المقيدات في عاميْ 65/1966, 71/1972, قد زاد بنسبة 142%, 322% علىٰ التوالي. وبالنسبة للإٍعدادي الفني فقد لوحظ أن عدد المقيدات به, قد تناقص حتىٰ وصل إلىٰ أقل من 500 تلميذة في عام 71/1972, وقد يرجع ذلك إلىٰ الصعوبات التي تواجه خريجات هذا النوع من التعليم في الحياة العملية(31)وقد كانت نسبة الإناث في التعليم الثانوي قبل 1952 تصل إلىٰ 12,3% إرتفعت إلىٰ 32% عام 1970%, وبالنسبة للتعليم الجامعي قبل 1952 كانت النسبة تصل إلىٰ 5,4% وزعت علىٰ الكليات التالية التي يظهرها الجدول التالي رقم (2) : ـــ

(جدول رقم 2)

(النسبة المئوية للتعليم الجامعي للإٍناث مقارناً بين عاميْ 40/1941 ـــ 71/1972)

اسم الكلية

النسبة المئوية للإٍناث

40/1941

النسبة المئوية الإٍناث

71/1972

الآداب

الحقوق

التجارة

العلوم

الهندسة

الزراعة

الطب البشري

طب الأسنلن

الصيدلة

الطب البيطري

الاقتصاد والعلوم السياسية

دار العلوم

معاهد التمريض

كلية المعلمين

كلية البنات

12,8

1,1

ـــ

6,7

ـــ

ـــ

7,3

3,7

1,3

ـــ

ـــ

ـــ

ـــ

ـــ

ـــ

97,81

25,93

50,94

39,45

13,97

30,59

30,10

57,57

62,22

14,75

92,41

47,89

(676) طالبة

30,27

(4262) طالبة

الاجمالي

ـــ

41,22

المصدر : د. أنعام سيد عبد الجواد, المصدر السابق, ص151

ويلاحظ من الجدول رقم (2) ارتفاع نسبة الإٍناث في الكليات المختلفة, كما يلاحظ أيضاً أن هناك كليات إلتحقت بها الفتاة لم تكن قائمة قبل 1952 مثل : التجارة, الهندسة, الزراعة, الطب البيطري, دار العلوم.

2 ـــ بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية :

من المتعارف عليه أن الإٍهتمام بالأحوال الشخصية من قبل الدولة يعود إلىٰبداية القرن العشرين عندما صدر القانون رقم 25 لسنة 1921 والذي عالج سن الزواج ورتب علىٰمخالفته عدم سماع الدعوىٰ, ثم المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929, والذي عالج بعض مسائل الطلاق. ثم القانون رقم 78 لسنة 1931 والذي عالج النفقة والعدة والعجز عن النفقة والمفقود(32). ثم المادة 13 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 بتعداد المسائل التي تدخل في نطاق الأحوال الشخصية فقرر أنه تشتمل علىٰالمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم. أو المتعلقة بنظام الأسرة أو بالمواريث والوصايا وغير ذلك مما يتصل بالأحوال الشخصية, ونظراً لتطور الأوضاع السياسية والإٍجتماعية والثقافية بعد قيام الثورة عام 1952 كان لابد أن تحدث بعض التعديلات المواكبة لهذا التطور علىٰنطاق قوانين الأحوال الشخصية وخاصة المرأة التي تأتي في البؤرة من هذه القوانين(33), والتي دخلت المجالات السياسية والاجتماعية والتعليمية وبتطور سريع.

ومن هنا كان التعديل الجزئي في قوانين الأحوال الشخصية والتي يتفق المؤرخون علىٰأنها لم تُمس فعلياً طيلة الفترة إلا في النطاق الذي يدعم حرية المرأة, ويعين علىٰمساواتها بالرجل, فكانت الإٍنجازات السياسية والتعليمية السابقة, وكان أهم التعديلات التي أدخلت علىٰقانون الأحوال الشخصية عام 1960 عدم جواز انفيذ حكم الطاعة علىٰالزوجة الناشر جبراً عن طريق الشرطة. وكان ذلك جائزاً منذ أقل من عقدين من الزمن(34). وقدم إقتراح بتعديل المادة 103 من قانون الأحوال الشخصية والمتعلقة بأحوال الطلاق في إبريل 1967, وثار بشأنه العديد من المناقشات داخل مجلس الأمة وبالصحافة التي علت فيها نبرة التغيير في هذه القوانين(35). ولكن هذا القانون لم يمر بل أغفل تماماً, ويعود ذلك إلىٰأحداث حرب 1967 التي أعادت ترتيب الأولويات في العمل الداخلي بقضاياه المختلفة.

والجدير بالذكر أنه كانت هناك أيضاً محاولات لتوحيد قانون الأحوال الشخصية بين الإٍقليميين المصري والسوري إبان فترة الوحده, بحيث يشتمل علىٰقانون موحد لجميع الطوائف والتأكيد علىٰحقوق غير المسلمين في القطرين(36). وجاء الإٍنفصال عام 1961 فأوقف هذه المحاولات(37).

والخلاصة : أن قضيتيْ التعليم, وقوانين الأحوال الشخصية, وما يشتملان عليه من قضايا أخرىٰخاصة بالتطور الإٍجتماعي, لا يمكن عزلهما كما سبق القول عن مجمل التحويلات الإٍجتماعية والسياسة التي حدثت بمصر إبان الفترة (1952 ـــ 1970) وبالنسبة لقضايا الأحوال الشخصية, أولاً : نجد أن النظام السياسي كان دافعه في هذا إعتبارات عديدة, منها إعتبارات دينية خاصة تتعلق بإعتبار عبد الناصر إنساناً محافظاً علىٰالمستوىٰالشخصي, ومنها إعتبارات إجتماعية داخلية كاحتمالات الرفض المتوقعة من جماهير العلماء ورجل الشارع, وأيضاً إعتبارات عدم إمكانية النظام أن يضرب كل التيار الديني ـــ السياسي وغير السياسي مرة واحدة, أي أن يصطدم بالإٍخوان المسلمين ثم يصطدم برجال الدين المحافظين أيضاً من خلال تعديل هذه القوانين. من كل هذا يمكن القول بأن قوانين الأحوال الشخصية لم تتغير كثيراً علىٰالمستوىٰالإٍجرائي عما سبقها(38).

ولكن ما تغير خلال هذه الفترة هو الدور الذي أكده إقتناع النظام السياسي بضرورة هذا التغير وبأهمية الدور الإٍجتماعي والسياسي للمرأة, بل لقد كانت مدركات القيادة السياسية أكثر تطوراً في نظرتها للمرأة في إطار أشمل, إجتماعي وسياسي وحضاري, ولابد أن يُثار التساؤل أيضا حول ذلك الاختلاف والتباين بين موقف النظام السياسي الناصري من قضية الأحوال الشخصية علىٰالمستويين العملي والنظري, ففي حين اقتصر التعديل النظري في هذه القضية طيلة الفترة (1952 ـــ 1970) علىٰالقانون رقم 628 لسنة 1955, ومنشور وزارة العدل الصادر في 3/2/1967 والقاضي بالإٍستغناء عن اتباع طريق الشرطة وقصره علىٰالإٍعلان المدني, علىٰالمستوىٰالعملي لم يقترب النظام كثيراً من هذه الجوانب الأسرية, علىٰالرغم من هذا فلقد أعطىٰالنظام السياسي ـــ كما تبين فيما سبق ـــ حقوقاً سياسية وثقافية وتعليمية للمرأة فاقت ما أعطىٰلها فيما سبق عام 1952.

والملاحظة الأخيرة في هذا المجال هي الغياب الكامل أو شبه الكامل لمادة الدين أو لأي مضمون ديني, داخل مناهج التعليم الجامعي, وقصر الدين علىٰكليات بعينها  داخل جامعة الأزهر, وتواكب ذلك مع عملية التطوير التي أدخلها النظام السياسي علىٰالأزهر, وعلمنته لأمور الأزهر ولرسالته, ودخول التعليم المدني إلىٰالأزهر ـــ المؤسسة الدينية التاريخية ـــ بينما لم يحدث تطور مماثل, أي دخول الدين إلىٰحيث التعليم المدني في نفس الفترة.

أما بخصوص التعليم فقد أتىٰفي مقدمة اهتمامات النظام السياسي, حيث توسع كمياً ونوعياً وعلىٰمستويات مختلفة في هذا المجال. ظهر هذا واضحاً علىٰمجانية التعليم وعلىٰمستوىٰإنشاء المدارس والجامعات وعلىٰمستوىٰنوعية ما يدرس وعلىٰمستوىٰتوظيف خريجي هذا المجال. ويلاحظ أيضاً اهتمام النظام السياسي بمادة الدين خلال فترات الدراسة المختلفة. ولكن تفاوت هذا الإٍهتمام في الفترة (1952 ـــ 1970) حيث اختلفت مثلاً سنوات (1952 ـــ 1954) عما تلاها من سنوات. وتحديداً بعد عام 1967, وكان الإٍختلاف علىٰالمستوىٰالنوعي لمادة الدين, واختلف أيضاً مضمون ما تم تدريسه من مرحلة دراسية إلىٰأخرىٰحيث ازدادت الجرعة الدينية كمياً ونوعياً في بعض المراحل وقلت في بعضها الآخر طبقاً لظروف المرحلة والتطورات السياسية والأزمات المحيطة بالمجتمع.

وفي مجمل التصور بالنسبة لموقف ثورة يوليو من قضايا التطور الإٍجتماعي يلاحظ أن هذا الموقف كان منحازاً في قرارته إلىٰفئات الشعب الفقير, والتي لم يسبق لها أن حصلت علىٰمثل هذه الحقوق التي أحرزتها لها الثورة. وإذا كان النظام السياسي قد قصّر في بعض مواقفه العلمية إلا أن هذا لم يكن علىٰإطلاقه. وهو أيضاً لا ينسحب إلىٰالإٍدراك الذي لم يكن ذنبه قصور التطبيق ذلك القصور الذي لازم النظام السياسي لثورة يوليو خلال بعض سنوات الفترة موضع البحث.

الهــوامــش

(1)تعتمد هذه الدراسة علىٰالروح العامة لرسالة الماجستير في العلوم السياسية التي تقدم بها الباحث إلىٰكلية الإٍقتصاد جامعة القاهرة في 24/5/1984 وكانت بعنوان (العلاقة بين الدين والدولة في مصر 1952 ـــ 1970) وأجيزت بتقدير إمتياز وأثارت في جينما بعضاً من ردود الأفعال السياسية والفكرية.

(2)خطاب للرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 27/2/1961.

(3)الميثاق الوطني, مصدر سابق, ص121.

(4)خطاب للرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 27/7/1961.

(5)المصدر : منهج الدين واللغة العربية والخط العربي لمدارس المرحلة الأولىٰللبنين والبنات (القاهرة, وزارة المعارف العمومية, مطبعة دار المعارف العمومية, 1952) ص13.

(6)المصدر السابق : ص14.

(7)نفس المصدر, ص ص 15 ـــ 18.

(8)المصدر : مناهج الموضوعات الاجتماعية للسنتين الخامسة والسادسة في المرحلة الأولىٰ(القاهرة : وزارة المعارف العمومية. مطبعة وزارة المعارف العمومية, 1952) ص ص 10 ـــ 12.

(9)المصدر السابق, ص14.

(10)   المصدر : مناهج الدراسة للمرحلة الابتدائية 53 ـــ 1954 (القاهرة, وزارة المعارف, مطبعة وزارة المعارف, 1954) ص1.

(11)   المصدر السابق, ص ص 9 ـــ 10, كذلك : مناهج الدين المسيحي للمرحلة الابتدائية (القاهرة, وزارة المعارف العمومية, 1954) ص 2.

(12)   المصدر : مناهج مواد الدراسة للمرحلة الاعدادية 53/1954 (القاهرة, وزارة المعارف العمومية, مطبعة وزارة المعارف, 1954) ص ص 4 ـــ 10.

(13)   المصدر : مناهج مواد الدراسة للمرحلة الثانوية 53/1954 (القاهرة : وزارة المعارف 1954, 588 ـــ 6).

(14)   مناهج المرحلة الاعدادية,مصدر سابق, ص ص 10 ـــ 15 وكذلك مناهجالثانوية, مصدر سابق ص 10.

(15)   منهج التاريخ للاعدادية 53/1954 (القاهرة : وزارة المعارف, مطبعة وزارة المعارف 1954) ص52.

(16)   منهج التاريخ للمدارس الثانوية 53/1954 (القاهرة, وزارة المعارف, مطبعة وزارة المعارف, 1954) ص ص 56 ـــ 62.

(17)   المصدر : وزارة التربية والتعليم, مناهج المرحلة الابتدائية المطورة لعام 68/1969 (القاهرة, مطابع مؤسسة الاهرام, 1970) ص 7.

(18)   المصدر السابق, ص ص 7 ـــ 11.

(19)   وزارة التربية والتعليم : المناهج المعدلة للمرحلة الإٍعدادية (القاهرة, الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية, 1970) ص ص 2 ـــ 5.

(20)   المصدر السابق, ص ص 5 ـــ 6.

(21)   المصدر : المناهج المعدالة للثانوية العامة 68/1969 (القاهرة, وزارة التربيه والتعليم, 1968) ص ص 5 ـــ 8.

(22)   المصدر السابق, ص ص 28 ـــ 30.

(23)   المصدر : وزارة التربية (التربية الإٍجتماعية والوطنية, مناهج المرحلة الإٍبتدائية المطورة) (القاهرة : مطابع مؤسسة الأهرام, 1970) ص ص 170 ـــ 180.

(24)   أنظر : المناهج المعدلة للمرحلتين الإٍعدادية والثانوية 68/1969, مصدر سابق.

(25)   الميثاق الوطني : مصدر سابق, ص104.

(26)   خطاب للرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 18/11/1965.

(27)   الميثاق الوطني, مصدر سابق. ص104.

(28)   كمال الدين حسين : بيانه أمام مجلس الأمة : التربية والتعليم خلال 5 سنوات )القاهرة : منشورات وزارة التربية والتعليم, إدارة الشئون العامة, أغسطس 1975) ص ص 24 ـــ 26.

(29)   تفاصيل ها الجانب في : علي فهمي : العلاقة بين دور المرأة المصرية في التنمية وتطور التشريعات الخاصة بالأسرة في مصر, عدد خاص من المجلة القومية الإٍجتماعية, تصدر عن المركز القومي للبحوث الإٍجتماعية والجنائية (القاهرة, 1977) ص ص 91 ـــ 100.

(30)   د إنعام سيد عبد الجواد : الوضع الإٍجتماعي للمرأة في القانون المصري المعاصر, رسالة دكتوراه عير منشورة (جامعة القاهرة, كلية الآداب, يوليو 1980) ص149.

(31)   د إنعام سيد عبد الجواد, المصدر السابق, ص149.

(32)   نفس المصدر, ص ص 199ـــ 213.

(33)   من أمثلة هه القوانين : القانون رقم 628 لسنة 1955 الخاص ببعض الإٍجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف, والذي جاء مكملاً لقوانين إلغاء المحاكم الشرعية, وهو لم يمس قضية المرأة بشكل جذري.

(34)   علي فهيم, مصدر سابق, ص106.

(35)   د. جمال العطيفي : مناقشة صريحة لقانون الأسرة. الأهرام بتاريخ 25/ابريل 1967.

(36)   الأهرام بتاريخ 20/8/1959.

(37)   تفصيل النواحي الخاصة بالأحوال الشخصية. أنظر : د. حسن حنفي, مصدر سابق, ص ص 196 ـــ 198.

(38)   يؤكد هذه النتيجة متابعة ما نشر بالجرائد والوثائق الرسمية وقتئذ والتي اقتصرت علىٰاقتراحات وشاريع لم تتعد ذلك إلىٰحيز التنفيذ, لنظر الاهرام بتاريخ 24 ـــ 28/12/1968.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر