أبحاث

الاتجاه المعاصر في التربية الإسلامية

العدد 29

يجدر بنا قبل الحديث عن الاتجاهات المعاصرة في التربية الإسلامية أن نعرف مصطلح التربية الإسلامية. وفي هذا المجال يجد الباحث شيئا من الصعوبة لاختلاف مفهوم هذا المصطلح عند كثير من الباحثين التربويين. والسبب الرئيسي في هذا الاختلاف, أن من كتب عن الفكر التربوي في الإسلام غالبا ما يهمل تعريف المصطلحات التي يبني عليها مناقشاته وآراءه التربوية.

فبينما يحدد البعض التربية الإسلامية في المواد الدينية في المنهج الدراسي يأخذ البعض الآخر مفهوما عاما يعطي الفكر التربوي في الإسلام ونظرته للكون والانسان والحياة. ونحن لا نتفق مع من حدد التربية الإسلامية في نطاق ضيق يتصل بالمواد الدينية في المنهج الدراسي ونشترك مع كثير من الباحثين في مجال الفكر التربوي الإسلامي بأن هذا التحديد هو امتداد لتأثير التقسيم الغربي للمناهج التعليمية ولا يمت إلى الفكر التربوي الإسلامي بصلة. ونذهب في تعريفنا للتربية الإسلامية إلى ما ذهب إليه أجماع علماء التربية الإسلامية المحدثين بأن التربية الإسلامية (( هي تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الاجراءات والطرائق العلمية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام))(1).

فالتربية الإسلامية إذا ليست مواد العلوم الدينية في المنهج الدراسي فقط بل انها مصطلح يشمل مفهومين متداخلين. مفهوما عاما يتعلق بالتربية ومفهوما خاصا يتعلق بالتعليم. يغطي المفهوم العام العملية التربوية في المجتمع المسلم على أساس أنها ظاهرة مرتبطة بالحياة ولا تقف عند زمن معين أو عمر معين لذلك فهي تشمل التربية في البيت والمؤسسات التعليمية الرسمية في المجتمع المسلم ووسائل التثقيف الشعبي على اختلاف مستوياتها. ويشمل المفهوم الخاص التعليم الإسلامي كفرع من علوم الفكر الإسلامي توضع على أساسه البرامج التعليمية, وتختار بموجبة المواد الدراسية في المنهج, وتبني على ضوئه النظم, وتصاغ الأهداف التربوية في كل مرحلة دراسية, وتعالج على حسب مرئياته المشاكل الادارية التربوية فيما يتعلق بالإدارة المدرسية والمدارس والطالب والمنهج وعلاقة أحدهم أو جميعهم بالبيئة. على ألا يفهم من ذلك أننا نفرق بدقة بين مصطلحي التربية والتعليم فان أغلب الدراسات التربوية الحديثة تعتبر هذين المصطلحين وجهين لعملية واحدة من الصعب التفريق في العملية التربوية بينهما(2). والتمييز بين مفهومين: عام يتعلق بالتربية وخاص يتعلق بالتعليم (يشتمل الأول على الثاني) إنما يهدف إلى تعريف المصطلحات تسهيلا للدراسة.

تتلخص أهداف الدراسة في غرضين رئيسين:

الغرض الاول:تعريف القارئ بالكتابات التربوية الإسلامية التي ناقشت وتحدثت عن التربية والتعليم فلسفة وأهدافا ومناهج وطرق.

وذلك بإعطاء عينه لهذه الكتابات التربوية مقتصرين في معالجتنا على الكتب التي كتبت في القرن العشرين.

الغرض الثاني: رصد الاتجاهات المعاصرة في التربية الإسلامية في ضوء هذه العينة التربوية التي سنتناولها بالايجاز.

وقد حاولت, قدر المستطاع, في هذه الدراسة ترتيب هذه العينة من الكتابات التربوية في تسلسل تاريخي يعتمد على تاريخ الطبع, وان أجعلها ممثلة قدر الامكان الكتابات التربوية الإسلامية وتطورها منذ بداية القرن العشرين. وأول نموذج لهذه العينة كتاب بعنوان (( أليس الصبح بقريب )) يوضح نوع الاهتمام الذي كان يوجه الكتابات التربوية الإسلامية في بداية القرن العشرين لكاتبه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور من تونس. وقد صدرت الطبعة الاولى منه عام 1324 هـ وفيه يجد القارئ مسحا تاريخيا للتربية والتعليم في البلاد الإسلامية بما في ذلك أهدافها ومناهجها ووسائلها وقليلا من أخبار المدرسين والدارسين, ويجد رسما للحالة السيئة التي كان عليها التعليم في بلاد المغرب العربي وخاصة في تونس في بداية القرن الرابع عشر الهجري. وقد اقتصر الكاتب في معالجته للتربية والتعليم على تناوله من زاوية التعليم الديني.

وهذا الكتاب نموذج واضح للصراع بين ما تبقي من المغرب العربي: من مفاهيم للتربية الإسلامية وبين الأفكار التربوية الغربية.

وعلى المنط التاريخي نفسه في الدراسة يتحدث محمد عبد الجواد في كتابه ((في كتاب القرية )) ( 1358ه – 1938م) عن حالة الكتاتيب المصرية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين مبينا أدوات الدراسة ومواد الدراسة وأغراضها, ملقيا بعض الضوء على طرق الدراسة وأوقاتها  وأجورها. وتدور الدراسة حول قراءة القرآن الكريم ترتيلا وحفظا.

وتتلخص أغراضها في تلك الفترة الزمنية كما بينها الكاتب في أربعة أغراض؛

1.  حفظ القرآن الكريم تقربا إلى الله بدون شرحه وفهم معانية. والانتفاع بهذا الحفظ بصورة محدودة بقراءته مرتلا في المآتم والأفراح والمناسبات الاجتماعية.

2.     كان حفظ القرآن في تلك الفترة في مصر وسيلة للإعفاء من الخدمة العسكرية.

3.  كان حفظ القرآن عند القرويين نوعا من الثقافة التي يتميز بها الطالب عن غالبية القرون فيه يلبس العمامة ويسمى شيخا, ويحترم بين أقرانه ويؤم المصلين يكون له هيبة دينية.

4.     إعداد التلاميذ لطلب العلم في الجامع الأحمدي بطنطا وفي الأزهر بالقاهرة حيث كان أهم شرط للقبول هو حفظ القرآن الكريم.

وبالإضافة إلى هذه الاغراض الأربعة يتعلم التلاميذ في الكتاتيب مبادئ القراءة والكتابة وبعض الأشغال اليدوية التي قد يحذق فيها بعض التلاميذ فيتخذونها مهنا لهم.

وبين الكاتب أن يد الحكومة المصرية قد امتدت منذ 1897م إلى الكتاتيب تحسينا وذلك بإدخال القوانين الجديدة والمواد الدراسية الأخرى مثل الديانة والتهذيب واللغة العربية والحساب والخط. وبدأت المدارس الرسمية منذ ذلك الحين بالانتشار كما أخذت الكتاتيب بالاضمحلال التدريجي. وقد ارتبطت في هذا الكتاب فكرة الكتاتيب عند الكاتب بالتعليم الديني وفكرة المدارس الرسمية بالتعليم الحديث.

والواضح من الكتابين, بصفة عامة, اقتصارهما على النظر إلى التربية والتعليم الإسلامي من زاوية التعليم الديني السائد في ذلك العصر والذي كان في صراع شديد مع التعليم الحديث المنقول من النظم الغربية.

وليس في مجال هذا البحث التطرق إلى أسباب هذا الصراع وتاريخه ووسائله. وفي إمكان القارئ الذي يرغب في الاستزادة في هذه الناحية مراجعة كتاب

((  Islamic Education, Its Traditions and Modernization into the Arab National Systems)) (1922)

لمؤلفه عبد اللطيف طيباوي.

وعلى كل حال فقد استمر الصراع بين التعليم الديني (التقليدي) والتعليم العام (الحديث ) حتى الحرب العالمية الثانية يرجعان دائم لكفة التعليم الحديث وحصر للتعليم الديني في أضيق الحدود, بدعم مستمر من المستعمر في الوطن العربي. ولم تتغير الصورة كثيرا بعد الاستقلال في كثير من البلاد الإسلامية والعربية فقد نهجت النظم الجديدة في الغالب على خطى السياسة التعليمية القديمة التي رسمها الاستعمار. واستمر الصراع على أشده بين التعليم الديني الذي يعتقد أنه يمثل الفكر التربوي الإسلامي وبين التعليم الحديث بأهدافه الجديدة وأنظمته المختلفة وطرقه التي فيها كثير من الابداع. على أن هذا الصراع يجب ألا يفهم بمعزل عن الظروف التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية فلم يكن صراعا بين نظامين تعليميين فقط بل هو جزء من الصراع الكلي بين الإسلام والأفكار الغربية.

وقد شهدت الخمسينات والستينات الميلاديتين تغيرات جذرية في العالم العربي من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية أدت إلى تبلور الفكر الإسلامي التربوي الحديث بظهور مفهوم التربية الإسلامية في السبعينات على أوضح ما يكون. وسجل الفكر التربوي في بداية الستينات الميلادية ظاهرة جديدة تتمثل في سيل من الكتب التربوية الإسلامية لم يشهد لها التعليم الحديث في البلاد العربية مثيلا. ومن أوضح النماذج للكتابات التربوية في تلك الفترة الجزء الاول من كتاب محمد قطب (( منهج التربية الإسلامية )) الذي يعتبر من أشمل الكتب التربوية التي تتحدث عن القاعدة النظرية للتربية الإسلامية. فقد رسم الكاتب الخطوط العريضة لأهداف التربية الإسلامية المستمده من القرآن الكريم والتي تتمثل في إعداد الانسان الصالح يقابلها في مختلف الأيديولوجيات ونظريات التربية عند الشعوب بإعداد المواطن الصالح. كما حاول تبين مواصفات هذا الانسان الصالح, فهو الأتقي, وهو الذي يعبد الله ويهتدي إليه, وهو الذي يتبع هدى الله, وهو بالجملة ذلك الانسان الذي يفي بشرط الخلافة على الأرض.

وهدف رئيسي للتربية الإسلامية في مثل هذا الوضوح يرد الناس إلى خالقهم مباشرة بلا حواجز ويجعل التخطيط على مستوى المجتمع والفرد في غاية الوضوح. ومن أبرز خصائص التربية الإسلامية كما صورها محمد قطب وهي بذاتها أبرز سمات الانسان الصالح الذي يسعى المنهج لتحقيقه في واقع الأرض, الشمول والتكامل والتوازن والايجابية السوية والواقعية المثالية. وقد تحدث الكاتب عن وسائل التربية الإسلامية في تربية الروح والعقل والجسم, وعن نظرة الإسلام للنفس البشرية, وأخيرا تعرض لبعض الأمثلة التي تبين ثمرة هذه التربية في الفرد المسلم.

ويعتبر كتاب (( التربية الإسلامية )) (1964) لمحمد عطية الابراشي, أحد الكتب التي تتحدث عن تاريخ التربية الإسلامية في خلال العصور الإسلامية الزاهية. وقد أعتبر الكاتب أن الغرض الرئيسي من التربية الخلقية أو ما أسماه بالفضلية. والأغراض الأخرى تتمثل في العناية بالدين والدنيا معا ، والعناية بالنواحي النفعية, دراسة العلم لذات العلم. وأخير التعليم المهني والفني والصناعي لكسب الرزق. وفي معرض حديثه عن تاريخ التربية الإسلامية بين أننا (( إذا رجعنا إلى الاتجاهات الحديثة في التربية في القرن العشرين ودرسنا مبادئها وطرقها وأنظمتها وجدنا أن التربية الإسلامية قد سبقتها بقرون في المناداة بكثير من المبادئ والأساليب التربوية الهامة)) ص15. وأورد بعض الأمثلة على ذلك. وقد بين الابراشي في كتابه التقسيم القديم لمناهج التربية الإسلامية في عصورها الزاهية مشيرا إلى قسمين. القسم الأول: منهج المرحلة الأولى ويشمل بوجه عام القرآن الكريم ومبادئ الدين والقراءة والكتابة والحساب ودراسة اللغة العربية ورواية الشعر الخلقي وإجادة الخط ومعرفة القصص العربية والتمرن على السباحة والفروسية.

والقسم الثاني: منهج المرحلة العالية. وهو نوعان, منهج ديني أدبي ومنهج علمي أدبي.

فالأول يشمل بصفة عامة علوم القرآن, النحو, الكتابة, العروض, الأخبار (التاريخ) ثم الحساب, أما النوع الثاني فيشمل العلوم الطبيعية والعلوم الرياضية والمنطق والفلسفة. على ألا يفهم من ذلك أن هناك دائما تفريقا دقيقا في المراحل العالية بين المنهجين الديني الأدبي والعلمي الأدبي بل أنهما متدخلان وغالبا ما أصبح للعالم المسلم حظا في دراسته العالية من كلا المنهجين . ولم يقصد الكاتب بهذا التصنيف – في اعتقادنا – إلا تسهيلا للدراسة النظرية للموضوع. وقد نقل الكاتب رأى الغزالي في تصنيفه للعلوم, حيث صنفها إلى ثلاثة أقسام تعتبر من القواعد الأساسية لنظرية المعرفة في الإسلام التي يعتمد عليها بناء المناهج في التربية الإسلامية.

1- قسم مذموم قليلة وكثيرة كالسحر.

2- وقسم محمود قليلة وكثيرة, محمود إلى أقصى غايات الاستقصاء وهو العلم بالله وسنته في خلقة (القرآن وعلومه, وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم, والعلوم الطبيعية, والاجتماعية والانسانية). وهو علم مطلوب للتواصل الى سعادة البشر في الدنيا والآخرة.

3- وقسم يحمد منه مقدار الكفاية كالنجوم. ومن أهم الافكار الرئيسية في الكتاب أن التربية الإسلامية تعتمد على قاعدة أساسية تهتم بعنصري الدين والدنيا معا ولا تبالغ في أحدهما على حساب الآخر. وقد نشر لمحمد عطية الابراشي كتاب آخر بعنوان ((التربية الإسلامية وفلاسفتها)) (1969) مركزا على الدراسة التاريخية للتربية الإسلامية وهو في الحقيقة نفس كتاب (( التربية الإسلامية )) بزيادة ثلاثة فصول عن بعض فلاسفة الإسلام, أبن سينا والغزالي وابن خلدون وآراءهم التربوية.

وعلى النسق التاريخي نفسه في دراسة التربية يعتبر كتاب د. أحمد شلبي (( تاريخ التربية الإسلامية )) (1966) موسوعة تاريخية جمع فيها المؤلف كثيراً من المعلومات التاريخية عن عناصر التعليم في الإسلام شملت أمكنة التعليم والمكتبات والمدرسين والتلاميذ وكثيرا من المعلومات عن فلسفة ونظم التربية الإسلامية.

لقد بينا في مستهل هذه الدراسة في معرض تعريفنا للتربية الإسلامية وجهتي النظر المسيطرتين في الكتابات التربوبة: النظرة العامة الشاملة التي تشمل بصفة عامة تربية الفرد المسلم ككل في المجتمع الإسلامي, وبصفة خاصة التعليم في المؤسسات التعليمية في المجتمع. والنظرة الاخرى التي تحدد التربية الإسلامية في مفهوم ضيق يتناول العلوم الدينية في المنهج التعليمي. وقد أشرنا إلى بعض العينات من الكتب التربوية التي أقترن علاجها للتربية الإسلامية بالحديث عن علوم الدين, ولفتنا الانتباه إلى الظروف التي أدت الى ذلك, والزمن الذي سيطرت فيه هذه الكتابات على الفكر التربوي الإسلامي. وعلى كل حال بالرغم من استمرار هذا الاتجاه في كتابات عديدة حتى وقتنا الحاضر إلا أن الكتابات الحالية تعكس فكرة الصراع الذي كان على أشده في بداية القرن العشرين بين التعليم الديني والتعليم الحديث.. ويؤخذ على هذا الاتجاه في الكتابات المعاصرة تحديد معالجة جوانب التربية الإسلامية في زاوية المواد الدينية في المنهج التعليمي. فقد أطلق لفظ الكل ( التربية الإسلامية) على لفظ الجزء (العلوم الدينية) فهي بذلك مشكلة تتعلق بتعريف لمصطلح التربية الإسلامية ولا تعكس بالضرورة اختلافا في المفاهيم التربوية. ومن أشهر الكتب التي تمثل هذا الاتجاه كتاب (( لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها )) لمحمد أمين المصري, وفيه ربط الكاتب بين تدريس العلوم الدينية ونتائج اتجاهات التربية الحديثة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وبين بعد مناقشة لاتجاهات التربية الحديثة أنه (( من الخطأ … أن نلجأ الى وسائل الوعظ الكلامي والتلقين وفرض المبادئ الحقيقة فرضا خارجيا والأولى أن نبني هذه التربية عن طريق الأيمان والاقتناع والخبرة التي تتم عن طريق التفاعل الاجتماعي)) ص22(3). فالطالب يجب أن يعطي حرية السؤال ويجب ان نربط بين ما تتطلبه المناهج وما يريد طلابنا الوصول اليه. ولننهج في ذلك طرق البحث العلمي. وباختصار يؤكد الكاتب على ضرورة اعتماد تقديمنا وتدريسنا للمواد الدينية على الخطوات التي يسير فيها العقل لدى حل كل مشكلة وهي:

1- مرحلة اختيار الموضوع أو المشكلة المراد حلها.

2- مناقشة الوسائل التي تؤدي إلى هذا الغرض.

3- ممارسة البحث حسب الخطة التي رسمت.

4- تقدير قيمة النتيجة التي انتهينا إليها.

فالغرض من قراءة القرآن الكريم مثلا هو (( أن يألف الطالب كتاب الله ويتعرف على أغراضه ويتأثر ويتعظ بعظاته ويجيد تلاوته تلاوة خاشعة تصدر من قلب واع وعقل متدبر)) (4) (ص23). والغرض من تفسير القرآن (( أن يمتلئ قلب الطلاب بسحر كتاب الله وقوة بيانه والتأثر العميق بعظمته وسلطانه والاستماع بقلب واع لأوامر وزواجره والاستجابة لهديه وإرشاده))(ص25). وهناك أغراض محددة لكل من الحديث والعقيدة والسيرة النبوية. والوصول إلى هذه الأغراض يجب ألا يأخذ منهجا اعتباطيا بل تحدد لها الوسائل ثم يمارس البحث والتقديم أو الدراسة حسب هذه الوسائل للوصول إلى النتائج المطلوبة. وتبعا لهذه الوسائل التي بينها الكاتب لتدريس المواد الدينية يبين بوضوح خطوات متتابعة لتدريسها في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

ومن الكتب التي حددت مفهوم التربية الإسلامية في علوم الدين كتاب د. عبد الرشيد عبد العزيز سالم (( التربية الإسلامية وطرق تدريسها))(6) ( 1365ه – 75م) التي تناول فيه الكاتب طرق تدريس القرآن الكريم والعبادات وطرق تدريس السيرة والتهذيب والحديث. وأخيرا نختتم هذا الاتجاه في التربية الإسلامية بمقال للدكتور مقداد يالجن (( وسائل التربية الايمانية في ضوء العلم والفلسفة والإسلام)) (7). وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذا المقال لم يتطرق إلى تحديد مفهوم التربية الإسلامية لا تعميما ولا تخصيصا وهدفنا من الاستشهاد به هو الاستفادة من الوسائل التي وصفها لتكوين الإيمان, الذي يعتبر تكوينه – ورفع مستواه – غالبا من مهام العلوم الدينية. لقد أرجع الكاتب سبب عدم تمسك المسلمين بدينهم إلى أزمة الإيمان ( مشكلة تربوية) واقترح أربع وسائل لتكوين الإيمان الدافع إلى السلوك.

الأولى: تجنب اتخاذ طرق التلقين الصوري وسيلة للإقناع.

الثانية: التركيز على جوانب العقيدة الإسلامية الإيجابية والمؤثرة في السلوك.

الثالثة: استخدام كل وسائل الإقناع وطرق الوصول إلى الحقائق اليقينية لترسيخ العقيدة القوية.

الرابعة: تكوين عاطفة قوية دافعة إلى السلوك بموجب هذا الإيمان وقد ضرب الكاتب أمثلة واضحة وبسيطة لكل وسيلة من الوسائل الأربعة. وبعيدا عن تحديد التربية الإسلامية بالتعليم الديني يقف الاتجاه العام في تعريف التربية الإسلامية مسيطرا على الكتابات التربوية الحديثة ويزداد هذا الاتجاه وضوحا وتأكيدا من علماء التربية المسلمين. وكغيره من الاتجاهات التربوية مر بعدة مراحل حتى وصل في آخر السبعينات الميلادية إلى وضوح تام في الرؤية. فبالإضافة إلى الكتب التي تحدثنا عنها فيما يتعلق بفلسفة التربية (القاعدة النظرية) وتاريخها يعتبر كتاب (( التربية في الإسلام)) (1967).م للدكتور أحمد فؤاد الأهواني من الكتب التي احتوت عناصر مهمة في سبيل نضج هذا الاتجاه في النظرة إلى التربية الإسلامية. فقد عرف الأهواني التربية على أنها المفاهيم المنطلقة من الإسلام والمؤدية إلى (( تصفية الروح وتثقيف العقل. وتقوية الجسم, فهي تعني بالتربية الدينية والخلقية والعملية والجسمية, دون تضحية بأي نوع منها على حساب الآخر)) (ص9). وبناء على هذا الأساس تحدث الكاتب عن دعائم التربية الإسلامية وميزاتها ونقلنا إلى القرن الرابع الجري بتحقيقه لرسالة (( تفصيل أحوال المعلمين والمتعلمين)) لأبى الحسن على بن محمد القابسي المتوفى سنة 403ه, كما اشتمل كتابه على رسالة (( آداب المعلمين لأبن سحنون)) المكتوبة في القرن الثالث الهجري [ التي تعتبر بالإضافة إلى ما كتبه الجاحظ أةل الكتابات في التاريخ الإسلامي حول التربية والتعليم] (8). وقد أكد الأهواني على أربعة مبادئ في التربية الإسلامية, يعتقد أنها أفكار حديثة في التربية, وهي مبدأ الحرية في التربية الواضح في مناهج وطرق التعليم على امتداد العصور الإسلامية ومبدأ التطور المستمد من طبيعة الإسلام الصالح لكل زمان ومكان, ومبدأ تكافؤ الفرص التعليمية القديم قدم الإسلام نفسه. ذلك أن الإسلام لا يعرف نظام الطبقات الاجتماعية فالناس سواسية كأسنان المشط, والناس سواسية أمام الله ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى, وأخيراً مبدأ الالتزام في التعليم الذي قرره أبو الحسن على بن محمد القابسي في نهاية القرن الرابع الهجري وجعله من أوامر الشرع.

وهذا المفهوم للتربية الإسلامية الذي عبر عن بعض عناصره الأهواني اتضح تماما في الكتابات التربوية الحديثة التي قد يمثلها كتاب (( أصول التربية الإسلامية)) لسعيد اسماعيل علي (1976م) الذي عرف التربية الإسلامية على أنها (( تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكر واحد يستند الى المبادئ والقيم التى أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام)) (ص5). وهذا التعريف يشمل التربية والتعليم سواء في البيت او في المؤسسات التعليم الرسمية في المجتمع المسلم أو في أي وسيلة من وسائل التثقيف الشعبي على اختلاف مستوياتها. فكما أن الفكر التربوي في المجتمعات الاشتراكية مثلا يوجه الأهداف التعليمية ووسائل التثقيف الاجتماعي نحو فكرة الأيديولوجية عن الكون والإنسان والحياة, وكذلك الحال بالنسبة للمجتمعات الرأسمالية, فأن التربية الإسلامية تسعى لتوظيف الفكر التربوي في سبيل تحقيق أهداف الإسلام على مستوى الفرد والعائلة والمجتمع المحلي والأمة الإسلامية.

وهذا الاتجاه مدين باتضاحه للظروف التي مرت بها المنطقة العربية الإسلامية في العقدين الأخيرين. ولأن أكثر النماذج من الكتب التربوية التي تناولتاها بالبحث في هذه الدراسة هي كتب عربية فسنحدد رصدنا لهذا الاتجاه التربوي بإلقاء بعض الضوء على العوامل التي أدت إلى نضوجه وكما أسلفنا في بداية حديثنا عن هذا الاتجاه, بأنه جزء من الدعوة الى تطبيق الإسلام ككل, فأنه يخضع لما مرت به هذه الدعوة من نجاحات أو أنحسارات.

والربط بين تطور هذا الاتجاه التربوي والظروف السياسية التي مر بها العالم العربي هي حقيقة لا مجال لإنكارها, وتقف هزيمة الجيوش العربية في الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1387ه – 1967م على رأس الأسباب التي أدت بكثير من المفكرين ورجال التربية في الوطن العربي إلى فتح صفحة جديدة بالمطالبة بالرجوع إلى التربية الإسلامية.

وليس هذا غريبا في حياة الأمم, ففي مثل هذه الفترة الصعبة التي خدش فيها ضمير الأمة العربية وتوالت عليها المصائب حتى لهزمت عسكريا يقف أبناؤها المخلصون لتشخيص أدوائها ولمساعدتها على رسم الطريق للوقوف في سبيل مثل هذه الكارثة. وكما يحدثنا التاريخ, فأن الملجأ الوحيد عندما تتعرض الأمم للأزمات السياسية أو الاجتماعية أو العسكرية هو التربية والتعليم. من أجل ذلك ظهرت تعابير على الساحة العربية في ذلك الوقت لايزال كثير منا يتذكرها مثل أزمة الضمير والتدني الأخلاقي وما شابه هل وهي في الأصل لا تتعدى في الحقيقة ما وصلت إليه التربية والتعليم في الوطن العربي من مصير. ومن الطبيعي في وقت كهذا أن تنشط الأفكار التربوية الإسلامية معبرة عن غيابها عن الساحة فطالعتنا الصحف العربية والمجلات والدوريات ببعض الكتابات التي طالبت بإعادة النظر في كثير من الأنظمة التعليمية العربية. وظهرت على الساحة كتابات تربوية تحمل عناوين مثل (( نحو التربية الإسلامية )) و (( عودة الى الإسلام )) و (( نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي)). ولا لقاء بعض الضوء على أفكار هذه النماذج من الكتابات التي ظهرت في تلك الفترة طالب أبو الحسن الندوي في كتابه (( نحو التربية الإسلامية الحره في الحكومات والبلاد الإسلامية)) (1388ه – 1969م) بإعادة صياغة المناهج التعليمية صياغة أسلامية وأعطى بعض الاقتراحات العامة لتحقيق هذه المهمة. وأكد الدكتور محمد فاضل الجمالي في كتابه (( نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي)) (1392ه – 1972م) على أهمية الرجوع إلى المفاهيم الإسلامية في التربية. وتحدث عن أهداف التربية في القرآن الكريم وأوجزها ب (( معرفة الإنسان نفسه, ومعرفة الانسان النظام الاجتماعي وتحمل نصيبه من المسؤولية الاجتماعية, ومعرفة الانسان الكون والخليقة واستثمارها لخير الانسان وفوق ذلك كله معرفة الانسان الخالق الكون وعبادة الخالق وذلك بإتباع أوامره واجتناب نواهيه)) (ص81).

وأفرد أحمد الشرباصي في كتابه (( عودة الى الإسلام)) ( 1971) قسما عن أسس التربية الإسلامية ضمنها نظرة التربية الإسلامية الى المعرفة والبحث العلمي والتعلم وبعض من نظرتها إلى طرق التدريس ومناهجه التعليمية. وإذا أضفنا إلى هذه الأسس التربوية ما أسماه محمد قطب بخصائص التربية الإسلامية, الشمول والتكامل والتوازن والايجابية السوية والواقعية المثالية وما أسماه أحمد فؤاد الأهواني بمبادئ التربية الإسلامية من تكافؤ للفرص التعليمية والإلزام والحرية والتطور يجد الباحث فكرا تربويا مميزا.

ومما تجدر الاشارة إليه أن الكتابات التربوية حتى تلك الفترة من بداية السبعينات الميلادية, كما هو واضح من نقاشنا, كانت غالبا مهمته بالدراسة التاريخية والفلسفية للتربية الإسلامية من تبيين لجوانبها وأهدافها وطرقها وميزاتها بدون الحديث والتعرض بصورة دقيقة لمكانتها في الأنظمة التعليمية العربية. ولم يتصد لهذه المهمة إلا الدكتور عبد اللطيف الطيباوي من جامعة لندن في كتابه

Islamic Education its Traditions and Modernization into the Arab National

حيث حلل الكاتب بدقة الأنظمة التعليمية في العالم العربي وبين نقاط القوة والضعف فيها. في الجزء الأول ناقش الكاتب تاريخ التربية الإسلامية وتطور الفكر التربوي في الإسلام مبينا نظرية التربية في الإسلام التي رسم معالمها أبو حامد الغزالي واستمرت عدة قرون حتى جاء ابن خلدون الذي أسهم في توضيحها أسهاما وقف بعده الإبداع في الأفكار التربوية لعدة قرون من الانحطاط. وبعد قرون الانحطاط وقعت البلاد العربية تحت تأثير الأفكار الأجنبية عن طريق النفوذ والتبشير والاستعمار مما أدى بعد كفاح مرير إلى انحسار مفاهيم التربية الإسلامية في المعاهد الدينية والمساجد والزوايا. ونظرا للتحديث وأثره في فلسفة التربية العربية الحديثة أصبح هناك ثنائية في التعليم. فهناك التعليم الديني الذي هو امتداد لبعض المفاهيم المتعلقة بالتربية الإسلامية وهناك التعليم المدني البعيد عن روح الإسلام. وقد أخذ الكاتب في الجزء الثاني من الكتاب الأنظمة التربوية الحديثة في العالم العربي واحدا بعد الآخر بالإيضاح والرصد التاريخي منذ بدء تأثرها بالأفكار الأجنبية حتى سنة 1967م. وفي الجزء الثالث شخص المشاكل التربوية العزبية الحديثة فيما يتعلق بالأهداف التعليمية ومحتوى المناهج والتخطيط التربوي وطرق التدريس. واختتم دراسته بتأكيد حقيقة هامة وهي أن فلسفة التعليم في أكثر البلاد العربية قد تحولت من فلسفة تقوم على المبادئ الإسلامية الواضحة المعالم إلى فلسفة غير واضحة تقوم على أساس القومية العربية التي اختلف في تعريفها المفكرون ومن ثم اختلفت آراء التربويين العرب في تحديد إطار لفلسفتها التعليمية.

ويبدو أن كتاب الطيباوى يكاد يكون الأول من نوعه الذي أخذ أزمة التعليم المعاصر في البلاد العربية بالبحث الموضوعي والروح العملية الدقيقة. وقد ظهرت بعده كتابات عديدة تتحدث عن جوانب هذه الازمة لا من الناحية التعليمية فقط بل من النواحي الثقافية والاجتماعية. والجدير بالذكر أن مفاهيم التربية الإسلامية في هذه الفترة قد استقرت ونضجت, وما الحديث عن الأزمة التعليمية والثقافية إلا دليل على الاتجاه الفكري والتربوي الحديث الذي أخذ مفاهيم التربية الإسلامية معيارا للحكم على مدى صلاحية الأفكار التربوية في المنطقة. واخذ يقيم نتائج التربية العربية الحديثة في ضوء وضوح الرؤية فيما يتعلق بالأهداف التعليمية الإسلامية.

وليس من العدل, على كل حال, القول بأن الحديث عن الأزمة التعليمية في العالم العربي لم يكن موجودا قبل كتاب الطيباوي.

بل أن الحديث عن هذه الأزمة قديم قدم تأثير الأنظمة الغربية في العالم العربي والإسلامي لكن أن تفرد له الكتب من ناحية أكاديمية, وتقام لها المؤتمرات التربوية المتخصصة وتكتب عنها المقالات العلمية التي تعكس فهما دقيقا لروح التربية الإسلامية فهذا شيء جديد نسبيا شهدته السبعينات الميلادية وعلى الخصوص النصف الأخر منها.

وقد أخذ الحديث أخيرا عن أزمة التعليم في الكتابات التربوية الإسلامية صفة عالمية انتقلت به من محدودية الأنظمة التعليمية في البلاد العربية إلى ما وصلت اليه النظم التربوية الأرضية من مستوى على غاية كبيرة من التدني. ففي محاولة لتشخيص أزمة التعليم المعاصر قدم د. زغلول راغب النجار في مقالة (( أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية)) (9) (1397) تحليلا دقيقا للأزمة. فقد بين اختلاف الباحثين المعاصرين في أصل الأزمة فمنهم من أرجعها الى أسباب اقتصادية ومنهم من أرجعها إلى أسباب اجتماعية والبعض الآخر يعتقد أنها أسباب ذات طبيعة تربوية تتعلق بالقديم والحديث في التعليم. لكن الكاتب لا يتفق مع أى من آراء الباحثين جميعا في تحديد أصل الأزمة في أحد الأسباب  سالفة الذكر. وعلى الرغم من أنه لا ينكر أثر هذه الأسباب في بعض الجوانب الازمة في التعليم إلا أنه يؤكد على أن حجر الزاوية في أزمة التعليم المعاصر هو عدم وجود فلسفة تربوية صحيحة. واختتم الكاتب بحثه مشيرا إلى التربية والتعليم في البلاد الإسلامية بقوله (( إذا أردنا للتعليم أن ينهض من هذه المحنة التي يعيشها فعلينا أن نعيد صياغة المعارف الانسانية كلها من تصور إسلامي صحيح وبذلك نضفي الى التعليم بعدا نفتقر إليه اليوم ونزيل هذا التناقض القائم بين دروس الدين وبين المعارف التي تعلم من تصور غير إيماني… أما أن يُعلم الطفل شيئا من الدين وفي نفس الوقت تمتلئ كتبه الأخرى بمفاهيم منكرة لذلك, أو متجاهلة له, فإنه سيعيش في حالة من التمزق الفكري قد تؤدي به في النهاية إلى الكفر بكل شيء)) (ص188)(10).

كما أوضحنا في هذه الدراسة كان لبعض الأحداث والظروف التي مرت بالعالم العربي والإسلامي أهمية كبيرة في تطور هذا الاتجاه في مفهوم التربية وإبرازه للوجود. وعلى المستوى نفسه من الأهمية في سلسلة هذه الأحداث شهد عام 1397ه حدثا هاما في تطور التربية الإسلامية ففي ( ابريل 1977م) عقد المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي في مكة بدعوة من جامعة الملك عبد العزيز. ويعتبر هذا الحديث الأول من نوعه في المنطقة العربية والإسلامية ففيه اجتمع ثلاثمائة وثلاثة عشر عالما مسلما لتدارس الأوضاع التربوية في العالم العربي والإسلامي ولمحاولة وضع الحلول للأزمة التعليمية وقد عكست البحوث المقدمة وطبيعة تبادل الآراء الرؤية الواضحة للمستقبل التربوي كما تريده الشعوب الإسلامية ويطالب به علماؤها المخلصون . وفي السنوات القليلة الماضية التي أعقبت ذلك المؤتمر العالمي عقدت مؤتمرات أخرى وشرعت جامعة الملك عبد العزيز في مشروع طموح لتبني سلسلة من الكتب عن التربية الإسلامية وهو حدث مهم في حد ذاته ذلك أن جامعة الملك عبد العزيز هي الجامعه الوحيدة في المنطقة العربية التي تبنت مثل هذا المشروع وأعطته الاهتمام اللائق به ورعته مستقبلا عن طريق هذه السلسة من الكتب.

ومن أمثلة هذه الكتب في سلسلة التربية الإسلامية:

1- Muslim Education the Modern World

2- Aims and Objectives of Islamic Education

3- Social and Natural Sciences: The Islamic Perspective

4- Philosophy, Literature and Fine Arts

5- Curriculum and Teacher Education (1980)

6- Education and Society in the Muslim World

7- Crisis in Muslim Education (1979)

( لم يتوفر لدينا سوى النسخ المكتوبة بالانجليزية)

وقد تميزت هذه السلسلة بالوضوح والبساطة والطبيعة التطبيقية في نظرتها إلى التعليم في البلاد الإسلامية. أى أنها ليست ذات صبغة فلسفية أو تاريخية فقط بل من أهدافها مساعدة المخطط التربوي وخبير المنهج والمدرس في تطبيق هذه الأفكار الإسلامية في المنهح التعليمي ولنأخذ كتاب:

Curriculum and Teacher Education

جمع وتقديم محمد الافندي ونبي أحمد بالوك (1400ه) مثالا لما اشتملت عليه هذه السلسلة من أفكار فقد قام الكتاب على فكرة رئيسية وهي أن التعليم في البلاد الإسلامية يجب أن يتجه الى (( المنهج الإسلامي المتكامل)). وهذه ضرورة حتمية للسيطرة على التصنيف الغربي للعلوم في البلاد الإسلامية ولمهاجمة الثنائية في التعليم الذي قسم إلى ديني وآخر مدني ( تقليدي وآخر حديث) وبين الكتاب أن أهداف التربية الإسلامية تختلف عن أهداف التربية الغربية وأصدائها في العالم الإسلامي. وتقسيم العلوم إلى دينية وعلمانية بأهداف تعليمية متناقضة ليس تقسيما  إسلاميا. والاتجاهات الحديثة في التربية التي تطورت في بيئات أبعد فيها الدين عن التربية لا تستطيع أن تساعدنا على بناء مناهجنا التربوية إلا فيما يتعلق ببعض الوسائل. لقد غطى الكاتب في الجزء الأول موضوعات تتعلق بفلسفة التربية الإسلامية وأهدافها وطرق تقديمها في المناهج الدراسية, كما غطى الجزء الثاني توصيات المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي (مكة 1397هـ ) الخاصة بتدريب المعلمين وتحضيرهم للمشاركة في النظام التعليمي في ضوء خطة تعليمية تأخذ روحها من الإسلام بعيدا عن النموذج الغربي. وهذه الخطة التعليمية بلا شك, كما صورها المؤتمر, عنصر هام من عناصر التغير التدريجي باتجاه التربية الإسلامية ذلك أن المعلم يعتبر الدعامة الرئيسية في تحقيق أهداف المنهج التعليمي.

في ضوء تحليلنا لهذه العينة من الكتابات التربوية التي تناولناها بالإيجاز في هذه الدراسة والتي تغطي فترة طويلة من تطور المفاهيم التربوية في المنطقة العربية والإسلامية منذ بداية القرن العشرين الميلادي يجد الباحث ثلاثة اتجاهات بارزة في الكتابات التربوية الإسلامية(11).

الاتجاه الاول: ومجاله الوصف والتتبع التاريخي للمؤسسات والنظم التربوية الإسلامية مثل المساجد والكتاتيب والمدارس والحلقات الدراسية والمعاهد الدينية منذ ظهور الإسلام حتى مطلع القرن العشرين وهو اتجاه ذو صبغة تاريخية في الدراسة.

الاتجاه الثاني:ومجاله الحديث عن المفاهيم والأفكار التي هي نتاج لجهود علماء المسلمين خلال العصور الإسلامية, مثل الآراء التربوية لكل من ابن سينا الغزالي وإخوان الصفا وابن خلدون وغيرهم. وهذا الاتجاه ذو صبغة فلسفية في الدراسة.

الاتجاه الثالث:وهذا الاتجاه هو ما حاولنا التركيز على أهم جوانبه وعلى تطور مفهومه في دراستنا فهو اتجاه لا يكتفي بالحديث عن المؤسسات التعليمية في الماضي وعن مواصفاتها, أو يحدد دراسته بتحليل ومناقشة أفكار علماء التربية المسلمين الذين خدموا الفكر الإسلامي في زمن سابق, بل انه يرجع هذه الأفكار والآراء التربوية إلى مصادرها الاصلية ويحاول أن يميز الغث منها من السمين عن طريق عرضها على أهم مصادر الفكر الإسلامي متمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية. ومن ثم فانه اتجاه لا يكتفي بالسرد التاريخي أو المناقشة الفلسفية بل يرسم الأهداف التعليمية ويناقش طرق تقديمها في وسائل التثقيف الشعبي وفي المناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية من حياة المتعلم في المجتمع المسلم.

إن هذا الاتجاه ينظر إلى التربية الإسلامية كما عرفها سعيد اسماعيل علي أنها (( تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الاجراءات والطرائق العلمية يؤدي تنفيذها الى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام))(12).

وهذه النظرة إلى التربية الإسلامية تشمل مفهومين متداخلين؛ مفهوما عاما يتعلق بالتربية ومفهوما خاصا يتعلق بالتعليم. يغطي المفهوم العام التربية في المجتمع المسلم على أساس كونها ظاهرة مرتبطة بالحياة ولا تقف عند زمن أو عمر معينين لذلك فهي تشمل التربية في البيت والمؤسسات التعليمية الرسمية في المجتمع المسلم ووسائل التثقيف الشعبي على اختلاف مستوياتها. أما المفهوم الخاص للتربية الإسلامية فهو التعليم وهو جزء من المفهوم العام توضع على أساسه البرامج التعليمية, ونختار بموجبة المواد الدراسية في المنهج وتبنى على ضوءه النظم وتصاغ الأهداف التربوية, وتعالج على حسب مرئياته المشاكل الادارية والتربوية فيما يتعلق بالإدارة المدرسية أو المدرس أو الطالب أو المنهج التربوي وعلاقة أحدهما أو جميعا بالبيئة. وهذا المفهوم في التربية الإسلامية بشقية العام والخاص يرفض الفصل, كما أسلفنا, في عقلية المتعلم المسلم بين العلوم الدينية ومواد المنهج الأخرى, ويرفض المفاهيم العلمانية في التربية, وينظر بعين الشك إلى كل علم تطور بعيدا عن البيئة الإسلامية الصحيحة. وهو المفهوم الذي أفضنا في الحديث عن تطوره وأوردنا بعض النماذج من الكتابات التربوية لرصد مساره حيث عكست كتابات محمد قطب قاعدته النظرية في تربية العقل والجسم والروح, وأعطتنا كتابات محمد عطية الابراشي وأحمد شلبي خلفيته التاريخية بتوسع, وأوضحت ميزاته ومعالمه كتابات أحمد فؤاد الاهواني, وبين لنا سعيد اسماعيل على بوضوح أصوله التي يرتكز عليها, وحلل لنا عبد اللطيف طيباوي بدقة المبررات التي أدت الى ابتعاده عن أنظمتنا التعليمية, وأيقظتنا الكوارث المتتالية في العالم العربي علي سبيل المثال وعلى رأسها هزيمة 1967م على أهمية الرجوع, وأخيرا عبرت عن أروع أبعاده وعكست تطوره الأكاديمي سلسلة الكتب التي أصدرتها جامعة المللك عبد العزيز بجدة على أثر انعقاد سلسلة من المؤتمرات حول التعليم الإسلامي.

وأخيرا أود في نهاية هذه الدراسة أن أشرك القارئ معي في بعض الملاحظات حول الكتابات التربوية الإسلامية علها تساعد في إثارة بعض الاهتمام وتسهم في توسيع أفق الوعي التربوي لدي الباحثين.

1- إن التربية الإسلامية بمفهوميها العام والخاص لا تعني بالضرورة رفض بعض الأفكار التربوية الغريبة إذا كانت تتمشى مع روح الإسلام وفي الامكان إخضاعها للأهداف العامة للتربية والتعليم والإسلامي.

2- إن أهم مشكلات التربية الحديثة في العالم العربي والإسلامي ليست مشكلات ذات صبغة مادية أو صبغة اجتماعية بل أنها مشكلات تتعلق بفلسفة التربية نفسها وبالأهداف العامة من التعليم التي أنتقلت في كثير من البلاد – ولا تزال تتجه نحو الانتقال في بلاد أخرى – من وضوح الأهداف في التربية الإسلامية إلى التعثر في بناء أهداف جديدة تعتمد على الأفكار المستوردة من الغرب الرأسمالي أو الشرق الاشتراكي. بل أن أصل الأزمة التعليمية هو وجود هذه الثنائية في التعليم نتيجة لهذا التيار.

3- إن بناء نظرية تربوية إسلامية يجب أن يأخذ في الحسبان كتابات علماء المسلمين المحدثين في التربية, وأن يستمد عناصره من أسهامات الغزالي وابن خلدون وأن يأخذ منطلقاته من القرآن الكريم والسنة النبوية.

4- وقع كثير من المفكرين وكتاب التربية الإسلامية في نوع من الخلط عند تناولهم بعض المصطلحات التربوية. وهذا الخلط ليس سببه بالطبع عدم اتضاح الرؤية فيما يتعلق بالمفاهيم التربوية, بل أهم أسبابه عدم الاهتمام بتعريف المصطلحات التي تتناولها كتبهم ومقالاتهم والتي تعني أشياء مختلفة باختلاف الكتاب. ومن هذه الأمثلة التي هي مصدر لنوع من الخلط مصطلح (( التربية الإسلامية )) الذي اعتبره بعضهم علوم الدين في المنهج الدراسي. ومن هذه الأمثلة التربوية, ايضا الاختلاف في معالجة مصطلحات مثل التربية الدينية, التعليم الديني, الثقافة الدينية , الثقافة الروحية, الثقافة الأخلاقية, التربية الأخلاقية, التربية الروحية, التربية الايمانية وأخيرا الثقافة الايمانية. ونحن لا نعتقد أن هذه المصطلحات تعني الشئ الكثير بالنسبة لمفهوم التربية الإسلامية فهي جمعيا تتعلق بطريقة أو بأخرى بجزء رئيسي من التربية الإسلامية وهو الجانب الذي يركز على العلوم الدينية.

5- إن ما دخرت به كتب التربية الإسلامية من أفكار وآراء ومفاهيم تربوية مثل بعض أعمال الغزالي وأخوان الصفا, على سبيل المثال لا الحصر, ولا تعكس بالضرورة فكرا تربويا أصيلا من ناحية اسلامية وإنما هي اجتهادات شخصية معرضة للانحراف ومنهجنا في الحكم على أصالة الافكار التربوية هو القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

6- تشكو كثير من الكتابات التربوية من قصور في الشكل والمحتوى فأغلبها مثلا لا تحتوي على تواريخ للنشر, ولا تهتم بالدقة والجدية في الدراسة, ولا تعرف المصطلحات, ولا تهتم بالاستشهاد وتبيين المراجع. وهي ايضا لا تعتمد على أسهامات بعضها لتطوير بعض الأفكار التربوية. وكأن الكتابة في مجال التربية الإسلامية ترف فكري ومناقشات حول التواريخ الغابرة ورصد تاريخي لبعض الظواهر.

على أن الوضع قد تغير نوعا ما نحو الاهتمام بالتوثيق في السبعينات الميلادية وعلى الخصوص النصف الثاني من العقد. وظهرت أخيرا سلسلة الكتب التي تبنت إصدارها جامعة المللك عبد العزيزنموذجا رائعا لما يجب أن تكون عليه الكتابات التربوية من اهتمام بالمراجع ومن اهتمام ببناء الأفكار التربوية, ومن استفادتها من بعض في سبيل تطوير الفكر التربوي الإسلامي ليكون على مستوى الأحداث في أمة حاضرها ومستقلبها في أمس الحاجة اليه.

قائمة المراجع (( اللغة العربية))

 1- أبو الحسن على الحسن الندوي ((نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية)), بيروت: دار الأرشاد, 1388ه – 1969م.

2- أحمد الشرباصي. (( عودة إلى الإسلام)), مصر: مطابع شركة الاعلانات الشرقية. (بدون تاريخ للطبع)

3- أحمد شلبي.(( تاريخ التربية الإسلامية)) القاهرة: مكتبة النهضة, 1386ه – 1966م.

4- أحمد فؤاد الاهواني. (( التربية في الإسلام)). القاهرة: دار المعارف,1388ه – 1968م.

5- زغلول راغب النجار. أزمة التعليم وحلولها الإسلامية,((مجلة المسلم المعاصر)). بيروت: العدد الحادي عشر (رجب, شعبان, رمضان) 1397ه.

6-  سعيد اسماعيل على.(( أصول التربية الإسلامية)) القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر, 1369ه -1976م.

7- سعيد اسماعيل علي(( ديمقراطية التربية الإسلامية)) القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر 1394ه – 1974م ز

8- عبد الرشيد عبد العزيز سالم(( التربية الإسلامية وطرق تدريسها)). الكويت: دار البحوث العلمية للنشر والتوزيع, الطبعة الاولى 1395ه.

9- محمد امين المصري. (( لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها)). القاهرة: دار الفكر, (بدون تاريخ للطبع)

10- محمد جمال صقر. (( اتجاهات في التربية والتعليم)) القاهرة: دار المعارف, 1358ه – 1965م.

11-محمد عبد الجواد.(( في كتاب القرية)) القاهرة: مطبعة المعارف, الطبعة الاولى, 1358ه – 1939م.

12-محمد عطية الابراشي.(( التربية الإسلامية)). مصر: الدار القومية للطباعة والنشر 1384ه – 64م.

13-محمد عطية الابراشي.(( التربية الإسلامية وفلاسفتها)) القاهرة: عيس البابي الحلبي وشركاه. الطبعة الثانية. 1389ه  – 69م.

14 –محمد الطاهر بن عاشور.(( أليس الصبح بقريب)) توسن: طبع ونشر المصرف التونسي للطباعة, 1397ه – 72م.

15-محمد فاضل الجمالي. (( نحو توحيد الفكر التربوي في العالم الإسلامي)) تونس الدار التونسية للنشر. 1392ه – 72م.

16-محمد قطب.(( منهج التربية الإسلامية)). القاهرة: دار القلم (بدون تاريخ للطبع)

17-مقداد يالجن وسائل التربية الايمانية في ضوء العلم والفلسفة والإسلام (( مجلة المسلم المعاصر)), بيروت. العدد الخامس.

قائمة المراجع (( اللغة الانجليزية))

·        Al- Afandi, N.H. and N.A. Baloch, eds,

Curriculum and Teacher Education, Jeddah:

King Abdu –aziz University,

·        Husain, S.S and S.A Ashraf, eds, ‘‘Crisis in Muslim Education‘‘Jeddah: King Abdu – Aziz University, 1979.

·        Tibawi, A.L. ‘‘Islamic Education, Its Tarditions and Modernization into the Arab National Systems‘‘, Iondon: Headly Bnothons LTD., 1972.

الهوامش:

1.     سعيد علي أسماعيل: أصول التربية الإسلامية – دار الثقافة للطباعة والنشر 1396ه – 76م ص 5.

2.     محمد جمال صقر: اتجاهات في التربية والتعليم – دار المعارف – 1385ه – 65 م ص 19.

3.     محمد أمين المصري: لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها – دار الفكر – بدون تاريخ ص22.

4.     نفس المرجع ص23.

5.     نفس المرجع ص25.

6.     عبد الرشيد عبد العزيزسالم/التربية الإسلامية وطرق تدريسها الكويت: دار البحوث العلمية1975م.

7.     مقداد يالجن: مجلة المسلم المعاصر – الكويت: دار البحوث العلمية 1975م العدد الخامس,ص77.

8.     عبد اللطيف الطيباوي: Islmic Education Broltens L T D. London P. 36.Headly

9.     زغلول راغب النجار: مجلة المسلم المعاصر – بيروت – العدد الحادي عشر ( رجب, شعبان , رمضان) 1397ه, ص137.

10.  المرجع السابق

11.  الاتجاهان الأولان ذكرهما سعيد اسماعيل علي في كتابه, أصول التربية الإسلامية دار الثقافة للطباعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر