أبحاث

تقييم التجربة الماليزية في إقامة أول سوق نقدي إسلامي

العدد 88

  مقدمة:

      في السنوات القليلة الماضية تحولت أنظار العالم إلى شرق وجنوب شرق آسيا لتطالع بإعجاب بالغ المعجزة الآسيوية التي تتحقق على أيدي النمور الآسيوية في كافة المجالات بما فيها قطاع المال والمصارف ، حيث رسخت أسواق المال الآسيوية الصاعدة أقدامها بين أعرق وأكبر الأسواق العالمية التقليدية.

        ومن بين فريق النمور الجدد برزت التجربة التي يقودها أحد أولئك النمور ليحول الأنظار من توجهها التقليدي لمنطقة الخليج إلى جنوب شرق آسيا، وإلى ماليزيا بالذات، حيث تشهد حركة العمل المصرفي الإسلامي العديد من التطورات المتلاحقة ، فإذا كانت مشكلة السيولة النقدية ومحدودية الأدوات المصرفية الإسلامية، وغياب السوق النقدي الإسلامي كانت – ولا زالت- تمثل عقبات رئيسية أمام محاولات تطوير العمل المصرفي الإسلامي، فإن ماليزيا شهدت مؤخرًا مولد أول سوق نقدي إسلامي، بعد ما نجحت في توسيع تشكيلة الأدوات المصرفية الإسلامية، وتوسيع قاعدة المؤسسات المشتركة في سوق العمل المصرفي الإسلامي، ووضع أول سوق إسلامي للمعاملات بين البنوك. ومن ثم فقد أعلنت ماليزيا قيام نظام نقدي إسلامي متكامل يعمل جنبًا إلى جنب مع النظام النقدي التقليدي، تحت مظلة وقيادة واحدة هي البنك المركزي الماليزي.

ورغم ذلك ، فإن التجربة الاليزية لا تزال مجهولة بالنسبة للكثيرين، ولم تلق بعد ما تستحقه من اهتمام، من هنا كانت الإشكالية الرئيسية لبحثنا هذا تدور حول كيفية وضرورة إماطة اللثام عن هذه التجربة الرائدة في تطوير حركة العمل المصرفي الإسلامي ، وكيفية تطورها، ونجاحها في الوصول إلى ما عجزت عنه التجارب الأخرى، التي تم فيها تحويل النظام الصرفي بالكامل للعمل وفق الشريعة الإسلامية بقرار سياسي ( كما هو الحال في باكستان وإيران  والسودان) كذلك يثور التساؤل عن مدى نجاح هذه التجربة، وعن دى إمكانية تعميمها، وعن أهم الدروس الستخلصة منها.

ومن ثم، ففي ضوء الكتابات المحدودة التاحة عن هذه التجربة- ربما بسبب حداثتها – سنحاول في هذه الورقة الرد على التساؤلات السابقة، وإن كان الرد لا يشبع كل طموحاتنا.

الفصل الأول

المعجزة الآسيوية وتطور الاقتصاد الماليزي

يبدو ان التطور الذي حققته التجربة الماليزية في العمل المصرفي الإسلامي  ما هو إلا ثمرة من ثمار التطور العام الذي حققته ماليزيا في العديد من المجالات، بما أهلها للانضمام بجدارة إلى فريق النور الآسيوية، الذي نجح في تحقيق اصطلح علي تسميته بالمعجزة الآسيوية. وهذا ا سنتناوله في المباحث الثلاثة التالية:

المبحث الأول: معجزة النمور الآسيوية.

المبحث الثاني: تطوير الاقتصاد الماليزي.

المبحث الثالث: الجهاز المالي والمصرفي الماليزي وبداية العمل المصرفي الإسلامي.

المبحث الأول

معجزة النمور الآسيوية

تحت عنوان المعجزة الشرق آسيوية أصدر البنك الدولي إحدى دراساته(1)، التي يتناول فيها النمو العجز- Miraculous growthفي ثماني دول هي:

1.    اليابان

2.    النمور الأربعة Four Tigers : كوريا الجنوبية – هونج كونج- تايوان- سنغافورة .

3.    الاقتصاديات الصناعية الحديثةCountries NIEs):    Newly Industrialising(أندونسيا – ماليزيا – تايلاند – أو النمور الجديدة.

وأطلقت الدراسة على هذه الدول وصف: الاقتصاديات الآسيوية ذات الأداء المرتفع High Performing Asian Economies (HPAEs).

 فمنذ عام 1960 زادت سرعة النمو في هذه الدول ذات الأداء المرتفع HPAEs  ، بأكثر من مرتين سرعة النمو في بقية دول شرق آسيا، وبحوالي ثلاث مرات سرعة النمو في أمريكا الاتينية وجنوب آسيا ، وبحوالي 5 مرات سرعة النمو في أفريقيا جنوب الصحراء. والأكثر من ذلك فإن معدلات   النمو في هذه الدول فاقت مثيلاتها في الاقتصاديات الصناعية، والدول البترولية الغنية في شرق وشال أفريقيا(2).

كذلك زاد الدخل الفردي الحقيقي بأكثر من أربع مرات في اليابان والنمور الأربعة، وبأكثر من الضعف في أندونسيا وماليزيا وتايلاند.

ومن ناحية أخرى استطاعت هذه الاقتصاديات ذات الأداء المرتفع HPAEs  أن تحقق نجاحًا غير عادي في الاقتسام والتوزيع العادل لثمار هذا النمو، فبالمقارنة بين التغيرات في معدلات النمو في الناتج القوي الإجمالي والتغيرات في معامل « جيني» ( كمقياس لعدم العدالة في توزيع الدخل) في الفترة 1965- 1990م ،تبين أن معدلات نمو الدخل الفردي كانت أعلى بكثير من مثيلاتها في بقية الدول النامية، في الوقت الذي تحسن توزيع الدخل فيها بدرجة متساوية أو أعلى من بقية الدول النامية ، وذلك باستثناء كوريا الجنوبية وتايوان اللتين بدأتا الفترة بتوزيع للدخل على درجة عالية من العدالة. ومن ثم فإن هذه الاقتصاديات ذات الأداء المرتفع هي الاقتصاديات الوحيدة التي صاحبت تحقيق معدلات مرتفعة للنمو فيها انخفاض في عدم العدالة في توزيع الدخل.والاكثر من ذلك فإن الدول شرق  الآسيوية الأسرع نموًّا (اليابان والنور الأربعة) كانت هي الدول الأكثر عدالة في توزيع الدخل (3).

وكنتيجة لهذا النمو السريع والتوزيع العادل تحسن مستوى الرفاهية بدرجة كبيرة، فمعدل العمر زاد في هذه الدول ن 65 سنة في عام 1960 إلى 71 سنة في عام 1990م. كذلك انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مطلق ( الذين يعانون من نقص الحاجات الأساسية مثل الماء النظيف والطعام والمأوى) من 58% عام 1960 م إلى 17% في أندونسيا عام 1990م، ومن 37% لأقل من 5% في ماليزيا في نفس الفترة. وعلى نفس المنوال فإن مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية الأخرى حققت نفس المعدلات المرتفعة حتى وصلت إلى مستويات تفوق – في بعض الأحيان- مثيلاتها في الدول الصناعية المتقدمة (4).

هذا، وإن كانت هناك اختلافات كبيرة بين هذه الدول الآسيوية (HPAEs  ) من حيث مدى توفير الموارد الطبيعية بها، والتركيبة السكانية كمًّا ونوعًّا،  ومستوى الثقافة، والسياسات الاقتصادية المتبعة، إلا أن هناك العديد ن الخصائص التي تميزها وتبرر وضعها في مجموعة واحدة تفردة عن بقية الدول الأخرى لعل أهمها(5) :

·     النمو السريع والمعزز والمستمر في الفترة ن 1960 حتى 1990  ( وحتى الآن)، الأمر الذي يعد استثناءً في حد ذاته فيما بين الدول النامية ، حيث حقق البعض منهم معدلات مرتفعة للنمو لم تدم إلا لفترات محدودة ، ولكن لم تستمر لثلاثة عقود متواصلة، كما هو الحال في الدول الآسيوية ذات الأداء المرتفع .

·     تنفرد هذه الدول بما نجحت فيه من الجمع بين النمو السريع والمستمر، وبين المستوى العالي للعدالة في توزيع الدخل.

·     التحولات الديموجرافية السريعة، والقطاع الزراعي القوي والنشيط، والنمو السريع وغير العادي للصادرات.

·     ارتفاع  معدلات الادخار، والاستثمار، والتي فاقت20% من الناتج القوي الإجمالي بين 1960 و 1990م، وبصفة خاصة ارتفاع معدلات استثمار القطاع الخاص، والذي صاحبه الارتفاع المتزايد في مواهب ومهارات الثروة البشرية بفضل تعيم التعليم الأولي والثانوي.

·     وإذا كان من الممكن أن نفرد ثلثي الفضل فيما تحقق من المعجزة إلى العاملين السابقين، فإن الثلث الباقي يكون من نصيب التحسن في الإنتاجية، حيث حققت هذه الدول معدلات عالية وغير عادية في زيادة الإنتاجية، بما يفوق المعدلات المحققة في غالبية الدول النامية الأخرى، أو حتى في الدول الصناعية. ويرجع هذا الارتفاع الكبير في  مستوى الإنتاجية إلى الجمع بين النجاح غير العادي في توجيه رأس المال إلى الاستثمارات ذات العائد المرتفع، وبين اللحاق بأعلى المستويات التكنولوجية الوجودة في الدول الصناعية. ويرجع هذا الارتفاع الكبير في  مستوى الإنتاجية إلى الجمع بين النجاح غير العادي في توجيه رأس المال إلى الاستثمارات ذات العائد المرتفع، وبين اللحاق بأعلى المستويات التكنولوجية الوجودة في الدول الصناعية.

المبحث الثاني

تطوير الاقتصاد الماليزي

استطاعت تجربة التنمية في ماليزيا – خلال العقود الثلاثة الماضية – أن تجمع بين معدلات نمو مرتفعة ومعدلات تضخم منخفضة نسبيًا، وأن تحقق تحولًا هيكليًا مع عدالة في التوزيع، وذلك في دولة تتميز بتعدد في الأديان والثقافات والقوميات (6).

ويوضح لنا الجدول رقم (1) معدلات النمو المرتفعة التي حققها الناتج القوي الإجمالي الحقيقي ، والتي تصل في المتوسط إلى 9% سنويًا.

جدول رقم (1)

أهم مؤشرات تطور الاقتصاد الماليزي

1977-1980

1981-1984

1985-1987

1988

1989

1990

1991

1992

معدل نمو الناتج القومي الإجمالي

7,9

6,8

1,8

8,9

9,2

9,7

8,7

8,0

كنسبة من الناتج القومي الاجمالي

الادخار القومي الإجمالي

30,4

26,5

29,5

33,0

30,2

29,6

28,0

32,3

الادخار القومي الخاص

…..

21,8

     20,7

24,1

19,3

18,1

16,3

20,5

الادخار القومي العام

…..

4,7

8,8

8,9

10,9

11,4

11,7

11,8

الاستثمار المحلي الإجمالي

28,1

37,0

27,4

27,5

30,8

33,5

38,1

35,4

الاستثمار المحلي الخاص

15,9

19,3

15,7

16,3

19,6

21,9

25,3

24,5

الاستثمار المحلي العام

10,1

16,9

12,6

9,3

11,5

12,0

11,9

11,6

الحساب الجاري لميزان المدفوعات

2,3

10,5

2,1

5,5

– 0,6

– 0,4

– 10,1

– 3,1

إجمالي الدين الخارجي

22,1+

47,9

75,6

61,7

51,4

46,1

46,4

45,0

الدين العام الداخلي

48,5

71,0

103,4

103,6

93,2

85,9

79,9

69,1

عجز الميزانية

– 6,3

12,5

-0,8

-4,6

-4,5

-1,3

-2,7

-0,8

خدمة الدين X

+2,6

10,4

18,2

13,6

10,4

8,4

6,8

6,3

الاحتياطيات الدولية*

6,4

4,1

6,6

4,9

4,3

4,1

3,7

5,5

+ 1979 / 1980

× كنسبة من صادرات السلع والخدمات

● بعدد شهور واردات السلع والخدمات

المصدر: IMF, Malazyzia- Recent economic development, SM/93/195, August 24, 1993, p. 3

وبناء عليه فقد تضاعف دخل الفرد أربع مرات منذ الاستقلال في عام 1957، وحتى عام 1992، وتطور هذا الدخل من 450 دولار في عام 1972، إلى 1900 دولار عام 1982، ثم إلى 2790 دولار عام 1992 (7). كذلك فقد تراجع الفقر وحققت مؤشرات التنمية الاجتماعية  تطورات كبيرة(7) ، وزادت درجة العدالة في توزيع الدخل  هذا في الوقت الذي انخفضت فيه معدلات التضخ من 7,3% في المتوسط في الفترة 1970م  – 1980م، إلي 2% في المتوسط خلال الفترة 1980م – 1992  (8).

كذلك يوضح لنا الجدول المذكور ارتفاع نسب الادخار القومي الإجمالي والاستثار المحلي الإجمالي، والتي وصلت في عام 1992م إلى 32,3% ، 35،4% على التوالي، من الناتج القومي الإجمالي. كذلك تتضح محدودية العجز في ميزان المدفوعات، وفي ميزانية الدولة بالنسبة للناتج القومي الإجمالي. أيضًا وإن كانت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج القومي الإجمالي قد زادت في عام 1992م عما كانت عليه في نهاية السبعينات، إلا أنها انخفضت كثيرًا عن مستواها الذي كانت عليه في منتصف الثمانينيات ، كذلك انخفضت نسبة خدمة الدين إلى حدود محدودة للغاية، في الوقت الذي استمر فيه مستوى الاحتياطيات الدولية على ارتفاعه.

وبعد أن كان النمو يرتكز في الستينات على الإنتاج الزراعي بصفه أساسية ، حيث كان يمثل 40% من الناتج، في الوقت الذي كان فيه إسها القطاع التصنيعي أقل من 10% من هذا الناتج وكانت سلعتان فقط (المطاط والقصدير) تشكلان 70% من الصادرات، فقد أدى النمو المعجل في الاستثمار والإنتاج الصناعي إلى زيادة نصيبه في الناتج المحلي الإجمالي الآن لأكثر من 30%، 70% من إجمالي الصادرات، بل وأصبحت المنتجات الكهربائية والإلكترونية تمثل – الآن – وحدها 40% من هذا الإجمالي(9).

هذا وقد حققت صادرات السلع والخدمات طفرات كبيرة وزادت من 1,9 مليار دولار تقريبًا في عام 1972م، إلى 14,3 مليار دولار عام 1982م، لتصل إلى 46,6 مليار دولار عام 1992م (10).

وهذا لا يمنع من أن الأقتصاد الماليزي واجه فترات أزمات، خاصة في بداية الثمانينيات ن هذا القرن ، حيث وصل عجز الميزانية والحساب الجاري إلى 17%، 14% ن الناتج القومي  الإجمالي على التوالي في عام 1982، وتراجعت معدلات التبادل بشدة في عام  85/ 1986 . وفي نهاية 1986 وصل الدين الخارجي إلى 85% ن الناتج القوي الإجمالي، ووصلت نسبة خدمة الدين إلى 20% من إجمالي الصادرات، ودخل الاقتصاد في حالة ركود، وانخفض الاستثمار الخاص بنسبة 25%، وتقلصت أسواق الأسهم والعقارات من عام 1987، الأمر الذي أدى إلى إفلاس العديد من المؤسسات المالية.

ولكن بدءًا من 1986 وضعت استراتيجية للتنمية من خلال خطة خمسية (86/ 1990) عمادها حفز نشاط القطاع الخاص باعتباره المحرك الأساسي للنمو. وفي سبيل تحقيق ذلك تم التركيز على العناصر التالية(11):

·  تحسين مناخ الاستثمار من خلال تخفيض الضرائب على أرباح الشركات وتخفيف القيود.

·  إعادة هيكلة قطاع المشروعات العامة، من خلال المبادرة بوضع برنامج للخصخصة، مع وقف إنشاء مشروعات عامة جديدة.

·  اتخاذ العديد من الإجراءات لدعم وتقوية الجهاز المالي والصرفي، ولزيادة كفاءة وعمق الأسواق المالية.

·  وضع سياسة لسعر الصرف لتأمين القدر المناسب من المنافسة.

·  اتخاذ موقف متحفظ حيال الافتراض الخارجي، والإصرار على التعجيل في سداده، ع إعادة تمويل الدين القائم.

وكانت النتيجة أن أخذ الاقتصاد الماليزي في استعادة قوة الدفع المعهودة بدءًا من عام 1987. ومكنت سياسات الإصلاح وإعادة التكيف من وضع الاقتصاد الماليزي في موقع يمكنه من الاستفادة من التحولات في المنافسة الدولية، الأمر الذي  نتج عنه حدوث  القفزة الكبيرة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من اليابان والنمور الآسيوية الأخرى(12).

المبحث الثالث

الجهاز المالي والمصرفي الماليزي وبداية العمل المصرفي الإسلامي

يتكون هيكل الجهاز المالي والمصرفي الماليزي من العناصر التالية:

·     المؤسسات المصرفية : Bank Institutionsويشمل : البنوك التجارية، وبنوك الاستثمار (أو البنوك التاجرةMerchant banks)، وشركات التمويل Finance companies.

·     المؤسسات الالية غير الصرفية Non- Bank Institutions  وتشمل : البنك الوطني للمدخرات National saving bank ، وصناديق المعاشات Pension funds، وشركات التأمين، ووكالات الائتمان التخصصة Specialised credit agencies.

هذا وتستأثر البنوك التجارية بحوالي 70% من إجمالي أصول المؤسسات الصرفية، وتستأثر شركات التويل بحوالي 23% من هذه الأصول . ويصل عدد البنوك في ماليزيا ( في نهاية 1993) إلى 37 بنكًا، منه 16 بنكًا أجنبيًا تستأثر بحوالي 25% من السوق المحلي(13).المصرف

وفي تمام 1978م حررت لأول مرة أسعار الفائدة، حيث سمح للمؤسسات المصرفية بأن تحدد بحرية الفائدة المقررة على الودائع والسلفيات.. وفي عام 1985م أدخلت مجموعة من الإصلاحات التي زادت من تحرير النظام المالي والصرفي وتوسيع نطاقه. وفي بداية عام 1991م تم تحرير معدل الإقراض الأساسي، حيث سمح لكل بنك تجاري وشركة تمويل بأن تضع بحرية معدل إقراضها الأساسي، على أساس تكلفة الأموال الخاصة بها. هذا ويخضع القطاع المالي والمصرفي لعملية تطوير مستمرة للاستفادة من أحداث النظم والمبتكرات.

وخلال الفترة 1990-1992، أدخلت عدة إصلاحات شملت إنشاء وكالة للترتيب الإنمائيCredit rating agency، وإزالة عدة قيود خاصة بنشاط شركات التويل وبنوك الاستثمار، وعدة إجراءات أخرى لتطوير الأسواق المالية(14).

على أن أهم التغييرات التي لحقت بالجهاز المالي  والمصرفي الماليزي هو بداية العمل – منذ 1983م- بنظام مصرفي إسلامي جنباً إلى جنب مع النظام المصرفي التقليدي. وتعتبر التجربة الاليزية في هذا المجال من التجارب الفريدة الرائدة في العديد من النواحي، على النحو الذي سنتناوله بالتفصيل فيما يلي:

تأسيس « بنك إسلام ماليزيا» وبداية العمل المصرفي الإسلامي

تعتبر تجربة العمل المصرفي الإسلامي في اليزيا ن أقدم التجارب، حيث أنشئ في عام 1940 – كما أشرنا في مقدمة هذا البحث – أول صندوق للادخار لا يتعامل بالفائدة. ورغم أن بداية نشأة البنوك الإسلامية تعود إلى منتصف السبعينات، إلا أن أول بداية حقيقية للعمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا تعود إلى عام 1983م مع إصدار قانون العمل المصرفي الإسلامي، وتأسيس أول بنك إسلامي ماليزي وهو بنك إسلام  ماليزيا برهاد “Bank Islam Malaysia Berhad – BIMB ” الذي استمر طيلة عشر سنوات بفرده- تقريبًا- يمثل حور العمل المصرفي الإسلامي هناك.

هذا، وقد تم إنشاء البنك بناء على مبادرة حكومية، حيث قام رئيس وزراء ماليزيا – نتيجة مساعي بعض المؤسسات والشخصيات الماليزية – بتشكيل لجنة وطنية للبنك الإسلامي في 30/7/ 1981م، وتمخض ا بالأمر في النهاية عن صدور « قانون العمل المصرفي الإسلامي Isamic banking act»، والذي بدأ سريانه في 7/4/1983م، وتم بموجبه استحداث جوعة ن الخدمات والمنتجات المصرفية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية.

وعند تأسيس « بنك إسلام ماليزيا BIM»، اقتصر الإسهام في البداية- وفقًا لتوصية اللجنة المذكورة- على الحكومة المركزية والجهات الحكومية المحلية. وبدأ البنك عملياته في 1/7/1983م بفرع وحيد في العاصمة كوالابور.

وحسب أراض البنك، فإن نشاطاته تستند إلى أحكام السيعة الأسلاية في كافة عملياته المصرفية. وفي إطار تلك الأحكام يقدم البنك ما يلي (15):

أ‌-        جميع الخدمات المصرفية التقليدية مثل قبول الودائع، ومنح التسهيلات الائتمانية، وتوفير تسهيلات حفظ الأمانات، وتحويل الأموال. ويقبل البنك ودائع الادخار، وتحت الطلب وفق قواعد الوديعة. كما يقبل البنك كذلك ودائع الأجل في صورة ودائع استثارية عامة وودائع استثماية خاصة، وذلك وفقًا لقواعد المضاربة . وتشبه الودائع الاستثمارية العامة والودائع الاستثمارية الخاصة الودائع حددة الأجل التي تقبلها بصفة عامة كل البنوك التجارية وبنوك الاستثمار والشركات الالية. ومع هذا فغن الودائع الاستثمارية الخاصة تمكن المودعين من تحديد الأسلوب الذي سيتبعه البنك في استغلال هذه الودائع. وتفرض رسو خدمة على الودائع تحت الطلب، والتي لا تحقق أي عائد على المودعين. ولا يحق لأصحاب حسابات الادخار الحصول على أي نسبة ن أرباح البنك، ولكن يجوز للبنك، بناء على سلطته التقديرية المطلقة ، أن يكافئ هؤلاء المودعين نظير إيداعهم أموالهم لدى البنك تعبيراً عن امتنانه لهم. وتدفع الأرباح إلى أصحاب الحسابات الاستثمارية العاة ن العائدات التي يحققها البنك من مجمل نشاطاته الاستثمارية والتمويلية، بينما تدفع إلى أصحاب الحسابات الاستثمارية الخاصة الأرباح، أو يحملون خسائر حسب الطريقة التي تستغل بها ودائعهم.

ب‌-    ويقوم البنك بمنح تسهيلات تمويلية مثل تمويل المشاريع حسب قواعد المضاربة والمشاركة، وتويل الاستئجار حسب قواعد التأجير والتمويل بالإيجار Leasing، وتمويل الشراء بالتقسيط حسب قواعد البيع بالثمن الآجل، وتمويل التجارة ( بما في ذلك تويل تداول الأوراق التجارية وخطابات الاعتماد) حسب قواعد الرابحة والمشاركة والوكالة، وخطابات الضمان حسب قواعد الكفالة، والقروض الخيرية حسب قواعد القرض الحسن.

وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن أثبت « بنك إسلام ماليزيا برهاد» أنه مؤسسة مصرفية فاعلة، حيث امتد نشاطه بسرعة في جميع أنحاء ماليزيا. وبعد أن بدأ بفرع واحد في العاصمة كوالالبور في عام 1983م، أصبح له شبكة تضم 52 فرعاً بنهاية 1993م.

هذا، وقد ارتفعت قيمة إجمالي موارد هذا البنك من 171 مليون رنجت ماليزي (66,5 مليون دولار) في نهاية عام 1983م، لتصل إلى نحو بليوني رنجت اليزي (778 مليون دولار) بنهاية شهر يوليو 1993م، شكلت الودائع فيها ما قيمته 1,6 بليون ( 623 مليون دولار) أي ما نسبته 80% من إجمالي الموارد. وازدادت قيمة عمليات التمويل التي قام بها هذا البنك من 41 مليون رنجت ماليزي ( 16 مليون دولار) في نهاية عام 1983م لتبلغ 1,1 بليوناً ( 428 ليون دولار) بنهاية شهر ديسمبر عام 1993م (16).

كذلك فإنه نتيجة لنجاح البنك، وفي إطار برنامج الخصخصة، ت إدراج أسهم بنك إسلام اليزيا في اللوحة الرئيسية للتداول في سوق كوالالمبور للأوراق المالية اعتباراً من 17/ 1 / 1992م(17).

خضوع « بنك إسلام ماليزيا» لرقابة البنك الركزي الماليزي :

وعلى صعيد الانضباط المصرفي، يلتزم « بنك إسلام ماليزيا برهاد» بالقواعد التنظيمية ذاتها الفروضة على البنوك الأخرى التي تقدم خدات مصرفية تقليدية. فيجب على البنك المذكور أن يلتزم بحد أدنى من رأس المال المرجح بالمخاطر نسبته 8% اعتبارًا من الأول من يناير عام 1992م. كما يلتزم بالاحتفاظ بحساب احتياطي قانوني (إلزامي ) لدى البنك المركزي الماليزي، وقد بلغت في عام 1993م نسبة الاحتياطي القانوني (الإلزامي) المطلوبة 8.5% من إجالي المطلوبات المعنية. يضاف إلى ذلك، أنه يجب على البنك المذكور أن يلتزم بنسبة سيولة أولى (أصول سائلة) قدرها 10% من المطلوبات المعنية، ما عدا مطلوبات الحسابات الاستثمارية ، وبنسبة سيولة ثابتة (أصول سائلة) قدرها 5% من إجمالي مطلوبات الحسابات الاستثمارية. وتشمل المطلوبات المعنية جميع الودائع، وصافي الافتراض من مؤسسات مالية أخرى، وصافي عمليات (اتفاقات) إعادة الشراء Repurchase agreements. بينما الأصول السائلة تتضمن النقد، وأرصدة لدى البنك المركزي (باستثناء الاحتياطي القانوني)، و« شهادات الاستثمار الحكومية» GIC. ولقد كانت نسب السيولة في البنك المذكور بنهاية شهر يونيو 1993م أعلى من الحدود الدنيا المقررة لها(18).

الفصل الثاني

قيام السوق النقدي الإسلامي في ماليزيا

  كان إنشاء بنك إسلام ماليزيا BIMبمثابة الخطوة الأولى نحو انطلاقة العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا . ولكن الخطوة الأهم جاءت بعد عشر سنوات، بدخول نظام العمليات المصرفية بدون فوائد في العمل ابتداء من 4 مارس عام 1993م، ذلك النظام الذي أعلن قيام أول سوق نقدي إسلامي. ومن ثم نستعرض تطور قيام هذا السوق وتقييمه من خلال المباحث الخمسة التالية:

المبحث الأول:مفهوم السوق النقدي ومعاملات ما بين البنوك.

المبحث الثاني: توسيع قاعدة الخدمات والأدوات المصرفية الإسلامية في ماليزيا.

المبحث الثالث:توسيع قاعدة المشاركين في العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا.

المبحث الرابع:إقامة أول سوق إسلامي للمعاملات بين البنوك في ماليزيا.

المبحث الخامس:تقييم تجربة العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا.

المبحث الأول

مفهوم السوق النقدي ومعاملات ما بين البنوك

السوق النقدي يمثل علاقة اقتصادية تقوم على تبادل النقود وعرض وطلب الأئتمان قصير الأجل (أقل من سنة) فيا بين المؤسسات المالية والنقدية الوسطية (19). والواقع أن هذا السوق يضم مجوعة من الأسواق المرتبطة ببعضها البعض، والتي تتعال في أصول قصيرة الأجل وسائلة نسبيًا. وفي هذا السوق تستطيع البنوك أن توظف فوائضها النقدية ولو لمدة يوم واحد Overnight، في نفس الوقت الذي يمكنها الحصول على الأموال الازمة لسد ما يطرأ عليها من عجز.

ويمثل أهم الأطراف المشاركين في السوق النقدي في (20):

·        البنوك المركزية التي تمسك بمقاليد السياسة النقدية في المجتمع، وتمارس عمليات السوق المفتوح ، وتلعب دور المقترض الأخير، وتتحكم في حجم الكتلة النقدية، وحجم الائتمان، وأسعار الخصم والفائدة… إلخ.

·        البنوك التجارية،حيث تمثل الودائع قصيرة الأجل والودائع تحت الطلب الجزء الرئيسي ن خصومتها، وتمثل في ذات الوقت الأداة الرئيسية للسوق النقدي. كذلك فإن جزءًا من أصولها يشتمل على قروض وأدوات

استثمارية قصيرة الأجل وقابلة للتسويق والتداول Tradabeفي السوق النقدي، بحيث تضمن درجة عالية من السيولة لهذه البنوك.

·        البنوك الأخرى وغيرها من المؤسسات المصرفية والمالية حيث تشارك في السوق النقدي أيضًا بنوك الاستثمار Investment bank(أول البنوك التاجرة Merchant bankوفقًا للاصطلاح الإنجليزي)، والبنوك المتخصصة Specialised bank، وغيرها ن المؤسسات المصرفية، بالإضافة إلى المؤسسات غير الصرفية Non- Bank Institutionالتي يعظم دورها بشكل مضطرد مثل : شركات التأمين  Insurance companies، وصناديق العاشات والتقاعد Pension funds، وصناديق الاستثمار المفتوحة والمغلقة Open-End and closed- end funds، ومؤسسات الادخار Saving institutions… إلخ.

وهذه المؤسسات تحاول الاحتفاظ بدرجة السيولة الملائمة التي تؤمن لها الوفاء بالتزاماتها مع الحصول على أعلى دخل لاستثماراتها. فهي بذلك تعمل على تحقيق أهداف تشابهة لأهداف البنوك التجارية في هذا المجال، وتجد نفسها ضطرة للنزول إلى السوق النقدي والتعامل في أدواته قصيرة الأجل.

·        الأفراد الذين يتعاملون- بشكل متزايد – مع السوق مباشرة، وبصفة خاصة الأثرياء منهم، سواء من خلال تحريك حساباتهم وودائعهم من خلال هذا السوق، أو ن خلال أدوات الاستثمار قصير الأجل التاولة فية. هذا ون النتظر أن يزداد حجم وعدد  المعاملات المباشرة مع الأفراد في هذا السوق مع التنامي المتسارع لظاهرة الحد ن الوساطة Disintermediation.

أما  فيما يتعلق بأدوات السوق النقدي فقد شهدت تطورًا كبيرًا بفضل المنتجات والمبتكرات المالية المستمرة للهندسة المالية Financial Engineering(21) والصناعة المصرفية Financial Industry.

وتتمثل أهم هذه الأدوات فيا يلي (22):

1-    أذون الخزنة Treasury bills.

2-    الكمبيالات Bills of exchangesخاصة تلك المتعلقة بالتجارة الخارجية.

3-    الودائع والقروض قصيرة الأجل وتحت الطلب Call money.

4-    القبولات المصرفية Bankers acceptances.

5-    الأوراق التجارية المصرفية الممتازة  Eligible bank bills.

6-    شهادات الإيداع القابلة للتداولNegotiable certificates of deposits CDs ) .

7-    السندات الإذنية Commercial paper or IOU.

8-    اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) Repurchase agreement (RP or REPOS).

9-    صفقات الدولارات الأوروبية (الإيرودولار) وغيرها من العملات الآسيوية Eurodollars and other Asian currencies transactions.

10-                   صفقات المشتقات المالية ( مثل عقود الخيار – العقود الآجلة – العقود المستقبلية – عقود المبادلة – … إلخ).

Derivatives transactions ( Ex. Options – forwards – futures – swaps – ….ETC).

هذا، وتتنوع الأغراض من وراء التعامل بهذه الأدوات، فهي إما تستخدم لتحقيق عائد أو لتغطية عجز، أو للحصول على السيولة الازمة للقيام بعليات أخرى ، أو للتحوط Hedgingلتفادي أو تقليل حجم مخاطر توظيفات معينة (مثل صفقات المشتقات المالية والتي تقيد عملياتها في بنود خارج الميزانيةOff – Balance sheet  التي تثل إيراداتها – في بعض الأحيان – الجزء الرئيسي من أرباح بعض البنوك التي تتعامل فيها بأحجام كبيرة).

معاملات ما بين البنوك  Interbank transactions: تمثل معاملات ما بين البنوك، في كل المراكز المالية العالمية المتقدمة، جوهر عمليات السوق النقدي. وتلجأ البنوك عادة إلى هذه العمليات فيما بينها أما لتوظيف فوائض السيولة لديها وتعظيم عوائدها، أو لضبط وترتيب وتنزيع محافظها المالية، أو لمواجهة العجز في سيولة، وتفادي انكشاف حساباتها مع بعضها البعض، أو تجاه البنك المركزي، أو لمواجهة تطلبات الاحتياطي.

كذلك تدخل البنوك فيما بينها أو مع البنك المركزي في تحويلات مؤقتة للاحتياطات من خلال أسواق الدولارات الأوربية وأسواق اتفاقيات إعادة الشراء Repo Markets    ، رغم أن تداول احتياطات ما بين البنوك لا يمثل الوظيفة الأساسية لمثل هذه الأسواق.

ونظرًا لأن عددًا كبيرًا ن المتعاملين في سوق اتفاقيات إعادة الشراء يكون ن غير البنوك ( ؤسسات غير مصرفية)، فإن هذا السوق لا يوصف عادة باعتباره سوق معاملات ما بين البنوك، ورغم أن البنوك تعتبر من أنشط المتعاملين فيه(23).

جدول (2)

المطلوبات الخارجية الناتجة عن معاملات ما بين البنك كنسبة من إجمالي الأصول الدولية (الخارجية) للبنوك

البلد

1981

1984

1988

1990

1991

اليابان

75,0

70,8

80,9

80,9

79,6

ألمانيا

53,4

56,9

69,3

71,6

56,5

الولايات التحدة

72,6

73,1

82,8

86,3

87,9

فرنسا

61,7

59,5

65,3

67,7

67,5

المملكة المتحدة

69,7

70,4

76,3

75,6

71,3

سويسرا

78,2

82,5

81,4

83,5

83,2

هولندا

75,7

73,5

70,4

73,3

74,2

 

Fariborz Moshiran, Trade in financial services, The word economy, v.17, May 1994, No.3, p.355.

 

هذا وتمثل معاملات ما بين البنوك الآن نسبة كبيرة ن النشاط الدولي للصناعة المصرفية، وتساهم بقوة في تجارة الخدمات المالية الدولية. ويوضح لنا الجدول رقم (2) كيف أن 75% من الأصول الخارجية ( أو الدولية) للبنوك في الدول الصناعية المتقدمة تتثل في معاملات ما بين البنوك. فالمطلوبات الخارجية للبنوك اليابانية نتيجة لعمليات ما بين البنوك تتعلق بقروض حصلت عليها البنوك الأمريكية من البنوك اليابانية، والتي تستخدم بدورها في تمويل صادرات من الخدمات المالية. وبالمثل فإن الودائع الأمريكية الخارجية في البنوك اليابانية تمثل جزءًا من المطلوبات الدولية للبنوك الأمريكية ، والتي يمكن أن تستخدم في توفير العديد من الخدمات المرتبطة بقروض البنوك الأمريكية، ومن ثم زيادة الصادرات من الخدمات المالية(24).

وانطلاقًا من أهمية الدور الذي يلعبه السوق النقدي وعمليات البنوك، سواء من حيث تطوير عمليات البنوك وتوسيع نطاقها وزيادة أرباحها، أو سواء من حيث أهميتها في أنقاذ البنوك في أوقات عجز السيولة، وإسهامها في تحسين إرادتها لمحافظها المالية، يمكننا أن ندرك حجم القيود المفروضة على انطلاقة العمل المصرفي الإسلامي ، سواء على النطاق المحلي أو النطاق الدولي.

فقيام نظام نقدي إسلامي (أو تقليدي) متكامل يستلزم توافر ثلاثة عناصر أساسية هي :

·        توافر عدد كبير ن المؤسسات المصرفية، بما يضمن حد أدنى من العمق والاتساع لعمل النظام بكفاءة. وهو الأمر الذي لا يتوافر – تقريبا – في كل الدول التي نشأت فيها ؤسسات مصرفية إسلامية، إلى الحد الذي يقتصر فيه الأمر على مجرد وجود مؤسسة  وحيدة فقط تعمل وفقًا للشريعة الإسلامية.

·        توافر تشكيلة واسعة ن الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية، والتي يمكن أن تقوم بها وتتداولها المؤسسات المصرفية الإسلامية فيما بينها في الداخل أو في الخارج، أو فيما بينها وبين البنوك التقليدية، وفيما بينها وبين البنوك المركزية. وبعد توافر هذه الخدمات والمنتجات شرطًا جوهريَّا لتمكين هذه المؤسسات من التجارب مع التطور المذهل في المنتجات المصرفية على الستوى العالمي، ومن الاستجابة لحاجات عملائها من الملتزمين المتمسكين بالتعامل مع مؤسسات مصرفية إسلامية، ومن الوقوف على قدم المساواة مع المؤسسات المصرفية التقليدية.

·        وجود سوق إسلامي للمعاملات فيما بين البنوك، بمعنى وجود سوق كفء وفعال يربط بين المؤسسات المصرفية الإسلامية من ناحية، ويتم فيه تداول الأدوات والمنتجات المصرفية الإسلامية لتغطية احتياجات هذه المؤسسات، في حالة العجز أو في حالة الفائض، من ناحية أخرى.

المبحث الثاني

توسيع قاعدة الخدمات والأدوات المصرفية الإسلامية

مع بداية عام 1992م، نجح البنك المركزي الماليزي في تطوير 21 خدمة (منتج) مصرفية إسلامية، وذلك بعدما نجح في عام 1991 في إدخال أداتين مصرفيتين إسلاميتين جديدتين هما الكمبيالات الإسلامية المقبولة، والسهيلات الخاصة بعمليات إعادة التمويل الإسلامي لائتمان الصادرات . وبالتالي تحقق أحد العناصر الثلاثة المطلوبة لإقامة نظام نقدي إسلامي متكامل، ألا وهو عنصر توافر تشكيلة واسعة ومتنوعة من الخدمات والأدوات المالية الإسلامية ، بما يفي بالاحتياجات المختلفة لكل من المؤسسات المالية والعملاء. وفيما يلي قائمة بأسماء تلك الخدمات أو المنتجات(25).

هذا، ونحاول الآن أن نلقي بعض الضوء على أهم الأدوات المالية الإسلامية المبتكرة في ماليزيا على النحو التالي:        

المفهوم الإسلامي لها

اسم الخدمة او المنتج

الوديعة أو الضمانة

الوديعة أو الضمانة

المضاربة

المضاربة

القرض الحسن

الوكالة أو المضاربة أو البيع بالثمن الآجل

البيع بالثمن الآجل

البيع بالثمن الآجل أو الإجازة ثم البيع

المرابحة

المضاربة أو المشاركة

البيع بالثمن الآجل

المرابحة/ بيع الدين

بيع الدين

المرابحة / بيع الدين

بيع الدين

الوكالة أو المرابحة أو المشاركة

الكفالة

الكفالة

القرض الحسن

الإجازة

الأجر

الأجر/ الوكالة

القرض الحسن

المضاربة : بيع الدين

1. لحساب الجاري

2. حساب الادخار أو التوفير

3. حساب الاستثمار العام

4. حساب الاستثمار الخاص

5. الاستثمار في شهادات الاستثمار الحكومية

6. الاستثمار في الأسهم/ تمويل الأسهم

7. تمويل السكن

8. تمويل شراء المركبات

9. تمويل رأس المال العامل

10.تمويل الشاريع

11- تمويل اقتناء الأصول

12. إعادة تمويل ائتمان التصدير الإسلامية:

أ- قبل الشحن

ب- بعد الشحن

13- الكمبيالات (الصكوك) المقبولة الإسلامية

أ لواردات/ المشتريات

ب لصادرات / المبيعات

14- تسهيلات خطابات الاعتماد

15- ضمان الشحن

16- خطابات الضمان

17- تسهيلات السحب على المكشوف

18- التأجير

19- ضمان السندات الإسلامية

20- عمليات الأوراق التجارية

21- القروض الخيرية

22- سندات “كاجاماس” للمضاربة

( ابتداء من مارس 1994م)

أ‌-        شهادات الاستثمار الحكومية GIC:

لم يكن بمقدور « بنك إسلام ماليزيا BIM، عند إنشائه وبداية عملياته في عام 1983م، شراء الأوراق المالية الحكوية Malaysian government securities (MGS)أو أذون الخزانة Malaysian treasury (MTB). وكانت هناك حاجة ماسة لأن يحتفظ البنك بأوراق مالية عالية السيولة Liquid paper، حتى يمكنه الوفاء بمتطلبات السيولة Reseve requirementالتي يفرضها البنك المركزي الماليزي.

ومن ثم تلازم صدور قانون العمل المصرفي الإسلامي، مع تأسيس «بنك إسلام ماليزيا» ، مع إصدار «قانون الاستثمار الحكومي» لعام 1983 ، سامحًا للحكومة بأن تصدر شهادات لا تحمل فائدة Non-interest bearing، والمعروفة باس « شهادات الاستثمار الحكومي» Government investment certificates (GIC). هذه الشهادات لم تكن حكرًا على «بنك إسلام ماليزيا» ولكنها أتيحت لكافة المؤسسات الأخرى في النظام المالي والمصرفي الماليزي، بالإضافة للأفراد. والغرض من إصدار هذه الشهادات حصول الحكومة على الأموال اللازمة لتمويل إنفاقها على مشروعات التنمية. وبالطبع فإن العائد على هذه الشهادات لا يحدد مقدمًا(26).

وبهدف تحديد العائد رأي البنك المركزي الماليزي أنه لن يكون من الممكن تطبيق مبدأ اقتسام الأرباح والخسائر مباشرة، حيث يصعب تحديد الدخل الناتج من استثمار الحصيلة من الشهادات المصدرة والمباعة. ومن ثم حاول البنك المركزي استخدام صيغة غير مباشرة لاقتسام الربح والخسارة، وتتمثل في الربط بين معدل العائد على هذه الشهادات، وبين معدل نمو الناتج الإجمالي. ولكن البنك المركزي وجد أن هذا المعدل لا يعبر بدقة عن عائد رأس المال الحكومي المستثمر؛ نظرًا لوجود العديد من العناصر الأخرى التي تؤثر علي معدل نمو الناتج المحلي بخلاف الإنفاق الحكومي. وأخيرًا رأى البنك المركزي الماليزي – استجابة للاعتبارات العملية – الاستناد إلى مبدأ القرض الحسن. فوفقَا لهذا المبدأ يعتبر شراء الفرد أو المؤسسة «لشهادات الاستثمار الحكومية» GIC، بمثابة قرض حسن للحكومة ؛ حتى يمكنها الاضطلاع بتمويل مشروعات التنمية مشروعات التنمية لصالح الأمة.

وإذا كان من المفروض – وفقًا لهذا المبدأ – ألا ينتظر الأفراد أي عائد على قروضهم هذه، وذلك باستثناء التزام الحكومة المقترضة برد القيمة الأصلية للقروض عند حلول أجل الاستحقاق، إلا أنه من الممكن للمقترضين (أي الحكومة الماليزية المقترضة) أن تمنح المقترضين عائدًا تعبيرًا عن امتنانها.

وإعطاء هذا العائد من عدمه، إنما يخضع للرغبة المطلقة للمقترضين دونما أي التزام من جانبهم(27).

وتطبيقًا لهذا المبدأ تم تشكيل لجنة تضم ممثلين عن إدارة رئيس الوزراء (وحدة التخطيط الاقتصادي)، وقسم الشئون الدينية، وممثلين عن وزارة المالية والبنك المركزي، وذلك لتشير على الحكومة أي معدل عائد يمكن تحديده على هذه الشهادات. ويعلن هذا العائد عند حلول أجل الاستحقاق في حالة الشهادة التي أجلها عام واحد، أما إذا زاد الأجل عن عام واحد فإن العائد يعلن سنويًا بعد مرور عام على إصدار هذه الشهادات. وتصدر الحكومة عادة شهادات لمدة عام أو عامين أو خمسة أعوام. وهناك شهادات تصدرها الحكومة لتعميق وتطوير سوق التعامل في هذه الشهادات، ولمقابلة احتياجات المؤسسات المالية الإسلامية.

وهناك أيضًا شهادات مدتها ثلاث وأربع سنوات تم إدخالها عام 1992م وعام 1994 على التوالي(28).

وإذا كان مبدأ القرض الحسن لا يلزم المقترض بإعطاء أي عائد، إلا أن الحكومة الماليزية أعلنت، على مدار السنوات الماضية، عائدًا مرضيًا لهذه الشهادات تراوح بين 5.5% و 7.92% في المتوسط سنويًا بالنسبة للشهادات ذات آجال استحقاق من واحد إلى خمسة أعوام، وذلك في الفترة من 1989-1992م(30).

وعندما بدأ البنك الإسلامي الماليزي أعماله كان سقف الإصدار من هذه الشهادات محددًا بحوالي 390 مليون دولار. وذلك بسبب بداية العمل بنظام العمل المصرفي بدون فائدة SPTF.

وفي يناير 1994 رفع السقف إلى 2 بليون دولار أمام تزايد الطلب. وفي 30/6/1994م بلغ الرصيد القائم من هذه الشهادات 1.8 بليون دور ، منها 63% بحوزة « بنك إسلام ماليزيا» BIM، و 37% بحوزة المؤسسات المشتركة في نظام العمل المصرفي بدون فائدة(31).

ب‌-     الكمبيالات الإسلامية المقبولة IAB(32):

تم إدخال الكمبيالات الإسلامية المقبولة  Islamic accepted bills (IBA)، أو القبولات المصرفية الإسلامية Islamic bankers acceptances(IBA)، بدءاً من عام 1991م على أساس مبدأي « المضاربة» و « بيع الدين» . وتستخدم هذه الكمبيالات IAB  بصدد نوعين من التمويل. أولهما تمويل الواردات والمشتريات المحلية وفقًا لمبدأ المضاربة، حيث تتمثل هذه الطريقة أولاً في إنشاء دين، يتم بعد ذلك تمثيله في صك Securitised  يأخذ شكل الكمبيالة المسحوبة من البنوك والمقبولة من العميل. وإذا قرر البنك أن يبيع الكمبيالة إلى شخص ثالث، فيستند هنا إلى مبدأ « بيع الدين» حيث يمكن بيع الكمبيالة بأقل من ثمنها، أي مع إجراء خصم على قيمتها At A marked-down price  ، وثاني أنواع التمويل هو تمويل الصفقات الخاصة بالصادرات وبالمبيعات المحلية.

ويتم تداول هذه الكمبيالات في السوق الإسلامي لمعاملات ما بين البنوك Islam interbank market (IIM)استنادًا لمبدأ « بيع الدين» .وفي هذا الصدد، أصدر البنك المركزي الماليزي تعليات خاصة لهذه « القبولات»، شاملة قائة السلع المحظور تداولها.

جــ – سندات «كاجاماس» للمضاربة:

تقوم فكرة سندات « كاجاماس» للمضاربة Cagamas mudarabah bonds CMB)، والتي بدأ العمل بها في مارس 1994م، على تحويل ديون الإسكان الإسلامية Islamic housingdebtsإلى صكوك أو أوراق مالية Securitised، على أساس إسلامي. وفقًا لهذه الفكرة تقوم « كاجاماس» أو « المؤسسة الأهلية للأئتمان العقاري» Cagamas or The nationa mortagage corporation، بشراء ديون الإسكان الإسلامية القائة على أن تقوم في المقابل بعملية إصدار سندات تعرف بأسم « سندات كاجاماس للمضاربة» CMB؛ وذلك لتمويل عملية شراء الديون. ويتم هذا الشراء وفقًا لمبدأ « بيع الدين» ، بينما تصدر السندات وفقًا لمبدأ « المضاربة» أو « اقتسام الأرباح»، حيث تقتسم « كاجاماس» مع حاملي السندات الأرباح المحققة وفقًا لنسبة محددة. وتتولد هذه الأرباح من عمليات الشراء التي تقوم بها « كاجاماس» لديون الاسكان الإسلامية وإعادة استثمارها لأموالها . وستمكن هذه السندات المؤسسات المصرفية الإسلامية التي تقدم تسهيلات خاصة بالتمويل الإسلامي للإسكان، من الحصول على تسهيل بإعادة تمويل مستمر من« كاجاماس»، الأمر الذي يمكن هذه المؤسسات من تقديم خدمات التمويل الإسلامي للإسكان لقطاع كبيبر من الأفراد وبتكلفة معقولة. 

هذا ، ويدخل البنك المركزي هذه السندات ضمن الأصول السائلة للمؤسسات المالية.

المبحث الثالث

توسيع قاعدة المشاركين في العمل المصرفي الإسلامي

بعد تحقيق هدف ضمان توافر عدد كبير ومتنوع من الخدمات والأدوات المالية الإسلامية، فقد حان الوقت للانتقال إلى تحقيق الهدفين الآخرين، وهما توافر عدد كبير ن المؤسسات التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية، وإقامة سوق إسلامي نقدي، لربط هذه المؤسسات مع تلك الأدوات . وقد بحث البنك المركزي الماليزي في ثلاث خيارات تؤدي إلى زيادة عدد المؤسسات التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية (33).

وقد تمثل الخيار الأول في السماح بإنشاء مصارف إسلامية جديدة.

وتمثل الخيار الثاني في السماح للمؤسسات المالية التقليدية القائمة بإنشاء مؤسسات تابعة لها تقدم خدمات مصرفية إسلامية.

أما الخيار الثالث فقد تمثل في السماح للمؤسسات المالية القائمة بتقديم خدمات مصرفية إسلامية مستخدمة بنيتها الأساسية القائمة وفروعها العاملة. وبعد القيام بدراسة شاملة للعوامل المختلفة اختار البنك المركزي الماليزي الخيار الثالث ، فقد  رأى ان هذا الخيار يوفر أكثر الوسائل فعالية وكفاءة لزيادة عدد المؤسسات التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية، بأقل تكلفة، وخلال أقصر مدة زمنية. وقد وجد أيضًا أن الخيارين الأول والثاني يترتب عليها تكلفة باهظة ، حيث تبلغ تكلفة إنشاء فرع واحد ما يقارب 500000 رنجت ماليزي (195 ألف دولار)، علاوة على إنشاء الفروع يستغرق وقتًا أطول، كما يرتبط به مشكلة أخرى وهي تعيين موظفين جدد في بيئة تعاني من نقص في الأيدي العاملة . أما الخيار الثالث فقد أتاح استخدام واسغلال البنية الأساسية القائمة للنظام المصرفي، بما في ذلك الفروع الموجودة والموظفون و العاملون؛ وذلك لتقديم خدمات مصرفية إسلامية.

وبناء عليه، فقد إعداد نظام يسمح للمؤسسات المالية القائمة بتقديم خدامات مصرفية إسلامية، وبدأ تطبيقه اعتبارًا من 4 مارس 1993م كمشروع رائد، وأطلق عليه أسم Skin perbankan tanapa faedah ( SPTF)أي « نظام العمليات المصرفية بدون فوائد» Interest- free banking scheme. وبوجب هذا النظام فإن لكل البنوك التجارية وبنوك الاستثار وشركات التأمين حق المشاركة فيه، كما يجوز إشراك بيوت الخص في النظام الذكور في مرحلة لاحقة (34). وقد كان على أي مؤسسة مالية ترغب في المشاركة في « نظام العمليات المصرفية بدون فؤائد» أن تنشئ لديها في الركز الرئيسي « وحدة العمليات المصرفية بدون فؤائد» Interest- free banking IBUلتتولى المهام التالية:

1-    مراعاة كافة الظاهر المتعلقة بعمليات « نظام العمليات المصرفية بدون فوائد»، بما في ذلك الأمور المتعلقة برسم السياسات والإجراءات .

2-    التنسيق مع الإدارات الاخرى في المؤسسات المالية لضمان انسياب عليات النظام بسهولة و يسر.

3-    التأكد ن أن جميع الأموال التي تصب في « وحدة العمليات المصرفية» بدون فوائد» يتم توجيهها إلى عمليات استثمارية وتمويلية تستند إلى المبادئ الإسلامية.

4-    إعداد الترتيبات اللازمة لتدريب الموظفين على العمليات المصرفية الإسلامية لضمان فعالية وانسياب عمليات النظام.

5-    إعداد الترتيبات اللازمة لإعداد وارسال التقارير التي يطلب تقديمها إلى البنك الركزي الماليزي ن وقت لآخر.

6-    التأكد من أنه يجرى الالتزام الدقيق بجميع التعليمات والإرشادات التي يصدرها البنك المركزي الماليزي فيا يتعلق بـ « نظام العمليات المصرفية بدون فوائد».

7-    القيام بإجراء بحوث ودراسات وتطوير بصورة مستمرة في مجال العمليات المصرفية الإسلامية لتعزيز النظام المالي الإسلامي.

ويجب أن يرأس « وحدة العمليات المصرفية بدون فؤائد» (IBU) مسئول كبير مسلم ، وذو خبرة طويلة، وأن يتم تزويد هذه الوحدة بموظفين أكفاء.

كما ينبغي على المؤسسة المالية التي تلتحق « بنظام العليات المصرفية بدون فؤائد» أن تحتفظ برأس مال عامل يسمى « صندوق العمليات المصرفية بدون فؤائد» Interest- free banking fund- IBF، وعلى أن يحدد البنك المركزي الماليزي من وقت للآخر الحد الأدنى للأموال التي ينبغي الاحتفاظ بها في هذا الصندوق. ويبلغ ذلك الحد الأدنى في الوقت الحاضر مليون رنجت ماليزي (389 ألف دولار). ويمتاز « صندوق العمليات المصرفية بدون فؤائد» بالخصائص التالية:

1-    يتم تمويل « صندوق العمليات المصرفية بدون فؤائد» بمخصص يحدده المركز الرئيسي للبنك.

2-    يوضع « صندوق العمليات المصرفية بدون فؤائد» تحت إشراف « وحدة العمليات المصرفية بدون فؤائد» لتمويل « نظام العمليات المصرفية بدون فؤائد».

3-    يستخدم الصندوق للإنفاق على الصروفات غير المباشرة والأمور الأخرى المتعلقة بعمليات « نظام  العمليات المصرفية بدون فؤائد».

4-    تقيد الأرباح والرسوم التي يت تحصيلها من النظام لحساب « صندوق العمليات المصرفية بدون فؤائد».

وجدير بالذكر أن « نظام العمليات المصرفية بدون فؤائد» والذي تم تنفيذه اعتبارًا من 4 مارس 1993م، وشمل أكبر ثلاثة بنوك تجارية محلية و هي :

« ملاين بانكنج برهاد»، و« بنك بوميبوترا ماليزيا برهاد»، و« يونايتد لاين بانكنج كوربوريشن برهاد»، لم يواجة أية معوقات خلال المرحلة الرائدة الأولى.

هذا ، وقد بدأت الرحلة الثانية « لنظام العمليات المصرفية بدون فؤائد» في 21 أغسطس عام 1993م، حيث التحق بالنظام عشر مؤسسات مالية أخرى، والتحقت باقي المؤسسات المالية بالنظام في نهاية عام 1994م، وعلمًا بأنه في نهاية شهر ديسبر من 1993م، كانت إحدى وعشرون مؤسسة مالية قد حصلت على موافقة البنك المركزي لتقديم تسهيلات مصرفية إسلامية. وتتكون تلك المؤسسات من : « بنك إسلام ماليزيا برهاد»، وعشرة بنوك تجارية، وثمان شركات تمويل، وبنكين للاستثمار والأعمال.

المبحث الرابع

إقامة أول سوق إسلامي للمعاملات بين البنوك

وفقًا لما سبق ذكره، فقد تحقق في نهاية عام 1993م عنصران من عناصر قيا نظام مصرفي إسلامي متكامل، أي توافر وجود عدد كبير ن المؤسسات المشاركة في النظام، وتشكيلة واسعة ومتنوعة من الخدمات والأدوات . وبناء عليه، فإن الهدف المتبقي الذي كان يتوجب تحقيقه لإقامة نظام مصرفي إسلامي شامل في ماليزيا، هو إنشاء سوق نقدي إسلامي لربط المؤسسات بالأدوات.

وقد تم إنشاء سوق نقدي إسلامي في الجهاز المالي والمصرفي الماليزي اعتبارًا من 3 يناير عام 1994م. ويغطي هذا السوق المجالات الآتية(35).

1-التداول فيما بين البنوك الإسلامية في الأدوات المالية الإسلامية.

2-الاستثمارات الإسلامية فيما بين البنوك.

3-النظام الإسلامي لمقاصة الشيكات فيما بين البنوك.

هذا، وقد تجدر الإشارة إلى أن هذا السوق النقدي الإسلامي الماليزي، والذي بدأ نشاطه في 3 يناير 1994م، يعتبر بمثابة أول سوق نقدي إسلامي من نوعه في عالمنا المعاصر.

1-تداول الادوات المالية الإسلامية:

يسمح « لبنك إسلام ماليزيا» BIMوالؤسسات المالية المشتركة في « نظام  العمليات المصرفية بدون فؤائد» تداول الأدوات المالية الإسلامية، ( مثل شهادات الاستثمار الحكومية والقبولات المصرفية الإسلامية وغيرها) فيما بينها. وسوف يتم استحداث أدوات إسلامية أخرى مستقبلًا لهذا الغرض.

2-الاستثمارات الإسلامية فيما بين البنوك (36):

يقصد بالاستثمارات الإسلامية فيا بين البنوك استطاعة أي بنك من بنوك « نظام العمليات المصرفية بدون فوائد» أن يستثمر فائض أمواله في بنك آخر من بنوك النظام يكون لديه عجز، وذلك على أساس المضاربة (المشاركة في الربح). وخصائص هذه الآلية كما يلي:

1-تتراوح فترة الاستثمارمن يوم إلى اثني عشر شهرًا.

2-الحد الأدنى لمبلغ الاستثمار هو 50000 رنجت ماليزي (19.5 ألف دولار).

3-تعتمد نسبة المشاركة في الربح على فترة الاستثمار، كما يلي :

أ‌-     للفترات التي تقل عن أو تعادل شهرًا واحدًا، تكون نسبة المشاركة في الربح 70: 30 (أي 70% لصاحب رأس المال).

ب‌-  للفترات التي تزيد عن شهر وحتى ثلاثة شهور، تكون نسبة المشاركة في الربح 80: 20.

ج‌-     للفترات التي تزيد عن ثلاثة شهور، تكون نسبة المشاركة في الربح 90: 10.

وفيما يلي المعادلة الخاصة باحتساب مبلغ الربح الذي يجب دفعه لصاحب المال:

س =

ل×ر×م×ك

36500

حيث :

  س – مبلغ الربح (بالعملة المحلية) الذي يتوجب دفعه لصاحب رأس المال.

ل – أصل مبلغ الاستثمار

 ر- معدل الربح الإجمالي (نسبة مئوية سنوية) قبل التوزيع، لاستثمارات البنك المتلقي، والتي يكون أجل استحقاقها سنة واحدة.

 م – عدد أيام مدة الاستثمار.

 ك – نسبة المشاركة في الربح.

ثم قام البنك المركزي الماليزي في المرحلة الثانية بتحرير نسبة المشاركة في الربح المذكور أعلاه (وهي 70 : 30، 80 : 20، 90 : 10)، بحيث يمكن التفاوض بشأن تحديد نسبة المشاركة في الربح بين المؤسسة المستثمرة (أو المقرضة) والمؤسسة المتلقية (المستلمة أو المقترضة).

                  3 – النظام الإسلامي لمقاصة الشيكات فيما بين البنوك :

أدخل البنك المركزي الماليزي نظامًا جديدًا للمقاصة لـ« بنك إسلام ماليزيا» BIM، ولوحدات البنوك التجارية المشتركة في « نظام العمليات المصرفية بدون فوائد»، ويعرف هذا النظام باسم النظام الإسلامي لمقاصة الشيكات فيما بين البنوك (Day1 Islamic interbank cheque cleaning system (IICCS)، وبموجب هذا النظام فإنه تم اعتبارًا من 3/1/1994م فصل الشيكات الخاصة بهذه المؤسسات عن الشيكات التقليدية لأغراض المقاصة. ويقوم هذا النظام على أساس مبادئ « الوديعة» و « الوكالة» و « المضاربة». فالمؤسسات  المشتركة تلتزم بفتح حسابات مقاصة في البنك المركزي وفقًا لمبدأ الوديعة، حيث يضمن البنك المركزي أرصدة هذه الحسابات، ويكون له الحرية الكاملة في استثمارها في التوظيفات التي يراها، بشرط موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية. ويتبع ذلك التزام المؤسسات المشتركة بأن توافق على أن يعمل البنك المركزي كوكيل عنها – وفقا لمبدأ الوكالة – في توزيع وتسوية المراكز المالية لكل من بنوك الفائض وبنوك العجز المشتركة في النظام. وفي الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل، وأثناء إجراء عملية تقاص الشيكات آليًا في البنك المركزي الماليزي، يتم بصورة آلية تمويل بنوك « النظام» (بما فيها « بنك إسلام ماليزيا برهاد») ذات العجز، وذلك من فائض الأموال لدى بنوك « النظام» الأخرى على أساس مبدأ المضاربة. وإذا ما استمر العجز بعد عملية التمويل هذه يقوم البنك المركزي الماليزي بتمويله على أساس المبدأ، أي المضاربة. وتبلغ نسبة الربح لهذه الآلية 30:70 (أي 70% للمستثمر)، ويتم السداد في صباح اليوم التالي.

المبحث الخامس

تقييم تجربة العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا

رغم أنه من المبكر جدَّا تقييم النظام الماليزي الجديد للعمليات المصرفية بدون فائدة، وقيام أول سوق نقدي إسلامي بين البنوك، إلا أنه من الضروري التعرض لبعض الجوانب التي عكسها هذا التطور الرائد في مجال العمل المصرفي الإسلامي.

ومن حيث المبدأ، وبعد تسعة أشهر فقط ن بداية تطبيق النظام الجديد في 4 مارس 1993م، بلغت قيمة إجمالي مبالغ الودائع والمودوعة لدى « بنك إسلام ماليزيا برهاد» والمؤسسات التابعة للنظام، بنهاية شهر ديسمبر عام 1993م، نحو 2,5 بليون رنجت ماليزي (698 مليون دولار)، نها 1,801 بليونًا (701 مليون دولار) لدى « بنك إسلام ماليزيا برهاد» و249 مليون (97 مليون دولار) لدى باقي مؤسسات النظام. كما بلغ عدد أصحاب الحسابات في 31 ديسمبر 1993م نحو 522087 منهم 476230 أصحاب حسابات لدى « بنك إسلام ماليزيا برهاد»، و 45087 أصحاب حسابات لدى باقي مؤسسات النظام. وكذلك فقد بلغ عدد فروع المؤسسات المالية التي تقدم خدمات مصرفية إسلامية 630 فرعًا بنهاية 31 ديسمبر عام 1993م، منها 52 فرعًا « بنك إسلام ماليزيا برهاد» في حين بلغ إجمالي عدد باقي المؤسسات المالية التابعة للنظام 578 فرعًا (37).

أولاً : الريادة في إقامة أول سوق نقدي إسلامي:

يحسب لماليزيا فضل الريادة في الإقدام على إقامة أول سوق نقدي إسلامي ووضع أول نظام إسلامي للمعاملات فيما بين البنوك موضع التنفيذ وذلك بعد الاستكمال التدريجي المخطط لعناصره الضرورية . وبالتالي فهى أسهمت إسهامًا كبيرًا في حل المشكلة الرئيسية التي كانت – ولا زالت- تؤرق بال المصرفين الإسلاميين، وبصفة خاصة القائمين على إدارة المؤسسات المصرفية الإسلامية ، ألا وهي كيفية استثمار فائض السيولة، أو تغطية العجز الطارئ في السيولة مع غياب سوق نقدي كفء وفعال. وبالتالي فقد فقد فتحت ماليزيا الطريق  أمام الكثير من الدول الأخرى لكي تقدم وتحذو حذوها، خاصة تلك الدول التي توجد بها ؤسسات مصرفية إسلامية تمارس علها بصورة محدودة بجوار القطاع المصرفي التقليدي المهيمن. وبالتالي نعتقد أن ذلك سيؤدي إلى تشجيع التوسع في قيام المؤسسات التقليدية بتقديم الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية مع التقليدية جنبًا إلى جنب. ومن شأن ذلك أيضًا أن يؤدي إلى تشجيع قيام مؤسسات مصرفية ومالية إسلامية جديدة، بعد أن كانت معاناة المؤسسات القائمة من غياب السوق النقدي الإسلامي لا تشجع على هذا القيام. كذلك فإنه مع إمكانية قيام سوق نقدي إسلامي كفء وفعال، ومع الزيادة النتظرة في عدد المؤسسات المصرفية الإسلامية المتعاملة فيه، فإن الناخ الجديد يشجع على ابتكار العديد من الأدوات المكن استثمارها بهدف زيادة العوائد أو تقليل المخاطر أو تنويع المحافظ الاستثمارية ، وذلك على النحو الذي حدث  بالنسبة للقاع المصرفي التقليدي.

هذا ، وتجدر الإشارة إلى أنه رغم أن باكستان كانت أول دولة تضع نظامًا إسلاميًا لمعاملات ما بين البنوك في سوق نقدي إسلامي، إلا أن هذا النظام لم يجد حظه في التطبيق حتى الآن (38).

ثانيًا : الحرفية المصرفية في تنظيم العمل المصرفي الإسلامي:

كذلك توضح التجربة الماليزية ضرورة التعامل مع قضية العمل المصرفي الإسلامي باعتبارها قضية شرعية ومصرفية في آن واحد ، وليس باعتبارها قضية سياسية على غرار ما حدث في باكستان وإيران والسودان (39). فإلى جانب الناحية الشرعية نجد ان « الفكر المصرفي» كان هو الحاكم لكافة الخطوات التنظيمية لمسيرة العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا.

فمنذ الخطوة الأولى مع إنشاء « بنك إسلام ماليزيا» BIMفي عام 1983م، تزامن معه في ذات الوقت إصدار قانون الاستثمار الحكومي، الذى خول الحكومة إصدار « شهادات الاستثمار الحكوية الإسلامية» GIC، باعتبارها من الأصول عالية السيولة الضرورية للبنك الإسلامي الجديد (وما يستجد) لاستثمار فوائضه من السيولة النقدية، ولتمكين البنك المركزي من القيام بعملياته الخاصة بالسوق المفتوح من خلالها، وباعتبارها البديل الإسلامي لأذون وسندات الخزانة بالنسبة للمؤسسات المصرفية التقليدية. وهذا النهج بالقطع لم نجده في الغالبية العظمى من الدول الأخرى التي قامت فيها مؤسسات مصرفية إسلامية، فالفكر المصرفي الناجح هو الذي أوجب ألا يقوم البنك الإسلامي إلا ومعه في نفس الوقت أدواته الضرورية ليمارس أنشطته الطبيعية كمصرف حقيقي.

كذلك فإن عند الرغبة في توسعة قاعدة المشاركين في العمل المصرفي الإسلامي، استقر الرأي – كما رأينا – على الخيار الخاص بقيام المؤسسات المصرفية التقليدية القائمة بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية ، من خلال بنيتها الأساسية، وفروعها العاملة والمنتشرة في كافة ارجاء البلاد، وذلك بدلًا من إقامة مؤسسات مصرفية إسلامية جديدة، أو السماح للمؤسسات التقليدية بإنشاء مؤسسات تابعة لها لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية. هذا الاختيار كان وراءه أيضًا خلفية مصرفية، حيث وجد أن الخيارين المرفوضين يترتب عليهما تكلف باهظة؛ نظرًا لأن الفرع الواحد تبلغ تكلفه إنشائه قرابة 200 ألف دولار ، فضلًا عن الزمن الذي ستستغرقه عملية الإنشاء، والحاجة لتعين كوادر جديدة في بلد يعاني اصلا من نقص الأيدي العاملة.

كذلك فقد تم  توسع  قاعدة الأطراف الشاركين في السوق حيث سمح بالانضمام « لنظام العمليات المصرفية بدون فائدة» لكل المؤسسات المصرفية ( مثل البنوك التجارية وبنوك الاستثمار) والمؤسسات المالية غير المصرفية مثل ( شركات الاستثمار والتمويل وشركات التأمين).

أيضًا فإن الإصرار على إخضاع  أول بنك إسلامي « بنك إسلامي ماليزيا» لرقابة البنك المركزي الماليزي من اللحظة الاولى لإنشائه يعكس التناول المصرفي الناضج لقضية العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا، وذلك بخلاف

غالبية تجارب الدول الأخرى (40)، حيث نشأت فيها المؤسسات المصرفية الإسلامية معفاة من الخضوع للكثير من القوانين والقواعد المصرفية (وغيرها) القائمة، بما في ذلك عدم الخضوع لرقابة البنوك المركزية، وكأنهم يخلعون عنها طبيعتها المصرفية.

كذلك فإن البنك المركزي قام بتطوير الصيغ والأدوات الإسلامية للازمة (21 أداة في نهاية عام 1991م.)، قبل أن يبدأ تطبيق النظام الخاص بقيام المؤسسات المصرفية التقليدية بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية (4 مارس 1993م)، الأمر الذي ينم عن « حرفية مصرفية» استلزمت التوفير المسبق للأدوات الازمة لقيام المؤسسات المشتركة في النظام الجديد بعملها مباشرة، وعلى أوسع نطاق.

ومن جانب آخر نصب البنك المركزي في داخله مجلسًا للشريعة بغرض توحيد القواعد والمصطلحات والتفسيرات الشرعية على كل المؤسسات المصرفية (الإسلامية والتقليدية) التي ستقوم بتقديم الخدات المصرفية، ولتفادي الخلافات الفقهية المعتادة، ولتفادي قيام كل مؤسسة بتعيين هيئة شرعية خاصة بها، وما قد يثار حولها بشأن حيادها ومدى خبرتها المصرفية. نرى في ذلك تعبيرًا جديدًا عن مدى نضج « الحرفية المصرفية» لدى البنك المركزي الماليزي، الذي قدر أن قيامه بدوره المعتاد في الرقابة والإشراف يستلزم وضع تعليمات وضوابط آمره، سواء تعلق ذلك بالجانب المصرفي للخدمات المصرفية الإسلامية، أو بجانبها الشرعي؛ الأمر الذي يقتضي ضرورة قيادته أيضًا للرقابة الشرعية من خلال مجلس للشريعة من داخله هو.

وأخيرًا، يقوم نظام الاستثمارات الإسلامية بين البنوك على أساس إحلال معدل الربح الإجمالي (قبل التوزيع) في البنك المستثمر فيه ( البنك المقترض)، والخاص بالاستثمارات ذات أجل استحقاق سنة واحدة ، محل سعر الفائدة المستخدم في معاملات الانتربانك في النظام المصرفي التقيدي . والواقع أن هذه الاستثمارات عامة ما تكون في « شهادات الاستثمار الحكومية الإسلامية» GIS  ، والتي يتحدد عائدها بواسطة لجنة رسمية بعد مضي عام على إصدارها، على النحو الذي فصلناه فيما سبق. وعادة لا يبتعد هذا العائد- المحدد بصورة لاحقة – عن سعر الفائدة على أذون الخزانة التقليدية . لنفس المدة ، والذي يحدد مقدمًا بطبيعة الحال. ومن ثم تستطيع المؤسسات المتعالة في السوق النقدي الإسلامي أن تعرف، بصورة أقرب ما تكون إلى الواقع، تكلفة قيامها بالاقتراض أو عائد قيامها بالاستثمار في هذا السوق، هنا تتضح مرة أخرى اثر الحرفية المصرفية في تنظيم العمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا.

ثالثا: الدور الرئيسي للدولة في دعم العمل المصرفي الإسلامي:

توضح تجربة العمل المصرفي الإسلاي في ماليزيا الدور المتميز الذي تقوم به الدول ، فماليزيا دولة تعتمد على قوى السوق وآلياته في توجيه اقتصادها، ويعتبر القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي لعملية التنمية، حيث يضطلع بما يزيد على ثلثي الاستثمارات المحلية، وتستضيف على أرضها كميات ضخمة ومتزايدة من الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك فالدولة – كما أظهرت تجربة العمل المصرفي الإسلامي – تلعب دورًا رئيسيَّا هى الأخرى في التوجيه الأقتصادي بصفة عامة، وفي حكم السوق Governingدون أن تتدخل فيه Interference.

فالنظام المصرفي الإسلامي قام في ماليزيا بناء على مبادرة من الدولة، وهي التي كانت تملك – ع الحكومة المحلية – أسهم أول بنك إسلامي تم إنشاؤه في عام 1983م (بنك إسلام ماليزياBIM)، قبل أن تطرح أسهمه ي التداول في عام 1992م.

وكذلك فإن الدولة – من خلال ابنك المركزي- قامت بوضع النظام الجديد الخاص بقيام المؤسسات المصرفية التقليدية بتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية، وأقامت بالفعل اول سوق نقدي إسلامي، بعد تطوير الأدوات اللازمة للتداول فيه، وتوسيع رقعة المؤسسات المشتركة فيه.

كذلك فإن الدولة لم تتردد في  تعديل العديد من النصوص الواردة في القوانين القائمة، والتي تتعارض مع قانون العمل المصرفي الإسلامي الجديد رقم 276 لعام 1983م. ومن ثم فقد تضمنت المواد من (57) إلى (60) في هذا القانون تعديلات عديدة على قانون العمل المصرفي رقم 102 لعام 1973م، وقانون الشركات رقم 125 لسنة 1965م، وقانون البنك المركزي الماليزي رقم 61 لسنة 1958م، وقانون شركات التمويل رقم 6 لعام 1969م.

فالدولة إذن أخذت على عاتقها بداءة قيام العمل المصرفي الإسلامي وقامت بطويره بعد أن استشعرت «بحاجة اقتصادية» لوجوده، استجابة لحاجيات شريحة من مواطنيها، هذا الدور للأسف مفقود في غالبية الدول الأخرى، التي تعاني المؤسسات المصرفية الإسلامية، ليس فقط من إهمال الدولة، بل من معاداتها أيضًا.

رابعًا : التوافق مع الطبيعة الاجتماعية والتركيبة السكانية لماليزيا:

تتميز التجربة الماليزية كذلك بتوافقها مع الطبيعة الخاصة لبلد كماليزيا تتعدد فيه الأديان والثقافات والقوميات. فرغم أن ماليزيا – كما ذكرنا في بداية هذا البحث – كانت أول دولة تقوم فيها مؤسسة مصرفية إسلامية (صندوق ادخار لا يتعامل بالفائدة في عام 1940م)، إلا أنها تأخرت نسبيًا في إنشاء أول بنك إسلامي في عام 1983م، والذي استمر البنك الإسلامي الوحيد، إلى أن تقرر تبني النظام الذي يسمح لكل المؤسسات المصرفية التقليدية القائمة بتقديم الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية، وذلك من خلال فروعها الإسلامية، وذلك من خلال فروعها المنتشرة في كافة أرجاء البلاد فيمكن – من ثم – لكل فرع إشباع حاجيات جميع العملاء في منطقته بكافة نحلهم ومعتقداتهم.

يتضح من كل ما سبق أن تجربة العمل المصرفي في ماليزيا قد تطورت بخطوبة محسوبة، إلى أن وصلت إلى استكمال العناصر المضروبة لقيام سوق نقدي إسلامي، كضرورة ملحة لانطلاق أي عمل مصرفي إسلامي.

ويتضح كذلك أن الاستجابة لرغبة قطاع من المواطنين في توفير خدمات ومنتجات مصرفية إسلامية، لم يؤثر على الالتزام بمراعاة ضرورات المهنة المصرفية في وضع النظم الخاصة بالعمل المصرفي الإسلامي.

ومع ذلك يبقى سؤال هام يتعلق بمدى الاتفاق حول «شرعية» الأسس التي قامت عليها العناصر الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا. « فشهادات الاستثمار الحكومية» الإسلامية، وهي البديل الإسلامي لأذون وسندات الخزانة التقليدية، يحدد عائدها بشكل لاحق على أساس مبدأ « القرض الحسن»، وقيام المقترض (الدولة) طواعية واختيارًا بتقديم مكافأة للمقرض (المؤسسات والأفراد) تعبيرًا عن امتنانها. لكن إذا تحولت هذه «المكافأة» التطوعية، باستمراريتها وانتظامها، إلى أن تكون بمثابة شرط ضمني وعنصر أساسي في عقد القرض الحسن فهنا يثور اعتراض الكثيرين حول مدى شرعيتها(41).

ونظرًا لأن هذه الشهادات عادة ما يكون أجل استحقاقها سنة واحدة، فإن عائدها يمثل – من ثم – معدل الربح للاستثمارات ذات أجل استحقاق سنة واحدة، والذي يمثل الأساس الذي يقوم عليه حساب عائد « المضاربة» في معاملات ما بين البنوك عند الإقراض والاقتراض. ومن ثم يثور التساؤل مرة أخرى حول مدى شرعية هذا العائد وطريقة حسابه، بل وحول مدى شرعية هذه المضاربة من الأساس…

كذلك تقوم الكمبيالات الإسلامية المقبولة AIBعلى أساس مبدأي « المضاربة» و « بيع الدين». هذا المبدأ الأخير هناك خلاف أيضًا حول مدى شرعيته؛ نظرًا لانطواء عملية خصم الكمبيالات وقبولها على عنصر الفائدة(42).

ورغم ذلك ، فغنه من الواضح أن هذه المسائل قد حسمت شرعيًا في اليزيا؛ نظرًا لأن هناك مجلسًا شرعيًا في داخل البنك المركزي الماليزي للإشراف والرقابة على شرعية المعاملات المصرفية الإسلامية. ولكن قد يثور التساؤل حول إمكانية تعميم « النموذج الماليزي» في العمل المصرفي الإسلامي على غيره من الدول، خاصة تلك التي يثور فيها اعتراض الفقه الغالب على الأسس والمباديء الشرعية التي تقوم عليها العناصر الأساسية التي تقوم عليها العناصر الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي في ماليزيا.

خاتمة

ماليزيا هي أحد النور السبعة الذين صنعوا، مع اليابان، ما يسمى الآن بالمعجزة الآسيوية . فقد نجحت ماليزيا في تحقيق معدلات نمو مرتفعة (9% في المتوسط سنويًا في الفترة 1988 – 1992م)، مع معدلات تضخم منخفضة (2% في المتوسط سنويًا في الفترة 1980 – 1992م)، وزادت درجة العدالة في توزيع الدخل ، وسجلت كل المؤشرات الاجتماعية معدلات إيجابية مرتفعة ، وتم بالفعل حدوث تحول هيكلي في الإنتاج القوي لصالح الصناعة، وبصفة خاصة الصناعات الإلكترونية والكهربائية التقدمة، وزاد نصيب كليهما في الناتج القومي والصادرات التي حققت هى الأخرى زيادات كبيرة، خاصة في السنوات الأخيرة. وأصبحت ماليزيا منطقة جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وانخفضت مديونيتها الخارجية عن مستوياتها التي كانت عليها في منتصف الثمانينيات كنسبة من الناتج القومي الإجمالي.

 هذا التطور العام لماليزيا صاحبة تطور لماليزيا صاحبه تطور آخر، نجحت بفضله ماليزيا في تحويل أنظار العالم من منطقة الخليج  إلى جنوب شرق آسيا، فيما يخص العمل المصرفي الإسلامي، حيث بدأت ماليزيا تجربتها معه في عام 1983م، بإصدار قانون العمل المصرفي الإسلامي، وتأسيس أول بنك إسلامي هو « بنك إسلام ماليزيا برهاد».

ثم حققت ماليزيا خطوة انتقالية هامة من خلال السماح لكافة المؤسسات المالية والمصرفية بتقديم الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية وفقًا لنظام « المعاملات المصرفية بدون فائدة»  والذي دخل حيز التطبيق ابتداء من 4 مارس 1993م. مع تطوير عدد كبير من الأدوات والمنتجات المصرفية الإسلاية، ومع توسيع قاعدة المؤسسات المتعاملة في هذه الأدوات ، ومع وضع نظام للمعاملات فيما بين البنوك، تمكنت ماليزيا من تأسيس أول سوق نقدي إسلامي، واستكمال العناصر الضرورية لقيام نظام نقدي إسلامي بالتوازي مع النظام المصرفي التقليدي القائم على الفائدة.

ورغم حداثة التجربة إلا أنه أمكننا تسجيل العديد من العناصر الإيجابية من حيث ريادتها في إقامة أول سوق نقدي إسلامي، والذي يمثل غيابه عائقًا أساسيًا أمام انطلاق العمل المصرفي الإسلامي في الغالبية العظمى من الدول التي توجد بها مؤسسات مصرفية ومالية إسلامية، ومن حيث التنظيم المهني المصرفي الدقيق لكل التنظيمات الخاصة بالعمل المصرفي الإسلاي في مراحله المختلفة، ومن حيث بروز دور الدولة القيادي في تدشين ودفع هذا العمل ، ومن حيث النجاح في التوافق مع الطبيعة الاجتماعية والتركيبة السكانية للبلاد وإشباع حاجاتهم باختلاف انتماءاتهم العقائدية.

ويبقى تساؤل أخير حول إمكانية تعميم « النموذج الماليزي» على دول أخرى، نظرًا لما سجلناه من وجود خلافات فقهية حول الأسس الشرعية الرئيسية التي يقوم عليها العمل المصرفي الإسلامي هناك، ذلك الأمر الذي ستكشفه لنا الأيام القادمة بإذن الله.

هذا ولا يفوتنا في النهاية أن نشير غلى أن عواصف الأزمة العاتية التي أطاحت بكثير من إنجازات ماليزيا – ضمن بقية النمور الآسيوية – تعود في جانب كبير منها  إلى السياسة المالية والنقدية المتبعة في هذه البلاد وإلى أسلوب العمل  في الجهاز المصرفي. الأمر الذي أثر بالفعل على هذا الجهاز ككل، وبالتالي على ما يقدمه من خدمات مصرفية إسلامية.

وهذا سنحاول أن نلقي عليه الضوء باستفاضة في دراسة لاحقة بإذن الله.

هوامش البحث

(*) أستاذ بقسم الأقتصاد والمالية العامة بكلية الحقوق – وكيل كلية الحقوق – جامعة الإسكندرية.

1- World bank, The Asian Miracle, Economic growth and public policy,Oxford university press, 1993,p.1.

2. نفس المصدر السابق، ص2.

3. نفس المصدر السابق، ص4..

4. نفس المصدر السابق، ص5.

5. نفس المصدر السابق، ص8.

6. IMF, Malaysia – Recent Economic Developments, SM/93/195.August 24,1993,p1.

7. World bank, World tables,John Hopkens,1994,pp.432-435.

انظر كذلك:

·        World bank,Social indicators of development, Johns Hopkins,London,1994,pp.214-215.

·        World bank,Trends in developing economies, 1993, World bank,Waskington,pp.307-311.

8. نفس المصدر السابق.

9. World bank,World development report,1994,pp.162-163.

10. IMF, Malaysia…..,OP. CIT.,P1.

11. World bank, World tables,John Hopkens,1994,pp.432-435.

 

12. IMF, Malaysia…..,OP. CIT.,P2.

13. نفس المصدر السابق، ص2

14. نفس المصدر السابق، ص13.

15. نفس المصدر السابق، ص16-17.

16. Bank Negara Malaysia ( center bank), Annual report,1993,March 1994,p. 185.

17. نفس المصدر السابق، ص 185.

18. نفس المصدر السابق، ص 185

19. نفس المصدر السابق، ص185- 186.

20. انظر في ذلك : دكتور مصطفى رشدي شيحة : الاقتصاد النقدي والمصرفي، الدار الجامعية، بيروت، 1985م، ص 283 وما بعدها.

21. انظر في ذلك: مروان عوض، العملات الأجنبية – الاستثمار والتمويل – النظرية و التطبيق، معهد الدراسات المصرفية، عمان 1988م، ص101 -103 .

22. يقصد بالهندسة المالية Financial Engineeringمجموعة العمليات والفنون والآليات الخاصة بخلق وابتكار الأدوات المالية والتمكويلية الجديدة استجابة لحاجات المتعاملين في الأسواق المالية. انظر في ذلك:

* Miles Livinston,Money and capital market, second edition,New York Institute of Finance, N.Y,1993,P.600.

*J.D Finnerty,Financial Engineering in corporate finance, Financial Management,17,Winter1988, pp.14-31.

23. راجع في ذلك:

*David S. Kidwell,Richard L. Peterson, David W. Blackweel, Financial institution,Markets and money ,fifth ed.,The Dryden press,N.Y.1993,PP. 177-203.

* Miles Liviingston,Money …. ,op. CIT.,PP.253-262.

24. انظر في ذلك:

Peter Newman,Murray Milgate,John Etawell,The New Palgrave dictionary of money and finance,McMillan press Limited,1992,P.433.

25. Fariborz Moshiran,Trade in financial services,The world economy,V.17,May 1994,No.3,PP.347-364.

26. Bank Negara Malaysia,Annual report,OP.CIT.,P.187.

27. نفس المصدر السابق، ص185.

28. Rustam Idris,Malaysia Government investment certificates , American Journal of Islamic finance,Vol. V, No.1,July – August 1994,PP. 9-10.

29. نفس المصدر السابق.

30. نفس المصدر السابق.

31. نفس المصدر السابق

32. انظر في ذلك:

Bank Negara Malaysia. Guidelines on interest- free accepted bills,1993.

33. Bank Negara Malaysia.Annual report,Op.CIT.,PP.186-187.

34. انظر في ذلك:

Bank Negara Malaysia. Guidelines onSkim perbankan tanpa faedah” for commercial bank,July 5 ,1993.

35. Bank Negara Malaysia. Annual report,Op.CIT.,PP.188.

36. انظر في ذلك:

Bank Negara Malaysia. Guidelines on The Islamic Interbank money market , December 8,1993.

37. Bank Negara Malaysia, Annual report,…Op.CIT.,P.189.

38. Muhammed Ayub, Review of measures taken so far to islamise the financial system in Pakistan. (July – 1993),Journal of Islamic banking and finance, 1994,P. 32-56 (P.46).

39. انظر في ذلك:

Mushtak Parker,A Opint of interest, The banker, June 1993,PP.51-52.

40. في تركيا تخضع المؤسسات المصرفية الإسلامية لرقابة وزارة المالية، وتندرج تحت إسم ” مؤسسات التمويل الخاصة”، وتخضع لقانون خاص يتضمن تعديلات عديدة على القانون المصرفي. ويلاحظ هنا عدم ورود كلمة إسلامي إطلاقًا، انظر في ذلك:

Mushtak Parker,A Opint….OP.CIT.

كذلك فإن المؤسسة المصرفية الأولى في الكويت وهي ” بيت التمويل الكويتي” ، والذي يعتبر من أكبر البنوك الإسلامية على مستوى العالم، لا يخضع لأية رقابة.

41. انظر في ذلك: د. جمال الدين عطية ، البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم، التقليد والاجتهاد، النظرية والتطبيق، كتاب الأمة، قطر،1987، ص 144.

42. انظر في ذلك:

* جمال الدين عطية: البنوك الإسلامية ، مرجع سالف الذكر، ص141.

* مصطفى عبد الله الهمشري: الأعمال المصرفية والإسلام، مجمع البحوث الإسلامية، سلسلة البحوث الإسلامية، السنة السادسة عشرة، الكتاب الثاني، 1985م، ص 183-260.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر