مقدمــــة
يتفق الأطباء تقريبا على أن الصحة الجسمية هى خلو الجسم من الألم, وسلامة أعضائه, وقيامها بوظائفها الحيوية بقوة ونشاط لمدة طويلة.
ويأتي اتفاقهم علي هذا التعريف من كون الجسم وأعضائه أشياء ملموسة, يمكن قياس وظائفها وقوتها ونشاطها بطريقة مباشرة. أما تعريف الصحة النفسية فليس بهذه البساطة لأن النفس وأبنيتها ووظائفها ليست أشياء ملموسة, يمكن قياسها بطريقة مباشرة, وإنما هى مفاهيم فرضية نستدل على وجودها من آثارها في سلوك الإِنسان.
وقد اختلف علماء النفس في استدلالاتهم على النفس وأبنيتها ووظائفها, وعلى تحديد سوائها وانحرافاتها وعلى وضع تعريف لصحتها وسقمها.
ومن عوامل اتفاق الأطباء على تعريف الصحة الجسمية واختلاف علماء النفس على تعريف الصحة النفسية, أن تعريف الصحة الجسمية تعريف طبى, لا تتأثر كثيراً قواعد السلوك فيه بقيم المجتمع, ولا تتأثر نظرية الطبيب إلى الصحة الجسمية بأختلاف وقيمه ومعتقداته بقدر ما تتأثر بمعلوماته وخبراته فى الطب, بينما لا نجد تعريفا نفسيا خالصا للصحة النفسية, فكل تعريف يتأثر إلى حد كبير بثقافة المجتمع وقيمه وقواعد السلوك فيه. كما تتأثر نظرة عالم النفس إلى الصحة النفسية بأختلاف ومعتقداته وثقافته. وهذا ما جعل تعريف الصحة الجسمية تعريفا عالميا, ينطبق على الناس في كل زمان ومكان. وتعريف الصحة النفسية تعريفا محليا, يختلف من مجتمع إلى آخر, ويختلف في المجتمع الواحد من زمان إلى زمان, ومن عالم نفس إلى آخر بحسب خلفية كل منها الثقافية, ومعتقداته الدينية, وتعصباته العرقية.
ومن مراجعة تعريفات الصحة النفسية المتداولة في كتب الصحة النفسية العربية, تبين أن أصحابها تأثروا كثيرا بنظرة علم النفس الحديث إلى الإنسان, والتي تعتبره مكونا من نفس وجسم, وتهمل روحه (فهمي, 1967, مغاريوس, 1974, على, 1974, القوصي 1975, عبد الغفار 1978, مخيمر 1979) وهى نظرة تناسب الإِنسان في المجتمعات الغربية ولا تناسبه في المجتمعات الإِسلامية لاختلاف فلسفة الحياة وأهداف التربية والأخلاق والدين في كل منها.
وقد حصل الباحث على دراستين عربيتين عن الصحة النفسية في القرآن الكريم والسنة الشريفة (نجاتي 1986). وعلم النفس (محمد ومرسي 1986). وهاتان الدراستان بالرغم من أهميتهما, فإنهما خطوتان على الطريق, وما زالت الحاجة قائمة لمزيد من الدراسة والتقصي, حتى نصل إلى القول الفصل في وضع تعريف للصحة النفسية يناسب مجتمعنا الإِسلامي, يوضح للناس علامات الصحة النفسية وعلامات وهنها, ويمد المتخصصين في الصحة النفسية بمحكات السواء والانحراف التي يتعمدون عليها في دراسة الحالات ومتابعتها.
ونحاول في هذا المقال مناقشة تعريفات الصحة النفسية في الإِسلام وعلم النفس, ونبين حدودها الثقافية والاجتماعية, ونوضح كيف تتكامل في تعريف ((حسن الخلق)) بمفهومه الإِسلامي. نناقش فيما يلي أهم هذه التعريفات وهى : الخلو من الانحرافات, تحقيق التوازن, تحقيق التوافق, تحصيل السعادة, تحقيق الذات, حسن الخلق.
1ـــ الخلو من الانحراف
يرى بعض علماء النفس أن الصحة النفسية حالة نفسية, تخلو فيها النفس من الانحراف والتوترات والاضطرابات والأخطاء والنقائص. فالشخص المتمتع بصحة نفسية لا ينحرف عن السوء, ولا يخطىء في تصرفاته, ولا يتعرض للتوتر والقلق والاضطراب فهو إنسان كامل مثالي خال من النواقص والعيوب ( Ahrenfeled, 1965 Soddy &).
هذا التعريف بالرغم من بساطته فان المآخذ عليه كثيرة, تجعله غير مقبول من الناحيتين النظرية والتطبيقية. من هذه المآخذ الآتى :
أ ـــ الخلو من الانحراف يجعل الصحة النفسية غير موجودة عند الناس, لأنه لا يوجد انسان كامل خال من التوترات والنقائص فالإِنسان ليس ملاكا لا يحظيء ولا ينحرف با الإِنسان يخطىء ويصيب, وينحرف ويعتدل. وقد أرشدنا رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ إلى الخطأ من طبيعة الإِنسان فقال : (( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) (1). وقال عليه السلام : (( لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم )) (1).
ب ـــ لا يعني الخلوا من الانحرافات التمتع بالصحة النفسية, فكما أن خلو الجسم من الأمراض لا يعني كفاءة أعضائه في القيام بوظائفها الحيوية, بقوة ونشاط كذلك خلو النفس من الانحراف, لايعني قدرتها على تحمل الاحباط, وحل الصراع ولايدل على الشعور الشخص بالكفاءة والسعادة (القوصي, 1975) (et al. 1976 Johns,).
فالخلو من الانحراف ينفي عن النفس علامات وهنها, ولا يثبت لها علامات قوتها وتمتعها بالصحة النفسية, وهى العلامات التي تفرق بين الشخص الذي يعاني من وهن الصحة النفسية Lack of mental health.
والشخص المتمتع بالصحه النفسية Strength of mental health.
ولكي يكون هذا التعريف مناسبا للدلالة على الصحة النفسية يلزم تعديله إلى ((الخلو من الانحرفات الفجة, والتوترات الشديدة, والأخطاء الكبيرة)) فالشخص المتمتع بصحة نفسية أخطاؤه بسيطة, وانحرافاته قليلة, وتوتراته محتملة.
2 ـــ تحقيق التوازن
يعرف علماء أخرون الصحة النفسية بأنها حالة نفسية, يشعر فيها الإِنسان بالأمن والطمأنينة, عندما يحقق التوازن بين قوى نفسه الداخلية, أو بين مطالب جسمه ونفسه وروحه أو بين مصالحه الفردية ومصالح الجماعة التي يعيش فيها, أو بين هذا الجوانب جميعاً.
أ ـــ افلاطون :
ومن تعريفات تحقيق التوازن تعريف أفلاطون Flato الفيلسوف اليوناني الذي قسم نفس الإِنسان إلى ثلاثة أنفس, هى : النفس العالقة, ومكانها الرأس, وفضيلتها الحكمة. والنفس الغضبية ومكانها الصدر, وفضيلتها الشجاعة, والنفس الشهوانية ومكانها البطن, وفضيلتها العفة. وتقوم صحة النفس وسلامتها على نجاح النفس العالقة في تحقيق التوزن بين مطالب النفس الغضبية ومطالب النفس الشهوانية (محمد ومرسي, 1986).
وشبه أفلاطون الإِنسان بعربة يجرها حصانان : أحدهما النفس الغضبية والآخر النفس الشهوانية, وتقودها النفس العاقلة. فإذا نجح قائد العربة في كبح جماح الحصانين, والسيطر عليهما, سَلِمَت العربة, وسارت في طريقها. وإذا فشل في تحقيق ذلك تكسرت العربة. كذلك الصحة النفسية عند الإِنسان تقوم على قدرة القوة العالقة فيه على تحقيق التوازن بين هاتين القوتين. أما وهن الصحة النفسية فيدل على عجز القوة العالقة عن تحقيق ذلك.
ويؤخذ على هذا التعريف خطأ أفلاطون في النظر إلى النفس, وتقسيمه لها إلى أنفس مختلفة متنافرة, وافتراضية حتمية الصراع بين هذه القوى, وبين النفس والجسم وكأنه صراع فطري لايمكن علاجه. فالإِنسان بحسب هذه النظرية لا يستقر ولا يهدأ, ولا يأمن مادام التنافر والصراع قائمين بداخله, ولا حل له ـــ كما قال أفلاطون ـــ إلا بالموت, وخروج النفس من الجسد الذي سجنت فيه, وصعودها إلى عالم المثل عالمها الحقيقي الذي تنعم فيه بالمعرفة.
ب ـــ الغزالـــــي :
عرف كثير من علماء المسلمين الصحة النفسية بتحقيق التوازن بين مطالب الجسم والنفس والروح (2) وبين مصالح الفرد ومصالح الجماعة, ويقوم تحقيق التوازن على الاعتدال في تحصيل المطالب, والجمع بين مزايا مطالب الجسم والنفس والروح, بين مزايا مصالح الفرد والجماعة (كفافي, 1986) كما يقوم تحقيق التوازن على الوسطية التي اعتمدها الإِسلام منهاجا لحياة المسلم. قال تعالى (( والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقْتروا, وكان بين ذلك قواما ))(3) وقال أيضا (( ولا تجعل يدل مغلولة إلى عنقك. ولا تبسطها كل البسط. فتقعد ملوما محسورا )) (4).
وظهر تعريف الصحة النفسية بتحقيق التوازن عند الامام الغزالي الذي قسم دوافع النفس إلى نوعين : دوافع الهوى (أو بواعث الدنيا), ودوافع الهدى (أو بواعث الدين) (العثمان, 1963) فدوافع الهوى شهوات وملذات مادية, حددها الله تعالى في قوله : (( زين للناس حب الشهوات من النساء, والبنين, والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة, والخيل المسومة, والانعام والحرث, ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ))(5).
وقد وضع الله هذه الشهوات في الإِنسان لفائدة حفظ حياته, واستمرار نوعه في تعمير الأراضي, مما يجعل تركها بالمرة مذموما, والاعتدال في طلبها من حلال محمودا.
أما دوافع الهدى فهدفها ربط العبد بربه واشباع حاجات روحه, وتحسين حياته في الدنيا والآخرة. من هذه الدوافع : التوكل على الله, وحب الله, وحب رسوله, وحب القرآن, والخوف والرجاء والذكر والشكر والصبر والحمد. (الغزالي, د. ت).
ويرى الغزالي ان الإِنسان ميال بطبعه إلى شهوات الهوى وملذاتها, ولكنه إذا عاش على هواه ضل وشقى وهلك. وقال ((أما إذا صرف الإِنسان همه في اتباع اللذات البدنية, يأكل كما تأكل الانعام, فقد اصبح شيطانا مريدا, وانحط إلى حضيض البهائم, فيصير إما غمرا كثور, أو شرها كخنزير أو ضريا ككلب, أو حقودا كجمل, أو متكبرا كنمر, أو ذا روغان كثعلب)) (الغزالي د. ت ص 60).
أما دوافع الهدى فتحتاج إلى تربية ومجاهدة لتنميتها. فهدف التربية الإِسلامية في البيت والمدرسةوالمسجد تقوية هذه الدوافع, والسيطرة على الشهوات الجسد, وتوجيهها وتسخيرها فيما خلقت له, حتى يحث الاعتدال في تحصيل دوافع الهدى والهوى. وفي ذلك صحة النفس والميل عنه سقم ومؤض لها.
ويقرر الغزالي أن القلب السليم ( أي النفس المتمتعة بصحة نفسية) قلب نمت فيه بواعث الايمان وعَمُر بالتقوى, وزكى بالرياضة, وطهر من الخبائث أما القلب المخذول (أي النفس الشقية المهمومة) فمشحون بالهوى, خاضع للشهوات تذاله وتشقيه (الغزالي, د. ت ص 70).
جـ ـــ ابن القيـــم :
واتفق ابن الجوزية (1983) مع الغزالي في تعريف الصحة النفسية بتحقيق التوازن بين مطالب الجسم والنفس والروح في حدود شرع الله. وعرف القلب السليم بالقلب الصحيح (أي النفس الممتعة بصحة نفسية) الذي سَلِمَ من كل شهوة تخالف ما أمر الله به أو توافق مانهى عنه. هذا القلب نمت فيه دوافع الهدى وسيطر على بواعث الهوى فأخلص في العبودية, وضمنت له السعادة في الدنيا والآخرة, لان من طبعه الاقبال على الهدى, والنفور من القبائح. أما اللب الميت فهو قلب قاس, واقف عند الشهوات الجسد ولذته, يقبل عليها ولو كان فيها سخط الله, يعبد هواه, ويخضع له, غارق في مطالب الدنيا, تابع لكل شيطان مريد.
د ـــ نجــاتي :
وقد وضّح الاستاذ الدكتور محمد عثمان نجاتي (1984) تحقيق التوازن كما جاء في القرآن الكريم, الذي أخبرنا أن الله خلق الإنسان من جسم وروح, وأودع في كل منهما حاجاته التي تحفظه وتحميه وتنميه, ودعا الإِنسان إلى تحقيق التوازن بين حاجاتهما ووهبه العقل ليميز به بين الخير والشر, وأعطاه الإرادة ليختار ويفاضل بين : طريق الهدى, وطريق الشهوات, وطريق الرهبانية, وجعل طريق الهدى في عمل الصالحات التي تشبع حاجات الجسم والروح باعتدال دون أفراط ولا تفريط. فقال سبحانه (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ))(6).
أما من اتبع طريق الشهوات, واغفل مطالب الروح, فقد خضع لهواه, وترك منهج الهدى, وأعرض عن ذكر الله فضل وشقى. قال تعالى : (( ومن أعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا, ونحشره يوم القيامة أعمى ))(7).
أما من اتبع طريق الرهبانية والزهد في متع الحياة, وتركها بالمرة, فهى رهبانية ابتدعوها لم يكتبها الله على الانسان, لأن فيها وأدار لمطالب الجسم, وجورا عليها. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ للثلاثة الذين عزموا على صيام الدهر وقيام الليل, واعتزال النساء …. (( والله إني لأخشاكم من الله ولكني أصوم وأفطر, وأقوم وأرقد, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس منا)) (8).
واتفق نجاتي والغزالي وابن القيم على أن الشخص السوي المتمتع بالصحة النفسية, صاحب قلب سليم, قادر على تحقيق التوازن بين مطالب الجسم والروح, وقادر على اشباع حاجاتهما باعتدال في حدود ما أمر الله. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( ينبغي للعاقل أن يكون له في النهار أربع ساعات, ساعة يناجي ربه, وساعة يحاسب نفسه, وساعة يأتي فيها أهل العلم يبصرونه بأمر دينه, وينصحونه, وساعة يأتي شأنه, ويخلو بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ويجمل )) (السمرقندى 2983 ب ص 31).
أما الشخص غير السوي واهن الصحة النفسية, فمخذول القلب أو ميت القلب أو قاس القلب, يقهر حاجات جسمه بالرهبانية (نجاتي, 1984).
ولم يقتصر تعريف الصحة النفسية في الاسلام على تحقيق التوازن داخل الفرد, بل امتد إلى تحقيق التوازن بين مطالب الفرد ومطالب الجماعة التي يعيش فيها, وذلك باعتدال في تحصيل كل منها. فقد أمر رسول الله بألا نبالغ في العبادات, ونهمل حقوق الناس. فقال عليــه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : (( ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قال : بلي يارسول الله. قال فلا تفعل : صم وأفطر ونم وقم. فان لجسدك عليك حقا, وان لعينك عليك حقا وان لزوجك عليك وان لزورك عليك حقا))(9). وعندما قال سلمان لأبي الدرداء : ان لربك عليك حقا,وان لنفسك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه. قال رسول الله : (( صدق سلمان ))(10).
وجعل الاسلام الفرد مسئولا عن الجماعة, وطالبه بحفظها وحمايتها ورعايتها فقال رسول الله ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الا حرم الله عليه الجنة))(11). وقال (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ))(12) وقال (( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (13) . وقال أيضا (( كلكم راع ومسئول عن رعيته, الامام راع ومسئول رعيته, والرجل راع ومسئول عن رعيته, والمرأة راعيه في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته. فكلكم راع ومسئول عن رعيته )) (14).
هكذا جمع الاسلام بين المصالح الفردية والجماعية, وجعل مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة, ومصلحة الجماعة في مصلحة الفرد. فلم يجعل الفرد ترسا في آلة و عبدا في جماعة , كما فعلت الشيوعية التي ألغت الفردية, ولم يجعل حرا حرية تامة كما فعلت الرأسمالية, التي اعتبرت الفرد كل شيء والجماعة لا شيء.
فالإِسلام حفظ للفرد حقوقه وللجماعة حقوقها, وأمر الفرد بألا يجوز على الجماعة, وأمر الجماعة بألا تظلم الفرد. فلا ضرر ولا ضرار قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لابن عمرو بن العاصى والى مصر (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟)) وقال على بن أبي طالب كرم الله وجهه عن رسول الله عليه السلام (( من عامل النِاس ولم يظلمهم, وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم, فهو ممن كملت مروءته, وظهرت عدالته, ووجبت أخوته وحرمت غيبته)) (المرقندي, 1983 م).
هـ فرويـــد :
وظهرت تعريف الصحة النفسية بتحقيق التوازن الداخلي بين قوى النفس وتحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع في علم النفس الحديث عند سيجموند فرويد (Frued S.) الذي افترض أن النفس مكونة من ثلاثة أقسام ( كما في شكل (1) وهى كالآتي :
الهـــو ID :
مستودع الغرائز والطاقة النفسية, فعندما تثأر الغرائز يشعر الانسان بالتوتر, ولا يتحمل زيادة الطاقة المتعلقة بهذه الغرائز, فيعمل على تفريغها ليعود التوازن. وهذا الجهاز يحكمه مبدأ تحقيق اللذة.
الانــــــا Ego:
تمثل الجانب الشعوري, وتسيطر على سلوك الانسان, وتقرر مايشبع من رغباته وما يؤجل منها, بحسب ظروف الواقع الذي يعيش فيه. ويحكم هذا الجزء من النفس مبدأ الواقع.
الأنـــا الأعلى Supper ego :
ممثل داخلي لقيم وقواعد السلوك والأخلاق التي يمتصها الفرد أثناء عملية التنشئة الاجتماعية, وتنزع إلى الكمال … ويحكمها مبدأ المثالية وتعمل على كف دفعات الهو, خاصة الدفعات الجنسية والعدوانية (Napoli, et al)(1982). (فرويد, 1982م).
ملحوظة : يوجد شكل توضيحي (1) أقسام النفس عند فرويد , وشكل توضيحي (2) سلوك الأنا لإرضاء الهو والأنا الأعلى والواقع يصعب رفعهما على الموقع
والصحة النفسية تعني قوة الأنا ونجاحها في تحقيق التوازن بين مطالب الهو والأنا األأعلى والواقع. أما وهن الصحة النفسية فيعني ضعف الأنا وعجزها عن تحقيق هذا التوازن, إما لسيطرة مطالب الهو, فيصطدم الإِنسان بالواقع, أو السيطرة مطالب الأنا الأعلى, فيقسو الإِنسان على نفسه, ويكبت رغبات الهو.
ويشبه فرويد الأنا بالبعد الذي عليه إرضاء ثلاثة أسياد. ونجد في الشكل رقم (2) أن الأنا لكي تسلك سلوكا ما, عليها أن تراعي مطالب أسيادها, فإن كانت قوية نجحت وكان سلوكها سويا, يدل على الصحة النفسية, وإن كانت ضعيفة فشلت, وظهرت أعراض الاضطراب النفسي أو العقلي (فرويد, 1983 م).
لكن بالرغم من أهمية آراء فرويد وجهوده في ميدان الصحة النفسية فمن الملاحظ أن نظرته إلى النفس شبيهة بنظرة افلاطون المتشائمة, حيث اعتبر فرويد الإِنسان شريراً بطبعه, تسيطر عليه رغبات حيوانية, لايقبلها المجتمع, واعتبر قيم وأخلاق المجتمع لا تناسب طبيعة الإِنسان, مما يعني أن الصراع بين الأنا الأعلى والهو وبين الفرد ومجتمعه, صراع حتمي ومستمر ومهمة الأنا صعبة في حل هذا الصراع لأن عليها كبت الرغبات التي لا تقبلها الأنا الأعلى أو لايباركها المجتمع, وعليها أيضا حبس هذه الرغبات في اللاشعور, ومنعها من الظهور في الشعور. وعملية كبت الرغبات ليست هينة لأنها ـــ أي الرغبات ـــ لاتستسلم للكبت بسهولة, ولا تقبل الحبس في اللاشعور بل تحاول الظهور والافلات من مراقبة الأنا. وهذا ما يقلق الأنا ويزعجها لأنها تخاف الصدام مع الواقع بسبب هذه الرغبات, فتلجأ إلى الحيل النفسية الدفاعية, إلى أن تضعف وتنهار وتظهر أعراض الاضطرابات النفسية (فرويد, 1983 م). هذه النظرة خاطئة لأنها اعتبرت الإِنسان مكونا من نفس وجسم وهو مكون من نفس وجسم وروح (سوليفان, 1982م) واعتبرته, شريرا بطبعه وهو خيّر بطبعه فقد خلقه الله في أحسن تقويم, وجعله مهيماً لتقبل القيم والأخلاق وقواعد السلوك الاجتماعي.
فالصراع بين الفرد والمجتمع ليس صراعا حتميا, لأن الإِنسان عنده الاستعداد للخضوع والالتزام بقيم المجتمع, التي تهذب شهواته.
وترتقي بنفسه وتسمو بسلوكياتهم, فالنفس الإِنسانية قابلة للتعلم والتزكية فهي كما قال الشاعر :
النفس كالطفل إن تمهله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فبالتربية الصالحة تسمو النفس, وتعيش في سلام داخلي, ووئام خارجي ويتحقق لها التوازن الذي تنشده الصحة النفسية.
3 ـــ تحقيق التوافق
يذهب كثير من العلماء إلى أن الصحة النفسية حالة نفسية, يشعرون فيها الإِنسان بالتوفق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه. هذا التعريف قريب من تعريفها بتحقيق التوازن بين مطالب الفرد والجماعة, فالإِنسان يتوافق مع نفسه ومع المجتمع عندما يوازن بين مصالحه ومصالح مجتمعه.
ويقصد بالتوفيق عملية ديناميكية يحدث فيها تغيير أو تعديل في سلوك الفرد أو في أهدافه وحاجاته أو فيها جميعا, ويصاحبها شعور بالارتياح والسرور, إذا حقق الفرد مايريد, ووصل إلى أهدافه, وأشبع حاجاته, ويصاحبها شعور بعدم الارتياح والاستياء إذا فشل في تحقيق أهدافه, ومُنِع من إشباع حاجاته (مخيمـــر, 1979م).
ويدل التوافق على الصحة النفسية إذا كانت أهداف الفرد تتفق مع قيم ومعايير المجتمع, وأشبعها بسلوك مقبول. ويدل على ضعف الصحة النفسية, إذا لم يبارك المجتمع أهدافه, أو كانت سلوكياته نثير سخط الناس عليه.
ويعني توافق الفرد مع نفسه, رضاه عنها وعن ماضيها وحاضرها ومستقبلها, وتقبله لقدراتها وصفاتها وحاجاتها وطموحاتها, وسعيه إلى تنميتها. أما توافق الفرد مع المجتمع فيقصد به, رضاه عن الناس الذين يعيش معهم, وعن عاداتهم وتقاليدهم وشعور بالتقبل والحب والتعاون معهم, ورغبته فى الالتزام بقواعد السلوك السائد في مجتمعه.
(Laycock, 1966, Carroll, 1964 ).
وتعريفات الصحة النفسية التي تدور حول التوافق النفسي والاجتماعي كثيرة, منها تعريف الاستاذ الدكتور القوصي (1975) بأن (( الصحة النفسية هي مجموعة شروط يلزم توافرها حتى يتكيف الفرد مع نفسه ومع مجتمعه, تكيفا يشعره بالسعادة والكفاءة )).
وتعريف كلاندر بأنها (( قدرة الفرد على التأثيلا في البيئة والتوافق مع المجتمع توافقا يشبع له حاجاته )) (جيراد, 1973م) وتعريف شوبن (Shoben, 1980) بأنها (( قدرة الفرد على أن يعيش مع الناس, ويختار حاجاته وأهدافه دون أن يثير سخطهم عليه, ويشبعها بسلوكيات تتفق مع معايير وثقافة مجتمعه.
وبالرغم من اتفاق العلماء على أهمية التوافق في الصحة النفسية, فان مدارس علم النفس الحديث مختلفة حول دينامياته, ودور الفرد فيه. فمدرسة التحليل النفسي عند فرويد افترضت حتمية التعارض بين مطالب الفرد والجماعة وصعوبة التوافق بينها, فلكي يتوافق الفرد مع مجتمعه عليه إما أن يضحي بقرديته وذاتيته, نزولا عند مقتضيات الواقع ومطالب الجماعة, فيعيش في سلام مع الناس, ويصبح نسخة في البردعة الاجتماعية أو يتشبث بفرديته وذاتيته في عناد وإضرار, ويفرض نفسه على الناس, فإذا نجح كان عبقرياً, وإذا فشل كان عصابيا مجنونا, لأنه لايستطيع أن يكون ما يريد ( مخيمر 1979, ص 7 ). أما المدرسة السلوكية عند وطسون فذهبت إلى أن المجتمع هو الذي يصنع الفرد ويشكله كما يشاء. وقال وطسون مقولته الشهيرة (( أعطني دستة من الأطفال أصنع منهم ما أريد : مهندسين وأطباء وقضاة, أو مجرمين وسكيرين ولصوص )) فالفرد صفحة بيضاء, والمجتمع يشكله من خلال عملية التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة وينمي فيه الحاجات والأهداف التي تتفق مع تقاليده وقيمه, ويعلمه العادات المقبولة في أشباعها, ويكسبه السلوك المناسب اجتماعيا للتعبير عن النفس (Watson, 1953).
وعلى هذا فالشخص المتمتع بصحة نفسية هو الذي اكتسب السلوكيات المقبولة اجتماعيا, التي تمكنة من التوافق مع نفسه ومع المجتمع, توافقا يشبع حاجاته ويرضى المجتمع, أما الشخص واهن اكتساب هذه السلوكيات, أو اكتسب سلوكيات غير مقبولة اجتماعيا تثير سخط المجتمع عليه, أو تعلم سلوكيات متناقضة في الموقف الواحد, تجعله في حيرة الأقدام ـــ الاحجام, فيقع في الصراع النفسي (محمد ومرسي, 1986, عبد الغفار, 1978م).
أما أصحاب المذهب الإِنسانى Humanists فقد رفضوا نظرة فرويد التشاؤمية ونظرة السلوكية السلبية للتوافق, فالانسان عندهم ليس شريرا, تتعارض مصالحه مع مصالح مجتمعه, وليس آله تستجيب أوتوماتيكيا بسلوكيات حتمية وليس صفحة بيضاء ينقش المجتمع عليها مايشاء. با الانسان خيّر بطبعه, ومطالبه تتفق مع مطالب المجتمع, وهو حر له ارادة فى اختيار أفعاله, التى يتوافق بها مع نفسه ومع مجتمعه, وعند القدرة على تحمل مسئولية اختيار هذا السلوك أو ذاك, وهو يُقْبِل عادة على اختيار السلوك المقبول اجتماعيا, ويتوافق توافقا حسنا مع نفسه ومجتمعه, ولا يتوافق توافقا سيئا الا اذا تعرض لضغوط فى بيئته. فالطفل لاينحرف ولايتعدى الا اذا شعر بضغوط في الاسرة والمدرسة, وتعرض للظلم, وشعر بالتهديد وعدم التقبل (al., a982 Naopli, et ).
وتتفق نظرة المذهب الانسانى ـــ الى حد كبير ـــ مع نظرة الاسلام فى توافق الانسان مع نفسه ومجتمعه, فقد قرر الاسلام أن الانسان خيَّر « فكل مولود يولد على الفطرة » كما قال رسول الله عليه السلام, والانسان حر يختار أفعاله بارادته « قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر »(15) وهو مسئول عن توافقه « كل نفس بما كسبت رهينة »(16).
وقد حث الاسلام على التوافق الحسن مع الجماعة, وبينَّ للمسلم الطريق الى ذلك فأمره بالتعاون والتسامح والمودة وحسن الجوار, والاصلاح بين الناس. قال تعالى « إنما المؤمنون أخوة »(17) وقال : « محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم »(18), وقال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ « المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا »(19) وقال على بن أبى طالب لابنه الحسن « يابنى لاتستخف برجل تراه أبدا فان كان أكبر منك, فاحسب أنه والدك, وان كان مثلك, فاحسب أنه أخوك, وأن كان أصغر منك, فاحسب أنه ابنك » (السمرقندى, ب ص 31).
ونهى الاسلام المسلم عن التوافق السىء, فأمره باجتناب الحسد والتباغض, وسوء الظن والخصومة. قال رسول الله ــ صّلى الله عليه وسلم ــ « لاتباغضوا ولاتحاسدوا, ولا تدابروا ولا تقاطعوا, وكونوا عباد الله اخوانا. ولايحل للمسلم أن يجهر أخاه فوق ثلاثة أيام »(19).
وقال عليه السلام « والذى نفسى بيده لايُسْلم عبد حتى يَسْلم الناس من قبله ولسانه ويده, ولايؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه(19)» أى يأمن غشه وظلمه.
وأمر الاسلام الفرد بالالتزام بالجماعة وبمعاييرها, والخضوع لقواعد السلوك فيها. قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم »(20) وقال الرسول عليه السلام « اسمعوا وأطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشى » وقال : من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر, فانه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميته جاهلية ». (السمرقندى, 1983 (أ) ص 40).
لكن لم يجعل الاسلام توافق الانسان مع نفسه ومجتمعه, توافقا قائما على الخضوع الآلى automatic Conformity, ولم يجعله نسخه متكررة فى البردعة الاجتماعية بل جعله توافقا مسئولا, قائما على بصيرة وأرادة الفرد, الذى ألزمه بصلاح نفسه وصلاح الجماعة فى ضوء شرع الله, فان تعذر عليه اصلاح الجماعة فعليه صلاح نفسه, والخروج على هذه الجماعة, لأن التوافق مع فسادها ليس مطابا للصحة النفسية, ومعيار فساد الجماعة خروجها على شرع الله, فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : « لايكن أحدكم إمّعة, يقول أنا مع الناس, إن أحسن الناس أحسنت, وإن أساؤا أسأت. لكن وطنوا أنفسكم, إن أحسن الناس احسنتم وإن أساؤا أن تجتنبوا إساءتهم (21) » وقال : « من أسخط الله فى رضا الناس, سخط الله عليه, وأسخط عليه من أرضاه فى سخطه. ومن أرض الله فى سخط الناس, رضى الله عنه, وأرضى عنه من أسخطه فى رضاه حتى يزينه, ويزين قوله وعمله فى عينيه (22)».
وقال (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما يجب يكره, مالم يؤمن بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولاطاعة )) (23) أما توافق الإِنسان مع نفسه والذي يدل على الصحة النفسية فيتم في حدود ما أمر الله به ونهى عنه, لابحسب الأهواء والشهوات, فالمسلم مأمور بمخالفة هواه, وقمع شهواته غير الصحية التي تغضب الله. قال تعالى : (( فأما من طغى, وآثر وأما من خاف مقام ربه, ونهى النفس عن الهوى, فإن الجنة هى المأوى )) (24) وقال سبحانه (( أرأيت من اتخذ إلهه هواه, أفأنت تكون عليه وكيلا, أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون, ان هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا )) (25).
فالخروج على النفس, ونهيها عن المحرمات, وعدم الرضا عن آثامها ورفض معاصيها من سمات النضوج النفسي والاجتماعي, ومن علامات الصحة النفسية. قال الله تعالى : (( ونفس وما سواها, فالهمها فجورها وتقواها, قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )) (26).
وعلى هذا فان التوافق مع النفس والمجتمع ليس مرادفا للصحة النفسية في كل الأحوال. فقد يكون الإِنسان متوافقا مع المجتمع وغير متمتع بصحة نفسية, وقد يكون سيء التوافق مع مجتمعه ومتمتعا بصحة نفسية. فمثلا الشخص لذي يظهر رضاه عن الناس, وخضوعه لمعايير الجماعة, وتقبله لقواعد السلوك خوفا من عقاب, أو طمعا في ثواب, يُظْهر خلاف ما يبطن, ويقول خلاف ما يفعل. هذا الشخص واهن نفسياً. قال تعالى : (( كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالاتفعلون )) (27) وقال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)) (28).
وخضوع الفرد لمعايير منحلافة, والتزامه بقواعد سلوك فاسدة, ومجاراته لأعراف وتقاليد شاذة في جماعة, لا يدل على الصة النفسية, لأن مسايرة هذه المعايير والتوافق معها, لا يحققان مصلحة الفرد والمجتمع على المدى البعيد. فكم من شخص شقى لأنه عمل مثل ما يعمل الناس, وكم من موظف أهمل لأن الموظفين يهملون, وسرق واختلس وقبل الرشوة, لأن زملاءه في العمل يعتبرون هذه السلوكيات شطارة وحقا من حقوقهم, التي تعارفوا عليها فيما بينهم. وكم من أب غرق في الديون لكي يتوافق مع العرف السائد فى مجتمعه, وأقام حفلة زفاف ابنه أو ابنته في فندق من الدرجة الأولى. وفي مصر ينفق الناس الأموال الكثيرة على سرادقات المآتم والإِعلان في الصحف واستئجار القرّاء المشهورين, لكي يتوافقوا مع عادات وتقاليد اجتماعية ليست من الدين في شيء. هؤلاء الناس ليسوا أصحاء نفسياً رغم توافقهم الاجتماعي فقد عاب القرآن عليهم في قوله تعالى : (( وإذا قيل هم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا, أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )) (29).
فالشذوذ عن الجماعة الفاسدة, والانحراف عن المعايير الخاطئة, والخروج على العادات والتقاليد التي لا تتفق مع شرع الله من علامات النضوج والصحة النفسية, لأنها تدل على قناعة الفرد بمبدئه, وتمسكه بعقيدته, وثقته في الله وفي نفسه, مما يجعله لا يعبأ باتهام قومه له بالجنون, لأن عقولهم قاصرة, ونفوسهم مريضة, وأمزجتهم شاذة. فيجعلون الحسن قبيحا, ةالقبيح حسنا, والطيب خبيثا والخبيث طيبا, فمثلا قوم لوط اعتبروا التطهر انحرافا والشذوذ الجنسي سواء, وأجتمعوا كلمتهم على طرد لوط ون آمن معه, الذين لم يوافقوا على ممارسة الجنسية المثلية, وشذوا عن قومهم. قال تعالى : (( ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون. أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء, بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم, إنهم أناس يتطهرون ))(30).
ومحمد ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ كان فى أحسن صحة نفسية ومع ذلك شذ وخرج على مجتمع مكة قبل الهجرة, ورفض معتقداته الخرافية, ونبذ عاداته وتقاليده الفاسدة, وهمَّ قومه بقتله, واتهموه بالجنون تارة, وبالسحر تارة أخرى قال تعالى : (( وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لمّا سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ))(31).
وفي العصر الحديث أمثلة كثيرة على أن أصحاب المباديء والمصلحين الاجتماعيين والدعاة إلى الله أصحاب نفسيا رغم سوء علاقتهم بمجتمعاتهم بسبب رفضهم للفساد فيها, ونبذهم للتشريعات الشاذة, والممارسات المنحرفة والعادات والتقاليد الخاطئة. وقد رماهم المنحرفون في قومهم ـــ وهم كثيرون بالسفاهة والتطرف والتعصب والجنون, وتعقبتهم الشرطة في بلادهم, وأعتبروهم أشد خطرا من القتلة وقُطّاع الطرق, وعذبوهم وسجنوهم وكأنهم أرتكبوا أبشع الجرائم. ومع ذلك لم يهنوا, ولم يحزنوا لأنهم الأعلون, وكان خروجهم على معايير المجتمع الفاسد علامة على صحتهم النفسية. قال تعالى : (( ان الذين أجراموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون, وإذا مروا بهم يتغامزون, وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبو فكهين, وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالّون. وما أرسلوا عليهم حافظين, فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون, على الارائك ينظرون هل ثُوَّب الكفار ما كانوا يفعلون ))(32).
كما أن توافق الانسان مع نفسه بحسب هواها وشهواتها يدل على تأخر نضوجه الاجتماعي والانفعالي, وضعف صحته النفسية, لأن النفس أمّارة بالسوء وتركها على سجيتها يقودها إلى الفساد والضلال, أما نهيها والسيطرة على شهواتها, ومجاهدتها على الالتزام بشرع الله, ففيه إعلاء لشأنها, وتزكية لقدرتها, وتنمية لصحتها النفسية. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( إن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهى القلب )) (33). وقال ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( الكيَّس مَنْ دان نفسه وعمل لما بعد الموت, والعاجز من أتبع نفسه هواها, وتمنى على الله الأماني )) (34).
4 ـــ تحصيل السعــادة
يرى بعض علماء النفس أن الصحة النفسية شعور بالسعادة, فالشخص المتمتع بصحة نفسية سعيدة في حياته, (al, 1976 Johns, et ). ويقصد بالسعادة محموعة من المشاعر السارة التي نستدل عليها من تقرير الشخص عن نفسه, واعترافه بسعادته أو في تعبيرات الفرح والسرور التي نلحظها عليه أو فيهما معا.
والشعور بالسعادة مسألة نسبية, تختلف من شخص إلى آخر, فما يسعدك قد لا يسعد غيرك, وما يشعرك بالسعادة في موقف قد لا يشعرك بها في موقف آخر. فالسعادة مشاعر ذاتية, تتأثر بنضوج الشخص وحاجاته وأهدافه وطموحاته. فما يسعد أصحاب الشخصيات غير الناضجة, وترتبط السعادة بالحصول على الملذات والمتع, التي يشعر بها الإِنسان عندما يحقق أهدافه الضرورية, ويشبع حاجاته بالقدر الذى يطمح إليه. وتنقسم السعادة بحسب الملذات والمتع التي ترتبط بها إلى نوعين هما :
أ ) السعادة في الملذات الحسيَّة :
وهى أحاسيس ممتعة, ندركها بالحواس, وترتبط باشباع حاجات الجسم, وأمد متعها قصير, من هذه الملذات كما قال الامام الغزالي لذات الأكل والشرب والجنس, ولذات الحصول على المال والملبس والمسكن والسيارة وغيرها.
والحصول على هذه الملذات ضروري لحفظ الجسم وتنميته ووقايته, واستمرار نسل الإِنسان في تعمير الأرض. وقد أحل الله هذه الملذات, وحثّ على طلبها وحدد طرق الحصول عليها, وأثاب كل من يطلبها من حلال دون إفراط ولا تفريط فقد قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( إن في بضع أحدكم صدقة)) قالوا : أيأتى أحدنا شهوته وله في ذلك أجر قال عليــه السلام : (( انظروا لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟)) قالوا بلى قال (( كذلك لو وضعها في حلال, له في ذلك أجر)) (35). وقال الامام الغزالي (1967 م) (( ان الشهوة خلقت لفائدة وهى ضرورية في الجملة, فلوا انقطعت شهوة الطعام هلك الإِنسان, ولو انقطعت شهوة الوقاع انقطع النسل … والمطلوب رد ذلك للاعتدال, الذي هو وسط بين الأفراط والتفريط. فبالعدل في الطعام يصح البدن, وينفي المرض. وشهوة الفرج لها هدفان : بقاء النسل, وإدراك لذة نقيس عليها لذات الآخرة, لأن ما لا يدرك جنسه بالذوق, لايعظم الشوق إليه. لكن إذا لم تكسر هذه الشهوة تجلب للإِنسان آفات كثيرة, ومحنا عديدة)) (الغزالي, د ت. ص 164).
قرر الغزالي ضرورة أخذ الإِنسان من هذه الملذات قدر ما يحتاج إليه, فان اعطاء النفس ما تشتهي عون لها, وقضاء لحقها, وحفظ لها, واصلاح لأمرها, وتنشيط لها إلى الخير. وقال سعيد بن المسيب : (( لاخير فيمن لا يجمع المال من حله, يكف به نفسه عن الناس, ويصل به رجمه, ويعطي منه حقة )). (الغزالي, د ت).
وبالرغم من ضرورة الحصول على الملذات الحسية فإنها لا تسعد إلا الأطفال والصغار والمتخلفين عقليا, الذين يطلبون اللذات العاجلة المحسوسة ويعجزون عن إدراك اللذات الآجلة, فيقبلون على متع سريعة الزوال, لاتوصل إلى السعادة الحقيقية. كما لايقبل على تحصيل هذه الملذات من البالغين إلا أصحاب النفوس الخسيسة الذين يجعلونها غايات, ويطلبونها لذاتها ويبغون سعادتهم فيها, فلا يوفقون, لأن كثيرة الاقبال عليها يولد النهم الذس يفسد متعها, ويشقي طالبها, ويضني عابدها. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( أخشى ما خشيت عليكم كبر البطن, ومداومة النوم والكسل )) (35) … وقال مسكويه (( ان ترك الإِنسان على هواه في اشباع اللذات المادية, يؤدي به إلى التهلكة, لأنها غايات ثانوية, وأثرها عارض ـــ وصاحبها كثير الخوف, قلق النفس, مجهد البدن. فكثير من الملوك حصَّلوها, لكنهم لم يكونوا سعداء, بل كانوا في هَمٍّ وحزن … غتهذيب هذه الملذات, بتهذيب غاياتها, ومقاومة عناصر البهيمية في الإِنسان, والترقي به في مراتب السعادة)). (الطيب, 1984م).
وأيّد الامام الغزالي ما ذهب إليه مسكويه, فقال (( يجب أن يدرك الإِنسان أن الحياة ليست لاشباع الشهوات, فيعمل على تعديل شهواته حتى يعتدل الأمر ويسير العقل في طريق السعادة, طريق الصراط المستقيم )). (الغزالي د ت, ص9).
وهذا يعني أن السعادة التي نحصل عليها من الملذات الحسية ضرورية لتنمية الصحة النفسية, لكنها لاتكفي لتحقيقها, لأن غاية الإِنسان في الحياة أسمى منها, وطموحاته أرقي منها.
ب ) السعادة في الملذات النفسية :
هى سعادة ترتبط باشباع الحاجات النفسية التي تؤدي إلى أحاسيس ممتعة, وهى أفضل من السعادة التي نحصل عليها من الملذات الحسية, لأن أمدها أطول وغاياتها أرقى وأسمى. من هذه الملذات : لذات العمل والانجاز والتفوق وحب الناس, والانتماء, والاستحسان, والتقدير, وإدراك الخير والجمال, ولذة العلم والمعرفة.
وكل شخص ينشغل بتحصيل هذه الملذات صحيح النفس, لأنها تتحقق له متعا راقيه, وتوصله إلى سعادة سامية وتدفعه إلى أعمال نبيلة. لذا جعل سقراط سعادة الإِنسان في أن يعرف نفسه بنفسه, ويقف على جوهرها. وجعلها أفلاطون في سيطرة النفس العاقلة على النفس الشهوانية والغضبية, وفي عودة النفس إلى عالم المثل, حيث تجد العلم والمعرفة اللذين يسعدانها.
وذهب الغزالي إلى أن لذة العلم والمعرفة تفوق كل اللذات الجسمية والنفسية, ولذة معرفة الله تفوق لذه معرفة ما سواه, لأن لذة العلم مرتبطة بشرف المعلوم وهو الله. فلذة معرفته سبحانه ألذ أنواع الملذات وهذا ما يجعل أسعد الناس وأحسنهم حالا في الدنيا والآخرة أكثرهم معرفة بالله, وأقواهم حبا له. فكلما زاد حب الله ازدادت اللذة التي تلاتبط بها سعادة الإِنسان الحقيقية وهى سعادته في الآخرة, لأنها سعادة دائمة, وسرور لاغم فيه, وعلم لا جهل معه, وغنى لا فقر بعده ( الغزالي, د ت ص344 ) والسعادة الحقيقية ( سعادة الآخر ) مطلوبة لذاتها, وكل ما عداها من لذة وسرور وسعادة مطلوب لأجلها, فالحصول على الطعام والشراب, والمال, والنكاح, والجاه, والسلطان, والإِيمان, والسعي في الحياة, وسائل لتحقيق هذه الغاية السامية. قال ابن القيم, فرح القلوب وابتهاجها وسعادتها في حب الله, وحب كلامه وحب رسوله, والرضا بقضائه, والتوكل عليه, والثقة به, والخوف منه, والرجاء فيه, والتوبة إليه فيستغني به عن سواه, وبذكر عن ذكر ما سواه, وبالشوق إليه عن الشوق إلى ما سواه, فيصبح وكأنه جالس بين يدى الله, يسمع به ويبصر به, ويتحرك به, ويبطش به (ابن القيم, 1970 ص 295) ويتفق ماكدوجال Ma Dogall مع علماء النفس المسلمين على أن السعادة التي نحصل عليها من اللذات الحسية, سعادة زائلة, لا تصلح لأن تكون غاية في ذاتها, أما السعادة التي نحصل عليها من تحقيق أهداف سامية, والدفاع عن مباديء نبيلة, فهى السعادة الحقيقية, طويلة الأمد. كما قرر ماكدوجال ما قرره العلماء المسلمون من قبله فاعتبر الشخص السعيد شخصا متكامل الشخصية قوى الارادة, ناضج العقل, يوجه كل طاقاته ونشاطاته نحو مبدأ يؤمن به, ويجد سعادته في اسعاد الناس جميعا.
وأشار الاستاذ الدكتور القوصي (1975 م) إلى أن الأنبياء والرسل والمصلحين الاجتماعيين أعلى الناس تكاملا في الشخصية وأقواهم إرادة, وأشدهم عزيمة, لأن سعادتهم ليست في مأكل أو مشرب أو ملبس أو سلطة أو مال أو ولد ولا يشقيهم مصادرة المال ولايؤلمهم النفى والحبس, ولايحزنهم فقد الأهل والولد, ولا تخيفهم الاهانة والتجريح, لأن سعادتهم الحقيقية في أداء رسالتهم والدفاع عن عقيدتهم (ص 101).
نخلث من هذا إلى أن السعادة التي تدل على الصحة النفسية ليست في ملذات حسية, لكنها في ملذات نحصل عليها من عمل مايرضي الله, فيرضى عنا ويحبنا, وينير عقولنا وقلوبنا وأبصارنا وأسماعنا’ فنُقْبل على ما يقربنا منه, ونرضى بما قسمه لنا, فنسعد في الدنيا والآخرة. وفي ذلك قال الشاعر :
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
5 ـــ تحقيـــق الــــذات
قال كثير من علماء النفس أن الصحة النفسية حالة نفسية يشعر فيها الانسان بتحقيق الذات actualization Self, عندما يفهم نفسه وينميها ويرضى عنها ويقبلها, ويصل بقدراته إلى أقصى وسع لها, ويبلغ بانجازاته أعلى درجات التفوق والنجاح, ويشعر باتساق حاجاته, وتكامل دوافعه, فيثق في نفسه, ويعتمد عليها (1985 English & English, 1958 Postethwaite & Husen ) ويتفق هذا التعريف مع تعريف الصحة النفسية بتحصيل السعادة الحقيقية, لأنه لم يجعل الصحة النفسية في إشباع الحاجات الفسيولوجية والبيولوجية, وجعلها في إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية, وعلى رأسها الحاجة إلى تحقيق الذات باعتبارها أسمى هذه الحاجات (1970 Maslow, ).
وقد جعل ماكدوجال تحقيق الذات المنظم الأعلى للشخصية, يعمل على تكاملها واتساقها, وسماه (( عاطفة اعتبار الذات )) التي تدفع الإِنسان لأن يكون حسب فكرته عن نفسه. فان عمل ما يريد, وعبر عن نفسه, فرح وشعر بارضا والارتياح, وإذا منع من ذلك, أو أجبر على عمل مالا يرضية, قلق وتوتر واضطرب ( القوصي, 1975 م).
واتفق ماسلو مع ماكدوجال في معنى تحقيق الذات, فجعله دافعا يدفع الإِنسان لأن يكون في مستوى فهمه لنفسه (36), وفكرته عنها فان عبَّر عن نفسه بصدق, شعر بالجدارة وانطلق يعمل بكل طاقاته, وأبدع في انتاجه, وإذا فشل شعر بالذنب والدونية والقلق.
ووضع ماسلو الحاجة إلى تحقيق الذات في قمه مدرج الحاجات الإِنسانية واعتبرها أعلاها وأرقاها, يأتي اشباعها بعد أن يشبع الإِنسان حاجاته الأساسية, التي تحفظ حياته ونوعه, وتحقق له الأمن والحب, وتربط بالآخرين.
وبحسب نظرية ماسلو في الحاجات فان الشخص الذي أشبع حاجاته الفسيولوجية مهيأ لاشباع حاجاته للأمن والطمأنينه, والذي أشبع حاجاته للأمن مهيأ لأشباع حاجاته للحب والانجاز والانتماء والاستحسان والتقدير وحب الاستطلاع, والذي أشبع هذه الحاجات مهيأ لاشباع حاجته لتحقيق الذات, التي يشعر في اشباعها بالكفاءة والسعادة.
ومن دراسة ماسلو لحوالي 3000 طالب جامعي, حققوا ذواتهم (36), وجد أنهم متفوقون على أقرانهم في سمات تقبل الذات, والرضا عنها وعن الناس وفي الموضوعية في إصدار الأحكام, فلا يتحيزون ولا يتعصبون, وفي بساطة السلوك وعدم التكلف فيه, والسعي إلى تنمية القدرات, وفي حب الناس وألفتهم, والرغبة في مساعدتهم واحترامهم والتعاون معهم, والاهتمام بمشكلاتهم, وفي حب الديمقراطية والعدالة, واحترام الرأي الآخر, وفي الحيويه والنشاط, والدافهية للانجاز, والرغبة في التفوق والامتياز والابداع والاستقلال, والثقة في النفس, والشعور بالكفاءة (1970, Maslow, ) ووجود هذه السمات عند هؤلاء الطلاب جعل كثيرا من علماء النفس يعتبرون الصحة النفسية مرادفة لتحقيق الذات, وضمّنوا تعريفاتهم لها خصائص الآشخاص الذين حققوا ذواتهم. فعرف إبراهام ماسلو الشخص المتمتع بصحة نفسية, بأنه شخص حقق ذاته عن طريق اشباع حاجاته الجسيمة والنفسية والاجتماعية, لذا نجد آمنا مطمئنا, محبا للناس ومحبوبا منهم, صادقا مع نفسه ومع الناس, راضيا عن نفسه وعن الناس متقبلا للواقع الذين يعيش فيه, جريئا في قول الحق, وفي التعبير عما يراه صوابا, واضحا مع نفسه, سهلا في تعاملة مع الناس, قادرا على الانتاج والابداع, مخلصا في عمله, متفانيا فيه, يعرف من هو, وما يريد Barron خصائص الشخص المتمتع بصحة نفسية في عمل ما يراه صوابا فلا يكذب ولا يغش ولايسرق ولا يغتاب ولا يحسد ( عبد الغفار, 1978 م ).
ويتفق مع هذا التعريف تعريفات كل من شوبن وروجرز وبلاتز وهورني وفروم وآبل. فقد عرف شوبن Shoben الشخص المتمتع بصحة نفسية, بأن له إرادة حرة فيما يقول ويفعل, يختار حياته بارادته ويواجهها بصراحة, ويتمسك بقيم مجتمعه الديمقراطي. (( وعرفه روجرز Rogers بأنه شخص يعمل بكل طاقاته, ويستفيد من كل امكاناته مقبل على الحياة, متفتح الذهن, راض عما في حياته, يسعى إلى تطوير نفسه وتنميتها, يقول ما يعتقد أنه صواب )) وعرفه بلاتز Platz بأنه شخص يعتمد على نفسه, ويتخذ قراراته بنفسه, ويتخذ قرارته بنفسه, ويتحمل مسئولية ما يترتب عليها, يسعى إلى تنمية نفسه, واكتساب الخبرات وتحصيل المعرفة.
عرفته كارن هورني K. Horny بأنه شخص يفهم نفسه, ويعرف قدراته وميوله, له إرادة فيما يعمل, ويتحمل مسئولياته. وأضاف أريك فروم إلى هذا التعريف استخدام الشخص قدراته ومهاراته وخبراته ومعلوماته في عمل ما يسعده ويسعد الناس. (القوصي, 1975, عبد الغفار, 1978 م) وجاء في تعريف كنيث آبل Kenneth Apple أن الشخص المتمتع بصحة نفسية, قادر على مواجهة الصعوبات, وإتخاذ القرارات, وتحمل المسئولية نحو نفسه ونحو الآخرين, يعتمد على نفسه, ويثق فيها, ويلجأ إلى الناس عند الضرورة, ويساهم في تنمية مجتمعه, ويستمتع بوجوده مع الناس, ويشعر بحبهم له وبحبه لهم ( جورارد, 1974 م ).
ويتسق تعريفا جاهودا والقواصي للصحة النفسية مع التعريفات السابقة عن الشخص المتمتع بالصحة النفسية. فقد ركزت ماريا جاهودا (1963 M. gahoda) على الإِدراك الكفء أو الادراك المناسب للواقع, فعرفت الصحة النفسية (( بالقدرة على إدراك الواقع إدراكا مناسبا, ومواجهته, بموضوعية وكفاءة, ومعالجة الأمور بواقعية, ومعاملة الناس بدون تحيز أو تعصب لعرق أو حسب أو لون أو جنس )) واهتم القوصي (1975 م ) بفكرة التكامل بين وظائف النفس, فعرف الصحة النفسية بالتكامل التام بين الوظائف النفسية مع القدرة على مواجهة الأزمات النفسية العادية من الاحساس بالسعادة والكفاية.
ومن تحليل هذه التعريفات نلاحط أن تعريف الصحة النفسية, بتحقيق الذات تضمن تحقيق التوازن بين الجسم والنفس, وبين الفرد والمجتمع وتضمن توافق الفرد مع نفسه ومع المجتمع, وتحصيل السعادة مما يدل على أن الشخص الذي حقق ذاته توفرت فيه الكثير من علامات الصحة النفسية.
ومع هذا فان على (( تعريف الصحة النفسية بتحقيق الذات )) بعض المآخذ التي تجعل تحقيق الذات كما عرضناه ليس مرادفا للصحة النفسية, ولا يدل عليها في كل الأحوال وفي كل المجتمعات. ومن هذه المآخذ الآتي :
أ ـــ تحديد تحقيق الذات بامتياز الاداء والتفوق في الانجاز والابداع, والعمل بكامل الوسع والاستطاعة يجعله هدفا مثاليا, لايصل إليه إلا العباقرة والأذكياء جدا. وهذا يعني أن معظم الناس غير أصحاب نفسيا, وقلة قليلة هم الأصحاء نفسيا (Napoli, et al., 1982).
ب ـــ لا يدل امتياز الاداء والتفوق في التحصيل والانجاز والعمل بكامل الوسع على الصحة النفسية في كل الأحوال, فبعض الأشخاص المتفوقين في الانجاز كانوا غير أصحاء نفسيا رغم تفوقهم وإبداعهم في مجالات عملهم.
جـ ـــ شعور بعض المجرمين بتحقيق الذات في إنجاز أعمال إجرامية, يبدعون فيها, ويخلصون في أدائها, ويشعرون بلذة النجاح ونشوة الانتصار. كما غفل عنهم المجتمع. ومع هذا ليسوا سعداء لأن سعادتهم في هذه الأعمال مؤقتة, تزول بمجرد الحصول عليها, فيعيشوا في هَمَّ الشعور بالذنب والخوف من المجتمع, وعدم الرضا عن الذات. قال تعالى للمجرمين : (( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون )).
د ـــ لا يأتي اشباع الحاجة إلى تحقيق الذات بعد إشباع الحاجات الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية في كل الأحوال, فقد يشعر الإِنسان بتحقيق الذات مع حرمانه من الطعام والماء والراحة والنساء, ومع تعذيبه بالحبس والنفي ومصادرة الأموال. فالرسل والمصلحون الاجتماعيون وجدوا تحقيق ذواتهم في ابلاغ رسالات ربهم, وفي إظهار دينهم وفي الدفاع عن مبادئهم, ولم يعبأوا باشباع حاجاتهم الجسمية, ولم يهتموا بملذاتهم الحية. والصيام فى الاسلام فيه تحقيق للذات بالرغم من الامتناع عن الطعام والشراب والنساء ففيه تأجيل للذات جسمية للحصول على لذات نفسية وروحية أسمى منها وهى الفوز برضوان الله تعالى.
وهذا يعني أن ترتيب الحاجات وتدرجها عند ماسلو, لم يأت حسب تتابع الاشباع بقدر ما جاء حسب أهميتها في حفظ حياة الإِنسان, وحفظ نوعه, وتحسين الظروف التي يعيش فيها.
هـ ـــ تحديد تحقيق الذات بتنمية القدرات, والعمل بأقصى وسع لتحقيق الفردية والاستقلالية, والمنفعة الشخصية, وقول الإِنسان مايراه صوابا, واكتفاء الإِنسان بنفسه عن الناس, جعل الفرد يؤله نفسه, ويقدس المنفعة الفردية ويعبد الحرية الشخصية, ويضعها فوق كل اعتبار, وجعل حقوق الفرد وواجباته نابعة من الفرد لا من الجماعة.
ويتفق هذا المفهوم لتحقيق الذات مع أسلوب الحياة في المجتمعات الغربية التي نشأ في أحضانها, والذي يقوم على فلسفات النفيعة Pragmatism والفردية Individualism والرأسمالية وغيرها من الفلسفات التي تعتبر السلوك الذي يؤدي إلى إشباع حاجات الفرد, ويحقق أهدافه بجهوده الشخصية بدون عون من أحد سلوكا مثاليا. وتعتبر الاكتفاء الذاتي
Sufficience Self من أهم علامات الصحة النفسية, لأن المكتف بذاته لديه من المهارات والقدرات ما يجعله في غنى عن الناس ولدية الرغبة في أن يتعلم الخبرات الجديدة كلما دعت الحاجة إلى ذلك ( فهمي, 1967 م ).
وقد أدت تربية الناس على هذه الفلسفات إلى تنمية الانانية, والجشع والاستغلال والتسلط, وأدى إلى وهن الروابط الأسرية, وضعف المحبة والمودة, وضياع الرجنة والتعاطف وسعى كل شخص إلى تحقيق ذاته في مصالحه الفردية, وانصرف بكل طاقاته يعمل ويبدع, ليكتفي بنفسه عن الناس, فإذا نجح قال ما قاله قارون (( انما أوتيته على علم عندي)) (37) أو ما قاله فرعون لقومه (( أنا ربكم الأعلى )) (38). أما إذا فشل في عمل ما يريد, شعر بالذنب والقلق والتوتر, فيكون كالمشرك (( فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق )) (39) لأنه يعلم أن أحد لن يرحم الفاشلين.
(( وفكرة المرء عن نفسه )) و (( ومفهومه عن نفسه, ومفهومه عن الآخرين )) التي تنميها الثقافة الغربية, ويقوم عليها تحقيق الذات, تنطوي على ربط النجاح والتفوق بقدرة الفرد على الأخذ بالأسباب التي توصله لما يريد, ولا تربطه بمشيئة الله, وتنطوي على ربط قيمة العمل بالمنفعة الفردية, ولا تربطها بحكم الله فيها حلال أم حرام.
هذا يجعل تحديد (( تحقيق الذات )) بالمفهوم السائد في مجتمعات الغربيو لا يصلح للتطبيق في المجتمعات الإِسلامية, ولا يدل على الصحة النفسية فيها, لأن فكرة المرء عن نفسه, ومفهومه عن نفسه, ومفهومه عن الآخرين طبقا لتوجيهات الإِسلام تنطوي على أن الإِنسان خلق ليعبد الله ويعمر الكون, وعلى أن مصلحة الفرد من مصلحة الجماعة, ومصلحة الجماعة من مصلحة الفرد, وعلى تنمية الفردية والمسئولية والحرية والإِرادة من خلال ارتباط الإِنسان بأخيه فخير الناس ـــ كما قال الرسول العظيم ـــ أنفعهم للناس, والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه (40).
كما تنطوي (( فكرة المرء عن نفسه في المجتمعات الإِسلامية على الأخذ بالأسباب وربط النجاح والتوافق بمشيئة الله (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ان الله كان عليما حكيما )) (41). وتنطوي أيضا على عدم ربط قيمة العمل بمنفعة الفرد والمجتمع لأن الناس قد يضلون وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا قال تعالى : (( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )) فقيمة العمل في الإِسلام مرتبطة بحكم الله فيه. قال تعالى لرسول الكريم (( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم )) (42) وقال رسول الله صلى ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )). كما تنطوي فكرة المرء المسلم عن نفسه على العمل ابتغاء مرضاة الله لا من أجل مصلحة شخصية. قال تعالى : (( الذي يؤتي ماله يتزكى, ومالأحد عنده من نعمة تجزي إلا إبتغاء وجه ربه الأعلى, ولسوف يرضي)) (43) وقال أيضا : (( لاخير في كثير من نجواهم, إلا من أمر بصدقة أو معروف, أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله, فسوف نؤتيه أجرا عظيما)) (44).
(( حســــن الخلـــق ))
من عرض ومناقشة تعريفات الصحة النفسية السابقة لاحظنا أنها لا تدل على الصحة النفسية بدقة إذا طبقناها كما تطبق في المجتمعات الغربية التي أهملت الجانت الروحاني في الإِنسان, أما إذا طبقناها إسلاميا, فإنها تتداخل وتتكامل في دلالتها على الصحة النفسية ويخفي ما بينها من تباين ويجمعها مفهوم (( حسن الخلق)) في الإِسلام ويكون تعريفنا للصحة النفسية بأنها حالة نفسية يشعر فيها الإِنسان بالرضا والارتياح عندما يكون حسن الخلق.
وقد جاء هدى الله في الإِسلام يأمر بحسن الخلق, وينهي عن سوء الخلق أي يأمر بالصحة النفسية, وينهي عن وهن الصحة النفسية بلغة علة النفس الحديث. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) (45). وقد كان عليه الصلاة والسلام إمام المسلمين في الصحة النفسية, فوصفه الله تعالى بقوله : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) (46). وقال أنس رضي الله عنه : (( كان رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ أحسن الناس أخلاقا )) (47).
وعندما سئل رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ ( في أحاديث كثيرة رواها مسلم والبخاري وغبرهما ) عن الدين والايمان والبر. قال : (( حسن الخلق )), وعن أفضل المؤمنين وأكمل المسلمين. قال : (( أحسنهم أخلاقا )), وعن خير ما أعطي للعبد, يدرك به درجة الصائم والقائم ويوصله إلى الجنة, قال عليه الصلاة والسلام (( حسن الخلق )), وعن أثقل الأعمال الصالحة التي تُصْلِح الدين والدنيا قال (( حسن الخلق )) ( النــــووي, 1978, ص 290, والسمرقندي, 1983 ( أ ), ص 170).
وأخذ علماء المسلمين وفقهاؤهم عن رسول الله مفهوم حسن الخلق, واعتبروه الايمان وأساس الدين. فقال ابن عباس رضي الله عنه (( لكل بنيان أساس, وأساس الإِسلام (( حسن الخلق )). وقال الغزالي : حسن الخلق هو الايمان وسوء الخلق هو النفاق (الغزالى, د . ت ص 69) : وقال ابن القيم : (( الايمان هو حسن الخلق, فمن زاد عليك فى حسن الخلق, زاد عليك فى الايمان )) ( ابن القيم, 1970).
ويقصد بحسن الخلق أدب العبد مع ربه والالتزام بأمره في الأدب مع النفس والجسم والناس. فقد عرفه سيدنا على كرم الله وجهه بأنه : (( طلب الحلال, واجتناب الحرام والتوسعة على العيال )) وأضاف عبد الله بن المبارك (( طلاقة الوجه, وبذل المعروف, وكف الأذى )) وزاد الوسطي (( ارضاء الناس في السراء والضراء )). (النووى, 1976, ص 291 ), وأضاف السمرقندي (1983) : لين القول مع البر والفاجر’ والسني والمتدع, من غير مداهنة ولا إظهار الرضا بسيرته أو مذهبه.
وعرّف الغزالي الشخص حسن الخلق (( بالذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ويكرم ضيفه ويحفظ جاره, ويقول خيرا أو يصمت, تسره حسناته, وتسوؤه سيئاته, ولايؤذي أحد, ولايروع الناس, ولايفشي على أخيه مايكره, ولايخشى في الله لومة لائم, يقول الحق ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين, يحب العمل ويخلص فيما بينه وبين الله, وفيما بينه وبين الناس)) ( الغزالي, د ت ص 96) وذكر الغزالي تعريفا آخر لأحد العلماء, قال فيه (( الشخص حسن الخلق كثير الحياء, قليل الأذي, كثير الصلاح, صدق اللسان, قليل الكلام, كثير العمل, قليل الزلل, والفضول, برا, وصولا, قورا, صبورا, شكورا, راضيا, حليما, رفيعا, عفيفا, شقيقا, لا لعلنا, ولا سبابا, ولا نماما, ولا مغتابا, ولا عجولا, والا حقودا, ولا بخيلا, ولا حسودا, باشّاً, يحب الله, ويبغض في الله, ويرضى في الله, ويغضب في الله )) ( الغزالي, د ت, ص 70 ).
مجالات حسن الخلق :
ويتطلب حسن الخلق أن يعمل المسلم مع الله ومع الناس, ومع نفسه وجسمه حتى ينمو ككل رقم 3, ويقوم حسن الخلق مع الله على معرفة الله, وحبه سبحانه, فيحب الله عبده, وينكت الايمان فى قلبه, وينوَّر عقله, فيتبع العبد كل مايقربه من الله, وينفر من كل مايبعده عنه. ثم يتولى الله تيسير أمور عبده من غير ذله للخلق ويسدد خطاه, ويطهر ظاهره وباطنه. فإذا زاد حب الله لعبده شغله بحبه عمن سواه وبالشوق إليه عن الشوق إلى ما سواه.
مجالات حســـن الخلـــق
ويظهر حب العبد لربه في حب لقاء الله, وحب كلامه, وحب رسوله, وحب خلقه, واتباع أوامره, واجتناب نواهيه, وحب ذكره, وشكره وحمده, وشكره وحمده, والرضا بقضائه, والقناعة برزقه, والخوف منه, والرجاء فيه : قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ عن ربه عز وجل : (( وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه, ومايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كانت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده لبتي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني أعطيته, ولئن استعاذتي لأعيذنه )) .(48)
وقد بين الرسول عليه السلام أن حب الله للعبد يضع له القبول والحب في السماء والأرض, فيحبه الملائكة والناس أجمعين, ويتوافق معهم توافقا حسنا. فقال عليه السلام : (( ان الله إذا أحب عبدا دعا جبريل, فقال : إني أحب فلانا فأحببه, فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول ان الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء, ثم يوضع له القبول في الأرض )) (49).
ويثوم حسن الخلق مع الناس على حب الناس, ومودتهم ورحمتهم, وإرادة الخير لهم, وحماية أموالهم, ورعاية حقوقهم, وحفظ أسرارهم, وبسط الوجه, ولين القول مع البر والعاصي, والسني والمبتدع, والقريب والغريب, والكبير والصغير, قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( انكم ان لم تسعوا الناس بأموالكم, فليسعهم منكــم بسط الوجه, وحسن الخلق )) (50). قال عليه السلام : أتبع السيئة الحسنة تمحها. قال الرجل رذني قال : خالق الناس بخلق حسن (51) وبيّن عليه الصلاة والسلام أن قلة العبادة مع حسن الخلق مع الناس أفضل من كثرة العبادة مع سواء الخلق معهم. قال رجل : يارسول الله ان فلانة تُذْكَر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها, غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال عليه السلام : هي في النار. وقال الرجل أيضا : يارسول الله ان فلانة تُذْكر من قلة صلاتها وصيامها وأنها تتصدق بالاثوار من الأقط ( أي بقطع من الجبن ), لكنها لا تؤذي جيرانها. قال عليه السلام : (( هى في الجنة )) (52).
ويقوم حسن الخلق مع النفس, على تزكيتها, وتنميتها, وحمايتها من كل ما يفسدها ويدنسها, وعلاج انحرافاتها, وقبولها وحبها, والرضا عنها, وعن قدراتها والتبصر بميولها وحاجاتها, واشباعها في حدود ما أمر به الله دون أفراط أو تفريط ونهيها عن كل ما يغضب الله وحثها على
هكذا نجد أن حسن الخلق يجعل المسلم معافي بدنه, في سلام مع نفسه وانسجام مع الناس, وقرب من الله, فيشعر بالصحة النفسية التي ينشدها علم النفس الحديث ( محمد, مرسي, 1986 م ) والتي من علاماتها الآتي :
أ ـــ الخلو من التوترات الزائدة, والأخطاء الفجة, والانحرافات الكبيرة, والاضطرابات الواضحة, لأنه لا يحقد, عمل ما يرضي الله فتسلم, وتحصل على اللذ والابتهاج والسرور, وتشعر بالكفاءة والجدارة, وتقبل على الحياة بتفائل ورضا بما قسمة الله لها.
وصلاح النفس معقودة ناصيته بإرادة صاحبها. قال تعالى : (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )). وقال : (( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى )). وقال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها وموبقها )) (53).
ومن حسن الخلق مع النفس الزامها بالصدق في القول, والأخلاص في العمل, وتحمل المسئولية, والجرأة في الخق, والزامها باجتناب الكذب, وشهادة الزور, وإجتناب النفاق. وتملق الرؤساء.
فالصدق طمأنينة والكذب ريبة وشك. قال تعالى : (( فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم )) (54). وقال رسول الله : (( إن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة, وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار, وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ))(55).
ومن حسن الخلق مع النفس تحميلها ما تطيق, وتقدر عليه. فالله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر, فنطلب منها ما تقدر على الاستمرار فيه ليدوم الفضل والفائدة والثواب, ونلزمها بالعمل والعبادة في لأوقات, ونروّح عنها في أوقات أخرى, حتى لا تمل ولاتكسل. ويشبه الرسول المسلم بالمسافر الذي يمشي في أول النهار وآخره وفي آخر الليل, ويستريح هو ودابته فيما بين هذه الأوقات, فيصل إلى ما يريد بغير تعب. قال عليه الصلاة والسلام : (( الدين يسر, ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه, فسددوا وقاربوا وأبشروا, واغدوا وروحوا, وبشيء من الدالجة. القصد القصد تبلغوا )) (56). أي استعينوا بالأعمال في وقت نشاطكم وفراغ قلوبكم حتى تستلذون ولانسأمون ( النووي, 1976, ص 79 ). وقال عليه السلام : (( روحوا القلوب ساعة وساعة )) (57) وقال سيدنا علي : (( روحوا مطالب في كل ساعة من عمره أن يسعى نحو الكمال, ويحث المسير إلى الارتقاء الجسمي والنفسي لأن مستقبله عند الله مرتبط بالدرجة التي يبلغها في تنمية نفسه وتقــــــويتها ( الغــــزالي, 1974, ص 167 ). قال رسول الله عليه السلام : القلوب ساعة بعد ساعة فان القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة )).
ويقوم حسن الخلق مع الجسم على حفظ حياته وتنميته, ووقايته من كل مايؤذيه فصحة الجسم وسلامته وجماله ونضارته من الأمور التي أحبها الاسلام, لأن صحة المسلم ضرورية لكي ينهض لمسئولياته في العبادة وتعمير الأرض ( الغزالي, 1974). فالجسم مطية النفس ومركبها في هذه الدنيا, ولابد من المحافظة عليه بالاعتدال في اشباع حاجاته فيصح ويسلم ( الغزالي , د ت ).
ومن حسن الخلق مع الجسم المحافظة على الحواس وتنميتها, واستخدامها فيما خلقت له, وتستخيرها في طاعة الله, فيتمتع المسلم بها. ويدعو بدعاء الرسول عليه السلام : (( اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا )).
ومن حسن الخلق مع الجسم المحافظة على مظهره ونظافته وملبسه, لكي يكون جميلاً فالله جميل يحب الجمال, جعل النظافة من الإِيمان. فقال عليه السلام : (( ان الله حقا على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام. وان كان له طيب أن يمس منه )) وقال : (( تخللوا فانه نظافة والنظافة تدعوا إلى الإِيمان, والإِيمان مع صاحبه في الجنة )) (58) وجعل عليه الصلاة والسلام تسريح الشعر وتعطيره سنة حسنة, فقال : (( من كان له شعر فليكرمه )) (59) وأمر عليه السلام رجلا بإصلاح شعره ففعل ورجع فقال الرسول (( أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم وهو ثائر الرأس كأنه شيطان )) (60).
ومن حسن الخلق مع الجسم أن يتجمل المسلم باعتدال عند الخروج إلى الناس فقد كان الرسول يتجمل لأصحابه قبل أن يخرج اليهم فضلا عن تجمله لأهله ( الهاشمي, 1983 ص 51 ) وقال عليه السلام : (( إذا خرج الرجل لأخوانه فليهيء من نفسه فان الله جميل يحب الجمال )) (61).
ولا يقف جمال المسلم عند مظهره وهندامه الخارجي بل يمتد إلى نظافته الداخلية قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( خمس من الفطرة : الختان, وحلق العانة, ونتف الابط, وتقليم الأظافر, وقص الشارب )) (62).
ولا يحسد, ولا يغش, ولا يغتاب, ولا يسيء ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : من خير الناس ؟ قال : (( كل مؤمن مخموم القلب. قيل. زما مخمور القلب ؟ ولا بغي ولا غدر ولا غل ولا حسد )) (63).
ب ـــ الاعتدال في تحصيل حاجات الجسم والنفس والروح, وفي تحصيل مصالح الفرد ومصالح الجماعة. ففي الاعتدال صحة النفس وفي الميل عنه سقمها.
جـ ـــ حسن التوافق مع االناس لأن المسلم حسن الخلق هين لين فطن, لا يحسد ولا يخاصم ولا يخاصم, يألف الناس ويألفونه, يصلهم ويودهم ابتغاء مرضاة الله, فيحبه الله بحبه للناس, ويضع حبه في قلوب الناس. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد طبت وطابت ممشاك, وتبوأت من الجنو منزلا)) (64) وقال أيضا : (( إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى, فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا. فلما أتي عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية. قال : هل لك من نعمة تربّها عليه. قال : لا, غير أني أحببته فى الله. قال : فإني رسول الله اليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ))(65).
د – طاعة أولى الأمر في المجتمع , إذا لم يؤمن بمنكر, أو ينهى عن معروف فعلى المسلم السمع والطاعة فيما يحب ويكره. مالم يؤمن بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
هـ ـــ الرضا عن النفس, فالمسلم حسن الخلق قانع بما وهبه الله من قدرات جسيمة ونفسية, متقبل لواقعه, وما قُدر له, شاكر في السراء, صابر في الضراء, محتسب عند البلاء, لأنه يؤمن بأن أمره كله خير وبأن الله لا يقضي له قضاء الا كان خيرا له.
و ـــ الاكتفاء بالله عن الناس. فالشخص حسن الخلق لا يكتفي بنفسه عن الناس كما يذهب علماء النفس, بل يكتفي بالله عمن سواه. قال سهل التستري (( الشخص حسن الخلق لا يتهم الله في الرزق, ويثق به, ويسكن إلى الوفاء بما ضمن, فيطيعه ولا يعصيه ويخلص في عبادته, ويصلح ما بينه وبين الناس ( الغزالي, د ت ) فاكتفاء الإِنسان بالله يجعله آمن النفس, طيب المعشر, راضيا بالحياة. فأمره مع ربه كل خير.
ز ـــ الاجتهاد في تنمية النفس, والاستفادة من القدرات والمواهب, واثبات الكفاءة في تعمير الأرض. فالمسلم (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز )) (65).
ح ـــ الاستمتاع بعمل الصالحات, فالمسلم يحقق ذاته في عمل ما يرضي الله وينفع الناس, ويحمل نفسه على حسن الخلق, ويكلفها به, حتى يتعود على العادات الحسنة ويتلذذ بالطاعات, وينفر من العادات السيئة ويكره المعاصي في كل زمان ومكان.
ط ـــ الاخلاص في العمل, لأن المسلم يشعر بمراقبة الله الذي أمره بأن يعمل ويجتهد قدر استطاعته, فاليد التي تعمل يحبها الله ورسوله, والمؤمن ـــ كما قال الرسول الكريم ـــ (( كالنحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا ))(66).
ى ـــ الاقبال على الآخرة فلا يشعر المسلم بِهَمَّ في الدنيا, مهما عظمت مصائبها ولا يحزن على ما فاته, ولا يشقيه حرمان, ولا يضنيه تعذيب إذا كان في سبيل الله لأنه يجد سعادته في رضى الله عنه.
والأقبال على الآخرة يجعل الرسل والمصلحين الاجتماعيين لا يفرحون بملذات الدنيا لأنها نعيم زائل, ولا يثبيهم عن دعواتهم تهديد ولا وعيد, ويتحملون الأهوال في الدنيا وهو مستبشرون برضوان الله, وبمقعد صدق عند مليك مقتدر.
ونضرب بالرسول عليه السلام المثل الأغلى في تحمل المشاق في الدنيا في سبيل الفوز برضوان الله تعالى. فعندما خذله أهل الطائف, وتنكروا له, وسلطوا عليه سفهاءهم فأهانوه وآذوه حتى أدموا قدمية, ناجى ربة قائلا : (( اللعم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي, وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين. أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, الى من تكلني, الى بعيد يتجهمنى, أم الى عدو ملكته أمرى. إن لم يكن بك غضب علىّ, فلا أبالي. لكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بوجهك الذى أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة, من أن ينزل بي غضبك, أو تحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى. لا حول ولا قوة الا بالله. ( ابن كثير 1978, ص 136).
والتاريخ الاسلامي حافل بنماذج انسانية عظيمة كانت فى صحة نفسية, وتحملت العذاب في الدنيا في سبيل السعادة فى الآخرة, فأقبلوا على الموت فرحين مستبشرين. من هذخ النماذج الطيبة زيد بن الدثنة الصحابى الجليل, الذى صلبه الكفار فى التنعيم لقتله, وعندما سأله سفيان بن حرب : أتحب يا زيد أن يكون محمدا الآن عندنا مكانك, نضرب عنقه, وإنك فى أهلك ؟. قال زيد : والله ما أحب أن محمدا الآن فى مكانه الذى هو فيه, تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس فى أهلى. فقال سفيان : ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا, كحب أصحاب محمد محمداً.
وخُبَيْب بن عَدى عندما أجمع بنو الحارث بن عامر فى مكة على قتله, وخرجوا به إلى التنعيم, وهمُّوا بصلبه. قال : دعونى أصلى ركعتين. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما, ثم أقبل على القوم مسرعا. وقال : أما والله لولا أن تظنوا أنى إنما طولت الصلاة جزعا من القتل, لاستكثرت من الصلاة. وقال فى ذلك شعرا :
ولست أبالى حين أقتل مسلما على أى شق كان فى الله مصرعى.
ونزل فى خبيب وزيد وصحبهما قرآن يتلى فقال تعالى (( ومن الناس من بشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله, والله رؤوف بالعباد )). (67) (ابن كثير, 1978, ص 65).
هذه نماذج وجدت تحقيق ذاتها فى عمل ما يرضى الله, فأخلصت وصدقت وصبرت واحتسبت, فرضى الله عنهم, ورضوا عنه, وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا, فسعدوا فى الدنيا الآخرة.
الهوامش
(1) متفق عليه.
(2) يتفق معظم علماء المسلمين على أن النفس شيء والروح شيء آخر وأنهما من الأوامر التي لا يعرف حقيقتهما إلا خالقهما, فالروح موجودة فينا لكنها مجهولة لنا, وهى تصعد إلى بارئها بعد الموت أما النفس فهى مستودع الطاقات والدوافع التي تدفع إلى الخير أو الشر, ونستدل عليها من أوصافها وآثارها في السلوك, ولها ثلاث حالات : أمارة ولوامة ومطمئنة. وهي في حاجة إلى تربية وتزكية ونهى ومجاهدة حتى تزكو وتسمو.
(3) الفرقان 67.
(4) الاسراء 29.
(5) آل عمران : 14.
(6) النحل : 97.
(7) طه : 123.
(8) متفق عليه.
(9) رواه البخاري.
(10) رواه البخاري.
(11) متفق عليه.
(12) متفق عليه.
(13) رواه الشيخان.
(14) متفق عليه.
(15) الكهف : 29.
(16) المدثر : 38.
(17) الحجرات : 10.
(18) الفتح : 29.
(19) متفق عليه.
(20) سورة النساء : 59.
(21) رواه الترمذي.
(22) رواه الترمذي.
(23) متفق عليه.
(24) النازعات : 37.
(25) الفرقان : 44.
(26) الشمس : 7 ـــ 10.
(27) الصف : 3.
(28) متفق عليه.
(29) البقرة : 170.
(30) النمل : 54 ـــ 56.
(31) القلم : 51.
(32) المطففين : 29 ـــ 36.
(33) متفق عليه.
(34) رواه مسلم.
(35) رواه أحمد.
(36) يتحدد مستوى فهم الإِنسان لنفسه من خلال ادراكه لمعاملة الراشدين المهين في حياته, ومن الأحكام التي يصدرونها عليه وعلى سلوكياته في مرحلة الطفولة. فالآباء والمدرسون يحكمون على الطفل بالحسن أو القبح, بالأدب أو الوقاحة, بالطيبة أو الشيطنة بالرحمة أو بالقسوة. وتساهم هذه الأحكام بدور كبير في تكوين فكرة الطفل عن نفسه وتنمية مفهومة عن ذاته. وبعد أن يتكون مفهوم الذات (Concept Self ) يختار سلوكياته, ويحكم عليها وعلى سلوكيات الآخرين بحسب هذا المفهوم, حسن (High self concept) أو سيء (Low self concept ). فكل شخص مدفوع كما قال روجرز لأن يكون كما يفكر فب أن يكون بحسب ما عمله الأخرون. وهذا يعني أن الدافع لتحقيق الذات مرتبط إلى حد كبير بأساليب التنشئة الاجتماعية وثقافة المجتمع وقيمه.
(37) القصص : 78.
(38) النازعات : 24.
(39) الحج : 31.
(40) متفق عليه.
(41) الإِنسان : 30.
(42) المائدة : 49.
(43) الليل : 18 ـــ 21.
(44) النساء : 118.
(45) رواه مالك.
(46) القلم : 4.
(47) متفق عليه.
(48) رواه البخاري.
(49) متفق عليه.
(50) رواه البزار.
(51) رواه الحاكم.
(52) رواه أحمد.
(53) رواه مسلم.
(54) سورة محمد : 21.
(55) متفق عليه.
(56) رواه البخاري.
(57) رواه الديلمي.
(58) رواه الطبراني.
(59) رواه أبو داود.
(60) رواه مالك.
(61) رواه مسلم.
(62) رواه البخاري.
(63) رواه ابن ماجه.
(64) رواه الترمذي.
(65) رواه مسلم.
(66) رواه الطبراني.
(67) البقرة : 107.
المراجع
( 1 ) ابن القيم, محمد بن أبي بكر : زاد المبعاد في هدى العباد. ج 3 مراجعة طه عبد الرؤوف طه. القاهرة : مكتبة الحلبى 1970 م.
( 2 ) ابن القيم, محمد بن أبي بكر : الروح. بيروت دار الكتب العلمية 1982م.
( 3 ) ابن القيم, محمد بن أبي بكر : رسالة فى أمراض القلوب. الرياض : دار طيبة, 1983 م.
( 4 ) ابن كثير, أبو الفداء الحافظ : البداية والنهاية (ج 3) . بيروت مكتبة المعارف, 1978 م.
( 5 ) السمرقندى, نصر بن محمد بن ابراهيم : تنبه الغافلين : بيروت : دار الكتاب العربي, 1983 م ( أ ).
( 6 ) السمرقندى, نصر بن محمد بن ابراهيم : بستان العارفين. بيروت : دار الكتاب العربي, 1983 م ( ب ).
( 7 ) الطيب, محمد عبد الظاهر : الاراء النفسية عند مسكويه. المسلم المعاصر 1982, 32, 133 ـــ 141.
( 8 ) العثمان, عبد الكريم : الدراسات النفسية عند المسلمين. القاهرة مكتبة وهبة, 1963 م.
( 9 ) الغزالى, أبو حامد الغزالى : احياء علوم الدين ج3. بيروت : دار المعرفة, د . ت.
( 10 ) الغزالى, محمد : خلق المسلم. القاهرة : دار الكتب الحديثة, 1974 م.
( 11 ) القوصي, عبد العزيز : أسس الصحة النفسية. القاهرة : النهضة المصرية, 1975 م.
( 12 ) النووى, الإِمام أبى زكريا بن يحيى بن شرف : رياض الصالحين. دمشق دار المأمون للتراث, 1983.
( 13 ) الهاشمى, محمد علي. : شخصية المسلم : دار القرآن الكريم, 1983م.
( 14 ) جيراد, سدنى م. : الشخصية بين الصحة والمرض. ترجمة د. حسن الفقى و د. سيد خير الله. القاهرة : الانجلو المصرية, 1973 م.
( 15 ) سبع, توفيق محمد : نفوس ودروس فة إطار التصوير القرآنى (ج1) القاهرة : سلسلة البحوث الاسلامية.الكتاب 34, 1971 م.
( 16 ) سوليفان, جون أ : وجهة النظر الاسلامية بالنسبة للاشخاص المعرضين للأزمة, مجلة المسلم المعاصر 1980 م, (21) 119 ـــ 129.
( 17 ) على, أحمد علي : الصحة النفسية : مكتبة عين شمس, 1975 م.
( 18 ) فرويد, سيجموند : الأنا والهو. ترجمة د. محمد عثمان نجاتى. القاهرة : دار الشروق.
( 19 ) فرويد سيجموند : الكف والعرض والقلق. ترجمة د. محمد عثمان نجاتي. القاهرة : دار الشروق 1983 م.
( 20 ) فهمى, مصطفى : الصحة النفسية في الأسرة والمدرسة والمجتمع ( ط2). اقاهرة, دار الثقافة 1967 م.
( 21 ) كفافي, علاء الدين : المحك الاسلامى للسلوك السوى. المجلة التربوية, 1986 م. 9, 55 ـــ 93.
( 22 ) محمد, محمد عودة ومرسى, كمال ابراهيم : الصحة النفسية في ضوء علم النفس والاسلام (ط2). الكويت : دار القلم 1986 م.
( 23 ) مرسى, كمال ابــــراهيم والرشيدى, بشير : التوجيه والارشاد : فلسفته وأخلاقياته في المجتمعات الاسلامية. المجلة التربوية, 1984 م ( 2 ) 9 ـــ 28.
( 24 ) مخيمر, صلاح : مدخل الى الصحة النفسية. القاهر : الانجلو المصرية, 1079م.
( 25 ) مغاريوس, صمويل. الصحة النفسية والعمل المدرسى, القاهرة النهضة المصرية, 1974 م.
( 26 ) نجاتى, محمد عثمان : مفهوم الصحة النفسية فى القرآن الكريم والحديث الشريف. نشرة الطب الاسلامى 1984 م, 3 (5) 507 ـــ 518.
« المراجع الأجنبيه »
26 – Carroll, H.A. Mental hygine the dynamic of adjustment. New York : Prentice Hall Co., 1969.
27 – English, H.B & English Ava C. A Comprehensiv dictionary of Psychological and Psycholoanalytica terms. New York : Longmans, 1958.
28 – Husen, T. & Postlethwaite, T.N The international encyclopedia of education. New York : Pergamon Press, 1985, Vol. 8.
29 – Jahoda, M. Mental health; in Abert Deutotih (ed.), The Encyclopedia of mental health. New York : Franklin Watts, Inc. 1963, Vol.3.
30 – Laycock, S.R. Promoting mental health in the schoolsm in international trends in mental health, New York : Mcgraw Hill, 1966 PP. 171 – 180.
31 – Maslow, A.H Motivation and personality (2nd ed). New York : Harper & Row publ. 1970.
32 – Napoli V; Kelbride, I.M. & Tebbes, D.E Adjustment and growth in a change world. New York : West publ. Co., 1982.
33 – Shoben, E.J. Jr. Toward a concept of the normal personality. American psychologist, 1957, 12, 183 – 189.
34 – Soddy, k, & Ahrenfeld, R.E, Mental health in changing world Toronto : Tavistock Publ., 1965.
35 – Waston, D.L The study of human nature : Yellow Springo O.: Antioch Press, 1953.