أبحاث

الغناء والموسيقى: حلال أم حرام؟ القضية في اللغة والقرآن والسنة

العدد 92

الغناء : كلام.. ولحن.. وأداء..

ولقد دار الحديث عن هذا الغناء في الموروث الإسلامي _ سنة شريفة.. وفقهًا.. وفكرًا _ تحت مصطلحات عدة، منها : مصطلح <<اللهو>> ومصطلح <<السّماع>>.

وقد يتبادر إلى الذهن المعاصر أن استخدام مصطلح <<اللهو>> في وصف الغناء إنما يحمل معاني سلبية، تشى بالكراهة أو التحريم للغناء.. ولما كان هذا الذي قد يتبادر إلى الذهن المعاصر غير وارد ولا صحيح، كان علينا أن نبادر بضبط مضمون مصطلح <<اللهو>> الذي صنفـت تحته _ في كتب السنة _ الأحاديث التى وردت في موضوع الغناء.. والذي استخدم كذلك في القرآن الكريم..

فاللهو _ في مصطلح العربية _ ليس بالضرورة ما يلهي عن الطيبات والعبادات والخيرات.. وإنما هو كل ما يشتغل به الإنسان وينشغل به فيلهيه ويتلهى به عن سواه.. فالاشتغال بالطيبات لهو عن الخبائث، والعكس صحيح.. واللهو : ما يأنس به الإنسان ويُعجبُ به.. لكن استعمال هذا اللفظ غلب على ما يطرب النفس ويؤنسها ويروح عنها.. وكما جاء في (لسان العرب) _ لابن منظور _ <<فاللهو : ما لهوت به ولعبت به وشغلك من هوىً وطرب ونحوهما.. ولهيتُ عن الشىء : إذا سلوتُ عنه وتركتُ ذكره، وإذا غفلتُ عنه. ولهت المرأة إلى حديث المرأة تلهو لهوًا : أَنِسَت به وأعجبها. واللهو : النكاح _ أى الزواج _ واللهو : المرأة والولد _ أى زينة الحياة _ وقد يُكني باللهو عن الجما ع.. والملاهي : هي آلات اللهو.. أى مطلق الوسائل التى تُحدث الأُنس واللذة للإنسان، فتشغله عند حدوثها عما سواها.

وكذلك الحال في القرآن الكريم، يرد الحديث عن اللهو في سياق المناشط الإنسانية المباحة، إذا هو لم يله الإنسان عن الفرائض والواجبات والضرورات.. فتتحدث الآيات عن فرائض، وضرورات، ومباحات _ عن صلاة الجمعة، والبيع، والانتشار في الأرض  والابتغاء من فضل الله، وذكر الله، والتجارة، واللهو _ داعية المؤمنين إلى وضع كل منها في مقامها وتوقيتها.. وناعية عليهم الخلل الذي يضع الأمر في غير موضعه، أو يصرف عن الواجب إلى المباح {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(9)فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُـــــــرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِْ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(11)}(1).

فالبيع ليس حرامًا.. لكن الحرام أن يلهينا ويشغلنا عن صلاة الجمعة.. والانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله من الضرورات.. لكن وقتهما ومكانهما ليس في وقت الصلاة.. والتجارة واللهو من المباحات.. بشرط ألا يشغلا الإنسان ويصرفاه عن صلاة الجماعة.. فاللهو _ أى اللذة بالطرب _ وضع هنا مع البيع والتجارة والانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله أي مع الضرورات والمباحات وإذا كان اللهو هو مطلق ما يلهي ويشغل الإنسان عن أمر آخر، فإن الآيات لا تحرمه ؛ لأنه ليس محرمًا لذاته وعينه، وإنما لما فيه من الذهول عن الواجب _ ولقد وضعته مع المباحات  والضرورات والواجبات _ وإنما هي تدعو إلى التوازن الجامع في حياة الإنسان ؛ ليقوم بالواجبات،  ويحقق الضرورات، ويحصّل الحاجيات، ويجدد ويزين حياته بالتحسينات والكماليات واللذات من المباحات.

بل إن هذا الإنسان لو لهته وشغلته الصلاة _ غير المفروضة _ مثلاً كل الوقت عن الضرورات والمباحات لعد ذلك غلوًّا في الدين.. وكذلك الحال لو لهته الضرورات عن الفرائض، أو شغلته المباحات عن الواجبات والضرورات..

ولقد روى عن جابر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال : <<من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة، إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبى أومملوك، فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه، والله غني حميد>>(2).. فترك التجارة واللهو هنا مطلوب ممن وجبت عليه الجمعة، أما من لم تجب عليه الجمعة من النساء والمرضى والمسافرين والصبيان فلا عليهم أن يمارسوا المباحات(3).

وعن جابر بن عبد الله :<< كانت الجوارى إذ نُكحن يمررن بالمزامير والطبل، فانفضوا إليها، فنزلت _ آيات سورة الجمعة _.. <<وقيل: إن خروجهم لقدوم دحية الكلبى بتجارته، ونظرهم إلى العير تمرّ >>(4).

وفي سورة الأنعام : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُون} وليس المراد بها ذم الحياة الدنيا، ولا ذم اللعب واللهو، وإنما المذموم هو قول الكفار : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} وهو الذي جاءت في سياقه الآية : {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(29)وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ(30)قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ(31)وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(5).

وفي النص دليل على أن المذموم ليس الحياة الدنيا ولا اللعب واللهو، وإنما المذموم هو إنكار الكافرين للبعث، يقول القرطبي : << فالمقصد بالآية تكذيب الكافرين في قولهم : <<إن هي إلا حياتنا الدنيا>>(6).

فالنظرة الإسلامية للهو _الغناء _ تضعه في خانة المباحات، المباحات لذاتها، والتى تعرض لها _ بسبب ما يلحق ويقترن بها وينتج عنها _ الأحكام الشرعية التى تعرض للمباحات.. فقد يبقى الغناء على الإباحة _ التى هي الأصل _ وقد يعرض له ما يجعله واجبًا، أو مندوبًا، أو مكروهًا، أو حرامًا.. مثله في ذلك مثل سائر المباحات _ ومنها الأكل والشرب _ الأصل فيها الإباحة، وقد يعرض لها ما يجعلها واجبة، أو مندوبة، أو مكروهة، أو حرامًا .

وإذا كان الغناء في جوهره : صوت جميل تصاحبه ألحان وأنغام مؤتلفة تزيده جمالاً، فلقد عرض الفكر الإسلامي لهذا  الغناء باعتباره فطرة إنسانية تحاكي بها الصنعة الإنسانية الخلقة الإلهية التى أبدعها الله وخلقها في الطيور والأشجار.. فالصوت الجميل الصادر من حنجرة الإنسان هو محاكاة للأصوات الجميلة الصادرة من حناجر البلبل والعندليب والكروان.. ومعزوفات الأوتار التى تثمر الألحان المؤتلفة والجميلة هي محاكاة الصنعة الإنسانية لما تعزفه الأشجار والأغصان والأوراق في الحدائق الغناء عندما تهب عليها الرياح والنسمات.. وإذا كان غير وارد ولا جائز ولا معقول تحريم الأصوات الجميلة إذا جاءت من حناجر الطيور، فلا منطق يحرّمها إذا صدرت من حنجرة الإنسان ؛ إذ لا فرق بين حنجرة وحنجرة.. وإذا كان غير وارد _ ولم يحدث _ أن حرّم أحد الأصوات المنكرة، ولا الأنغام المتخالفة، فمن غير المنطقي ولا المعقول تحريم الأصوات لأنها جميلة غير منكرة، أو الأنغام لأنها مؤتلفة غير متخالفة.

بهذه النظرة الفطرية نظر العقل المسلم _ والإسلام دين الفطرة _ إلى الغناء والألحان، وجاءت كلمات حجة الإسلام أبى حامد الغزالى (450 _ 505هـ 1058 _ 1111م)  معبرة عن هذا المنطق الفطرى عندما قال : <<فالأصل في الأصوات حناجر الحيوانات، وإنما وضعت المزامير على أصوات الحناجر، وهو تشبيه للصنعة بالخِلقَة التى استأثر الله تعالى باختراعها، فمنه تعلم الصناع، وبه قصدوا الاقتداء.. فسماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة موزونة، فلا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب، وسائر الطيور، ولا فرق بين حنجرة وحنجرة، ولا بين جماد وحيوان، فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي، كالذي يخرج من حلقه أو مــن القضيب والطبل والدف وغيره>>(7).

وإذا كان هذا هو منطق الفطرة وبرهان العقل، فإن برهان النص والنقل _ في الإسلام _ يدعم هذه النظرة، التى جعلت الغناء من المباحات في ذاتها، والتى جعلت الأحكام الأخرى عارضة له وعليه بسبب ما يعرض له فيخرجه عن أصل الإباحة..

فالنموذج الإسلامي للحياة الإنسانية _ والذي نتأسي فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم _ هو النموذج المتكامل المتوازن، الذي يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدًا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدًا، والذي يُقبل على الآخرة التى هي خير وأبقى، دون أن ينسى نصيبه من زينة الحياة الدنيا وطيباتها، والذي يتجنب غلوى الإفراط والتفريط في كل مناحي الحياة.

فالأسوة الحسنة _ صلى الله عليه وسلم _ كان نبي الملحمة، وأيضًا نبي المرحمة.. وكان يأنس إلى المساكين ويستطيب الخشن من العيش والفراش، وفي ذات الوقت يستعيذ بالله من الفقر والدَّين.. وكان يستشعر ويستلهم آيات ومظاهر ومصادر الجمال التى أودعها الله، سبحانه وتعالى، في الوجود.. فيستعيذ بالله _ في دعاء السفر_ من كآبة المنظر.. ويدعو ربه  _في صلاة الاستسقاء _ : << اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها >>.. ويطلب للمسلم _ حتى في المجتمع الفقير _ الزينة والجمال، في الاسم.. والثوب.. والطيب.. بل وحتى في النعال ! حتى ليحكى خادمه أنس بن مالك، رضى الله عنه، فيقول: << ما شممت عنبرًا قط ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريح رسول الله، ولا مسست قط ديباجًا ولا حريرًا ألين مسًّا من كف رسول الله.. كان أزهر(8) اللون، كان عرقه اللؤلؤ >>(9)..

إنه كل ذلك.. الأسوة المتكاملة والجامعة والمتوازنة.. فالأقدام تتورم من الوقوف بين يدي الله، والاستشعار للجمال روح سارية في كل مناحي الحياة.. والمزاح والنكات تعانق الصدق الباسم والبشاشة الصادقة.. ذلك لأن عبادة الله هي الشكر له، سبحانه، على نعمه المبثوثة في الحياة، ومنها نعمة الجمال، التى لن نستطيع تقدير عظمتها، وشكر الله عليها، إذا نحن أدرنا لها الظهور والعقول والقلوب، وأغلقنا قنوات استشعارها في هذا الكون، الذي أبدعه الخالق الجميل، الذي يحب الجمال.

ولأن هذا هو النموذج الإسلامي في الحياة، والذي نتأسى فيه برسول الله، صلى الله عليه وسلم.. كان للغناء مكانه في المجتمع النبوي، والسنة النبوية _ بالقول والإقرار _ حتى أصبحت هذه السنة من <<السنن العملية >> التى قامت وتجسدت في واقع خير القرون.

ففي صحيح البخاري، تروي أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، فتقول : << دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعندى جاريتان تغنيان بغناء بُعاث(10)، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، فدخل أبو بكر، فانتهرني، وقال : مزمار الشيطان عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟! فأقبل عليه رسول الله فقال : <<دعهما>>.

فنحن أمام سنة نبوية _ عملية _ أقر فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الغناء، في بيت النبوة، من فتاتين، ويسمعهما رجال، ويغنيان بأشعار تتحدث عن ذكريات وقائع الحرب في التاريخ، بل والتاريخ الجاهلي.. وعندما اعترض الصديق أبو بكر، رضى الله عنه، مجتهدًا في المنع، اعترض الرسول، صلى الله عليه وسلم، على هذا الاجتهاد، مؤكدًا الإباحة..

وتحويل الرسول وجهه عن الفتاتين المغنيتين هو غض للبصر، وليس كفًّا للآذان عن السماع.

ولم يطعن أحد من علماء الجرح والتعديل على أحد من رواة هذا الحديث، الذي رواه البخاري في الصحيح..

وفي ذات الحديث تكملة تروى فيها السيدة عائشة أحداث واقعة ثانية لسُنة عملية أخرى في هذا الموضوع.. تقول، رضى الله عنها : << وكان يوم عيد، يلعب السودان _ الحبشة _ بالدرق(11) والحراب، في المسجد، فإما سألتُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإما قال : <<تشتهين تنظرين؟>> فقلتُ : نعم، فأقامني وراءه، خدّي على خدّه، يسترنى بثوبه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون _ أي يرقصون _ فزجرهم عمر، رضى الله عنه، فقال النبي : <<أمنًا بني أرفدة.. دونكم بنى أرفدة>>(12) حتى إذا  مَلَلْتُ، قال : <<حسبك>>؟، قلت : نعم. قال : <<فاذهبي>>.

فهنا، أيضًا، سنة عملية أقرت اللعب _ التمثيل والرقص _ المصحوب بالغناء _ ففي بعض الروايات أنهم كانوا يغنون شعرًا يقول :

يا أيها الضيف المعرِّج طارقا

لولا مـررت بآل عبد الـدار

لولا مررت بهم تريد قراهمُ

منعوك من جَهد ومن إقتـار

وفي بعض الروايات : <<كانت الحبشة يزفنون>> _ (أي يرقصون)، وفي بعضها : << يرقصون بين يدى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقولون : محمد عبد صالح>>(13).

وفي البخاري _ أيضًا _ عن عائشة ما يشهد بأن هذا الغناء المباح قد يعرض له ما يجعله مطلوبًا مندوبًا _ في الأعراس _ والطالب له والحاث عليه هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعن أم المؤمنين عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : <<يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو>>.

وفي رواية النسائي لذات الحديث، يقول الرسول : <<يا عائشة، أهديتم الفتاة؟ ألا بعثتم معها من يقول : أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم؟>>..

فيحث على الغناء، بل ويرشح الكلمات.. ولهذا الحث على الغناء _ في مناسباته _ نظير في الحديث الذي خرجه الإمام أحمد _ في مسنده _ عن عبد الله ابن عمير _ أو عميرة _ قال : << حدثني زوج ابنة أبى لهب، قال : دخل علينا رسول الله،صلى الله عليه وسلم، حين تزوجت ابنة أبي لهب، فقال : <<هل من لهو؟ >>.

وفي سُنَّة أخرى، يروى النسائي عن السائب بن يزيد : أن امرأة جاءت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال لعائشة : <<يا عائشة، أتعرفين هذه؟ قلت : لا يانبي الله. قـال : <<قَيْنَة(14) بنى فلان، تحبين تُغَنيك؟>> فغنتها.

وإذا كانت القينة هي الجارية المغنية، فنحن أمام مغنية تحترف الغناء لبني فلان _ أي للرجال والنساء _ يعرض الرسول على عائشة أن تسمع غناءها، فتغنى لها في حضرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

ولقد مضت هذه السنة _ إباحة الغناء.. أو ندبه _ جارية مرعيّة في مجتمع الصدر الأول.. فيروى النسائي عن عامر بن سعد يقول : دخلت على قرظة ابن كعب، وأبي مسعود الأنصاري، في عرس، وإذا جوار يغنين، فقلت : أنتما صاحبا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن أهل بدر، يُفعلُ هذا عندكم؟! فقالا : اجلس إن شئت فاسمع معنا، وإن شئت اذهب <<فقد رُخص لنا في اللهو عند العرس>>.

فالبدريون من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد مضوا على سنة الاستماع والاستمتاع بلذة الطرب بالغناء الحلال المباح.

ولقد رأينا الراشد الثاني عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يميز بين الغناء الحلال والغناء الحرام، بناء على الكلمات والمقاصد التى يتغياها ويثمرها هذا الغناء.. ففيما يرويه عبد الله بن بريدة الأسلمي، قال : <<بينما عمر بن الخطاب يَعُسّ(15) ذات ليلة، فإذا بامرأة تقول :

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج؟

فلما أصبح عمر سأل عن نصر بن حجاج هذا _ وكان شابًا وسيمًا يخايل نساء المجاهدين الغازين _ فأمر له بما يصلحه، وغرَّبه إلى البصرة، حيث يعسكر المقاتلون(16)!

فالتحريم هنا قد عرض للغناء بسبب الكلمات الماجنة، والمقاصد المحرمة من وراء هذا الغناء.

وفي موقف آخر للفاروق عمر بن الخطاب، يروى الحسن البصرى فيقول: << إن قومًا أتوا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه،فقالوا :

_ يا أمير المؤمنين، إن لنا إمامًا إذا فرغ من صلاته تَغَنَّى.

_ فقال عمر : من هو؟!

_ فذُكر الرجل.

_ فقال عمر : قوموا بنا إليه، فإنا إن وجّهنا إليه يظن إنّا تجسسنا عليه أمره.

_ قال : فقام عمر مع جماعة من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى أتو الرجل، وهو في المسجد، فلما أن نظر إلى عمر، قام فاستقبله، فقال :

_ يا أمير المؤمنين، ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ إن كانت الحاجة لنا كنا أحق بذلك منك أن نأتيك، وإن كانت الحاجة لك فأحق من عظمناه خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

_ فقال عمر : ويحك ! بلغني عنك أمر ساءني.

_ قال : وما هو يا أمير المؤمنين؟

_ قال : أتتمجّن في عبادتك؟!

_ قال : لا، يأمير المؤمنين، لكنها عظة أعظ بها نفسي.

_ قال عمر : قلها، فإن كان كلامك حسنًا قلته معك، وإن كان قبيحًا نهيتك عنه.

_ فقال الرجل :

وفـــؤاد كلـــما عـــاتبته

في مدى الهجران يبغي تعبي

لا أراه الــــدهر إلا لاهــيًا

في تمـــاديه، فقــد برّح بي

ياقرين السـوء ما هذا الصَّبا

فنى العمــر كــذا في اللعب

وشباب بــان عــنى فمضى

قبل أن أقــــضى منه مأربي

ما أُرجي بعده إلا الفنا

ضيق الشيبُ علىّ مطلبي

ويح نفسي ! لا أراها أبدًا

في جميل ولا في أدب

نفس لا كنْتِ ولا كان الهوى

راقبي المولى وخافى وارهبي

_ فقال عمر، رضى الله عنه :

نفسُ لا كنتِ ولا كان الهوى

راقبي المولى وخافي وارهبي

على هذا فليُغنِّ من غنى.. >>(17).

فنحن هنا أمام إمام الصلاة، يغني في المسجد، عقب الصلاة، بكلام حسن.. وأمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، الذي يسمع هذا الغناء في المسجد، فيحاكيه، ويرشحه للغناء، قائلا : <<على هذا فليغن من غني>>، بناء على القاعدة التى جعلها معيارًا للمباح وغير المباح من الغناء.. قاعدة : <<إن كان كلامًا حسنًا قلته معك، وإن كان قبيحًا نهيتك عنه>>.

تلك هي سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم في الغناء.. وتلك هي ممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة مع هذا اللون من الترويح عن النفس والإشباع للعواطف الإنسانية والتجديد لملكات الإنسان وطاقاته باللهو _ الغناء_ المباح..

فالأصل في الغناء : الحل والإباحة.. وتعرض له الحرمة أو الكراهة أو الندب أو الوجوب بسبب ما يعرض له مما ينقله من الإباحة إلى هذه الأحكام.. إنه كلام ولحن وأداء، يحاكي به الإنسان الأصوات الجميلة والأنغام المؤتلفة العذبة التى أفاضها الجمال الإلهي في بديع المخلوقات.

إذن.. فيم الخلاف؟

وإذا كان الأمر كذلك.. فلم الخلاف الذي استعر واشتهر حول الغناء، في الفكر الإسلامي، على امتداد تاريخ الإسلام؟!..

إن مرجع ذلك إلى أحد أمرين :

الأول : وقوف البعض عند الفتاوى التى كرهت الغناء المكروه أو حرّمت الغناء المحرم.. وتعميم هذه الفتاوى على كل ألوان الغناء..

والثاني : رواية البعض لتسعة عشر <<حديثًا>> تنهى عن الغناء والمعازف، أو تحرّمها.. والغفلة عن أن هذه المرويات جميعها _ وهي التى تعارض ما أوردناه من الأحاديث الصحيحة، التى حازت شروط الصحة في البخاري _ معلولة بمقاييس الرواية والجرح والتعديل للرواة.. فليس فيها جميعًا حديث واحد سلم من القدح في راوٍ أو أكثر من رواته..

وأيضًا التفسير المتعسف لمعنى <<اللهو>> في الآية السادسة من سورة لقمان : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين}..

تلك هي الأسباب التى أحدثت الخلط، فجعلت الغناء عند البعض حرامًا بإطلاق، وأخرجته من الحلال المباح في ذاته، والذي تعرض له الحرمة أو الكراهة أو الندب أو الوجوب بسبب ما يعرض له من المقاصد والملابسات.

الفتاوي :

فلقد روى عن كثير من فقهاء الأمة الفتاوى المتعارضة في حكم الغناء، في العصر الواحد، والمذهب الواحد، والمدينة الواحدة.. بل وروي عن الفقيه الواحد الفتاوى المتناقضة في حكم الغناء: إباحة وكراهة وتحريمًا..

* فروى عن الإمام أبي حنيفة النعمان (80 _ 150هـ /699_ 767م) كراهة الغناء.. بينما العنبرى، عبيد الله بن الحسن العنبرى (105 _ 168هـ/ 723 _ 785م) القاضي والفقيه والمحدّث _ لا يرى به بأسًا..

* ولقد روى عن الإمام مالك بن أنس (93 _ 179هـ /712 _ 795م) تحريم الغناء.. في حين كان قاضي المدينة ومحدثها الزهري، إبراهيم بن سعد (183هـ 799م) لا يرى به بأسًا.

* وروي عن الإمام الشافعي، محمد ابن إدريس (150 _ 204هـ 767 _ 820م) أنه مكروه يشبه الباطل..

*وروي عن الإمـــام أحمد بن حنبل (164 _ 241هـ /780 _ 855م) في الغناء ثلاث روايات : الحل، والكراهة، والحرمة..

وإذا كان غير معقول ولا وارد تضارب وتناقض الفتاوى عند الإمام الواحد، وفي المذهب الواحد، والعصر الواحد، والمدينة الواحدة، للون واحد من الغناء.. فإن المتبادر إلى العقل الفقهي هو أن تعدد الفتاوى قد نتج عن تعدد ألوان الغناء التى سئل الفقهاء عن حكمها، فالإفتاء بالحل، أو بأنه لا بأس به كان عن الغناء المباح.. والتحريم كان للغناء الحرام.. والكراهة كانت للغناء المكروه..

ويشهد لذلك أن تحريم الإمام مالك إنما كان، تحديدًا، للغناء المحرم ؛ إذ المروى عنه أن جوابه إنما كان على سؤال عن الغناء الذي أحدثه الفُسّاق في المدينة.. فلقد سئل عن هذا اللون تحديدًا، فقال : <<إنما يفعله عندنا الفُساق>>.

أما الغناء الذي رآه الإمام الشافعي مكروهًا يشبه الباطل، فلقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية (661 _ 728هـ/ 1263 _ 1328م) إلى نوعه عندما تحدث عن ملابسات هذه الفتوى، فقال : إن الشافعي، بعد أن غادر بغداد إلى مصر، تحدث عن لون من الغناء، أحدثته الزنادقة ببغداد، اسمه <<التغبير>>، أحدثوه ليصدوا به الناس عن القرآن الكـريم.. ونـص عبــــارة ابن تيمية : << قال الشافعي، رضى الله عنه : خَلَّفْتُ ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه <<التغبير>> يصدون به الناس عن القرآن>>.

وهذا التغبير _ تحديدًا __ الذي أحدثته الزنادقة ببغداد ؛ ليصدوا به الناس عن القرآن الكريم، هو الذي كرهه الإمام أحمد بن حنبل.. ومرجعنا في ذلك _ أيضًا _ ابن تيمية، الذي يقول : إن الإمام أحمد سئل _ في بغداد _ عن هذا التغبير، فقال : <<أكرهه، هو مُحدث>>.. أي أنه ليس الغناء الذي عرفه المسلمون منذ صدر الإسلام(18).

فاختلاف الفتاوى وتراوحها بين الحل والكراهة والحرمة، راجع إلى اختلاف أصناف الغناء.. فهو حلال في ذاته، وككل المباحات تعرض له أحكام الكراهة والحرمة بسبب ما يعرض له ويلحق به _ في الكلام واللحن والأداء والمقاصد _ فليس كله مباحًا بإطلاق وتعميم، ولا حرامًا بإطلاق وتعميم، إنه كلام ولحن وأداء، حسنه حسن وقبيحه قبيح.. ولقد حدد الراشد الفاروق عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، هذا المعيار عندما قال للإمام الذي إذا فرغ من صلاته تغنى : <<إن كان كلامك حسنًا قلته معك، وإن كان قبيحًا نهيتك عنه >> فلما سمعه، ورآه حسنًا، غنى به عمر، وقال : << على هذه فليغن من غنى>>.

لكن آفة الاجتزاء، ثم التعميم والإطلاق لهذا المجتزأ، وإهمال السياقات والملابسات، هي التى تشوه فقه الفقهاء!

المرويات المحرِّمة للغناء :

أما المرويات والمأثورات التى تحرم الغناء والمعازف، فلقد ثبت بمقاييس الرواية ومعايير الجرح والتعديل للرواة، أن جميعها مطعون فيه، وليس فيها حديث واحد صحيح.. ومع ذلك روّجها وأشاعها واستخدمها الذين لا دراية لهم بصناعة الحديث ومقاييس صحته، من الذين وصفهم الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر (448 _ 507هـ /1056 _ 1113م) ابن القيسراني _ صاحب (تذكرة الموضوعات ) و ( أطراف الكتب الستة) و ( الجمع بين كتابي الكلاباذي والأصبهاني في رجال الصحيحين) _ عندما تحدث عن هذه المرويات فقال : << هذه الأحاديث وأمثالها احتج بها من أنكر السماع (الغناء) جهلاً منهم بصناعة علم الحديث ومعرفته، فترى الواحد منهم إذا رأى حديثًا مكتوبًا في كتاب جعله لنفسه مذهبًا، واحتج به على مخالفه، وهذا غلط عظيم، بل جهل جسيم >>(19).

ولقد عرض ابن حزم الأندلسي (384 _ 456هـ /994 _ 1064م) _ وهو ظاهرى المذهب، بضاعته النصوص، وعمدة في نقد المرويات _ عرض لهذه <<الأحاديث>> في رسالته (رسالة في الغناء المُلهي أمباح هو أم محظور)؟ وفي كتابه (المحلى)، فانتقد أسانيد جميع هذه المرويات تفصيلاً.. ولقد اتفق معه في نقد أسانيد هذه المرويات علماء الجرح والتعديل، من مثل الحافظ الذهبي (673 _ 748هـ/ 1274 _ 1348م) _ صاحب (ميزان الاعتـــــــدال) _ وابن حجر العسقلاني ( 773 _ 852 هـ /1372 _ 1449م) صاحب (لسان الميزان) _.. فقال ابن حزم في سند هذه المأثورات :

1_ حديث السيدة عائشة، رضى الله عنها، عن النبي،صلى الله عليه وسلم، أنه قال : <<إن الله حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها>>.

في رواة هذا الحديث <<سعيد بن أبي رزين، عن أخيه.. وكلاهما لا يدرى أحد من هما>>.

2_ حديث محمد بن الحنفية عن على ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال : <<إذا عملت أمتى خمس عشرة خصلة حل بها البلاء >> ومنها : <<واتخذت القينات، والمعازف>>.

<<جميع رواة هذا الحديث إلى يحيى بن سعيد لا يُدرى من هم، ويحيى بن سعيد لم يرو عن محمد بن الحنفية كلمة، ولا أدركه >>.

3_ حديث معاوية : << أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن تسع.. منهن الغناء >>.

في رواة هذا الحديث <<كيسان، ولا يُدرى من هو، ومحمد بن مهاجر، وهو ضعيف >>.. وفي هذا الحديث النهى عن الشعر، والأمة مجمعة على إباحته.. ولقد كان سلاحًا من أسلحة الدعوة الإسلامية منذ عصر النبوة..

4_ حديث سلام بن مسكين، عن شيخ شهد ابن مسعود يقول : <<الغناء ينبت النفاق في القلب>>.

في رواة هذا الحديث شيخ لم يُسم، ولا يعرفه أحد.

5_ حديث أبى أمامة : سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلــم، يقول : << لا يحل تعليم المغنيات ولا شراؤهن ولا بيعهن ولا اتخاذهن، وثمنهن حرام، وقد أنزل الله ذلك في كتابه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(20) والذى نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء إلا ارتدفه(21) شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت>>.

في رواة هذا الحديث <<إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف، والقاسم، وهو مثله ضعيف. ثم، إذا كان الغناء حرامًا، فلم تضرب الشياطين المغنى، بدلاً من أن تفرح بمعصيته؟!.

6،7_ حديثًا عبد الملك بن حبيب :

أ _ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال : << إن المغنى أذنه بيد شيطان يرعشه حتى يسكت>>.

ب _ وأنه قال : << إن الله حرم تعليم المغنيات وشراءهن وبيعهن وأكل أثمانهن>>  وأحاديث عبد الملك كلها هالكة.

8 _ حديث البخاري : << ليكونن من أمتى قوم يستحلون الحِرَّ(22) والحرير والخمر والمعازف>>

لم يورده البخارى مسندًا(23)، وإنما قال فيه : قال هشام بن عمار. ثم هو إلى أبى عامر، أو إلى أبى مالك، ولا يدرى أبو عامر هذا.

وأنا أضيف إلى القدح في إسناد هذا الحديث، أنه يتكلم عن قوم يستحلون الزنا والخمر ويقرنون مجالس الزنا والخمر هذه بالمعازف، التى أصبحت عونًا على الكبائر والفواحش.. فليست المعازف هنا مفردة، ولا مرادة لذاتها.

9_ حديث أنس، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، : من جلس إلى قينة صُبّ في أذنه الآنُك يوم القيامة>>.

أما هذا الحديث <<فبليّة ! لأنه عن قوم مجهــــولين… ومن رواته أبو نعيم _ عبيد بين محمد _ وهو ضعيف، وهو يروى عن ابن المبارك، ولم يبلغه.. وفيه مالك، وهو منكر جدًّا.. ومالك هذا يرويه عن ابن المنكدر مرسلاً(24)..

10 _ حديث ابن شعبان.. عن ابن عباس، رضى الله عنهما، في قول الله عز وجل {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} <<قال: الغناء>>.

وأحاديث ابن شعبان هالكة.

ثم.. إنه مع التسليم بأن المراد باللهو هنا الغناء، فهو ليس مطلق الغناء، ولا كل الغناء، وإنما هو الغناء الذي يتخذه المشركون ليضلوا به عن سبيل الله، وليتخذوا سبيل الله هزوًا.. فحرمته ليست لذاته، وإنما لتوظيفه في الإضلال عن سبيل الله.. وكل ما يضل عن سبيل الله حرام حتى ولو كان واجبًا أو مندوبًا في ذاته..

11_ حديث ابن أبي شيبة.. عن أبى مالك الأشعرى، أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول : <<يشرب ناس من أمتى الخمر، يسمونها بغير اسمها، تضرب على رءوسهم المعازف والقينات، يخسف الله بهم الأرض >>.

في رواة هذا الحديث <<معاوية بن صالح، وهو ضعيف، ومالك بن أبي مريم، ولا يُدرى من هو>> وأنا أضيف إلى نقد ابن حزم للسند : أن المعازف والقينات هنا قد وظفت في مجلس الخمر، فأصبحت عونًا على مقارفة الكبائر والخبائث، فحرمتها لما عرض لها، وليس لذاتها إذا هي وظفت في الترويح البرىء عن النفس والقلب، وتجديد ملكات وطاقات الإنسان لتزداد كفاءته في النهوض برسالته في عمران الحياة الدنيا..

12 _ حديث : <<إن الله تعالى نهى عن صوتين ملعونين، صوت نائحة، وصوت مغنية >>. وهو حديث لا يدرى من رواه.

13 _ حديث عقبة بن عامر الجهني : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كل شىء يلهو به الرجل فباطل إلا رمي الرجل بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو ملاعبته امرأته، فإنهن من الحق >>.

وفي رواة هذا الحديث عبد الله بن زيد بن الأزرق، وهو مجهول..

وللحديث طريق آخر، في رواته : خالد بن زيد، وهو مجهول..

وأنا أضيف إلى نقد ابن حزم للسند: أن الحديث لا يحصر اللهو الحق في هذه الثلاثة، وإنما يقول : إنها <<من الحق>> ولم يقل: إنها كل الحق، أو جميعه _ وفي الحديث الآتي يجعلها أربعة، لا ثلاثة.. ويغاير فيها..

14_ حديث : << كل شىء ليس من ذكر الله فهو لعب إلاّ أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشى الرجل بين الغرضين(25)، وتعليم الرجل السباحة>>.

وهذا الحديث<<مغشوش مدلس دلسة سوء ؛ لأن الزهرى المذكور في رواته ليس هو ابن شهاب، لكنه رجل زهرى مجهول اسمه عبد الرحمن>>.

ولهذا الحديث طريق آخر، في رواته: عبد الوهاب بن بخت، وهو غير مشهور بالعدالة.

ثم إن هذا الحديث ليس فيه تحريم.. فاللعب _ كما في هذه الرواية _ و<<السهو واللغو >> _ كما في روايته الأخرى _ غير التحريم.. بل إن استثناء هذا الحديث لأربعة أنواع من اللعب، واستثناء الحديث السابق لثلاثة أنواع من اللهو، دليل على أن الحصر غير مراد..

15 _ حديث عائشة، رضى الله عنها : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : <<من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه >>.

في رواة هذا الحديث : هاشم، وعمر، وهما مجهولان.. ومكحول لم يلق عائشة.

وأنا أضيف إلى نقد ابن حزم للسند: أن هذا <<الحديث>> يكفّر بالمعصية، فيجعل اقتناء المغنية مُخرجًا من الملة، يستوجب عدم الصلاة على صاحبها بعد موته.. وهو ما ترفضه كل فرق أهل السنة والجماعة.

16_ حديث عبد الله بن عمر : قال رجل : يا رسول الله، لى إبل فأحدو فيها؟ قال : <<نعم>> قال : أفأغني فيها؟ قال : << اعلم أن المغنى أذناه بيد شيطان يرغمه حتى يسكت >>.

في رواة هذا الحديث عبد الملك، وهو هالك. والعمرى الصغير، وهو ضعيف.

وأنا أضيف إلى نقد ابن حزم للسند: أن معنى هذا <<الحديث>> غير مستقيم، وتتنزه عنه بلاغة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فصحة العبارة كانت تقتضي أن الشيطان يمسك بفم المغنى حتى يسكت ؛ لأن الفم هو أداة الغناء، لا أذناه، فليستا أداة الغناء!..ثم لم يغضب الشيطان من المغنى حتى يسكت.. بينما العكس هو المنطقي!..

17_ حديث أبي هريرة : قال رسول الله عليه وسلم : << يمسخ قوم من أمتى في آخر الزمان قردة وخنازير>> قالوا : يا رسول الله، يشهدون أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ ! قال : << نعم، ويصلون ويصومون ويحجون>> قالوا : فما بالهم يا رسول الله؟.قال <<اتخذوا المعازف والقينات والدفوف، ويشربون هذه الأشربة، فباتوا على لهوهم وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير>>.

هذا الحديث مروى عن رجل لم يُسم ولم يدر من هو.

وعلاوة على نقد ابن حزم للسند.. فهذا <<الحديث>> لا يتسق مضمونه مع ثوابت عقائد الإسلام، فالذي يحبط الإيمان والعمل الصالح، في الإسلام، هو الشرك والكفر والردة، وليس اقتراف المعصية.. وفي ألفاظ <<الحديث>> تلفيق يشى بالغفلة ؛ لأنه يضع << الدفوف>> بين المحرمات، بينما الإجماع منعقد علىحلها، حتى من الذين يحرمون أدوات الموسيقى الأخرى..

وأخيرًا، فهذا المأثور يتحدث عن توظيف المعازف والقينات والدفوف في تهيئة مجالس الخمر التى تدوم حتى الصباح، فتحريمها هنا لما عرض لها من المقاصد والوظائف المحرمة، وليس لذاتها.

18_ حديث أبي أمامة : قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : << تبيت طائفة من أمتى على لهو ولعب، وأكل وشرب، فيصبحوا قردة وخنازير، يكون فيها خسف وقذف، ويبعث على حي من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الحرام، ولبسهم الحرير، وضربهم الدفوف، واتخاذهم القينات >>.

في رواة هذا الحديث : الحارث بن نبهان، وهو لا يكتب حديثه. وفرقد السبخي، وهو ضعيف، وسليم بن سالم، وحسان بن أبي سنان، وعاصم ابن عمر، وهم غير معروفين.

وعلاوة على نقد ابن حزم لسند هذا <<الحديث>> فإن في متنه تخليطًا كبيرًا.. فهو يتحدث عن قوم يستحلون المحرمات، وهذا كفر يخرج أصحابه من الملة، بينما هو يتحدث عن طائفة من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم !.. ثم هو يضع الأكل والشرب والدفوف في سياق الكبائر المحرمة، وهذا مما لم يقل به عاقل.. ثم هو ينسب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، التنبؤ بهلاك طائفة من أمته _ أى من المؤمنين _ بما هلكت به الأمم السابقة، الذين أشركوا وطغوا وبغوا.. وهذا العقاب مما رحم الله منه أمة محمد، ولم يقع فيها على كثرة ما ارتكب فيها من الأعمال التى أشار إليها <<الحديث>> !..

19_ حديث أبى أمامة.. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : <<إن الله بعثنى رحمة للعالمين، وأمرني بمحو المعازف، والمزامير، والأوثان، والصلب، لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا تعليمهن ولا التجارة بهن، وثمنهن حرام >>.

وفي رواة هذا الحديث القاسم، وهو ضعيف.

20_ أما التفسير المنسوب إلى عدد من المفسرين للقرآن الكريم، والقائل: إن المراد باللهو في الآية : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} هو الغناء.. ففضلاً عمّا في هذا التفسير من تعارض مع الأحاديث النبوية الصحيحة التى جاء فيها الكلام عن << الغناء>> باسم <<اللهو>> <<ما كان معكم لهو؟… فإن الأنصار يعجبهم اللهو.. هل من لهو؟ قد رخص لنا في اللهو عند العرس>> فإن ابن حزم يراه مجرد تفسير مفسرين، وليس حديثًا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة، وإنما هو قول بعض المفسرين، ممن لا يقوم بقوله حجة، وما كان هكذا لا يحوز القول به، ثم لو صح هذا التفسير لماكان فيه متعلق ؛ لأن الله تعالى يقول _ في الآية.. عن مقاصــد اتخاذ هذا اللهو _ {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وكل شىء يُقتنى ليُضل به عن سبيل الله فهو إثم وحرام، ولو أنه شراء مصحف أو تعليم قرآن >>.

هكذا أورد ابن حزم _ وهو الخبير الحجة في نقد النصوص _ كل ما يتعلق به دعاة تحريم الغناء من المرويات، وأبرز عللها، فأسقط حجيتها عندما أثبت افتقارها إلى شروط الثبوت !.. ثم عقب على كل ذلك بقوله : << ولا يصح في هذا الباب شىء أبدًا، وكل ما فيه فموضوع. والله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما ترددنا في الأخذ به.. فلا حجة في هذا كله لوجوه :

أحدها : أنه لا حجة لأحد دون رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

والثاني : أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين _ (الذين رووا حِلّ الغناء، في أحاديث صحيحة.. واستمعوا له واستمتعوا به ).

والثالث : أن نص الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث} يبطل احتجاجهم بها ؛ لأن فيها : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين} وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذا اتخذ سبيل الله هزوًا. ولو أن امرءًا اشترى مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوًا لكان كافرًا. فهذا هو الذى ذم الله تعالى، وما ذم قط، عز وجل، من اشترى لهو الحديث ليتلهي به ويروح عن نفسه، لا ليضل عن سبيل الله تعالى، فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا.

وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن، أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو ينظر في ماله، أو بغناء، أو بغير ذلك فهو فاسق عاص لله تعالى، ومن لم يُضِعْ شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن.

إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال : << إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى>>(26)، فمن نوى باستماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك على البرّ،فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية،فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزهًا، وقعوده على باب داره متفرجًا، وصباغة ثوبه لا زورديا(27) أو أخضرًا أو غير ذلك، ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله. فبطل كل ما شغبوا به بطلانًا متيقنًا، ولله تعالى الحمد، وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا.. >>(28).

وإذا كان الإمام البخارى قد عقد في صحيحه، لهذا الموضوع، بابًا جعل عنوانه <<كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله >> فمعنى ذلك أن اللهو _ أى الغناء.. كلامًا ولحنًا وأداء _ الذي لايشغل عن طاعة الله ليس باطلاً، ومن باب أولى ليس مكروهًا ولا حرامًا.. وإنما هو من المباحات.

وإذا كان سقوط <<أدلة>> التحريم، بتجريح أسانيد مروياتها، كافيًا في البرهنة عل إباحة الغناء _ حتى ولو لم يرد عن الشارع سنن في الإباحة، وتطبيقات عملية لهذه السنن ؛ لأن الغناء _ كغيره من المناشط الدنيوية الداخلة، فيما هو متجدد ومتغير من الإبداعات الإنسانية.. أى أنها مناشط دنيوية، لا شعائر دينية _ يكفى في حلها وإباحتها ألا تخالف ما جاء به الشارع، ولايشترط لهذه الإباحة وهذا الحلّ أن تكون مما جاء به الوحي ونطق به الشارع _ كما هو الحال في الشعائر الدينية والمناسك العبادية، التى هي توقيفية، وكل مالم يرد فيها دين وشرع فهو ردّ _ إذا كان هذا كافيًا في حِلّ الغناء وإباحته، كما هو كاف في السياسة _ مثلاً _ التى تكتسب حلهــــا _ بل وشرعيتها _ من عدم مخالفتها لما ورد، وليس من ورودها عن الشارع _ كما قال الإمام السلفى أبو الوفاء بن عقيل البغدادي (431 _ 513هـ/ 1040 _ 1119م) في مناظرته لأحد فقهاء الشافعية _ وهي المناظرة التى نقلها الإمام ابن قيم الجوزية (691 _ 751هـ 1292 _ 1350م) : << فالسياسة العادلة هي ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول ولا نزل به وحي.. وهي شرعية ؛ لأنها لم تخالف ما نطق به الشرع، لا لأن الشـرع قد نطق بها..>>(29).

إذا كان كافيًا في حِلّ الغناء، وإباحته في ذاته، عدم مخالفته لما ورد عن الشارع _ وهو ما ثبت بسقوط وتجريح أسانيد المرويات التى تحدثت عن التحريم، والتى <<شغب>> بها دعاة التحريم _ كما يقول ابن حزم _.. فما بالنا وقد صحت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأحاديث التى أباحت الغناء، واستحبته، والممارسات التى وضعت تلك السنن في التطبيقات بمجتمع النبوة وصدر الإسلام؟!

القضية في المذاهب المختلفة

وإذا كنا قد أشرنا إلى اختلاف فتاوى الفقهاء في المذاهب الإسلامية المتعددة، حول حكم الغناء، بسبب اختلاف ألوان الغناء التى سئل عنها الفقهاء.. وإذا كنا قد اخترنا نموذج الإمام ابن حزم الأندلسى _ وهو ظاهرى المذهب الفقهي _ في نقد المرويات التى شاعت على ألسنة الذين <<شغبوا>> بها، فحرموا الغناء بتعميم وإطلاق، من الذين قال فيهم الإمام الحافظ ابن القيسراني أبو الفضل محمد بن طاهر : إنهم حرموه <<جهلاً منهم بصناعة علم الحديث ومعرفته، فترى الواحد منهم إذا رأى حديثًا مكتوبًا في كتاب جعله لنفسه مذهبًا، واحتج به على مخالفة، وهذا غلط عظيم، بل جهل جسيم >>..

إذا كنا قد وفينا هذه الجوانب حقها _ في حدود الإيجاز المطلوب _ فإننا نشير هنا إلى آراء عدد من كبار فقهاء المذاهب الإسلامية في الموضوع..

* فالحسن البصرى ( 21 _ 110هـ/ 642 _ 728م ) على ما يذكر القرطبي (671هـ 1272م) يخصص اللهو المنهى عنه في الآية الكريمة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيث} بأنه <<هو الكفر والشرك>> وليس الغناء.

* أما القرطبي _ وهو من أكابر المفسرين والفقهاء في مذهب الإمام مالك _ فإنه يرى اللهو المحرم خاصًّا <<بالغناء الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون، الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات، لا يختلف في تحريمه ؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق. فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح، كالعرس والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة.. وأما طبل الحرب فلا حرج فيه، لأنه يقيم(30) النفوس ويرهب العدو.. والدف مباح.. وقيل : إن الطبل في النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بماحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث>>(31).

فالغناء بالكلام الحسن والدف والطبل والآلات التى تحدث الأنغام، بالمقادير المتوازنة، حلال ومباح، في الأفراح، ولتنشيط ملكات وطاقات الإنسان على الأعمال..

* ومن كبار فلاسفة الإسلام، وعلماء الأصول، وفقهاء الشافعية، نختار سطورًا مما كتبه حجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450 _ 505هـ/ 1058 _ 1111م) في هذا الموضوع _ ولقد عقد للسماع بابا في كتابه النفيس (إحياء علوم الدين) انتهى فيه إلى أن <<اللهو مروح للقلب، ومخفف عنه أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانه لها على الجد، فالمواظب عل التفقه، مثلاً، ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة ؛ لأن عطلة يوم تبعث النشاط في سائر الأيام، والمواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات، ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات، ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات. فالعطلة معونة على العمل، واللهو معين على الجد، ولا يصبر على الجد المحض والحق المر إلا نفوس الأنبياء، عليهم السلام.فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الداء. فالسماع من جملة المباحات، من حيث إنه سماع صوت طيب موزون مفهوم، وإنما تحريمه لعارض خارج عن حقيقة ذاته.. ومن لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج، ليس له علاج(32)..

* أما شيخ الإسلام ابن تيمية (661 _ 728هـ 1263 _ 1328م) وهو من كبار فلاسفة ومجددى ومجتهدي فقهاء السلفية _ فإنه، على عكس ما يحسب الذين يشغبون بتعميم التحريم للغناء، يجعل الغناء من المباحات.. ولا يحرمه إلا إذا جعله البعض _ من الصوفية _ عبادة من العبادات.. لأن العبادات توقيفية، تؤخذ من الشارع، ولا تجوز فيها البدع والإبداعات والإضافات.. يقول ابن تيمية في هذه القضية، مميزًا بين ثلاثة أنواع من السماع :

1_ <<السماع الذي ينتفع به في الدين>> أي تزيين القرآن بالصوت الحسن، وهو الخاص بالمتقربين إلى الله بالقرآن الكريم، على النحو الذي كان يفعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصحابته ومن اقتدى بهم من التابعين وتابعي التابعين.

2_ السماع المباح، الذي رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأمة رفعًا للحرج من حياتها <<فلقد رخص النبي في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، رفعًا للحرج.. ومن هذا الباب _باب الرخصة فى اللهو _ حديث عائشة، رضى الله عنها، لما دخل عليها أبوها، رضى الله عنه،في أيام العيد، وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث، فقال أبو بكر، رضى الله عنه :

_ أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله،صلى الله عليه وسلم؟!

_ فقال صلى الله عليه وسلم : <<دعهما، يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام >>.

3_ أما النوع الثالث من السماع، فهو <<السماع _ العبادة المبتدعة >> فإن ابن تيمية يقطع بتحريمه، كما قطع القرآن بتحريم نظيره الجاهلي _ <<المكاء والتصدية>> اللذين جعلهما المشركون في الجاهلية عبادة يتقربون بها إلى الأصنام..

فالتحريم هنا لأنهم قد جعلوه _ كما يقول ابن تيمية _ <<قُربةً>> ودينًا.. وشرعوا ما لم يشرع النبي، صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود منهم بهذا السماع مجرد رفع الحرج، بل مقصودهم بذلك أن يتخذ طريقًا إلى الله يجتمع عليه أهل الديانات لصلاح القلوب.. فتستنزل به الرحمة، وتستجلب به النعمة.. حتى يقول بعضهم : إنه أفضــل لبعض النــــــاس أو للخاصة من سماع القرآن من عدة وجوه، حتى يجعلونه قوتًا للقلوب، وغذاء للأرواح، وحاديًا للنفوس يحدوها إلى السير إلى الله، ويحثها على الإقبال عليه، ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن إلى القرآن ولا يفرح به، ولا يجد في سماع القرآن كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية، وألسن لاغية، وإذا سمعوا سماع المكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات، وأصغت القلوب، وتعـاطت المشروب>>(33).

فهذا هو السماع المحرم، وهو محرم لا لذاته، وإنما لما عرض من عَدِّهِ عبادة وشعيرة دينية.. أما إذا كان غناء ولهوًا للذة النفس ورفع الحرج عنها والتجديد لملكات الإنسان والترويح عن قواه وطاقاته، فهو من المباحات.. وبعبارة ابن تيمية : << فإن السماع الذي يُفعل كما تفعل سائر الأفعال التى تلتذ بها النفوس، وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب، كسماع الأعراس وغيرها، مما يفعله الناس بقصد اللذة واللهو، لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله هو من المباحات >>

ولقد ضرب ابن تيمية مثلا ليزيد إيضاح علة التحريم لسماع الصوفية الذي جعلوه عبادة يتقربون بها إلى الله، فقال : لو أن رجلاً يعدو بين جبلين، على سبيل التريض أو اللعب، لما كان في ذلك بأسا.. أما إذا جعل ذلك عبادة _ كحال شعيرة السعي بين جبلي الصفا والمروة _ كان ذلك حرامًا.. فالحرمة عرضت للعدو والسعى، لا لذات العدو والسعى، وإنما بسبب جعلها من شعائر الدين(34)..

* أما النموذج الأخير _ والذي اخترناه من فتاوى الأحناف _ فهي فتوى معاصرة، للإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت (1310 _ 1383هـ/ 1893 _ 1963م) شيخ الجامع الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجمع البحوث الإسلامية، وأبرز فقهاء عصره.. وهي الفتوى التى نورد نصها كاملاً؛ لنختم بها نماذج فتاوى المذاهب الفقهية الإسلامية الكبرى..

الشريعة تنظم الغريزة : (الغناء والموسيقى)

جاءتنى رسالة من شاب يقول فيها : إنه يهوى الموسيقى منذ نعومة أظفاره، وأنه يدرسها ويجتهد في تعلمها، وقد فاجأه أحد أصدقائه بأنها حرام ؛ لأنها لهو يصرف عن الصلاة وعبادة الله، وكل لهو حرام، فقال لصديقه : إني أصلى الصلوات الخمس في أوقاتها وأعبد الله تمامًا، وأذهب إلى النادي في أوقات الفراغ لأسرى عن نفسى عناء العمل نهارًا والمذاكرة ليلاً، فلم يقتنع صاحبه بذلك، وأصر على أن الموسيقى حرام، وأخيرًا اتجها إلى التحكيم، وبعث إلىّ الشاب هذه الرسالة ملتمسًا بيان الحكم الشرعي في الموضوع.

حيرة بين المحللين والمحرمين :

أرجو أن يجد إخواننا المسلمون في هذه الفتوى ما ينفعهم في معرفة حكم الله، بالنسبة لكثير من الأشياء التى يجرى على بعض الألسنة أن حكمها الشرعي هو التحريم، ويجرى على البعض الآخر أن حكمها هو الحل، وبذلك وقع الناس في حيرة نفسية وارتباك دينى، ولم يجدوا ما يرجح لهم أحد الجانبين، وظلوا في تردد بين الحل والحرمة، وفيه من البلبلة ما لا يتفق وشأن المؤمنين.

ومن أمثلة ذلك هذه الرسالة التى جاءتنى في شأن <<تعلم الموسيقى وسماعها>> فهي _ كما سمعتم _ تصور رأيين مختلفين في حكم الموسيقى ؛ يستند أحدهما إلى كلمات تقرأ في بعض الكتب الشرعية، أو تُسمع من بعض الناس الذين يلبسون ثوب الورع على غير الوجه الذي يُلبس عليه، وينبع الرأى الآخر من العاطفة الإنسانية المحكومة بالعقل الديني السليم :يرى الأول _بالكلمات التى قرأها، أو التى سمعها _ أن تعلم الموسيقى وسماعها حرام. ويرى الثاني _ بعاطفته الإنسانية البريئة _ أن تعلّمها وسماعها حلال لا حرمة فيها.

فطرة الإنسان تميل إلى المستلذات :

والأصل الذي أرجو أن يتنبه الناس إليه في هذا الشأن وأمثاله، مما يختلفون في حله وحرمته، هو أن الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجد لها أثرًا طيبًا في نفسه، به يهدأ، وبه يرتاح، وبه ينشط، وبه تسكن جوارحه، فتراه ينشرح صدره بالمناظر الجميلة، كالخضرة المنسقة والماء الصافي الذي تلعب أمواجه، والوجه الحسن الذي تنبسط أساريره. ينشرح صدره بالروائح الزكية التى تحدث خفة فى الجسم والروح، وينشرح صدره بلمس النعومة التى لا خشونة فيها، وينشرح صدره بلذة المعرفة في الكشف عن مجهول مخبوء، وتراه بعد هذا مطبوعًا على غريزة الحب لمشتهيات الحياة وزينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث :

الشرائع لا تقضي على الغرائز بل تنظمها :

ولعل قيام الإنسان بمهمته في هذه الحياة ما كانت لتتم على الوجه الذي لأجله خلقه الله إلا إذا كان ذا عاطفة غريزية، توجهه نحو المشتهيات، وتلك المتع التى خلقها الله معه في الحياة، فيأخذ منها القدر الذي يحتاجه وينفعه.

ومن هنا قضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان بتلك العاطفة، وصار من غير المعقول أن يطلب الله منه _ بعد أن خلقه هذا الخلق، وأودع فيه لحكمته السامية هذه العاطفة _ نزعها أو إماتتها أو مكافحتها في أصلها. وبذلك لا يمكن أن يكون من أهداف الشرائع السماوية _ في أي مرحلة من مراحل الإنسانية _ طلب القضاء على هذه الغريزة الطبيعية التى لابد منها في هذه الحياة.

نعم، للشرائع السماوية بإزاء هذه العاطفة مطلب آخر، يتلخص في كبح الجماح، ومعناه : مكافحة الغريزة عن الحد الذي ينسى به الإنسان واجباته، أو يفسد عليه أخلاقه، أو يحول بينه وبين أعمال هي له في الحياة ألزم، وعليه أوجب.

التوسط أصل عظيم في الإسلام :

ذلك هو موقف الشرائع السماوية من الغريزة، وهو موقف الاعتدال والقصد، لا موقف الإفراط، ولا موقف التفريط، هو موقف التنظيم، لا موقف الإماته والانتزاع. هذا أصل يجب أن يُفهم، ويجب أن توزن به أهداف الشريعة السماوية، وقد أشار إليه القرآن في كثير من الجزئيات {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}(35)، {يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}(36)، {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِك}(37).

وإذن، فالشريعة توجه الإنسان في مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فهي لم تنزل لانتزاع غريزة حب المال، إنما نزلت بتعديلها على الوجه الذي لا جشع فيه ولا إسراف، وهي لم تنزل لانتزاع الغريزة في حب المناظر الطيبة، ولا المسموعات المستلذة، وإنما نزلت بتهذيبها وتعديلها على ما لا ضرر فيه ولا شر. وهي لم تنزل لانتزاع غريزة الحزن، وإنما نزلت بتعديلها على الوجه الذي لا هلع فيه ولا جزع، وهكذا وقفت الشريعة السماوية بالنسبة لسائر الغرائز.

وقد كلف الله العقل _ الذي هو حجته على عباده _ بتنظيمها على الوجه الذي جاء به شرعه ودينه، فإذا مال الإنسان إلى سماع الصوت الحسن، أو النغم المستلذ من حيوان أو إنسان، أو آلة كيفما كانت، أو مال إلى تعلم شىء من ذلك، فقد أدى للعاطفة حقها، وإذا ما وقف بها _ مع هذا _ عند الحد الذي لا يصرفه عن الواجبات الدينية، أو الأخلاق الكريمة، أو المكانة التى تتفق ومركزه، كان بذلك منظمًا لغريزته، سائرًا بها في الطريق السوى، وكان مرضيًا عند الله وعند الناس.

بهذا البيان يتضح أن موقف الشاب في تعلم الموسيقى _ مع حرصه الشديد على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها وعلى أعماله المكلف بها _ موقف _ كما قلنا _ نابع من الغريزة التى حكمها العقل بشرع الله وحكمه، فنزلت على إرادته، وهذا هو أسمى ما تطلبه الشرائع السماوية من الناس في هذا الحياة.

رأى الفقهاء في السماع :

ولقد كنت أرى أن هذا القدر كاف في معرفة حكم الشرع في الموسيقى، وفي سائر ما يحب الإنسان ويهوى بمقتضى غريزته، لولا أن كثيرًا من الناس لا يكتفون، بل ربما لا يؤمنون بهذا النوع من التوجيه في معرفة الحلال والحرام، وإنما يقنعهم عرض ما قيل في الكتب وأثر عن الفقهاء، وإذا كان ولابد فليعلموا أن الفقهاء اتفقوا على إباحة السماع في إثارة الشوق إلى الحج، وفي تحريض الغزاة على القتال، وفي مناسبات السرور المألوفة كالعيد، والعرس، وقدوم الغائب وما إليها. ورأيناهم فيما وراء ذلك على رأيين : يقرر أحدهما الحرمة، ويستند إلى أحاديث وآثار، ويقرر الآخر الحل، ويستند كذلك إلى أحاديث وآثار، وكان من قول القائلين بالحل : <<إنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا في معقولهما من القياس والاستدلال، ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات>>، وقد تعقبوا جميع أدلة القائلين بالحرمة، وقالوا : إنه لم يصح منها شىء.

رأي الشيخ النابلسي :

وقد قرأت في هذا الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادي عشر المعروفين بالورع والتقوى رسالة هي <<إيضاح الدلالات في سماع الآلات>> للشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي، قرر فيها أن الأحاديث التى استدل بها القائلون بالتحريم _ على فرض صحتها _ مقيدة بذكر الملاهي، وبذكر الخمر والقينات، والفسوق والفجور، ولا يكاد حديث يخلو من ذلك. وعليه كان الحكم عنده في سماع الأصوات والآلات المطربة أنه إذا اقترن بشىء من المحرمات، أو اتخذ وسيلة للمحرمات، أو أوقع في المحرمات كان حرامًا، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحًا في حضوره وسماعه وتعلمه. وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم. وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء، وهو يوافق تمامًا في المغزى والنتيجة الأصل الذي قررناه في موقف الشريعة بالنسبة للغرائز الطبيعية.

ولع الشيخ العطار بالسماع :

وكان الشيخ حسن العطار _ شيخ الجامع الأزهر في القرن الثالث عشر الهجرى _ ذا ولع شديد بالسماع وعلى معرفة تامة بأصوله، ومن كلماته في بعض مؤلفاته : << من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال  الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار >>.

الأصل في السماع الحل، والحرمة عارضة:

وإذن فسماع الآلات، ذات النغمات أو الأصوات الجميلة، لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة، أو صوت إنسان، أو صوت حيوان، وإنما يحرم إذا استعين به على محرم، أو اتخذ وسيلة إلى محرم أو ألهى عن واجب.

وهكذا يجب أن يعلم الناس حكم الله في مثل هذه الشئون، وترجو بعد ذلك ألا نسمع القول يلقى جزافًا في التحليل والتحريم، فإن تحريم ما لم يحرمه الله أو تحليل ما حرمه الله كلاهما افتراء وقول على الله بغير علم : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}(38).

ذلك هو حكم الغناء أو اللهو أو السماع والذي هو كلمات وألحان وأداء… حسنه حسن وقبيحه قبيح… جرت السُنة بإباحته منذ أن غنت الجواري وسمع الرجال في بيت النبوة، وفي بيوت الصحابة… وحتى فتوى الشيخ شلتوت في عصرنا الراهن.

عرضنا لحكمه الشرعي في هذه الصفحات… كما عرضنا للأسباب التي أثارت لغط التحريم له بتعميم وإطلاق، سواء منها تلك المأثورات المعلولة سندًا ومتنًا، أو تلك الآفة التي خلطت بين ما يعرض للغناء من أمور تخرجه عن الحِلّ والإباحة وبين أصل الإباحة له، فاتخذتها – بهذا الخلط – سبيلاً لتحريمه بتعميم وإطلاق(39)… والله سبحانه وتعالى أعلم.

المراجع :

(1) الجمعة : 9 _ 11.

(2) أخرجه الدارقطني. وانظر القرطبي (الجامع لأحكام القرآن ) جـ18 ص 103. طبعة دار الكتب المصرية. القاهرة.

(3) (الجامع لأحكام القرآن) جـ18 ص 107.

(4) المصدر السابق : جـ18 ص 111.

(5) الأنعام : 29 _ 32.

(6) ( الجامع لأحكام القرآن ) جـ6 ص 414.

(7) ( إحياء علوم الدين) ص 1126 طبعة _ مصورة _ دار الشعب. القاهرة.

(8) الأزهر _ وجمعه زُهر _ بضم الزاي وسكون الهاء _ النيّر، الصافي اللون، والمشرق الوجه.

(9) رواه مسلم والإمام أحمد.

(10) بُعاث : حصن للأوس، دارت عنده وقعة من وقائع الجاهلية، انتصرت فيها الأوس على الخزرج.

(11) الدرقة : الترس من جلود، ليس فيه خشب ولا عقب.

(12) أَمنًا : أي لكم الأمان. وفيه سماح وتشجيع على مواصلة اللعب. وأرفدة : أشهر أجداد الحبشة.

(13) أخرج هذه الرواية الإمام أحمد عن أنس بن مالك. ورواه النسائي أيضًا عن أبي هريرة _ في <<باب اللهو بالحراب>>.

(14) القينة : معناها هنا المغنية : وتطلق على الأمة.. والماشطة.

(15) يعس : أي يطوف بالليل، يحرس الناس، ويكشف أهل الريبة.

(16) ابن سعد (كتاب الطبقات الكبرى ) جـ3 ق1 ص 205، طبعة دار التحرير، القاهرة.

(17) الشاطبي (الاعتصام ) جـ1 ص 272، 273 تحقيق الشيخ محمد رشيد رضا. طبعة _ مصورة _ مكتبة أنس بن مالك القاهرة، سنة 1400هـ، 1980م.

(18) المصدر السابق : جـ1 ص 273. والقرطبي ( الجامع لأحكام القرآن ) جـ14 ص 55. وابن تيمية (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) جـ11 ص 569. طبعة المملكة العربية السعودية _ على نفقة الملك خالد بن عبد العزيز.

(19) النويرى (نهاية الأرب) جـ4 ص 147 _ 160 طبعة دار الكتب المصرية. القاهرة.

(20) سورة لقمان : 6.

(21) ارتدفه : ركب وراءه، وأخذه من ورائه.

(22) الحِرّ _ بكسر الحاء وتشديد الراء _ والأولى تخفيفها _ معناه : الفرج، وأصله حرح _ أى يستحلون الزنا.

(23) الحديث المسند : هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

(24) الحديث المسند هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(25) الغرض : هو الهدف.

(26) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

(27) اللون اللازوردي : هو الأرزق الضارب إلى الحمرة والخضرة _ وهو لون معدن اللازورد.

(28) انظر تفصيل ذلك _ لابن حزم _ في (رسالة في الغناء الملهي، مباح هو أم محظور؟) ص 430 _ 439 تحقيق : دكتور إحسان عباس _ ضمن الجزء الأول من رسائل ابن حزم _ المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 1400هـ سنة 1980م. و (المحلى) المسألة رقم 1515 طبعة القاهرة _ الأولى.

(29) ( إعلام الموقعين ) جـ4 ص 372، 373، 375، طبعة بيروت سنة 1973م. و ( الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) ص17، 19، 5 تحقيق : د. جميل غازي. طبعة القاهرة سنة 1977.

(30) القيام _ هنا _ بمعنى الإثار والتهيج.. ومصطلح القيام يعنى _ ضمن ما يعنيه _ الثورة والنهوض.

(31) (الجامع لأحكام القرآن) جـ14 ص 52، 54 والرفث : الفحش.

(32) (إحياء علوم الدين) ص 1142 _ 1147، 1152، 1153.

(33) (مجموع فتاوي ابن تيمية) جـ11 ص 557 _ 562، 565 _ 568.

(34) المصدر السابق جـ11 ص 330 _ 333.

(35) الإسراء : 29.

(36) الأعراف : 31.

(37) لقمان : 19.

(38) الأعراف : 33 انظر (الفتاوى) للشيخ محمود شلتوت ص 409 _ 414. طبعة دار الشروق. القاهرة سنة 1400هـ سنة 1980م.

(39) انظر تفصيل موقف الإسلام من الفنون الجميلة ـ غناء وموسيقى ورسمًا ونحتًا وتصويرًا ـ في كتابنا (الإسلام والفنون الجميلة)، طبعة دار الشروق، القاهرة، 1411 هـ – 1991م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر