أبحاث

طه عبد الرحمن والعز بن عبد السلام – دراسة مقارنة في المنظومة الأخلاقية الإسلامية

Taha Abdel Rahman and Al Izz Ibn Abdel Salam : A Comparative Study of the Islamic Moral System - العدد 172 /173

«لو أنني سئلت أن أُجمَلَ فلسفة الدين الإسلاميّ كلَّها في لفظين، لقلت: إنها ثبات الأخلاق، ولو سُئل أكبرُ فلاسفة الدنيا أن يُوجز علاجَ الإنسانية كلَّه في حرفين، لما زاد على القول: إنه ثبات الأخلاق، ولو اجتمع كلُّ علماء أوروبا ليدرسوا المدنية الأوربية ويحصروا ما يُعوزها في كلمتين لقالوا: ثبات الأخلاق».

مصطفى صادق الرافعي

(وحي القلم، ٢: ٤٤٤)

في ظل الواقع الحداثي الذي يؤسس أخلاقاً عقلانية خالصة، مبتورة الصلة عن الدين، ومنفصلة عن القيمة، تتعالى أصوات المفكرين إلى ضرورة إصلاح عطب الحداثة، وإيجاد بديل ينهض بالإنسان روحاً، ويسمو به أخلاقاً([1]). يمثل النقد الأخلاقي للحداثة الغربية عند الفيلسوف والمفكر المغربي طه عبد الرحمن، مشروعاً نهضوياً حضارياً، مؤسساً على الأخلاق الإسلامية، يهدف إلى إعادة صياغة واقع الإنسان المعاصر بما ينسجم والغايةَ من وجوده في هذه الأرض. في هذا السياق، ألف طه كتابه “سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية” (عام ٢٠٠٠)، قوّضَ فيه مفهوم الحداثة الغربية، ثم أردفه بكتاب “روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية” (عام ٢٠٠٦) أرسى فيه قواعد الحداثة الإسلامية. ثم كتابه “بؤس الدَّهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين” (عام ٢٠١٤).

تعرض الدراسةُ المنظومة الأخلاقية الإسلامية عند طه عبد الرحمن، في أربعة محاور:

١. مصدر الأخلاق الإلهي.

٢. مركزية الأخلاق في الشريعة الإسلامية.

٣. القلب مهد الصلاح والإصلاح.

٤. الأخلاق الفطرية.

ثم تقارنها بالمنظومة الأخلاقية عند الفقيه الأصولي العزّ بن عبد السلام (ت. ٦٦٠هـ) التي تلتقي في مكوناتها الأساسية وبُعدها الشمولي مع معالجة طه الأخلاقية.

إن النسق الأخلاقي للمنظومتين مؤسس على ركن ركين، ألا وهو مبدأ التوحيد، أو الدين بالمفهوم الأوسع؛ فلا أخلاق بغير دين، كما أن معرفة الله عز وجل من شأنها أن تضفي بُعداً أخلاقياً على تصرفات البشر، تعزيزاً لمحاسن الأخلاق، وطرداً لمساوئها. وإذا ما توجه القلب نحو هذه المعرفة الإلهية، وتضلّعَ من معينها الروحي، انعكست على جوارحه تخلقاً وإحساناً. والسعادة عند طه والعز، لا تنال إلا بالعلم والعمل،([2]) (والعلم يراد للعمل)، ومن هنا ابتدأ مسار الأخلاق في المنظومتين بالمعرفة وانتهى بالتطبيق، على اختلاف – طبعاً- في أسلوب وآلية الانتقال من القوة العالمة إلى القوة الفاعلة. وكما يبين درّاز، إن القانون الأخلاقي الكامل هو الذي لا يكتفي برسم مخطط الفضائل في مجالها النظري فحسب، إنما ينقلها إلى مجال النشاط العملي بجميع صوره وأشكاله، ويقيم منهاجاً يلتزم به الفرد والجماعة (دراز ١٩٩٠، ٥٦).

ومن أهم دواعي المقارنة بين موقف طه والعز من القضية الأخلاقية في الإسلام، أمران: الأول: لا يكاد يعثر القارئ ………

 

 

مراجع البحث

 

——————————————————————————————–

([1]) من هؤلاء الدكتور الوهاب المسيري، رحمه الله، في كتابه “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”، “الحداثة وما بعد الحداثة”؛ ووهانس يوناس في كتابه “مبدأ المسؤولية: أخلاق من أجل الحضارة التكنولوجية”

Hans Jonas, Le Hans Jonas Principe responsabilité: Une éthique pour la civilisation technologique (Paris: Flammarion, Collection Champs Essais/ Les Editions du Cerf, 1990).

ويورغان هابرماس في كتابه “الأخلاق والتواصل”

Jurgen Habermas, Morale et communication (CERF edición, 1987).

([2]) حول الجمع بين العلم والعمل، انظر( ابن مسكويه، ١٩٩٨، ٥٠-٥١؛ الغزالي ٢٠١٨، ٩٤-٩٧).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر