أبحاث

تلازم الموضوعية والمعيارية في المتيودولوجيا الإسلامية

العدد 59

طبيعة المشكلة :

فى اعتقادى أن مشكلة الفصل بين مجال العلم ومجال القيم تعود إلى مرحلة تاريخية حاسمة فى التاريخ الثقافى الغربى ةهى مرحلة التحول الفكرى والثقافى وقيام المذاهب الوضعية وسقوط المذاهب الفلسفية والميتافيزيقية واللاهوتية.

لقد ارتبط قيام الاتجاه الوضعى بالدعوة إلى تحقيق الموضوعية العلمية فى مجال الإِنسانيات تماماً كما تم تحقيقها فى مجال الطبيعيات, واعتبرت الوضعيةُ ابتداء أن ارتباط العلم بالأخلاق والقيم من مخلفات القرون الوسطى ومن سمات الفلسفات المينافيزيقية التى ظلت منشغلة فى تحديد الأهداف والمثل وما ينبغى أن يكون عليه الواقع الاجتماعى بدل الاهتمام بالواقع نفسه فى لحظته الراهنة. وهذا المسلك فى نظر الوضعية حصر اهتمام هذه الفلسفات فى مجال الانفعالات وحدد مجال بحثها فى دائرة الخير والشر وما يتفرع عنها من القيم, وهى فضايا زائفة لأنها تعبر عن شئ قابل للتحقيق من الناحية التجريبية ومن ثم فهى تخرج عن دائرة العلم.

أما العلم فمجاله دائرة الواقع بعيداً عن دائرة القيم والأخلاق, فهو لا يهتم بما ينبغى أن يكون عليه واقع معين, ولا يهتم بتحديد الصورة المثالية لهذا الواقع, بل يهتم بما هو كائن ومتحقق فى عالم الواقع والتجربة.

والذى نسجله ابتداء أن مشكلة التعارض المفترض بين مجال القيم ومجال العلم مشكلة مفتعلة أفرزها ظروف شاذة تمثلت فى الصراع القاسى الذى عرفته الساحة الأوربية بين قطب موغل فى المثالية الدينية المشوهة والمثالية العقلية المتطرفة, وبين قطب موغل فى الحس لا يعترف بوجود حقيقة علمية خارج دائرة الحس.

وجدير بالذكر هنا أن المشكلات المعرفية التى أفرزتها عقدة الصراع هذه تعبر بالضرورة عن هموم الغرب, وهى خاصية من خصوصياته المعرفية التى وجهت مناهجه وعلومه وإنعكست على تصوراته, ولا يصح أبداً أن تصبح هذه المشكلة كَونيةً تفرض نفسها على ثقافات ذات خصوصيات مغايرة نبتت فى جو خاص من الوئام الفكري والانسجام الكامل بين ما هو عقلى ودينى وحسى ووجدانى. لقد بات من المسلَّم به أن الدراسات الإِنسانية التى كان الغرب رائداً لها فى تاريخنا الحديث والمعاصر قد نشأت فى جو من ردود الفعل القاسية ولذلك كان المنطقى بل ومن المحتم أن تحكمها مثل تلك التصورات. لقد فصل رواد علم الاجتماع الأوائل ومنذ اللحظات الأولى بين البحث الاجتماعى وبين مجال القيم أو بين ما يسمونه أحكام الواقع وأحكام القيمة وذلك لاعتبارات ميتودولوجية, فقد كانت القيم تمثل فى نظر علماء الاجتماع أخطر عائق فى سبيل تقدم البحث العلمى حيث اعتقدوا أن البحث العلمى لا بد وأن يكون بحثاً محايداً ومجرداً من كل القيم والمعايير الأخلاقية, ومن ثم فإن علم الاجتماع لا بد وأن يكون علماً وصفياً بحتاً, فالموضوعية العلمية تقتضى تحريره من طائفة البحوث المعيارية التى تهتم بإصدار أحكام تقويمية على الأشياء وبيان ما تنطوى عليه من خير أو شر, ومدى اقترابها أو ابتعادها من النموذج المثالى الذى يؤمن به شخص ما أو جماعة ما.

فالالتزام الأخلاقى أو النظرة المعيارية ـــ فى نظر علماء الاجتماع ـــ تعبر عن ميولات إنسانية ذاتية, وعلى البحث أن يتخلى ـــ إذا أراد أن يكون موضوعياً ـــ عن كل القيم والأفكار التى يعتنقها, وكل التزام قيمى يعتبر خروجاً عن المنهج العلمى.

ومن المؤسف أن هذه القناعة المنهجية التى نادى بها علماء الاجتماع فى الغرب, وهى التى تعبر عن مشكلات ثقافية ومعرفية خاصه به, من المؤسف أنها وجدت طريقها إلى عالمنا الإِسلامى وتسريب إلى القائمين على تدريس المواد الاجتماعية فى الجامعات الإِسلامية, وذلك من موقع التقليد والتبعية لما هو سائد فى الغرب دون وعى بخطورة المشكلـة وخصوصياتها.

يقول د. محمد الجوهرى : (( قررنا من قبل ونؤكد مرة أخرى أن علم الاجتماع لا يمكن أن يكون بديلاً للدين أو الأخلاق بمعنى أنه لا يمكن أن يقدم للناس أهدافاً معيارية ويحدد لهم مهام يتعين عليهم أن يؤدوها, وهو يقتصر فى هذا الصدد على وصف الظواهر الاجتماعية وتشخيـص الظروف الاجتماعية التى تؤثر على ظهور الأفكار العامة والمثل العليا أو ما نسميه اليوم الأيديولوجيات ))(1).

ومن المؤسف أن هذا التقليد لم يقتصر على المقلدين للتراث الاجتماعى الغربى فحسب بل انتقل إلى المنادين بأسْلَمًة العلوم الاجتماعية الذين تبنوها بنفس الحماس معتقدين أن ذلك كفيل بأن يرتفع بأساليب ومناهج التفكير الاجتماعى الإِسلامى من مستوى المواعظ إلى مستوى البحث الوصفى المحايد والمجرد وهم بـذلك يفترضون ـــ على غرار الوضعيين ـــ وجود تناقض بين المستويين : مستوى الواقع ومستوى القيم والغايات.

لقد عمل كثير من هؤلاء على التأكيد على أن علم الاجتماع الإِسلامى يخرج من طلئفة البحوث التقويمية ويتجنب مطلقاً الحكم على قيم الأشياء وبيان حسنها أو قبحها وما تنطوى عليه من خير أو شر, ومبلغ اتفاقها مع المثل الأعلى, فلا يدخل فى علم الاجتماع الإِسلامى الحث على التمسك بالفضائل والنهى عن الرذائل كما لا يهتم ببيان أثر اتباع القواعد الدينية ومزاياها, وليس من شأنه أن يهتم ببيان ما يتميز به الإِسلام عن الأديان الأخرى .., فهو يترك هذه الأمور كلها للبحوث التقويمية ويصدر أحكامه على الوقائع لا على القيم, وأهميته تكمن فى كونه علماً واقعياً يصف الظواهر كما هى لا كما ينبغى أن تكون, فهو علم تقريرى وصفى(2).

وطرح القضية بهذا الشكل يوحى بأن المنهجين ـــ الوصفى والمعيارى بقفان على طرفى نقيض, فالبحث الاجتماعى إما أن يكون بحثاً وصفياً تقريرياً ومن ثم يكون علمياً, وإما أن يكون بحثاً أخلاقياً وغائياً ومن ثَم يحرم هذه الصفة. ونحن من جهتنا سنعمل على الجمع بين الاثنين بمعنى أن منهج البحث فى علم الاجتماع الإِسلامى وصفًّى تقريرى أولاً وغائى معيرى ثانياً ومن ثَم ينتفى هذا التناقض.

وقبل الحديث على هذا الموضوع بالتفصيل سنبين أن دعوتنا إلى الالتزام بالنظرة المعيارية ليست بدعاً فى هذا المجال, فرغم التحذيرات والتأكيدات التى أطلقها علماء الاجتماع الوضعيين بشأن التحرر من القيم والأهداف المعيارية, ظلت بحوثهم ذات صفة معيارية تنطلق فى دراستها وتحليلها من واقع القيم الغربية وذات نزعة إصلاحية تسعى إلى تغيير نمط اجتماعى معين بنمط آخر مغاير, كما قام اتجاه معاكس يدعو إلى التزام النظرة المعيارية ويؤكد على التزام الباحث القيمى ويعتبر ذلك ضرورة من ضروريات علم الاجتماع.

التزام علماء الاجتماع بالنظرة المعيارية

1 ـــ النزعة العنصرية عند علماء الاجتماع والتزام النظرة المعيارية :

بالرغم من أن علماء الاجتماع أكدوا وباستمرار على موضوعية هذا العلم وكانوا على قدر كبير من الجرأة والشجاعة فى إعلان التزامهم العلمى, إلا أن الكتابات الاجتماعية تدل دلالة واضحة على أن الباحث الغربى ظل فى كل ما يكتب معبراً عن القيم الغربية وملتزماً بالنظرة الاستعلائية لهذه القيم تجاه بقية الشعوب خاصة وأن ظهور علم الاجتماع ونموه فى الغرب صادف فترة تاريخية حساسة تميزت بصراع الحضارات والقيم والمبادىء والأفكار والمعتقدات وكان الغرب فى كل ذلك ينطلق من موقع القوة والسيادة, ولم تكن الدراسات الاجتماعية لتأخذ شكلاً مغايراً لطبيعة هذا الموقع بحث استقر فى ذهن الباحث الغربى وجود نوع من التلازم بين التفوق العسكرى والمادى وبالتالى تفوق القيم الغربية من جهة وبين الانحطاط المادى والعسكرى وإفلاس القيم فى المجتمعات المغلوبة من جهة أخرى. وقد ظلت هذه الخلفية حاضرة فى ذهن الباحث الغربى فى دراسته الاجتماعية والأنثروبولوجية لبقية الشعوب التى ينظر إليها نظرة مقارنة فى ضوء مقاييسه ومعاييره هو, ومن ثم أحكامه على هذا الشعوب التى يصفها بالتخلف والانحطاط والبدائية وقد أكد هذه النظرة المعيارية المقارنة عالم الأنثروبولوجية الشهيرة إيفانز بريشارد الذى يقول : (( يجب أن نتذكر أن عالمِ الأنثروبوبوجيا حين حاول تأويل ملاحظاته على المجتمعات البدائية فإنه يقارنها دائماً ولو بشكل ضمنى بما يجده فى المجتمع الذى ينتمى إليه ))(3).

لقد عمل علماء الاجتماع على تأكيد سياجة وتفوق النمط الغربى على المستوى الثقافى والسياسى والاجتماعى على مستوى السلوك والأخلاق والقيم والنظم … ومن العبث أن نقول إن محاولاتهم هذه كانت محاولات علمية ومحايدة وتستبعد الأحكام المعيارية وتتجرد عن المقاييس الأخلاقية.

لقد أكد ماكس فيبر ـــ وهو واحد من أبرز من قام بالدعوة إلى ضرورة الحياد الأخلاقى وتجنب النظرة المعيارية ـــ أكد على تفرد الحضارة الغربية والنمط الثقافى الغربى. فهو يعتقد أن العلم لم ينم إلا فى الغرب, والغرب وحده هو الذى أقام نظاماً سياسياً مقنناً, وليس هناك إطلاقاً ما يعادل البيوقراطية الأوروبية المكونـة مـن متخصصين ومشرعين وفنيين, وليس هناك اقتصاد منظم كما هو فى صورته الرأسمالية وحتى السلوك والديانات تتمتع بنفس التفوق. لقد انتهى ماكس فيبر ـــ كما يقول جوليان فرند ـــ إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الأصالة راجهة إلى صفات وراثية نظراً لما نصادفه فى الغرب وفى الغرب وحده ودون انقطاع من تعقيل أنموذجى إلى حد بعيد, لقد عكف فيبر وبكثير من الاهتمام والفضول على العالم الغربى فى أصالته حتى إنه ـــ يقول جوليان فروند ـــ يخلق فينا الانطباع بأن الدراسات التى خصصها للهندوكيــة والصين والثقافات الأخرى لم تكن إلا برهاناً مضاضاً غايته إبراز أصالة الحضارة الغربية إبرازاً أحسن وأقوى(4).

وبالمثل يقول ريمون آرون : (( إن المجتمع الصناعى وهو مجتمع أوروبا الغربية يتمتع بخاصسة نموذجية وسيصبح مجتمع الإِنسانية كلها, فلم يقم دليل على أن كونت كان خاطئاً جينما اعتقد بأن بعض أبعاد المجتمع الصناعى فى أوروبا كانت لها رسالة عالمية(5).

ولسنا فى حاجة إلى أن نذكر بالنزعات العِرقية التى طبعت علم الاجتماع الغربى والتى سبق الحديث عنها ولكن حسبنا أن نقول هنا (( إن المجتمعات التى نَعتُوها بالمجتمعات المتخلفة والبدائية, وهـى المجتمعات المنتمية للعالم غير الغربى ةالتى كانت موضوع دراستهم كانت مجتمعات جامدة غير قادرة على رفع أصبع واحد بالانتقاد لأساتذتها, وقد تم تكوين النظرية تلو النظرية لإِيجاد صياغة لتلك الحقائق التى كانت تعد جزءًا لا يتجزأ من الرأى الغربى عن العالم, فالعقل الغربى كان بعيداً عن الإِدراك بأن فهم الأديان الأخرى أو الحضارات الأخرى أو الثقافات الأخرى يتطلب نوعاً من التحيز المضاد وتعاطفاً مع الحقائق ))(6).

2 ـــ النزعة الإِصلاحية عند علماء الاجتماع والتزام النظرة المعيارية :

أكد علماء الاجتماع وبإلحاح على ضرورة تحليل الواقع الاجتماعى المطلوب دراسته دون تحديد للأهداف والغايات بمعنى أن مهمة علم الاجتماع مهمة تقريرية استطلاعية وصفية وليست مهمة إصلاحية غائية, ونذكر هنا العبارة الشهيرة التى أطلقها دور كايم حين قال
: (( إن علم الاجتماع لا يلتزم بخلق المثال بل على العكس تماماً يتناوله كموضوع للدراسة ويحاول تحليله وتفسيره (7). ولكننا حينما نترك الشعارات جانباً ونتعمق فى فهم ودراسة التراث الاجتماعى الوضعى نقف على النقيض تماماً, فبالرغم مما أبداه العلماء من إصرار على هذا الشعار إلا أنهم لم يلتزموه, وقد كانت لهم مثلهم وأهدافهم وبرامجهم الإِصلاحية. إن دور كايم نفسه لم يَمَل ـــ كما سبق أن رأينا ـــ من التصريح بأن مهمته إصلاحية وتتمثل فى استبعاد المثل الدينية لتحل محلها المثل العلمانية.

إن دوركايم ـــ كما يشير إلى ذلك نقاده ـــ يؤمن بالتقدم الأخلاقى ويعتقد فى إمكان وصوله فى دراساته الاجتماعية إلى منظـومة جديدة يمكن أن تكون صحتها مؤيدة بالعلم, وقد كان يأمل في أن يكون علم الاجتماع قادراً على إحداث بِنَي اجتماعية أمتن لكى يقوم مقام الْبِنَى التى تداعت بسقوط التنظيم الإِمبراطورى السابق(8).

لقد سَخْرَ دوركايم علم الاجتماع لأهداف إصلاحية تقوم أساساً على أسس علمانية وإلحادية ومادية قصد إحداث تغيرات عميقة داخل البنية الاجتماعية والثقافية الغربية ولم يمنعه التزامه العلمى من التصريح بأن علم الاجتماع لم يكن ليستحق ساعة من الاهتمام إذا لم يمكننا من تحسين المجتمع(9).

وإذا رجعنا إلى الوراء نجد أن قيام علم الاجتماع فى الغرب حدد أهدافه منذ اللحظة الأولى مع جهود كونت بتحقيق إصلاحات اجتماعية تكون قادرة على القضاء على الفوضى الاجتماعية التى كان المجتمع الفرنسى يتخبط فيها بعد الثورة الفرنسية.

على أن هذه النظرة الإِصلاحية لم تكن من تقاليد الرواد الأوائل فحسب, بل امتدت عند الأجيال التالية ولم يملوا من التأكيد على أن من المهام التى يركزعليها علم الاجتماع القيام بتقويم ما هو موجود من نظم وظقوس وعادات وأيديولوجيات وما شاكلها على أساس كفاءتها الوظيفية وقابليتها للتحسين(10). وواضح أن أية نظرة إصلاحية إلى المجتمع وأية محاولة فى سبيل تغيير الوضع القائم نحو نموذج اجتماعى أمثل لا بد وأن يحمل تصوراً معيناً وأن ينبثق عن مقاييس معينة ويتم فى ضوء معايير تعبر عن قناعة الباحث الاجتماعى وتستجيب للغايات التى يهدف إليها.

وبالرغم من وضوح هذه الرؤية, فإن علماء الاجتماع فى العالم الإِسلامى انساقوا وراء دعاوى الميتودولوجية الوضعية بشأن استبعاد علم الاجتماع لكل نظرة إصلاحية أو رؤية معيارية, وأكد آخرون أن علم الاجتماع الإِسلامى لا يمكن أن يكون علمياً خالصاً ما لم يستبعد العناصر المعيارية منه ويلتزم المنهج الوصفى على الخصوص.

3 ـــ ارتباط علماء الاجتماع بالنظرة المعيارية رغم القيود النظرية :

هذه النقطة التى نثيرها ذات أهمية خاصة من حيث إنها تكشف عن التناقضات التى وقعت فيها الميتودولوجيا الوضعية, فبالرغم من أن علماء الاجتماع كانوا يحذرون باستمرار من التوجيهات القيمية والمعيارية حيث أكدوا على أن الفصل التام بين وجهات النظر الأخلاقية والأيديولوجية والدينية عن وجهة النظر السوسيولوجيـة, بالرغـم مـن هـذه التأكيدات, فإن دراسـاتهم لم تكن لتخلو من هذه التوجيهات بحيث عكست انتماءات الباحث الأخلاقية والفلسفية والأيديولوجية التى يصدر فى تحليلاته وَفق أصولها ومقرراتها كما شهد بـذلك الصراع الأيديولوجى الذى يعتبر المسؤول الأول عن تقسيم النظرية الاجتماعية إلى قطبيين متصارعين ومتناقضين على كل المستويات. لقد تعرض علماء الاجتماع الذين دعوا إلى ضرورة الدراسة الموضوعية المتحررة من القيم لنقد شديد يكشف عن الزيف الذى تحمله هذه الدعوة والتى كانت تهدف إلى تبرير وسيادة القيم والمعايير والأيديولوجيات التى يدين بها البحث. لقد أكد دوركايم أن علم الاجتماع لا يمكن أن يكون علماً فردياً أو شيوعياً أو اشتراكياً, ولا بد وأن يتحرر من التوجيهات السياسية ةالأيديولوجية ولكن التراث السوسيولوجى الذى يصدر عن وجهة النظر الرأسمالية يسعى جاهداً إلى التأكيد على أن علم الاجتماع لا يمكن إلا أن يكون رأسمالياً, فقد دافع دوركايم عن هذا النظام ضد النظام الاشتراكى, ودوافع باريتو عن دور الصفوة فى المجتمع, وهاجم الأنظمة الاشتراكية تحت تأثير القيم الؤأسمالية التى يدين بها وهو تعبير عن مأزق المنهج الوضعى من حيث الانفصال التام بين التوجيهات النظرية والنتائج العلمية. وقد عبر جوليان فروند عن حقيقة هذا المأزق خاصة مع دوركايم الذى اعتبره النقاد رائد الالتزام والموضوعية فى زمانه, وأكد أن الخطأ العميق الذى وقع فيه دوركايم كان حينما أعاد خلسة إدخال أحكام القيمة فى عالم الاجتماع لديه وهو الذى استنكرها بحق نظرياً, وهو بذلك أسهم فى استمرار خلط كان أول من رفضه فوقع تحت طائلة منع علم الاجتماع من الوصول إلى مرتبة النظام الوضعى والاختبارى(11).

لقد أكدت الميتودولوجيا الوضعية فى إصرار على أن العلوم الاجتماعية ملتزمة علمياً وأن الباحث لا بد وأن يقف موقفاً محايداً تجاه الوقائع والظواهر الإِنسانية ولكن هذا الالتزام لم يكن أكثر من قيود نظرية قلما يتم الالتزام بها علمياً, وهو دليل على أن العلوم الإِنسانية والاجتماعية هى بالفعل علوم قيمية وأن التحرر من القيم والتوجيهات مناقض لطبيعتها وتصوغ مسائلها من موقف القيمة(12).

4 ـــ قيام اتجاه جديد يدعو إلى الالتزام المعيارى :

هذه النتيجة الأخيرة التى انتهينا إليها والتى تتلخص فى أن العلوم الإِنسانية علوم قيمية تعكس تصورات الإِنسان ومعاييره. أصبحت تجد قبولاً عند كثير من علماء الاجتماع الوضعيين أنفسهم والذين رفضوا الاستمرار على تبنى تلك المقولات التقليدية الزائفة, وكانت حجتهم أن وجود علم الاجتماع الخالى من القيم لم يوجد قط ولا يمكن أن يوجد أبداً, يقول ألكس أنكلز : (( على الرغم من أن التطلع إلى علم اجتماع متحرر من القيمة أو محايد سياسياً كان هو الاتجاه السائد بين علماء الاجتماع إلا أنه وجد من عارض هذا الموقف بشدة ومن هؤلاء روبرت ليند. فقد رفض فكرة عدم ارتباط العلوم وأكد أن العلوم الاجتماعية كانت وستظل العلوم وأكد أن العلوم الاجتماعية كانت وستظل دائماً أدوات أو وسائل لمعالجة التوترات والضغوط التى توجد فى الثقافة ومن ثَم أخذ يحفز العلماءَ الاجتماعيين إلى الاستجابة للحاجات العامة إلى الإِرشاد والتوجيه فى السياسة عن طريق تخطى تقليد الموضوعية العلمية. ومن هؤلاء أيضاً يقول الكاتب جونار ميرال الذى عرض هذه المسألة فى مقال له عن النظرية الاجتماعية والسياسية والاجتماعية حيث يقول : (( إننا بحاجة إلى وجهات نظر على أن نسلم بالتقويم, والعلم الاجتماعى الذى ينفصل عن التطبيق يعد من وجهة النظر هذه شيئاً فارغاً تماماً ولم يحدث أن وجد هذا العلم كما لن يكون له وجود )).

ومن هؤلاء الذين ساروا فى اتجاه مماثل رايت ميلز الذى صاغ أفكاره بشكل مماثل فى كتابه عن الخيال السوسيولوجى(13).

ولعلنا نجد فى هذا النص ما يكفى للدلالة على هذا المنحى الجديدة الذى سار فيه كبار علماء الاجتماع فى وقت ظل فيه أتباعُ علماء الاجتماع الوضعيين فى بلادنا ملتزمين بالصيغ التقليدية والقوالب الشكلية الزائفة للموضوعية وهى نفس المقولات التى رددها بعض المهتمين بأسلمة العلوم الاجتماعية معتقدين أنهم بذلك يكسبون هذا العلم أكبر قدر من الموضوعية والعلمية ليدفعوا بذلك تلك التهمة التى وُجه بها العقل العربى والإِسلامى بخصوص التزامه النظرة المعيارية والقيمية, تلك النظرة التى قال عنها البعض إنها نظرة اختزالية تختصر الشئ فى قيمته وبالتالى فى المعنى الذى يضيفه عليه الشخص أو المجتمع أو الثقافة والتى تقوم فى مقابل النظرة الموضوعية التى تبحث فى الأشياء عن مكوناتها الذاتية وتحاول الكشف عما هو جوهرى وتحلل الشئ إلى عناصره الأساسية(14). وهذه النظرة تحمل كثيراً من المغالطات على عادة العلمانيين وسوف نتبين في هذا المبحث المقبل ما سبقت الإِشارة إليه من أن العقلية الإِسلامية لا تقوم على النظرة المعيارية فحسب بل تتلازم فيها النظرتان المعيارية والوصفية معاً, وهى نظرة ليس أمام العلمانيين سبيل إلى إنكارها أو التقليل من قيمتها العلمية وبالذات بعد أن قامت الدعوة إلى التزام التحليل السوسيولوجى بالنظرة المعيارية والقيمية. إن وجهة النظر هذه كما يقول النقاد الاجتماعيون أصبحت تشكل أحداث قناعات علماء الاجتماع وقد صرح بذلك الكاتب الانجليزى لوى ووث الى يقول (( إذا كانت المناقشات التى دارت حول الموضوعية فى الماضى تنطلق مؤكدة ضرورة إزالة وحذف كافة التحيزات الفردية والتعرضات الجماعية فإم منهج البحث الحديث يدعو إلى المزيد من استرعاء الانتباه للأهمية الإِيجابية الخاصة والمعرفة بكل تلك التحيزات والتعرضات. فبينما كان منهج البحث القديم يحدد الموضوعية بفصل الموضوع وعزله عن الات فإن منهج البحث الجديد يؤكد العلاقة الوثيقة القائمة بين الموضوع والذات العارفة المدركة. وتقول أكثر وجهات النظر حداقة بأن الموضوع يبرز من الذات حيث تتركز مصلحة الذات فى مجرى الخبرة على مظهر خاص من مظاهر العالم ))(15).

كثيراً ما يردد أتباع النظرية الاجتماعية الوضعية فى بلادنا أن علم الاجتماع ـــ بما فى ذلك علم الاجتماع الإِسلامى يهتم بما هو كائن لا بما ينبغى أن يكون, ولكن نقاد الوضعيين المتحررين من ثقل التبعية يقفون موقفاً معاكساً تماماً. لقد استقر فى عرف علماء الاجتماع بالفعل ألا يكلفوا أنفسهم عناء التورط فى رسم الأهداف والغايات ولكننا ـــ يقول لوى ووث ـــ عندما ندرس ما هو كائـن لا نستطيع أن نتحاشى كلياً ما يجب أن يكون, فحوافز العمل وأهدافه تكون فى الحياة البشرية جزءاً من العملية التى يتم بموجبها إنجاز العمل ومعرفة الحوافز جوهرية وأساسية فى البحث عن العلاقة القائمة بين الجزء والكل. وإذا كانت العلوم الاجتماعية ـــ يقول الكاتب ـــ تهتم بالمواضيع ذات المعانى ولها قيم فيجب على الباحث الذى يرغب فى معرفتها القيام بذلك عن طريق وضع مقولات تعتمد بدورها على ما لديه من قيم ومعانى يسبغها على تلك المواضيع. ونشير هنا إلى أن هذا المنحى الجديد ليس مجرد وجهة نظر قد تكون مقبولة أو مرفوضة, وإنما أصبح يشكل اتجاهاً متميزاً بعد أن نال العنصُر القيمى الاعتراف الرسمى فى المعرفة الاجتماعية كما يذكر الكاتب(16).

ومن هنا فإن دعوتنا إلى ضرورة التزام علم الاجتماع الإِسلامى بالنظرة المعيارية لن تكون دعوة خجولة أمام الاعتراضات الشديدة التى تواجهها وإنما نطرحها على أساس أنها تشكل تحدياً يتجاوز هذه الاعتراضات التى لا زالت ترتبط بالمفاهيم الكلاسيكية التى تجاوزتها النظرية الاجتماعية نفسها.

علم الاجتماع الإِسلامى والتزام النظرة المعيارية

1 ـــ المعيارية بين المعنى الزضعـى والإِسلامى :

تأكد لدينا من خلال المبحث السابق أن التزام النظرة المعيارية والقيمية قد ارتفقت النظرية الاجتماعية منذ بذورها الأولى حيث ارتبطت بالنزعة الإِصلاحية, كما أن علماء الاجتماع بالرغم من كثرة تحذيراتهم من خطر التوجيهات القيمة وتظاهرهم بالتزام المنهج الوصفى التقريرى ظلوا ملتزمين بقيمهم ومعتقداتهم. وأخيراً وفقا على هذا المنعطف المنهجى الخطير الذى دعا إلى ضرورة تجاوز النظرة التقليدية لمهنى الموضوعية, وها يعنى أن النظرية الاجتماعية سواء اعترق روادها بذلك أم لا قد ظلت عملياً مرتبطة بالتوجيهات القيمية وملتزمة بالنظرة المعيارية فى تفسيراتها وتحليلاتها, وفى ما يصدر عنها من قرارات وتصدر عنه من أحكام.

على أن دعوتنا نحن إلى الالتزام المعيارى لن تكون دعوة مقنعة وزائفة, بمعنى أننا لن نعيد مأساة الميتودولوجيا الوضعية بحيث نؤكد على المستوى النظرى التزامنا بالمنهج الوصفى التقريرى فى الوقت الذى نعمل فيه على تمرير قيمنا ومفاهيمنا وتسويغ معاييرنا. فالتزامنا بالنظرة المعيارية يأخذ شرعيته وأصالته من المنهج الذى يؤكد على ضرورة تجاوز المستوى الوصفى إلى المستوى المعيارى كما سنوضح بالتفصيل.

إن كثيراً من المحاولات التى سعت إلى أسلمة العلوم الاجتماعية رغم الجهود المشكورة التى قدمتها لم تكن قادرة على اقتناعها بهذه الفكرة والسبب فى ذلك يرجع إلى تصورهم الخاص لمعنى المعيارية التى ارتبطت فى أهانهم بالمعنى الغربى والوضعى, وهو معنى سلبى إلى حد بعيد, وهذا يقتضى منا أن نميز بين المعيارية المتعارف عليها وهو المعنى الشاع فى الكتابات الاجتماعية الوضعية وبين المعنى الإِسلامى لهذا المفهوم. وفى رأيى أن هناك فارقين أساسيين يحددان استعمال ها المفهوم فى كل من النسق الوضعى والإِسلامى.

أ ـــ الفارق الأول : تطلق كلمة معيار بمعناها الوضعى على النموذج المتخذ أساساً للقياس وما ينبغى أن يكون عليه السلوك العام والموقف الجماعية بالنسبة للمشاعر السادة فى المجتمع(17).

ويطلق مصطلح المعيار الاجتماعى على قاعدة أو مستوى سلوكى تحدده التوقعات المشتركة لشخصين أو أكثر اعتماداً على السلوك الذى يعتبر ملائما من وجهة نظر المجتمع(18).

وواضح أن تحديد معنى المعيار أو المعيار الاجتماعى أو المعيارية بهذا الشكل بحيث يستند إلى المقاييس المتعارف عليها اجتماعياً وعرفياً معناه فتح الباب أمام النزعات الذاتية ووجهات النظر الشخصية التى تتعدد بقدر تعدد المثل الاجتماعية ومن ثم فهى معايير نسبية قابلة للاختلاف والتعارض زماناً ومكاناً مع العلم. إن السوسيولوجيا قامت أساساً لمحاربة النزعات الذاتية والشخصية لتحل محلها النزعة الموضوعية العلمية الخالصة. ومن هنا استهدفت استبعاد الأحكام المعيارية. وعلى العكس تماماً من هذه النظرية الوضعية فإن المعيارية فى المفهوم الإِسلامى لا تستند إلى المقاييس الاجتماعية بل تأخذ معاييرها من الوحى نفسه الذى يتجرد عن كل النزعات الشخصية والذاتية, وهذا هو الفارق الأساسى بين المفهومين. فالمفهوم الأول له معنى ذاتى والثانى له معنى موضوعى, ومن ثم فليس لنا أن نستبعد النظرة المعيارية مادامت العلةُ الأساسية التى من أجلها استبعدتها الميتودولوجيا الوضعية منتفيةً.

ومن هنا نقول ـــ وفى غير تردد ـــ : إن المحاولات التى استهدفت استبعاد النظرة المعيارية من علم الاجتماع الإِسلامى لم تكن مؤسسة على فهم واضح ولم تكن قادرة على التمييز الواعى بين المعنيين بقدر ما كانت تنبثق عن تقليد لما هو سائد وشائع فى الغرب.

ب ـــ الفارق الثانى : بخصوص الدلالة العلمية للمعيارية, يستخدم هذا اللفظ للدلالة على المنهج المعيارى الذى يقابل المنهج الموضوعى أو الوصفى التقريرى. فلفظ (( المعيارى )) كما ورد فى معجم العلوم الاجتماعية صفة مشتقة من معيار وتستخدم فى وصف ما ليس تقريرياً أو واقعياً بل ما ينبغى أن يكون بالنسبة إلى مقاييس معينة, واستخدم هذا المصطلح فى التقسيم التقليدى للعلوم, فهى إما علوم وصفية أو علوم معيارية : الأولى تهتم بدراسة ما هو كان مثل علوم الطبيعة والبيولوجيا …. والثانية تهتم بدراسة ما ينبغى أن يكون(19). وبناء على هذا التصور ركزت الميتودولوجيا الوضعية على النموذج الطبيعى وطبقته فى مجال العلوم الإِنسانية والاجتماعية.

وهذا التصور يقوم فى أساسه على وجود تعارض بين المنهجين بمعنى أن الدراسات الإِنسانية إما أن تكون وصفية تقريرية ومن ثَم تكون علمية وإما أن تكون معيارية وغير علمية. وقد عكس هذا التصور الوضعى علماء الاجتماع فى بلادنا, ومن بينهم بعض الباحثين الذين سعوا إلى أسلمة العلوم الاجتماعية أنفسهم, يقول الدكتور زكى محمد إسماعيل : (( إن علم الاجتماع يدرس النظم والظواهر الاجتماعية لا فى كونها ظواهر مطلقة من قيود الزمان والمكان وإنما من خلال وجودها فى زمان ومكان معين وهذا هو الأساس الذى يمييز علم الاجتماع كعلم عن الفلسفة كفكر تقديرى يعبر عما ينبغى أن يكون من أفكار وتصورات الفلاسفة (20).

أما الميتودولوجيا الإِسلامية فهى لا ترى وجود مثل هذا التعارض مطلقاً, فالمسألة ليست مسألة تعارض وتقابل بقدر ما هى مسألة تكامل وتطابق, بمعنى ان هناك تلازماً بين المعيارية و الوضعية, فالمنهج الإِسلامى منهج وصفى تقريرى أولا ومعيارى قيمى ثانياً, وهذا الفارق الأساسى مع الميتودولوجيا الوضعية التى تفصل بين الاثنين وتقابل بينهما وهو افتعال لا نرى له مبرراً على الإِطلاق. هذه الفكرة الأخيرة التى انتهينا إليها نعتقد أنها متفِقة تمتماً مع مضمون الوحى ومنطوق الكتاب والسنة وهى مستوحاة من دلالة الآيات التى سنعرض لنماذج منها, ومن ثَم نرى أن دعوة المهتمين بعلم الاجتماع الإِسلامى بالذات إلى الفصل بين المنهجين لم تكن منطلقة من وحى الإِسلام بقدر ما كانت تعكس الأفكار المعاصرة الشائعة.

2 ـــ تلازم الوضعية والمعيارية فى الميتودولوجيا الإِسلامية :

هناك طائفة من السوسيولوجـيين الإِسلاميين رفضوا المعنى الشائع للمعيارية وألحوا على ضرورة التزام الباحث الاجتماعى المسلم بمرحلتين متتابعتين فى عملية البحث. فى المرحلة الأولى يجتهد الباحث من أجل أن يفهم الواقع الاجتماعى المدروس ويكشف قوانين الحركة والتطور والتكامل فيه, ويقف على عوامل الانحطاط والارتقاء, وفى أثناء هذه العلمية لا يكون لديه أى التزام أو تعصب ما أو إدراك الحقيقة ومعرفة الواقعة المطروحة للبحث, وبعد أن يتعرف عليها ويكتشف أبعادها تأتى المرحلة الثانية وهى التى يحدد فيها أهدافه وغاياته ويعطى فيها تقويماته ويعلن فيها تقويماته ويعلن عن مواقفه(21).

فالمرحلة الأولى من البحث تعتبر مرحلة تقريرية محضة يهدف فيها البحث إلى اكتشاف الواقع الاجتماعى مـوضوع الدراسة وهى مرحلة أساسية باعتبارها تجسد الواقع الاجتماعى أمام الباحث كما هو فى حقيقته وتدرسه دراسة موضوعية تكشف عن مدى العيوب التى يعج بها المجتمع. واكتشاف هذه العيوب عن طريق مراقبة سلوك الناس وتصرفاتهم تعتبر بالفعل خطوة أساسية لأي إصلاح أو تقويم ولن يتأتى إصلاح ما إلا بالمرور بهذه المرحلة إذ بالوقوف على هذه الانحرافات نستطيع تشخسصها ومعالجتها. ومفرق الطريق بين تظرتنا هذه وبين النظرة الوضعية تكمن فى أن الوضعية تقف عند حد الوصف ومن ثم يكتسى السلوك الاجتماعى السائد بصبغة الشرعية بينما يتجاوز الباحث المسلم مرحلة الوصف إلى مرحلة التقويم وطرح البديل فى ضوء مقاييس يستقيها من انتمائــة الأيديولوجى أو المذهبى المستمد من الوحى.

فعملية التقويم تأتى بعد عملية البحث الموضوعى الذى يستوفى شروط الاستقصاء والتحرى والضبط, وهى تجسد نظرتنا إلى العلم على أنه ملتزم أخلاقياً وليس حيادياً كما هو الأمر مع العلمانية أو الوضعية التى تقوم على مبدأ العلم للعلم.

إن الاقتصار على الدراسة الوصفية الاستطلاعية يجعل من العلم أداة عقيمة يفقد معها دلالته ووظيفته, فالباحث الاجتماعى لابد وأن يتخذ موقفاً بالنسبة لما يعلم وما ثبت له من الحقائق, وهو أولى وأحق بهذه العلمية من السيــاسيين والمتعصبين والعامة والجهـال(22).

وهذا التصور الذى نقدمه نعتقد أنه متفق مع مبادىء الوحى ومقراراته ومطابق لحديث القرآن عن الظواهر الاجتماعية حيث يتجاوز تقرير الحقائق إلى تقييمها وتحديد موقف حاسم منها سواء كان هذا الموقف سلبياً أو إيجابياً. فحين يتحدث القرآن عن ظاهرة ما فإنه يجسدها كما هى فى حقيقتها وكما عيشت فى واقعها ويحدد مواصفتها ولكنه يتجاوز هذا الأسلوب التقريرى ليعطى تقويماً محدداً ويسجل موقفاً معيناً إزاء تلك الظاهرة.

وتوضيحاً لهذه الفكرة نعرض لهذه الآية كمثال يبين تلازم هذين المستويين, يعرض القرآن وصفاً لطبيعة الأعراب كفئة منعزلة وبعيدة عن مراكز التأثير تكونت لديهم أخلاقيات خاصة ومرتبطة بطبيعة التبدى والجفاء. وهذه المواصفات تقررها الآية الكريمة : } الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله {(23).

فالقرآن يسجل هنا ظاهرة فى حياة الأعراب وهى الجفاء والبداوة المستحكمة وما يستتبع ذلك من شدة الكفر والنفاق وعدم مراعاة الحدود الشرعية …. وهذه كلها مواصفات يسجلها القرآن فى حق جماعة معينة. غير أن المتعمق فى فهم النص القرآنى يجد أن النص أو الآية توحى بدلابة أبعد من هذا الوصف الظاهرى حيث تُشعر القارئ بأن هذه الحالة غير مطلوبة ولا مرغوب فيها وهنا يتجاوز الحديث القرآنى مستوى الوصف والتقرير إلى مستوى الأحكام حيث جاءت الآية فى معرض الذم وسجلت موقفاً سلبياً إزاء هذه الظاهرة. وبالمثل فإن حديث القرآن عن تجارب السابقين فيه استقصاء لأحوالهم وتعرف على أخلاقيـاتهم ووصف لسلوكهــم وتصرفاتهم. وهذه الأمثلة التى ساقها القرآن تعبر عن تجارب بشرية سابقة عيشت فى ظروف معينة كانت لها ملابساتها الخاصة بها ولكن حديث القرآن عن هذه التجارب سرعان ما يتجاوز الأسلوب الوصفى إلى إعطاء تقييم شامل لتلك الوقائع التاريخية وإبراز الدوافع الكامنة وراء الدمار والانحطاط أو السمو والارتقاء ومن ثم يدعو إلى أخذ العبرة بتلك التجارب وفهم مغزاها. فلم يكن الوحى ليحصر هدفه فى مجرد الإِخبار عن تجربة بشرية اجتماعية مضت دون أن يستثمر بعمق هذه التجربة, ولذلك نجد التركيز على الحديث وأسبابه ونتاجه دون التركيز على عناصر الحدص وكانه وتاريخه …, والغرض ثابت لا يتخلف : إعطاء تقييم صحيح للوقعة والاستفادة منها فى التجارب البشرية المعاشة أو اللاحقة, وهو ما تنص عليه الآية صراحة } يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم {(24).

فالقرآن حين يتحدث عن ظاهرة ما يتناولها من الوجهتين : الوصفية والمعيارية معاً, وهما أسلوبان متلازمان على الدوام لا ينفصل أحدهما عن الآخر ومن ثم نقول إن المنهج القرآنى فى الحديث عن الظواهر الاجتماهية منهج هادف, وليس مجرد وصف وتقرير, فهو إلى جانب كونه موضوعياً يعبر عن الحقاق الاجتماعية كما هى في الواقع, ويبرز الأسباب والمؤثرات الفاعلة ولا يسقط من حسابه النظرة المعيارية التى تبرز العناصر الإِيجابية أو السلبية فى الظاهرة.

ونسجل هنا أن إخلال بأحد الجانبين إخلال بالمنهج العلمى ككل, فالاكتفاء بتحديد المثل والغايات تجاهل للواقع بحيث بتيه الباحث فى المثاليات وتحديد المثل والغايات دون أن يكتسب أرضية صلبة يقيم عليها بناءه, كما إن الاكتفاء بالوصف والتقرير بفقد العلم رسالته فى الحياة ويجعله مجرداً من أهدافه المرجوة.

الحياد الأخلاقى بين الميتودولوجيا الوضعية والإِسلامية

1 ـــ الميتودولوجيا الوضعية والحيـاد الأخلاقى للعلم

كان لهذا التوجه المنهجى الذى سارت فيه الوضعية نتائج خطيرة على المستوى الاجتماعى والأخلاقى, فلم يعد الأمر يقتصر على تجاهل القيم الأخلاقية واستبعادها من مجال الدراسة فحسب, بل إن هذا الفصل المنهجى أدى إلى تبرير الواقع الاجتماعى الفاسد بالتأكيد على القيم السائدة أياً كان طبيعتها وبغض النظر عن سلبياتها أو إيجابياتها. إن استبعاد النظرة المعيارية النقدية من مجال الدراسة معناه قبول هذا الواقع كما هو؛ لأن السبيل الوحيد إلى إدراك حقيقة المجتمع هو استقراء المحسوس كما يمثله سلوك الناس وتصرفاتهم, والقيم السائدة فى وسط اجتماعى ما ـــ حسب الوضعية ـــ مهما كانت طبيعتها تعبر عن ظواهر صحية وسليمة لأنها تعبر عن رغبات المجتمع واتجاهه الأخلاقى, ولا يملك أحد أن يغير من هذا الاتجاه فى ضوء نظرة نقدية معيارية تحدد مثلاً وقيماً غير التى يرتضيها السير الطبيعى للمجتمع. فالمقياس الذى تتحدد وًفقه المثل الاجتماعية يتحدد وَفق ما هو موجود وشائع بين الناس. ويدلنا على ذلك المقياس الذى يستخدمه علماء الاجتماع فى اعتبار ظاهرة ما سليمة أو مرضية. فالظاهرة الاجتماعية تعتبر ظاهرة سليمة بالنسبة إلى نموذج اجتماعى معين, وفى مرحلة معينة من مراحل تطوره إذا تحقق وجودها فى أغلب المجتمعات التى تتحدد مع النموذج السابق فى النوع, وإذا لوحظت هذه المجتمعات فى نفس المرحلة المقبلة فى أثناء تطورها هى الأخرى ))(25) .. فتنوع الظاهرة وامتدادها عبر فترات زمنية فى مجتمعات متشابهة هو المقياس المعتبر والمعيار هنا هو ما يقوم به أكبر عدد من الناس وليس ما تتمتع به الظاهرة فى حقيقتها من حيث كونها ظاهرة مستحسنة أو مستهجنة )) فظاهرة الزنا مثلاً وَفق هذا المقياس تعتبر ظاهرة سليمة, وقد كانت نتيجة البحث الجنسى المتحرر من القيم الذى أجراه الباحث الاجتماعى كينزى هى تحول الانتباه عن الزنا والتركيز على منع الحمل(26), فالزنا فى حد ذاته لا يشكل ظاهرة مرضية ولا يعبر عن انحطاط أخلاقى وهو ليس مشكلة اجتماعية تطلق على السلوك المنافى لعرف الجماعة فى زمن معين ومكان معين ولذلك يقول عالم الاجتماع سمنر : (( إن العفة الجنسية هى التوافق مع تيار التحريم السائد فى العلاقات الجنسية )), وهو نفسه يقول : (( إن الأعراف تصنع المجتمع ))(27).

2 ـــ الميتودولوجيا الإِسلامية والحياد الأخلاقى :

إن طرح القضية بهذا الشكل ينتهك مطلباً حاسماً للميتودولوجيا الإِسلامية التى تقوم على الالتزام الأخلاقى وليس الحياد الأخلاقى. إن علماء الاجتماع الوضعيين حينما قرروا أن الحياد الأخلاقى شرط فى الموضوعية العلمية كانوا متأثرين بالجو الاجتماعى والثقافى اللذين يعيشونهما, فالقواعد الأخلاقية فى بيئاتهم لا تحددها مقررات سماوية وإنما ترجع إلى عوائد الناس وما استقر عليه أعرافهم, فيكون دور الباحث هو مراقبة الأحداث ورصدها من الخارج. وهذه المسألة تشكل الفارق الأساسى الذى يميز الميتودولوجيا الوضعية عن الإِسلامية التى تفترض وجود نمط اجتماعى مثالى ينبغى العمل على تحقيقه واقعياً فى حياة الناس وقطاعات المجتمع. والباحث الاجتماعى المسلم حينما يتعرض بالتحليل لما هو كائن وواقع فى المجتمع لابد وأن يضع نصب عينه هذا المثال وهذا النموذج الذى يريد أن يرتفع إليه الواقع الاجتماعى, فهو يعمل دوماً على النقد والتقويم.

إن عالم الاجتماع الإِسلامى لابد وأن يهتم بالقيم باعتباره يقوم بدراسات مقارنة بين الحالة المدروسة وبين النمط الاجتماعى المثالى أو النموذج الإِلهى وهو المجتمع الذى ينشد تحقيقه, وفى ضوء هذه المقارنة يجد نفسه مضطراً لكى يطرح البديل النافع, فمهمته التغيير نحو الأحسن, وكل عمل من هذا القبيل لن يتأتى فى التزام الحياد.

بقول الدكتور راجـى إسماعيل الفاروقى : (( إن إضفاء الصبغة الإِسلامية على العلوم الاجتماعية لابد وأن يبين العلاقة بين الواقع المدروس بذلك الجانب أو الجزء من النموذج الإِلهى المناسب له, ولما كان النموذج الإِلهى هو العادة أو الناموس فإن الواقع ينبغى أن يحققه, وتحليل ما هو كائن ينبغى ألا يَّغَيَّبُ عن نظره ما ينبغى أن يكون. بالإِضافة إلى ذلك فإن النموذج الإِلهى ليس غائباً فقط ومتمتعا بشكل وجود منقطع الصلة بالواقع, إنه واقعى بمعنى أن الله تعالى قدر احتواء الواقع إياه, إنه نوع من الوجود الفطرى غرسه الله برحمته فى الطبيعة الإِنسانية وفى الفرد الإِنسانى أو المجموع وفى الأمة بوصفها تياراً مستمراً للوجود يستخرجه العمل المعنوى إلى حيز الفعل والتاريخ. ولهذا فإن كل تحليل عملى يحاول ـــ إذا كان إسلامياً ـــ أن يكشف هذا النموذج الإِلهى الموجود بالقوة فى الشؤون البشرية وأن يبرز ذلك الجزء الفعلى منه وذلك الجزء الموجود بالقوة, وأن يكشف عن عوامل تحقيق اكتمال عملية الاحتواء أو فاعليتها(28). فالباحث المسلم الذى يدرس ويقارن مجتمعاً ما فى ضوء الصورة التى يحملها على النموذج الإِسلامى أو النمط المثالى لا يمكن أن يلتزم الحياد الأخلاقى فعمله نقدى تقويمى. إن التزام الحياد الأخلاقى فى البحث الاجتماعى يعود بالنقص على جوهر المنهج الإِسلامى نفسه لأنه ينكر الأساس الذى يقوم عليه وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالمصطلح الشرعى أو الأحكام التقويمية بالمصطلح الاجتماعى.

إن الباحث المسلم يوجه جهوده إلى اكتشاف العناصر السلبية داخل المجتمع الإِسلامى ـــ قصدَ اقتلاعها, واكتشافِ العناصر الإِيجابية فيه ـــ قصدَ تثبيتها, فهى عملية تتراوح بين النفى والإِثبات. نفى السلبيات وتثبيت الإِيجابيـات, وبالمصطلح القرآنى هى عملية بين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وهذه العملية التى تعتبر بالفعل جوهر الإِسلام, لا يمكن أن تتحقق فى عالم الواقع فى غياب هاتين العمليتين المتلازمتين : الوصف الدقيق للواقع المعاش قصد اكتشاف أوجه الخلل فيه, ثم تقييمه تقييماً سليماً قصد تحقيق النموذج الاجتماعى المطلوب والمزاوجة بين هاتين العمليتين تمثل بحق المساحة المشتركة بين الدراسات الفقهية والدراسات الاجتماعية فى الثقافة الإٍسلامية, فأثناء عملية البحث نجد كلاً من الفقه وعالم الاجتماع يجتاز نفس المراحل وإن اختلفت الغاية عند كل منها.

فالفقيه يوجه اهتمامه إلى ملاحظة سلوك الناس قصد التعرف على وجه المصلحة التى تكون مناطاً للحكم الشرعى, فإذا تحقق من وجود مصلحة معتبرة شرعاً فى أعراف الناس وعوائدهم كانت مناطاً للحكم الشرعى, وأخذت بعين الاعتبار فى عملية التشريع. وهو فى هذه المرحلة من البحث التى تعتمد التتبع والملاحظة والمعايشة يصب اهتمامه على الفعل الإِنسانى فى حد ذاته باعتبار أن كل فعل يصدر عن إنسان ما هو إلا فعل اجتماعى يعبر عن سلوك اجتماعى ما, وكل سلوك اجتماعى لابد فيه للإِسلام من حكم, فعمل الفقيه هذا عمل ميدانى من حيث إنه يهدف إلى التعرف على أفهال الناس والكشف عن طبيعة المعاملات والسلوكيات التى تربط بينهم واكتساب خبرة دقيقة بالوقائع والنوازل التى ستكون محل تقييمه وأحكامه, وهو فى نفس الوقت عمل معيارى فى حد ذاته لأنه لا يقف عند حدود الاستقصاء للنوازل بل يتجاوز ذلك إلى تقييم الفعل من وجهة نظر الشرع.

عن عمل الفقيه, فهو وصفى ميدانى ومعيارى فى نفس الوقت. فعلى المستوى الأول من الدراسة, مستوى التعرف على أحوال الناس وعوائدهم وأعرافهـم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم وكل ما يصدر عنهم من تصرفات اجتماعية يتفق مع عمل الفقيه تماماً, ولكن عالم الاجتماع يحتلف عمله من الفقيه من حيث الغايات والأهداف التى يرمى إليها, فإذا كان الفقيه يهدف من وراء عمله الميدانى إلى إصدار حكم شرعى فإن السوسيولوجى يهدف إلى التعرف على مواقع الخلل قصد المقارنة الدقيقة بين ما هو عليه واقع الناس وبين المجتمع النموذجى المطلوب تحقيقه وَفق توجيهات الوحى فكل منهما ينظر إلى الواقع الاجتماعى نظرة موضوعية فاحصة ونظرة نقدية معيارية, والأول يقصد الفتوى وإصدار الحكم وهذا بحد ذاته عمل إصلاحى قيمى, والثانى بقصد اكتشاف الخلل والعمل على الترشيد والتوجيه.

****

هوامش

(1)  مقدمة الترجمة العرلبة لكتاب بوتومورو : تمهيد فى علم الاجتماع ص : 16 ترجمة محمد الجوهرى وآخرون ـــ دار المعارف ـــ ط. ع / 1980.

(2)  هذه العبارات جميعا مأخوذة من المحاولات الداعية إلى أسلمة العلوم الاجتماعية والتأسيس المنهجى لعلم اجتماع إسلامى. وأذكر منها المراجع الآتية : علم الاجتماع الإِسلامى, د. زيدان عبد الباقى, ص1, علم الاجتماع الإِسلامى د. سامية مصطفى الخشاب, ص63, نحو علم الاجتماع الإِسلامى, د. زكى محمد إسماعيل, ص : 7, نحو علم اجتماع إسلامى, أ. أحمد المختارى, مجلة المسلم المعاصر العدد : 43, ص 52, التفكير الاجتماعى دراسة تكاملية للنظرية الاجتماعية د. أحمد الخشاب, الـفصل الخاص بعلـــم الاجتمــــاع الإِسلامـــى, ص : 168.

(3)  الأنثروبولوجيا الاجتماعية إيفانز ريتشـارد ـــ ترجمة أحمد أبو زيد ـــ الهيئة المصرية العامة للكتـاب ـــ ط/6/ القاهرة / 1980 ص : 30.

(4)  علم الاجتماع عند ماكس فيبر ـــ جوليان فروند ـــ ترجمة تيسير شيخ الأرض ـــ منشورات وزارة الثقافة والإِرشاد القومى ـــ دمشق / 1976 ـــ ص / 133 ـــ 135.

(5) Les Έtapes de la pensee sociologique Raymon Aron P : 86, Edition Galimard 1967.

(6)  مقال بعنوان : صياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية د. إسماعيل الفاروقى. مجلة المسلم المعاصر عـدد : 20 ص : 30.

(7)  Sociologie et philosohie, E. Burkheim, 141.

(8)  علم الاجتماع عند ماركس فيبر, جوليان فرويد, ص15.

(9)   Les etapes de la pensee sociologique, R. Aron, P : 369.

(10)   مجلة الثقافة الغالمية العدد : 5 ص : 24 السنة : 1/ 1982 مقال بعنوان : حول مستقبل نظرية علم الاجتماع بقلم تيودور إييل.

(11)   علم الاجتماع عند ماكس فيبر ص : 15.

(12)   الموضوعية فى العلوم الإِنسانية د. صلاح قنصوه. ص : 183. دار الثقافة للطباعة والنشر /  القاهرة /  1980.

(13)   مقدمة فى علم الاجتماع ألكس أنكلز ص : 188, ترجمة محمد الجوهرى وآخرون الطبعة الرابعة دار المعارف القاهرة / 1980.

(14)   تكوين العقل العربى ص : 31 د. محمد عابد الجابرى دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى 1984.

(15)   مقدمة الترجمة الإِنجليزية لكتاب كارل مانهايم : الأيديولوجيا والطبائية ص : 40. ترجمة عبد الجليل الطاهر, مطبعة الإِرشاد ـــ بغداد / 1968.

(16)   المصدر السابق : ص 42, 43, 44.

(17)   معجم العلوم الاجتماعية ص : 556. تأليف مجموعة من الأساتذة مراجعة د. إبراهيم مدكور. الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة : 1075.

(18)   قاموس علم الاجتماع د. محمد عاطف غيث. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1979 ص : 304.

(19)   معجم العلوم الاجتماعية : ص : 757.

(20)   نحو علم الاجتماع الإِسلامى, ص : 4. زكى محمد إسماعيل دار المطبوعات الجديدة, الأسكندرية / 1981.

(21)   العودة إلى الذات د. على شريعتى ص : 312. ترجمة إبراهيم دسوقى دار الزهراء للإِعلام العربى / القاهرة ط : 1  / 1406.

(22)   العودة إلى الذات ص : 191.

(23)   التوبــة / 98.

(24)   النســاء / 26.

(25)   قواعد المنهج فى علم الاجتماع أميل دوركايم ص : 116 ترجمة محمود قاسم مكتبة النهضة المصرية 1950.

(26)   مقال سابق للدكتور إسماعيل راجى الفاروقى مجلة المسلم المعاصر عدد 20 ص 34.

(27)   نقلا عن القيم والعادات الاجتماعية فوزية دياب ص : 65 ـــ فوزية دياب ـــ دار الكتاب العربى للطباعة والنشر ـــ القاهرة ـــ 1966.

(28)   مقال بعنوان : إضفاء الصبغة الإِسلامية على العلوم الاجتماعية, د. اسماعيل راجى الفاروقى, ضمن كتاب : العلوم الطبيعية والاجتماعية من وجهة النظر الإِسلامية ص : 32 شركة مكتبة عكاظ / جامعة الملك عبد العزيز / 1984.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر