أبحاث

ربحية مصارف المشاركة الإسلامية المتنافسة مع المصارف الربوية

العدد 43

مقدمة :

في كثير من الكتب التي نشرت عن الاقتصاد الإِسلامي والمصارف الإِسلامية خلال الستينات وأوائل السبعينات, كان مصطلح المصارف الإِسلامية يعني تلك المؤسسات التمويلية التي تقوم على أساس من اقتسام الربح والخسارة مع الشركاء المضاربين. وقد حاول مؤلفو هذه الكتب عرض التفوق الذي انفرد به الاقتصاد الإِسلامي الّلاربوي, حيث يحل النظام المصرفي الإِسلامي القائم علي المشاركة في الربح والخسارة محل النظام التقليدي القائم علي الفائدة.

وفي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات, تأسست مصارف إسلامية لا ربوية في العديد من الدول الإِسلامية, وفتحت أبوابها للتعامل.

هذه المصارف الإِسلامية :

ـــ ليست فائمة بصفة مطلقة على المشاركة في الربح والخسارة, ولكنها تستعمل أيضا طرقا أخري في التمويل مثل تأجير السلع الرأسمالية, أو المربحة, وذلك علي نطاق واسع.

ـــ كما انها لا تقوم بعملها في مناخ اقتصادي إسلامي خالص (أي في نظام مالي تمتنع فيه الفائدة امتناعا كاملاً) ولكنها تواجه منافسة مع عدد فائق من المصارف الربوية التقليدية. خاصة في الأعمال المتعلقة بالقروض, أي في التوجيه المربح للودائع.

ويتبع ذلك مباشرة أن النماذج والنظريات التي ذخر بها التراث يمكنا يصعوبة أن تساعد علي وصف وتحليل مواقف ومشاكل وتوقعات المصارف الإِسلامية القائمة.

إن لدي المؤيدين للنظام الاقتصادي الإِسلامي, بوجه خاص, توقّعات طموحة تتعلق بدور المصارف الإِسلامية في عملية التحول من الاقتصاد الرأسمالي الربوي إلى نظام إسلامي لا ربوي, حيث تقوم هذه التوقعات على الأمل في أن المصارف الإِسلامية سوف تتحول إلي مصارف ناجحة بالمصطلح الاقتصادي, أي أنها ستكون مربحة جداً لأصحاب رؤوس الأموال وللمودعين على السوء, بدون أي آثر سلبية ـــ باستثناء بعض المستفيدين ـــ على الودائع التي تتطلب شركاء مضاربين للمصارف. لدرجة أنه في الأمد الطويل سوف يتحول كل إنسان تاركاً المصرف الربوي وراء ظهره مولياً وجهه شطر المصرف الإِسلامي.

والنتيجة لا بد وأن تكون تطويراً للنظام الاقتصادي ـــ لا ثورة عليه ـــ بصورة تعتمد أساساً علي القرار السياسي والتدخل الحكومي.

هذه التوقعات الطموحة المتعلقة بالنجاح الاقتصادي للمصارف الإِسلامية حديثة النشأة تعتمد غالبا علي النظريات التي تحاول عرض تفوق الاقتصاد القائم علي مصارف المشاركة في الربح والخسارة مقارناً بالاقتصاد الربوي الراهن.

ولكن طالما أن أحد الفُروض الحاسمة لهذه النظريات, وبالتحديد, فرض عدم وجود أي نوع آخر غير المصارف الإِسلامية في الاقتصاد, لا نجدُه في عالمنا الواقعي, لذا فإن نتائج هذه النظريات لا تصلح للتطبيق علي المصارف الإِسلامية القائمة في عالم اليوم, ولا علي أدائها, بدون مراعاة عدة اعتبارات وتحفظات.

الأهداف والفروض :

سوف نتجاهل هنا ـــ لأغراض البحث ـــ حقيقة أن المصارف الإِسلامية مسموح فيها بالعمليات التي تحدد العوائد فيها مقدما مثل عقود التأجير والمرابحة إلى جانب التمويل بالمشاركة في الربح والخسارة.

وبدلا من ذلك, سوف نفترض ـــ متفقين في هذا مع النظريات القديمة للاقتصاد والمصارف الإِسلامية ـــ أن المصارف الإِسلامية هي مصارف قائمة على المشاركة في الربح والخسارة فقط, حينئذ يكون هدف البحث, بصفة عامة, هو عرض المنافسة التي تواجهها المصارف الإِسلامية مع المصارف الربوية في نموذج مبسط. تلك المنافسة التي ينتج عنها ضغط على ربحية المصارف الإِسلامية يدعو إدارة المصرف إلي التفكير في بعض الاستراتيجيات الابتكارية لتوظيف الودائع بصورة منتجة ومربحة.

وسوف تُبيّن هذه الدراسة, بصفة خاصة, أن :ـــ

ـــ علي المصارف الإِسلامية أن تكيّف استراتيجية أعمالها مع شروط السوق التي تصوغها المصارف التقليدية المسيطرة, وأن المصارف الإِسلامية لا تستطيع أن تتجاهل معدل الفائده السائده في السوق, ولكن عليها أن تقيم حساباتها على أساسه.

ـــ بدون وضع استراتيجيات ابتكارية محددة من قبل إدارات المصارف الإِسلامية, فمن المحتمل ـــ في الأمد الطويل ـــ أن تكون أقل نجاحاً من أي مصرف ربوي متوسط بدلاً من أن تكون أكثر نجاحاً منه.

ـــ سوف يؤدي البحث عن استراتيجيات ابتكارية لتوظيف الودائع توظيفا مربحا ـــ في الأمد الطويل ـــ إلي تحول المصارف الإِسلامية إلي مصارف للعمليات الدولية, تنشط بوجه خاص في تمويل نقل التكنولوجيا وتطورها في الأقطار الإِسلامية.

وأعترف أن في طبيعة الاستنتاج الأخير بعض المجازفة, ولكن نظراً للوضع التنافسي للمصارف الإِسلامية, فهو على الأقل يستحق أن يوضع في الاعتبار.

تأثير معدل سعر الفائدة على أعمال القروض في المصارف الإِسلامية

سوف نفترض ـــ لسهولة العرض ـــ وضعا تكون فيه كافة المصارف (الربوية واللاربوية) أما كمية متاحة من الودائع تبحث لها عن توظيف مربح. ولن نعترض في هذا البحث للسؤال عن كيفية زيادة هذه الودائع, فنحن نفترض توفرها ونفترض أن التوظيف المربح لها يعني تمويل المشروعات الاستثمارية التي يتقدم بها أصحابها علي أساس الفائدة بالنسبة للمصارف التقليدية, وعليى أساس المشاركة في الربح والخسارة بالنسبة للمصارف الإِسلامية.

وسوف نفترض عدم التزام المضاربين إسلامياً, التزاماً يجعلهم ينظرون إلى عروض المصارف الإِسلامية باعتبارها الطريق الوحيد المقبول لتمويل مشروعاتهم, وإنما ينظرون إلى هذه العروض ويضعونها في الميزان مع بدائلها من عروض المصارف الربوية. وبالتالي يجب أن تكون هناك منفعة مادية تدعو المضارب لقبول تمويل المصرف الإِسلامي. أي أن المصارف الإِسلامية تواجه منافسة المصارف الربوية. كما أن هناك افتراضاً عاماً بأن كل الأطراف : المضاربون والمصارف الربوية والإِسلامية يسعون للوصول إلى أعلى ربح ممكن (في اطار القوانين).

سوف نجد أن المضارب في مشروع استثماري معين عندما ينظر إلى البدائل المعروضة أمامه من المصارف الإِسلامية والربوية, سوف يقرر اللجوء إلى تمويل مشروعه بواسطة المصرف الإِسلامي إذا كان الجزء المتبقي له من أرباح المشروع بعد دفع النسبة المتفق عليها للمصرف الإِسلامي أكبر من الأرباح الإِجمالية المتوقعة من التمويل البديل المبني على الفوائد. وهنا يجب ملاحظة أن الربح يحسي بطريقتين مختلفين.

ـــ في المعنيى العادي : الربح هو الفرق بين العوائد من المشروع الاستثماري وبين النفقات العامة (العمالة, المواد الخام, الطاقة …. الخ) ونفقات التمويل أي الفوائدز

ـــ في البديل الإِسلامي : لا توجد نفقات فوائد وبالتالي يعتبر الربح هو الفرق بين العائدات وبين التكاليف العامة.

وعلى ذلك فإن «الربح الإِسلامي» أعلى من الربح العادي بقيمة الفوائد.

ولكن من جهة أخري يحصل المقترض علي الربح العادي كاملا فليس هناك ما يتوجبّ عليه سداده للمصرف غير الفوائد, بينما المضارب مع المصرف الإِسلامي عليه أن يقتسم الربح مع مصرفه طبقا لمعدل اقتسام الأرباح المتفق عليه عند توقيع عقد التمويل.

ولنفترض أن :

أ = إيرادات المشروع الاستثماري بالنسبة للمضارب

ت = التكاليف العامة للمشروع (عمالية, مواد خام, طاقة …الخ)

ف = الفوائد المحسوبة بضرب قيمة رأس المال في المشروع ( س ) في معدل سعر الفائدة في السوق بالنسبة للقروض ( د )

رربوي  الأرباح طبقاً لنظام الفائدة.

رربوي  الأرباح طبقاً لنظام المشاركة في الربح والخسارة.

وعلى ذلك بمكن اعتبار أن :

(1)  ر مشاركة = أ  ت

(2)  ر ربوي = أ  ت  ف

(3) ر مشاركة = رربوي  ف

(4)  ر ربوي = رمشاركة  ف

وكذلك يمكن اعتبار أن :

ن م لا نسبة المصرف في الربح, أي النسبة المئوية التي سيدفعها المضارب من أرباح المشروع إلى المصرف.

لكي يكون قرار المضارب في صالح التمويل بالمشاركة لا بد وأن تكون :

(5)  (1  ن م ر) ر مشاركة  ر ربوي (أو مساوياً)

(6)  ن م ر  1

وهذه القاعدة تستتبع أن يمثل الربح المتبقي للمضارب رقماً مجزياً. فهو يطلب التمويل اللازم له من المصرف الإِسلامي إذا كان نصيبه من « الربح الإِسلامي» مساوياً أو أكبر من إجمالي « الربح العادي» وبطبيعة الحال سوف يفضل المضارب أن يترك له التمويل بالمشاركة نصيبا أكبر مما يتركه له التمويل بالفائدة. ولكن كل دينار إضافي يحصل علية المضارب هو في نفس الوقت دينار مخصوم من نصيب المصرف. وطالما أن المضارب والمصرف الإِسلامي يعملان من أجل الحصول على أعلى ربح, فسوف تأخذ المساومة مكانها بينهما إلي أن يصلا في النهاية إلي اتفاق يكون بموجبه «الربح الإِسلامي» المتبقي للمضارب مساويا «للربح العادي». وحيث أن الأرباح المتوقعة محددة بموجب المشروع الاستثماري المقدم من المضارب وأن معدل الفائدة في سوق القروض الرأسمالية يمكن أيضا اعتباره معلوماً لدى كل من المضارب والمصرف الإِسلامي.

لذا فإن الهدف الوحيد للمساومات يكون منحصرا في حصة المصرف من الربح المشتلرك. وهناك حد أقصي لهذه الحصة. فإذا طالب المصرف الإِسلامي بأكثر منها فإن المضارب سوف يتوجه إلى المصرف الربوي. ويكون على المصرف الإِسلامي أن يكيّف مطالبه في مشروع استثماري معين مع الشروط التي يفرضها السوق علي القروض الربوية, أي مع معدل سعر الفائدة في السوق. والعلاقة الدقيقة لهذا التكيّف يمكن رؤيتها من خلال بعض العمليات التي نجريها على نموذج التوازن رقم 6 أي عندما تكون العلامة هي السارية :

(7) ن م ر  1    (4) رربوي  ر مشاركة  ف

(8) ن م ر  1      1  (1    )

(9) ن م ر رمشاركة  ف  س د

فالمعادلة رقم 9 تبين أنه هند ربحية معينة للمشروع الذي قدّمه المضارب, وعند مبلغ معين مطلوب لتمويل هذا المشروع, تزداد نسبة المصرف في الربح ( ن م ر) كلما ارتفع معدل سعر الفائدة, وتنقص كلما انخفض.

وهذه العلاقة يمكن قراءتها أيضا من الجهة الأخرى : فعند معدل فائدة معين, وعند نسب مختلفة للربح لعدد من المشروعات الاستثمارية, يرتفع معدل اقتسام الأرباح كلما انخفضت الربحية, وينخفض كلما ارتفعت.

ويتضح هذا الأمر بسهولة إذا افترضنا مشروعين استثماريين يتطلبان لتمويلهما نفس المبلغ ولكنهنا يختلفان من حيث ربحية كل منها.

فالمشروع الأول يكون معدل اقتسام أرباحه مؤديا الى تساوي الربح الإِسلامي المتبقي للمضارب مع الربح العادي ( أي عندما تسري علامة  في المعادلة رقم 5).

وبافتراض أن المشروع الثاني أكثر ربحية من المشروع الأول, ولكن المصرف الإِسلامي يطلب نفس معدل اقتسام الأرباح, حينئذ يقل الربح المتبقي للمضارب في حالة المشاركة عنه في حالة الفوائد. مما يدعوه إلى التحول الى المصرف الرأسمالي, أو أن يطلب من المصرف الإِسلامي تقليل المعدل المطلوب حتي يصل إلى المعادلة رقم 9 مرة أخرى.

أما إذا كان المشروع الثاني أقل ربحية من المشروع الأول, ولكن المصرف الإِسلامي يكتفي بنفس معدل اقتسام الأرباح الذي يطالب به المشروع الأول , فإن المصرف سوف يفقد بعض العوائد الممكنة, وبالتالي سوف ينتهك هدفاً من أهدافة وهو تحقيق أعلى أرباح ممكنة.

والآن, إذا كان معدل اقتسام الأرباح سيتحدد بصفة دائمة, بحيث يكون «الربح العادي» المتبقي للمضارب مساويا «للربح العادي» وبحيث تكون مدفوعات المضارب للمصرف الإِسلامي مساوية لتكاليف الفائده, فإنه (عند ربحية معينة) لابد وأن تكون مدفوعات المضارب للمصرف الإِسلامي مساوية لمدفوعاته للمصرف الربوي. ويتضح هذا من المعادلة رقم (9) أيضاً. وهذا يعنى ـــ علي سبيل المثال ـــ انه عند سعر فائدة معين سوف تكون دائما مدفوعات المضارب كمبلغ محدد عن كل وحدة من رأس المال المستخدم هيى هي لا تتغير, بصرف النظر عن ربحية المشروع, وأهم من ذلك هو انّ عوائد لمصرف الإِسلامي من جرّاء تمويل المشروعات بالمشاركة لن تزيد على العوائد التي يحصل عليها مصرف ربوي متوسط من جرّاء قروضه الربوية. مع أنه, من أهم متطلبات المصارف الإِسلامية تحقق عوائد عالية.

وهناك أسباب جيدة تجعلنا نعتقد في وجود خطر كبير, سيؤدي ـــ في الأمد الطويل ـــ إلى تناقص عائدات المصارف الإِسلامية, عن عائدات المصارف الرأسمالية, بشكل ملحوظ, بينما مصلريف الأولى سوف تكون أعلى من مصاريف الثانية. ويرجع هذا إلى الفرق بين الأرباح المتوقعة و الأرباح المحققة, وإلى دوافع المضاربين في مساوماتهم.

اقتسام مخاطر الربح واستراتيجيات المساونة في عمليات المضاربة :

في الاعتبارات السابقة, لم نضع فقط ذلك الإقتراض الضمني بأن لدي المصرف الإِسلامي والمضارب نفس التوقعات في كل حالة, ولكننا افترضنا أيضا أن هذه الأرباح المتوقعة سوف تتحقق في المستقبل. والافتراض الأخير بوحه خاص يُعبر افتراضنا غير واقعي على الأطلاق. وبناء علي ذلك, سوف نتخلى عنه الآن, ونسأل : كيف تكون النتائج إذا لم تحقق الأرباح المتوقعة؟ إنه لأمر بالغ الأهمية أن تأتي الأرباح المحققة أقل من المتوقعة.

لنفترض أن المصرف الإِسلامي والمضارب اتفقا على معدل معين من لاقتسام الأرباح عند تمويل مشروع استثماري محدد. هذا المعدل احتسب على أساس توقع ربح أكيد, وقد حُدد تعاقديا واحتفظ به للمستقبل بصرف النظر عما سيتحقق فعلا بعد ذلك من أرباح.

فإذا ما انخفضت الأرباح المحققة عن المتوقعة, فإن هذا يعني خسارة نسبية للمصرف الإِسلامي. لأن نعدل اقتسام الربح «الصحيح» (وبالتالي مدفوعات المضارب) كان يجب أن يزيد إذا كانت الأرباح قدرت تقديرا صحيحا يوم وُقع عقد التمويل.

إن الضرر الذي أصاب المصرف من جهه أخري ضرر نسبي, ولكن تحت ظروف معينة أيضا هناك منفعة مطلقة للمُضارب. فهو يدفع قدرا أقل مما كان عليه أن يدفعه لو كان المصرف أحسن تقدير للأرباح. ولكنه ـــ وهو الأهم ـــ يدفع أقل مما كان عليه أن يدفعه لو انه اختار التمويل بفائدة من مصرف ربوي. إن مدفوعاته على أساس المشاركة في الربح ترتفع إلى تكاليف الفوائد (فقط) إذا كانت الأرباح المتوقعة والمحققة متماثلة, ولكن معدل اقتسام الربح «المنخفض جداً و «الناتج عن توقع أرباح مرتفعة جداً» يتمثل في مدفوعات فعلية للمصرف الإِسلامي أقل من تكاليف الفوائد البديلة. هذه العلاقات الداخلية يمكن رؤيتها من خلال حسابات النموذج المبسط السابق.

لقد حددت عوائد المصارف كالآتي :

(10)        ن م ر رمشاركة

والآن علينا أن نميز بين قيم المتغيرات التي توقعناها (خاصة في المصارف الإِسلامية) عند توقيع عقد المشاركة وبين القيم التي تحققت فيما بعد. ويمكننا أن نفترض أن : ر ر بوي , ر مشاركة

تمثل قيمة الفوائد والأرباح المتوقعة للمصرف عند وقت المفاوضات مع المضاربين على التوالي, في وقت تقدير ن م ر

ر  ق  ر بوي ,  ر ق  مشاركة

تمثل القيم المحققة فيما بعد من كل من رربوي, رمشاركة. وبتطبيق هذا التمييز على المعادلتين (10) و (7) نجد أن :ـــ

(11)ن م ر مشاركة =

( 1 – ر ر يوي / ر مشاركة  ) ر مشاركة =

( 1 – ر ر يوس – ف / ر مشاركة  ) =  ف / ر مشاركة    ر مشاركة

(12)ن م  ر  مشاركة = ف ك

حيث ك =  ر ق مشاركة / ر م  مشاركة < 1, إذا ر ق مشاركة << ر م مشاركة

(13) ك = 1, إذا         ر ق مشاركة = ر م مشاركة >> 1  , إذا ر ق مشاركة >> ر م مشاركة

إذا لم تطابق الأرباح المحققة ما كان متوقعاً, فإن ك سوف تكون أقل من الواحد الصحيح, وتبعا للمعادلة (12), ستكون عوائد المصرف الإِسلامي أقل من عوائد المصرف الربوي المقارن. وإذا بقيت الأشياء الأخرى دون تغيير فإن ربحية المصرف الإِسلامي سوف تقل عن ربحية المصرف الربوي المتوسط إذا كان هناك عدد وافر من الحالات ذات الربحية المعتبرة التي تبين أن توقعات المصرف كانت متفائلة جداً. وأنه من الحكمة ألا نتجاهل مثل هذه الربحية : فعلي المضاربين أن يشعروا بدافع قوي جداً لتقديم مستندات مشروعاتهم الاستثمارية حيث الأرباح المتوقعة محسوبة بأقصى ارتفاع يمكن تبريره بالرغم من أنهم يعتقدون في أنفسهم بأن الأرباح المحتملة أقل من ذلك. ولكن كلما ارتفعت توقعات الربح الذي سيحصل عليه المصرف, كلما انخفض معدل أقتسام الربح الذي يطالبهم به, وإذا أثبتت توقعات المضاربين المشكوك فيها, صحتها, فسوف يكون ذلك في صالحهم مقارنا بالتمويل من مصرف ربوي, لأنه إذا أمكن تحقيق التوقعات الأكثر تفاؤلاً, فأن هذا لن يعود بأي ضرر على المضاربين.

وقد يعترض معترض بأن تقديم حسابات بالغة التفائل لا يتمشى مع أخلاقيات العمل التجاري الإِسلامي. قد يكون ذلك صحيحا, ولكن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن أخلاقيات رجال الأعمال المسلمين في العالم الإِسلامي اليوم نفترض أنها ملتزمة بأخلاقيات العمل التجاري الإِسلامي.

وبناء على ذلك فإن على المصارف الإِسلامية أن تضع ذلك في اعتبارها, على الأقل سوف يقدم بعض زبائنها المتوقعين حسابات بالغة التفاؤل. لكن المصارف لا يتأتى لها أن تعرف مُسبقا مَنْ مِنَ المضاربين ـــ طالبي التمويل ـــ قد فعل ذلك.

ـــ وعلى ذلك يتوجب على المصارف الإِسلامية أن ترجع كافة الحسابات الاستثمار وحسابات الأرباح المأمولة بعناية.

ـــ ولكن حتى الفحص الاجتهادي لا يمكنه أن يمنع هذه الربحيات المستقبلية بالغة التفاؤل من أن تستغل أحيانا لتقرير معدل اقتسام الأرباح. من أجل ذلك, ولأغراض الوقاية العامة ضد الخسائر (النسبية) من جرّاء مسايرة حسابات المضاربين المتفائلة قد تلجأ المصارف الإِسلامية إلي إجراء تخفيض معين لكافة الربحيات المحسوبة.

وإذا كانت المصارف ستتخذ هذا الاجراء أو أن المضاربين اعتقدوا أنها ستتخذ هذا الاجراء ( حيث أنه من الصعوبة لديهم أن يطلعوا على حسابات المصارف وطريقة فحصها للمستندات المقدمة منهم), فإن كافة المضاربين سيسارعون إلى تقديم حسابات بالغة التفاؤل وإلا كانوا في وضع تفاوضي ضعيف.

وفي الحالات التي يقدم فيها المضاربون توقعات صادقة للأرباح ثم تقوم المصارف بتخفيضها, سوف يتحول المضاربون إلى المصارف الربوية. ولن يتبقي مع المصارف الإِسلامية إلا الذين يتوقعون ـــ حتي بعد التخفيض ـــ ربحا أصغر حجماً أو على الأقل مساوياً لربح المصرف. وبالتالي من الصعب التصديق بأن المصرف الإِسلامي يمكنه التيقّين من أن ربح المضاربة المتحقق مستقبلاً لن يقل ـــ في المتوسط ـــ إنما يساوي أو يزيد عما توقعه عند التعاقد. وعلى المصارف الإِسلامية أن تواجه هذه المشكلة الأساسية وما ينتج عنها من الضغط علي ربحيتهم في ظل الاقتصاد الربوي القائم. وعلى إدارات المصارف الإِسلامية, لكي تواحه هذه الأخطار أن تغطي التزاماتها المرتفعة بأن تجد بعض المسائل المبتكرة والمربحة لاستخدام الودائع.

تجميع المعلومات عن الأسواق واستراتيجيات المصارف الإِسلامية :

هناك وظيفتان رئيسيتان لادارة المصرف الإِسلامي :

ـــ الوقاية ضد التوقعات بالغة التفاؤل والأضرار الناتجة عنها في عمليات التمويل بالمشاركة.

ـــ إتاحة فرص جديدة مبتكرة لارتباطات المشاركة تستهدف ربحية عالية.

إن المصرف الربوي يمكنه دائما أن يوحد استخباراته الائتمان. ولكن المصرف الإِسلامي من الصعب عليه أن يتخلى عن الفحص الإِضافي لحسابات الأرباح, طالما أن عوائده ليست محددة, ولا مستقلة عن أرباح المضاربة ولكنها تعتمد عليها اعتمادا مباشراً. ومشكلة هذه الفحوص ليست من المشاكل الحسابية الفنية ولكنها من مشاكل المعلومات عن الأسواق التي يسعى المضاربون إلى الارتباط بها في مشروعاتهم الاستثمارية.

ومن الشروط الأساسية اللازمة لدراسة الفرص في الأسواق وجود إدارة مصرفية من نوعية ملمة إلماماً شاملاً بشئون المضاربة.

إن إدارة المصرف الإِسلامي غير المتخصص عليها أن توظف مستوى عال من «المضاربين الممتازين» ليقوموا بعملهم في عدد كبير متنوع من الأسواق.

من الصعب أن نتصور مصرفاً فرداً يستطيع أن يؤسس مثل هذه المعلومات الكثيرة ضمن طاقمه بحيث يمكنهم فحص أي مشروع استثماري أياً كان نوع هذا المشروع. وبدلاً من ذلك, يبدو أن الافتراض المقنع جدا هو أن كل مصرف ـــ إن عاجلا وإن آجلاً ـــ سوف يبدأ في التخصص في تمويل مشروعات استثمارية في مناطق معينة أو في قطاعات اقتصادية معينة أو في كليهما معا.

من المحتمل أن يكون لهذا التخصص نتائج بعيدة. أولها أن المصارف قد تجمع معلومات جوهرية عن تلك الأسواق التي تركز عليها في تمويل المشروعات مع شركائها المضاربين. وهذا الأمر قد يمكّن المصارف من حماية نفسها بكفاءة أكثر ضد حسابات المضاربين بالغة التفاؤل, في تلك المناطق, بالرغم من أن الحماية الكاملة تبدو مستحيلة. ولكن عندما تكون المصارف حسنه الاطلاع على بعض القطاعات وتكون قد جمعت معلومات كثيرة ووظفت الادارة العليا مع مستويات ملمة بشؤون المضاربة في هذه المجالات, فإنهم  سوف يسألون أنفسهم ـــ بالتأكيد ـــ يوماً ما : لماذا لانستخدم هذه الامكانات إلا استخداماً سلبياً عندما نفحص طلبات المضاربين للتمويل الاستثماري, لماذا لا نستخدمها أيضاً بشكل نشط في الجهود الاستثمارية التي قد تعود على المصرف بتعويضات عن الأضرار التي لا يمكن تجنبها والتي تصيب عوائده من التمويل «العادي» بالمشاركة (وعن التكاليف المرتفعة للعمالة المؤهلة) ولن ينتظر المصرف طويلاً حتي يتقدم أحد المضاربين بمشروع ولكنه سيبدأ بنفسه البحث عن فرص في الأسواق التي تخصص فيها.

مثل هذا التخصص مع ما يتبعه من بحث نشط عن فرص استثمارية بواسطة المصرف قد يحدث أولاً في القطاعات الاقتصادية قليلة التعقيد نسبياً ـــ خاصة فنياً ونظرياً ـــ كالتجارة والنقل وبناء المساكن. ويجب ملاحظة أن المصارف الإِسلامية عندما تتبع هذا الخط من الأعمال سوف تغّير من خصائصها. فلن يطول بهم التعامل مع النقود أو مع رأس المال وحدهما ولكن أيضا مع السلع والمنتجات والخدمات, لن يكونوا مصارف فحسب ولكنهم سيصبحون ـــ على الأقل جزئيا ـــ تجاراً أيضا. كما يمكن أيضا تصور أن عدداً من شركات الاستثمار المتخصصة ستقدم خدماتها للمصارف الإِسلامية التي يمكنها حينذاك الاستغناء عن إدارتها الاستثمارية المتخصصة.

إن أعمال الاقتراض «الحقيقة», أي التوظيف المربح للأموال قد يُحوّل إلى مشروعات مستقلة, ولكن عند معالجة النظام التمويلي الإِسلامي علاجاً تحليلياً نجد أن شركات الاستثمار والمصارف يمكن النظر إليها كوحدة اقتصادية.

إن الفرضية التي أطرحها هنا هي أن المصارف الإِسلامية في عالم «رأسمالي» سوف تصبح نوعا من مصارف التجار بدلاً من كونها مصارف تجارية عالمية. وبذلك فإن عليها أن تستأنف وتُواصل التقاليد القديمة للصيرفة التي كانت متبعة في القرون الوسطى الإِسلامية في الشرق الأدني والتي انتهت في منتصف القرن التاسع عشر تحت التأثير المتزايد للأفكار والقوى الأوربية.

فيما مضي لم يكن هناك مصارف تعمل طمؤسسات متخصصة. فقد كانت الأنشطة المصرفية مرتبطة مع العمليات التجارية المألوفة. لقد كانت فقط تساعد وتكمل أداء التاجر لأعماله التقليدية في البيع والشراء والتصدير والاستيراد ….الخ. إن تطور المصارف الإِسلامية الحديثة, كما أوضحنا آنفاً ـــ سوف ينتج عنه مؤسسات تمويلية تتشابه خصائصها تشابهاً شديداً مع «مؤسسات التجّار المصرفية» القديمة. ولكن يجب ملاحظة أن هذه النتيجة ليست مشتقة من الاستعانة بنظريات مشكوك فيها ـــ بشكل ما ـــ عن طراز للأعمال إسلامي أو شرقي معين, وإنما ترجع إلى بعض الخصائص المتصورة للمصارف الإِسلامية وتأثيرها في عملية المنافسة مع المصارف الربوية.

المصارف الإِسلامية والتنمية القومية :

إذا كان هذا التكهن المركب مقبولاً, حينئذ, فعلى الأقل هناك بعض الأفكار التي يجب الحذر منها بالنسبة لعنصر اقتصادي كلّي هام. فإذا كان الإِنسان يمكنه افتراض أن التصنيع هدف ذو أولوية لدى معظم الحكومات في الأقطار الإِسلامية, فيجب مناقشة الطريقة التي ستساهم بها المصارف الإِسلامية في هذا الصدد. يبدو من الواضح أن تمويل الأمد الطويل والمتوسط للصناعات (الجديدة) لا يمكن أن يكون مجالاً رئيسياً للنشاط, إن وجد, لدى مصارف التجاّر والمصارف الإِسلامية المشابهة لها.

وبالرغم من ذلك, فإن المصارف الإِسلامية يمكنها المساهمة في التنمية القومية بطريقة معينة إذا اتبعت استراتيجية خاصة للإِسهام. يمكن افتراض أن المصرف الإِسلامي قد جمّع ( بواسطة إدارته الخاصة أو بواسطة مستشاريه) معلومات محددة عن الاقتصاد المحلي, أي معلومات عن (بعض) الأسواق وكذلك معلومات عن خطط التنمية الحكومية.

سيتوفر عدد لا بأس به من المنتجات التي تعتبر مفيدة وضرورية للتنمية القومية ولكن يجب استيرادها من الخارج. الآن تستطيع المصارف الإِسلامية, ليس فقط تمويل هذه الواردات (كمصارف التجار «الصرفه») ولكن نسير خطوة واحدة أكثر من ذلك ونفترض أنها ليست فقط مرتبطة بالتجارة, ولكن أيضا لديها معلومات عن أسواق منتجات معينة ذات فرص تسويق حيدة في الأقطار التي تنتمي إليها المصارف.

يستطيع المصرف أن يبحث بصفة خاصة عن مضاربين من الذين لا يُنتجون سلعاً هامة فقط ولكن أيضا ممن لديهم أفكاراً ابتكارية ومشروعات استثمارية في المجالات المألوفة لدي المصرف الإِسلامي. حينئذ يستطيع المصرف أن يقدم تمويلاً استثمارياً مشتركاً مع ما يتبع ذلك من تمويل استيراد هذه المنتجات إلى السوق المحلي على أساس المشاركة في الأرباح.

هذا المزيج من التمويل الاستشاري التجاري قد يشكل عرضاً منافساً جدا للمضارب الأجنبي. ولكن فرص التوظيف المربح للأموال قد تظل آخذة في الازدياد إذا ركّز المصرف على طرز خاصة من شركاء الأعمال في الخارج, علي سبيل المثال, على المشروعات ذات الحجم الصغير أو المتوسط في الأقطار الغربية. لأنها, من جهة, ذات طبيعة ابتكارية غالبا, ولكن, من جهة أخرى ليس نادراً أن يكون لديها مشاكل خطيرة في الحصول على ما تحتاجه من أموال ـــ لتحقيق ابتكاراتها ـــ من المصارف الربوية التقليدية. ويرجع هذا للحقيقة التالية :

ـــ لا تستطيع المصارف التجارية التقليدية ـــ في العادة ـــ أن تفحص فرص السوق أمام الابتكارات, فحصاً يمكن الاعتماد عليه, وبالتالي تطلب ضمانات ائتمانية عالية.

ـــ لا تستطيع المضارب, خاصة من هذه الفئة ذات الحجم المتوسط أن يوفر ـــ في المتوسط ـــ الضمانات المطلوبة إلا بصعوبة.

ـــ طالما أن المصارف الغربية لديها البديل, مثلاً شراء سندات حكومية مثمرة ذات فائدة مرتفعة, فإنها عادة تفضل ذلك على تمويل استثمارات قد تكون أعلى ربحية ولكنها أكثر مغامرة.

هنا قد تتوفر فرصة للمصارف الإِسلامية. فلديها إمكانية اختيار فرص السوق لاستثمارات معينة, حيث البديل الخاص بشراء سندات حكومية ربوية مغلق أمامها.

إذا اتبعت المصارف الإِسلامية لهذا الحظ من الأعمال, فقد تنتج عنه فوائد مشتركة للمصارف الإِسلامية, وللأقطار النامية وللمضاربين المبتكرين. وبالتالي على الحكومات ألا تحد من حركة توظيف ودائع المصارف الإِسلامية توظيفا مربحاً خارج حدودها. ولكن على العكس من ذلك يجب عليها أن تدعم مثل هذا التحرك الدولي لرأس المال بحيث تؤدي إلي تعاون اقتصادي أكثر التصاقاً فيما بين العالم الإِسلامي من جهة والدول الغربية من جهة أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر