Uncategorized

كلمة التحرير : فبما كسبت ايديكم "سنن سقوط الأمم"

{لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَـاعَةً وَلاَ يَسْــــتَقْدِمُون} (يونس: 49).

– ولمجيء الأجل أسباب عددها الله في كتابه.

– وهذه كلها سنن إلهية لا تتبدل ولا تتغير.

– فكون أن لكل أمة أجلاً سنة: فما من أمة خالدة إلى يوم الدين، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} (آل عمران: 140)، وكم حكى لنا القرآن عن أمم بادت، وعن أسباب هلاكهم، وطريقة هلاكهم؛ حتى يتعظ من بعدهم، ولكن يبدو أن الغفلة وعدم الاتعاظ سنة عامة، إلا من رحم ربك.

– وكون أن لمجيء الأجل أسبابًا سنة: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: 117)، وقاعدة ترتب النتائج على الأسباب هي بذاتها سنة {وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَـبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَـــــبَبًا} (الكهف: 84،85).

– والأسباب التي ذكرها القرآن لسقوط الأمم وهلاكها كثيرة، نكتفي هنا بذكر بعضها:

1- الاستكبار:

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُون} (المؤمنون: 76،77).

2- الإعراض عن شكر الله وعن العمل الصالح:

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا} (الإسراء: 67،68).

{َلَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِم} (سبأ: 15،16).

{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (الجن: 16،17).

3- بطر المعيشة:

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِــمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِين} (القصص: 58).

{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَـــاهُمْ بَغْتَـــةً فَـإِذَا هُمْ مُبْلِسُون} (الأنعام: 44).

4- البطش:

{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِين} (الزخرف: 8).

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد} (ق: 36،37).

5- الترف والفسوق:

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء: 16).

6- الطغيان:

{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم ِ(20) … قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(31) } (القلم: 19،20،31).

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) … الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (الفجر: 6، 11-14).

7- الظلم:

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ بُعْـــدًا لِمَدْيَنَ كَمَــا بَعِدَتْ ثَمُود} (هود: 94،95).

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَــــانُ وَهُمْ ظَـــالِمُون} (العنكبوت: 14).

{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَــــةُ الظَّــالِمِين} (القصص: 40).

8- الفساد:

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} (الروم: 41).

{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُـــوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: 116،117).

9- مكر السيئات :

{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْــرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُور} (فاطر: 10).

10- الشذوذ الجنسي:

{وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ (80) … وَأمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ (84)} (الأعراف: 80-84).

هذا بعض ما ذكره القرآن كأسباب لسقوط الأمم وهلاكها، وأحد هذه الأسباب كفيل بترتب النتيجة، فما بالكم إذا اجتمعت هذه الأسباب في أمة؟

لا يهم حينئذ معرفة السبب المباشر الذي أجرى الله على يديه النتيجة، وإنما المهم -لأخذ العبرة- معرفة السبب الحقيقي من بين الأسباب التي ذكرنا بعضًا منها.

– والجامع بين هذه الأسباب هو ما قرره القرآن الكريم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير} (الشورى: 30).

– ويتساءل البعض: وما ذنب المدنيين؟ وهو تساؤل وارد بالنسبة للسبب المباشر؛ إذ المسئولية فردية، أما بالنسبة للسبب الحقيقي، فالقاعدة هي التضامن في المسئولية {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُــــوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25) ، وحديث السفينة التي أحدث البعض فيها خرقًا، فإن أخذ الباقون على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا، وإلا غرق الجميع.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} (يوسف: 21).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر