مقدمة
أن أفكر تفكيرا منفردا وشخصيا في محاولة لإيجاد وسيلة مستقلة لا تهدم ما سبقها من الإنجازات بقدر المستطاع, وتستلهم ما ورد في القرآن الكريم وسنن الأنبياء جميعا ولا سيما خاتمهم ( صلى الله عليهم أجمعين ), ومع ذلك أن أبقى داخل هذا الإطار.. تلكم كانت الأهداف التي سعيت إلى تحقيقها طوال حياتي وقضيت في هذا الأمر ساعات طويلة لا حصر لها من عمري القصير.
وبالرغم من ذلك فقلما اتيحت لي – إلا فيما ندر – فرصة أو قل إمكانية تسجيل أفكاري هذه كتابة.
ومع ذلك فلقد أجبرتني ظروف معينة في أعقاب وصولي إلى المملكة المتحدة عام 1977أن أكتب بحثا مقتضبا يتناول بعض الآثار التي تواجه قطاعات محددة من الحركة الإسلامية هنا.
ولكنني بعد إتمام هذا البحث وضح لي أن معالجته كان من الممكن أن تنسحب إلى الغرب بأكلمه وربما إلى أبعد من هذا النطاق ( كما قد يقرني على ذلك الكثير من القراء).
ونوقش هذا البحث فيما بعد في مساحات عدة واطلع عليه الكثيرون وأبدي لي نفر من الأصدقاء رأيهم في وجوب توسيع رقعة تداوله… ولكني ترددت كثيرا إذ أنني كلما أعدت قراءة المسودة أحسست بأنه بحث غير واف ولا يلم إلماما كافيا بكل جوانب الموضوع.. فعله البحث التحليلي تمكن في أنه في كل مرة تعاد قراءته يشعر المرء بالحاجه إلى إضافة الجديد إليه أو صياغته مختلفة .. وهكذا دواليك دون أن يكون لهذا التردد نهاية.
لذلك فإنني أشعر بعد انقضاء ثلاث سنوات والعديد من المراجعات أن نشر إحدى النسخ لن يكون عملا مجافيا للمكان أو الزمان.
ذلك أنني – وأنا أطالع المسودة النهائية – اضطررت إلى ممارسة ضبط النفس بكل شدة حتى لا أعيد صياغة بعض الأجراء بالكامل أو إضافة أجزاء أخرى إليها.. ولكن كنت موقنا أنني لو فعلت هذا لما أرى هذا البحث النور في يوم من الأيام.
ذلك بالأقل يفسر لي أكثر مما يفسر للقارئ إحساسي بعجزي وإخفاقي في التعبير عن أشياء كثيرة بصورة أفصح وأوضح.
وإذا دعت الحاجة إلى تدبير إعادة نشره فسأعيد مراجعته إن شاء الله.
أرجو أن تقرأ هذه المقدمة بإمعان شديد إذ أنها تعالج أمورا عديدة هامة لا أشعر بالحاجة إلى تكرار ذكرها في هذا المقام .. ولكن يجدر بي على الأقل أن أوضح أن هدفي الوحيد هو إثارة الرغبة في التفكير والبحث المتجدد وخلق تقاليد من المناقشات الصحية والأفكار المستقلة داخل الحركة الإسلامية.. فإذا نجحت هذه المحاولة ربما أمكن الاستزداة منها… ذلك أن النتائج إجمالا – سواء قبل الحركة الإسلامية أو في أعقابها – لا يمكن الاستمرار في تفاديها.
المدخل الأول
الحاجة والأهمية
خلال السنوات الأخيرة ظهرت الحركة الإسلامية سواء كفكرة أو كمضمون واحتلت مركزا هاما له دلالته بين مسلمي الغرب, وشملت عددا كبيرا من المؤسسات والجماعات والنشاطات الإسلامية في هذه البقعة من العالم دفع بها في الغالب هؤلاء الذين استهلوا إحدى الحر كات الإسلامية في البلاد المسلمة.
وغنى عن البيان أن نذكر أهيمة نمو الإسلام في الغرب ليصبح حركة ذات قوة وبأس .. وهناك من المبررات الحتمية المقبولة لذلك:
فأولا: الالتزامات المترتبة على المعيشة ضمن مجتمعات ذات أغلبية غير مسلمة.
ثانيا: الحاجه في توصيل الإسلام إلى الغرب.
ثالثا: الاضطرار إلى إيجاد مجتمع دولي تسوده أفكار وقوى الغرب.
رابعا: منطقية أسلوب وشكل العلاقات بين الغرب والإسلام.
خامسا: متطلبات النهضة الإسلامية في البلاد المسلمة.
وأخيرا: مستقبل تواجد المسلم في الغرب.
كل هذه العناصر تجعل من هذا الواجب ضرورة ملحة.
ومع هذا فالحركة الإسلامية في الغرب تواجه عددا من النتائج الهامة من الناحيتين العلمية والنظرية التي يجب تدبرها لإيجاد الحلول المناسبة لها, وبذلك يتوفر أسلوب من التفاهم الصحيح والناجح والنشيط والمتطور.
ومع تزايد وانتشار المجتمعات والنشاط الإسلامي بدت الحاجه الملحة بالأقل إلى تدبير ومناقشة هذه المعطيات.
المدى
هذا البحث يعتبر خطوة متواضعه وصغيرة في هذا الاتجاه .. فهو محاولة لتقديم أفكاري فيما يتعلق بالنتائج الأساسية التي تواجه الحركة الإسلامية في الغرب والتي ترتبط بأهدافها ومخططها وهيكلها.
لقد حاولت بادئ ذي بدء أن أضع تعريفا للهيكل التاريخي والبيئي والفكري الذي يستوجب أن نجد في إطاره الردود المناسبة على التساؤلات المتعلقة بالنتائج القائمة.
وبعد ذلك حاولت أن أقدم بإيجاز الأسلوب الهام للتعريف بالأهداف التي يتوجب على الحركة الإسلامية في الغرب أن تسعى إلى تحقيقها… وأكثر من هذا أهمية أن تحدد الأولويات الخاصة بكل منها.
وفيما بعد ركزت على بعض المظاهر العريضة للاستراتيجية المناسبة التي تمكننا من تحديد هذه الأهداف .. وهذه بطبيعة الحال تشتمل على كل من البرمجة والخطة.
وأخيرا حاولت أن أحدد بعض العناصر الهامة للتركيب المظهري الذي يتيح لنا أن نتمشى مع الاستراتيجية والأهداف المرجوة.
إن التبرؤ لا يمكنه أن يعفي من مسئولية التقصير أو التهور, وهو ما أبغى إنكاره, ولكنه قد يساعدني على تفادي سوء الفهم.
أولا: بالنسبة لبحث من هذا النوع الذي حاولت أن أجربه والذي وضعت له بكل حرية الحلول التي أرتايها لبعض التساؤلات المعقدة التي لا يمكن أن توجد أو يدعي بوجود حلول قاطعة لها.
وفي مواقع أخرى أثيرت تساؤلات حتى وإن لم يكن لها ردود مناسبة… وجل ما استطعت أن أقوم به هو مجرد إيضاح للنتائج وإذا أمكن إيجاد التعريف المناسب لها .. إذ أن التعريف بالحل هو بذاته – كما أرجو – يعتبر إنجازا هاما يمكن أن يعاون معاونة هامة في إيجاد الحل المناسب لها.
وبالرغم من ذلك ففي كل مرة شعرت بأن لدي فكرة أو مضمون أو اقتراح جديد أستطيع تقديمه فإنني لم أتردد في أن أفعل ذلك .. فأنا لا أقع تحت تصور خاطئ يفرض على أن أقطع بأن أي من هذه الحلول هو الحل الوحيد أو القاطع النهائي.
ثانيا: ان اهتمامي الأساسي عند كتابة هذا البحث انحصر في أن أفكر شخصيا تفكيرا محددا ومستقلا وأن أحفز غيري على أن ينحو منحاي..
فالنتائج التي يتوصل إليها أشخاص أو هيئات متنوعة نتيجة لتداولهم وتدارسهم قد تكون مختلفة كل الاختلاف أو حتى ربما مناقصة لكثير مما سبق واقترحته شخصيا.. ولكنني سأكون سعيدا أنني قد كوفئت مكافأة سخية إذا تبينت أن بحثي قد مهد الطريق لسلوك مسالك جديدة.
ثالثا: إن استعراض كامل للحالة القائمة بالنسبة للحركة الإسلامية في الغرب وإن كان أمرا هاما ومرغوبا فيه بحد ذاته – إلا أن القيام به متعذر في نطاق هذا البحث .. ولكن بعض نواحية الإيجابية جديرة بأن تناقش وتقيم تقييما موضوعيا.. وبالمماثلة .. فإني قد أبدو منتقدا لبعض الأفكار المتعلقة بصلب هذا البحث عند إرساء قواعد الهيكل الذي يبين الدور الذي تقوم به الحركة الإسلامية في الغرب … ولكني أرفض أى ادعاء ربما استنتج من هذا النقد بأنني لا احترم أو أهدم الأفكار القديمة دون أن أكون قد توصلت إلى قاعدة لبناء أفكار أخرى أكثر جدة.
رابعا: إن معالجتي للبحث أساسها اعتقادي بأن لا شئ يستند إلى غير ما ورد صراحة في القرآن الكريم والسنة النبوية يعتبر مقدسا تقديسا يمنع إعادة دراسته أو بحثه أو تعديله أو استبعاده كلية إذا اتضح ما يستوجب ذلك. كما أعتقد أنه لا يوجد ما يمكن تسميته بالنموذج الصحيح الأمثل لأي حركة إسلامية تحت كل الظروف المتغيرة… قد تكون هناك وسائل عديدة ” صحيحة ” لإدارة حركة إسلامية داخل إطار المصدر ” الصحيح ” الوحيد للإرشاد وهو الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم
خامسا: يتعلق بحثي أساسا بالغرب. وقد ضربت أمثلة محددة تتعلق بالفكرة السائدة في بريطانيا.
ولكني أعتقد أن بعض النقاط التي أثرتها قد تكون لها أهمية متكافئة مع بعض نظريات أخرى حيث توجد حركات إسلامية بصورة أو بأخرى.. وأني لأدعو الجميع أن يتأملوا ما قلت إذا وجدوا لذلك فائدة.
سادسا: إن تعريفي للأهداف قد لايختلف كثيرا عما يردده أي ملتحق بالحركة الإسلامية .. ولكن ما أظنه هاما هو : أولا – ترتيب الأسبقية التى وضعتها وتأكيدي على احترامها فعلا وعملا.. وثانيا – محاولتي اقتفاء أثر الإدراك الخلفي للأهداف والتأكيد على ضرورة وضع هيكل جديد لتفسير وتحديد مكان هذه الأهداف وفقا لمفهوم غربي يختلف تماما عن المفهوم المتأصل حاليا لدى الأغلبية المسلمة.
ومع ذلك فقد أحجمت – قاصدا – عن التصريح بأي فكرة جديدة نظرية كانت أم عقائدية لأن ذلك عسير في هذا البحث ومضيع للهدف الحقيقي منه.
ولكني بالرغم من ذلك قد تركت بعض التلميحات في أماكن مختلفة قد تكون في ظروف أخرى أساسا للبدء في مناظرات ربما خلقت مجالا لأفكار ونظريات نحن في أمس الحاجه إليها.
توقعات
لن أحاول في هذا المقام – كما سبق أن ذكرت – الدخول في أي نقاش يتعلق بمضمون هيكل جديد للحركة الإسلامية في الغرب … ومغ ذلك فقد يبدو من الواجب أن أفسر بعض الأفكار الهامة القائمة حاليا وبيان التوقعات التاريخية والبيئية التي ترتبط بالنتائج المعنية.
ماهية الحركة الإسلامية:
ماهو المفهوم من عبارة حركة إسلامية؟ .. قد يكون هذا التساؤل أهم ما يجب الرد عليه بادئ ذي بدء إذ ان له تأثيرا كبيرا على مجموعة النتائج التي أود بحثها وتمحيصها.
عبارة الحركة الإسلامية انتشرت منذ فترة وجيزة خلال نصف القرن الماضي على وجه التقريب.. والبحث عن تعريف كلاسيكي أو متفق عليه قد لا يتيح لنا إيجاد جواب نهائي على هذا التساؤل.
ومع ذلك فاستعمالات هذه العبارة المضطردة سواء من الناحية النظرية أو العملية قد توحي بوجود بعض العناصر المشتركة اتي يتعين أو يجدر التعبير عنها إذا ما فسرنا عبارة الحركة الإسلامية على أنها كفاح منظم لتغيير المجتمع الحالي إلى مجتمع إسلامي يرتكز على ماورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة.. وبذا نجعل الإسلام – وهو مجموعة القواعد المنظمة للحيتة بكاملها – قوة عليا ومسيطرة ولا سيما في أوساط المجتمعات السياسية.
فالعلماء والمفكرون في وقتنا هذا وكذلك الجماعات الإسلامية مثال الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمون يعتبرون مسئولين في المرتبة الأولى عن انتشار استعمال هذا التعبير .. والنجاح الذي حققته الثورة الإسلامية في إيران مؤجرا جعلته أكثر تفهما وإداركا .. وحتى المجتمعات غير المسلمة قد بدأت في استعماله بصورة أكثر ترددا.
ولذلك فالإدراك التام لعموم النظرية كما نعالجها نحن ولا يمكن تحقيقه بعيدا عن مضمونها التاريخي.
ومع هذا ففكرة الحركة الإسلامية تدخل في صميم طبيعة الإسلام وفي أهدافه وتركيبه.
وبالفعل فحياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأكملها يمكن اعتبارها حركة إسلامية.. وليس من الضروري أن تناقش ذلك في هذا المقام ولكن العديد من الآيات القرآنية تؤيد ذلك وتوضحه كتلك التي توضح الفكرة والهدف من الجهاد:
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الأخير وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وألئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) التوبة 19 – 21 ( هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون * يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) الصف 9 – 10. ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعس أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة 216. ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) الأنفال73. وإقامة الدين… ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) الشورى 13 شهادة الحق – ( … لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا…) القسط ( العدالة ) كن شاهدا بالعدل ( يأيها الذين أمنوآ كونوا قومين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا آعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة 8 كن مقيما للعدل ( يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وان تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا). النساء 135 ونرسل رسلنا وننزل الكتاب والميزان معهم ليحمي الناس بالعدل ( لقد أرسلنا رسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) الحديد26 كلمة الله – أن تكون كملة الله هي العليا ( وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم). التوبة 40 سيطرة الإسلام – ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ) الفتح28.
من الواضح أن التركيز في داخل حركة إسلامية على العناصر الأربعة التالية وهي الخاصة: بالتغيير الكامل … وبالسيطرة العليا للإسلام.. وبالمظاهر السياسية والاجتماعية.. وبالكفاح المنظم تعتبر صورة مستقلة متميزة عن غيرها للأنشطة الإسلامية.
هذا التركيز ولا سيما في المظاهر السياسية والاجتماعية وبالرغم من أنها تدخل في صميم ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة إلا أنها وإلى حد ما تعتبر ردا على بعض العوامل التاريخية والبيئة مثل الإهمال المستمر لفترة طويلة في التاريخ الإسلامي.. السيطرة على العالم الإسلامي بواسطة حضارة غير إسلامية في الماضي القريب وظهور هياكل لمنظمات تستعمل كأدوات قوية لتحقيق النشاطات الاجتماعية.
المعاني الضمنية للتعريف
سنقبل في الوقت الحالي هذا التعريف بما يلازمه من عناصر التركيز ولو أن السؤال يجب أن يطرح في ظروف مغايرة لمعرفة ما إذا كان كله مناسبا أم أن بعض التعديلات واجبة أو مسموح بها… ولكننا سنبحث بعض المعاني الضمنية الهامة.
أولا: قد يبدو التصور كما هو مبيين فيما سبق إنما يعني أن الحركة الإسلامية يجب أن تتعلق بإقليم معين وتجتهد في تحقيق أهدافها داخل نطاقه.
ولكن هل يعني هذا أن أي منظمة – كي يصح أن يقال عنها أنها حركة إسلامية متعلقة بمنطقة معينة لا يمكنها بل لا يصح أن تعمل إلا في نطاق حدودها لتحقيق أهدافها؟ لاأظن ذلك.
ومع هذا فلقدا يبدو من البديهات أن على الحركة كي تمسى إسلامية حقيقة داخل إقليم معين أن تجتهد في أن تجد لها جذورا ثابته سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة في وسط هؤلاء الذين لديهم السلطة والقدرة على تطوير السياسة الاجتماعية تطويرا تاما وإلا لما كان هناك أي معنى للسعي وراء التغيير الشامل.
وفي مفهوم الغرب سأشير إليهم بعبارة ” المحليين” بالمخالفة لمفهوم ” النازحين ” أو ” المهاجرين ” سواء كانوا من أهالي المنطقة أو الوافدين إليها.
ولكن للمسألة معان هامة بالنسبة للحركات القائمة من ناحية علاقتها بالوسط الذي تحيا فيه وبالنسبة للبلاد الإسلامية … هل يمكن لمنظمة تعمل في بلاد أيا كانت ألا تقوم بأي عمل ذي بال لتغييره ليصبح عالما إسلاميا وأن تدعى أنها حقا حركة إسلامية؟ أم هل يكفي أن تبقى معنية بطريقة التغيير في مجتمع ما نشأ فيه أفرادها دون إحداث أي تغيير؟
ستظل هذه النتائج موضع بحث ونقاش ودراسة إلى أن يتم الاهتداء إلى تكوين فكرة أكثر وضوحا وجلاء.
ثانيا: هذا التكوين الفكري بطبيعته قد يبدو مانعا للأخذ في اعتباره السياسة الأجتماعية ( بصورة متيسرة) والبرامج الثقافية كهدفين أساسيين أو حتى مجرد صورة غالبة للنشاط سواء من الناحية النظرية أو العملية.
إن مراجعة وبحث التجارب السابقة ونشاطات الحركات في أماكن أخرى قد تبين لنا ذلك وتثبته.
مثل هذه البرامج لم تجد تقليديا ضمن أسبقياتها واستراتيجياتها مكانا حتى ولو من الناحية العلمية إن لم يكن من الناحية التعليمية.
الأوضاع القائمة للحركة في الغرب
سنحاول الآن النظر إلى وضع الحركة الإسلامية كما هي في الغرب … وسنحاول بيان الحدود المتغيرة للنموذج الحالي:
أولا – كافة الأقطار والمنظمات والنشاطات التي تدخل ضمن نطاق الحركة الإسلامية في الغرب أيا كان مظهرها الخارجي أو مضمونها قد تم في الغالب تكوينها ونموها بواسطة هؤلاء المهاجرين الذين تحالفوا أو استوحوا الحركات الإسلامية من مختلف البلاد الإسلامية. وقد وفدوا إلى الغرب بوصفهم مهاجرين.
ثانيا: – إن غالبية من يكونون القيادات وسائر أفراد الحركة في الغرب إذا أمعنا النظر فيهم على ضوء ارتباطاتهم أو مواقفهم من الحركات الوطنية أو المحلية فإنا لا نراهم قد هاجروا بغرض إنشاء حركة في المكان الذي هاجروا إليه وإنما تم ذلك كنتيجة عرضية لوجودهم .. هذا الوجود الذي ظهر كنتيجة اقتصادية وثقافية وسياسية .. وليس هنام ثمة خطأ أساسي في الهجرة لأسباب اقتصادية أو ثقافية ولكن مع ذلك قد نحتاج إلى الاعتراف به كحقيقة تبرر توقعها وتقديرها.
ثالثا:- الأهداف والخطط والهيكل الخارجي للحركات الإسلامية في الغرب حاليا قد استمدت في الغالب بكاملها من الحركات الوطنية أو المحلية إلا في حالة ما إذا كان الضغط الداخلي من القوة بحيث يوجب تعديلات طفيفة تتعلق بالمظهر الخارجي ولم يبد اهتماما كافيا بالمتطلبات التي توجبها مواقف جديدة كل الجدة ولم يول اهتماما للاختلافات بين الوطنيين والمحليين.
رابعا: ان معظم الحركات تنحصر على وجه التقريب في الجماعات المهاجرة ولكل واحدة منها ما يخصها… وسد احتياجاتها من الثقافة الدينية ( ولو في نطاق ضيق ومحدود ) والتعليمية قد أصبحت المهيمنة على حل تفكير الحركات واستحورث على قسط كبير من دخلها
خامسا: – وأما فيما يتعلق ” بالوطنية أو المحلية ” فالحركات ليس لها أصول فيما بينها تستوجب اشتراكها فيها أو مسئوليتها عنها .. فإذا نظرنا إليها من هذه الزاوية فإنها تبدو وكأنها زرعت فيها ونقلت إليها وليس كأنها نبتت منبتا طبيعيا. إن تأهلها ومسئوليتها تبدو كأنها أمر بعيد المنال وحتى البرامج والنشاطات الطبيعية العادية للحركات الحالية ليست كلها مؤهلة لأن تصل إلى المحليات
إني أرجو أن تكون المناقشات السابقة قد أوضحت بعض الحقائق المتعلقة بالوضع الحالي للحركات الإسلامية وان تكون قد أوضحت قواعد مستقبلية لمناقشة وتدارس النتائج المرجوة والأهداف والخطط والهياكل جميعها .. هذه الملاحظات يبدو أنها توحي ببعض الحقائق المبسطة ولكنها قد تكون غير مطمئنة إذا نظر إليها على ضوء التعريف الذي سبق لنا أن سقناه وليس هناك شك فيما قد يبدو حينئذ من انعدام الجدوى والفجوى.
غايات وأهداف
النتيجة الهامة الأولى التي أود أن ألفت النظر إليها هي التي تتعلق بالغايات والأهداف ولذلك فعلينا أن نقيم ونتخير بادئ ذي بدء الغايات والأهداف التي نسعى أو ندعي أننا نسعى إلى تحقيق أي منها سواء بإعادة التعريف القديم أو بصياغة الجديد منها…. ومن الأمور الأكثر أهمية أن نضع الأسبقيات النسبية لكل الأهداف المختلطة.
لماذا يعاد التفكير في الأهداف
قد يبدو الأمر للكثير من الناس وكأنه إعادة البحث فبما سبق واستقرت عليه النتائج .. وقد يتساءل البعض ويتشكك في جدوى هذا العمل.
ومن الجائز أن يذكر أن الحركة التي نحن جزء منها قد تحددت لها أهداف وغايات واضحة جلية… وهناك بلإضافة إلى ذلك مجموعة من الأهداف المحددة التي وجهنا نحوها جل جهودنا حتى الآن.
ومع ذلك فهناك أسباب وجيهة تجعل من الأهمية القصوى أن نعيد النظر في النتيجة بأكملها:
أولا: لكي ننمي حركة نشطية صحية؛ يجب علينا أن نتأكد مما نريد أن نعمله ونحققه وأين نرغب أن نصل به .. ويجب علينا كذلك أن نكون متأكدين من أننا نقوم فعلا بما يجب علينا أن نقوم به وأن نؤدي ما نود أن نؤديه.
ذلك لايمكن اعتباره عملا قد تم بصورة نهائية … إذ يجب علينا أن نعيد النظر فيه بين الحين والحين…وسنحتاج دائما إلى فيصل للتفرقة في صورة نتائج وأهداف محددة بكل دقة لتعيننا على تقييم أعمالنا.
ثانيا: إن الهدف النهائي للحركة كما هو واضح من فكرتها ومضمونها هو دون شك محدد تحديدا دقيقا … ولكن الإشكال يمكن في كيفية التعريف به وإسناده إلى الظروف القائمة في الغرب … وهذا هو ما بقى دون حل … ذلك واضح تماما من التناقض بين التصور والمبادئ التي ناقشناها فيما سبق.
ثالثا: إذا استثنينا الهدف النهائي فستكون هناك دائما حاجه مستمرة لإيجاد مجموعة أخرى من الأهداف قد تكون أدنى مرتبة من سابقاتها ولكن يجب السعي إلى تحقيقها وفقا للأوضاع المحلية والمتطلبات العامة والإهداف قريبة المدى. وحتى بوصفها جزاء من استراتيجية متكاملة للوصول إلى الهدف النهائي … وتلك يتعين تحديدها وتعريفها وإعادة تقييمها بين الحين والحين.
رابعا: هناك حاجة ملحة لوضع أسبقيات سليمة للأهداف المختلفة أمامنا … هذه الأسبقيات ستكون لها آثار بعيدة وعميقة في مجال الحركات ومدى أبعاد نشاطاتها واستعمالات مواردها المتاحة.
خامسا: من المهم أن نبحث الحالة من ناحية تطابقها مع ما نقوم بتدريسه بوصفه هدفنا وما نفعله فعلا… ومن المسلم به والواضح أن البرامج واستعمال الموارد في حركة ما يجب أن يعكس الأهداف بصورة عامة وترتيب أسبقياتها بصفة خاصة… فإذا لم يتم ذلك فمعنى هذا أن البرامج إما تحتاج إلى إعادة صياغتها أو أنه يجب إعادة التعريف بها.
مصطلحات:
قد يكون من الأفيد في هذه المرحلة أن نقدم بعض التعريفات لمصطلحات نستعملها في نقاشنا … ومع كونها تحكمية ومتداخلة الحدود أحيانا إلا أنها قد تساعد إلى حد ما في تخفيض عدد المتناقضات.. وبدا تسهل مهمة التفكير في نطاق لغة متجانسة.
فكلمة مثالي ستستعمل في النهاية بمعنى صاحب المرتبة الأعلى الذي يجب على المنظمة أو الفرد أن يسعوا إليه بحيث يجب أن يقدم الدافع الأساسي والاتجاه العام الذي يسمح في نطاق كافة النشاطات أن يكون الروح والهداف المراد تحقيقه … يجب أن يكون أهلا لأن يبحث عنه دون انقطاع بالرغم من احتمال العثور عليه وتحقيقه من الخطوة الأولى … وهكذا فإن الغاية أو المثل الأعلى يصح أيضا تسميتها بالهدف النهائي..
هذا واضح في حالة الحركة الإسلامية عندما نبحث عن رضا الله بكل وضوح ولا سيما بالنسبة للفرد. وعند وضع الأساس لمجتمع ( وليس لحكومة فقط) مثالي إسلامي ولا سيما فيما يتعلق الأمر بمنظمة.
فتستعمل كلمتا غاية وهدف للدلالة على ما يراد تحقيقه وبصورة أكثر دقة وربما أكثر تعبيرا…
فالهدف يجب ان يفسر على اعتباره شيئا ملموسا وبالتبعية في بعض الأحيان على اعتباره نقطة تنهي بعض المجموعات من الأنشطة … وبالمقارنة فكلمة غاية يمكن استعمالها للدلالة على هدف أكثر عمومية بطبيعته ويجب أن يكون من الممكن تحقيقها دائما وبصفة مستمرة في الوقت المناسب.
يمكن ان تكون الأهداف والغايات متكاملة في أكثر من ناحية وربما متداخلة وفقا لطبيعتها وموضعها … وللوصول إلى غاية محددة قد يستدعي الأمر العمل إلى عدة أهداف.
المركز الحالي للهدف النهائي:
سنبحث أولا في الموقف الحالي المتعلق بالهدف النهائي.. فكما ذكرنا فيما سبق .. إذا لم تعد صياغة الفكرة المتعلقة بالهيكل فإن الهدف النهائي للحركة الإسلامية في الغرب – ولمجرد المناقشة الحالية – يجب أن يكون مجتمعا يستند إلى القرآن الكريم والسنة كما هو مطروح في التعريف بجميع جوانبه وعناصره ومقوماته.
ولكن ماهو موقف الحركة في الغرب في علاقتها بهذا الهدف؟
ليس من العسير أن نتبيين أن الرؤية العامة للتغيير الشامل وصدارة الإسلام قد أهملتنا إلى حد ما الفكرة الشمولية المحلية. وإن لم يكن ذلك نظريا فعلى الأقل بالنسبة لكل الأغراض العملية .. والأسباب ليست صعبة التبيان:
أولا: فالمجال الذي تحيط به المنطقة حيث تعمل الحركة يعتبر خاضعا تماما للنظم غير الإسلامية سواء بالنسبة للثقافة أو الأفراد المقيمين به .. ويبدو أن الأمل ضعيف في تحقيق الهدف.
ثانيا: الأفراد الذين يديرون الحركة , والجماعات النازحة التي يعملون أساسا في نطاقها ليس لهم رقابة على النظم والطرق السياسية والاجتماعية. فهم ليسوا حتى مجرد جزء منها. وثقلهم في الوقت الحالي يجب أن يقدر بصفر .. وطبقا لهذا فاحتمال تحقيق الهدف يمكن ان ينظر إليه – سواء اعترف بذلك أم لا – وكأنه مفقود وغير وارد أو على الأقل بعيدا بعدا يجعله فاقد الأهمية أو الأثر.
مركز الحركات المحلية أو الوطنية:
من المهم في هذا المقام أن نبحث نواحي أخرى من موقف الحركات الإسلامية في الغرب بالنسبة للهدف النهائي الذي يتعلق بالدور اذي تقوم به في مواجهة الحركات المحلية.
إن تحليلا دقيقا لنشاطاتهم وأسبقياتهم قد يبين أن ترك ” الهدف الأسمي ” لم يكن في الحقيقة تركا نهائيا ولكنه فقط – اتخذ مكانا في مفهوم تطبيقاته على المحيط المحلي.
فالحركات ولا سيما تلك التي أبداها الوافدون من باكستنان – وهي تشعر بالحاجه إلى إيجاد مستوى من العمل ينتمي إلى الهدف الأسمي – قد وجدت نفسها تتراجع إلى جماعاتها بنشاطاتها المتعلقة بالحركات المحلية أو الوطنية.
ولقد توطدت روابط متينة بينهم … ومسائدة كفاحهم هي الآن أكثر الأهداف التي يجب السعي إلى تحقيقها.
يجب أن يكون لهذا الهدف صلاحية كبيرة وأسبقية عالية في مفهوم الخطة الشاملة… ولكن يجب الاعتراف بأن مسائدة نشاط الحركة المحلية قد استعمل في الواقع لسد الفراغ في الحركة الذي خلقه ترك ” الهدف الإسمي ” في المفهوم المحلي والحاجة إلى إيجاد نوع من أنواع الارتباط الوثيق والدائب معها….
هذا الارتباط يصلح لإشباع الاستلهامات والمواقف والأفكار التي يحتاج إليها العاملون ممن تكون تصرفاتهم وردود أفعالهم بطبيعتها ترتبط بالمفهوم الذي يتضمنه التعريف الأصلي للحركة الإسلامية.
هل يجب علينا أن نحاول تغيير الموقف فيما يتعلق بالحركات الوطنية أو المحلية كما هي عليه الآن؟ .. لا أظن ذلك ولو جزئيا … ففصم عرى هذه الارتباطات وما تعلق بها من نشاطات يعتبرا أمرا غير طبيعي وغير واقعي وضار.. فهذه الارتباطات توجد جذورها الطبيعية في التقدم التاريخي لكل من التنظيمات والأفراد.
وفضلا عن ذلك – وعلى المستوى الدولي – فتقوية الحركات المحلية أو الوطنية تعتبر جزءا لا يتجزأ من التخطيط لعالمية الإسلام… والحركة في الغرب لها دور هام تقوم به في هذا المضمار الذي لا يجب إهماله.
هذه المعالجة ستستنفد الطاقات المتخزنة من المواقف والمثل العليا لدى العاملين لدى الحركة.
ولكن إذا استعملنا الحركة المحلية أو الوطنية بوصفها المحور الرئيسي للنشاطات والمصدر الوحيد لملء الفراغ في هيكل الحركة الإسلامية وتعلقها بالمفهوم المحلي فسيكون ذلم معطلا للانتاج وربما ضارا به على المدى البعيد.. وبدون أن نضع لأنفسنا هدفا نهائيا يجعلنا نشعر بالحركة في المسرح المحلي لا يمكننا ان نأمل في أن نحيا بنفس النشاط والحيوية والتوسع.
فإذا لم نفترض هذه الخاصية فلن نستطيع أن نأمل مسائدة الحركة المحلية أو الوطنية بصورة فعالة… وفضلا عن ذلك .. وتحت الضغوط التي تتولد عن بعد الشقة التي تفصلنا عن عالمنا المحلي .. فالمشاكل الناجمة عن البيئة المعادية هنا وتداخل الثقافات الغربية ومرور الزمن قد يترتب على كل هذا انفصام الحلقات التي تترابط في نقطة من النقاط مستقبلا …
وسيترتب على ذلك أيضا حرماننا من أقل قدر من الصبغة الثورية. وستتركنا نكمل مسيرتنا كمجرد طائفة آلت على نفسها أن تسد الاحتياجات الدينية والثقافية والتربوية للجماعة نفسها.
مراكز الأهداف الدينية والثقافية:
هل يستفاد مما سبق من الملاحظات أن الأهداف الثقافية والتربوية بما في ذلك النشاطات والمرامي جميعها غير هامة.. هذه نتيجة أخرى هامة يجب علينا بحثها بعناية لنتبين أن مثل هذه النشاطات إنما تكون جزاء هاما من البرامج في هذه الأيام.. لقد حصلوا على مركز هام ضمن المستويات المتدرجة الأهداف التي بها تقريبا ننسى الأهمية التي للحركة المحلية أو الوطنية.. ولكن تعريف الحركة كما نراه يبدو أنه ينكر عليهم مثل هذا المركز الهام.
أن نقول إنهم شئ غير هام يعتبر في حد ذاته قولا غير صحيح وغريبا … فمن البديهي أننا لن نستطيع أن نأمل في إيجاد مركز حقيقي هنا أو مركز مساند آخر خلقه إلا إذا أمكننا أن نحيا كمسلمين في هذه البيئة.
إن ما يبدو أنه ناقص ليس هو الجهود المبذولة في هذا المضمار ولكن وضعها في مجال مناسب بأن نمهد لها الأسبقية اللازمة في تدرج الأهداف.
وسيكون الأمر مأساويا إذا تحدث الحركات بشئ مجرد ومعنوي ذي أهداف غاية في السلامة على حساب إهمال الأمور الدنيوية العادية للجماعات في المجال الذي تعمل في نطاقه.
وستكون النتيجة مأساوية كذلك إذا انحصرت المتطلبات السامية للثورة الإسلامية العالمية في مجرد الإستجابة للاحتياجات الدينية والثقافية.
هذه الاحتياجات كانت تقدم دائما وبدرجات متفاوتة وبواسطة أشخاص مختلفين … ولم تكن هناك حاجه إلى بعث حركة إسلامية لمجرد سد احتياجات الجماعة.
الأسبقية المطلقة لتغيير موضوعي شامل:
بالنظر إلى مواقف الإهمال السائدة فيما يتعلق بالهدف النهائي والمظاهر المتعلقة بها والتي ناقشناها فيما سبق … فإن علينا أن نفكر ونحدد ما سيكون عليه الهدف النهائي الذي يتوجب أن نسعى إليه … هل نحتاج إلى إهماله لصعوبة تحقيقه في المفهوم المحلي؟
وهل سنعجز عن التمسك بالرؤية على ضوء مجال مختلف بواسطة التعبير عن هيكل ومخطط مغاير وربما أيضا إعادة صياغة الهدف نفسه؟.
تلك التساؤلات يجب الرد عليها.
لو رجعنا إلى نقاش سابق فلست أتردد في تقديم اقتراح بالرغم من احتمال عدم تحققه … مفاده: أن الحركة في الغرب يتعين عليها أن نؤكد مفهوم التغيير الشامل وسيادة الإسلام في المجتمعات الغربية بوصفه الهدف الأعلى ونعطي له أعلى الأسبقيات … وهذه يجب ألا تكون مجرد إجراء نظري أو أيديولوجي وإنما كل من الأسبقية المطلقة والأخذ بها يجب أن تبدو بوضوح في التخطيط والبرمجة.
ومع ذلك … ففي مواجهة الضغوط الشديدة التي ذكرناها فيما سبق والمواجهة نحو القدرة التنفيذية الحالية.. وأيضا بالنظر إلى الظواهر الجديدة والعديدة والعوامل التي نصادفها في المواقف الغربية يجب علينا أن نحاول إيجاد وسيلة لتنفيذ هيكل خارجي يختلف عن الذي نراه منفذا في العالم الإسلامي.
أي شكل يجب أن يتخذه مثل هذا الهيكل؟.
مثل هذا الهيكل يجب أن يستند إلى الاعتراف بأن الهدف الأخير للحركة الإسلامية لن يمكن تحقيقه إلا إذا قامت به المقاومة بواسطة المحليين أو الوطنيين … إذ أنهم وحدهم القادرون على تغيير المجتمع إلى مجتمع إسلامي.
إذا رغبت الحركات الإسلامية في أن تواصل الجهد لتحقيق الهدف النهائي المتداخل مع حقيقة التعريف بالحركة الإسلامية … فعليهم أن يفعلوا ذلك عن طريق إعطاء السوابق للأجيال المكونة لحركة إسلامية في وسط المحليين والوطنيين. وذلك بحمل الدعوة بينهم ولا سيما الشباب وكسب تضافرهم مع الحركة مهما كان عديدهم قليلا. حتى ولو كانو ثلاثة فهذا قد يكون كافيا للبداية.
هؤلاء المحليون الذين يستجيبون إلى نداء الحركة الإسلامية ويتضافرون لإيجاد تغيير في مجتمع إسلامي يجب عليهم تكوين منظمة مستقلة بهم … هذا الحل ” مستقل أو منفصل ” عن ” الحل المتحد أو المندمج” في منظمة. وسنتناوله بتفصيل أوسع عندما نناقش الهيكل الخارجي للمشاكل المطروحة.
ولكن حتى في هذه المرحلة يجدر بي أن أنوه بأنه طبقا لتحليلي فالمنظمة المتحدة التي تنشأ من تلاقي المحليين الوطنيين بمنظمة وافدة أكثر عددا – وهذا هو الأسلوب الأوحد في الوقت الحالي وقد لا يثمر أبدا – هذه المشاركة لن تساعد بل ستعطل التقدم لكثير من المستويات الأدبي. لأن المنظمات القائمة لن تسمح للمحليين أن يزدهروا ويتقدموا بالدعوة الإسسلامية. وعلينا أن نصل إلى تحقيق هذا الهدف المحدود بإيجاد منظمة محلية كجزء من حركة شاملة وبذلك نكون قد تقدمنا خطوة هامة .. ومن الان فصاعدا يمكننا مواصلة العمل في نفس الهدف وتوسعه مجالة بالدعوة إلى مساندة ومشاركة المنظمة المرجوة.
ولست أرى أسبابا تحول دون البدء في هذا الاتجاه ولو إلى درجة معينة … وإذا كان لبعض الطوائف مثل ” الهيركريشنا ” أن يجلبوا بعض التابعين فلم نيأس نحن.
وهناك حجم آخر لنفس النشاط للدعوة يجب أن يتحقق بإيصال رسالة الإسلام الأساسية لغير المسلم, وذلك لكسب فهمه الحقيقي للإسلام الذي يوصلنا إلى الميل الصادق إليه, ويعقبه قبول القيم والمفاهيم التي يبشر بها الإسلام حتى ولو بقى غير مسلم.
… وبذلك لن نكون من العاملين على تحويلهم إلى مسلمين بعكس الجماعات السابقة … ولكننا سنحاول أن نجعلهم يفهمون ويقبلون القيم الإسلامية وإن تعذر ذلك بالنسبة للشكل.
وتحقيقا لهذا الغرض فسنحتاج إلى أمرين:
أولا: يجب علينا أن نقوم بتعديل جذري في سيكولوجيتنا ومواقفنا من الدعوة فيما بين ” غير المسلمين ” وذلك بالموافقه على قبول الاقتراح باعتبار كل غير مسلم هو في الواقع مسلم محتمل.
ثانيا: يجب علينا استنباط طريقة جديدة لمعالجة الدعوة مستندة إلى الأنموذج القرآني ” قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد ألا الله ولا يشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ”
مكاسب الدعوة فيما بين المحليين بوصفها أسمي الأهداف
إن استهداف خلق منظمة للمحليين كجزء رئيسي من الحركة يسضيف أبعادا هامة وجديدة لجهودنا في الغرب:
اولا : سيساعدنا ذلك في ترجمة مفاهيمنا للحركة بعبارات ذات معنى واقعي داخل نطاق المجتمع الذي نحيا فيه.
ثانيا: سيفتح لنا ذلك طرقا لا حصر لها لجهود أفرادنا.
ثالثا: سيمدنا بنقطة ارتكاز جديدة لتجميع طوائفنا ولا سيما الشباب منهم.
وأخيرا: وهذا غاية في الأهمية – سيضفي قوة جديدة دفعية وحيوية على كل جهودنا الحالية ويحولها من مجرد ” نظرة داخلية ” للجهد إلى ” نظرة خارجية ” للعمل. ومن النظر إلى مصالحنا الذاتية وحدها إلى النظر إلى الاهتمام بالآخرين وسائر المجتمعات ككل. ومن التقوقع داخليا إلى خلق علاقة صحية تستهدف العالم الخارجي.
وإني أود أن أركز على عبارتي: ” الجهد الداخلي والخارجي ” إذ سيكون ذلك هاما في مواقع أخرى وليس فقط مواقع غربية.
الأهداف والمرامي نوعان: واحد منهما يتكون من تلك التي تتعلق باحتياجات وتطلعات شخص أو جماعة ويمكن التعبير عنها بأنها ” النظرة إلى الداخل ” … وأما النوع الآخر فهو ذلك الذي يتعلق بالأماني والرؤى المتعلقة أساسا بالعالم الخارجي وهي التي يمكن أن تسمى ” النظرة إلى الخارج”.
فهذه ” الصيانة والمحافظة ” و “النقل ” تعتبران ” داخلتين الاتجاه” بينما المختلطتين والمسيطرتين تعتبران ” خارجيتي الاتجاه ”
ومهمة التدريب والتنظيم يمكن أن تنسب إلى أي منهما وفقا للنهاية والنظرة الشمولية التي تتعلق بها. إن طبيعة الحركة الإسلامية ترتكز على النظرة ذات الاتجاهات الخارجية في تحقيق أهدافها ومراميها .. وهذا واضح بكل جلاء في آيات متعددة من القرآن الكريم ولا سيما الآية الكريمة ” كنتم خير أمة أخرجت للناس” ( آل عمران 3: 110).
” النظرة الداخلية ” وهي جزء من نظام أهداف الأمة ومراميها تبدو أنها متعلقة بالفرد أكثر من تعلقها بالجماعة التي تنتمي إليها.
وعلى سبيل المثال فالبحث عن مرضاة الله وعن النجاح في الآخرة يبدو أنهما المسئولية الأولى للفرد إذ أن القرآن الكريم قد ذكر دائما أن كل امرئ مسئول أمام الله عن نفسه … وجميع الأهداف الاجتماعية الأخرى سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة إنما تتجه نحو تنفيذ وظيفة المجتمع الإنساني.
فإذا كانت حركة كالحركة الإسلامية تدفع ” بالنظرة الخارجية ” نحو أهداف في أسفل الدرج أو تهملها كلية وتتجه نحو ” النظرة الداخلية ” ومدها فمعني هذا أنها ستبدأ في فقدان حيوتها وطبيعتها التوسعية … فالحركات الموجهة نحو أهداف داخلية من الممكن أن تحيا وتعيش ولكن يستحيل عليها أن تأمل في التوسع والحيوية.
ولنبتعد قليلا عن مجالنا … فالدعوة يجب أن تكون حاجة النشاط الأول والأسبق على كافة المستويات وفي كل الظروف.
وعندما يلقي بهذا الهدف إلى مستوى ضئيل أو منخفض أو يهمل كلية فإن الحركة ستصاب بالعديد من العلل كالركود والأنانية والمجادلات العقيمة والخلافات.
ومن المهم أيضا هنا أن نذكر بالنسبة للموقف في الغرب, أن المعنى الكبير لكلمة ” يقدم إلى البشرية” إنما يتمثل في الهيكل الذي وضع أساسه القرآن الكريم للأمة … وهذا يعتبر من المعاني التي ننظر إليها مؤخرا عندما تحدد الحركة فعلا إسباقياتها وتقرر برامجها.
الدراسة المتأنية لكل هذه العوامل يجب أن تبرر التقرير بأن تبني الدعوة بين المحليين يعتبر في صدر المهام الواجب العمل على تحقيقها. فهي ليست فقط مفهوما ضروريا ومنطقيا للحركة بل ستضفى عليها الحيوية وقدرا جديدا من الصحة وذلك بتحويل مفهومها من الاستغراق الداخلي إلى فائدة عميقة تعم كل المحيطين بها.
أهداف أخرى: حركة إسلامية عالمية:
كجزء من الهدف النهائي للحركة الإسلامية أن نغير المجتمع إلى مجتمع مشكل تشكيلا إسلاميا يستوجب تحقيق أهداف أخرى على ثلاث مستويات للعمل تتصل بالحركة الإسلامية العالمية:
1- مساندة وتقوية الحركة ” الداخلية أو الوطنية أو المحلية ”
2- تنمية حركة إسلامية دولية.
3- تأييد ومساندة كل الحركات في جميع البلدان ولا سيما الإسلامية منها.
إن أهمية الارتباطات مع الحركات المحلية أو الوطنية عن طريق الاشتراك العاطفي والمادي يمكن في مواجهة المتطلبات والتطلعات للطبقة العاملة والاحتياجات الملحة لعالمنا الذي يتضاءل حجمه يوما بعد يوم .. ولكن ما هو بالغ الخطر هو – وبدون الإقلال من اهميته – أن يمنح مكانا لا يقل عن الدعوة في الاهمية ويقيم حركة إسلامية طبقا للمفهوم المحلي.
إن نمو الحركة الإسلامية الدولية لا زال حلما بعيد المنال … والظروف السياسية والاجتماعية السائدة داخل البلاد الإسلامية لا تشجع على هذا النحو… ولكن أقل ما يطلب من مثل هذا النمو هو تثبيت المزيد من الاتصالات والتنظيمات .. وهذا هو السبب في أن الحركات الكائنة في الغرب والتي استتب تواجدها في هذه الأماكن لسهولة مواردها ويسرها ولأنها تتكون من أفراد من مختلف أنحاء العالم, قادرة على أن تلعب دورا مفيدأ له قيمة ووزنه.
كل جماعة إسلامية في الغرب تشعر بميل أشد نحو البلد الذي نشأت فيه … ولكن الرباط الإسلامي يجب أن يبقى دون أن يمحو أو يمنع هذه المفاضلة… فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء …وعملا بهذه المبادئ لا تستطيع أي جماعة أن تهمل مسئوليتها نحو باقي المسلمين في أي بقعه من بقاع العالم.
الجماعا المهاجرة:
هناك هدف آخر هام متصل بالجماعات المسلمة المهاجرة .. هو أن المرء مسلما, وذلك يتطلب احتياجات إسلامية واجتماعية يكون لها القدر المعلي في الحركة الإسلامية.
وبالرغم من أن الحركة بمعناها الحقيقي لا يمكنها أن تنمو فعلا دون مساندة ” المحليين ” فالجماعات المهاجرة يمكنها أن تقدم المنطلق العملي لجلبهم وتوحيدهم وإيجاد قدر معقول من المؤازرة لهم.
وكذلك فعليهم أن يقوموا بدرو هام لتقوية الكفاح الثوري الإسلامي في موطنهم.
إن المهام التي يجب العمل من أجلها هي أن ننشر الدعوة فيهم .. أن نمتصهم كجزء من الحركة وأن ننظنهم كجماعات ونسد احتياجاتهم من الثقافة الدينية والتربوية.
وليس هناك أي تناقض فيما ذكر … ولكن … بمراجعة الموقف الحاضر مراجعة دقيقة يتبين لنا:
أولا: من الناحية العملية أن الدعوة قد أهملت إهمالا تاما على وجه التقريب فقليل من الجهد يبذل والتجنيد لها يكاد يكون مهملا.
ثانيا: فمهمة تنظيمهم كجماعات إسلامية بالمعنى الواسع وكذلك العناية بمشاكلهم وأمانيهم بواسطة نظام داخلي وسياسي يكاد أيضا يتعذر الإحساس به حتى بوصفه مسئولية ملقاة على العاتق أو بالأقل فإننا لا نشترك فيها إذا كانت ستنتهي إلى أي مكان وعلى أي مستوى.
هذا الهدف له أهمية كبرى وربما سيكون له السبق في حينه على سواء من الأهداف الأكثر إلحاحا, كما هو الحال بالنسبة لإنشاء أحد المساجد قبل أن تتصح الحاجة إلى تأدية الصلاة الواجبة.
ومع ذلك … في نظري … لا يصح أن نعتبرها هدفا نهائيا بذاتها باستثناء الدور الذي تقوم به الدعوة… وترتيبا على ذلك يجب أن ننظر إليها كوسيلة لاكغاية .. المعالجة يجب ان تكون بوضع كافة الجهود كوسيلة للوصول إلى الهدف النهائي والمرمى المقصود … لقد اعتبر كهدف فقط للاهمية التي يستأهلها في مجال تخطيطنا واستعمالاتنا لمصادر الدخل.
الحفاظ على الارتباطات السابقة:
لست أضع – عن قصد – من هذه الأهداف واجب الحفاظ على الولاء والارتباط الذي يشعر به من كانوا متحالفين مع الحركة قبل الحضور إلى هنا… ذلك انه.
اولا: سيتم تلقائيا أداء هذا الواجب إذا أعدنا تنظيم أهدافنا وأولوياتنا كما بيناها هنا ووضعنا برامجنا ومخططاتنا لتعكس نفس الصورة.
يجب الاعتراف بأن هذه الارتباطات يمكن الحفاظ عليها بصورة أوفق بنغس الكيفية التي استعملت في إيجادها … كيفية الارتباط بالصور المتغيرة وخلق عالم جديد وألا كان هذا العمل عملا مضنيا غير منتج وغير مجد.
ثانيا: إذا تم الأخذ بهذه المهمة كواحد من الأهداف الرئيسية فيتعين إبداء اهتمام أكبر وفريد من مصادر الدخل غير المرغوب فيها نظرا لبعض الانحرافات التي تداخلت منذ الآن.
أسبقيات:
وضع أسبقيات مناسبة لمنظمات ذات أغراض اجتماعية متعددة لهو عمل مهم للغاية … فأهداف الحركة الإسلامية في الغرب في الوقت الذي تتمسك فيه بالمرمى النهائي – حتى أخذا بالمفهوم المحلي – يمكن ترتيبه وفقا للأسبقيات التالية:
1- تكوين ومساندة حركة إسلامية بين المحليين والوطنيين وذلك بإعطاء الدعوة أقصى الأسبقيات بالنسبة لهم وإنشاء منظمة خاصة بهم لهذا الغرض.
2- مساندة وتقوية الحركات الإسلامية المحلية الوطنية.
3- نشر الدعوة بين المسلمين المهاجرين لتنظيمهم وذلك كجزء من الحركة وجماعة مستوطنة استيطانا عريقا ولملاء حاجتهم من الثقافة والتربية الإسلامية.
4- أن نخطو نحو تنمية حركة إسلامية دولية.
5- أن نمد المساعدة إلى الحركات في جميع البلاد ولا سيما الإسلامية .
ويجب استمرار النظر إلى أن الأسبقيات منها نوعان: الأولى هي أسبقية الأهمية والثانية هي أسبقية الغرس والتأصيل … وما دام النظام بأكمله لم ينحرف عن هدفه في المدى البعيد وما دام الاستثناء لم يصبح هو السمات الغالبة فإن المستطاع أن يكون الهدف ذا أسبقة ضئيلة وأن يصبح له الحق في الأسبقية في طلب الحصول على موارد … ولكن علينا أن نكون جد حريصين بصدد موقف توجد به ثغرات كبيرة بين ما ندرسه وننادي به وبوصفه من أهدافنا وترتيبنا للأسبقيات وما نفعله حقيقة وكيفية استعمالنا لمواردنا … ولقد وضعنا أكثر من مجموعتين من الأهداف والأسبقيات .. تلك التي نعترف بها كتابه ونقدم لها خدمات كلامية فقط وتلك التي تعمل فعلا … وينعكس ذلك على مواقفنا وبرامجنا ومواردنا منها … فإذا وجدت ظروف كهذه وسمح لها بالبقاء فأي محاولة لتحديد أهدافها ومراميها وبيان أسبقياتها لن تكون لها أي معنى ولا أي جدوى عملية .. وإلا فالعمل بالكامل سيكون له آثار بعيدة خلال الحركة هنا وطبيعة نشاطاتنا.
الخرائط والخطط :
إذا أعطينا مجموعة من الأهداف والمرامي ورتبنا الأولويات فيما بينها … فالمخطط يشتمل على: (أ) تقييم الموقف الحالي واحتياجاته بالإضافة إلى (ب) التنبؤ بالنتيجة المستقبلية, والاحتياجات الداخلية والخارجية و (ج) تقسيم خطة عمل تتلاءم بل وتجابه كافة التحديات والرغبات المنبقثة قي أي وقت معين أو تتجه في أقوى تقدم نحو الهدف … وليس من المستطاع هنا أن نركن إلى تقييم مفصل أو إلى التخمين بالموقف الحالي والمتطلبات المستقبلية, ولكن خطوط خارجية واسعة للعمل والأسبقية يبدو أنه واجب مهم … فالموقف الحالي – إلى حد ما – قد تم بحثه وذلك سيفيد كأنموذج.
والتقييم المذكور سينعكس على ما سيقترح بوصفه تخطيط مرغوب فيه وعملي على كل حال فالمخطط يجب أن يتساوى مع فيصل التفرقة المؤمل والمقترح والمطابق للأهداف والأسبقيات المحددة فيما سبق.
قد لا يكون من المستطاع دائما الإبقاء على الخطوط التي توضح الفارق بين الأهداف والتخطيط .. العديد من المرامي والأهداف ذات المستوى المنخفض أو تلك لا تفيد سوى ” الوسيلة ” لتحقيق أهداف أخرى .. قد تجد مكانها تحت ظل التخطيط … ومن العسير أيضا مناقشة التخطيط بالنسبة لكل هدف , مستقلا عن سواه. ذلك أن حركة واحدة تؤدي إلى استكمال واحد أو أكثر من الأهداف … لذلك فإن كافة العناصر المتعلقة باستراتيجية مرغوب فيها يصير مناقشتها في مجملها … بعضها تعتبر معروفة معرفة تامة بل ومعمول بها … ولذلك أيضا فهي لم تدخل ضمن النطاق المحدد … ومزيد من الاهتمام قد أعطى لما كان يظن أنه قد أهمل ويحتاج إلى أسبقية أعلى واهتمام أكبر.
مصنفات أدبية:
في الوسط الغربي وفي هذه الظروف من التقدم لحركتنا يجب اعتبار أن توفير المصنفات الأدبية المناسبة وطرق الدعاية الإسلامية الأخرى من أهم العناصر الأساسية لخططنا .. وهذه يجب أن توضع في المقدمة لا لأنها الأهم بل الأكثر أهمية … فهناك من المؤكد طرق أخرى أكثر فاعلية وأهمية بالنسبة لللدعوة من المصنفات الأخرى … ولكن بالنسبة للدور الذي تقوم به في عالمنا المعاصر يجب أن يكون لها أهمية أكبر من تلك التي لسواها من عناصر التخطيط والاستراتيجية … مثال ذلك:
1- اتصال المسلمين بغير المسلمين.
2- جعل المسلمين أكثر فهما للإسلام.
3- الوصول إلى صفوة المثقفين ثقافة عالية من المسلمين.
4- توفير التربية الإسلامية للأطفال.
5- تدريب العمال على الحركة الإسلامية … فالكتاب وحده لا يمكنه بحال من الأحوال أن يصبح بديلا عن الإنسان ومع ذلك فالكتب هامة جدا في هذا الخصوص ولذلك فإن المجالات الآتية تحتاج إلى عناية خاصة.
مصنفات أدبية خاصة بغير المسلمين:
قد لايكون من المغالى فيه ان يقال أننا لا نحتكم على كتب واحد يمكن أن يدعى بأنه كتب مستهدفا حاجه غير المسلم عقلا وروحا … فجميع مؤلفاتنا لها فائدة محدودة فهى تعني بالجمهور المسلم فقط وهو جمهور بالغ الحساسية … وهي فضلا عن ذلك تعالج حقائق ثابته ومستويات مقبولة من المسلمين قد لا يكون لها قيمة بالنسبة لغير المسلمين … فالخلفية الثقافية الغربية والإحساسات الخاصة بالغربيين غير مأخوذة في الحسبان كما يجب …. فكل ماوجه إلى غير المسلم من الكتابات كان في الغالب في صورة تعنيف ومهاجمة ودفاع وجزء كبير منه قد اتخذ مظهر رد الهجوم … وهذه كلها لا يمكن اعتبارها استراتيجية مناسبة للاتصال لتحقيق أهم هدف تتولد عنه حركة إسلامية فيما بين المحليين أو الوطنيين. فمثل هذه المؤلفات وغيرها من وسائل الدعاية يجب أن تجهز بما يتناسب وجمهور غير المسلمين ولا سيما الشباب منهم وذلك للتغلب على انتمائهم واكتسابهم للحركة الإسلامية أو بالأقل اكتساب عطفهم وفهمهم لها … ويجب في هذه الحالة أن نقدر موقفهم السابق وجوده ومعلوماتهم كذلك.
مصنفات أدبية للخاصة:
المطلب الهام التالي هو تنمية العناصر المناسبة للوصول بها إلى الخاصة من الأفراد في الغرب كالصحفيين والسياسيين والأكادميين والكتاب الذين يقام لآرائهم ومواقفهم عادة وزن عميق.
مصنفات الأطفال:
المجال الثالث الهام هو الكتابة للأطفال المسلمين والشباب … وهو أمر نادر للغاية ولكنه مطلوب بكل إلحاح … وذلك سيسد أحد الاحتياجات الكبرى للمجتمعات الإسلامية المقيمة في الغرب وفي سواه من الأماكن … وذلك – بصورة غير مباشرة – يساعد على الوصول إلى الأهداف الثلاثه الأول السابق بيانها.
الدعوة بين غير المسلمين:
(أ) معالجة جديدة :
إن المعالجة الحالية ومشتملات الدعوة تحتاج إلى إعادة تقييمها – إذا أمكن – إعادة صياغتها لنكتسب فهم وقبول جزء كبير من الأهالي المحليين للإسلام … فعلينا ألا نشوه بأي طريقة من الطرق صورة الإسلام … كما أنه لامجال لطلب الصفح أو التصالح لمجرد استحلاب رضاء الناس .. ولكن .. أي درجة من اللين واتساع الأفق يسمح به الإسلام في العالجة والشرح والترتيب والأسبقية يجب الأخذ بها دون تردد.
ذلك يمكن أن يثير تساؤلات عديدة يجب الرد عليها أو بالأقل مناقشتها..
مثال ذلك: هل يمكن أن يكون هناك ثمة شرح موسع لمفهوم الإسلام؟… هل من المستطاع أن نضع في المقدمة مثل هذه القيم بوصفها عالمية القبول, متبوعة بتلك القيم الإنسانية التي شرحت بصورة موسعة في الإسلام ثم بعد ذلك ندعو إلى التوحيد.
الإسلام يجب أن ينتشر على أنه كنز يتعين مشاركة الكاغة فيه سواء في ذلك المسلمون وغير المسلمين وليس أنه ملكية خاصة بالمسلمين دون غيرهم … كل هذه التساؤلات تحتاج إلى تفكير أعمق … ومع ذلك فالحاجه إلى البحث لتحسين المعالجة بصورة مستمرة لا يمكن تجاهلها.
(ب) مضمون الدعوة:
هناك أدلة عديدة في القرآن الكريم على أن مضمون الدعوة ذاته كان يعبر عنه دائما وقد روعيت بصفة خاصة احتياجات المستقبلين والمستمعين له …
وكان يبدو أن المضمون كما هو معروض في الواقع الغربية سواء للمحليين أو للمهاجرين يجب مراجعته وصياغته ليناسب ظروفهم ماديا وشرحا وطريقة ولغة… وربما لا نخدم غرضا مفيدا إذا استعملنا نفس الألفاظ في كل الظروف أو المناسبات.
مثال ذلك: ان التنفيذ الحالي للهدف الأسمي في مجال غير إسلامي يستوجب تدبير أمره بصياغة الدعوة… فمثلا الظمأ النفسي وفراغ الحياة اللذان يجب ملؤهما يبدوان أكثر وضوحا في الظروف الغربية نظرا لسيطرة التكنولوجيا الحديثة والمادية … إن التوضيح الموسع لنظام معين يجب إعادة بحثه على ضوء الاستجابة الظاهرية للنظام القائم, وعلى مدى الإحساس بالرضا أو عدمه السائد معه.
(ج) الشباب المحلي:
هناك أعداد كثيرة من الجماعات الشبابيه ولا سيما في المدارس الابتدائية والثانوية والعديد من المدرسين مستعدون جميعا لمعرفة المزيد عن الإسلام… فمن المهم إذن أن نركز أولا على تنمية آداب ملائمة لتقديم الإسلام بطريقة توصله إلى قلوبهم وعقولهم ثم التنقيب عن مسالك أخرى للتأثير عليهم … بجانب تحضير المؤلفات المناسبة فالبحث أيضا واجب لإيجاد وسائل تقرب فاعليته بما في ذلك الأدوات الوسيطة مثل المصادر السمعية والبصرية… كما تجب دراسة احتمال استعمال المذياع والتليفزيون.
(د) الاتصال الاجتماعي:
يعيش المهاجرون عادة حياة منعزلة واتصالاتهم الاجتماعية مقصورة على جماعاتهم… ولكن الذين ينتمون إلى الحركة الإسلامية يجب عليهم أن يوسعوا عن قصد دائرة معارفهم وعلاقاتهم لتشمل الأهالي المحليين على كافة المستويات في الفصول الدراسية والمصانع والجيران.
(3) إعانة الحركات الوطنية:
إن استراتيجية إعانة وتقوية الحركات وعلى الأخص في الأوطان ” الإسلامية ” وعلى الأعم في كافة البلاد يجب أن تراعى توسعة ونقل التوضيح الموسع من مجرد جمع الأموال وتنظيم التظاهرات للتعبير عن التأييد في أوقات الأزمات لتشمل مجالات أكثر أهمية وفائدة.
التأثير على الخاصة من الغربيين:
هناك قطاعات من الخاصة في الغرب لها مواقف وأفعال يمكن أن تؤثر عميقا على مواقف وأفعال المسلمين في بلادهم .. ومع أن الواجب أن تبذل كل المحاولات لتغيير هذا النمط من التصرف .. إذ لماذا يصدق الناس محطة الإذعة البريطانية مثلا ويسروا لأى نوع من الكلمات الرقيقة المتعلقة بالإسلام تظهر إحدى أدوات الدعاية الغربية .. وما دام هذا حالهم فالخاصة من المثقفين الغربيين يشكلون عنصرا هاما من عناصر التنفيذ وتحديد النتائج في الصراع الجاري بين الحركات الوطنية أو المحلية أو الأهلية…
والصحفيون أو الكتاب أو الزعماء السياسيون يأتون في مقدمة الجميع … يجب ان نجد نموذجا للتنظيم والتأثير عليهم ثم يجب بذل جهود متأنية وتوجيهها هذه الوجهة نحوهم للتأثير فيهم.
(4) الشباب المهاجر:
الشباب المهاجر الذي نشأ وتربى في الغرب وتعرض بصورة مباشرة لمؤثرات ثقافية غربية عليه عن طريق الوسائط المختلفة كالجماعات من الناس والمدراس فكلاهما قوة تتحدى وتهدد الحركة الإسلامية … ومع الأسف فقليل جدا من الأهتمام قد أولي لمشاكلهم رغم ضخامتها في التأثير عليهم.
والاحتياجات بعيدة المدى للحركة في مجال الرئاسة والعمل الأكاديمي يمكن مواجهتها بسهولة إذا أمكن إعطاء الشباب المهاجر اللامع والمثقف ثقافة محلية أهمية استراتيجية خاصة… نظام خاص يمكن أن نضعه للدخول إلى مشاكلهم وترتيب وسائل للتقرب جديدة ومصممة من أجلهم ومن أجل تنميتهم وتدريبهم لمواجهة الواجب الذي سيقابلهم … وبالمثل يجب وضع مخطط ثقافي وتربوي وسياسي لمساعدة الشباب على مواجهة مجال له ثقافة غريبة عدوانية وبذا يتم إنقاذهم من آثاره الضارة كما هو مرجو.
(5) الطلبة المسلمون الأجانب:
يجب إعطاء أسبقية عالية للعمل بين الطلبة المسلمين المتغربين الذين يحضرون جماعات إلى الغرب للاستزادة من الثقافة العالية … هذا المظهر من الاستراتيجية مهم للغاية لتقوية الحركة في الغرب ولمد البلاد الإسلامية والحركات الوطنية أو المحلية بنخبة من الصفوة الموجهة توجيها ايديولوجيا سليما … وليس من العسير تصور مدى الكسب الذي ستثرى به الحركات في بعض البلاد حيث يتحمل أن يرقى كل طالب إلى بعض المراكز الهامة ذات القوة والتاثير العالي.
احتياجات الجماعة:
مشاكل الجماعة:
تواجه الجماعات الإسلامية في الغرب عدة مشاكل هامة في مختلف القطاعات : المركز القانوني والهجرة والعلاقات النوعية والثقافية والعمل والشخصية الثقافية … الخ الخ ويجب أن نبدأ في إيجاد الحلول الاجتماعية والسياسية لهذه المسائل.
تنظيمات الجماعة:
يجب إنشاء تنظيمات جماعية موسعة حيث يوجد أشخاص ينتمون إلى الحركة الإسلامية لهم قوة التأثير والخلق … والمشاركة في كل النشاطات الجماعية أمر مهم كذلك.
مراكز دينية وثقافية:
يجب الاستمرار في إنشاء مراكز منظمة تنظيما دقيقا للأغراض الدينية والثقافية كما هو الحال الآن …ولكن الإتجاه يجب أن يكون صوب النبايات البسيطة ذات الطابع التقشفي … فالمباني الفخمة المفروشة فرشا فاخرا قد استنفدت موارد كبيرة ولم تعد بربح يعتد به.
الثقافة الإسلامية:
إن التثقيف الإسلامي للأطفال المسلمين واجب له أهمية قصوى ويجب الوصول إليه من عدة نواح: كإيجاد منتديات أهلية وتوفير الكتب المناسبة ومدراس صباحية و مسائية ومنازل للإيوء … تلك هي بعض المتطلبات .. والمدارس المستقلة بعضها عن بعض ليست بذات أهمية ولكنها قد تكون ذات فائدة … وكذلك فالجهود المبذولة لتوفير الثقافة الإسلامية في المؤسسات يجب تقويتها ونشرها وتوسيع نشاطها.
تنظيم الحركات فيما بينها:
تبادل المعلومات وتنظيم التفكير والتخطيط والعمل فيما بين الحركات الإسلامية في مختلف بقاع العالم قد يكون أكثر نجاحا في الغرب.
استخدام الموارد:
ناحية أخرى هامة من الاستراتيجية هى وضع فيصل تفرقة ونظام يحدد الاستعمال الصحيح لمواردنا وتقييمها.
هذه الموارد هي: الكفاءات والزمن والمال.
وهناك فائض قليل من هذه الموارد إذا قيست بالمتطلبات العديدة والاحتياجات والاستعمالات التي تتناحر فيما بينها لتستحوذ على بعضها… فإذا لم نجد طرقا لاستعمالها على أحسن وأنفع وجه .. وإذا لم يوجد نظام آن لتقييم هذا الاستعمال الآن ووضع الأسبقيات للاستعمالات المقبلة فهناك خطر كبير من إضاعة موارد هي بطبيعتها موارد ضئيلة.
طريقة واحدة مفيدة لقياس الفائدة التي تعود من استعمالات بديلة سواء كانت بشرية أو مالية يمكن تحديدها وفقا لأسبقية معينة وذلك قبل إعدادها للاستعمال الحالي.
عندما يصبح مورد معين متاح للاستعمال, وحيدا ومحددا, فإنه لا يصبح موردا.
.. ولكن حتى في هذه الحالة يجب علينا أن نتدبر ما إذا كان هذا الإستعمال قد تضاءل إلى أن وصل إلى غرض واحد بسبب تفكيرنا وتصورنا المسبق أو بسبب موقف صاحب مصادر الدخل؟.
وقد لايكون من السهل تنفيذ ذلك… فعادة ما يصبح من العسير التخلص من الاستعمال القائم للموارد. أو أن نشرع في بداية أساسية من منطلق مقبول للاستعمال. أو في تجنيد موارد بفكر متفتح من حيث استعمالاتها مفاده أن نصبح متورطين عاطفيا وماديا مع أطر وهياكل قائمة وموجودة.
ولنضرب مثلا: فلنفترض أننا ملزمون بإنفاق مائة ألف من الجنيهات الاسترلينية لإنشاء مركز في المملكة المتحدة لخدمة المتطلبات الدينية والثقافية للجماعة… فإذا كان هذا المركز لازما أساسا وبدونه لاتقوم الجماعه بوصفها عنصرا حيويا للحركة في الغرب أو إذا كان مصدر الموارد قد حدد بدقة إنفاق موارده على هذا العمل بالذات وكنا واثقين انه ليس بالمستطاع تعديل وجه الإنفاق هذا … فعلى ذلك – وبكل المعايير – فهو مورد مخصص لإنفاق محدد واحد وليس هناك بديل عن ذلك .. ولكن مع ذلك يجب علينا أن نبين ما إذا كان هذا المورد يمكن استعماله في ناحية أخرى وعلينا تقييم ذلك على ضوء المستعمل منها وأرباحها العائدة منه …فلنقل ماذا سيكون عليه قدر الربح لو استعملنا نفس المبلغ في بلد إسلامي لتمويل عشرين مركزا لمدة خمس سنوات وبذا نقوى الحركة هناك؟ّ! أي الهدفين له الأسبقية؟ّ! .. ما يجب علينا أن نستهدفه هو قدرتنا على تبرير استعمال أي مورد وفقا لأسبقياتنا قبل البدء في ذلك.. لا يمكن رسم خط سير صلب لذلك وسيصبح من الضروري التحلي ببعد النظر .. فمن المحتمل أن تنشأ ظروف تحتم استعمالا معينا في الغرب نبدو أنها ندر أرباحا قليلة الآن ولكنها مع الوقت قد تخلق موارد أكبر للحركة ” المحلية أو الوطنية ” وعلى ذلك فالاستعمالات ذات الأسبقية الضئيلة قد يكون لها ما يبررها أحيانا إذا قيست بالأرباح ذات الأسبقية العالية .. ونفس الطريقة يمكن تطبيقها على الموارد الإنسانية.
الهيكل والمنظمة :
( الأهمية والصعوبات)
المجال الثاني الذي يستوجب تقديرنا وقد لا يكون أقل أهمية من سواه هو ذلك الذي يتعلق بالهيكل الشكلي والمبادئ المناسبة التى تتوازن مع الأهداف والمخططات المؤدية إلى الوصول به إلى هدفه في المحيط الغربي .. وهذه النتيجة حيوية بالنسبة لكل كفاح منظم .. ذلك أنه إذا لم يتقابل الهيكل الإجمالي مع المواصفات المرغوبة ثم يتكون من ذلك مظهر يرجي أن يؤدي إلى أحسن النتائج فالأهداف عالية المستوى ستصبح مجرد كليشيهات لا قيمة لها.
هذا مجال صعب أيضا .. فكل واحد منا يعتبر حلقة اتصال في بنيان قائم بمكان ما مشترك معنا عاطفيا وماديا .. فتلك الهياكل التي أصبحنا جزاء لا يتجزاء منها قد شكلناها بأنفسنا حتى أصبحت إلى حد ما صورة طبق الأصل لما كنا شركاء فيه في وطننا وبهذا يوجد أيضا رباط سيكولوجي . وأي نقد أو أي اقتراح بتغيير قد يمس مشاعرنا ويثير التمرد أو يصبح عسير القبول .. في حين أن الاتفاق على تغيير الأهداف يختصر ذلك إلى حد اعتباره مجرد رغبة إيمانية. وتغييرا من النمط السائد في منطقة الهيكل النباتي – إذا اتفق على أنه معقول – يمكن أن يصبح قابلا للتطبيق فيما بعد.
وهذا ايضا صعب بمعنى أن تنمية هيكل مناسب يعتبر عملا متشعبا إن المبادئ العامة من السهل النطق بها ولكن إعادة تشكيلها إلى خطوط وكليات متصلة فيما بينها تدار كوحدة واحدة للوصول إلى الأهداف, والسير بها نحو النجاح في ظروف تتعدد متغيراتها في داخل او وسط المجال. يقتضي بعد نظر وشجاعة كبيرة للمغامرة داخل المجهول.
هيكل متعدد التنظيم
إن النتيجة الأولى التي يجب التوصل إليها هي معرفة ما إذا كان يجب أن يكون مفردا أو متعدد التنظيم … نحن معتادون على التنظيم المنفرد .. فالله واحد والأمة واحدة .. فكيف يكون هناك أكثر من منظمة واحدة؟ هل ستنقسم صفوف المسلمين وتتعدد؟ وعلى أي صورة يكون هذا؟ فمن البديهي ألا يكون هناك شك في أن ينظم العاملون المسلمون أساسا لغويا أو جغرافيا أو عنصريا .. مجرد الفكرة تعتبرا أمرا مخيفا.
ومع ذلك فهذا هو منطق الظرف الخاص في الغرب على الأقل .. ولست أرى أن هناك بديلا سوى هيكل متعدد التنظيم في الوقت الحاضر, سواء أفقيا أم رأسيا بوصفة الأكثر توصيلا للمصحلة والأهداف لمدة طويلة قادمة على الأقل .. التعدد قد يكون بسبب أهداف معينة ومرامي يجب السعي لتحقيقها كذلك بوصفة قائما على خطوط عنصرية وجماعية. ولست أرى مطلقا أن مثل هذا الهيكل يتعارض مطلقا مع الإسلام مع ان علينا أن تندراس كل حالة بها ولها وما عليها كما هو الحال بالنسبة لكل حل بشري, كما يجب تدبير الحماية الكافية من أي مخاطر احتمالية
وفي جميع الأحوال فما يجب التأكد منه هو:
أولا: بمجرد اكتمال مجموعة من الأهداف وبرامج للعمل ومجالات للنشاط لمنظمة معينة يجدر الالتحام بها وإلا تفقد دوافعها وأهدافها وقد تكون هامة وجذابة عاطفيا ولكنها لا تخضع لاحتياجاتها.
ثانيا: بالرغم من انقسامهم فإنهم ينمون متجانسين وفي خطوط متماثلة تقوي وتساند كل منها الأخرى بدلا من العمل بطريقة تتناطح فيها الأهداف ويزداد الشجار وربما التطابق بالرغم من أن هذا التطابق قد يكون مقبولا في بعض الأحيان.
كيف تكون مستويات الانقسام في الهيكل التنظيمي والنشاطات .. وعلى أي صورة يكون من العسير إيجاد الرد المناسب على التساؤلات؟. قد يمكننا تخيل عدد من الاحتمالات بعضها جامد وبعضها الآخر قابل للتعديل.
الهيكل الرأسي:
يجب أن يكون هناك ثلاث مستويات أفقية للمنظمة فيما يتعلق بالأهداف الأساسية . وأحد تلك المستويات يجب أن يكون الدعوة والتربية ( تدريب )والتنظيم منذ البداية بين المهاجرين أو الموطنيين.
وثاني تلك المستويات تكون حيث تنظيم المؤسسات من المستوى الأول او تتحد أو تتداخل لتقوم بنشاطات أوسع مدى … ومن المستحسن أن ينشر الإسلام على المستوى الثاني فيما بين أفراد الشعب والقيام بالنشاطات التي قد تفتح نوعا من الهيكل البنياني للحركة الإسلامية على المستوى الدولي.
وثالث المستويات تتوفر عندما تشترك الجماعات الإسلامية في جملتها وبمنسوب عال دون أن يشتمل ذلك على الكثير من الفخاخ الذهبية. وحيث تستأهل العناية بالدرجة الأولى.. في الوقت الذي تنشا المنظمات لسد الاحتياجات العامة للجماعة يجب علينا أن نشرك الجماعة برمتها إلى أقصى حد في ذلك.
الهيكل الأفقي:
هل هناك حاجه لوجود تقسيم افقي كذلك ولا سيما في المستوى الأول؟ هذا السؤال يثير أكثر من مشكلة هامة .. فماذا عن لمحليين؟ هل عليهم أن ينموا مستقلين ؟ .. ثم ماذا عن الجماعات العنصرية المختلفة الموجودة بين المسلمين المهاجرين؟
هل لكل واحدة منها الحق في أن يكون لها منظمة مستقلة خاصة بها وهل لا يجرنا هذا إلى اتجاه غير صحي؟.
في أثناء دراسة هذه النتائج فإن فيصل التفرقة يجب أن يتبين الوسيلة التي توصلنا إلى معرفة كيف يمكن إقامة منظمة قوية طويلة العمر تتمكن من الوصول إلى الأهداف المتفق عليها.. وهذه بدروها ستتحدد بثلاث عوامل هامة:
الأول: الحاجه إلى اتصالات
الثاني: مقدرة القيادات على التأثير.
الثالث: المتطلبات التي توجبها الارتباطات بالحركة ” المحلية او الوطنية ”
الاتصالات:
إيجاد مجرى للاتصالات مؤثر وسليم وغير مقيد هو أهم عناصر المنظمة وشرط لقوتها وحيويتها .. ومن البديهي أن على المنظمة التي تضطلع بمهمة تنظيم الأفراد منذ البداية أن تجد وسيلة للتفاهم عن طريق لغة مفهومة على وجه العموم, وإلا أصبح كل مجهودها غير ذى نفع أو إنتاج .. ولقد ورد في ” القرآن الكريم ” ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم)” إبراهيم 14″ ..
ولا سيما عندما تختلط مجتمعات مختلفة بعضها ببعض في حياتها.. وقد تكون الحاجه اكثر ألحاحا وإلا أخفقوا في الاستماع إذا ما خوطبوا بلسان جار لهم ولا يستطيعون فهمه.
ولكن لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية كبيرة قد يحدث ان تنظيم ندوات لا يفهم الجميع اللغة الواحدة المخاطب بها.. بالنسبة لهؤلاء فالاشتراك في قضية جماعية في حد ذاته يصبح وسيلة التوصيل وقد يثير استجابتهم. ولكن مع ذلك لن يتم في بداية الأمر حيث يجب أن تصل الرسالة أولا.
إن توفير وسائل الترجمة وحلقات لغوية منفصلة بعضها عن بعض داخل المنظمات قد لا يكون لها الفائدة المؤملة أيضا.. فالمنظمة كي تحيا وتنسجم يجب أن يكون نشاطها ومشاركتها التامة لجميع أعضائها ولا سيما فيما يتعلق بالاتصالات وصياغة القرار.
القيادة:
القيادة هي المصدر الأول للتأثير في أفراد إحدى المنظمات للقيام بهمل معين.. لهذا الغرض يجب عليها أن تستطيع ليس فقط التخاطب بنفس لغة هؤلاء كما يعرفونها عادة ولكن يجب ان يكون لها نفس نبض الجماعة ومستواها الفكري وأن تكون قادرة على الاتصال بها عن طريق آخر غير طريق اللغة وحدها .. وبالتبعية فعلى الجماعة أن تتمكن من رؤية انعكاس صورتها على صورة شخصية القائد.
الحركات المحلية:
إن متطلبات الحركة المحلية قد تضغط بدرجات متفاوتة على المنظمة … هذه المتطلبات الواردة من جهات مختلفة قد تكون هي ذاتها متباينة ومختلفة إن لم تكن متنافرة أيضا.. ورد فعل التنظيم على هذه المتطلبات تحدده في الغالب الفئة السائدة وقد تركن بثقلها إلى ناحيتها الحال.. وبالمثل فلا يمكننا أن نتوقع استجابة متجانسة لكل الظروف في أي بقعه من بقاع العالم في منظمات تتكون من أفراد مختلفين.
منظمات متعددة أفقية:
بالنظر إلى ما ذكرناه فيما سبق … لايبدو أن هناك شكا في أن المنظمات المتباعدة أفقيا والمتعلقة بجماعات تقوم على أساس حقيقي وعملي قد يكون أكثر نجاحا في تدريب واستيعاب عدد أكبر من الأفراد وكذلك في النشاط والحيوية … والاتصالات داخلينا وخارجيا ستكون أكثر فاعلية وسيكون القادة والتابعون أكثر تجانسا وأقدر على تفهم كل منهما الآخر تفهما أعمق .. لن يكون هناك فاصل من ناحية اللغة يمنع من الاشتراك في النشاط واتخاذ القرارات.. وبذا لن تتسبب مواجهة الظروف المحلية في وجود أي ضغوط.
المحليون:
وأما فيما يتعلق بالمنظمة الخاصة بالمحليين فليس ثمة شك أن من الواجب أن يكون لها كيان مستقل .. ليس فقط بالنسبة للأساس السابق ذكره ولكن بالنسبة أيضا للدور المعهود به إليها على أنه الموصل الرئيسي إلى الهدف الآخر الخاص بالحركة, وكذلك إعداد منظمة مستقلة امر واجب . فالشئ الوحيد الذي يجب أن نتجه إليه هو إعداد تنظيم معه على أساس المستويين الأولين.
الجنسيات والجمعيات ذات اللغة والعنصر الواحد:
يمكن لمنظمات متباعدة ذات جنسية وعنصر ولغة متباينة كالباكستان والبنجلاديش والعرب أن يثبتوا قدراتهم وإمكانياتهم كلما استدعى الأمر ذلك. لقد نموا وترعرعوا في كل مكان تحت ضغط الحاجه الحقيقية . بدلا من أن ينظر إليهم شذرا ونجبرهم على تكوين اتحادات غير طبيعية فالأولى أن نفكر في استعمال قدراتهم وكراهيتعم لكل ماهو ضار وغير نافع.
تنسيق :
إذا تم تكوين منظمات على المستوى الأفقي فالحاجه إلى تكوين مجمع يجمعهم ويضم مواردهم, لنشاطات مشتركة, وأن يتزايدوا في انسجام, وليس في وحدة تصبح أمرا واجبا. هذا التحالف أو الاتحاد يجب أن يكون له قاعدة عريضة ما أمكن وحيث لا يمكن تحقيق اتحاد رسمي فالتنسيق الرسمي أو غير الرسمي يمكن إقراره.
حالة للدراسة:
فلنتدارس حالة خاصة لمنظمة في بريطانيا. هي البعثه الإسلامية في المملكة المتحدة ولنبحث عن كيفية عمل هذه العناصر والتأثير على نشاطها. ان غالبية الأعضاء من الباكيستان, لغتهم ووسائل الاتصال اللغوية فيما بينهم هي الأردو. ولم تنجح في أن تتعامل مع جماعات أخرى كالبنغاليين, أو العرب ولا تأمل في أن تحتويهم فتصبح هي المنظمة الأم بالنسبة لهم. إن إعداد حلقات خاصة كالتي تعمل في البنغال, أثبتت عدم صلاحيتها وعدم قدرتها على إيجاد الحلول المناسبة فليس هناك أبدا اشتراك ملموس من البنغاليين وهم الجماعه الأكثر قابلية لمثل هذا الاشتراك فعلا.
لهذا فالبعثه الإسلامية في المملكة المتحدة يمكنها – ومعها كل الحق – أن تربط نفسها بالجماعة الباكستانية الإسلامية في بريطانيا ومتطلبات الحركة فب الباكستان… ولن يترتب على ذلك ضرر بل على العكس فقد يتحقق الخير الوفير إذا كونت حركة العمال في البنجلاديش وربما أيضا في الهند وغيرهما من البلاد منظمات مستقلة خاصة بكل واحدة منها… ومن البديهي أن تحتفظ كل واحدة بأهدافها الخاصة المتعلقة بالدعوة فيما بين المحليين أو الوطنيين بوصفها من أهم الأهداف المشتركة مع كافة المنظمات المماثلة … والمسئولية العامة للدعوة نحو الجماعات الأخرى لا يصح تنحيتها(1).
مسلمات أكاديمية:
بعض المنظمات التى تحاول الوصول إلى أهداف محددة قد تصل إلى ذلك وقد تتحقق وفقا لظروف كل واحدة منها .. وبالرغم من ذلك فمواصلة العمل الأكاديمي كالأبحاث والدراسات وتحضير المصنفات الأدبية وغيرها من وسائل نشر الدعوة الإسلامية قد يكون من الأوفق إتمامه بواسطة منظمة مستقلة.
فثمة تجربة شبه عالمية تقرر أنه تحت غطاء واحد أمكن تجميع النشاطات المتجانسة .. فهي تحتاج إلى رعاية مستمرة ومركزة ومناخ مختلف .. ففي المملكة المتحدة مثلا مهما كان حجم ما انجزته المؤسسة ضئيلا فقد تم ذلك لأنها موجودة بوصفها منظمة مستقلة ومكرسة للنشاط الأكاديمي وحده .. ولكن مثل هذه المنظمات يجب أن تمتنع بقدر المستطاع عن استعمال مواردها في نشاطات قد تقيد أو تعطل أهدافها المهمة للغاية وإن كانت محددة.
منظمات الطلبة:
هناك مجال آخر يكون فيه الهيكل المنفرد لاحدى المنظمات أمرا هاما وهو الخاص بالطلبة .. فالطلاب أفراد كثيرو التنقل .. لهم جو واحتياجات وسيكولوجيه وطبيعة مختلفة .. وقد تقوم خلافات وتعقيدات جمه على مستوى القايدة والعمل في المنظمة المختلطة وأي قيادة دائمة ستخلق نوعا من الانقسامات وعدم الرضا.
فالمهم أن نصل إلى اتفاق على المبادئ العامة فإذا ما تحقق ذلك فسيمكن تقديم اقتراحات جوهرية للتنظيم الخاص بالمؤسسات المتعددة بعد دراسة وافية للظروف الخاصة المتعلقة بها.. لذلك يجب توسعة النظرة الخارجية الشاملة بحيث تشمل جميع المنظمات الإسلامية وكذلك النشاطات في أي دولة او منطقة.
التكوين الداخلي:
بعض المعطيات عن التكوين الداخلي للمنظمات يستأهل الاهتمام أيضا ومن هذا المنطلق فأهم ما يجب الالتفات إليه هو انعدام السبب في أن يكون الهيكل صورة طبق الأصل مما تم تصوره ورسمه في بلدنا أو بالأقل صورة تقريبية منه… فنحن نعمل في مجالين مختلفين وزمانين متباعدين .. وليس هناك ما يمنع من تجربة مجالات جديدة كلما أمكن ذلك.. فالتكوين الهيكلي – بعيدا عن المبادئ العامة – إنما يصلح كوسيلة أو جدناها للوصول إلى أهداف معينة.. وبذلك يمكن تعديلها أو تغييرها إذا أمكن إيجاد شي أكثر نفعا وليس من المهم أن يكون قابلا للتغيير أو ذا شكل واحد عموما.
فالميل إلى التمسك بالأساليب التقليدية يعتبر جزاء من الطبيعة البشرية.. فهي التي تقوم بوظيفة الواقي من التغيرات الضارة أو التغيرات لمجرد إشباع التغيير أو التغيير الذي يدفع بعجلة الانحراف إلى الأمام .. ولكن في نفس الوقت فهذه الدرجة من التصلب والتقليد الأعمى تكون أيضا غير صحية وضارة إذا تعذر إيجاد صيغة تتمشى مع الظروف الحالية أو تحل محل تقاليد بالية أو الإسراع بخطى الحركة.
هناك الكثير من النتائج الهامة المتعلقة بالتكوين الداخلي تستحق الدراسة ولكننا سنكتفي بثلاثة منها في المقام :
الأولى: فيصل التفرقة للعضوية…
الثانية: القيادة…
الثالثة: العلاقات التي تنشأ داخل المنظمة وطريقة اتخاذ القرارات.
العضوية:
إن فيصل التفرقة عند قبول العضوية في حركة مذهبية أمر مهم لسببين متنافسين هما: الحاجه إلى التوسع والحاجه إلى الإبقاء على الطابع الأيديولوجي.. ان الاتجاه والرغبة ولا سيما بين هؤلاء الذين نشأوا في باكستان – بنجلاديش – الهند .
في الحد من العضوية وإيجاد عدد من المستويات للاشتراك في المنظمة … وفيصل التفرقة يصبح أكثر صلابه كلما اتجه المرء من خارج الدائرة نحو المركز…
قد تكون هناك أسباب مقبولة وصحيحة وقوية للتشدد في الاختيار … وفي الوقت الذي أنشات فيه هذه الاجراءات ربما كان ذلك جوهريا… ولكن للنتيجة أبعادا أوسع تحتاج إلى إعادة دراستها حتى بين البلاد الإسلامية.
ومن غير المستطاع أن ننأقش من خلال هذا الحيز الضيق للبحث مختلف ما للخيارات المتباينة من محاسن او مساوئ .. ولكننا ونحن ننشئ هياكل جديدة في الغرب وخاصة حيث لا توجد ظروف سياسية صارمة لدينا متسع للتجارب من خلال نظام متفتح.
فالظروف في الغرب تبدو مناسبة … وللحفاظ على المستوى الأيديولوجي والصورة يجب أن نركن إلى التدريب والتقاليد والجو المناسب والحركة الداخلية المأمونة أكثر مما نركن إلى الحواجز الهيكلية والدستورية .. على المرء أن يكون مستعدا لمواجهة بعض التضحيات … فإن ذلك يحدث حتى وسط النظم المغلقة والخاصة بالرغم من أجهزة الأمن والاستقصاء السابقة على التعيين.
إن أحسن الطرق هي أن نختار:
( أ) عضوية من درجة واحدة مفتوحة تماما
(ب) يكون لها شروط موضوعة يتعين تحقيقها للارتقاء إلى القيادة
(ج) استخدام مستوى الانتماء والنشاط لكل شخص لنتبين بصفة تلقائية مدى مساهمته في إصدار القرار وطريقة ذلك على مختلف المستويات… ولكن هذا سيكون من العسير تقبله من الكثيرين ولهذا السبب يجب دراسة بدائل أخرى… ولنرى ما هو ممكن في مختلف أنواع المنظمات.
منظمات إسلامية أولية:
درجة واحدة على الأقل يجب أن تكون مفتوحة للكافة لعضوية أحدى المنظمات الإسلامية على المستوى الأولى من الذين يردون الالتحاق على أساس قبول للمبادئ والبرامج المرسومة. ولكن ما هو هام أن يكون لهم حق الانتخاب … هذا مع كون القيادة يجب انتخابها من بين أعضاء المستويات المختارة والمحدودة … الأعضاء المستعدون للمساهمة العملية يمكن إدراجهم منفصلين كعاملين ويمكن أن ينموا كلُبَ المنظمة.
منظمات طلابية وشبابية:
في المنظمات الخاصة بالشباب والطلاب قد تكون هناك درجة واحدة للعضوية مفتوحة لكل من يرغب في الالتحاق بها, ومن بينهم يمكن انتقاء كوادر من العاملين يخضعون لفيصل تفرقة ملموس كالحضور في الاجتماعات ومنح هبات ويمكن قصر القيادات على العاملين أو على الذين كانوا عاملين لمدة معينة.
منظمات تأسيسية:
المنظماتالتي تنشأ لإدارة مؤسسات جماعية كالمساجد والمدارس والمراكز الإسلامية يجب أن تكون لها المقدرة على المشاركة الواسعة ولكن يجب أن يكون لها أيضا وقاية تحميها وتؤمن لها عدم السقوط في أيد غير أمينة… هنا يجب إدخال بعض التعديلات الدستورية.
منظمات الجماعة:
إن الحاجه إلى منظمات عامة للجماعة للقيام بأعمال سياسية واجتماعية قد سبق لنا ذكرها باستفاضة… والعضوية يجب أن تكون متاحة… ولكن الظروف الخاصة لكل عمل محدد يجب أن توضع موضع الدراسة أيضا.
محليات:
إن عضوية المنظمات المحلية التي ناقشناها فيما سبق يجب أن تكون متاحة لكل من يرغب في الالتحاق بها .. حقيقة يجب أن تظل هذه الأبواب مفتوحة للمهاجرين كذلك ولكن من المؤمل فيه أن تظل الصفات المحلية السائدة محتفظا بها عن طريق التقاليد وأسلوب النشاط.
تغيير القيادة:
هناك مخاطر مصاحبة لهيكل المنظمة الإسلامية ربما لأسباب متعلقة بفيصل التفرقة – من قيام القيادة بأعمال تتناقض مع أهداف ومصالح المنظمة … وما يجب التشديد عليه هو خلق نظم كفيلة بأن تتغير القيادة وفقا لظروف المنظمة وتغذيتها بدماء جديدة… وأكثر الوسائل فاعلية لتحقيق ذلك الهدف هو ضغط مدة البقاء في المنصب.
العمل داخل المنظمة:
هناك بعض القواعد والمبادئ تحكم النشاط الداخلي وإصدار القرارات يمكن ان تطبق على كل المنظمات والبعض الآخر ينطبق على الإسلامية منها وحدها التي تضمن العلاقات الصحية والترابط والقوة والمشاركة والتداخل الفعال في إصدار القرارات ولا يصح إهمالها إبدا .. وكثيرا ما تميل وحدة هيكلية أو أخرى – ظنا منها أنها أكثر فطنة وذكاء من سواها – إلى إهمالهم … فالخوف من الاخفاق يدفع الناس أحيانا إلى الأخذ بسياسات يتضح ضررها على المدى البعيد .. ففي جميع المؤسسات سواء كانت رسمية أم غير ذلك وسواء كانت فعالة أو تنظيمية يجب مراعاة بعض المبادئ مثل:
1- موافقة جميع وحدات الناخبين سواء في ذلك ما كانت في المرتبة الأولى أم الثانية وسواء كانت فردية أم جماعية.
2- طريقة الشورى وحق المخالفة والاحتفاظ بحدود الخلاف.
3- مواصلات مجدية وفعالة.
4- استجابة وتأديب وخضوع.
5- إمكانية الاعتماد على العضو.
6- احترام أي قرار أو منهاج تم الاتفاق عليه.
7- برامج تدريبية فعالة ومناسبة.
8- إيجاد موارد داخلية نقدية ومادية.
ولا يمكنني التركيز الكافي على إيضاح أهمية هذه المبادئ السابق ذكرها .. فالشرح قد يطول … لكني آمل – بما أنها معروفة معرفة تامة من الجميع – أن تكون موضع دراسة وافية وبذا نضفي على ظروفها الخاصة أهميتها القصوى … ولكن أود أن أذكر شيئا عن التدريب والتمويل.
التدريب:
التدريب جزء هام وأساسي في المنظمة الإسلامية.
وبرامج التدريب يجب أن تعد الأشخاص للواجب الحقيقي الذي عليهم أن يضطلعوا به قبل حركات الدعوة والجهاد… ومع ذلك فإني أجد نقصا كبيرا على وجه العموم في برامجنا من هذه الناحية ولا سيما فيما يتعلق بتلك التي تديرها بعض المنظمات الطلابية الأجنبية. إذ أنهم في الغالب يتجهون ليصبحوا أكاديميين وربما كهان. إذ يبدو أنه لم يصبح هناك جهد كاف لإعداد العاملين ليواجهوا الظروف الخاصة والتضحيات والمشقة ماديا وتمويليا وذلك ببذل وتضحية بالوقت وإقامة علاقات مختلفة.
التمويل:
يجب على الحركات أن تكون أهلا لإيجاد مصادر التمويل داخليا فهي لازمة لإدارة نفسها … هذا ضروري لتطهير العاملين ولنموهم واشتراكهم الفعلي في الجماعات .. فالاتكال المطلق على الموارد الخارجية ولا سيما على بلاد البترول واسعة الثراء قد يترتب عليه في المدي البعيد نتائج ضارة وغير صحية وغير مرغوب فيها… ولكن ذلك لا يعني الامتناع عن هذه الموارد ولكن الحذر والحيطة هي الواجبة … ففقدان إدارة التضحية فيما بين العاملين لا يمكن تعويضها بملايين الجنيهات … فالمال الذي يأتي بسهولة من التسول والنظر إلى الحكومات والأفراد ليهبوا لنهضتنا سيترتب عليها حتما نتائج غير مرضية.
خاتمة
وختاما .. هل لي أن أركز مرة أخرى على بعض النقاط التي أشعر بأهميتها أساسا:
1- هناك حاجة لا مناص منها وهي خلق حركة إسلامية بين هؤلاء الذين يوجهون السياسة الاجتماعية في الغرب … وتطبيقا لهذا فالدعوة بين المحليين يجب أن تكون المهمة الأولى لكل منظمة ترغب في أن تكون منظمة إسلامية حقا وصدقا.
2- الحركات المحلية لا تزال تحتاج إلى أداء مهام كثيرة بخلاف جمع المال… فالعلاقات هامة ولكن يجب أن تبقى في مكانها.
3- سد الاحتياجات الدينية والثقافية للجماعات الإسلامية – وإن كان هاما – قد أصبح تقريبا من أسبق الأهداف الواجب أداؤها .. وقد يمكن على أحسن الفروض اعتباره من الوسائل.
4- الأسبقيات فيما بين أهداف متعددة يجب وضعها واتباعها .. فأوجه النقص والعيوب أصبحت أكثر عددا مما يجب.
5- المخططات تحتاج إلى تفكير متجدد وكذلك فإن المهاجرين الشبان وغير المسلمين والطلاب والأجانب لا يلقون الاهتمام الكافي الذي يحتاجونه.
6- من الناحيتين الأفقية والرأسية فالهيكل الخاص بمنظمات متعددة قد يبدو أكثر صلاحية لتقوية الحركة.
7- العضوية المفتوحة غير المقيدة أكثر فائدة واحتياجا إليها من المنتقاة… وبالأقل يجب إجراء تجارب أكثر شجاعة في هذا المضمار.
8- وبالمثل فليس مقبولا ولا معقولا ولا منتجا أن ننقل صياغة الهياكل على نفس نمط الحركات ” المحلية أو الوطنية ” بل يجب التجديد مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي تحدث.
9- أن الحركة الحالية داخل المنظمة تحتاج إلى إعادة دقيقة لدراستها .. إذ أنها لا تساير المبادئ الإسلامية كما يجب في مجالات عديدة.
10- أهم ما نحتاج إليه هو أن نعيد التفكير من جديد لمراجعة النتائج وإيجاد الردود المناسبة وإجراء التجارب وأن نتبع في هذا الصدد ما ورد في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدهما وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
1- يعد كتابة هذا البحث وتقديمه إلى المؤتمر بالمملكة المتحدة .. نشب نقاش حاد انتهى إلى هذه النتيجة .. وترتيبا على ذلك وبالاتفاق المتبادل أنشأت البعثه الإسلامية البنجالية بانكلترا في مستهل عام 1978 منظمة مستقلة واتخذت لها اسم ” دواتول الاسلام ” … هذه الخطوة صادفها النجاح الباهر في جعل الحركة الإسلامية وسط البنغال شديدة القوة.