أبحاث

المفارقة القيمية والتغير الاجتماعي في مجتمع إسلامي

العدد 43

مقدمة

يمثل هذا البحث محاولة إستكشافية لرصد الثابت والمتغير, فيما يتعلق ببعض أشكال السلوك المعياري, المستندة إلىٰ قيم معينة, تحظىٰ بقدرٍ من الشيوع والإِلزام. ـــ علىٰ المستوىٰ الصريح أو الضمني ـــ في سياق عملية التغير الإِجتماعي التي يشهدها المجتمع المصري.

فثمة دلائل علىٰ أن مجتمعنا يعايش حالة من التغير الإِجتماعي, تتسم بإيقاع سريع, بشكل تعجزعن ملاحقته المكونات النفسية للأفراد, وما تشتمل عليه من قيم (1).

ومن المفترض أن سرعة التغير الإِجتماعي, تشيع الإِضطراب والإِختلال في موزين التعامل الإِنساني, وإهتزاز مراجع الحكم علىٰ ألوان السلوك, نتيجة لإختلال بعض القيم, وإختفاء أهميتها, دون العمل في الوقت المناسب علىٰ إحلال قيم وظيفة أخرىٰ محلها, أو نتيجة لإستمرار قيمة لا تستحق البقاء(2).

وقد أوضح شريف أن التغيرات المستمرة في المعايير, تمثل جزءاً من المشكلة التغير الإِجتماعي. وإذا ما بقي المتخصصون في علم الإِجتماع, وعلم النفس, وبمنأىٰ عن هذه المشكلة, فإنهم سوف يبقون بعيداً عن المجرىٰ الفعلي للتاريخ(3).

ومن ناحية أخرىٰ يشير كل من كوتجدون, ودَفْ , إلىٰ أن ثمة أسساً قوية لإِفتراض أن التغير في القيم يمثل مفتاحاً لفهم التغير الإِجتماعي, حيث تلعب القيم دوراً بارزاً في تقنين المؤسسات, والممارسات الإِجتماعية والسياسية والإِقتصادية, والتغيرات في القيم قد يكون لها نتائج هامة خاصة بشرعية النسق الإِجتماعي, وتفرض أعباءً خطيرة علىٰ النظام السياسي(4).

ومن ناحية دينامية, أوضح أكاف أن كيفية إلتزامنا بالمعايير الإِجتماعية الممثلة للقيم, تتأثر بكيفية إفتراضنا لعمل هذه المعايير علىٰ المستوىٰ الفردي(5).

ولقد اهتم الأنثربولوجيون كثيراً بالتباين بين النمط النموذجي في المجتمع ( ما يعتقد الناس أنه واجب الفعل ومالا يجب ) والسلوك الفعلي ( وما يفعله الناس في الواقع ). وثم عنصر ثالث وسيط وهو ما يسمىٰ بالسلوك المفترض Behavior presumed ( أو ما يعتقد الناس أنه يحدث في مجتمعهم ). وإذا كان الناس يميلون للسلوك علىٰ أساس ما يعتقدون أن الآخرين يفعلونه, فإن معرفة السلوك المفترض له دلالة هامة في فهم السلوك الإِجتماعي و التنبؤ به. وفي مجال الممارسة, من المحتمل أن يكون السلوك المفترض مصدراً لكثير من المعايير, أكثر من معرفة السلوك الفعلي. وغالباً ما تكون الفجوة بين ما يفعله أعضاء المجتمع بالفعل وما يفترض الناس أنه يحدث في المجتمع واسعة(6).

وكما أوضح فروم. ثمة تناقض عادة بين القيم التي يعتبر الناس أنها قيمهم, والقيم الفعلية التي تحكمهم, دون أن يكون لهم وعي بذلك. ففي المجتمع الصناعي تكون القيم الرسمية الواعية, هي قيم التقليد الديني والإِنساني « مثل الروح الفردية والحب والرحمة والأمل .. الخ» ولكن هذه القيم قد غدت أيديولوجيا بالنسبة لأكثرية الناس, ولم تعد تتدخل لتحويل السلوك الإِنساني, أما القيم الضمنية اللاشعورية, والتي تسبب السلوك الإِنساني مباشرة فهي تلك التي يوجدها النظام الإِجتماعي في المجتمع الصناعي البيروقراطي, مثل قيم«الملكية والإِستهلاك, والمكانة الإِجتماعية, والتسلية والهو الصاخب .. الخ» وهذا التناقض بين القيم الصريحة «غير الفعلية». والقيم الضمنية « الفعلية », يُحدث إضطرابات في الشخصية(7).

ـــ مشكلة الدراسة :

لقد أوضح روكيتش أن أي تصور للقيم الإِنسانية, تكمن خصوبته في التأكيد علىٰ الطابع المستقر لتلك القيم, إلىٰ جانب تأكيده علىٰ قابليتها للتغير(8).

وتلك في إعتقادنا معادلة حرجة, يترتب علىٰ عدم قدرة صانعي التغير علىٰ حلها, حدوث ما يسمىٰ بالمفارقة القيمية. فما هو المدىٰ المُتاح أو النسبة الحرجة التي نقبل عندها مرونة بعض القيم في سياق عملية التغير الإِجتماعي, وتلك التي لا نقبل عندها تلك المرونة, ويغدو إنتهاك قيم معينة, أو التخلي عنها, إنحرافاً في مسار عملية التغير.

وقد حاولنا في هذه الدراسة, الوقوف علىٰ مؤشرات للإختلال المفترض حدوثه في مجال القيم, في سياق عملية التغير الإِجتماعي, التي يشهدها مجتمعنا في العقدين الأخيرين ـــ وهو ما أسميناه بالمفارقة القيمية ـــ علىٰ مستويين :

أ ـــ التعبير اللفظي عن إنتشار أو شيوع قيم معينة, رغم وجود أشكال من السلوك المخالف لهذه القيم, والتي تتسم بمستوىٰ إلزامي مرتفغ.

ب ـــ تختلف بعض القيم الهامة والأساسية, من حيث مستوىٰ شيوعها, وكذا مستوىٰ لزوميتها, فيما يتعلق باحتكام الأفراد إليها في سلوكهم.

المنهج واجراءات الدراسة :

1ـــ العينة :

تكونت عينة الدراسة من إثنين وأربعين فرداً, من الذكور المسلمين (مدرسين, ومدرسين مساعدين, معيدين, طلاب بأقسام الفلسفة وعلم النفس والإِجتماع بكليات الآداب والتربية, بجامعات المنيا وسوهاج, والقاهرة, وعين شمس, وكذالك باحثين بالمركز القومي للبحوث الإِجتماعية والجنائية بالقاهرة).

ولعل تنويع العينة بهذا الشكل, وإستعانتنا بباحثين في المجال, يرجع لافتراضنا بأنهم أكثر إستبصاراً بالواقع النفسي ـــ الإجتماعي, ومن ثم بالقيم الشائعة في المجتمع ومدىٰ لزومية كل قيمة, بشكل يصل إلىٰ حد الوضوح من حيث التجسيد والبروز لحيز الوعي والترجمة علىٰ مستوىٰ لفظي.

2ـــ الأدوات :

يعتمد منطق قياسنا للقيم ـــ في هذه الدراسة ـــ علىٰ فكرة التمثيل الرمزي لها, من خلال تحديد الأوزان بالنسبة لشيوع قيم معينة وكذا مستوىٰ لزوميتها.

وقد قام الباحث بإجراء مسح لمجموعات القيم المتمثلة في دراسات كاظم (1970) وروكيتش (1973), بهدف إنتقاء مجموعة من القيم المحددة في مفهومها والأكثرإلتصاقاً بالسلوك. بحيث تم تجنب الإَستعانة بالقيم المطلقة أو النهائية والتي تحتمل معاني كثيرة, غير قابلة للتحديد السلوكي أو الموقفي ـــ وقد أمكن وفقاً لذلك إنتقاء سبعة عشر قيمة وسيطة ذات طابع إجتماعي وأخلاقي.

جدول رقم (1)

« مجموعة القيم العامة موضوع الدراسة »

1 ـــ العدالة الإِجتماعية.

2 ـــ الولاء للوطن.

3 ـــ الصدق في القول والفعل.

4 ـــ الكرم.

5 ـــ حسن السمعة.

6 ـــ حرية التعبير السياسي.

7 ـــ التدين.

8 ـــ الأمانة.

9 ـــ طاعة أولي الأمر.

10 ـــ التسامح مع الآخرين.

11 ـــ حب الآخرين.

12 ـــ التواضع للآخرين.

13 ـــ المنطقية في معالجة الأمور.

14 ـــ الطيبة في التعامل مع الآخرين.

15 ـــ تحمل المسئولية.

16 ـــ حب الأسرة والأقارب.

17 ـــ مسالمة الآخرين.

أ ـــ استفتاء سيوع القيم :

صممت إستمارة شيوع القيم أو إنتشارها, بحيث تضمنت سلسلة من سبعة نقاط للشيوع متصلة, وكان المطلوب من المفحوص هو تحديد مدىٰ إنتشار كل قيمة مدرجة بالإِستمارة بوضع دائرة حول الدرجة (7) إذا كانت شائعة تماماً ووضع دائرة حول الدرجة (1) إذا كانت غير شائعة تماماً, وفيما بين 1 إلىٰ 7 درجات متوسطة الشيوع.

وقد اعتبرت هذه الدرجات موزونة, وعن طريق الجمع البسيط لدرجات شيوع كل قيمة وقسمة المجموع علىٰ عدد الأفراد المفحوصين, ينتج متوسط الشيوع للقيم. وقد تم ترتيب المتوسطات تنازلياً وحساب الربيع الأعلىٰ وكذا الربيع الأدنىٰ, وإعتبار القيم التي تقع متوسطات شيوعها في نطاق الربيع الأدنىٰ قيم منخفضة الشيوع, وما بينها قيم متوسطة الشيوع.

وللحصول علىٰ مؤشر اللإِتساق الداخلي في الإِستجابة علىٰ أنها متغير قطبي ( موجب ـــ سالب) تم وضع قطبيْ كل قيمة في الإِستمارة المتعلقة بالشيوع بشكل عشوائي. فأصبحت متضمنة لأربعة وثلاثين قيمة موجبة وسالبة. بحيث يمكن التأكد في النهاية من أن القطب الموجب للقيمة, والذي يحصل علىٰ درجة شيوع مرتفعة, يحصل القطب المقابل له علىٰ درجة أقل في الشيوع, مما يوحي بقدر من الصدق في الإِستجابة المقياس.

هذا فضلاً علىٰ أن فيشر قد أوضح أن إدراج القيم السالبة في إستفتاءات القيم, ربما يكون أمراً مفيداً, ويعني علىٰ روكيتش(9) عدم تضمن قائمة القيم لديه لقيم سالبة.

ب ـــ إستفتاء مدة لزومية القيم :

تم وضع القيم السابقة في إستفتاء, وطلب من أفراد العينة تحديد ما إذا كانت هذه القيم مُلزمة, أو غير مُلزمة. وقد تحدد مفهوم الملزمة علىٰ أنها : «قيم تمس كيان المصلحة العامة سلباً وإيجاباً, وتسهم في تحقيق الأهداف المرغوب فيها إجتماعياً, وتضم سلوك الأفراد من الناحية الإِجتماعية والخلقية والعقائدية, وتكسب الجماعة التجانس اللازم, لتحقيق التكامل و التكافل الإِجتماعيين أو تعوقها. وهي قيم يدعىٰ المجتمع شيوعها, أو عدم شيوعها, بقوة وحزم, سواء عن طريق المعرفة, أو قوة الرأي العام, أو القانون».

كما تحديد مفهوم القيم غير الملزمة (التفصيلية) علىٰ أنها « قيم يشجع المجتمع أفراده علىٰ التمسك بها, ولكنه لا يلزمهم مراعاتها, إلزاما يتطلب العقاب الصارم والصريح لمن يخالفهما(10).

وقد تم حساب كا2 لدلالة الفروق في تكرارات لزومية القيم بين (فئتي الإلزام ـــ عدم الإِلزام) والتعرف علىٰ إتجاه دلالة الفروق وبالتالي تصنيف القيم, وفقاً لمستوىٰ دلالتها.

3 ـــ إجراءات التطبيق :

وزعت إستمارات البحث علىٰ أفراد العينة, بحيث تمت الإِستجابة بشكل فردي, ووفقاً للتعليمات السابقة في نوفمبر 1982.

ـــ النتائج ـــ

يمكن تناول نتائج هذه الدراسة فيما يتعلق بمستوىٰ الشيوع ومدىٰ الإلزام للقيم السابقة كما يلي :

جدول رقم (2)

« قيم شائعة تقع في نطاق الربيع الأعلى

«4,7»

 

القيمة

 

 

التدين

حب الأسرة و الأقارب  

الكرم

 

طاعة أولي الأمر

 

حسن السمعة

 

الولاء للوطن

متوسط

الشيوع

5,36 5,16 4,96 4,88 4,86 4,76
مستوى

الالزام

ملزمة ملزمة غير ملزمة ملزمة غير دالة ملزمة
كا2 6,85 9,7 36,9 15,6 2 30,9

جدول رقم (3)

«مستوىٰ شيوع الأقطاب السالبة للقيم الشائعة»

القيمة

 

عدم

التدين

التحلل من الروابط الأسرية البخل عدم طاعة أولي الأمر سوء السمعة عدم الولاء للوطن
مستوي الشيوع متوسط منخفض متوسط منخفض منخفض منخفض
متوسط الشيوع 3,8 3,4 3,5 2,9 3,1 2,8

يتضح من المقارنة السريعة لنتائج الجدولين السابقين, وجود نوع من الإِتساق في الإِستجابة, حيث حصلت معظم الأقطاب السالبة للقيم الشائعة علىٰ متوسطات شيوع منخفضة بإستثناء قيمتيْ التدين والكرم, وسنتناول ذلك بالتفسير فيما بعد.

جدول رقم (4)

«قيم متوسطة الشيوع تقع في نصف المدىٰ الإرباعي»

القيمة الطيبة في التعامل مع الآخرين حب الآخرين التسامح تحمل المسؤلية الأمانة التواضع مسالمة الآخرين
متوسط الشيوع 4,6 4,4 4,4 4,4 4,4 3,7 3,6
مستوىٰ الالزام غير ملزمة غير ملزمة غير ملزمة ملزمة غير دالة غير ملزمة غير ملزمة
كا2

 

4,74 9,15 14,9 7 3, 22,8 4,5

جدول رقم (5)

«مستوىٰ شيوع الأقطاب السالبة للقيم متوسطة الشيوع»

القيمة الخبث في التعامل مع الآخرين كراهية الآخرين عدم التسامح عدم تحمل المسؤلية الخيانة التكبر العنف مع الآخرين
مستوىٰ الشيوع متوسط منخفض منخفض مرتفع متوسط متوسط متوسط
متوسط الشيوع 3,9 3,1 3,3 4,3 3,6 3,7 3,5

يلاحظ من النتائج المقارنة للجدولين السابقين, والمتعلقين بالقيم متوسطة الشيوع, أن الأقطاب السالبة لهذه القيم, حصلت علىٰ مستوىٰ شيوع متوسط, باستثناء كراهية الآخرين, وعدم التسامح, واللتان حصلتا علىٰ مستوىٰ شيوع منخفض.

وربما أمكننا تفسير ذلك, إذا ما تصورنا أن الأفراد في مجتمعنا يألفون غيرهم بسرعة ويتسمون بالود, ومن ذلك فهم لا يتسامحون مع من يسيء إليهم بسهولة, حتىٰ لو تطلب الأمر إرجاء الاستجابة مؤقتاً, كما في حالات الثأر.

بيد أن الملفت للنظر ـــ أيضاً ـــ هو حصول القطب القيمي السالب (عدم تحمل المسؤلية) علىٰ متوسط شيوع مرتفع, وربما كان ذلك مؤشراً خطراً علىٰ شيوع حالة من اللامبالاة والسلبية وعدم الانضباط في كثير من قطاعات المجتمع, لدرجة أن تحمل المسؤلية كقيمة موجبة لم تحظ بمستوىٰ شيوع شيوع مرتفع وإنما وقعت في دائرة الشيوع المتوسط.

جدول رقم (6)

« قيم منخفضة الشيوع تقع في نطاق الربيع الأدنىٰ  3,7»

القيمة المنطقية في معالجة الأمور الصدق في القول والفعل العدالة الاجتماعية حرية التعبير السياسي
متوسط

الشيوع

3,67 3,5 3,33 2,33
مستوى الالزام غير دالة غير دالة ملزمة غير دالة
كا2 3,8 6, 8,4 1,7

جدول رقم (7)

« مستوى الشيوع الأقطاب السالبة للقيم السابقة »

القيمة

 

الانفعالية في معالجة الأمور الكذب الظلم الاجتماعي الكبت السياسي
مستوىٰ

الشيوع

مرتفع مرتفع متوسط مرتفع
متوسط

الشيوع

4,9 4,5 4 5,4

يتضح لنا من استقراء النتائج المقارنة للقيم المنخفضة الشيوع, حصول الأقطاب السالبة لبعض القيم الهامة, والأساسية, علىٰ متوسط شيوع مرتفع, وهو أمر جدير بالانتباه والتفسير.

مناقشة النتائج

بوسعنا أن نتناول الإِتجاهات التفسيرية للنتائج السابقة, وفقاً لمحورين أساسيين, هما :

1 ـــ أن معظم القيم الشائعة, والتي أقر أفراد العينة بأنها شائعة, اتسمت يمستوىٰ إلزامي مرتفع, فيما عدا قيمتي الكرم, وحسن السمعة, وسنحاول في تناولنا لكل قيمة, أن نطرح تفسيراً لجوانب المفارقة السلوكية, التي تشيع أحياناً في مجتمعناً, علىٰ الرغم من إفتراض أن هذه القيم, تتسم بقدر كبير من العمومية والإِلزام.

2 ـــ أن ثمة قيم تبدو أساسية هامة, قد وقعت في دائرة الشيوع المنخفض, كما لم تحظ بمستوىٰ إلزامي مرتفع, باستثناء قيمة العدالة الإِجتماعية. وربما أمكننا أن نطرح تفسيراً علىٰ قدر من العقولية في هذا الصدد, بإفتراضنا أن قيماً مثل الصدق, والمنطقية في معالجة الأمور, وحرية التعبير السياسي, نظراً لإِنخفاض شيوعها وعدم تمكن الأفراد من ممارستها في كثير من قطاعات المجتمع, يجعلهم يميلون للإعتقاد بأنها غير ملزمة, وأنهم ليسوا معنيين بها, وبالتالي يتجاهلونها ولا يعطون لها وزناً أو ثقلاً في بنائهم القيمي.

وسنحاول الآن أن نتناول يشكل تحليلي منظم, جوانب المفارقة ـــ أو ما أسميناه بالثابت والمتغير ـــ في أشكال السلوك المعياري المتعلقة بالقيم السابقة. كما يلي :

(قيم شائعة)

1 ـــ التدين :

حصلت هذه القيمة, علىٰ أكبر متوسط شيوع (5,36) مما يضفي عليها أهمية بارزة, في تشكيل سلوك الأفراد في المجتمع. وهو أمر قد تشهد به الإِنتقاضات والتنظيمات والمظاهر الدينية, التي يموج بها مجتمعنا, علىٰ مستوىٰ السلوك الصريح, او الضمني أحياناً. ولكن يلاحظ من ناحية أخرىٰ, أن عدم التدين, وهو قطب سالب لهذه القيمة, قد حصل علىٰ مستوىٰ شيوع متوسط (3,8). (أعني غير منخفض) وهو أمر قد يفسر لنا بعض مظاهر الإنفصام الديني, والتي نشهدها أحياناً علىٰ المستوىٰ الفردي, حيث يكون الفرد معنياً بأداء الطقوس أو الشعائر الدينية, في الوقت الذي يساير فيه أيديولوجيات وإتجاهات أخرىٰ غير دينية, فيما يتعلق بأفكاره وممارساته المعيشية, وتفاعله مع الآخرين.

وكذا علىٰ المستوىٰ الإِجتماعي, حيث يبدو المجتمع مُدعما للمقاصد أو الشكليات الدينية, في الوقت الذي يعايش بنية سياسية وإجتماعية واقتصادية وثقافية علمانية (غير دينية).

وإذا كان أريك فروم قد أشار إلىٰ الدين علىٰ أنه : أي مذهب للفكر والعمل تشترك فيه جماعة ما, ويعطي للفرد إطاراً للتوجيه وموضوعاً للعبادة, وأن الحاجة للدين تضرب بجذورها في أحوال الوجود الإِنساني(11).

وإذا ما سمحنا لأنفسنا ـــ أيضاً ـــ بأن نضرب علىٰ الوتر الخاص بجدلية العلاقة بين القيم والواقع الإِجتماعي. فإنه يمكننا أن نفترض أن حصول قيمة التدين علىٰ مستوىٰ الشيوع والإِلزام, قد يمثل إتجاهاً تعويضياً لفظياً أكثر من كونه إتجاهاً فعلياً. فأحيانا نفترض أن القيم إفرازات لواقع إجتماعي معين, ولكننا من ناحية أخرىٰ نقول أن القيم قد تمثل تعالياً علىٰ الواقع, أو تجاوزاً له. فعلىٰ الرغم من شيوع بعض مظاهر الانفصام الديني, علىٰ المستوىٰ الفردي, وكذا بعض مظاهر العلمانية علىٰ المستوىٰ المجتمعي, إلا أن ذلك لم يقلل من مستوىٰ شيوع هذه القيم, وأيضاً مدىٰ لزوميتها. ربما لأن بقاءها ليس مشروطاً بواقع إجتماعي معين, بل إنها تتعالىٰ علىٰ هذا الواقع, لتعوض الفرد عن مرارة يستشعرها إزاءه, وتمنحه شعوراً بالهوية والإِنتماء لجماعة, أو مذهب معين, في الوقت الذي يبدو فيه منقسماً علىٰ نفسه, وعلىٰ المجتمع الكبير. ولعل ذلك يفسر السبب في شيوع بعض حركات الرفض, والهجوم علىٰ السلطة, من قبل المتدينين أو دوي الاتجاه الديني البارز.

2 ـــ حب الأسرة والأقارب :

يطلق البعض علىٰ الأسرة اسم ممتص الصدمات العملاق في المجتمع. إنها المكان الذي عود إلية الأفراد ليستريحوا, ويتداووا من جراحات صراعهم مع العالم. والموضع المستقر داخل بيئة مفعمة بالتذبذب(12) نحن نتوقع لروابطنا مع أسرنا مباشرة وبدرجة أقل مع أقاربنا الآخرين, أن تمتد بطول عمر الأفراد الذين تشملهم هذه العلاقة. وهذه التوقعات, لا تتحقق كلها بصفة دائمة نظراً لإِرتفاع معدلات الطلاق, وتمزق الروابط الأسرية, بالرغم من أننا لا نزال نظرياً, نتزوج, ولا يزال الأشخاص الذين يفصمون مثل هذه الروابط ـــ أيضاً ـــ عرضة للآحساس بالذنب, أو الإِتهام به(13).

ومن ثم فإن إرتفاع مستوىٰ الشيوع والإلزام فيما يتعلق بهذه القيمة, وحصول القطب السالب لها (التحلل من الروابط الأسرية), علىٰ مستوىٰ شيوع منخفض, يمثل مؤشراً يمكن قبوله. فالأسرة والأقارب ـــ خاصة في الريف ـــ يمنحون إحساساً بالهوية, والارتباط الشخصي, والتجذر في الواقع الإِجتماعي ـــ وتتمثل مظاهر ذلك الحب والإِرتباط, في نزوع الكثيرين منا نحو مسقط رأسهم, في المواسم والأعياد, وتجمع الناس في الأفراح والأحزان. بل إن النزعة العصبية والأسرية في كثير من القطاعات المهنية والإِجتماعية, تبدو أمراً بارزاً بشكل ملفت للنظر.

بيد أن ذلك لا يجعلنا نتغاضىٰ عن وجود بعض المؤشرات تجاه عدم الاحتكام الفعلي لهذه القيمة في سلوك الناس, خاصة في المناطق الحضرية والمزدحمة بالسكان. فضلاً عن إفتراض أن حالة الرفاهية التي تسود بين الفئات التي تشبعت بمغانم التحرر والتنمية, قد تخلق شعوراً بالاستغناء عن الأخرين, وهو ما يخلق حالة من الأنانية, وعدم الإِرتباط, علىٰ أساس انساني, ولكن وفقاً لمنطق برجماتي نفعي, حيث يغدو التنصل من الأقارب واللامبالاة بين أفراد الأسرة الواحدة, أمراً شائعاً. خاصة جينما تكون الأسرة والأقارب مصدر مشاكل أو يمثلون عوائق, في سبيل تحقيق طموحات الفرد, المشروعة وغير المشروعة.

3 ـــ الكرم :

تبدو هذه القيمة, كخاصية شائعة في سلوك الكثيرين من الأفراد في مجتمعنا, متمثلة في كرم الضيافة, وحسن إستقبال الغرباء, والحرص علىٰ مد يد العون والعطاء للآخرين. هذا فضلاً علىٰ أنها تأخذ أحياناً مفهوماً إفتراضياً في مجال السلوك يسمية البعض (النزهة) وذلك بأن يُغدق الفرد علىٰ نفسه وعلىٰ الآخرين. كما أن ثمة جذور دينية تدعم هذه القيمة, وكذا التراث الشعبي المتمثل في مقولات شائعة, مثل : « مال الكُنزي للنُزهي », أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب».

ويلاحظ أن هذه القيمة تقع في دائرة القيم غير الملزمة, كما حصل القطب السالب لها علىٰ مستوىٰ شيوع متوسط. وربما دعانا ذلك للتفكير في الوجه المفارق لها, والذي يتمثل في أن كثيراً من أشكال السلوك المندرجة تحت هذه القيمة, قد لا تحدث إنطلاقاً منها, بل كنتاج لخصائص نفسية أخرىٰ, متمثلة في حب المظهرية, والرغبة في التقبل والإستحسان الأجتماعي, خاصة مع أفراد قد يكونون ذوي دلالة بالنسبة لنا. ولكن إذا ما كانوا غير ذلك, فإننا قد نكون غير كرماء.

4 ـــ طاعة أولي الأمر

أولو الأمر من لهم الحل والعقد في محيط الأسرة, والجماعة, والمجتمع الكبير. ويبدو إرتفاع مستوىٰ الشيوع والإِلزام لهذه القيمة أمراً متوفعاً إذا ما وضعنا في إعتبارنا إفتراض فوجل بأن الطاعة أسهل من ضبط النفس, والإِعجاب بآخر, أسهل من إكتساب الصفات التي تخول لنا أن نعجب بأنفسنا, ومن ثم كان تعرضنا لأن نجد من العالم الخارجي سادة يوجهون سلوكنا, وأبطالاً يجسمون مثاليتنا, وبذلك يتيحون لنا بعض الراحة من ذلك الجهد الأعظم, الذي يتطلبه تنظيم أنفسنا علىٰ ضوء هذه المثل(14).

وعلىٰ الرغم من وقوع القطب السالب لهذه القيمة (عدم طاعة أولي الأمر) في نطاق الشيوع المنخفض, إلا أننا نتساءل : لماذا يرفع البعض راية العصيان تجاه أولي الأمر, أنطلاقاً من منظور ديني ؟

وفقاً للتصور التحليلي لديناميات الطاعة أو الإذاعات, فان الملك أو الزعيم الروحي, هو أعلىٰ رمز أرضي, يمكن أن نسقط عليه ذواتنا العليا, وما وراء ذلك يقوم ما هو إلهي وغير بشري. ولأننا مُعرضون ـــ إلىٰ حد ما ـــ لتكرار خيبة الأمل, نتيجة لنقص وقصور ومحدودية من نسقط عليه ذواتنا العليا من البشر, فإننا لا نجد أخيراً سوىٰ الله سبحانه نلوذ به, فنكون آمنين نسبياً ـــ ولأن سنن الله تعز علىٰ إدراكنا, ووجوده ومظاهره لا تدركها الحواس إلا بطريقة غير مباشرة فهو منزه عن النقائص, والتي لابد أن تتضح لنا في كل الرموز البشرية, إن آجلاً أو عاجلاً. فهو أنسب هذه الرموز لاسقاط الذات العليا عليه. ويستطيع الرجل المتدين أن يجد في صلته بالله, واثقاً مطمئناً من قوته وعصمته من الخطأ(15).

5 ـــ حسن السمعة :

علىٰ الرغم من عدم الدلالة الإلزامية لهذه القيمة, إلا أنها إتسمت بمستوىٰ شيوع مرتفع, كما حصل القطب السالب لها علىٰ درجة شيوع منخفضة.

ونحن نميل إلىٰ إقتراض نسبية إحتكام الأفراد في مجتمعنا لهذه القيمة في قطاعات السلوك المختلفة. ففي مواقف معينة يبدو الناس ـــ علىٰ مستوىٰ صريح ـــ بأنهم يتبنون هذه القيمة, وفي مواقف أخرىٰ يتخلون عنها خاصة ـــ علىٰ المستوىٰ الضمني ـــ حينما يكونون بعيدين عن نطاق المراقبة, ففي حالة مثل الزواج ـــ مثلا ـــ نجد أم حسن السمعة, لازالت قيمة ذات أهمية بارزة, رغم ما يقال عن إنقلاب الهرم الإِجتماعي, والطغيان المادي الذي يطفو علىٰ القيم, في كثير من الأحيان. ولكن في مجال الكسب المادي أو المعاملات التجارية, فإن الكثيرين لا يعنيهم التفرقة بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع, أو ما يضير الصالح العام أو حتي الخاص ماداموا بعيدين عن الرؤية والمراقبة.

6 ـــ الولاء للوطن :

حصلت هذه القيمة علىٰ مستوىٰ شيوع وإلزام مرتفع, حيث يبدو الحنين للأرض والوطن أمراً شائعاً لدىٰ الأفراد في مجتمعنا.

وإذا ما وضعنا في إعتبارنا قول فيشر بأن عملية ترتيب القيم وفقاً لأهميتها ـــ وبالتالي وفقاً لمستوىٰ شيوعها أو لزوميتها, قد تكون نتاجاً للإنصياع للمتطلبات العيارية, أكثر من كونها نتاجاً لاندماج أنساق القيمة. ربما لأن ضغوط جماعة الأقران تدافع بعض الأفراد لإضفاء أهمية عالية علىٰ قيمة مثالية معينة, ترتبط بأيديولوجية إجتماعية أو سياسية محددة. ومن ثم فمع أنهم يقدرون بصورة عامة هذه القيم علىٰ انها لديهم, إلا أنهم لا يقتنعون بها, ولا يسلكون وفقاً لأساليبها المعيارية(16) فإن ذلك يمنحنا مشروعية رصد أشكال السلوك الإِنفصالي التي يبديها بعض الأفراد تجاه مجتمعهم, متمثلة في السلبية واللامبالاة, وعدم المشاركة الفعالة في القضايا المجتمعية الهامة, وعدم بذل أقصىٰ أداء في سبيل قضايا التنمية, والهجرة للخارج, وكذالك شيوع مقولات دارجة, تنم عن حالة من الاستياء والكراهية للوطن في ظروف معينة.

وربما أمكن تفسير كل ذلك, إذا ما إعتبرنا الولاء للوطن إلتزام من ناحية الفرد تجاه قيم ومعايير المجتمع, في مقابل إلتزام آخرمن المجتمع تجاه الفرد بأن يشبع حاجاته الأساسية البيولوجية والنفسية. كالحصول علىٰ قوت يومه دون معاناة شديدة, والحصول علىٰ مسكن ملائم, وتحقيق الأمن والانتهاء وإحترام الذات وتقديرها, ومن المتوقع أن من حق أي فرد نقض هذا العهد, خاصة عندما يشعر بأن المجتمع لا يحافظ علىٰ نصيبه من الصفقة, حينئذ الإِلتفات للمنفعة الذاتية فقط.

وكما أوضح سيكورد وباكمان حين لا يستطيع الأفراد تحقيق نتائج مشبعة, من خلال المجاراة لمعايير الجماعة, التي تحدد كيف يمكن تحقيق تلك النتائج, فإن الضغوط تثور, كنتاج لإِنهيار الإِتفاق حول ماهية السلوك الملائم. ويسبب ذلك حالة نسبية من فقدان الإِتجاه. ويستثير فقدان الإِتجاه ـــ بدوره ـــ الشعور أو التوقع بأن أنماط السلوك غير المقبولة إجتماعياً أضحت ضرورية لتحقيق الأهداف(17).

ـــ وحينها نأتي للقيم المتوسطة الشيوع, لا نجد جديداً من حيث التفسير فوسطية الشيوع لا تمثل أمراً شاذاً.

ـــ بيد أن الملفت للنظر أن قيماً هامة وأساسية, كالصدق والعدالة الإِجتماعية, وحرية التعبير السياسي, والمنطقية في معالجة الأمور, حصلت علىٰ متوسطات شيوع منخفضة, كما أن معظم هذه القيم ليس لها دلالة إلزامية.

(قيم منخفضة الشيوع)

1 ـــ المنطقية في معالحة الأمور :

يبدو إنخفاض مستوىٰ شيوع هذه القيمة, وحصول القطب السالب لها ( الانفعالية في معالجة الأمور), علىٰ إفتقادنا, لتحكيم منطق العقل في أمورنا وقضايانا, وغلبة النبرة الإِنفعالية في أحكامنا علىٰ الأمور. وهو أمر في حاجة إلىٰ تأكيد, خاصة أن معظم التصورات في هذا الصدد إفتراضية, رغم وجود بعض الشواهد الواقعية المؤيدة لها.

فغالباً ما نميل للتطبيق الأعمىٰ للقوانين واللوائح, دون منطقية, أو تمثل عقلي لروح اللائحة أو القانون. وقد نتطرف في الاتجاه الآخر, والذي يتمثل في التسيب التام أو عدم الإِمتثال الفعلي لتلك القوانين, إعتماداً علىٰ أهواء شخصية, أو عوامل مزاجية, دونما تبرير عقلي يأخذ في إعتباره صالح الفرد والمجموع. ويمكن القياس علىٰ ذلك فيما يتعلق بالواقع السياسي والمجتمعي والأسري .. الخ.

2ـــ الصدق في القول والفعل :

يعني الصدق, أن يكون ظاهر المرء مثل باطنه, وأقواله معبرة عن الحقيقة شعوره وإعتقاده, إنه ضد النفاق والتظاهر بعواطف وأفكار ومقاصد لا توجد حقاُ في داخل النفس(18).

ويشير إنخفاض مستوىٰ شيوع هذه القيمة, وحصول القطب السالب لها (الكذب) علىٰ متوسط شيوع مرتفع (4,5), إلىٰ أن هذه القيمة, قد تراجعت في الفترة الأخيرة, عن أن يكون لها مركز الصدارة, في تشكيل سلوك الأفراد. ربما لإحساس الكثيرين بأنها لم تعد مشبعة لحاجتهم الخاصة بالتقدير والتقبل الإِجتماعي, فضلاً عن التدعيم السلبي لهذه القيمة, وإعتبار الكذب و التحوط نوعاً من (الفهلوة) والمهارة في التعامل مع الآخرين. فكثيرا ما نجد أن الصدق في التعامل والصراحة في التعبير أمراً غير مرغوب, بل ويفضي لنوع من النبذ والرفض الضمني أو الصريح لصاحبها. وهو أمر يسلب قيمة الصدق فعاليتها, ويجعلها ذات عائد سلبي بالنسبة للأفراد.

3 ـــ العدالة الإِجتماعية :

حصلت هذه القيمة علىٰ متوسط شيوع منخفض 3,33, وهو أمر ملفت للنظر. ومن المعروف أن العدل الإِجتماعي, ينصب أساساً علىٰ العدالة التوزيعية. وذلك بهدف تقريب الفوارق بين الناس, الناجمة إما عن الطبيعة (فوارق في الإِستعدادات, والمواهب والكفاءات) أو عن الأوضاع الإِجتماعية المتوارثة (الميراث, المكانة الإِجتماعية للأسرة أو الوالدين, النفوذ السياسي والإِجتماعي المتوالد عن بنية المجتمع .. الخ). وكذا التوفيق بين ما يحتاجه المرء وما يستطيع هو أن يقدمه للمجتمع(19).

وربما كانت مظاهر العنف الجماهيري وضروب السلوك الإِجرامي وغير المشروع, والتي تشيع في مجتمعنا ـــ في البعض الأحيان ـــ مؤشر علىٰ الحرمان النسبي أو الظلم الإِجتماعي الذي تشعر به فئات معينة, حتىٰ فتلرات الرخاء الإِقتصادي.

وقد أوضحت الدراسات أن معدلات الجريمة والعنف لا تظهر فقط في فترات الكساد الاقتصادي, وإنما تشيع علىٰ عكس ما هو متوقع في فترات الرخاء. يمكن إرجاع هذا بالطبع إلىٰ زيادة الشعور بالفروق الضخمة في الثروة والدخل والمكانة الإِقتصادية, وما قد يخلفه ذلك من آثار مباشرة علىٰ مشاعر المعُدمين وتقديرهم لذواتهم(20) .

4 ـــ حرية التعبير السياسي :

حصلت هذه القيمة علىٰ درجة شيوع منخفضة 2,33, بينما حصل الكبت السياسي, وهو القطب السالب لهذه القيمة علىٰ متوسط شيوع مرتفع 5,36, وهو مؤشر خطير علىٰ وضعية ممارسة الموطن لحق التعبير السياسي في مجتمعنا, كقيمة يترتب عليها أنماط معينة من السلوك.

ومن المفترض أن شيوع الكبت السياسي في مجتمعنا, وإنخفاض في مستوىٰ حرية التعبير, يترتب عليه شيوع أنماط من السلوك العدواني الموجه نحو السلطة بمؤسساتها وأشخاصها. هذا فضلاً عن توافر الإِحساس باللامبالاة والسلبية والإِمعية المفرطة الناجمة عن الإِحساس بالعجز عن التغيير وعدم جدوىٰ القول. وهو ما قد يفضي في النهاية, للتدمير البطيء للهياكل الأساسية للمجتمع, عن طريق التراخي في المعالجة السليمة لكل مهمة, والإِحساس بالإِنفصال عن المجتمع وتنظيماته.

خاتمة :

وهكذا نجد أن التناقضات الإِجتماعية التي تصاحب التغير الإِجتماعي, يمكنها أن تسلب وظيفة التوجيه بعض القيم الأساسية. فبينما تظل هذه القيم شائعة علىٰ المستوي الصريح للتوجهات القيمية للأفراد, إلا أمهم لا يحتكمون إليها في سلوكهم الفعلي.

ومن ناحية أخرىٰ نجد أن الضغوط الإِجتماعية التي تمارس علىٰ الأفراد, في إتجاهات رديئة قيمياً, تجعلهم يسلكون يشكل سلبي نحو قيم هامة وأساسية, أو يتخلون عن الإِحتكام إليها, أو يعطونها أوزاناً منخفضة من حيث مستوىٰ الشيوع, وكذا مدى الإِلزام.

ولعل استعراضنا لبعض جوانب المفارقة القيمية, في سياق هذه المرحلة, والتي يمر بها مجتمعنا (مرحلة الإِنفتاح الإِقتصادي والفكري) قد يمثل هتافاً صامتاً, نحو ضرورة إستخدام أسلوب التغيير المخطط, أو تخطيط التغير في إطار ما أشار إليه كارل بور علىٰ أنه هندسة إجتماعية. لا تعدو عن كونها سلسلة من التوافقات الحذرة المتدرجة, لحل أية مشكلة إجتماعية, وإحتواء المضاعفات السيئة التي قد تنجم عن كل عمل من أعمال التخطيط. والتي قد تعجز معرفتنا الراهنه عن التنبؤ بها. خاصة في بلدان العالم الثالث بوجه عام والإسلامي بوحه خاص, لمعايشتها مراحل حرجة في عملية التنمية, إقتصادياً, وما يصاحب ذلك من إختلال في البنية الإِجتماعية والثقافية, يحتاج إلىٰ ضبط وتخطيط.

الهوامــش

1 ـــ شتا, 1974, ص 172

2 ـــ كاظم, 1970, ص 8

7 ـــ فروم, 1972, ص 100

10 ـــ دياب, 1966

11 ـــ فروم, 1977, ص 25

12 ـــ توفلر, 1977, 25

13 ـــ نفس المرجع ص 102

14 ـــ فلوجل 1966, ص0 24

15 ـــ نفس المرجع, ص 165

20 ـــ أرجايل, 1973, ص 78

21 ـــ نفس المرجع, ص 299

3- Sherif, 1961, p.196

4- Cotgrome-Duff, 1981, p.92

5- Acuff, 1973, p.109

6- Ibid

8- Rokeach, 1975, p.345

9- Feather, 1975, p.23

16- Feather, 1975, p.290

17- Second-Backman, 1974, p.335

المراجع

ـــ أرجايل (مشيل ـــ 1973) : علم النفس ومشكلات الحياة اللإِجتماعية, ترجمة عبد الستار إبراهيم, القاهرة : دار الكتب الجامعية.

ـــ بدوي (عبدالرحمن ـــ 1977) : الأخلاق النظرية, الكويت: دار المطبوعات.

ـــ تولفر (ألفين ـــ 1974) : صدمة المستقبل, القاهرة : دار نهضة مصر.

ـــ دياب (فوزية ـــ 1966) القيم والعادات الإِجتماعية, القاهرة : دار الكاتب العربي.

ـــ فروم (اريك ـــ 1972) ثورة الأمل, بيروت : دار الآداب.

ـــ فروم (اريك ـــ 1977) الدين والتحليل النفسي, القاهرة : مكتبة غريب.

ـــ فلوجل (كارل ـــ 1966) في النفس والأخلاق والمجتمع, القاهرة : دار نهضة مصر.

كاظم (ابراهيم ـــ 1970) القيم السائدة بين الشباب, القاهرة وزارة الشباب ـــ إدارة البحوث.

ـــ ولسن (كولن ـــ 1958) اللامنتي, بيروت : دار الآداب.

– Acuff, G & Allen, D.E (1973) From man to society, New York: Dryden Press.

-Cotgrone,S & Duff, A (1981) Environmental, Values and Social change, British7. Of Sociology. Vol 32 n (1) 93 – 109.

– Feather, N.E. (1975) Values in education and society. New York : Free Press.

– Rokeach, M (1976) The Nature of human values and values systems, IN Hollander, P.E & Hunt, R.G (eds.) & Current perspectives in social Psychology. 4 ed. New York : Oxford Univ. Press.

– Sherif, M (1961) Conformity. Deviation, Norms and group relations, In Bery and Bass (eds.) Conformity and deviation. PP. 159 – 197 New York : Harper and Row.

– Second, P.E & Backman, C.W. (1974) Social psychology. New York : Mc Graw Hill.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر