أبحاث

التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية (2)

العدد 88

المبحث الثالث:

تفسير المشكلات الفرية والاجتماعية

لقد ذكرنا – فيما سبق – أن الخدمة الاجتماعية قد كانت منذ نشأتها الأولى في العصر الحديث تهتم اهتمامًا خاصًا بمساعدة الناس على مواجهة ” مشكلاتهم الشخصية”، إضافة غلى العمل على تخفيف من ويلات ” المشكلات الاجتماعية” إلى أقصى حد ممكن، كما أشرنا إلى أهتمام المهنة المتزايد في السنوات الأخيرة بقضايا الوقاية من المشكلات الفردية والاجتماعية، مما يتطلب توافر قاعدة نظرية متماسكة لتفسير تلك المشكلات، تكوت أساسًا لتصميم البرامج الفعالة.

فإذا رجعنا إلى الكتابات النظرية الحديثة لنتعرف على التفسيرات التي تقدمها لنا للمشكلات الفردية والاجتماعية، فإننا سنجد أن ما قرره روبرت مرتون، وروبرت نيزبيت منذ ربع قرن من الزمان لا يزال يصدق اليوم، من جهة أنه ” لا توجد حتى الآن نظرية شاملة ( لتفسير) المشكلات الاجتماعية ، ولكنها قد تكون في  طريقها إلى الوجود” ( Merton & Nisbet. 1966 : v)  والصورة التي تعكسها الكتابات الحالية لا زالت تكشف عن وجود عدد كبير من النظريات الجزئية المتنافسة التي تحاول تفسير هذه الظاهرة ، والتي لم تفلح أي منها في تقديم صياغة تفسيرية متكاملة لها.

ويرى ميرتون أنه من الممكن تقسيم ” المشكلات الاجتماعية ” من الناحية التحليلية المجردة غلى فئتين عريضتين : إحداهما تتمثل في التفكيك الاجتماعي Socia drsorganization  ، والأخرى تتمثل في السلوك الانحرافي Deviant behavior  ، وهاتان الفئتان هما في الواقع مشابكان متفاعلتان تؤدي كل منهما إى الأخرى ، بحيث إن إذا تعرضت لدراسة أية مشكلة واقعية فستجد ما يشير إلى كل منهما، ولكن بدرجات متفاوتة : (Merton Nisbet 799-800)، وتتبع معظم الكتابات النظرية في الموضوع هذا التصنيف.

والتفكك الإجتماعي هو عجز النظم الاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة ، ويرى ويليامسون وزملاؤه (Williamson,(  1974: 18-22  أن التفكك الاجتماعي يحدث عادة نتيجة للتغير الاجتماعي السريع الذي يؤدي إلى اختلال التوازن في المجتمع؛ مما يؤدي إلى الخلط والاضطراب في المعايير الاجتماعية، فيصعب التنبؤ باستجابات الآخرين ، ويضعف تأثير القواعد المتفق عليها للسلوك على الأفراد.

ويقارن أولئك المؤلفون بين التفكك الاجتماعي والسلوك الانحرافي بقولهم إنه ” إذا كانت نظرية التفكك الاجتماعي تركز على التغير الاجتماعين وما يؤدي إليه من اضطراب المعايير والنظم الاجتماعية … فإن نظرية السلوك الانحرافي تركز على انحراف الفرد عن المعايير الاجتماعية” ، وبلغة أخرى فإن تفسير السلوك الانحرافي يقوم على افتراض أن العايير الاجتماعية العامة سليمة ، ولكن لسبب أو لآخر فإن الأفراد لم تتم لها التنشئة الاجتماعية الصحيحة التي تضمن التزامهم بتلك المعايير ، ويلخص ويليامسون وزملاؤه عددًا من النظريات المفسرة للسلوك الانحرافي ، والتي تقوم إحداها على أن تنشئة الفرد قد تتم أحيانًا في إطار ” ثقافة فرعية انحرافية ” Deviant subculture  كما في حالة من ينشئون في أحياء متخلفة تشيع فيها المعايير الانحرافية ، بينما ترى الأخرى أن السلوك الانحرافي يرجع إلى متابعة الفرد لمعايير انحرافية من وجة نظر المجتمع والثقافة الفرعية، ولكنها تعتبر سوية في نظر جماعة مرجعية Reference groupأخرى يتخذها الفرد مرجعًا موجهًا لسلوكه ، كما ترى نظرية ثالثة أن السلوك الانحرافي يكون متوقعًا عندما تحول أوضاع بنائية مستقرة في المجتمع – وبشكل مضطرد – دون إتاحة الفرصة لبعض فئات المجتمع للحصول على الوسائل المشروعة التي تمكنهم من تحقيق الأهداف المرغوب فيها وفق الإطار الثقافي السائد Anomie theory…..وهكذا.

وبصفة عامة فإننا نلاحظ  أن التفسيرات التي تقدمها لنا تلك الأطر التصورية تتسم بالتركيز على الآليات والعمليات الاجتماعية من جهة ، وبالنسبية الثقافية من جهة أخرى ، فالتركيز على التغير الاجتماعي والتفكك الاجتماعى والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي يجعل المشكلات الاجتماعيه ” الواسعة النطاق” تبدو كأنها أمر طبيعي تحتمه ميكانيكية هذه الآليات الاجتماعية التي لا ترحم ، وأما التفسيرات التي تركز على دور المعايير الاجتماعية والثقافات الفرعية فإنها تبدأ وتنتهي من القيم الاجتماعية السائدة أيًا كانت تلك القيم، فتحيل التفسير إلى قضية  فنية بحتة تتم فيها مضاهاة توجهات الثقافات الفرعية والسلوكيات الفردية على القيم التي تبنتها الثقافة الحاضرة في المجتمع ، أما نقد تلك القيم المجتمعية من منظور أرقى، فإن هؤلاء العلماء (باستثناء اصحاب اتجاه اليسار الجديد) يرونه خارج نطاق مهمتهم.

ولعل مما يشهد على التزام العلماء بهذا الموقف ما ذكره مارفين أولسن Olsen,1968 : 130) في مجرد حاشية تعليقًا على ما ذكره من أن الانحراف يتم تعريفه في ضوء الثقافة ، وأن السلوكيات المحرمة في إحدى الثقافات الفرعية قد تكون سلوكًا مثابًا في ثقافة أخرى ، حيث قال في تعليقه : ” إن حقيقة كون السلوك الانحرافي على الدوام  أمر نسبي للتنظيم الذي يحدث فيه، لا يستبعد إمكانية اعتبار بعض السلوكيات لا أخلاقية في ذاتها في ضوء مبادئ قديسية أو متعالية على البشر ، ولكن هذه مسألة تقع خارج نطاق العلوم الاجتماعية” ، وهو بهذا يبرر مسألة النسبية في النظر إلى الانحراف في كتابات العلوم الاجتماعية ، ولا يرى سبيلًا إلى حل الإشكال بإيجاد التكامل مع القيم الدينية مثلًا.

فإذا انتقلنا إلى الكتابات المهنية في محيط الخدمة الاجتماعية، فإننا سنجد أنها تعكس نفس الأطر التصويرية السابقة التي وجدناها عند المتخصصين في علم  الاجتماع  ، مع محاولة لإيجاد قدر من التكامل بينها وبين ما يقدمه المتخصصون في علم النفس تفسيرًا للمشكلات الفردية ، والواقع أنه يمكننا – مع المخاطر بالوقوع في قدر قليل من التبسيط الزائد – القول بأن كتابات الخدمة الاجتماعية تنظر لأسباب المشكلات النفسية – الاجتماعية Psycho- socialعلى أنها تتمثل فيما يلي:

1-          النقص أو القصور في إشباع الحاجات الإنسانية ( مع تعريف الحاجات تعريفًا ضيفًا يكاد ينصب أساسًا على الحاجات المادية ثم ما يتبعها من حاجات نفسية واجتماعية) ، وما يترتب على ذلك القصور في إشباع الحاجات من إحباط وعدوان.

2-          ما يترتب على استمرار القصور في إشباع الحاجات – أو ما يسببه – من مشكلات في العلاقات مع الآخرين وفي التوافق الاجتماعي ، وهو ما يعبر عنه بالمشكلات المتصلة بعملية ” أداء الوظائف الاجتماعية” Social functioning.

3-          العمليات الاجتماعية الأشمل التي تحيط بهذا كله، كالتغير الاجتماعي وما يؤدي إليه من تفكك اجتماعي Social disorganization  يتصل بقصور النظم الاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة ( قارن : Northen,1987 : 173) . وتتفاوت المحاولات المختلفة بعد ذلك في تركيزها على عامل أو آخر من تلك العوامل ، أو حتى في التركيز على الديناميات التي تندرج تحت أي عامل منها بذاته ، أو في تشكيلة العوامل التي تجمع بينها كأسلوب للمشكلات، فنجد أن بعض الكتاب مثلًا يرون أن المشكلات إنما ترجع في أساسها إلى الصراع النفسي بين جوانب النفس المختلفة ، ككما يرون آخرون أن المشكلات عبارة عن سلوك يتم تعلمه من خلال مثيرات بيئية خارجية ، في حين يرى غيرهم أن المشكلات ترجع إلى تفاعل العوامل الذاتية مع العوامل البيئية.

والآن ما هو موقفنا كمسلمين من هذه التفسيرات لأسباب المشكلات الفردية والاجتماعية؟

إن من الطبيعي أن مناقشنا لهذا البعد الثالث من ابعاد التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية- والمتصل بالمشكلات وتفسيرها من منظور إسلامي – ينبغي أن تكون مبنية بشكل مباشر على ما توصلنا إليه في دراستنا للبعدين الأول والثاني، والمتصلين بفهم طبيعة الإنسان بمختلف جوانبها المادية والروحية ، وتوضيح ديناميات التفاعل بين تلك القوى الداخلية في تكوين ذلك الإنسان ، وبيان تأثيرها على العلاقات بين الناس ، وعلى بناء المجتمع.

لقد بذلت في الآونة الأخيرة بعض المحاولات الجيدة لاستجلاء معالم المظور الإسلامي  لتفسير المشكلات الفردية بوجه خاص ، ومن هذه المحاولات ما قام به محمد محروس الشناوي (1991م) من استقصاء لنظريات الإرشاد والعلاج النفسي الغربية وتقويمها في ضوء المنهج الإسلامي من حيث أهدافها في مساعدة الأفراد على مواجهة مشكلاتهم.

ومنها – أيضا- محاولة عفاف الدباغ (1991 ب) للتوصل إلى ” منظور إسلامي لتفسير المشكلات الفردية” والتي قامت فيها بعرض نقدي لبعض التوجهات النظرية الحالية  حول تفسير الشكلات الفردية، سواء في كتابات العلوم الاجتماعية أو كتابات الخدمة الاجتماعية ، ثم حاولت فيها الجمع بين ما صح عندها من هذه التوجهات وبين ما يشير ليه التصور الإسلامي في الموضوع.

اما على زيدان (1991م) فقد قام بدراسة حول التصور الإسلامي ” للتعامل مع ظاهرة الانحراف وصفًا وتحليلًا وتفسيرًا وعلاجًا” ، ولكنه اختار الاقتصار على المصادر الإسلامية وحدها ” حتى لا يقع أسيرًا للفكر الوضعي بما فيه من مفاهيم وتصنيفات … حتى نستطيع استخلاص المنظور الإسلامي نقيًا لا تشوبه شوائب المزج بينه وبين النظريات الغربية التي يسهل الانزلاق إليها؛ لما تتضمنه من مفاهيم وعلاقات وتصنيفات جاهزة” ( ص ص 3-4).

ولقد كفتنا تلك المحاولات – كل منها من زاويته الفريدة – مؤنة استعراض العناصر التفصيلية لمعالم  التصور الغسلامي لتفسير المشكلات الفردية والاجتماعية؛ ولذلك فإننا سنكتفي هنا بعرض موجز لأهم ما استخلصناه من هذه الدراسات ومن غيرها ( ويمكن لمن أراد المزيد الرجوع إلى تلك المصادر).

لقد رأينا فيما سبق أن النظريات النفسية – الاجتماعية الحديثة نتيجة لقيامها على تصورات مادية مختزلة بالنسبة للطبيعة الإنسانية ، فإنها تنحو نحوًا ماديًا متطرفًا في نظرتها للحاجات الإنسانية، في حين أن النظرة الإسلامية للحاجات تقوم – بدلًا من ذلك – على أساس ” أن هناك حاجة أولية مهيمنة على جميع الحاجات – لأنها ضامنة لإشباعها جميعًا – ألا وهي الافتقار إلى الله عز وجل ” ( الدباغ ، 1991 ب: 12)والمتضمنة في قوله تعالى : }يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد{( فاطر : 15)؛ حيث يفسر ابن كثير } أنتم الفقراء{بقوله: ” أى أنتم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات” ، كما فسر الفخر الرازي }  إلى الله{بأن في هذا إعلامًا من الله بأنه لا افتقار إلا إليه، وأن هذا يوجب عبادته؛ لكونه فتقراً إليه سبحانه، وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره  ، فالإنسان في حاجة إلى الله؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق وسخر ما في السموات وما في الأرض لإشباع حاجاته الدنيوية ، وكل إنسان – كائنًا من كان – في حاجة إلى شكر الله بعبادته، حتى تفضي احتياجاته في الدنيا وفي الآخرة (12-13).

إذن فالإسلام  ينظر للحاجات المادية وغير المادية على أن لكل منها مشروعيته، ولكنه ينظر لإشباع كل الحاجات من منظور لا يتوقف فقط عند حدود هذه الدنيا ، بل يربط دومًا بين كل ما في الدنيا وبين الآخرة التي هي دار القرار، فيجعل إشباع الحاجات الدنيوية ” وسيلة” طيبة للقيام بمهام العبودية لله ، ولا يجعل ذلك الإشباع غاية في ذاته.

ورغم ما يبدو لأول وهلة من بساطة هذا المنظور أمام العقل المسلم ، فإن هذا الفهم تترتب عليه آثار شديدة العمق والشمول، تقلب – رأسًا على عقب- تصوراتنا حول توصيف وتفسير المشكلات الفردية والاجتماعية… آثار لم تكد كتاباتنا العلمية تصل إلى الوعى بها بشكل كاف، ناهيك عن أن تتشربها أو أن تنطلق منها !

فعلى عكس ما يظن المتخصصون في العلوم الاجتماعية المعاصرة، فإن حاجات الإنسان تقع في فئتين رئيسيتين على الترتيب التالي:

1-          الافتقار إلى الله عز وجل ، والحاجة إلى الارتباط به والاستمساك بحبله المتين ، باعتبار أن في هذا الارتباط ضمانًا لإشباع كل حاجة أخرى في هذه الحياة الزائلة المتحولة ، بل وفيما وراءها؛ مما يعتبر الحياة الحقيقية الدائمة.

2-          الحاجات المادية والنفسية والاجتماعية ” الدنيوية” ، التي افاض في وصفها وتحليل ابعادها أولئك المتخصصون ، والتي تتصل بإشباع الحاجات الفسيولوجية، والحاجة إلى الأمن والحب والقدير والمكانة وصولًا إلى تحقيق الذات… إلخ.

لقد اتضح لنا – مما سبق – قيام المنظور الإسلامي على الارتباط الوثيق بين هذين النوعين من الحاجات بشكل يتوازي مع الارتباط الوثيق بين الروح والبدن اللذين منها يتكون الإنسان ، ولكن مع اولوية وهيمنة النوع الأول من الحاجات على الوجود الإنساني كله ، وفي ضوء ذلك الفهم فإن بإمكاننا القول – بصورة مبدئية – بأن التصور الإسلامي لتفسير المشكلات الفردية والاجتماعية يقوم على ثلاث مسلمات أساسية، نصوغها فما يلي في شكل قضايا يمكن استنباط فروض قابلة للاختيار منها، وهي :

المسلمة الأولى :   مع ثبات جميع العوامل الاخرى – فإن انقطاع أو ضعف صلة الإنسان بالله عز وجل يعتبر في ذاته سببًا ” أساسيًا وكافيًا وحده” لوقوع الفرد في المشكلات الشخصية والمشكلات المتصلة بالعلاقات الاجتماعية في هذه الحياه الدنيا ، كما يكون فوق ذلك سببًا للهلاك في الآخرة، ويصدق ذلك عند كل مستويات إشباع الفرد للحاجات الدنيوية الذكورة.

وتفسير ذلك أن انقطاع الصلة بالله أو ضعفها يؤدي إلى افتقاد إشباع النوع الأول من الحاجات ، ألا وهو افتقار الروح إلى الارتباط بخالقها وبارئها الذي ليس لها من دونه من ملجأ أو ملاذ ، هذا من جهة ، كما أن انقطاع الصلة بالله أمر يجلب سخط الله وغضبه وخذلاته للعبد من جهة أخرى ، فالإنسان إذا افتقد اليقين بالله سبحانه وتعالى ، وإذا ضل طريق الله الذي  شرعه لعباده ، فإنه يتخبط في إشباع حاجاته الدنيوية ( المادية والنفسية والاجتماعية) على غير هدى من الله ، فيبالغ مبالغة شديدة في الجزع من أي نقص في إشباع تلك الحاجات التي هى عنده اية الغايات ، وفوتها لا يعوض لا في عاجل ولا في آجل ( في الدنيا والآخرة)  ؛ فتتأثر بذلك حالته الانفعالية، وقد يمتد التأثير إلى إحداث أعراض بدنية ، وعلى الجانب الآخر …. فإن من توفرت له الموارد الكثيرة لإشباع حاجاته المادية يميل إلى الطغيان والتجاوز ، فيكون بذلك سببًا في المشكلات لنفسه ولغيره، ومن ذلك نستنتج أن نقص المعرفة واليقين والثقة  باله تعالى يؤدي إلى وقوع المشكلات، سواء اشبعت الحاجات المادية على أرقى مستوى، او كان الحرمان والافتقار إلى الموارد المادية.

والأدلة الشرعية على صحة  هذه المسلمة لا حصر لها، ولكننا نكتفي هنا بهذه الآيات الكرية من سورة طــه }قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى  وقد كنت بصيرًا قال كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى{123-127) ، والحق  أن التحليل العلمي لهذه الآيات الكريمة وحدها بغرض صياغة القضايا التي يمكن أن تستخلص منها لتكون أساسًا لبناء النظرية الإسلامية حول الإنسان والمشكلات الفردية و الاجتماعية؛ ليتطلب مؤلفًا مستقلًا لإعطائها ما تستحق ، ولا يسعنا في هذا المقام إلا التوقف عند هذه الإشارة بأمل التوفيق إلى خدمة الموضوع بشكل أوفى في المستقبل ن شاء الله تعالى.

أما الادلة الواقعية على صحة هذه المسلة فكثيرة – أيضًا – وتضيق عن الحصر في هذا المقام ، ونكتفي منها – لمجرد الدلالة على الاتجاه فقط – بما أورده ماسلو في مقاله الهام (ى1977 م) حول نظرية ” الدوافع الأرقى” Metamotivationالتي قرر فيها نتيجة لبحوثه وممارسته الطويلة بأن الإنسان حتى بعد ان يتم له إشباع كل حاجاته الأساسية عند أعلى مستوى ، وعندما يصل إلى تحقيق ذاته Self Actualization  فإنه لا يزال يشعر بقوى دافعة داخلية ( ذكر ماسلو أنه يصعب تحديد كنهها) لا تزال تدفعه في اتجاه تحقيق قيم عليا تتصل بالحياة الروحية ، وان الإنسان إذا حرم من التغيير عن هذه الحاجات العليا Mentaneedsفإنه يصاب بما أسماه  الأمراض العليا Metapatholoies، وإذا كان ماسلو – بنزعته التطورية الواضحة – قد رأى أن هذه الدوافع الراقية لها أساسها البيولوجي؛ حتى اعتبرها نوعًا من الحيوانية ” الأرقى” ، فإنه ما يعنينا هنا أن ملاحظاته وما يشبهها مما تكتظ به كتابات أمثال : فروم، ويونج، وروجرز، وغيرهم من إشارات إلى مظاهر وآثار الخواء الداخلي أو الروحي، حتى عند أولئك الذين يملكون كل شيء لتدل دلالة واضحة على أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تزال تصرخ  بالأمان للروح  في كنف خالقها الذي أخذ عليها الميثاق وأشدها على نفسها بذلك مهما أوتيت من إشباعات لدوافعها الدنيوية.

فإذا أضفنا إلى هذا كله ذلك العجز والقصور الواضح الذي تعاني منه مهن المساعدة الإنسانية كالخدمة الاجتماعية والعلاج النفسي في مساعدة العملاء على مواجهة مشكلاتهم بطريقة فعالة وحاسمة ، مما يمكن أن نعزوه إلى أن تلك المهم تبني مساعداتها للناس على نظريات مادية مختزلة ، لوجدنا أن هذا ما يشير إلى أن أصحاب تلك النظريات وأصحاب تلك الممارسات المهنية قد ضلوا طريق الحق في نظرتهم للإنسان ومشكلاته ، وأنه لابد من عكس المسار بحيث تحتل الجوانب الروحية مكان الصدارة في تفسيراتنا لمشكلات الإنسان إذا اردنا حقيقة أن نقدم خدمات  فاعلية لمساعدته على مواجهة  تلك المشكلات.

المسلمة الثانية: مع ثبات جميع العوامل الأخرى – فإن القصور في إشباع الحاجات الدنيوية ( المادية والنفسية والاجتماعية) سبب أساسي – ولكنه ليس كافيا وحده – لوقوع الفرد في المشكلات الشخصية والمشكلات المتصلة بالعلاقات الاجتماعية، وذلك على أساس أنه حتى في حالة وجود مثل ذلك القصور في الموارد المادية مع حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى، فإن المشكلات التي يواجهها الفرد تكون أقل حدة بكثير، ويتوقف الأمر على درجة ونوع تلك الصلة بالله جل وعلا.

وتفسير ذلك ، أن المنظور الإسلامي يقوم على أن للإنسان – ولا شك – حاجاته الدنيوية التي بها قيام حياته واستمرارها ، ولكن هذه الحاجات تتسم أيضًا بأنها شديدة النسبية؛ نتيجة لما يتميز به الإنسان من مرونة مدهشة في هذا الصدد ، فإذا نظرنا إلى الحاجة إل الطعام كمثال لوجدنا أن الإنسان في الأساس تكفيه ” لقيمات يقمن صلبه”، ولكنه مع ذلك قد تجاوز في طلبه إشباع تلك الحاجة تجاوزًا كبيًرا بحيث تتطلب الكثير والكثير لإشباعها ، ومن ثم فإن الناس عندا يواجهون بظروف يفتقدون فيها من الوارد ما يشبع حاجاتهم الدنيوية فإنهم قد يتعرضون للمشكلات ، ولكن درجة الشعور بالإحباط وحجم العدوان المصاحب لهذا الشعور يتوقف على عدة عوامل متعددة.

ويبدو لنا أن التصور الإسلامي يقوم على أن أهم هذه العوامل – مرة أخرى – هو نوع صلة الإنسان بربه، فالإنسان الذي يوقن بأن له ربًا  يملك خزائن كل خير في الأرض أو في السماء ، وأنه الكريم، المرتجى عفوه، والمأمول عطاؤه ، ولكنه أيضًا يؤمن بأن الله يعطي ويمنع بقدر وفقًا لحكمته وعلمه بما يصلح  خلقه } ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير{  ( الشورى: 7) ، فإنه لابد أن يوقن إما بقرب الفرج في العاجل ن وبضمان العويض عمًا فاته في الدنيا ، وإما بالأجر العظيم الذي وعده الصابرون في الىخرة }إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب{( الزمر : 10)؛ مما يؤديإلى الاطمئنان النفسي الذي يقلل معدلات التوتر والإحباط والعدوان – التي تصاحب بشكل طبيعي نقص إشباع الحاجات- بل وقد تؤدي غلى استبعاد مثل هذه المشاعر والاتجاهات كلية في بعض الحالات وعند بعض الأشخاص.

ولعل من الملائم – هنا – أن نشير إلى دور العوالم الأخرى ونقصد بها عالم الملائكة والشياطين في الوقاية من وقوع المشكلات او المساعدة على إحداثها ، فالواقع أن دور الشياطين كأحد العناصر المساعدة  في وقوع المشكلات وفي تفاقمها يعد من أبرز الفروق بين التفسير الإسلامي وتفسيرات العلم الحديث للمشكلات الفردية ، فالشيطان – كما تدلنا آيات القرآن الكريم الواضحات – يقوم بأدوار تزيين البشر ، وإغواء الناس واستهوائهم ، وهو يسول لهم ويوسوس في خفاء ، وهو يعدهم وينيهم وما يعدهم إلا غرورًا ، وهو ينزع بين الناس ويسعى إلى غيقاع العداوة والبغضاء بينهم ، ومن هذا يتضح كثرة المداخل التي  يؤثر بها الشيطان وقبيله في بني آدم – الذين ثبتت عداوته لهم بكل دليل – حتى لا يكاد يفلت من هذه التأثيرات إلا من رحم الله }ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلًا {النساء : 83) ( الدباغ : 1991 ب).

ويمكن تفسير فاعلية الشيطان وقدرته على التأثير في بني آدم من خلال إدراكنا لوجود حليف له في داخل الإنسان ؛ ألا وهو النفس المذمومة التي تأمر بالسوء ، فالنفس حليفة الشيطان والشيطان لها قرين  يأمرها  بالسوء ويزينه في نظرها ، ومع ذلك فإن تأثير الشيطان انتقائي لا يتضمن عنصر الإجبار }إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون{( النحل : 99)  فالله سبحانه وتعالى يمن بفضله على المؤمنين المتوكلين عليه بدفع الشيطان عنهم }إن كيد الشيطان كان ضعيفًا{( النساء : 76)، غير أن هذا لا يعني أنه لا يتعرض للمؤمنين الصادقين ابدًا بدليل قوله تعالى: }إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا لهم مبصرون{( الأعراف : 201).

اما الملائكة – وإن كانوا يقومون بدور المراقبة وتسجيل أعمالهم بني آدم – فإنهم يقومون أيضًا بمساندة وتدعيم المؤمنين المتقين، يقول الله تعالى : }إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة{(فصلت : 30-31).

كما ان الحديث الشريف يشير إلى ان الإنسان عندما يهم بعمل من الأعمال فغنه تعرض له لمتان : لمة من الشيطان، ولمة من الملك ، والنفس بين هاتيين بحسب حالها ، فأما النفس الطيبة فإنها تستجيب لداعي الخير ، وأما النفس البيثة فإنها تستجيب لداعى الشيطان ( الدباغ ، 1991 ب).

ولا شك في أن دعم الملائكة للمؤمنين المتقين واستفزاز الشياطين لأهل الأهواء والشبهات يضاعف من قوة الآثار المتضمنة في المبدأين السابقين بشكل كبير ، فدعم الملائكة يقلل من أهمية الحرمان من إشباع الحاجات عند المؤمنين ، ويقلل من فرص وقوعهم في المشكلات بشكل هائل ، كما أن استفزاز الشياطين لأهل العصيان لا يزيدهم إلا خسارًا ، ويكاد يمنع خروجهم من دائرة المشكلات التي وقعوا فيها.

ونود أن نشير هنا – أيضًا – إلى أن من أهم العوامل التي تتضمنها عبارة ” مع ثبات جميع العوامل الأخرى” الواردة كضباط على العلاقات المتضمنة في المسلمات السابقة – العوامل ” المجتمعية ” المتصلة بدرجة فاعلية أداء النظم الاجتماعية لوظائفها ، مما ييسر أو يعوق توافق الإنسان مع نفسه ومع غيره في ضوء الضوابط الشرعية ، وترجع أهمية هذه العوامل إلى أنها تمثل الطار المجتمعي الذي يسلك في إطار الافراد ، والتي ينبغي أن تكون دائمًا مأخوذة في الاعتبار عند تطبيق هذه المسلمات واستنباط الفروض منها.

المسلمة الثالثة: إن التغير الاجتماعي السريع وما يؤدي إليه من تفكك اجتماعي لهو سبب اساسي في حدوث المشكلات الاجتماعية في كل المجتمعات ، ولكن درجة حدة تلك المشكلات ودرجة انتشارها تكون أقل كثيرًا في حالة المجتمعات التي تهيمن فيها القيم المستمدة من الإسلام ، والتي تعكس مؤسساتها ونظمها الاجتماعية تلك القيم الإلهية التوجيه ، والتي ( نتيجة لذلك) يحفظ فيها الناس بسلامة فطرتهم.

وتقوم هذه المسلمة على أساس ما ثبتت صحته في الدراسات الواقعية من الارتباط بين سرعة التغير وسرعة التفكك الاجتماعي ، الذي لا تستطيع عملية إعادة التنظيم الاجتماعي Social Reorganizationملاحقته ، مما يؤدي إلى ظهور المشكلات الاجتماعية Social Problemsالتي تصيب فئات واسعة نسبيًا من السكان ، على أساس أن سبب المشكلات في هذه الحالة مؤسسي أو نسقي Systemicوليس فردًا.

ومع ذلك فإن المجتمع المسلم الذي تسوده درجات من التكامل الاجتماعي Social Integrationالأقوى نسبيًا من غيره بحيث يكون ” كالجسد الواحد” بتعبير سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي رغم تمايزه إلى أنساق فرعية متعددة فإن توجه كل منها وسلوكه يكون سلوك ” الأجزاء الملتزمة” Commited Parts– على حد تعبير دراسي عملية التنظيم الاجتماعي – ، تكون قدرته على الاستجابة السريعة والفعالة لتلك المشكلات أقوى بدرجة كبيرة من غيره من المجتمعات التي تتصرف أجزاؤها ( الأفراد أو الجماعات أو المنظمات) كعناصر ذات استقلالية عالية Autonomous Elements( هذه مصطلحات أولسن : Olsen(,1986 . 79).

ويرجع السبب في ذلك إلى أن المجتمع المسلم- بقدر اتصافه بالتماسك والتكامل الاجتماعي المتوقع في المجتمعات المسلمة- يكون أسرع إلى الإحساي أو ” الاكتشاف المبكر للمشكلات” عند بدء ظهورها؛ مما يمكن مؤسسات التوجيه المجتمعي من سرعة الأستجابة قبل أن تنشر المشكلات ، بالمقارنة ببطء الاستجابة الذي تتصف به نسبيًا المجتماعات الأخرى ، ومن جهة أخرى فإن وحدة الإطار القيمي للمجتمع تمكن تلك المجتمعات من اتخاذ القرارات حول الاتجاه الذي تأخذه الاستجابة للمشكلات في سرعة وفي يسر ن وأخيرًا فإن إلهية المصدر بالنسبة لتلك القيم يعطيها قدرة أكبر على حسم الاختلافات عندما يقوم الناس بتقويم التغيرات والتحولات الطارئة ، بحيث لا يقبل منها إلا ما كان متمشيًا مع الاطر القيمية العامة؛ فيقل التناقض والصراع القيمي الذي يؤدي في  غيرها من المجتمعات إلى مضاعفات تؤدي بدورها إلى مزيد من المشكلات الاجتماعية.

هذا فإن يتصل بالتغيرات الوافدة من خارج المجتمع ، أما بالنسبة للتغير النابع ذاتيًا من داخل المجتمع ، فإنه في المجتمعات الإسلامية يكون موجهًا منذ البداية بتوجيهات الطار القيمي الإسلامي الذي يقوم على مبادئ الأخوة في الله. والعدل ، والإيثار ، فيكون أثر التغير الاجتماعي في إحداث التفكك الاجتماعي محدودًا جدًا.

وبالمقارنة، فإن المجتمعات الأخرى – وأيضًا المجتمعات الإسلامية التي تحذو حذوها – التي ينظر فيها كل فرد وكل مؤسسة وكل نظام اجتماعي

لنفسه على أنه وحدة ذات استقلال – كما أشرنا – فإن كل وحدة ترى أن من حقها أن تحدث التغييرات التي تراها محققة لمصلحتها الذاتية Self – Interestمع اكتراث قليل بما يترتب على هذه التغييرات من تفكك اجتماعي أو نقص في إشباع حاجات الآخرين ، فرجال الأعمال فيها مثلًا يكون أكبر همهم هو تحقيق أكبر ربح ممكن ، ورجال السياسة أكبر همهم حشد اكبر قدر ممكن من القوة الساسية….. وهكذا ، أما لماذا؟ وعلى حساب من ؟ وما هي النتائج المترتبة على ذلك السلوك على المجتمع في المدى البعيد ؟ فهى أسئلة غير مطروحة، تكنس تحت البساط كما يقولون ، ولا تتم مواجهتها مواجة جادة ، وكأن عدم رؤيتها يؤدي إلى إبطال مفعولها ! ومن الواضح أن تلك الانماط ” الانتهازية” من الحياة الاجتماعية تؤدي غلى بقا – بل وإلى تفاقم – المشكلات الاجتماعية على الوحه الذي نلاحظه بشكل مؤلم في المجتمعات المعاصرة من حولنا.

واخيرًا ، فإن من الضروري أن ننبه هنا إلى أن غرضنا الأساسي في هذا المبحث ( كما هو الحال بالنسبة لبقية أبعاد التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية) ليس هو حصر أو استنفاد العوامل المؤثرة في إحداث المشكلات الفردية أو الإجتماعية بقدر ما نهدف إلى لفت الانظار إلى العوامل الفريدة التي يتميز بها التصور الإسلامي عن التصورات الوضعية الشائعة بيننا اليوم ، بما يؤدي – إن شاء الله  تعالى – إلى مناقشة تلك الصياغات وإجراء الحوار حولها ، بما يمهد الطريق أمام إجراء الدراسات والبحوث التي تنطلق من هذا التوجه الحديث.

المبحث الرابع :

الرعاية الإجتماعية والإصلاح الاجتماعي

(1)       المشكلات الاجتماعية، والسياسية الاجتماعية ، والرعاية الاجتماعية:

لا يخلو مجتمع من المشكلات الاجتماعية، التي تعبر عن نفسها في النهاية في صورة مواقف او صعوبات او مشكلات تواجه الأفراد أو الأسر ، وظهور هذه المشكلات يتطلب اتخاذ إجراءات لمواجهتها وللوقاية منها على مستوى المجتمع ككل… أو إجراءات وممارسات تتخذ لمواجهة ىثارها وأعراضها من خلال مساعدة الأفراد والأسر – بطريقة مباشرة – على حل تلك المشكلات ، وتنمية قدرتها على التعامل مع مثلها في المستقبل.

والصلة وثيقة بين سرعة التغير الاجتماعي وبين انتشار المشكلات الاجتماعية والانحرافات الفردية ، فكلما ازدادت سرعة التغير ( على الصورة التي تعانيها المجتمعات في العصر الحدبث ، وخصوصًا منذ بدء الثورة الصناعية) ازدادت المشكلات الاجتماعية تفاقمًا ؛ وذلك نتيجة لأن جهود الإصلاح – أو عملية إعادة التنظيم الإجتماعي Social Reorganization – تقتصر سرعتها عادة على ملاحقة السرعة التي يحدث بها التفكك الاجتماعي، كما رأينا في المبحث السابق ، ومن هنا فإن عجز النظم الاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة ( اي التفكك الاجتماعي) يعنى وجود حاجات إنسانية غير مشبعة عند قطاعات عريضة من السكان ، ولمواجهة ذلك الموقف فقد تمخضت جهود الإصلاح في المجتمع الحديث عن ظهور نظام اجتماعي جديد هو نظام الرعاية الاجتماعية The Social Welfare are Instituation همته الأساسية هي المساعدة على واجهة قصور النظم الاجتماعية الأرى ومعالجة آثار ذلك القصور ، ثم العمل في الوقت ذاته عى توفير الظروف الإيجابية التي تمنع حدوث المشكلات الاجتماعية في المستقبل بقدر الإمكان.

لقد عرفت دائرة معارف الخدمة الاجتماعية ( 1971م) الرعاية الاجتماعية Social Welfare  بأنها اصطلاح ” يشير بصفة عامة غلى جميع النشطة المنظمة للمؤسسات الأهلية والحكومية، التي تستهدف الوقاية من المشكلات الاجتماعية المعروفة ، أو تخفيف وطأتها ، أو الإسهام في حلها، أو التي تستهدف تحسين أحوال الأفراد والجماعات والمجتمعات المحلية…” Pumphery , 1971: 1446)  (ويعتبر هذا التعريف من أشمل التعريفات المطروحة للرعاية الاجتماعية؛ ذلك انه لم يتوقف عند الجوانب العلاجية للرعاية الاجتماعية ، بل ضم إليها الجهود الوقائية ، وأيضًا الجهود التنوية او الإنشائي ، كما انه يأخذ في الاعتبار الجهود الأهلية، ولا يتوقف عند حدود الخدمات والبرامج الحكومية وحدها.

أما رتشارد تتمس فيربط بين الرعاية الاجتماعية والسياسية الاجتماعية. Social Policy على وجه يقصر مداهما على القرارات والبرامج والخدمات الحكومية وحدها ، حيث يقول : ” إن الخدمات الاجتماعية أو الرعاية الاجتماعية هي مسميات أعطيت  منذ وقت طويل لوصف مجال معين من مجالات تدخل الدولة ، تتضمن برامج المساعدات المالية وبرامج الصحة العامة التي ينظر إليها على أنها هي المكونات الرئيسة للسياسة الاجتماعية؛ لأنها تتصل بإجراءات حكومية واضحة مباشرة قابلة للقياس ، اتخذت لأسباب سياسية مختلفة لمواجهة عدد معين من الحاجات المادية والاجتماعية التي لا يمكن لنظام السوق إشباعها بالنسبة لفئات معينة من السكان ” Schorr , etal, 1971: 1363)) ومعنى ذلك أن تتمس ( وهو من كبار رجال السياسة الاجتماعية البريطانيين المعروفين) يرى أن الصل هو قيام السرة ونظام السوق ( الذي يقوم على فكرة شراء السلع  والخمات المشبعة لكل حاجات مقابل دفع الثمن، الذي يحدد في ضوء العرض و الطلب) بتنظيم إشباع الحاجات بطريقة تلقائية طبيعية ، أما في حالة عجز الأسرة ونظام السوق عن إشباع حاجات فئات اجتماعية معينة ، فإن على الدولة أن تتدخل لإيجاد وسائل لإشباع الحاجات خارج نظام السوق.

ويوضح آلفين شور وزميله هذا المعنى بقولها : ” إن السياسة الاجتماعية تعنى عند الكثيرين مجموعة برامج الرعاية الاجتاعية الموجهة للتعامل مع مشكلات الفقراء  ومن يعيشون على هامش النظم القائة ، والمعاقين ، وأولئك الذين عجزوا عن تدبير أمورهم في حدود النظام الاجتماعي القائم ، ومن هنا  فإن بنود السياسة الاجتماعية إنما تتصل ببرامج أو تشريعات معينة في محيط الرعاية الاجتماعية” ، ولكنهما من جهة أخرى يفضلان تعريف السياسة الاجتماعية بطريقة أكثر شمولًا على أنها ” المبادئ والإجراءات التي توجه مسار أي برنامج او خطوات تتخذ لتعديل العلاقات الفردية والجمعية في المجتمع ( في اتجاهات مرغوبة) …. والسياسة الاجتماعية المستقرة تمثل اتخاذ والسياسة الاجتماعية المستقرة تمثل اتخاذ خط متفق عليه للتعامل مع بعض الظواهر الاجتماعية المختارة ، يتحكم في العلاقات الاجتماعية وفي توزيع الوارد في المجتمع ( 1362- 1361).

ومن هنا نرى أن تعريفات سياسة الرعاية الاجتماعية تختلف سعة وضيقًا بين من يرون أنها ينبغى أن تركز – إجرائيًا – على مجموعة القرارات والبرامج الحكومية المتصلة برعاية الفئات الاجتماعية التي نعانى من آثار قصور النظم الاجتماعية التي أشرنا إليها من قبل ، وبين من يرون أنها ينبغى أن تتسع لتشمل كل الإجراءات والجهود والخطوات ( ما امكن قياسه منها إجرائيًا وما لا يمكن قياسه) الموجهة نحو التأثير في العلاقات بين مختلف فئات المجتمع والتحكم فيها حتى يكون أكثر توازنًا ، ثم التأثير في نظم توزيع الموارد في المجتمع حتى تكون اكثر عدلًا ، على وجه يضمن في النهاية إشباع حاجات كل فئات السكان بصورة يمكن النظر إليها على انها مقبولة اجتماعيًا ، مما يمكن أن يؤدي إلى تقليل فرص الانحراف والاغتراب والظلم الاجتماعي إلى أقل حد ممكن.

(2)       الرعاية الاجتماعية والقيم و التفصيلات الاجتماعية:

ما سبق يتضح لنا بجلاء أن السياسات الاجتماعية – التي تحكم تصميم وتنفيذ براج الرعاية الاجتماعية في أي مجتمع – إنما تنقلنا مباشرة إلى صميم ” القيم” التى ارتضاها هذا المجتمع لنفسه ، مع الربط – بطبيعة الحال – بين هذه القيم وبين ما يتصل بالفهم والتحليل العلمي لأسباب المشكلات الاجتماعية وطرق مواجهتها ، وهذه بدورها توجه براج الرعاية الاجتماعية في الاتجاهات التى تتمشى مع تلك الأهداف والتفصيلات المجتمعية ، أما معطيات العلم وثمار الخبرة المهنية فإنها تقدم الوسائل التى يتوقع أن تؤدي غلى تحقيق تلك الأهداف اعتمادًا على ما تشير إليه نتائج البحوث والدراسات العلمية من جهة ، وما تشير إليه نتائج البحوث والدراسات العلمية من جهة ، وما تشير إليه نتائج تقويم الممارسات والتجارب الميدانية المنظمة Field Demonstration , Field Experiments  من جهة أخرى ، فقيم المجتمع وتفصيلاته أصل ، والتطبيقات العلمية والمهنية في هذا المجال فرع.

والحق ان هناك شبه إجماع بين المتخصصين في علوم المجتمع على أن كل مجتمع على أن كل مجتمع كما ينشئ ترتيباته وتنظيماته الاجتماعية فإنه – في الوقت ذاته- ينشئ أو يمهد الطريق لظهور انواع معينة من المشكلات الاجتماعية ، فما يختاره المجتمع من معايير وقيم ن وما يختاره من أبنية مؤسسية تعبر عن  تلك الاختبارات والمترتبة عليها، يقول ميرتون ونيزبت في عبارة تعتبر من أكثر ما قيل في هذا الصدد حكمه : ” إن نفس البناء الاجتماعي والثقافي التي هى في أصلها موجهة لأيجاد ألوان السلوك الملتزم المنظم ذاته ميلًا لإيجاد أشكال بعينها من السلوك  وتفتح الأبواب أمام الوان من التفكك الاجتماعي ، وبهذا المعنى فإن المشكلات الاجتماعية الجارية في أي مجتمع غنما هى تسجل للنفقات الاجتماعية لتلك الصورة الخاصة من صور تنظيم الحياة الاجتماعية فيه” Merton. & Nisbet: XII)

وصلاحية القيم وصدقها وملاءمتها لحياة الناس إنما يتوقف على مدى واقعيتها واتساقها مع الرؤية الصحيحة لهذا الوجود، وبقدر تطابق القيم والتفضيلات الاجتماعية الوجهة للبناء الاجتماعي مع << الواقع>> بمعناه الشامل ، أو مع << الحقيقة النهائية>> بتعبير بارسونز ، يكون نجاح عملية التنظيم الاجتماعي ، وبقد هذا التطابق تقل المشكلات الاجتماعية ، ولكن أنى للإنسان أن يتعرف على هذه الحقيقة المطلقة أو هذا الواقع المطلق لكي يختار من القيم ما يتطابق معه ؟.

إن المجتمعات الغربية المعاصرة التي أعلنت مؤخرًا بكل لسان أن حضارتها قد انتصرت وتربعت على عرش العالم قد اختارت الاعتماد على << الخبرة الإنسانية>> وحدها في الوصول إلى تصور حقائق هذا الوجود ، فتوقفت غالبًا عند ما هو محسوس ، وعندما هو قابل للقياس والملاحظة ، وقد أدى هذا التركيز على الماديات المحسوسات إلى نجاحات كبيرة في المحيط المادي والاقتصادي والعسكري ، أما في المحيط الإنساني فما زال الإنسان يعيش في إطار تلك الحضارة بعيدًا عن ما يطمح إليه من العيش في سعادة وسلام في هذه الحياة الدنيا (إضافة إلى تجاهل ما يكون وراءها) . ولكن هل هذا هو الخيار الوحيد المطروح أمام البشرية؟ إننا سنرى بعد قليل أن نظم الإسلام تقدم لنا البديل الصحيح لهذه المعاناة البشرية التي لا أول ولا آخر ، والتي تعاني منها المجتمعات الإنسانية المعاصرة رغم التقدم العلمي والتقني الكبير الذي تحقق في محيط الرفاهية المادية.

لنتوقف قليلا لنعطي مثالًا – محدودًا جدًا – مما قام به (ألفريد كان) في تحليله للبيانات الإحصائية للأوضاع السكانية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل الثمانينات لتحديد الاتجاهات التي تسير فيها؛ لكي ندلل على أن اختيارات الناس وتفضيلاتهم هي التي تخلق أنواع المشكلات والحاجات غير المشبعة التي يعانون منها، كما قال ميرتون ونيزيت ، فلقد توصل (كان) من هذا التحليل إلى أن خروج المرأة إلى العمل قد أدى إلى انخفاض عدد الأسر التقليدية – التي تتكون من زوج يعمل وزوجة تتولى شئون البيت والأولاد – إلى حد ما لم يسبق له ثيل ، وأن 52% من الأطفال الأمريكين الذين تقل أعمارهم عن عام واحد هم أطفال لأمهات عاملات ، وأن الكثيرين منهم تتم تربيتهم تحت ظروف مضطربة ومتغيرة باستمرار ، أما الأطفال في سن المدرسة ، فقد تبين أن نسبة كبيرة منهم يعيشون دون أي رعاية منذ خروجهم من المدرسة إلى الساعة السادسة أو السابعة مساء حتى يعود الوالدان من العمل ، أما الحياة الأسرية في مثل هذه الأسر فإنها مضغوطة << لا يكاد يلتقط فيها أفراد الأسرة أنفاسهم>>، وفي إطار ذلك كله فإن معدلات حالات القسوة على الأطفال (بالضرب المبرح أو التعذيب) ، والقسوة على الزوجات ، والقسوة على كبار السن قد ارتفعت ، كما ازدادت حالات هروب المراعقين من أسرهم بسبب مشكلات المخدرات، أو المشكلات المدرسية، أو السلوك الانحرافي، أو الحمل غير الشرعي. (يلاحظ أن 16% من حالات الحمل في الولايات المتحدة الأمريكية هي لفتيات في سن المراهقة) )(Kahn)635-634 : 1987) .

ولقد بذل (ألفرد كان) جهدًا كبيرًا ليوضح أن المجتمع الأمريكي ينبغي أن ينظر لهذه الظواهر لا على أنها << مشكلات>> أو ظواهر مرضية ، وإنما على انها << حاجات>> طبيعية نشأت نتيجة للمسار الذي اختاره المجتع ، وكأخصائي اجتماعي مخلص لمبادئ الخدمة الاجتماعية التقليدية (التي تسلم بأن تعمل في إطار القيم التي اختارها المجتمع)، فإنه يقرر أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتغيرات في أوضاع الأسر – التي أشرنا إليها فيما سبق- قد أصبحت هي << المعيار الجديد المقبول في هذا العصر>>، وأنها قد ترتبت عليها أوضاع جديدة تتطلب إيجاد البرامج الاجتماعية اللازمة لمواجهتها ، وأنه إذا كان لدينا (يقصد في المجتمع الأمريكي) أسر يعمل الأبوان فيها خارج المنزل ، وأسر تعولها نساء لم تتزوجن ، وأسر تعيش منعزلة دون دعم من الأقارب …، وإذا كانت كل هذه الأسر تحاول تربية أطفالها … ، فإن من الواضح أن الكثير من هذه الأسر يحتاج دعمًا مؤسسيًا منظمًا في شكل برامج وخدمات اجتماعية واسعة النطاق (تنفق عليها الدولة طبعًا 639) .

ولكن دور القيم والمعايير التي يختارها المجتمع لا يتوقف عند ما ذكرناه من أنها تحدد صورة المشكلات الاجتماعية وترسم خريطة الحاجات غير المشبعة ، ولكن القيم المجتمعية إضافة إلى ذلك تحدد أيضا نوعية << استجابة المجتمع>> لتلك المشكلات؛ ذلك أن مواجهة المشكلات الاجتماعية تتطلب نوعًا من <<الاتفاق>> المجتمعي حول ماهية المشكلات الأولى بالمواجهة ، وكذا حول الجهة التي تتحمل نفقات مواجهتها ، وهذا يصرفنا إلى قضية ديناميات الاتفاق المجتمعي وكيفية الوصول إليه ، وقضية العمليات السياسية التي تتضمنها تلك الديناميات ، والقوى والمصالح المؤثرة فيها والمتأثرة بها.

فإذا عدنا مرة أخرى إلى الأمثلة التي تقدمها لنا الحضارة الغربية الغالبة اليوم ، وجدنا مع <<شور>> وزميله أن السياسة الاجتماعية في أمريكا تحددها ثلاثة اتجاهات هي : الفردية Individualism، وعدم تدخل الدولة إلا في أضيق نطاق ممكن ، والتفاوض بين جماعات المصالح المختلفة ، ويضيفان أن اختلاف جماعات المصالح في المجتمع الأمريكي وطبيعة العملية السياسية قد عملت ضد ظهور سياسة اجتماعية متماسكة ، << … وبدلًا من ذلك فقد جاء نمو السياسات كاستجابة موقوتة ونفعية (براجماتية) لتوازنات القوة المتغيرة بين هذه الجماعات …. وأن أحد الخصائص الواضحة للسياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية هو أن الأمة لا تملك بيانًا واضحًا شاملًا بأهدافها القومية ، أو سياسات اجتماعية تحتضن هذه الأهداف>> (Schorr, etal. 1367)، أما جيمس لايبي – (Leiby, 1971:1461-1477)فإنه استعرض تاريخ الرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة يمكن لمن يشاء أن يراجعها؛ ليرى أمامه بوضوح كيف أن ترك الأمور للصراع (ديموقراطيًا) بين جماعات المصالح المختلفة دون دليل إلهي موجه في مجتمع يقوم على الفردية ويدين بما يراه البشر قد أدى إلى الكثير من الفوضى والاضطراب في هذه البرامج ، وكيف أن هذه الأنظار البشرية المتلاطمة والمتصارعة لا زالت توجه سياسات الرعاية الاجتماعية إلى اليوم.

(3)       الرعاية االاجتماعية ، والقاعدة العلمية ، والممارسات المهنية:

يواجه الباحثون عند هذه النقطة بإغراء شديد لإصدار تعميم يقضي بأن ” الأساليب ” التي تحقق بها أهداف الرعاية الاجتماعية في ضوء المعرفة العلمية المتاحة حول طبيعة الأنساق الفردية والاجتماعية ، وفي ضوء الممارسات المهنية السابقة؛ إنما هي من الأمور الفنية والعلمية التي لا تختلف كثيرًا من مجتمع لآخر ، وأنها لا تتأثر كثيرًا بالاختلافات الثقافية أو المعتقدات الدينية ، باعتبارها مجرد وسائل محايدة ، ولكن الأدلة على خطأ مثل ذلك التعميم كثيرة ، فلقد تبين لنا – مما سبق – أن القيم كامنة بشكل خفي وراء المسلمات التي يقوم عليها المنهج العلمي الحديث، ومع ذلك فهي تعتبر جزءًا لا يتجزأ منه، كما أن القيم توجه نظريات العلوم الاجتماعية ومهن المساعدة الإنسانية في اتجاهات تثير تساؤلات خطيرة جدًا ، وبالتالي فإن برامج الرعاية الاجتماعية المبنية على هذه جميعًا لا يمكن أن ينالها إلا نصيبها الوافي من الالتواء الناتج عن التشوهات التي أوضحناها في موضع آخر ، خصوصًا فيا يتصل بمنهج العلم، أو نظرياته ، أو تطبيقات تلك النظريات ( إبراهيم رجب ، 1991) ، وفيما يلي نشير بكلمة مختصرة إلى كل هذه التأثيرات:

(1)        إذا كان المنهج العلمي للبحث – الذي يعتمد عليه في التحقيق من صدق المشاهدات الواقعية – مقتصرًا فقط على دراسة الجوانب المحسوسة من الإنسان وحاجاته ومشكلاته ، فلابد أن ينعكس هذا على برامج الرعاية الاجتماعية التي يستخدم المتخصصون عند تصميمها وتنفيذها أدوات العلم ومناهجه؛ للتأكد من درجة صدقها وصلاحيتها لمواجهة المشكلات الاجتماعية والسلوكيات المنحرفة التي أقيمت من أجل مواجهتها.

(2)       وإذا كانت نظريات العلوم الاجتماعية منطلقة من نظرة مادية آلية للإنسان ، فإن المشتغلين بتصميم وتنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية الذين يقومون بتطبيق تلك النظريات لابد أن تاتي برامجهم أيضًا مختزلة بشكل يساير تلك النظرة المادية الآلية.

(3)       وإذا كانت منهجيات التدخل في الخدمة الاجتماعية منطلقة من منطلقات علمانية تباعد بين هذه المهنة وبين كل ما ينتسب إلى الروح أو الدين أو تهمله إهمالًا ذريعًا ، فإن من الطبيعي أن تأتي برامج الرعاية الاجتماعية أيضًا متمشية مع هذه التوجهات العلمانية المنبتة الصلة بالله واليوم الآخر.

وقد كان من الطبيعي أن تترتب على هذه التاثيرات نتائج حدث من فاعلية برامج الرعاية الاجتماعية في تحقيق  الآمال المعقودة عليها ، ونشير إلى بعضها فيما يلي :

(1)       نشأ عن هذه النظرية الآلية المادية للإنسان عدم اكتراث بقيمة العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين الناس ، وجرأة شديدة على تقطيع أوصال العلاقات الإنسانية بشكل مصطنع عند تصميم برامج الرعاية الاجتماعية ، فمثلًا ساد على مدي حقبة زمنية طويلة اتجاه يرى بأن الحل الأمثل هو في إنشاء ( المؤسسة الإيداعية) لرعاية أي فئة اجتماعية تواجة أي نوع من الصعوبات ( مثلًا مؤسسات رعاية المسنين – ؤسسات رعاية المعوقين)،  ولو أدى ذلك إلى عزلة النزلاء عن أسرهم وعن الحياة الطبيعية في المجتمع المحلي – مهما كانت آثار ذلك على نفوسهم – ما دامت حاجاتهم المادية مؤمنة في إطار تلك المؤسسات.

(2)       أصبحت برامج الرعاية الاجتماعية تصمم على أساس من الاشخصية Impersonal بطريقة تتوازى ع فكرة خطوط الإنتاج ، فالعملاء يتم ” تشغيلهم” Processing  أو تمريرهم في برامج ” سابقة التجهيز” يتوقع منهم التوافق معها ، وإلا تم تصنيفهم على أنهم أشخاص غير متوافقين أو غير متعاونين ؛ وبالتالي يتعرضون للحرمان من الخدمات.

(3)       استبعاد النواحي الروحية والدينية – إلا لمامًا – من برامج الرعاية الاجتماعية اكتفاء بالأنشطة التي تشبع الحاجات الدنيوية أساسًا، وأيضًا خلو طرق المساعدة المهنية ومناهجها من أي اهتمام بنوع صلة الإنسان بربه، كما لو كانت هذه لا أثر لها إطلاقًا على مساعدته على موجهة مشكلاته .

(4)       أصبح اختيار العاملين في أجهزة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية خلوًا من أي اكتراث بنوعية هؤلاء العاملين من الناحية الروحية أو الدينية أو حتى الأخلاقية ؛ اكتفاء بالتحري فقط عن المؤهل الذي يشهد بالحصول على المعارف والمهارات المطلوبة لخدمة الحاجات الدنيوية للعملاء وحدها ، فجاء إفساد هؤلاء العاملين للعملاء في بعض الحالات أقرب من إصلاحهم.

4-          التصور الإسلامي  للرعاية الاجتماعية:

لم تخل الكتابات المهنية في الخدمة الاجتماعية خلال العشرين عامًا الماضية من محاولات لبلورة التصور الإسلامي للرعاية الاجتماعية ، ولقد قات (عفاف الدباغ 1989م) بمراجعة لتلك المحاولات (تتضمن حصرًا وتوثيقًا لأهمها) ، وقد توصلت نتيجة لذلك إلى أن تلك الكتابات يمكن تصنيفها في قسمين :

1-          قسم يركز على الدراسة << التاريخية>> لما كان يقدم في الدولة الإسلامية من برامج تنوعة لرعاية الفئات المختلفة ممن يحتاجون للمساعدة ، << وهي عادة دراسة ذات طابع وصفي سردي تنصب على أحكام الزكاة والصدقات والنفقة والأوقاف ، أو تنصب على المؤسسات التي تقدم من خلالها الخدمات كالمساجد والبيمارستانات والمدارس وغيرها>> .

2-          اتجاه يركز على الدراسة <<التحليلية>> للمبادئ العامة للإسلام بصفة عامة ، ثم استباط ما يمكن اعتباره مبادئ الرعاية الاجتماعية في الإسلام ، ويلاحظ أن مثل هذه الصياغات ذات طبيعة شديدة العمومية ، ولا تتوصل عادة إلى مفهوم متكامل للمحور الذي تدور حوله برامج الرعاية الاجتماعية في الإسلام (ص ص 31-32) .

أما فيما يتعلق بالمفاهيم المحورية التي تنتظم حولها برامج الرعاية الاجتماعية في المنظور الإسلامي فقد كان أبرزها مفهوم << التكافل الاجتماعي>> الذي اعتبره عبد العزيز مختار <<أساس العلاقات بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع المسلم>> (1988 : 99، 106) وقد اختار محمد نجيب توفيق هذا المفهوم أيضًا كأساس للرعاية الاجتماعية في الإسلام (1988)، أما الفاروق زكي يونس فقد حرص على الربط بين مفهوم <<التكافل الاجتماعي>>، ومفهوم <<الأخوة في الإسلام>> كأسس تقوم عليها الرعاية الاجتماعية (1981، 1991) . أما عفاف الدباغ (1989) فقد اقترحت اتخاذ مفهوم <<مقاصد الشريعة>> عند الشاطبي محورًا تستمد منه وظائف الرعاية الاجتماعية من منظور الإسلام ، والواقع أن مفهوم مقاصد الشريعة كمحور تنطلق منه نظرية الرعاية الاجتماعية في الإسلام يعتبر أوسع نطاقًا وأكثر شمولًا من مفهوم التكافل الاجتماعي ؛ ذلك أنه يلمس كل جانب من جوانب التنظيم الاجتماعي في المجتمع ولا يقتصر على الجوانب التقليدية للرعاية الاجتماعية؛ ولذلك فإننا سنتوقف هنا لإلقاء الأضاء على هذا المفهوم، ولنتحدث عن إمكانات تطبيقه كمحور لبرامج الرعاية الاجتماعية في المجتمع المسلم .

ولقد أوضح الشاطبي أن مقاصد الشريعة إنما هي تحقيق <<مصالح العباد في العاجل والآجل>> معاً ، ثم إنه قام بتقسيم تلك المقاصد إلى ثلاثة أقسام (ص ص 1-5) :

1-          الضروريات : وهي الأمور التي << لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ، بل على فساد وتهارج وفوت حياة ، وفي الأخرى: فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين >> .

2-          الحاجيات : وهي الأمور التي << يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب … ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد .. المتوقع في المصالح العامة>> .

3-          التحسينات : يقصد بها <<الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات >>.

ثم أوضح أن مجموعة الضروريات خمسة، (تجري أيضًا في الحاجيات والتحسينات ) ، وهي : حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل، وبين أن <<الحفظ>> لهذه الضروريات <<يكون>> بأمرين:

أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.

والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها .

وقد علق الطاهر بن عاشور على ما ذكره الشاطبي في هذا الصدد بقوله: <<فالمصالح الضرورية هي التي تكون الأمة بمجموعها وآحادها في ضرورة إلى تحصيلها، بحيث لا يستقيم النظام بإخلالها … ولست أعني باختلال نظام الأمة هلاكها واضمحلالها؛ لأن هذا قد سلمت منه الأمم الوثنية والهمجية ، ولكني أعني به أن تصير أحوال الأمة شبيهة بأحوال الأنعام، بحيث لا تكون على الحالة التي أرادها الشارع منها >> 1987 : 79) .

والواقع أن مفهوم مقاصد الشريعة يصلح كمفهوم محوري يمكن أن تنطلق منه نظرية الرعاية الاجتماعية في الإسلام ، فالرعاية الاجتماعية في المنظور الإسلامي هي مجرد نظام آخر من النظم الاجتماعية التي يضمها المجتمع المسلم والتي تلتزم بأهدافه العامة ومقاصده الشرعية ، بالتعاون الوثيق مع بقية النظم المتخصصة الأخرى لتكون جميعًا << كالبنيان يشد بعضه بعضًا>> . فنحن لا نتحدث في المجتمع المسلم عن كيانات اجتماعية شبه مستقلة في داخل البناء المجتمعي ، كما لا نتصور الموقف في هذا المجتمع – كما في غيره من المجتمعات – وكأنه يقوم على وجود جماعات ذات مصالح متعارضة تتنافس فيما بينها <<ديموقراطيًا>> أو بالأحرى تتصارع فيما بينها؛ لكي يملي الأقوى منها (أو من بين التحالفات التي تقيمها فيما بينها) إرادته على المجموع دون ميزان عام عادل يحدد مدى ونوع الحقوق والمستحقين لخدمات الرعاية الاجتماعية ، وإنما الأصل في المنظور الإسلامي هو الانطلاق من تلك الأسس والمقاصد العامة الملزمة للأفراد والجماعات ، ولمختلف النظم والقطاعات ، وللقائمين على أمر المجتمع ككل ، التي تصدر عن شارع حكيم عليم ، مبرأ عن الظلم أو الانحياز لفئة اجتماعية دون أخرى .

فأما ما يتصل بحفظ الدين ، فإن الرعاية الاجتماعية ينبغي أن تقوم من الناحية الإيجابية أو الإنشائية بالإسهام الفعال في جهود الدعوة إلى الله ، وقد قدم محمد أحمد عبد الهادي إسهامات جيدة في هذا السبيل ، فأوضح في مؤلفه عن الخدمة الاجتماعية الإسلامية (1989) أن أحد الأهداف الأساسية للخدمة الاجتماعية – وهي المهنة الرئيسية في محيط الرعاية الاجتماعية – ينبغي أن يكون هو << بناء الوعي الإسلامي>> وصولًا بأفراد المجتمع إلى <<بناء قيمهم وفق نسق القيم الإسلامي>> على أساس أن هذا هو الأصل الذي بدونه لا صلاح ولا إصلاح للمجتمع المسلم، كما أنه وضع في بحثه عن الخدمة الاجتماعية في مجال الدعوة الإسلامية (1991) معالم هامة لما يمكن أن تقدمه برامج الرعاية الاجتماعية كوعاء تنطلق منه جهود الدعوة إلى الله .

أما عن حفظ النفس ، فلعل أهم إسهامات الرعاية الاجتماعية في تحقيقه إنما تتمثل في الوظائف المتصلة بالتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي، التي تستكمل بها وظائف النظام الأسري والنظام التعليمي والنظام الحكومي ، وهذه الإسهامات ذات طبيعة علاجية أيضًا؛ ذلك أن برامج الرعاية الاجتماعية – إذ تتيح الفرص أمام الناشئة والشباب لصقل شخصياتهم في إطار إسلامي، وتدريبهم على التعامل مع غيرهم بمقتضى العدل والإحسان – تمثل أحد الجوانب الوقائية والإنشائية التي تدعم الفطرة السليمة، وتحول دون ألوان التجاوز والاعتداء التي يميل إليها الإنسان جبليًا بحكم طبيعته البدنية الطينية (راجع المبحث الأول من هذا الفصل) ، أما من النواحي العلاجية والتعويضية فإن برامج الرعاية الاجتماعية تسهم في صيانة الأنفس من خلال اهتمامها التقليدي بتوفير الرعاية والتنشئة الصالحة للأطفال الذين لا عائل لهم ، كما أنها في الوقت ذاته تقوم بدور رئيس في إعادة التنشئة الاجتماعية لمن قصرت النظم الأخرى في رعايتهم وضبط سلوكهم؛ مما أدى بالتالي إلى وقوعهم في المخالفات والجرائم، كالأحداث المنحرفين ونزلاء السجون، مما يحفظ على هؤلاء حياتهم، كما تؤدي – وقائيًا- إلى حفظ حياة الآخرين .

وأما عن حفظ النسل ، فإنه يتم من خلال جميع البرامج الوقائية والإنشائية التي تصمم لمساعدة الشباب على الزواج وتكوين الأسرة ، وغيرها من برامج تدعيم وتقوية الحياة الأسرية وصيانتها؛ لتكون الإطار الوحيد والسليم الذي تنبت في ظلاله الأجيال الجديدة ، كما يتضمن ذلك برامج رعاي الأمومة والطفولة، وما تتضمنه من تعليم الأمهات ما ينبغي عليهن في فترات الحمل والعناية بالطفولة وغيرها .

وأما عن حفظ المال، فإنه – أيضًا- يتم من خلال البرامج التنموية والعلاجية للرعاية الاجتماعية ، فنجد أن << التنمية الذاتية في الإطار الإسلامي>> تعتبر الهدف الرئيس الآخر الذي يقترحه محمد أحمد عبد الهادي للخدمة الاجتماعية الإسلامية ، وذلك في مواجهة التخلف الذي يضرب أطنابه في أرجاء العالم الإسلامي، ويتضمن ذلك أيضًا توزيع الزكوات على مستحقيها الحقيقيين ن كما يتضمن الجهود التي تبذل لتوجيه من يعانون من مشكلات مادية نحو حسن التصرف في إنفاق دخولهم المحدودة بحيث تكفي حاجتهم الأساسية وهكذا .

أما عن حفظ العقل ، فإ الرعاية الاجتماعية تقوم به من خلال الجهود الوقائية والعلاجية – أيضًا – في كل مجالات الخلل الذي يمكن أن يطرأ على عقول الأمة، سواء في مجال الاضطرابات النفسية والعقلية، أو في مجال تعاطي المخدرات والمسكرات أو ما شاكلها ، فجميع برامج الرعاية الاجتماعية الموجهة نحو إصلاح أوضاع الأسرة في المجتمع المسلم بما يدعم التكوين السليم لأفراد المجتمع ويخفف الضغوط غير الطبيعية التي يتعرضون لها ، فهي تقلل من فرص التعرض للاضطرابات النفسية، وتغلق الأبواب أمام الحاجة إلى تعاطي مغيبات العقول . أما الجانب العلاجي لإسهام الرعاية الاجتماعية ي تحقيق حفظ العقول، فيتجلي في برامج علاج الاضطرابات النفسية والعقلية وعلاج تعاطي المخدرات.

ورغم وجود قدر من التشابه بين بعض البرامج التي ذكرناها – هنا – باعتبارها تمثل نصيب الرعاية الاجتماعية من تحقيق مقاصد الشريعة وبين بعض برامج الرعاية الاجتماعية التي نجدها في الدول غير الإسلامية، إلا أننا ينبغي أن ندرك أن هناك فروقًا جوهرية بين هذين النوعين من البرامج يمكن أن نلخص أهمها فيما يلي :

(1)       أن حفظ الدين – في التصور الإسلامي –  يحتل مكانًا خاصًا كهدف من أهداف برامج الرعاية الاجتماعية  على وجه يفتر إليه بالكلية التصور العلماني للرعاي  الاجتماعية ، وحفظ الدين وإن كان هدفًا في ذاته توجه إليه برامج بعينها (كتلك الموجهة لتنمية الوعي الإسلامي والموجهة للدهوة إلى الله من خلال الخدمات الاجتماعية) فإنه أيضًا هدف مصاحب لبقية البرامج الأخرى الموجهة لتحقيق بقية مقاصد الشريعة ، بحيث يتم تصميم برامج الرعاية الاجتماعية وتنفيذها في جميع الأحوال على الوجه الذي يحقق أيضًا هدف حفظ الدين ، باعتبار أن هذا يضمن النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة .

(2)       ويترتب على ما سبق أن جميع برامج الرعاية الاجتماعية الوقائية منها أو العلاجية إنما تقوم على إدراك لمسألة وجوب أخذ الجوانب الروحية المتصلة بصلة الإنسان بخالقه في الاعتبار ، وبوجوب العمل بكل الوسائل على المحافظة على سلامة الفطرة ونقائها؛ لما بيناه في المباحث السابقة من حاكمية هذه الأبعاد وآثارها البعيدة على الوجود الإنساني في هذه الحياة وفي الآخرة .

(3)       ومن جهة أخرى، فإننا نجد أن الرعاية الاجتماعية لا تعود – في التصور الإسلامي- مجرد مجموعة من البرامج الجزئية المفتتة دون ما صلة فيما بينها ، والتي تقدم بطريقة غير شخصية تقوم على انقطاع الصلة بين مقدمي الرعاية والمستفيدين منها ، وإنما تنطلق جميعًا من شعور بالأخوة في الله ، وترتبط في النهاية بتحقيق رضاء الله سبحانه وتعالى ، في نفس الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق مصالح العباد ، وتنمية قدراتهم إلى أقصى حد ممكن ، ومساعدتهم على مواجهة صعوبات حياتهم بأفضل طريقة ممكنة.

(4)       أما بالنسبة لتدخل الدولة في تقديم برامج الرعاية الاجتماعية فإنه لا يقوم – في التصور افسلامي- على مجؤد الاستجابة للضغوط السياسية الضيقة ، أة الاستجابة لتوازنات القوى المنقلبة ، وإنما يقوم على شعور الحكام << بالمسئولية أمام الله سبحانه وتعالى>> ، في ضوء ما شرع من حقوق العباد … ، وعلى الوجه الذي يرى فيه (عمر) مثلًا أنه لو عثرت بغلة في العراق لكان متحملًا للمسئولية عما أصابها – وهي صورة تتناقض بشكل صارخ مع ما تشير به المكيافيلية أو البراجماتية القصيرة النظر التي تستشري في نظم الحكم الحديثة في المجتمعات المعاصرة .

المبحث الخامس:

نظرية الممارسة في الخدمة الاجتماعية

يمكن تعريف <<نظرية الممارسة>> بأنها مجموعة من المفاهيم التي تربط – بطريقة متسقة – بين ما نعرفه عن السلوك الإنساني والأنساق الاجتماعية والتفاعل بينهما من جهة ، وبين القيم والأهداف التي تسعى المهنة لتحقيقها من جهة أخرى ، وبين الأساليب الفنية المحددة والمهارات التي يمكن استخدامها في تحقيق تلك الأهداف من جهة ثالثة (Barker, 1987: 123، وفي ضوء ما عرضه أندرسون Anderson, 1981: 134-138)، فإننا نستطيع أن نميز بين جانبين أساسيين من جوانب نظرية الممارسة يترابطان فيما بينهما أشد الترابط، وهما :

1-          تقدير الموقف أو الحاجة أو المشكلة أو السلوك Assessmentفي ضوء افتراضاتنا الأساسية حول الطبيعة الإنسانية ، وفي ضوء النظريات العلمية الأساسية المتصلة بالسلوك الإنساني في محيطه الاجتماعي ، وفي ضوء الأهداف العامة والنسق القيمي والأهداف المهنية التي تنطلق منها الممارسة .

2-          التدخل المهني Interventionالذي يستهدف إحداث تأثيرات محددة ، باستخدام الوسائل والأدوات المناسبة ، في ضوء تقدير الموقف ، وفي إطار النظريات العلمية والنسق القيمي والفلسفة العامة للمهنة .

وإذا كنا في المباحث السابقة قد تعرضنا بالتحليل والنقد للإفتراضات الأساسية حول الطبيعة الإنسانية ، كما تعرضنا للقضايا المتصلة بالسلوك الفردي والتترتيبات المجتمعية ، ولتفسير المشكلات الفردية والاجتماعية ، في إطار التصورات الغربية مقارنة بالافتراضات والقيم الإسلامية ، فإننا سنحاول في هذا المبحث تجميع هذه الخيوط معًا لنرى إلى أين توجهنا فيما يتصل بطرق التدخل المهني في الخدمة الاجتماعية .

(1)       المنظور التقليدي لممارسة الخدمة الاجتماعية:

تضمن احد التقارير الهامة التي يعبر عن السياسات العاة التي يتبناها المجلس الأمريكي لتعليم الخدمة الاجتماعية تحديدًا للأهداف الرئيسية للخدمة الاجتماعية، يتبين منه أن محور اهتمام المهنة هو ” العلاقات أو التفاعلات التي تتم بين الناس وبيئاتهم” إذ تسعى المهنة إلى تحسين قدرة الناس على القيام بمطالب حياتهم، والمساعدة على تخفيف كروبهم ، ومساعدتهم على تحقيق آمالهم الفردية والجمعية ، ويتضن ذلك ” تقوية وتدعيم وتحسين أداء الأفراد والاسر والجماعات والمنظمات والمجتمعات المحلية لوظائفها الاجتماعية أو استعادة تلك الوظائف ( عند فقدها) ، وذلك من خلال المساعدة على وقايتهم من الوقوع في الضيق والحرج ، ومساعدتهم على استخدام الموارد المتاحة ، إضافة إلى وضع الخطط والبرامج والسياسات الاجتماعية اللازمة لإشباع الحاجات الأساسية للناس  ولتنمية قدراتهم وإمكاناتهم 8CSWE, 1982 : 95)   ، وقد بذل الكثيرون جهودًا لتحديد ماهية تلك الصعوبات والمشكلات والحاجات التي تتدخل الخدمة الاجتماعية للمعاونة في مواجهتها أو الوقاية منها، وقد قامت هيلين نورثن (Northen, 1987: 172-173)، بمراجعة لتلك الإسهامات ، فبينت أن هناك فروقًا بين نظرية العملاء لمشاكلاتهم وبين نظرة الأخصائيين الاجتماعيين لمشكلات العملاء، فالعملاء عندما يأتون طلبًا لمساعدة الأخصائيين الاجتماعيين فإنهم ينظرون إلى مشكلاتهم على أنها إما :

1-           مشكلات في العلاقات الاجتماعية Social Relationships.

2-          أو مشكلات تتصل بعدم قدرتهم على أداء الأدوار الاجتماعية Role Functioning.

3-          أو صعوبات ذات مصدر خارجي External Difficulties.

أما من زاوية المتخصصين في الخدمة الاجتماعية أنفسهم ، فقد وجدت نورثن أنهم ينظرون لتلك المشكلات والصعوبات من زوايا متعددة، وإن كان من الممكن التوفيق بينهما ، فأشارت إلى هيلين بيرلمان مثلًا قد اكدت على أن مشكلات العملاء غنما تدور حول أداء الأدوار Role Performanceوخصوصًا فيما يتصل بما يلي:

1-          قصور أو نقص الإمكانات المادية، سواء منها ما اتصل بضغف في القدرات الشخصية الذي يعوق أداء الأدوار ، أو ما اتصل بنقص في المعرفة والتدريب و الإعداد.

2-          اضطرابات الشخصية ، أو الأمراض العقلية.

3-          تناقض متطلبات أداء الأدوار الاجتماعية ، كعدم القدرة على التوفيق بين عدد من الأدوار المهمة ، أو عدم القدرة على الارتفاع لى مستوى توقعات الآخرين ، أو غموض توقعات الأدوار وتناقضها.

وقد قام وليام رايد بمحاولة – لقيت قبولًا واسعًا – لتصنيف المشكلات التي تتصدى لها الممارسات ، فأوضح – أولًا – أنه ينظر للمشكلات على أنها – أساسًا – ” رغبات غير مشبعة” ، ثم قسم هذه المشكلات إلى الفئات الآتية.

1-          الصراع في العلاقات الشخصية بين الأفراد.

2-          مشكلات في العلاقات مع المنظمات الرسمية.

3-          صعوبات في أداء الأدوار الاجتماعية.

4-          صعوبات في اتخاذ قرارات هامة.

5-          اضطرابات انفعالية نشأت كردود أفعال لمواقف صعبة.

6-          نقص الموارد.

7-          اضطرابات نفسية وسلوكية أخرى (173).

والمتأمل للطريقة التي ينظر بها العملاء  لمشكلاتم وأيضًا للطريقة التي ينظر بها الأخصائيون الاجتماعيون لمشكلات العملاء، والتي في ضوئها يتم التدخل المهني للخدمة الاجتماعية في المجتمعات المعاصرة – سرعان ما يتبين  له أن حور الاهتمام فيها جميعًا يدور حول :

أ‌-              إشباع الحاجا الدنيوية .

ب‌-          مواجهة ما يربط بنقص الإشباع من صعوبات في العلاقات مع الآخرين في نطاق هذه الحياة الدنيا.

ت‌-          أو ما يرتبط بهذا كله من اضطرابات في النفوس والعقول تنغص على الناس عيشهم.

هذا إذا صرفنا النظر عن البحث في أي هذه الصعوبات يعتبر أعراضًا للمشكلات وأيها يعتبر أسبابًا لها من بين تلك العوامل ، وإذا اعترفنا أنه في كثير من الأحيان يكون تخفيف الأعراض التي قد يتحمل معها العميل ما لا يطاق من الآلام البدنية والنفسية قد لا يقل أهمية في المدى القصير عن معالجة الأسباب.

ولا يجادل إلا مكابر في أهمية العوامل المذكورة ، فهي تتصل اتصالًا مباشرًا بنوعية الحياة والمعاناة اليومية للناس ، وهي تستحق أن يبذل الأخصائيون الاجتماعيون جهودهم للمساعدة على مواجهتها ، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة هنا – في ضوء ما تعرضنا له في الفصول السابقة – هي:

1-          هل يمكن فهم مشكلات العملاء – حتى ما اتصل منها بإشباع الحاجات الماية و الدنيوية بصفة عامة – دون دراسة مدى تأثيرها بالجوانب الروحية المتصلة بصلة الإنسان بربه؟

2-          هل يمكن أن يبنى التدخل المهني لمساعدة العملاء على مواجهة تلك المشكلات الدنيوية ذاتها مع الإصرار على إغفال تلك العوامل الروحية؟

3-          وحتى لو سلمنا – جدلًا – بأنه بالإمكان فهم تلك المشكلات الدنيوية على حلها مع إغفال العوامل الروحية ، فأى نوع من الخدمة الاجتماعية هذه التي نقدمها للناس ، والتي تأخذ بأيدي العملاء في سعيهم لتجاوز عقبات تافهة تعترض دنياهم الزائلة ولا تأخذ بحجزتهم عن الواقع فيما يؤدي إلى غضب الله وعقابه الأليم في دار الخلود والبقاء؟

       ولا يجادل إلا مكابر في أهمية العوامل المذكورة ، فهي تتصل اتصالًا مباشرًا بنوعية الحياة والمعاناة اليومية للناس ، وهي تستحق أن يبذل الأخصائيون الاجتماعيون جهودهم للمساعدة على مواجهتها ، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة هنا – في ضوء ما تعرضنا له في الفصول السابقة – هي :

1-          هل يمكن فهم مشكلات العملا – حتى ما اتصل منها بإشباع الحاجات المادية والدنيوية بصفة عامة – دون دراسة مدى تأثرها بالجوانب الروحية المتصلة بصلة الإنسان بربه؟

2-          هل يمكن أن يبنى التدخل المهني لمساعدة العملاء على مواجهة تلك المشكلات الدنيوية ذاتها مع الإصرار على إغفال تلك العوامل الروحية؟

3-          وحتى لو سلمنا – جدلًا – بأنه بالإمكان فهم تلك المشكلات الدنيوية والمساعدة على حلها مع إغفال العوامل الروحية، فأى نوع من الخدمة الاجتماعية هذه التي نقدمها للناس، والتي تأخذها بأيدي العملاء في سعيهم لتجاوز عقبات تافهة تعترض دنياهم الزائلة ولا تأخذ بحجزتهم عن الوقوع فيما يؤدي إلى غضب الله وعقابه الأليم في دار الخلود والبقاء؟

لقد تثور دهشة القارئ عندما يتبين أنه في الوقت الذي يتردد فيه بعض رجلات الخدمة الاجتماعية في أوطاننا الإسلامية عن الرد الصحيح والحاسم عن تلك الأسئلة، فإن رجالات الخدمة الاجتماعية في المجتمعات التي اتخذت من العلمانية دينًا قد فطنوا من خلال ممارساتهم العلمية في الميدان إلى أنه لا يمكن فهم مشكلات العملاء أو التدخل المهني لمساعدتهم إلا بأخذ الجوانب الروحية في الاعتبار – أى أنهم أجابوا بالنفي عن السؤالين الأول والثاني – أما بالنسبة لعلاقات الدنيا بالآخرة فإن إجابتهم عنها قد جاءت مفتوحة ، بعنى أنهم لم يفعلوا كما فعل آباء لهم من قبل من رواد الخدمة الاجتماعية في المجتمع الأمريكي من رفض كل ما يتصل بالجوانب الروحية والدينية، وإنما رأوا هذا السؤال دون حسم، وإحالة الإجابة عنه إلى ما يراه العميل في الأمر وإلى ما يراه الاخصائي الذي يقدم له المساعدة ، حيث يحول دون حسم هذا السؤال ما هو معروف عن دياناتهم ن وتضمن تلك البيانات لتصورات لا يمكن لعالم التسليم بها.

فلقد قام جوزيف هيس مثلًا بتحليل  ” أزمة الهوية” التي نعاني منها الخدمة الاجتماعية ومناقشة أبعادها الختلفة ، وانتهى إلى أن هذه الأزمة – في التحليل الأخير- ترجع إلى أنه بالرغم من أن الرسالة الاساسية للمهنة تتصل اتصالًا وثيقًا ” بمعنى الوجود الإنساني ذاته” فإنها مع  ذلك كغيرها من مهن المساعدة الإنسانية الحديثة قد ” أهملت هذا العامل الروحي في الإنسان إهمالًا ذريعًا؛ إذا اختزلت الإنسان إلى مجرد تفاعل بين قوى غريزية أو حاجة ( حاكمة) للحصول على القوة ” ثم استشهد بفرانكل الذي قال : إن هذه العوامل الروحية تتصل ” بقدرة النسان على أن يجد معنى أعمق لوجوده خلال عملية مكافحته أو محاولته لتغيير موقفه في الحياة” . ونقل عنه قوله : ” إن البعد الروحي لا يمكن تجاهله؛ لأنه هو ما يجعل الإنسان إنسانًا” Hess , 1980 61-62:)

ولقد ناقش دادلي وهلفجوت مفهو النواحي الروحية والفرق بينهما وبين النواحي الروحية والفرق بينها وبين النواحي الدينية عندهم ، فأوضحا – أولًا- أن السبب في الخلافات الدائرة حول النواحي الروحية نما يرجع إلى أنها ” تتطلب الاعتقاد بوجود روح” ، وينقلان عن هايفليد وكاسون تعريفهما للنواحي الروحية على أنها ” ذلك البعد المتضمن لحاجة الغنسان للتوصل إلى غجابات مرضية حول معنى الحياة ومعنى المرض ومعنى الموت، إضافة غلى السعي للوصول لى علاقة أعمق مع الله ومع الناس وع الذات” ، وقد اتجه المؤلفان بعد ذلك للقول بأن الجوانب الروحية أشمل من الدين على أساس أن الدين ( في إطار الحضارة الغربية) يشير لى ” الاطر المؤسسية  التي تمارس في طارها المعتقدات والممارسات الروحية ” ، وأوضحنا ان الجدل الدائر حول النواحي الروحية إنما يرجع في جانب منه إلى صلة النواحي الروحية بالدين ، وذلك أن الفصل القانوني بين الدين والدولة يمنع تدريس الدين في أي مؤسسة حكومية، ويحول دون إدخال الدين كجزء من برامج المؤسسات الاجتماعية التي تتلقى دعمًا حكوميًا (Dudley & Helfgott, 1990: 277 -278).

وتتفق فنسنتيا جوزيف مع من يرون أن ” العوامل  الدينية والروحية التى تؤثر تاثيرًا كبيرًا على الأفراد في مختلف مراحل حياتهم لم تناقش إلا قليلًا في كتابات الخدمة الاجتماعية …

ولم يقدم أحد أي إطار نظري لمساعدة الأخصائي على فهم وتقويم ديناميات الحياة الدينية للعملاء أو لمساعدته على التدخل بمهارة في هذا المجال” (Joseph, 1988: 443).

ولكن إدوارد كاندا يرى أن ” الأهتمام بالواحي الروحية يتزايد بين الأخصائيين الاجتماعيين… يشهد بذلك ما تم تقديمه مؤخرًا من بحوث في المؤتمرات المهنية وما صدر من دوريات حول الموضوع ، وعلى سبيل المثال، فقد أكد ماكس سيبورين وأيرين براور أنه لما كانت الجوانب الروحية تمثل بعدًا أساسيًا من أبعاد الخبرة الإنسانية … فلابد من إعطائها ما تستحق من اهتمام في بحوث الخدمة الاجتماعية ، وفي بناء نظرياتها، وفي ممارساتها المهنية” (Canada , 1988: 238).

ومن هذا يتبين أن الاتجاه الذي لازال سائدًا في الممارسات التقليدية للخدمة الاجتماعية – رغم هذه الإرهاصات – لازال لم يبد اهتماما كافيًا بالجواب الروحية والحياه الدينية للعملاء ، وأنه يمكن تلخيص طريقة التدخل المهني للخدمة الاجتماعية في كلمات قليلة :

1-          قدم الموارد الاقصة التي يمكن أن تشبع حاجات العملاء .

2-          أصلح العلاقات الاتماعية المضطربة.

3-          أعن العملاء على أداء أدوارهم الاجتماعية.

4-          قدم المعونة النفسية والتشجيع الكافي لطمأة العملاء أنهم ليسوا وحدهم.

(2)       محاولات على طريق التوجية الإسلامي للخدمة الاجتماعية:

لقد بذلت بعض المحاولات لاستطلاع ما يمكن أن تكون عليه ممارسة الخدمة الاجتماعية من منظور إسلامي ، وقد اختلفت تلك المحاولات من حيث :

أ‌-              درجة ” عمومية” التناول : فجاء بعضها عامًا يحاول التنظير على مستوى المهنة ككل ، بينما اقتصر البعض الآخر على تناول إحدى طرق الخدمة الاجتماعية أو أحد ميادينها ، أو حتى أحد المفاهيم الأساسية في واحدة من الطرق.

ب‌-          من حيث ” طريقة” التناول : فجاء بعضها شاملًا، بينما جاء البعض جزئيًا.

فلقد جاءت محاولة عفاف الدباغ (1989م) مثلًا من النوع العام والشامل في آن واحد ، إذ إنها تحاول بلورة الخطوط العريضة لتدخل المهنة ككل، كما أنها تستخدم في ذلك مدخلًا شاملًا على الوجه  الذي يبدأ بمراجعة الكتابات المهنية الحديثة ، ثم نقد هذه التابات في ضوء التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة ، ثم محاولة غيجاد تكامل حقيقي بينهما – أعني بين الكتابات المهنية الحديثة وإسهامات التراث الإسلامي المنطلق ن الكتاب و السنة.

وقد حاول عبد الفتاح عثمان ايضًا التوصل إلى ” منظور إسلامي شمولي لممارسة الخدمة الاجتماعية في ضو نظريات الممارسة المعاصرة” (1988م) قام فيها باختيار مجموعة من ” المبادئ العامة ينطلق منها نموذج عام لممارسة الخدمة الاجتماعية” استخدمها كأساس لتقويم النظريات المعاصرة ، فانتهى إلى أن النسق ، والمدخل العقلي ، والمدخل الأخلاقي ، يمكن أن تقدم مجتمعة ركائز البنا النظري للنموذج الإسلامي ، في حين أنه يمكن – من وجة نظره – استخدام كل من النموذج التحليلي المنقح ، والنموذج الوظيفي ، والنموذج السلوكي ، ونموذج الدور ، بطريقة انتقائية في المواقف المختلفة ومع الحالات المختلفة، وهو رأي يحتاج إلى مناقشة في ضوء ما عرفناه من فساد الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها تلك الأطر النظرية.

أما عبد العزيز عبد الله مختار فقد قدم تصورًا <<للمنظور الإسلامي للخدمة الاجتماعية في مجال توفير خدمة الرعاية الاجتماعية>> (1986م) حيث وصف هذا المنظور بأنه <<بمثابة الاتجاه الإنساني المتوازن Humanitarianالذي يقوم  على أن <<التغيير ينبغي أن ينبثق من الداخل ولا يفرض من الخارج>> .

وعلى الجانب المقابل نجد محاولة محمد أحمد عبد الهادي في اتجاه ما أطلق عليه <<الخدمة اجتماعية الإسلامية>> (1988م)، وهي محاولة من النوع العام أيضًا من حيث إنها تنصب على المهنة ككل ، وإن كانت في نفس الوقت اختارت ألا تتخذ خط التأصيل الشامل للخدمة الاجتماعية ، إذ إن المؤلف قد دعا فقط إلى استخدام ما ثبتت فعاليته من مهارات وأساليب وطرق الخدمة الاجتماعية التقليدية في تحقيق أهداف المجتمع المسلم ، حيث إنه يرى أن القضية الملحة التى تواجهنا اليوم هي الاستفادة من هذه الأدوات المهنية الفعالة في خدمة الأهداف العليا للإسلام .. إلى أن يأتي اليوم الذي تصل فيه جهود التأصيل الشامل إلى ثمرتها المرجوة .

ومن جهة أخرى، فقد وجدت محاولات لتأصيل كل طريقة من طرق الخدمة الاجتماعية على حدة ، أو على الأقل إعادة النظر في مفهوم الطريقة وأسسها ، ومن أمثلة هذه الجهود ما قدمه محمد سلامة غباري حول التأصيل الإسلامي لطريقة خدمة الفرد (1985) ، ورسالة الدكتوراه التي قدمها عليً الدين السيد قارن فيها بين النموذج الإسلامي للمعونة النفسية كأسلوب علاجي وبين اتجاه سيكولوجية الذات في خدمة الفرد (1981) ، وبحث عبد المنعم يوسف السنهوري بعنوان << نحو مفهوم لخدمة الفرد من المنظور الإسلامي>> (1990م) الذي حاول فيه تحديد مفهوم خدمة الفرد الإسلامية ، وتحديد أهدافها ، وصفات أخصائي خدمة الفرد المسلم ، وبحث مصطفى أحمد حسان بعنوان << نحو أسلوب إسلامي للعمل مع الجماعات في محيط الخدمة الاجتماعية>> (1986م)، الذي تعرض فيه لفلسفة خدمة الجماعة وأهدافها ومبادئها وبرامجها في ضوء بعض الآيات القرآنية والمفاهيم الإسلامية ، وكتاب <<طريقة تنظيم المجتمع في الخدمة الاجتماعية : مدخل إسلامي>>، الذي قدمه نبيل محمد صادق في 1983م، والذي حاول فيه الربط بين مفاهيم طريقة تنظيم المجتمع وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتصلة بتلك المفاهيم ، وكذا بحث محمد عبد الحي نوح بعنوان <<المنهج الإسلامي في تنظيم المجتمع كطريقة في الخدمة الاجتماعية>> (1987) .

كما وجدت محاولات للتأصيل الإسلامي لبعض مجالات أو ميادين الخدمة الاجتماعية ، ومثال ذلك ما قدمه محمد عزمي صالح حول <<التأصيل الإسلامي لرعاية الشباب>> (1985م) ، وكذا ما قدمه محمد سلامة غباري عن <<الخدمة الاجتماعية ورعاية الشباب في المجتمعات الإسلامية>> (1983م) ،  ثم ما قدمه أيضًا بعنوان <<مدخل علاجي جديد لانحراف الأحداث : العلاج الإسلامي ودور الخدمة الاجتماعية فيه>> (1986م) ، وبحث أحمد يوسف بشير عن <<الإنسان وعلاقته بالبيئة من منظور إسلامي>> (1991م)، وكذا رسالة الدكتوراه التي قدمها عبد الستار الدمنهوري عن استخدام نظام التحكيم الإسلامي بين الزوجين في علاج المشكلات الأسرية (1980م)، وما كتبه يحيى بسيوني مصطفى عن <<البدائل الإسلامية لمجالات الترويح المعاصرة>> (1990م) .

وأخيرًا، فإننا نجد محاولات لمعالجة بعض المفاهيم المهنية من منظور إسلامي ، يمثل ذلك ما قدمه مصطفى أحمد حسان حول <<المناقشة الجماعية من المنظور الإسلامي >> (1984م)، 

وما قدمه نبيل محمد صادق حول ” الإسلام ومشاركة المواطنين في تنمية المجتمع ” (1983م)، وبحث على حسين زيدان حول ” القيم الاخلاقية لخدمة الفرد من المنظور الإسلامي ” (1985م)، وبحث عبد الكريم العفيفي بعنوان ” نحو رؤية جديدة للمقابلة في خدمة الفرد من منظور إسلامي” (1990م)، وبحث عبد الحميد عبد المحسن حول ” الأنشطة الطلابية وأثرها في تكامل شخصية الطالب: مدخل إسلامي” (1986م)، ودراسة رشاد أحمد عبد اللطيف حول تقديم ” المشورة المهنية” لمنظمات العمل الإسلامي(1991م) .

وينبغي أن نلاحظ هنا أننا لم نقصد الحصر الشامل لكل الجهود التي بذلت في سبيل تفهم منظور الإسلام لكل جانب من جوانب التدخل المهني بقدر ما قصدنا إعطاء صورة للاتجاهات العامة في تناول الموضوعات ، كما أنه ليس في الإمكان من جهة أخرى مناقشة محتوى هذه الاعمال تفصيلًا أو نقدها في ضوء معايير الإسلامي أو التوجيه الإسلامي للعلوم ، فهذا أمر يتطلب جهدًا مستقلًا لا يدخل في نطاق الدراسة الحالية.

(3)       نظرية الممارسة في الخدمة الاجتماعية من وجهة إسلامية:

رغم ان معالجة القضايا المتصلة بنظرية الممارسة من وجهة إسلامية تتطلب مؤلفًا مستقلًا حتى يمكن توفية الموضوع حقه من التفصيل ، إلا أننا سنحاول هنا في حدود ما تسمح به هذه العجالة التعرض لبعض الجوانب التي نستشعر انها تمثل خطوطًا اساسية في تناول الموضوع في ضوء ما تكشف لنا في الفصول السابقة.

لقد اتضح لنا فيما سبق أن مفهوم ” نظرية الممارسة” يقوم في جوهره على فكرة التوصل إلى مجموعتين من القوائم المتقابلة تحوي أولاهما متلازمات الأعراض Syndromesأو العوارض أو الأحوال التي تستدعي التدخل المهني من جهة ، أما المجموعة الأخرى من القوائم فإنها تحوي بيانًا باستراتيجيات وأدوات التدخل المهنى الحددة الملائمة لمواجهة تلك المشكلات أو على الأقل تخفيف أعراضعا ( وذلك في حالة التدخل على المستوى العلاجي)، أو تصحيح الموقف ( في حالة التدخل على المستوى الوقائي) أو إحداث التغييرات  الإيجابية المرغوبة ( في حالة التدخل على المستوى التنموي).

وفي ضوء هذه القوائم المتقابلة فإن مهمة الأخصائي الاجتماعي الذي يريد مساعدة عملائه انطلاقًا من نظري ممارسة متماسكة تتمثل فيما يلي:

1-          القيام بمهمة تقدير Assessmentلتحديد نوع الصعوبة أو المشكلة أو الحالة التي تواجه العميل والتي تحتاج إلى التدخل ، وذلك يتطلب:

أ‌-              جمع بيانات دقيقة حول الوضع الراهن الذي يعايشه العميل، بدءًا من وصف الشخصية … إلى مسح الظروف البيئية …. إلى توصيف طبيعة العلاقات بين الشخص والبيئة في الوقت الحاضر.

ب‌-          مقارنة الوضع الراهن بالسمات المعيارية التي تحدد ما هو ” طبيعي” او ” سوي” بالنسبة لمن هم في مثل خصائصه الديموجرافية  في ضوء النظرية ( أو النظريات) المعتمدة.

ت‌-          الانتهاء بتحديد مناطق الخلل أو مواضع الافتراق عن النمط المعياري ، ومضاهاتها بمتلازمات الأعراض التى تتضمنها نظرية الممارسة.

2-          اختيار استراتيجية التدخل الملائمة ، والأدوات المناسبة لإحداث التعديل المناسب في النسق ( أو الأنساق) المستهدف ؛ وذلك لتحقيق أهداف التدخل المهني.

وسنحاول فيما يلي طرح بعض التصورات لما يمكن أن يكون عليه المنظور الإسلامي لكل جانب من الجوانب السابقة ، ولكننا نود أن نسوق الملاحظتين الآتيتين قبل الدخول في الموضوع :

1-          يلاحظ أننا سنقصر جهدنا هنا على ما يتصل بالعمل على مستوى الوحدات الصغرى Micro Practice(وخصوصًا على مستوى العمل مع الافراد) دون الوحدات الكبرى Macro Practice، وذلك في حدود ما تسمح به المساحة من جهة ، وعلى اعتبار أن هدفنا في هذه الدراسة يقتصر على تقديم بعض المؤشرات التي نرجو أن تفيد في طرح القضيةوليس استراب جوانب الموضوعات المطروحة.

2-          نود أن نؤكد هنا أن الحديث عن ” المنظور الإسلامي” لا يعنى استبعاد أو إهمال ما جاء في الكتابات العلمية الحديثة حول نظرية الممارسة ، وإنما يعني استبقاء ما صح منه ، أو إعادة صياته في ضوء التصور الإسلامي ، أو استكمال ما نقص منه بإدخال الأبعاد التي تفرد بها المظور الإسلامي، ولا يخفي أن هذا البعد الأخير هو محور اهتمامنا في هذه الدراسة.

أولًا : تقدير الموقف او المشكلة أو الحالة Assessment :

لقد تبين لنا من استعراض أنواع الصعوبات والمشكلات والحاجات والمواقف التي تتدخل الخدمة الاجتماعية لمواجهتها في المنظور الغربي الحديث أن هذه المواقف تتمثل عندهم أساسًا في نقص إشباع الحاجات المادية والنفسية والاجتماعية، أو في معاناة صعوبات في العلاقات الاجتماعية ، أو في وجود شكلات تتصل بأداء الأدوار الاجتماعية، أو في ظهور مشكلات انفعالية متصلة بهذه المواقف أو بعضها ، وقد انتهينا إلى أن هذه المشكلات أو المواقف التي تتطلب التدخل جميعًا إنما تتوقف في المنظور الغربي عند حدود هذه الحياة الدنيا من جهة ، كما أنها تفرغها – حتى في نطاق هذه الحياة الدنيا – من أى محتوى روحي يتعلق بصلة العميل بربه.

ولكننا قد انتهينا أيضًا في المبحث الثالث إلى أنه لا  يمكن فهم هذه المشكلان والصعوبات بالاقتصار على دراسة الحاجات الدنيوية وحدها – أشبعت أو لم تشبع – وإنما يكون هذا الفهم ممكنًا إذا استطعنا أولًا وقبل كل شئ أن نتعرف على ” نوع صلة الإنسان بربه” المبني على مفهوم ” الشعور بالافتقار إلى الله سبحانه وتعالى” باعتبار ان هذ الشعور يكون أساسًا لارتباط الإنسان بخالقه ورازقه ، على أساس أن رضاء الله سبحانه وتعالى عن العبد فيه كفالة إشباع كل تلك الحاجات الدنيوية ( إن شاء الله ذلك ، وهو أعلم بعباده وبما يصلحهم) إضافة إلى تحقيق النجاة والفوز العظيم في الحياة الآخرة، ولكننا توصلنا أيضًا إلى أنه لا يجوز- من المنظور الإسلامي – إغفال إشباع الحاجات الدنيوية ( المادية والنفسية والاجتماعية) وإن كان إشباعها ينبغي أن يكون إشباعًا متوازنًا لا يجعل منها أبدًا هدفًا في ذاتها ، بحيث لا تكون أكبر هم العبد ولا تكون مبلغ علمه.

وبهذا انتهينا إلى أن المنظور الإسلامي يستوعب الاهتمامات والحاجات الدنيوية للإسان ، التي أسرف المنظور الغربي في التركيز عليها ، ولكنه يقدرها حق قدرها دون زيادة أو نقصان، ويضعها في موضعها الصحيح من حاجات الإنسان في الدنيا ( المتضمنة لأشواقه الروحية) ومن حاجاته المتصلة بالحياة الأخرى.

وبناء على ما تقدم فإن عملية تقدير الموقف – في المنظور الإسلامي – ينبغي دون شك أن تتضمن دراسة ما يتصل بالحاجات الدنيوية ( المادية و النفسية والاجتماعية) غير المشبعة ، ولكنها أيضًا ينبغي أن تتضمن قبل هذا وبعده  تقدير الموقف أيضًا فيما يتعلق ” بنوع صلة العميل بربه” سواء من النواحي المعرفية المتعلقة بصحة الاعتقاد والسلامةمن البدعيات والشركيات ، أو من النواحي القلبية الوجدانية ، أو من النواحي السلوكية التعبدية بالمعنى الضيق للعبادات وبالمعنى الواسع ” للعبادة” الذي يشمل طاعة الله فيما أمر ونهى في كل جوانب الحياة.

وقد يبدو هذا المطلب غريبًا في عيوننا التي عاشت طويلًا في رحاب – أقصد في ضيق – منطلقات مناهج البحث الإمبريقية ( التي تقتصر على دراسة ما هو محسوس) ن التى تحصر الدراسة ” العلمية” في نطاق السلوك ” الموضوعي” الظاهر على الوجه الذي وصل إلينا من الغرب العلماني ، ولكن عجبنا قد يزول عندما نرى أن بعض كبار رجال الخدمة الإجتماعية الغربييين أنفسهم قد بدأوا في المطالبة بالاهتمام بالنواحي الروحية والأخلاقية عند تقدير الموقف ودراسة العميل وبيئته.

لقد دعا كاندا على سبيل المثال (Canada, 1988 :246)إلى توسيع نطاق مغهوم ” الشخص في البيئة” الذي يعتبر محور ارتكاز الخدمة الاجتماعية؛ لكي يشمل ليس فقط ” دراسة علاقات العميل مع البيئة الاجتماعية” وإنما أيضًا مع العالم غير الإنساني ، ومع الحقيقة المطلقة ، كما ينبغي أن نتوصل إلى معايير لتقدير درجة الارتقاء الروحي ، والأخلاقي للعميل (Moral and spiritual development)، ثم يقترح كاندا بعض المعايير التي يرى انها تصلح مبدئيًا لتقييم أو قياس درجة الارتقاء الروحى للعملاء مثل :

أ‌-              درجة رضاء العمبل عن حياته.

ب‌-          درجة الاهتمام والحدب التي تشيع في علاقات العميل مع الآخرين

ت‌-          القدرة على إدراك المعاني الأخلاقية السامية في المواقف المعقدة.

ث‌-          الاستعداد لتقبل فكرة حتمية الموت و المرض وما يشابهها مما يتحدى شعور الإنسان بمعنى الحياة و هدفها.

وينبهنا كاندا بعد ذلك إلى أن ” بلورة هذه المعايير لتقييم ( درجة الارتقاء الروحي) تتطلب بذل جهود كبيرة ، وأن هذه المعايير ينبغي ألا تختزل الحياة للعميل إلى مجرد السلوكيات الظاهرة القابلة للملاحظة من الخارج” (P.246)، وينبغي أن نذكر هنا بما أوضحناه من  قبل من أن كاندا وغيره من الكتاب الغربيين عندما يتكلمون عن الحياه الروحية فإنهم يوسعون نطاقها، لكي تشمل كل جوانب الخبرة الدينية وغير الدينية، دون إصدار أى حكم عام أو قطعي في هذا النطاق، وذلك بحكم المنطلقات الشائعة في مجتمعاتهم والتي أشرنا إليها من قبل.

أما في عالمنا الإسلامي فلقد قام صالح الصنيع (1989) من جهة أخرى بالبحث حول مفهوم مشابه عندما اجرى دراسة عن العلاقة بين مستوى التدين والسلوك الإجرامي ، وقد عني الباحث بحصر المحاولات السابقة لقياس درجة التدين وتقويمها ، وقرر أن أقرب المقاييس التي تصلح للاستخدام في هذا الصدد عي مقياس ” السلوك الديني” لنزار مهدي الطائي الذي اعتمد فيه على فكرة شعب الإيمان ، ثم أخذ بالرأي القائل : إنها سبع وسبعون شعبة ، ووضع لكل منها سؤالًا ، وقد قام الصنيع في ضوء تقويمه لذلك المقياس ببناء مقياس جديد أسماه ” مقياس مستوى التدين” يتكون من 60 عبارة يطلب من المبحوث ان يختار واحدة من الاستجابات التي تلحق بكل منها ، وقد بنى هذا المقياس على بعض المسلمات، منها ” أن الله وحده هو الذي يعلم صدق تدين الإنسان من عدمه ، ولكن هذا لا يمنعنا نحن البشر من محاولة التعرف على هذا التدين من خلال الأسلوب المتوفر لدينا وهو الآثار المترتبة على هذا التدين، والتي يجب أن تنعكس على أقوال وأفعال هذا الإنسان… (ومنها) أن الإيمان قول وعمل ..، وأن الايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية” (ص ص 217 – 226).

وعلى اى حال فلا شك أننا كأخصائيين إجتماعيين مطالبون ببذل جهود كبيرة لبلورة أدوات تصلح لقياس مثل هذه المفاهيم لاستخدامها في تقدير موقف العملاء من الناحية الروحية أو الدينية ، والواقع أنه لا يبدو أن هناك ما يمنع من استخدام اصطلاح ” مستوى التدين” أو اصطلاح ” درجة الأرتقاء الروحي” للتعبير عن فكرة ” نوع صلة العميل بالله سبحانه وتعالى” التي تعنينا في تقدير موقف العميل في الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية، والتي تتضمن كما أسلفنا في الفصول السابقة العناصر التالية:

1-          المعرفة بالله والاعتقاد بوحدانيته وبكمال هيمنته على كل ما في الوجود.

2-          هيمنة تلك المعرفة على القلب بما يحييه ، وعلى الوجدان بما يسخره؛ ليسير طائعًا وفقًا لمقتضيات هذه المعرفة وذلك الاعتقاد.

3-          تقوى الله سبحانه وتعالى ، الناشئة عن حياة القلب وتسخير الوجدان ، والتى تنعكس في صورة طاعات وأعمال صالحات.

إذن فإننا نتوقع من الأخصائي الاجتماعي المسلم – ونقصد بذلك الأخصائي الاجتماعي الذي ينطلق في ممارسته من منظور إسلامي – نتوقع منه أن يقوم بعملية تقدير للموقف تتسم بالشمول ( الشمول لما يتصل بالحاجات الدنيوية المادية، وأيضًا للنواحي الروحية المتصلة بصلة العميل بربه) ومن الطبيعي أننا لن نركز هنا على النوع الأول من الحاجات (الدنيوية : المادية والنفسية والاجتماعية) على اعتبار أن مراجع الخدمة الاجتماعية التقليدية تفيض بها، ولكننا سنركز بدلًا من ذلك على النوع  الثاني (المتصل بالحاجات الروحية) وبالتفاعل بينهما.

وفي هذا المقام فإننا نتوقع أن تنتهي نتيجة عملية تقدير الموقف بالنسبة للعملاء إلى ظهور واحدة من الحالات الآتية:

 الحالة الأولى : أن يكون العميل صحيح الاعتقاد (مقيمًا على التوحيد الخالص بريئًا من الشركيات والبدعيات) ، وأن يكون هذا الاعتقاد الصحيح عميقًا بدرة يهيمن معها على القلب والوجدان ، ويكون مقترنًا بسلامة الفطرة ونقائها ، وهنا فإننا نتوقع أن يكون السلوك في جملته مطابقًا للشرع ، مستهدفًا ما يرضي الله سبحانه وتعالى ، كما نتوقع أن مثل هذا الشخص إذا ابتلى بشي من الخوف أ الجوع أو بنقص الأموال والأنفس والثمرات ، فإنه يكون من الصابرين المحتسبين الطامعين في حسن العوض مع الله في الدنيا ، الموقنين بحسن الجزاء في الآخرة ، ويترتب على ذلك أن يكون سعيه لمواجهة أى مشكلات تصادفه سعيًا متزنًا غير مشوب بالجزع أو الفزع أو الخوف أو الأضطراب ، كما أنه إذا ابتلى مثل هذا الشخص بفتنة الوفرة في النعم والخيرات فإن هذا لن يؤدي به إلى الطغيان أو التجاوز أو الوقوع في المحظورات ( اللهم اجعلنا من هؤلاء بفضلك ورحمتك).

الحالة الثانية : أن يكون العميل صحيح الاعتقاد أيضًا ، ولكن هذا الاعتقاد الصحيج لا أثر له على القلب والوجدان ، بمعنى أن الشخص يواجه حالة من عدم الارتباط بين الفكر والعاطفة ، فأقواله  تعبر عن اعتقادات صحيحة ، ولكن  هذه الاقوال لا تصل إلى تحريك القلب والوجدان ، مما يعنى عجز هذا النوع من الاعتقاد عن جمع الهمة بالقوة الكافية في اتجاه فعل المأمورات واجتناب المحظورات ، وهنا فإننا سنلاحظ اضطرابًا في السلوك؛ لأن مداخل الشيطان على مثل هذا الشخص تكون كثيرة ، وميله مع ما تهوى النفس شديدًا ، فنجد العميل يخلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا ، وبالتالي فإن استجاباته عندما يواجه الابتلاء بالشر أو الابتلاء بالخير تتفاوت تفاوتًا كبيرًا ( ولقد فصل القول في أسباب ظهور مثل هذه الحالة في المبحث الثالث).

الحالة الثالثة: أن يكون العميل سقيم الاعتقاد ، يختلط التوحيد عنده ببعض الشركيات أو البدعيات ، وهنا فإننا نتوقع أن يكون مثل هذا الشخص مصابًا بأمراض القلوب التى وصفها الكثيرون من اهل العلم ، سواء منها ما كان من أمراض الشبهات أو أمراض الشهوات، فثقة مثل هذا العميل في الله وصدق التوكل عليه تكون محل نظر شديد ، كما أن احتمالات انخراطه في التجاوزات في إشباع الشهوات تكون كبيرة، ومن هنا فإن الخذلان يكون نصيبه ، فنجده يصاب بالهلع والجزع الشديد عند الابتلاء بالنقص كما يصاب بالشح والطغيان أن رآه استغنى ، وفي كل الأحوال فهو مصدر للمشكلات لنفسه ولغيره ( اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا).

 والآن ما هي الاستراتيجيات والادوات التي ينبغي أن يستخدمها الأخصائي الاجتماعي المسلم للتدخل المهني لمساعدة العملاء الذين يقعون  في كل فئة من الفئات السابقة؟

ثانيًا : استراتيجيات وأدوات التدخل المهني :

لعل من الواضح ابتداء أن كل فئة من الفئات الثلاثة من العملاء ستتطلب نوعًا مختلفًا من التدخل المهنى الذي يلائمها ، ولعله قد تبين لنا أن هذه الأنواع الثلاثة تتدرج فيما بينها تصاعدًا فيما يتصل بدرجة حاجاتنا للتركيز على نوع صلتها بالله كأساس للمساعدة على مواجهة النواحي الإشكالية في موقفها ، وإن النوع  الأول – على العكس من النوعين الثاني والثالث – سيعتبر نوع الحياة الروحية عنده من نقاط  القوة التي يمكن استثمارها لزيادة فاعليته في مواجهة الموقف او الصعوبات التى صادفته ، ومن هنا فإننا سنمر على هذا النوع مرورًا سريعًا؛ لكي نركز على النوع الثاني باعتباره أكثر حاة للمساعدة في هذه الجوانب الروحية من النوع الأول  ، ولما كان النوعان الثاني والثالث من جهة أخرى مشتركين في معظم الخصائص العامة مع حاجة الاخير لنوع إضافي من المساعدة لتصحيح الجوانب الاعتقادية، فإننا – لتجنب التكرار – سنركز في النوع الثالث على هذه المشكلة الغضافية مكتفين بما اوردناه مما هو مشترك في التعامل مع النوع الثاني من العملاء. ونود أن نعيد التأكيد هنا مرة أخرى على أن الاسراتيجيات والادوات التي نصفها فيما يلى لا تستبعد الاستراتيجيات والأدوات الفنية التقليدية ، ولكنها من جهة تستكملها ومن جهة أخرى تضعها في مواضعها الملائمة بعد أخذ الأبعاد الروحية في الاعتبار.

النوع الأول:  حالة سلامة الاعتقاد ، مع حياة القب ، وصفاء الفطرة :

يلاحظ  ان الأخصائي الاجتماعي لا يتوقع أن يواجه صعوبة كبيرة في العمل مع مثل تلك الحالات للأسباب الآتية:

1-          أن هذه الحالات لن تكون معقدة بتفاعلات نفسية ، أو مشوشة بمضاعفات وجدانية منعكسة عن المشكلات أو الصعوبات الدنيوية المعتادة.

2-          أن تعامل هذا النوع من الشخاص مع الأخصائي أو غيره يتصف عادة بالاستقامة والبعد عن الالتواء ، مما يتوقع معه التزام العميل بالصدق ، وإمكانية الاعتماد على التزامه بالخطط العلاجية .

3-          أن عناصر القوة في الشخصية تكون كبيرة، مما يتيح مدى أوسع من فرص العمل مع العميل لتجاوز المموقف الحالي .

وهنا تتمثل الاستراتيجية المستخدمة في تقديم العون المادي أو المتصل بالعلاقات الاجتماعية أو غيرها بحسب الحاجة :

1-          ففي حالة احتياج العميل إلى موارد مادية فإن من المناسب هنا الاكتفاء بتقديم <<العون المادي>> حيث لن توجد عادة مضاعفات انفعالية أو روحية من النوع الذي يتطلب معونة أكثر عمقًا .

2-          وفي حالة مواجهة العميل لصعوبات في العلاقات مع آخرين نتيجة لعدم كفاية خبراته ومهاراته الاجتماعية ، فإنه من المناسب هنا تقديم العون الاجتماعي المتمثل في << التدريب على المهارات الاجتماعية>> اللازمة لمساعدته على مواجهة تلك الصعوبات .

3-          وقد يحتاج العميل من هذا النوع إلى << معونة تيسيرية>> من نوع التوسط Brokerage  أو الدفاعAdvocacy  أو المفاوضة Negotiationعند التعامل مع المنظمات الرسمية يخرج التعامل معها عن نطاق خبراته السابقة .

النوع الثاني : حالة صحة الاعتقاد دونهيمنته علىى القلب :

إن مثل هذا العميل عندما يواجه مشكلة أو صعوبة في حياته الدنيوية ، أو عندما يعاني – دزن إدراك كامل – من الآثار المترتبة على عدم التزامه القلبي أو السلوكي بما <<يعرف>> أنه الحق؛ يكون في حالة من القلق والاضطراب والتردد ، فهو قد يتذكر ما يقضي به سلامة اعتقاده فيصبر على مواجهة المواقف الصعبة حينًا ، ولكنه يعود للجزع أحيانًا كثيرة؛ لأنه يسلم نفسه لنفسه أكثر من تسليمها لخالقه ومولاه ، والصعوبة الأولى التي تواجه الأخصائي الاجتماعي المسلم في العمل مع هذا العميل تكمن في مقاومته الشديدة للاعتراف بالتقصير في حق نفسه وفي حق ربه ، أو في الاعتراف بأن الخطة التي اختطها لنفسه في الحياة تبتعد في جوانب جوهرية عما يلزمه به اعتقاده الصحيح ، وكلما فاتحه الأخصائي في هذا الأمر فإن العميل يسابقه في ترديد << الأقوال>> التي تعبر عن عقيدة صحيحة، مع دفاعات شديدة يحاول أن يمنع نفسه أو الأخصائي بها من النفاذ إلى حقيقة ولائه القلبي غير المستقر .

ويرجع السبب في مثل هذا التشبث الزائد بالاعتمادية على النفس والثقة بها ، الذي يحول دون كمال الاستسلام لله عز وجل والاعتماد عليه والانطراح في ساحة رحمته ، إلى ما سبق أن عرضناه حول الطبيعة الإنسانية والسنن النفسية الاجتماعية ، فلقد علمنا – فيما سبق- أن الإنسان مكون من مادة (بدن) وروح ، وأن المادة تأنس بالإشباع المادي البدني ، وتطمئن بما تجمعه وتكتنزه مما تظنه يضمن لها استمرار بقائها ووجودها ويحول دون فاقتها واحتياجها إلى الناس ، وعلى العكس فإن الروح – من جانب آخر- إنما تأنس فقط بالقرب من الله ، وتطمئن بالصلة به سبحانه ، ولكن هذه الصلة بالله- والعبادات والطاعات طريقها- ليست من نفس الطبيعة المادية التي يتشوف لها البدن- والنفس بالتبعية .

والإنسان بحكم قرب الإشباعات الدنيوية من نفسه على هذا الوجة يميل إلى الظن بان السعادة تتحقق طرديًا مع إزدياد إشباع مرغوبات النفس، بمعنى أنه كلما ازداد من إشباع الحاجات البدنية الدنيوية؛ ازدادت السعادة ، ولا يخطر بالبال – إلا بتوجيه وتعليم وخبرة شخصية وتدريب – حقيقة أن الإنسان كائن معقد يحوي إلى جانب البدن ( الذي يسير وفقًا للقاعدة المذكورة) روحًا قد تسير في ” عكس الاتجاة” بمعنى أنه كلما أغرق الإسان وتجاوز في إشباع حاجاته الدنيوية؛ كلا قلت سعادته ” الكلية” ، وكلما قلل الإشباع ازدادت السعادة الكلية ( اي التي تشمله كله ككائن حي مكون من بدن وروح).

إذن فإن العلاج هنا يمثل أساسًا في معاونة العميل على مقاومة أنس النفس ( الجبلي) بالماديات؛ لإفساح المجال أمام أنس الروح بالعبادات والطاعات التيى تفتح الطريق أمام حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى ، ومن هنا يصبح ” التحكم في النفس” والسيطرة عليها لتوجيهها نحو خدمة الإسان الكلي ( بدنًا وروحًا) بدلًا من خدمة حاجات البدن وحدها هو المفتاح الوحيد لحل الموقف الإشكالي ، وفيه يتمكن المرء من  الإمساك بزمام نفسه وقيادتها في الطريق الذي يحييها، ومن ثم يتمكن من الإمساك بزمام حياته كلها ليوجهها بنعمة الله إلى ما يرضي الرب ، ولكن هذا يتطلب عملية إعادة تعليم ضد التيار كما يقولون ، أي تغيير التوجه البشري ضد ما تهواه النفس ، أى تحويلها من الاعتماد  على المخلوقين ( الذات – الآخرين) لجلب ما يظن الإنسان  أنه ينفعه ( المال – الجاه – الشهوات) ، إلى الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والاطمئنان إلى أن في ذلك أكبر ضمان لتحقيق كل المرغوبات على الوجه الذي يرضي الرب، ويحقق أكبر حاصل ممكن من المنفعة في الوقت ذاته .

ويتطلب التعامل مع هذا النوع من العلاء استخدام استراتيجية متعددة الأوجة ، تستهدف معاونه العميل على إعادة النظر في حياته واستعادة توازنه ، يتولى الأخصائي الاجتماعي في إطارها الأخذ بيد العميل خلال كل مرحلة أو وجه من أوجهها على النحو التالي:

1-          إنشاء علاقة ” الأخوة في الله” بين الأخصائي الاجتماعي والعميل.

إن “العلاقة المهنية ” بتوصيفها التقليدي لا تستوعب ما يتطلبه المنظور الإسلامي للممارسة في اهتمام الأخصائي الاجتماعي بالعميل كاهتمام الأخ بأخيه ، الذي يرعى مصلحته ويرقب الله فيه؛ ومن هنا فقد فضلنا تسمية هذا النوع من العلاقة بعلاقة الاخوة في الله، والحق أن عمق التاثير المرغوب في العملاء لمساعدتهم  ليس فقط على مواجهة مشكلاتهم وصعوباتهم الحالية، بل ومساعدتهم أيضًا على إصلاح  حياتهم وإقامتها على طريق الله  ، يتطلب التركيز منذ البداية على إقامة هذا النوع الخاص من العلاقة – علاقة في الله والله وبالله.

فالأخصائي الاجتماعي يتخذ زمام المبادرة في إنشاء هذه العلاقة منذ المقابلة الأولى مع العميل ، ثم هو يتعهدها ويرعاها طول الوقت؛ لأنها هي أساس النجاح في تحقيق الأهداف النبيلة التي يريد الأخصائي الاجتماعي تحقيقها ، وذلك للاعتبارات الآتية:

أ‌-              أنها حجر الزاوية في تقبل العميل للأخصائي الاجتماعي.

ب‌-          وانها الاساس في قبول تدخل الأخصائي فيما يعتبر من اخص وأخفى  جوانب حياة الإنسان : الجانب الروحي – الاعتقادي.

ت‌-          وهي الاساس في تقبل الخطة العلاجية من جانب العميل.

ث‌-          وهي من العوامل المساعدة على التزام العميل بتنفيذ الخطة العلاجية.

ولكن هذا المستوى من ” العلاقة المهنية” بهذا المعنى الموسع يثير التساؤل حول نوع توجه الأخصائي الاجتماعي القادر عليه ، ويشير بوضوح إلى أهمية اختيار الاخصائيين الاجتماعيين وإعدادهم الإعداد الكافي؛ ليكونوا هم أنفسهم من أهل السلامة في الاعتقاد ، والحياة في القلب ن والاستقامة في السلوك ، وكلما اقترب الأخصائي الاجتماعي من هذا النموذج المثالي؛ ازدادت احتمالات نجاحه في العمل من منظور إسلامي.

 وهناك قضية أخرى تتصل بكيفية تعامل الأخصائي الاجتماعي المسلم مع ما قد يحدث من رفض بعض أنواع العملاء للتعاون مع اللأخصائي على هذا المستوى المتعمق الذي يتطلبه العمل من المنظور الإسلامي ، وهنا فإننا نقترح أن يكون لدى الأخصائي الاجتماعي الاستعداد دائمًا للعودة بالتعامل مع العميل – في مثل هذه الحالة – إلى مستوى التعامل الأكثر سطحية ، والذي ألفناه في الكتابات التقليدية للخدمة الاجتماعية، والذي يقتصر على الأمور الدنيوية القريبة، على أن يتم هذا الانتقال – إذا حدث – بنفس راضية ودون أي غضاضة او مرارة من جانب الأخصائي الاجتماعي ، انطلاقًا من الايمان بأن ” الهدى هدى الله” وبأن الله سبحانه وتعالى ” يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ، ولكنه لا يعطى الدين إلا لمن أحب ” ، وضمانًا لعدم انقطاع العلاقة بين الأخصائي الاجتماعي والعميل، بل إن من الممكن القول بأن عملية الرجوع إلى مستوى المألوف من التعامل بنزاهة وتجرد من جانب الأخصائي لا يزيد العميل إلا اطمئنانًا إليه ، وقد يكون هذا هو الضمان لعودة العميل لطلب المعاونة في الوقت الذي يناسبه ، وبالإيقاع الذى تحتله حالته.

2-          مساعدة العميل على الاعتراف بأنه يواجة مشكلة لا يستطيع حلها وحده ، ومساعدته على الاعتراف بانه بحاجة للمساعدة ، والاعتراف بأن حل المشكلة يتطلب ما هو أكثر من مجرد الحصول على مساعدة سطحية ، فقبول العميل بكل مساعدة سطحية ، فقبول العميل بكل هذه الحقائق شرط لابد منه لتوافر الرغبة والعزم على تحقيق التغيرات الجذرية التي يتطلبها العلاج من المنظور الإسلامي ، ولعل مما يعين الأخصائي الاجتماعي في هذه المهمة أن يدرك بأن العميل ما دام يواجه في الوقت الحالي صعوبة أو ضائقة أو مشكلة فإنه يكون مهيأ للتخلى عن حالة الشعور الزائف بالسيطرة على وجود }أن رآه استغنى{

الذى يرتبط في أحوال السلامة بشيء من الكبر الذى يعوق الاعتراف بالقصور أو التقصير ، ومن هنا فإن الموقف الإشكالي قد يكون من مظاهر رحمة الله به ، إذ إنه يعطيه الفرصة لرؤية الواقع من منظور جديد ، فيقبل المساعدة في توجيه حياته بشكل أكثر عمقًا ، في اتجاهات أكثر صحة وأقرب إلى تحقيق رضاء الله سبحانه وتعالى.

3-          البدء في إجراءات تقديم العون والمساعدة لإشباع الحاجات الدنيوية ( المادية والنفسية والاجتماعية) التى تتطلبها مواجهة الموقف العاجل الذى يعاني منه العميل على الوجه المعهود في الممارسة المهنية التقيدية، وذلك حتى يطمئن العميل من جهة لرغبة الأخصائي الاجتماعي الحقيقية في مد يد العون له ، وحتى لا يتوهم ان العمل من منظور إسلامي يتنكر لإشباع الحاجات الإنسانية الطبيعية أو ينكرها ( مع التأكيد بالطبع على الأعتدال في الأمر على الوجه الذى سبق أن بتيناه).

4-          مساعدة العميل – في الوقت ذاته  على إعادة النظر في الطريقة التي يسوس بها حياته حاليًا ، وإدراك العلاقة بين طريقة حياته وبين الوقوع في المشكلات؛ ليتبين له أنه يسير في طريق مسدود ، طريق الاعتماد على البشر بدلًا من الاعتماد على خالق البشر ، وليتبين أنه لا خيار أمامه – إذا لم يتغير – إلا استمرار السير في طريق الشفاء النفسي والمعاناه والروحية  ، في مقابل ما يمكن أن يحققه – بالتغير والسير – في طريق التوكل على الله سبحانه وتعالى والرضا بحكمه، على أساس أنه لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه لا يرضى لعباده إلا الطاعة والامتثال لأمره ، وإلا خذلهم ووكلهم إلى أنفسهم وإلى حياة من الضياع والخسران في الدنيا وفي الآخرة …..، فإذا أراد الله للعميل التوفيق فأراد معرفة الطريق ، فيتم الانتقال معه إلى الخطوة التالية، وإن أعرض ونأى بجانبه ولم يرد إلا الحياة الدنيا ، فإن الأخصائي الاجتماعي – بعد أن بذل جهده – لا يكون أمامه إلا التسليم بموجب }إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء{( القصص : 56) ، ثم تنبيه العميل غلى أنه على استعداد دائمًا للمساعدة ، والدعاء له بخير، مع تجنب ما يوحي بالإزراء به أو توجيه اللوم إليه.

5-          بدء برنامج ” التنمية الروحية” المتدرجة مع العملا الذين استجابوا لما يحيهم ، والذي يستهدف إزالة الران الذي أحاط بالقلب ، واستعادة صفاء الفطرة ونقائها  ، والذي يتم من خلال التدريب على القيام بمقادير محسوبة من كل من العبادات والطاعات ، في إطار مواقف الحياة العادية ، ويلاحظ أن نجاح هذا البرنامج في هذه المرحلة رهون باقتناع العميل بحاجته إلى التغيير، واقتناعه بحاجته إلى الانتقال من الحياة التي تركز على الحاجات الدنيا إلى الحياة التي تركز على الحاجات ” الكلية” للإنسان – أي إلى إحياء روحه مع عدم التنكر لحاجات بدنه ، وهذا يقتضي مساعدة الأخصائي الاجتماعي للعميل على اختيار المستوى الملائم كمًا ونوعًا من بي الوسائل والادوات الآتية ، والسير به بشكل متدرج في معارجها بحسب وسعه ووفق درجة استعداده ، في نفس الوقت الذي يتم فيه التعامل مع الموقف الإشكالي ، ويتم فيه تقديم الخدمات المادية والعينية المناسبة لمن هم في مثل حاجته

أ‌-       العبادات : يلاحظ أن العبادات عمومًا لا يترتب عليها أى إشباع للحاجات البدنية أو الدنيوية ، وأنها تتضمن على العكس من ذلك توقفًا ” محسوبًا” ومتكررَا بصفة منتظمة عن ممارسة الحياة العادية وعن إشباع الحاجات المادية ، وهذا يؤدي بالتدرج إلى إفساح المجال أمام سيادة الروح على متطلبات الوجود الأخرى، فالإنسان يدخل في العبادة – ولنضرب لها مثلًا هنا بالصلاة – كائنًا دنيويًا عاديًا يسود تيار الشعور عنده الانشغال بمتطلبات البقاء الدنيوية المعهودة ، ولكنه مع الدخول في نية الصلاة ثم البدء في القراءة يبدأ في الالتفات عن هذا النمط الدنيوي المعتاد إلى مناجاة ربه مشبعًا لحاجات روحه ، ويتدافع النوعان من الوعي ( الانشغال بما هو أرضي دنيوي ، والتطلع إلى ما هو أكثر دوامًا: الارتباط بالله عز وجل) وكلما كسب أحدهما أرضًا ازدادت قدرته على مدافعة الآخر وهكذا ، فإذا صدق العزم فإن الموقعة تنتهي وقد ازدادت الروح هيمنة على الحياة ( راجع : إبراهيم رجب ، 1991 ب)، وكلما اعتادت الإنسان الاستغراق في العبادة اعتاد سيطرة الروح على متطلبات البدن ، واعتاد تحمل المشاق النفسية والبدنية التي يتطلبها حسن التعامل مع الناس ، وارتفعت عتبة الإحباط النفسي عنده فابتعد عن تجاوزات الجبلة الطينية من جزع وهلع وشح وكبر، فيحسن توافقه مع نفسه ومع الناس نتيجة لارتقائه في مدارج السالكين إلى الله سبحانه وتعالى.

ب‌-  الطاعات : تتفق الطاعات العملية والأعمال الصالحات ( مثل صلة الأرحام ، وإكرام الجيران والضيفان ، والسعي في صالح الضعفاء) مع العبادات في أنهما تتطلبان جهادًا للنفس لحملها على إفساح المجال للروح والسير في غير طريق الإلف والاعتياد وغير طريق الراحة والدعة ، ولكنهما تختلفان من حيث إن العبادات تقصد بطريق مباشر إلى غخلاء تيار الشعور من الإهتمامات الدنيا صعودًا إلى الاهتمامات الأعلى، في حين أن الطاعات والأعمال الصالحات بذاتها تحتل تيار الشعور كله ولكنها لا يمكن ان تبدأ أصلًا ولا أن تستمر إلا بدافع من قوة روحية ” واعية” مريدة لإتمام أعال الخير ، وبهذا فإن العبادات والأعمال الصالحات إنما هما طريقتان لتحقيق نفس الهدف الواحد، ألا وهو إحكام هيمنة الروح ( الساعية إلى الصلة بخالفها) على الحياة ” الكلية” للإنسان بحيث تبتعد به عن استمراء ذلك الميل الطبيعي إلى التجاوز الناتج عن الخضوع لمطالب الجسد الدائمة الإلحاح.

ج‌-      الذكر والتلاوة : معلوم أن العقل البشري لا يكف عن العمل  والتفكير ، والعقل مناط الوعي، والنشاط العقلي الواعي يفيض كثيرًا عما يحتاجه الفكير فيما يتصل بتحقيق متطلبات البقاء الدنيوية، وفائض النشاط العقلي إما أن ينفق فيما خلق له من ذكر الله سبحانه وتعالى وتسبيحه وتمجيده ، أو أن يهدر في التفكير فيما هو أدنى من ذلك كثيرًا؛ ولذلك فق نهى القرآن الكريم عن الغفلة وتوعد الغافلين بأشد العقوبات؛ لأن الغفلة قمة النكول عن القيام بحقوق الخالق الذي خلق العباد لطاعته وذكره وتسبيحه، ولم يحرمهم في الوقت ذاته من التفكير فيما يصلح به أمرهم من شئون الدنيا ، ومن هنا فإن معاونة الاخصائي الاجتماعي للعميل على مداومة الذكر وتعهد القرآن الكريم بالتلاوة والتدبر تعني مساعدته على الارتباط المتواصل بخالقه من الناحية العقلية – ومن جهة الوعي – مما يدعم تأثير العبادات والطاعات ، ومما يؤثر في القلب فيلزمه الأطمئنان والاستقرار بدلًا من التشتت والاضطراب }وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين{( الإسراء : 82).

6-          إعادة النظر في المشكلة الأصلية وفي طرق الاستجابة لمواقف الحياة في ضوء جديد:

إذا نجحت جهود الأخصائي الاجتماعي والعميل في تحقيق مستوى أرقى من النمو الروحي عند العميل؛ فإنه يكون الآن مستعدًا لما يلي :

أ‌-              لمراجعة المشكلة أو الموقف الذي احتاج  بسببه إلى المساعدة ، والتعرف على الأسباب الحقيقية لمشكلاته الآن، وقد تخلص بفضل الله من الانفعالات التي تكبل العقل أو تشوش عليه ، ثم اتخاذ الإجراءات الواقعية لمواجهة المشكلة أو الموقف، وفقًا للخطة العلاجية التي يتفق عليها مع الأخصائي الاجتماعي.

ب‌-          مراجعة توجهاته في الحياة بطريقة جذرية ، واستعادة توازنه فيها ، بما يكفل له بإذن الله سيطرة على نفسه ليسير في طريق الله ضمن وفد عباده الصالحين.

7-          التدعيم والتثبيت:

      إن تحقيق أي مرتبة أرقى من مراتب الحياة الروحية لا يعني الثبات عليها ، فالقوى المؤثرة إيجابيًا وسلبيًا في التكوين الإنساني فعالة متحركة على الدوام ، ومن هنا فإن من الضروري معاونه العميل على حماية مواقعه وتثبيت دعائمها ، بل والعمل الدائب نحو كسب مواقع جديدة وذلك من خلال:

أ‌-              التأكيد على الثقة في الله تعالى، وتوقع التوفيق منه سبحانه لمن اقبل على سلوك طريقه ، والاطمئنان إلى معونته ونصره لمن أطاعه واتقاه؛ مما يؤدي إلى تثبيت قلب العميل ، ومعاونته على الاستمرار على النهج حتى يلقى ربه غير مبدل.

ب‌-          توقع الدعم من ملائكة الرحمن لأولئك الذين قالوا : ربنا الله ثم استقاموا ، بما يزيد الثقة في سلوك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى ، مع البشر أو التفاؤل الذي يرفع إلى الروح المعنوية ، ويقوي المناعة الداخلية  ، ويساعد على بلوغ الغاية.

ح‌-            التحذير من نزغات الشياطين، والتعرف على الطريق التي يتخذها الشياطين وقبيله لإضلال البشر، وبيان الطرق التي يتم التحصن بها من تأثيره؛ وذلك لمساعدة العميل على إغلاق أبواب النكوص والتراجع، وعلى الثبات أو المضي قدمًا بإذن الله.

النوع الثالث:  حالة الفساد الاعتقاد وسقم القلوب :

يتمثل العلاج في هذه الحالة أساسًا في العمل على تصحيح العقيدة أولًا حتى ينفتح الباب أمام إمكانية إصلاح القلب ن ويتضمن ذلك تحديد مناطق الاختلال في الاعتقاد ، التي ترتب عليها متابعة الاهواء والشهوات ، التي تسببت بدورها في حدوث المشكلات التي يواجهها العميل ، ثم العمل على غزالة تلك الاختلالات ، وإعادة تعليم العميل ما ينبغي أن يحل محلها من سليم الاعتقاد، سواء قام الاخصائي الاجتماعي بذلك بنفسه ، أو بالتعاون مع أهل العلم ممن هم أقدر منه على ذلك الأمر .

وعلى كل حال فإن العمل مع هذا النوع من العملاء يتطلب إلمامًا كافيًا من جانب الأخصائي الاجتماعي بأشكال الانحرافات العقيدية الهامة الشائعة في منطقة عمله، كما يتطلب تمرسًا ي فهم الجوانب الشرعية المتصلة بها والرد عليها ، وهذا يقتضي بذل جهد خاص من جانب الأخصائي الاجتماعي؛ لإعداد نفسه على الوجه الذي ينمي لديه المهارة في هذا المجال، وليس هذا بغريب على الاخصائيين الاجتماعيين الذين يبذلون عادة جهودًا كبيرة للتزويد بالمعارف الازمة لأداء عملهم في مختلف الميادين، والمثال على ذلك ما يفعله المشتغلون بالخدمة الاجتماعية الطبية من تزويد بالمعرفة الطبية اللازمة لتعاملهم مع المرضى بأمراض معينة، كالفشل الكلوي والسرطان وغيرها.

ويلاحظ أنه بعد إتمام مرحلة تصحيح العقيدة من الشركيات والبدع والخرافات ، فغن على الأخصائي  المسلم أن يسير في تدخله المهني وافقا للاستراتيجيات التي سبق وصفها بالنسة للعملاء من النوع الثاني ، والتي لا تحتاج إلى تكرارها هنا مرة أخرى ، والله الموفق والمستعان .

قائمة المراجع العربية

1-          إبراهيم عبد الرحمن رجب : التوجية الديني في مؤسسات رعاية الشباب ( بحث قدم لمدرسة الدمة الإجتماعية بالقاهرة- غير منشور، 1963).

2-          ــــــــــــــــــ ” الإسلام والتنمية” (1980) : في كتاب نماذج ونظريات تنظيم المجتمع : إبراهيم عبد الرحمن رجب (محرر) ( القاهرة: دار الثقافة، 1983).

3-          ــــــــــــــــ ” نحو تأصيل الخدمة الاجتماعية في الدول النامية ” ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي السادس للإحصاء والحاسب الآلي والبحوث الإجتماعية والديموجرافية، القاهرة 1981.

4-          ـــــــــــــــــ” المنهج العلمي للبحث من جهة إسلامية” بحث مقدم غلى ندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1991.

5-          ــــــــــــــــ شرود الذهن أثناء الصلاة : المشكلة والحل ( الرياض : دار عالم الكتب، 1991 ب ).

6-          أجروس وستانسيو  العلم في نظورة الجديد (1984) ترجمة كمال خلايلي ( الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1989).

7-          أحمد يوسف بشير ” الإنسان وعلاقته بالبيئة من منظور إسلامي” بحث قدم لندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية، المعهد العالمي للفكر الغسلامي، القاهرة، 1991.

8-          إسماعيل الفاروقي ” أسلمة المعرفة”، المسلم المعاصر، العدد 32، 1982- 1402هــ.

9-          ـــــــــــــــ : إسلامية المعرفية، ترجمة د. عبد الحميد ابو سليمان ( واشنطون : المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1986).

10-    توماس كوهن، بنية الثورات العلمية (1970) ، ترجمة على نعمة (بيروت : دار الحداثة، 1986).

11-    تيموثي ميتشل : استعمار مصر ( ترجمة بشير السباعي وأحمد حسان ) القاهرة : سينا للنشر ، 1990).

12-    خالد صبحي عثمان: اثر العامل الديني في تطوير الخدمات الاجتماعية ( بحث مقدم لمدرسة الخدمة الاجتماعية، غير منشور، حول 1960).

13-    رشاد أحمد عبد اللطيف : ” المنظم الاجتماعي يقدم المشورة المهنية لإحدى منظمات العمل الإسلامي”، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض- 1991.

14-    روجر هاردستر، ريتشارد بارفيس: مشروع الخدمات الاجتماعية المتكاملة وتطوير الوحدات الاجتماعية ( ترجمة إبراهيم رجب) ( القاهرة : وزارة الشئون الاجتماعية- مشروع الخدمات الاجتماعية المتكاملة، 1981).

15-    صالح إبراهيم الصنيع : العلاقة بين مستوى التدين والسلوك الإجرامي، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الغسلامية بالرياض ، 1989.

16-    صالح إبراهيم الصنيع: العلاقة بين مستوى التدين والسلوك الغجرامي، رسالة دكتوراه عير منشورة، كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1989.

17-    الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية ( تونس : الشركة التونسية للتوزيع، 1978).

18-    _______ : تفسير التحرير والتنوير ( تونس: الدار التونسية للنشر، 1984).

19-    عبد الحليم رضا عبد العال: ” قضايا متضاربة في الخدمة الاجتماعية”، الكتاب السنوي الأول في الخدمة الاجتماعية، إشراف د. عبد المنعم شوقي  القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1989).

20-    عبد الحميد عبد المحسن: ( الأنشطة الطلابية وأثرها في تكامل شخصية الطالب : مدخل إسلامي ) مجلة بحوث ودراسات، كلية العلوم الإجتماعية بالرياض، 1986).

21-    عبد الستارالدمنهوري : الخدمة الاجتماعية في الإسلام ( بحث مقدم لمدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة، غير منشور، 1958).

22-    _______ دراسة تجريبية لإمكانيات الغفادة من نظام التحكيم الإسلامي بين الزوجين في علاج المشكلة الأسرية، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الخدمة الإجتماعية بجامعة حلوان، 1980.

23-    عبد العزيز عبد الله مختارك المظور الغسلامي للخدمة الإجتماعية، بحث غير منشور، 1988.

24-    _________ ” المنظور الإسلامي للخدمة الاجتماعية في مجال توفير الرعاية الاجتماعية ” مجلة الخدمة الاجتماعية ( الكويت) المجلد الأول – العدد الأول- مارس 1986.

25-    عبد الفتاح عثمان عبد الصمد : نموذج إسلامي لممارسة الخدمة الاجتماعية في الوطن العربي، المعهد العالي للخدمة الإجتماعية للبنات بالرياض ( غير منشور) ، 1988.

26-    __________، وآخرون: مقدمة في الخدمة الاجتماعية القاهرة: الأنجلو، 1984).

27-    عبد الكريم العفيفي: ” نحو رؤية جديدة للمقابلة في خدمة من منظور إسلامي” مجلة القاهرة للخدمة الاجتماعية – المجلد الأول – العدد الأول يناير 1990.

28-    عبد المنعم يوسف السنهوري:  ” نحو مفهوم لخدمة الفرد من المنظور الإسلامي” المؤتمر العلمي الثالث لكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة القاهرة فرع الفيوم، 1990.

29-    عفاف إبراهيم الدباغ : ” المنظور الإسلامي لممارسة الخدمة الاجتماعية” خطبة بحث الدكتوراه، مقدمة إلى كلية الخدمة الاجتماعية للبنات بالرياض، 1409 – 1989.

30-    _______ : ” المنظور الإسلامي للطبيعة البشرية” ( 1991أ) بحث مقدم لندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية ( المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة، 1412هــ).

31-    ________ : ” المنظور الإسلامي لتفسير المشكلات الفردية” (1991 ب) بحث مقدم لندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية ( المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة، 1412هــ).

32-    على حسين زيدان : ” دور الخدمة الاجتاعية في العمل مع المحرفين : منظور إسلامي” بحث مقدم لندوة التأصيل الغسلامي للخدمة الاجتماعية ( المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1991).

33-    ________ : ” القيم الأخلاقية لخدمة الفرد ن المنظور الإسلامي” المؤتمر العاشر للإحصاء والحسابات العلمية والبحوث الاجتماعية والسكانية، جامعة عين شس، 1985.

34-    الفاروق زكي يونس : ” الرعاية الاجتماعية في الإسلام” بحث مقدم للمؤتمر الدولي لعلماء المسلمين – إسلام أباد – باكستان، 1981.

35-    _________ : ” سياسة الرعاية الاجتماعية ن منظور إسلامي” بحث قدم إلى ندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1991.

36-    فؤاد عبد الله نويرة: الإسلام والخدمة الاجتماعية ( القاهرة : وزارة العمل والشئون الاجتماعية، 1960).

37-    لبيبب السعيد : ” الخدمة الاجتماعية في الإسلام” مجلة الرسالة ، العدد السنوي الممتاز ، 1369هــ – 1949م.

38-    ________ : ” تنظيم الإحسان في الإسلام” مجلة الرسالة، العدد السنوي الممتاز، 1372هــ – 1952م.

39-    ________ : العمل الاجتماعي: مدخل إليه ودراسة لأصوله الإسلامية ( جدة: دار عكاظ، 1980).

40-    محمد أحمد عبد الهادي : الخدمة الاجتماعية الإسلامية ( القاهرة: كتبة وهبة، 1988).

41-    _______: ” الخدمة الاجتماعية في مجال الدعوة الإسلامية ” بحث قدم لندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية ( المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، بالقاهرة، 1991).

42-    محمد محروس الشناوي: ” الأهداف العامة لمساعدة الأفراد على مواجهة مشكلاتهم النفسية كما تعرضها نظريات الإرشاد والعلاج النفسي الغربية”، بحث قدم لندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية ( المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1991م).

43-    محمد سلامة غباري: المدخل إلى الخدمة الإجتماعية الإسلامية : خدمة الفرد، ( الاسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث، 1985).

44-    ________ : الخدمة الإجتماعية وعاية الشباب في المجتمعات الإسلامية ، ( الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث،  1983).

45-    محد عبد الحي نوح: ” المنهج الإسلامي في تنظيم المجتمع كطريقة في الخدمة الإجتماعية” المؤتمر العلمي الأول لكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، 1987.

46-    محمد عزمي صالح: التأصيل الإسلامي لرعاية الشباب ( القاهرة : دار الصحوة، 1985).

47-    محمد نجيب توفيق : أضواء على الرعاية الاجتماعية في الإسلام ( القاهرة : الأنجلو، 1984).

48-    مصطفى أحمد حسان: نحو أسلوب إسلامي للعمل مع الجماعات في محيط الخدمة الاجتماعية، مكتبة الحرية، 1986.

49-    _________ : ” الناقشة الجماعية من المنظور الإسلامي” المؤتمر الدولي التاسع للإحصاء والحسابات العلمية والبحوث الاجتماعية والسانية، 1984.

50-    نبيل محمد صادق : الإسلام ومشاركة المواطنين في نية المجتمع: ( القاهرة، دار الثقافة، 1983)

51-    __________ : طريقة تنظيم المجتمع في الخدمة الاجتماعية: مدخل إسلامي ( القاهرة، دار الثقافة ، 1983).

52-    يحيى بسيوني مصطفى : البدائل الإسلامية لمجالات الترويح العاصر، ( الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية ، 1990).

BIBLIOGRAPHY

–          Anderson, ralph and carter lrl ]1974[ human behavior in the social Environment] chicago:Aldina[.

–          Anderson  joseph, (1981) Social Work Methods and Processes( Belmont,California: Wadsworth).

–          Barker,Robert (1987). The Social Work Dictionary ( Silver Spring: Maryland,Nasw).

–          Berger, Robert & Federico,(1985) Human Behavoir: A Perspective for the Helping professions, 2nd ed. ( New York : Longman).

–          Black James & Champion , Dean (1976) Methods and Issues in social Rearch ( new York : Wiley).

–          Canda, Edward (1988),Spirituality,Reigious Diversity,and Social work Practice, Social Casework, April 1988, p.p 238- 247.

–          Capra, Fritjof ( 1982)/ The Turning Point : Science, Society and the Rising Culture. ( London : Flamingo).

–          CSWE ( 1982) . Curriculum Policy for the Master,s Degree : and Baccal aureate Degree Programs in Social Work Education in Encyclopedia of Socia Work 18th ed. 1987, App. 2, p.p 957 – 964.

–          Dudley , James & Helfgott , Chavau Exploring a Place for Spirituality in the Social Work Curriculwm Journal  of Social Work Education vol , 26, No3 , Fall 1990, p.p. 287- 294.

–          Fukuyama, Francis ( Summer 1989) “ The End of History?” The National Interest.

–          Hess , Joseph ( Winter 1980) “ Social Work Identity Crisis” Social Thought.

–          Hoover , Kenneth (1980) The Element of Social Scientific Thinking ( New York : St Martin).

–          Joseph , M. Vincentia “ Religion and Social Work Practice”. Social Casework ,Sept. 1988. P.P 443 – 452.

–          Kahn. Alfred (1987) “ Social Prpblem and Issues : Theories and Definitions” Encyclopedia of Social Work , 18th ed. Vol .2 .P.P. 632-644.

–          Kuhn,Thomas. ( 1962, 1970) The Structure of Scientific Revolutions ( Chicago: University of Chicago Press).

–          Leiby : James . ( 1971) “ Social Welfare : History of Basic Ideas “ Encycopedia of Social Work 17th ed , p.p 1461 – 1477.

–          Marty, Martin ( Dec ,1980) “ Social Service : Godly and Godless” Social Service Review.

–          Maslow , Abraham ( 1977) “ A Theory of Metamotivation “ in Hung – Min Chang , ed The Healthy Personality ( New York : Van Nostrand).

–          Merton , Robort & Nisbet Rebert , eds ( 1966) “ Contemporary Social Problem “ , 2nd ed. ( New York : Harcourt).

–          Northen , Helen. ( 1987) “ Assessment of Direct Practice in “ , Encyclopedia of Social Work , 18th ,ed. Vol. 1,p.p. 171 -183.

–          Olsen , Marvin ( 1968) “ The process of Social Organization “ ( Holt, Rinehart & Winston).

–          Pumphrey , Ralph ( 1971) “ Social Welfare : History “ , in Encycolopedia of Social Work , 17th ed , National Association of Social Workers , p.p 1446 – 1460.

–          Reiss , Albert Jr . ( 1968) “ Sociology : the Field “ , in . Sills , David ed . International Encyclopedia of the Social Sciences Vol . 15.

–          Schorr , Alvin , et al .( 1971) “ Social Policy “Encyclopedia of Social Work , 17th ed , p.p 1361 – 1376.

–          Spencer , Sue . ( Dec 1957) “ Religious and Spiritual Factors un Social Casework  Practice “ Social Casework.

–          Sperry , Roger ( August 1988 ) “ Psychlogys Mentalist Paradigm and the Religion / Science Tension” American Psychologist , vol 43 . No.8.

–          Springborg , Robort ( 1989) Mubaraks Egypt ,( Boulder, Colorado : Westview).

–          Williamson ,  John,et al. ( 1974) “ Social Problems “ ( Boston : Little , Brown & Co.).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر