أبحاث

الاتجاه العلمي عند الهمداني

العدد 57

مقدمة:

ليس أصعب على الباحث من الكتابة عن عالم موسوعي كالحسن بن أحمد الهمداني لم ينصفه المؤرخون حق الإنصاف عندما ركزوا على جانب واحد من عبقريته ولفبوه بلسان اليمن، ثم أهملوا جوانب أخرى أكثر أهمية. ويزيد من صعوبة البحث كثرة مؤلفاته المفقودة وندرة الترجمات المكتملة وقلة الدراسات المنشورة خاصة فيما يتعلق بالجانب العلمي والفلسفي.

وبرغم كل هذا، فإن الدراسة الحالية تحاول أن تفتح طريقاً صعباً وطويلاً، لكنه ضروري وحيوي، يهدف سالكوه إلىإلى تقييم أعمال علماء الحضارة الإسلامية بلغة معاصرة مع تركيز الاهتمام على العلماء المغمورين أو الذين تأخر اكتشاف أو تحقيق مخطوطاتهم العلمية والفلسفية.

وسوف نعرض فيما يلي ترجمة موجزة وتقييم عام لمسار حياة الهمداني من خلال التعرف على ظروف عصره واستعراض ما عرف من مؤلفاته باعتباره من أكثر علماء المسلمين عمقاً وموسوعية وثراء فكريا. كما نتناول ملامح الأسلوب العلمي الذي اتبعه الهمداني بحثاً وتأليفاً، مؤكدين على إدراكه الوعي لأصول المنهج الإسلامي ومعرفته المقصودة لخصائص المعرفة العلمية. وأخيراً سننتقل إلى استخلاص أهم النتائج والآراء والنظريات العلمية التي تعرض لها الهمداني، مع تتبع نمو مفاهيمها العلمية وتأثيرها في حركة تطور العلوم. وسوف يظهر أثناء ذلك سبق الهمداني إلى صياغة مفاهيم علمية تتعلق بالفلك والرياضيات وعلوم الأرض والكيمياء والفيزياء بالإضافة إلى فلسفة العلوم وتقنياتها.

أصله ونشأته:

هو الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود بن سليمان الأرحبى البكيلي الهمداني الذي لقبه قومه «لسان اليمن» اعتزازاً به وافتخاراً لمعارفه وبلاغته. وقد أخبر الهمداني نفسه بنسبه هذا في الجزء العاشر من كتابه «الإكليل»، وسلسله إلى قبيلة هَمدان – بفتح الهاء وسكون الميم – التي لها بقية حتى اليوم1. كذلك تكنى الهمداني بأحد أولاده «محمد» كما حدّث بذلك في مضامين كتبه حيث يقول: قال أبو محمد، يعني به نفسه. وأحياناً يرفعه بعض بعض المؤرخين إلى جده يعقوب بقولهم: قال ابن يعقوب، أو يذكرونه باسم «ابن الحائك» ولا ندري لذلك سببا2.

كان أهله يقطنون المراشى من شرق اليمن، وهي منطقة تقع في الجزء الأعلى من مساقط الجوف وتكون اليوم ناحية من قضاء برط وتتبع إدارياً محافظة صنعاء. وقد نسب بعضهم الهمداني إلى آل الدمنة (أو الدمينة)، وهم إلى اليوم من سكان ناحية المراشى وفوع من ذى محمد القبيل الكبير هناك. وقد انتقل جده الأكبر داود وابنه يوسف إلى الرحبة شمال مدينة صنعاء، ثم سكن يوسف صنعاء في آخر عمره وسكن بها أولاده من بعده3.

ولم يعرف تاريخ مولد الهمداني على وجه اليقين إلا منذ عهد قريب عندما كشف عنه أحد المحققين لتراثه من خلال نصوص وردت في «المقالة العاشرة» من كتابه «سرائر الحكمة» ومنها قوله: «فمن ذلك أنا اختبرناه ببعض التيسيرات المشهورة الفروع فيما شاهدناه وعيناه ولم نرجم فيه بالغيب ولم نتبع به التعليل لمولود ولد في الإقليم الأول في المدينة التي عرضها 14/30 وظل رأس الحمل بها 3/6 أصابع ودقائق وارتفاعه عليها 75/30 وكان ذلك يوم الأربعاء 19 من صفر سنة 280هـ لعشر ساعات مستوية من النهار يكون الطالع من الميزان أحد عشر جزءاً ونصف بالتقريب»4. وقد أمكن التعرف من ذلك على أن اليمن من الإقليم الأول حسب قول بطليموس، وأن المدينة هي «صنعاء اليمن»، وأن الهمداني عنى نفسه لا غيره بهذا القول، وحدد مولده بالتاريخ الذي ذكرناه موافقاً حوالي 893 م5.

ولا يُعرف الشئ الكثير عن أول حياة الهمداني سوى أنه حدثت به علة ليست بشديدة وهو في الخامسة من عمره، وأنه بدأ يحادث الناس بالأسفار منذ بلغ السابعة. وقد كان أبوه رحالة دخل الكوفة والبصرة وبغداد وعمان ومصر، كما كان لأجداده بصر بالإبل منذ أن كانوا في مشرق اليمن، واشتغلوا بالجمالة بعد أن استقروا في صنعاء، وإن كان منهم من عني بالصناعات كالتعدين. واشتغل الهمداني بالجمالة في شرخ شبابه متنقلاً بين صعدة ومكة لنقل الحجيج والتجار.

وفي حوالي عام 305هـ استقر الهمداني بمكة لأكثر من ست سنوات، جاور فيها الحرم والعلماء، وتفتحت له آفاق المعرفة، فاتسعت بسطته في العلم وأفاد منه في فنون كثيرة. لكنه رجع مرة أخرى إلى اليمن في حوالي 311هـ ونزل صعدو وهي إذ ذاك قاعدة أئمة الزيدية ومحطة هامة على طريق التجارة الممتد من أقصى جنوب اليمن عبر مكة إلى بلاد الشام، ونقطة تجمع الحجيج من مختلف الجهات اليمنية، ومركز استقطاب كثير من العلماء والأدباء والشعراء وطلاب العلم، وكذلك التجار من داخل اليمن وخارجها. فكان أن أفاد الهمداني من فنون العلم التي كانت تزخر بها، كما أسهم بنصيب وافر في ازدهار الحركة الأدبية والفكرية آنذاك، ولا سيما في ميادين الشعر والسياسة والأخبار والأنساب والعلم الطبيعي والفلسفة وعلوم الإنسان وغيرها.

وسجن الهمداني بصعدة عام 315هـ لفترة لم تتعد عشرة أيام على إثر قصيدته «الدامغة» التي أهاجت خصومه وأثارت عليه السلطان والناس، وانتقل بعد ذلك إلى مسقط رأسه صنعاء، حيث سجن مرة أخرى في عام 319 هـ ، ثم أطلق سراحه بعد عامين تقريباً (321هـ) وكان مأمنه مدينة ريدة من بلاد قاع البون شمالي صنعاء، وبها قضى بقية عمره. وتختلف الروايات حول تاريخ وفاة الهمداني عام 334هـ، وربما 336هـ. وهناك من يرى أنه تعمر ثمانين عاماً وعاش إلى سنة 360هـ، ولكن الدليل على هذا الرأي ليس قاطعاً6، ولا يزال تحديد تاريخ الوفاة بدقة أمراً متعذراً.

وربما يستدل من هذا العرض الموجز لسيرة الهمداني على أنه لم يبرح أرض اليمن إلا إلى مكة المكرمة، ومن ثم لم تتوافر لديه كل منافذ العلم والمعرفة التي توفرت عادة لأمثاله من علماء الحضارة الإسلامية الذين امتلكوا ناصية علوم عصرهم ومعارف من سبقهم عن طريق الاحتكاك والمعايشة المباشرة لحاضرة الخلافة الإسلامية وعواصمها بكل ما فيها من مظاهر النهضة ومقومات التحصيل المعرفي. لكن التحليل الموضوعي لسيرته وترجمته يؤكد حرصه على مجالسة كبار العلماء والإفادة من علمهم وخبراتهم، بالإضافة إلى حرصه الشديد على اقتناء أمهات الكتب في مختلف الفنون أثناء مجاورته بمكة التي يتوافد عليها الحجيج من كل حدب وصوب، حاملين معهم كل جديد عن أخبار بلادهم وأحوالها. فانفتح له بذلك – على حد تعبيره في المقالة العاشرة – باب من المنطق نفيس وانكشط عنه كثير من الجهل وأوسع في العلم وأعاد شيئاً وأفاد منه في فنون كثيرة7. كما أضافت إقامته في صعدة بعد عودته إليها رافداً جديداً من روافد ثقافته لما كانت تتمتع به من استقرار وازدهار في ذلك الوقت، فأخذ الهمداني من علمائها ووسم بالعلم بين أهلها8. ولم تكن إقامته بصنعاء أقل أثراً في تشكيل ثقافته وإثراء معارفه، حيث اتصا اتصالاً وثيقاً بأبي نصر محمد بن عبدالله اليهرى (أو الحنبصى)، وهو العالم الذي وصفه الهمداني نفسه بقوله: «شيخ حمير وناسبها وعلامتها وحامل سفرها ووارث ما ادخرته ملوك حمير في خزائنها من مكنون عملها، وقارئ مسندها والمحيط بلغاتها. وما زال لنا معولا في المشكلات وربما وردت منه بحراً لا تكدره الدلاء ولا تلوب دونه الظماء فأغناني نهله دون علله، وأوسعني كفاية البعض دون كمله»9.

من ناحية أخرى، لا يستبعد البعض أن الهمداني قد ضرب بسهم وافر في معرفته للغة الإغريق وأنه كان يجيدها بحذق ولوذعية، وأن أول ما درس في حداثة سنه المبكر هي العلوم الرياضية والفلك والنجوم والطب والفلسفة والجغرافيا، وأنه نهل منها حتى بلغ الغاية القصوى فيها10. وإن صح هذا الرأي، وهو رأينا أقرب ما يكون إلى الصحة، فإنه يضيف تعزيزاً قوياً لتفسير إسهامات الهمداني في علوم متنوعة، ويقدم نبعاً جديداً لفيض هذا العالم الموسوعي، خاصة إذا وضع علمه ونهجه في المكان الصحيح من عصره.

مكانته بين علماء عصره:

لقد عاش الهمداني جل عمره في القرن العاشر الميلادي الذي بلغت فيه النهضة العلمية أوج ازدهارها في عصر الحضارة الإسلامية، حيث وجه المسلمون نشاطاتهم الفكرية في عهد خلفاء العباسيين (750 – 1258 م) إلى العلوم العقلية بعد أن كانت عنايتهم في صدر الإسلام – خاصة أيام الخلفاء الأمويين (661 – 750 م) – مقصورة أساساً على علوم الدين واللغة التي عرفت باسم العلوم النقلية. وكان طبيعياً أن تبدأ النهضة العلمية في العصر الإسلامي بنقل معارف السابقين، فانكب العلماء على ترجمة المؤلفات اليونانية والسريانية والقبطية والفارسية والهندية وغيرها: وكانت عملية الترجمة تعتمد في دقتها وأمانتها على تمكن المترجمين من اللغة العربية و
إتقانهم للغات الأجنبية التي ينقلون منها، كما كانت تحظى برعاية الخلفاء والأمراء الذين هيأوا الجو الصالح لازدهار العلم وإبداع العلماء، وجدوا في البحث عن الكتب والمخطوطات والحصول عليها من مظانها المختلفة، وأجزلوا العطاء لكل من كان له جهد بارز في الترجمة أو التأليف العلمي. وممن اشتهر بالترجمة آل ماسرجويه وكانوا يهوداً، وآل بختيشوع وآل حنين بن إسحق وكانوا نصارى، وآل ثابت ابن قرة وكانوا صابئة. ومن أشهر الكتب القديمة التي ترجمت إلى اللغة العربية وأثرت تأثيراً عظيماً في علماء العرب والمسلمين كتاب «أصول الهندسة» لإقليدس وكتاب «المجسطى» لبطليموس وكتابا«التشريح» و«البرهان» في الطب لجالينوس وكتاب «الأدوية المفردة» لذياسقوريدوس وكتاب «السند هند»11.

وكان علماء الحضارة الإسلامية يقبلون على الكتب المترجمة بحب وشراهة ويستوعبون كل ما فيها، ثم يبدأون في تنقيحها وترتيب علومها وشرحها والتعليق عليها وحذف ما لا تستسيغه عقولهم وإضافة ما توصلوا إليه من خبراتهم وتجاربهم. فقد أحبوا العلم للعلم، ورغبوا في الاستزادة منه، وفي كشف الحقيقة والوقوف عليها، وراحوا يبحثون عن القوانين التي تسود الكون والأنظمة التي يسير العالم بموجبها، فنتج عن ذلك كله تقدم هائل في مختلف فروع المعرفة، وسطعت نجوم كوكبة من العلماء النابهين في سماء الحضارة الإسلامية نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

يعقوب الكندي (801 – 867 م) الملقب بفيلسوف العرب والعالم بالطب والفلسفة والحساب والهندسة والمنطق وعلم النجوم وتأليف اللحون وطبائع الأعداد، وأبا كامل شجاعاً بن أسلم الحاسب المصري الذي ظهر بين عامي 850، 930 وجاء عنه في كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» أنه كان فاضل وقته وعالم زمانه وحاسب أوانه وله تلاميذ تخرجوا بعلمه، ومحمدا بن موسى الخوارزمي المتوفي بعد عام 843 م والمؤسس لعلم الجبر بشكل مستقل عن الحساب وفي قالب علمي منطقي، وموسى بن شاكر وبنيه الثلاثة الذين ظهروا في عصر المأمون (813 – 833 م) ونبغوا في الرياضيات والفلسفة وعلم الهيئة، وكان لهم في ذلك مؤلفات نادرة نفيسة، وأبا الحسن ثابت بن قرة (835 – 900 م) الذي كان بحق موسوعة علمية في الطب والرياضيات والفلك والفلسفة، وكان جيد النقل إلى العربية من السريانية واليونانية والعبرية، وأبا بكر الرازي (854 – 929 م) الذي عده لالاند من العشرين فلكياً المشهورين في العالم، وغير هؤلاء كثير كثير.

في هذا الجو العلمي النقي، وفي هذه الفترة من القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) نشأ الحسن بن أحمد الهمداني، ودرس علوم الأوائل فمهر فيها وبرع، وألف في مختلف فروع المعرفة بتمكن واقتدار، فاستحق أن يقول عنه ابن صاعد في كتابه «طبقات الأمم»: «ولا أعلم أحداً من صميم العرب شهر به – يعني علم الفلسفة – إلا أبا يوسف يعقوب بن إسحق الكندي وأبا محمد الحسن الهمداني»12. كما قال عنه صاحب كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»: «…. وهذا الرجل أفضل من ظهر ببلاد اليمن وقد ذكرت قطعة من خبره وشعره في كتاب النحاة …..»13. ويشهد أيضاً على تعدد مشاربه وغنى معارفه وأثر إسهامه في إثراء التراث العربي الإسلامي بما يرفعه إلى مصاف علماء المسلمين البارزين قول محمد بن نشوان بن سعيد الحميري لأحد مريديه: «سألت أكرمك الله بأنواع كرامته وأعاذك من صرعة الباطل وندامته أن أوضح شيئاً من أنساب حمير وأخبارها وما حفظ من سيرها وآثارها فأجبتك إلى ما سألت وأشفعتك منه بما طلبت مؤتماً بما ذكره الشيخ الفاضل المؤتمن لسان اليمن وفائق من كان فيه من الزمن الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني رحمه الله مما صححه من علمه الجليل وحققه في كتابه المعروف بالإكليل. وكان رحمه الله بمنزلة في العلم والفضل ومعرفة بالفرع والأصل لا ينكرها إلا مكابر جاهل متعاط ما ليس له بأهل، فتصنيفه فيه وفي سائر مصنفاته – كتاب الأيام ونحوه – يدل على غزير علم وقوة فهم وشدة فحص على أخبار الأمم ومعرفة باهرة بأخبار العرب والعجم. وتصنيفه في كتاب صفة جزيرة العرب كذلك ونحوه في كتاب المسالك والممالك دليل على علمه الجم بأخبار العرب والعجم وإحاطته بأنساب الكافة وأخبارها ومعرفة أوطانها وديارها ومسافة طرقها ومسايل أوديتها وأنهارها… وتصانيفه في علم الطب والنجوم شاهد له في العلم بالحظ العظيم الذي فاق به علماء الطب والمنجمين وبرز فيه على علماء الكفار والمسلمين مع ما كان فيه من شدة الورع والفضل المشهور في عصره لا يتمارى أحد في أمره»14. ولا شك أن شهادة هؤلاء المؤرخين لا يمكن أن يرسلوها عبثاً أو بغير أساس.

وقد ترجم للهمداني عدة مؤرخين ومحققين آخرين نذكر منهم: محمد بن سعيد بن عمر الهمداني صاحب سيرة الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي يحيى وهو معاصر للهمداني، ومحمد بن الحسين الكلاعي الوحاظي الحميري المتوفي سنة 404 هـ، وعلي بن الحسن الخزرجي الزبيدي المتوفي سنة 818 هـ، وأبو الغمر مسلم بن محمد بن جعفر اللحجي المتوفي حوالي سنة 550 هـ15.

ومن الجدير بالذكر أن جامعة صنعاء قد عقدت في أكتوبر عام 1981 م ندوة عالمية اتكريم الهمداني ولتعريف الأجيال بأثره في تراث الحضارة الإسلامية. وقد كشفت بعض بحوث هذه الندوة عن عبقرية الهمداني في مجال العلوم الطبيعية وتقنياتها، فكان كغيره من علماء عصر النهضة الإسلامية ملماً بالعديد من فروع المعرفة ومهتماً بعلوم التاريخ والجغرافية والفلك والحساب والكيمياء والحيوان والنبات والفلسفة والطب والصيدلة بالإضافة إلى فنون الأدب والشعر16.

مؤلفات الهمداني:

تبلغ مؤلفات الهمداني بضعة وعشرين كتاباً، معظمها ضخم وفياض بالمعارف وأكثرها مفقودة. وهذه الكتب هي:

1)    كتاب «سرائر الحكمة» المحتوي على ثلاثين مقالة في التعريف بجمل علم الهيئة ومقادير حركة الكواكب وتبيين علم أحكام النجوم واستيفاء ضروبه وأقسامه. وربما كان هذا الكتاب (كله أو بعض مقالاته) من أوائل الكتب التي صنفها الهمداني في سنوات إنتاجه العلمي الأولى وعرض فيه لعلوم السابقين في الفلك والفلسفة، فقد ذكره فيبعض كتبه التالية (الإكليل وصفة جزيرة العرب). ولم يعثر من هذا الكتاب إلا على «المقالة العاشرة» المنسوخة في 19 محرم سنة 1091 هـ والموجودة في الجامع الكبير بصنعاء وتحوي ثلاثة وثلاثين باباً، وقد حققها محمد بن علي الأكوع وانتهى من نسخها والتعليق عليها في عام 1978 م، ثم نشرت بدون تاريخ*.

2)    كتاب الإكليل، وهو موسوعة علمية ألفها الهمداني سنة 330 هـ في عشرة مجلدات تتناول التاريخ والإنسان والثقافة في اليمن القديم، ويؤسس فيها الهمداني علم الأخبار في إطار منهجه وضمن عصره على خير وجه، ولم يظهر منه إلا أربعة أجزاء.

3)    كتاب «صفة جزيرة العرب»، وموضوعه الرئيسي دراسة الملامح الطبيعية والأجناس والقبائل والحيوانات والثروة المعدنية في شبه الجزيرة العربية. وقد حققه موللر ونشره في طبعة ليدن عام 1884 م، وصدرت منه في البلاد العربية طبعتان: الأولى تحقيق محمد بن بليهد النجدي، القاهرة 1953، والثانية تحقيق محمد بن علي الأكوع، الرياض 1974.

4)    كتاب«الجوهرتان العتيقتان المائعتان من البيضاء والصفراء» (الذهب والفضة). وكان أحمد الجاسر قد وصف المخطوطة وسرد أبوابها كافة عام 1951 م. لكن المستشرق السويدي كريستوفر تول عثر على إحدى النسخ الأصلية للمخطوطة في إحدى المكتبات الأوروبية وقام بتحقيقها وترجمتها إلى اللغة الألمانية عام 1978 م، طبعة جامعة أوبسالا. ثم ظهرت بعد ذلك الطبعة العربية الأولى من إعداد وتحقيق محمد الشعيبي الذي قدم لها بتاريخ عام 1983 م ولم يحدد سنة أو جهة النشر. وكان لظهور هذا الكتاب فضل كبير في إلقاء مزيد من الضوء على سيرة الهمداني والتعرف عليه كعالم موسوعي ملك ناصية العلم والتقنية مثلما كان مؤرخاً ولغوياً ورجل فكر وسياسة وأدب.

5)    قصيدة «الدامغة».

6)    شرح القصيدة الدامغة.

7)    كتاب «الوشى المرقوم».

8)    كتاب «المطالع والمطارح، منه نسخة في مكتبة الاسكندرية.»

أما باقي كتبه التي ذكرها في مؤلفاته أو ورد ذكرها في مؤلفات من ترجموا له ولا تزال مفقودة فهي:

9)    السير والأخبار

10)                       المسالك والممالك اليمنية

11)                       اليعسوب، في القسى والرمى والسهام والنضال

12)                       الأيام

13)                       الزيج، وكان عليه اعتماد أهل اليمن

14)                       توحيد الزيج**

15)                       القوى، في الطب والصيدلة

16)                       الحيوان

17)                       الحرث والحيلة

18)                       مفاخر اليمن ووقائعها

19)                       أخبار الإبل

20)                       أخبار الأوفياء

21)                       أسماء الشهور والأيام

22)                       ديوان شعر، ست مجلدات.

منهجه العلمي

يدين علماء الحضارة الإسلامية عموماً في تفكيرهم العام لتعاليم الإسلام الحنيف الذي رفع من شأن العلم باعتباره أساساً لفهم العلاقة السليمة بين الله والكون والإنسان، ولفت الأنظار والعقول إلى اتباع المنهج السليم في التعامل مع الكون واستقراء لغته وإشاراته، وتلمس حقائقه وأسراره، واستقصاء ننه وقوانينه، انطلاقاً من عقيدة التوحيد الإسلامي التي تشكل حجر الزاوية في رؤية الإنسان الصائبة لحقائق الحياة والفكر والوجود. فالله سبحانه وتعالى هو الحق المطلق، وهو مصدر كل الحقائق المعرفية الجزئية التي أمرنا بالبحث والاستدلال عليها من وحدة النظام بين الظواهر الطبيعية والإنسانية، باعتبارها مصدراً للثقة واليقين، وليست ظلالاً أو أشباحاً أو مصدراً للمعرفة الظنية كما نظرت إليها الثقافة اليونانية مثلاً.

والإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى يستلزم بالضرورة العقلية أن يرد الإنسان كل شئ في هذا الكون إلى الخالق الحكيم الذي أوجد هذا العالم بإرادته المباشرة المطلقة على أعلى درجة من الترتيب والنظام والجمال، وأخضعه لقوانين معينة ثابتة لا يحيد عنها، وحفظ تناسقه وتوازنه في ترابط محكم بين عوالك الكائنات وتنسيق معجز بين آحادها ومجموعاتها.

وقد شاءت إرادته تعالى أن تبين لنا من خلال نظام الكون ووحدته استمرارية المواد كأشياء وتكرار الحوادث والظاهرات كعلاقات سببية لنراقبها وندركها وننتفع بها في الحياة الواقعية بعد أن نقف على حقيقة سلوكها ونستدل بها على قدرته ووحدانيته. وليس هناك من شك في أن هذا الإطار الإسلامي لممارسة التفكير العلمي كان له أكبر الأثر في غرس روح الاطمئنان والثقة لدى الباحثين عن قوانين الله في الكون، وفي دفع مسيرة التحصيل المعرفي وفق منهج علمي متجدد بما يتناسب مع مراحل تطور العلم والحضارة17.

من ناحية أخرى، وتأسيساً على مبادئ الإسلام وتعاليمه، كان لا بد لعلماء الحضارة الإسلامية أن يميزوا لأول مرة بين قسمين رئيسيين للعلم: قسم مستند إلى الواضع الشرعي كعلوم الدين واللغة ويطلق عليها اسم «العلوم النقلية»، وقسم يهتدى إليه الإنسان بفكره كالعلوم الرياضية والطبيعية والمنطق والميتافيزيقا، وتسمى «العلوم العقلية» أو «علوم الفلسفة والحكمة»18. ومن هنا فإنهم فطنوا إلى الطريقة السليمة للتعامل مع العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان، من حيث إنه ذو فكر، وأدركوا سمة الموضوعية التي يجب أن توسم بها تلك العلوم باعتبارها عالمية لا تخضع لمعايير التصورات الذاتية، ولا تختص بوطن أو جنس أو ملة، بل يستوي في مداركهت ومباحثها أهل الملل كلهم، وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة19.

من ناحية ثالثة، مارس علماء الحضارة الإسلامية عملية التفكير العلمي وهم منتبهون إلى أهمية التكامل والربط بين فروع المعرفة المختلفة، فالإجادة لعلم ما تسهل الإجادة في علم آخر، وكلما أجاد الإنسان عدداً أكبر من العلوم كان تعلمه للعلوم الباقية أهون عليه، لأن المعرفة في حقيقتها ذات نوع واحد فقط. وفي هذه النظرة الفاحصة لحقيقة العلوم الطبيعية موضوعاً ومنهجاً يتفق علماء الحضارة الإسلامية مع ما يراه فلاسفة العلم المعاصرين من أن المظهر الخارجي للخلافات الأساسية بين العلوم ليس إلا نتيجة مضللة لاستخدامنا لغات فرعية للتعبير عن هذه العلوم20.

في ظل هذه المبادئ والرؤى الإسلامية لطبيعة البحث في العلوم الطبيعية حقق علماء الحضارة الإسلامية ما يمكن أن نسميه بلغة «توماس كون» أول «ثورة علمية» حقيقية في تاريخ العلم، ولولاها لتأخر سير الحضارة البشرية عدة قرون21 فاستند منهج البحث لديهم إلى الملاحظة والتجربة والفرض العلمي، وعبروا عن الكميات العلمية بمقاديرها كلما ساعدتهم أجهزة القياس على ذلك، وقطعوا شوطاً كبيراً في الوصول إلى التعميم الذي يضم الأشياء والحالات الجزئية المتشابهة في قانون واحد، وأجادوا ضياغة ما توصلوا إليه من معارف بدقة تتناسب مع المستوى المعرفي (الإبستمولوجي) للعلوم في عصرهم. وقد ساعدهم على ذلك ما تتميز به اللغة العربيةالتي ألفوا بها من ثراء واسع في الألفاظ ودلالات بعيدة في المعاني، فاتسع صدرها لاشتقاق الكثير من المصطلحات العلمية التي لا تزال محتفظة بأصلها العربي في اللغات الأجنبية التي ترجمت إليها.

اثرنا من هذا العرض الموجز لأهم ملامح المنهج العلمي في العصر الإسلامي أن نمهد للانتقال إلى محاولة التعرف على منهج الهمداني في مجال العلوم الطبيعية فليس أصعب على الباحث من الكتابة في الاتجاه العلمي لعالم ما ينصفه المؤرخون ولم يعطه التاريخ حقه من البحث والاستقصاء. ولسوف نجدمن خلال دراستنا لمؤلفات الهمداني الموجودة تحت أيدينا – على قلتها – أن هذا العالم الموسوعي ابن شرعي لزمانه وبيئته العلمية، شأنه في ذلك شأن علماء عصره النابهين، بصرف النظر عما ناله بعضهم من شهرة واسعة أو صيت ذائع، وما لحق ببعضهم الآخر من جحود وإهمال.

فإذا ما أردنا أن نستدل على مدى العمق الإيماني لدى الهمداني لوجدناه حريصاً على إظهاره في افتتاحيات كتبه وبين سطور مؤلفاته. مثال ذلك ما ذكره من أسباب لتأليف «كتاب الجوهرتين العتيقتين» عن الذهب والفضة، مستشهداً بما جاء بشأنهما في كتاب الله عز وجل وفي الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله خالق الخلق، وباسط الرزق، وقاسم المعيشة بين عباده بأحسن تقدير، وأتقن تدبير، فلم يغل عليه صغير، ولم يعزب عنه حقير، حتى عم الجميع بلطفه، ووسعهم بفضله، وأغناهم بحصاة من أرضه، أخرجها لهم من بين حجر ومدر، لا ينهشها الكلب ولا يبتلعها الظليم (أي ذكر النعامة)، ولا تؤذي شمّاً ولا مذاقاً، فجعل بها نظام دينهم ودنياهم، ومتزودهم إلى معادهم وأخراهم، فأحل بها الفروج، وملك بها الرقاب، ورأب بها الصدوع، وسد بها الثغور، وأرقأ بها الدماء، وفك بها الأسرى، وسير بها الحاج، وقضى بها الفروض، فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم}، وقال تعالى: {فأنذرتكم ناراً تلظّى}إلى آخر السورة… وقال تعالى: {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين}، وقال تعالى: {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا}… وقال النبي صلى الله عليه وسلم في رجل مات من أهل الصفة فوجد له ديناران: كيتان……….)22.

ولم يكن الهمداني ممن يعتقدون في صناعة التنجيم، رغم أنها حظيت باهتمام العرب سواء في الجاهلية أو بعد الإسلام، بل إنها سادت بلاد الشرق والغرب مدة طويلة من الزمن ولا يزال أثرها حتى أيامنا. وكان المنجمون – حتى بعد ظهور الإسلام – يتمتعون بقرب بعض الحكام ويتدخلون في كثير من أمور الحكم وقرارات الحرب والسلام، وكانوا يقومون بعلاج المرضى ويدعون القدرة على تشخيص أمراضهم المستعصية. لكن الهمداني كان على بينة من فساد الاعتقاد في هذه الصفة امتثالاً لقول الحق جا وعلا: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}وقوله سبحانه: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد». ولهذا لم يذهب الهمداني إلى ما ذهب إليه فلكيو السند هند من الربط بين قران الكواكب وفساد العالم أو نهايته23 فذكر في معرض حديثه عن صحة تقويم الكواكب: (…ثم الله بعد ذلك أولى إن أحب أن يديم الخراب أو يدورها مثل ذلك الدوران فله الخلق والأمر ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب)24. وهو بهذا يتمسك بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: {أولم يروأ أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} (سورة الرعد: 41).

وعندما تحدث الهمداني عن صناعة التنجيم في بعض مؤلفاته، إنما تناولها من الناحية الرياضية وطرق الحساب الفلكية التي يحتاجها المنجمون، وجرب صحة بعض الآراء الفلكية على نفسه فيما يعرفه من تاريخ حياته مثل يوم مولده وفترة سجنه ومحنته التي أشرنا إليها من قبل في سياق حديثنا عن أصله ونشأته25.

وتدلنا مؤلفات الهمداني على الأسلوب العلمي الذي اتبعه في تحصيل معارفه، حيث عكف في البداية – كغيره من علماء المسلمي – على دراسة مؤلفات من سبقوه، ووقف على أوجه الاتفاق والاختلاف بينها، ثم احتكم إلى الاختيار والرصد والحساب والقياس، وانتهى إلى رأي يرجح صوابه، ولا يستبعد أن يستدرك في نتائجه على طول الزمان مثلما استدرك هو على غيره. يقول الهمداني في المقالة العاشرة: (….. ولما رأينا ذلك من اختلافهم وضاقت أيامنا عن الاعتبار برصد بعد رصد، وكنا نرى اقتران الكواكب المتميزة مع الكواكب الثابتة لا ينتظم في زيج بعينه ولا يخالف الدهر في زيج بعينه، جردنا العناية وأعملنا الفحص برهة من الدهر في طلب ما يؤدي الصواب مما اتفقت عليه الحكماء فوجدنا ما يوافق التجربة ويصدق الاعتبار ويصح على الامتحان أوساط السند هند من غير زيادة فيها ولا نقص مع استلحاق تعديل أبعاد الكواكب من الأرض…)26

وعندما يفند الهمداني آراء السابقين ويرى في بعضها رأياً مخالفاً، فإنه يحتكم إلى التجربة العلمية ولا يحيد عن الروح الإسلامية للتفكير السليم.

مثال ذلك: ما جاء في كتابه «الجوهرتان العتيقتان» عن نشأة الذهب: (…وقال بعض الحكماء: يكون الذهب أول ما ينشأ أبيض ثم تطبخه الأرض وتلك البخارات المتجددة عليه فيأخذ اللون في أدوار من الزمان كثيرة، فكيفما عتق كان أكثر لحمرته وأقل لفضته. وليس الأمر كما ذهبوا إليه ولكنه يتكون بتقدير العزيز العليم أحمر ويخالطه من جنس الفضة شئ يكثر ويقل على قدر طباع تلك الأرض فإن كانت مفرطة الحرارة قلت فيه الوضوحية وإن مازجه شئ من البرودة كان فيه وضوحة كثيرة من تبر الهجيرة وتبربيشة من أرض نجد…)27.

وفي مجال التأليف يسلك الهمداني مسلكياً علمياً يدعو إلى الإعجاب والتقدير، سواء بالنسبة لموضوعات الكتب أو بالنسبة لتبويبها وتصنيفها. ويكفي أن نشير هنا لما ذكره هو عن فلسفته في تأليف «ثلاثية» ذات معنى حيث يقول: (فقد بوبنا عن الأرض كتاب «الحرث والحيلة» وعن الحيوان كتاب«الإبل» ولم نحب أن نخل بأعظمها خطراً وأعتقها جوهراً)28– يقصد النقد وتبويبه لكتاب «الجوهرتين العتيقتين» – (قال الهمداني: المال ثلاثة أموال متباينة الأشكال: أرض وحيوان ونقد بقول العرب بينهم: حال خبط أي أرض، ولفلان مال لا يرى طرفه أي ماشية ونعم كثير، ومال فلان معدن، ويقال أتيته سروح الأموال وشروح المال ومراح الأموال أي الحيوان)29.

وهكذا نرى أن الهمداني ينتمي بكل فخر وشموخ إلى جيل الرواد من علماء القرنين الثالث والرابع الهجريين (التاسع والعاشر الميلاديين) الذين تبلورت على أيديهم ملامح وأصول المنهج العلمي التجريببي واصطنعوه طريقة للتفكير العلمي بحثاً وتأليفاً في مجال العلوم الطبيعية، فكان من أهم الأسس التي قامت عليها النهضة العلمية في العصر الإسلامي، ثم قامت عليها حضارة أوروبا وحضارة العالم المعاصر بعد ذلك. ذلك أن علماء أوروبا قد اكتشفوا، بعد أن نقلت إليهم العلوم الإسلامية واستوعبوها، أن سر تقدم المسلمين يكمن في اتباع أسلوب علمي سليم واستخدام آلات وأجهزة في الكشف عن ظواهر الطبيعة وكان «روجر بيكون» من أوائل الذين تأثروا بالاتجاه العلمي التجريبي عند علماء الحضارة الإسلامية، فقد درس اللغة العربية والتراث العربي في مدرسة أكسفورد، ودعا إلى الاستفادة من هذا التراث بقوله: (إنه باتباع المنهج التجريبي الذي كان له الفضل في تقديم العرب، يصبح بالإمكان اختراع آلات جديدة تيسر التفوق عليهم، ففي الإمكان إيجاد آلات تمخر عباب البحر دون مجداف يحركها،وصنع عربات تتحرك بدون دواب الجر، وإيجاد آلات طائرة يستطيع المرء أن يجلس فيها ويدير شيئاً تخفق به أجنحة صناعية في الهواء مثل أجنحة الطير)30. وقد تكررت أسماء العديد من علماء المسلمين وأفكارهم العلمية في كتاب روجر بيكون المعروف باسم «الكتاب الكبير»Opus Majus31.

وتؤكد هذه الحقائق التاريخية بهتان ما يذهب إليه مؤرخوا الغرب والمشايعون لهم من أن «فرنسيس بيكون» هو أول من أسس قواعد المنهج التجريبي في القرن السابع عشر الميلادي عندما وضع كتابه المشهور «الأورجانون» القديم.

فقد كان جابر بن حيان والحسن الهمداني وأبو عبدالله البتاني وأبوبكر الرازي وأبوالريحان البيروني وأبوالوفاء البوزجاني وعبدالرحمن الصوفي وثابت بن قرة والحسن بن الهيثم وغيرهم من أعلام الحضارة الإسلامية الزاهرة هم الذين حملوا مشعل الحضارة إلى الدنيا كلها. فلم يكن لروجر بيكون ولا لسميه الذي جاء بعده فرنسيس بيكون – فيما يقول المؤرخ «بريفولت» في كتابه عن «بناة الإنسانية» – الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي. وليس روجر بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوروبا المسيحية، ولقد كان المنهج العلمي أهم ما جاءت به الحضارة العربية الإسلامية إلى العالم الحديث32.

مآثره في مجال العلوم الطبيعية:

(أ‌)    علوم الفلك والرياضيات:

من المعروف أن علوم الفلك والرياضيات وثيقة الصلة ببعضها البعض. وقد كان يطلق على علوم الفلك قديماً اسم «علم الهيئة» الذي عرفه ابن خلدون بأنه (علم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيرة. ومن فروعه علم الأزياج، وهو صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يختص كل كوكب عن طريق حركته، وما أدى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة وبطء واستقامة ورجوع وغير ذلك مما يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فُرِض من قِبَل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة. ولهذه الصناعة قوانين في معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية وأصول متقررة في معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض يضعونها في جداول مرتبة تسهيلاً على المتعلمين وتسمى الأزياج ويسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلاً وتقويماً وللناس فيه تآليف كثيرة للمتقدمين والمتأخرين)33.

وعندئذ يكفي أن نعلم أن للهمداني «زيجا» معروفاً باسمه وكان عليه اعتماد أهل اليمن – فيما يقول القفطي – حتى نضعه في مصاف علماء الفلك البارزين من أمثال أصحاب الأزياج المعروفة كالبتاني والخوارزمي وابن حبش والبوزجاني وابن يونس وغيرهم.

وإذا كان زيج الهمداني لا يزال مفقوداً مع مقالات موسوعته الفلكية التسعة والعشرين من كتابه «سرائر الحكمة»، إلا أن القراءة المتأنية للمقالة العاشرة التي عُثر عليها حديثاً تكشف لنا عن إحاطة الهمداني بمختلف القضايا والمسائل العلمية المتداولة في عصره، ومشاركته الفعالة في مناقشتها والتمهيد لحل الكثير منها. فقد تحدث عن زاوية الميل الأعظم بين المستوى المار بخط الاستواء الأرضي والمستوى المار بمدار الأرض حول الشمس، وظهرت أثناء ذلك درايته الفائقة بهيئة الكرة السماوية ودوائرها، وأسهب في شرح مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، وطريقة تحديد النقطة الموجودة على خط الاستواء السماوي عندما تشرق في نفس اللحظة مع نقطة معينة على دائرة البروج34. كذلك عرض الهمداني لاختلاف قياسات أوج الشمس وناقش أنواع الأخطاء التي تقع بين علماء الفلك في أرصادهم، وتناول التقاويم المختلفة عند العرب والروم والفرس والقبط، وبحث في تعديل الكواكب وتصحيح الفرق بين مساراتها وحركاتها الظاهرية المنتظمة وبين حركاتها الحقيقية التي تختلف من موضع لآخر في المدار. ومن المعروف أن فهم هذه المسائل الفلكية يتطلب مهارة عالية في استخدام علوم الرياضيات والهندسة، وخاصة بعض نظريات حساب المثلثات الكروية35. كما يحتاج المشتغلون بهذه الصناعة إلى معرفة جيدة بأجهزة الرصد والقياس، فقد ذكر الهمداني أسماء الاسطرلاب المختلفة مثل ذات الحلَق وذات الصفائح والبيضة (الكرة السماوية) وغيرها36.

كذلك حقق الهمداني خطوة هامة غير مسبوقة في مجال «فلسفة العلم والتقنية»، وذلك عندما ربط بين مصطلحات علمية من الفلك والهندسة وعلم العدد وتقنية المواد لتعليل تدوير الدينار والدرهم. يقول الهمداني: «كان أحسن الأشياء عندهم في الدينار والدرهم الاجتماع، وكان أحسن الاجتماع الكرّى، فلما كانت حبة الدينار والدرهم يصغر كُريُّها ولا يسع من العلامات إلا مالا بال له جعلوها بمنزلة البيضة التي هي على صورة الفلك وهي أسطرلاب البيضة فاخترعوا منها بسيط المدوَّر كما اخترعت ذات الصفائح من بيضة ذات الحَلَق فصار الدينار والدرهم على مساحة الفلك في التدوير ولا خلل في المدوَّر وهو أصل المساحات لأن المربع مخترعٌ منه لأن كل مربع تختلف زواياه إلا أن يقع على مدوَّر. وهذه صورة ذلك.

وكذلك التثليث والتخميس والتسبيع والتثمين وسائر الأشكال التي لا يضمها على الصحَّة إلا التدوير، وذلك أن المدوَّر مشبه من الأعداد بالواحد الذي هو قائم بنفسه.

وكل عدد إنما أصله الواحد ثم يُثَنَّى ثم يُثلَّث ويربَّع ويضاعف إلى ما لا نهاية له. فصار الصدر من الاثنين وهما ضعف الواحد والمثلث من ثلاثة أمثاله والمربع من أضعاف أضعافه والمسدس من أضعاف تثليثه والمثمن من أضعاف تربيعه»37.

كما تظهر دقة العالم المجرب من شرحه التفصيلي لطريقة تحديد مركز السكة على الصحة كيلا تميل دائرة الدينار في الحديد فتميل في الطبع، فيقول: «من ذلك أن يُدار بردُ وجه الحديد حتى لا يكون فيه ختن ولا حرف، ثم أخذ بالبِرجَال ويسمى البَرْكار والفَرْكار بالعجمية وبَرْجال مُعرَّب – نصف قطر وجه الحديد، فإذا أخذ على الاستواء ضم فيه قليلاً أو فتح. ثم ألزم أحد نابيه شفا الحديد وخطر بالناب الثاني وسط الحديد، ثم فعل مثل ذلك فيخرج له موضع المركز مربعاً فركز في وسط التربيع.. وهذه صورتا الضمة ودائرة الفتحة»38.

(ب‌)علوم الأرض (الجغرافيا والجيولوجيا)

يمكن تقسيم العلوم القديمة التي تعنى بدراسة الكرة الأرضية إلى علمين رئيسيين هما: علم دراسة سطح الكرة الأرضية، أو الجغرافيا، وعلم دراسة باطن الكرة الأرضية أو الجيولوجيا. وقد كتب علماء الحضارة الإسلامية في علوم الأرض بقسميها، وحظى علم الجغرافيا بنصيب أوفر لارتباطه في فروعه المختلفة باتساع رقعة الدولة الإسلامية والحاجة إلى تحديد أماكنها ورسم خرائطها، واعتمد على الرحلات إلى الأقطار والبلدان المختلفة وراسة تضاريسها ووديانها وأنهارها وخلجانها وحدودها وجبالها وسهولها ومشاهدة عادات سكانها ومعتقداتهم وثرواتهم ومواصلاتهم، والتعرف على مناخ تلك البلاد ومواقع مدنها الكبرى وأهميتها من مختلف النواحي الاقتصادية والصناعية والاستراتيجية، ثم تدوين ذلك كله بعد تحليله على أساس علمي سليم في ضوء أبحاث القدماء واستقصاء معلوماتهم من كتبهم. كما تميز الجغرافيون في الحضارة الإسلامية بنظرتهم العلمية الوافعية لمختلف الموضوعات الجغرافية، مثال ذلك معالجتهم لتأثير الضوابط البيئية والعوامل الجغرافية على حياة الناس وأفكارهم وسلوكهم ومحاولة الربط بين البيئة والنشاط البشري، مما جعل بعض الباحثين يشهد لهم بفضل السبق في تناول مبادئ الجغرافيا البشرية الحديثة 39. وقد ظهرت مصنفات المسلمين في كل هذه المجالات تحت اسم تقويم البلدان أو المسالك والممالك.

ويعتبر الهمداني من أهم الذين أثروا التراث الإسلامي بمؤلفات جغرافية تمثل مرحلة النضج والاستقلال في تاريخ البحث الجغرافي. فقد تعرض في كتابه «صفة جزيرة العرب» لنظرية الفصول وقال رأياً مخالفاً لبطليموس عن لون جلد سكان المناطق الاستوائية وعن تقسيم العالم إلى أكثر من سبعة أقاليم. واعتمد الهمداني في تقريراته على ملاحظاته الشخصية وآرائه الشخصية مع اعتبار آراء السابقين ونقدها بموضوعية. ويقيم المتخصصون كتاب «الصفة» على أنه كتاب جيد في الجغرافيا الوصفية والأدب الجغرافي، وهو يتضمن دراسة موضوعية عن خصائص الأرض ومظاهر الطبيعة في جزيرة العرب، وعن الناس وفرص الحياة في الحضر والبادية. كما يتضمن دراسة عن موارد الثروة الحيوانية والمعدنية. ويصور هذا الكتاب مدى اعتماد مؤلفه على الرحلة الميدانية في أنحاء الجزيرة العربية لإعداده، كما يجسد مدى حسن استخدام البيانات التي صورت الواقع الجغرافي تصويراً مقبولاً في ذلك الوقت المبكر. ويأخذ البعض على الهمداني أنه خلط في هذا الكتاب بين الجغرافيا والتاريخ والأدب، ولكن هذا النمط من التأليف كان سائداً في ذلك الوقت ولا يمثل ذلك الخلط أي شكل من أشكال الشرود الذي يفسد الكتابة عن الواقع الجغرافي وتسجيل الحقيقة الجغرافية40.

وللهمداني كتابات جغرافية أخرى في كتبه «الإكليل» و«سرائر الحكمة» و«الجوهرتين العتيقتين»، وقد سبق أن ذكرنا كيف أمكن الاستدلال على تاريخ مولده من خلال كتاباته التي وردت في المقالة العاشرة من سرائر الحكمة.

أما في مجال الجيولوجيا فقد سرد الهمداني في كتاب الجوهرتين العتيقتين مناجم الذهب والفضة المعروفة في جزيرة العرب وبلاد الأعاجم وأرض النوبة والحبشة واهتم بوصف مناجم اليمن وتهامة ونجد. وبفضل هذه المعلومات الجيولوجية اهتدت بعثة للمسح الجيوفيزيائي لمعرفة موارد اليمن المعدنية والبترولية إلى اكتشاف العديد من المناجم الهامة في أرض اليمن حديثاً41. ويعتبر كتاب الجوهرتين دليلاً لتاريخ علم المعادن والتعدين دونته يد مؤرخ وعالم له دراسة أكيدة بالتطبيقات العملية، ولو لم يكن هذا الكتاب مفقوداً في عصر البيروني لعاد إليه في «الجماهير في معرفة الجواهر»، وخاصة في الباب الخاص بالذهب وأخباره ومواطنه، ومعروف من هو البيروني أمانة وسعة اطلاع42.

ومن الجدير بالذكر أن المعلومات التي تنتمي إلى علم الجيولوجيا كما نعرفه اليوم بفروعه العديدة كانت تأتي في المؤلفات العربية الإسلامية متناثرة في كتب التاريخ والجغرافيا والمعادن والعلوم الطبيعية الأخرى. ويؤمل أن نجد للهمداني نصيباً أكبر من هذه المعلومات عندما يعثر على باقي مؤلفاته.

(ج) علوم الكيمياء وتقنياتها:

تاريخ الكيمياء في العالم القديم يكتنفه الغموض ولا نعلم منه إلا ما كشفت عنه دراسات العلماء المعاصرين وبحوثهم التي أجروها على بعض المصنوعات والآثار الباقية من عصور الحضارات الرائدة. وقد ظهر عبر هذا التاريخ القديم نوع من الكيمياء الخرافية عرفت باسم الصنعة وسيطرت على المشتغلين بها فكرة إمكانية تحويل المعادن الخسيسة كالنحاس والرصاص والحديد والقصدير إلى معادن نفيسة كالذهب والفضة، وحلم المهتمون بهذه الصنعة باكتشاف أكسير الحياة الذي يطيل العمر ويعيد الشباب، وبقيت هذه الصنعة الفاشلة شغل الناس طوال العصور القديمة، وسرى تيارها إلى بعض علماء العرب في العصور الوسطى وبعض الكيميائيين الأوروبيين فيما بعد، وتاجر بها المحتالون والمشعوذون مستغلين ضعف العامة وأنصاف المتعلمين أمام إغراءات الثراء والسعادة والصحة وطول العمر.

وأكثر ما ورثه علماء الحضارة الإسلامية في الكيمياء نظريتان. أما النظرية الأولى فتنسب إلى أنباذ وقليس اليوناني في القرن الخامس قبل الميلاد وتقضي بأن الوجود مؤلف من عناصر أربعة هي التراب والماء والنار والهواء، ولكل عنصر صفاته الثابتة المميزة له فهو لا يتبدل ولا يندثر ولا يستحيل إلى عنصر آخر. والأجسام تتألف من العناصر الأربعة بالتحلل والتركيب وبالظهور والكمون. بمعنى أن عدداً من صفات العناصر الأربعة يظهر في بعض الأجسام ويختفي في بعضها الآخر. وأما النظرية الأخرى فتنسب إلى ديموقريطوس اليوناني أيضاً في القرن الرابع قبل الميلاد وتقضي بتكون الأجسام من ذرات لا تتجزأ. والذرات كلها متجانسة من جهة النوع ولكنها مختلفة في الحجم والشكل والموضوع والترتيب وتوجد في حالة حركة ذاتية لا تنقطع.

ونظراً لشهرة أرسطو فإن اعتناقه لنظرية العناصر الأربعة ساعد على انتشارها ورواجها، بينما أدى رفضه للنظرية الذرية رغم صحتها إلى تأخر تطورها. وظلت رسالة أرسطو في الكيمياء مرجعاً لكل من جاء بعده واعتنق فلسفته، ففيها يحدد مهمة الكيميائي ويطلب منه أن يجعل نفسه في مقام الطبيعة فيعرف بالقوة المنطقية ما دخل على كل جسم من الحر والبرد والرطوبة واليبوسة. وأوضح أرسطو أن تكون المواد الأرضية من العناصر الأربعة يتم بتأثير الحرارة الناتجة عن حركة الكواكب والأجرام السماوية، وما اختلاف المعادن عن بعضها إلا نتيجة لاختلاف نسب العناصر الأربعة فيها واختلاف تأثير الكواكب عليها. والذهب هو أنقى هذه المعادن لأنه يتكون من النسب المثالية لخلط العناصر الأربعة. لذلك فإنه بالإمكان تقليد الطبيعة وحاكاتها بالحصول على الذهب من المعادن الخسيسة بوسائل صناعية تعمل على استعادة النسب المثالية للعناصر النفيسة. ومن هنا لجأ أصحاب الصنعة إلى البحث عن الأكسير اللازم لتنشيط عملية التحويل التي تتم في الطبيعة ببطء شديد وتوارثت الأجيال البحث عن الأكسير أو حجر الحكمة أو سر النسب المثالية للعناصر الأربعة في المعادن النفيسة. وبدأوا بالكبريت كعنصر حار يابس والزئبق كعنصر بارد رطب وخلطوهما بكل النسب المحتملة، لكنهم لم يحصلوا منهما على ذهب، وفي نفس الوقت لم يفقدوا الأمل في مواصلة البحث حتى إبان العصر الذهبي للحضارة الإسلامية الذي تدين له الكيمياء بتطورها وانتقالها من طور صنعة الذهب الخرافية إلى العلم التجريبي في المختبرات.

ومن الطبيعي أن تكون نظرية العناصر الأربعة هي أول ما يشد علماء العرب ويجذب انتباههم بعد تبني أرسطو لها، فتلقفوها وتناولوها بالدراسة والبحث، ثم بدأوا في نقدها واختلفت آراؤهم حولها بين مؤيد ومحايد ومعارض. أما المؤيدون الذين كان اعتقادهم قوياً بإمكانية تحول المعادن الخسيسة إلى ذهب وفضة فنذكر منهم جابر بن حيان وأبا بكر الرازي، وإن كان فضلهما في وضع أصول المنهج التجريبي للكيمياء واضح وجلي كما هو مثبت في مؤلفاتهما العديدة التي نهل منها علماء الغرب واعتمدوا عليها في تطوير فروع علم الكيمياء الحديثة. وأما المحايدون الذين وقفوا أمام النظرية معجبين بالشكل والصياغة ولكنهم حكّموا التجربة فوجدوا تحقيق النظرية أمراً مستحيلاً، فنذكر منهم ابن سينا وأبا الريحان البيروني. وأما المعارضون لنظرية الأخلاط الأربعة شكلاً ومضموناً منذ اللحظة الأولى فنذكر منهم يعقوب الكندي والحسن الهمداني، وكان لآراء أمثالهما أكبر الأثر في اضمحلال تأثير تلك النظرية وتلاشي اتباعها شيئاً فشيئا.

وكان الرد العملي على كل هذه النظريات البراقة هو ما قام به الهمداني من تأليف كتاب الجوهرتين العتيقتين الذي ضمنه دراسة تفصيلية لكل المعادن المعروفة في عصره من حيث خاماتها وطرق تنقيتها وفحص خواصها الطبيعية والكيميائية، ولم يفكر أبداً في تحضير الأكسير أو حجر الفلاسفة الذين راودوا أحلام أهل الصنعة. وخصص الهمداني من كتابه هذا جزءاً كبيراً لمعالجة عمليات استخراج الذهب والفضة وتنقيتهما من الشوائب، وشرح خطوات هذه العملية من جميع النواحي النظرية والعملية والتقنية، ابتداءً من الحصول على الخام من منجمه وانتهاءً بصب قوالب الذهب أو الفضة الخالصتين وإيضاح استخدامهما في صناعة الحلي وترصيع التيجان وتزيين صفحات القرآن الكريم وأغراض الطلاء وغيرها. كذلك قدم وصفاً تفصيلياً لعملية الطبخ وعملية التملغم بالزئبق وعمليات الاتحاد الكيميائي لفصل الشوائب وخواص الأجهزة والأدوات المستخدمة وطرق تصنيعها أو تركيبها. كما استخدم الميزان في التقديرات الكمية. وامتد اهتمامه في مجال الكيمياء والتعدين إلى صناعة السبائك ومعالجة المعادن الأخرى غير الذهب والفضة، كمعالجة الحديد الخام والحصول على الفولاذ اللازم لصناعة السيوف وبعض أنواع الأسلحة.

وتعرض الهمداني لمجال الكيمياء الطبية وخصص باباً في كتاب الجوهرتين لبيان منافع الذهب والفضة وما يتولد منهما في فنون الطب، ذكر فيه أن «تراب الذهب الذي خالطه الزئبق وطحن طحنة واثنتين يؤخذ منه الشئ فيطلى منه الجرب فيأكله ويأكل قملته بما فيه اليبس ورايحة الزئبق، وكذلك الزئبق إذا قتل بالرماد والسليط ودهن به الرأس ذهب بقمله. وخبث الفضة يذهب بضُنان الإبط، وقد يدخل خبث الفضة في المراهم التي تختم القروح وهو قابض جذاب ليبسه، والزنجار وهو متولد بين النحاس وخل الخمر يدخل في أدوية كثيرة في الأكحال والأصباغ، وزهرة النحاس قابصة تنقص اللحم الزائدة وتجلو غشاوة البصر ولكنها تلذع فيه لذعاً شديداً وتذيب اللحم الزائد في باطن الأنف، وتحلل ورم اللهاء والنغانغ إذا يحنك بها مع العسل. وقد يستعمل من خبث الرصاص أقراص قابضة…43.

كما تطرق الهمداني إلى ذكر معلومات قيمة عن علاقة الكيمياء بالطب وتأثير الأبخرة المنبعثة أثناء عمليات الطبخ والتعدين على مختلف الجسم، ولم يفته أن يوضح طرق الوقاية أو العلاج منها. فهو يقول على سبيل المثال: «أما رائحة دواء الذهب وبخاره إذا خرج من التنور فإنه ييبس الخواشيم ويستدعى الرعاف وييبس العصب ويفلق الجلد ويعمل في الدماغ، ولذلك أصحاب الطباخ يغطون على آنافهم… ويستعان على بخار دواء الذهب بدهن البنفسج والدهن والشمع وأكل الأشياء اللينة»44.

وقد سبق أن ذكرنا أن للهمداني كتاباً مفقوداً في الطب والصيدلة أسماه «القوى».

(د) العلوم الفيزيائية:

يدين علماء الفيزياء بتسميته ونشأته لعلماء اليونان، لكن علماء الحضارة الإسلامية يرجع إليهم الفضل الأكبر في حفظ ذلك التراث اليوناني بترجمته ونقله، ثم في شرح هذا التراث وإيضاحه وتهذيبه والتعريف به، وأخيراً فيما أضافوه من زيادات هامة وابتكارات أصيلة توصلوا إليها بالبحث والتجربة وفق منهج علمي سليم، فأسدوا للبشرية بذلك خدمات لا تقل عن خدمات علماء أوربا في عصر النهضة، بل إنها كانت الأساس السليم الذي قام عليه بناء الحضارة البشرية المعاصرة.

وسوف نقصر حديثنا في هذه الدراسة على جزئية هامة من علم الفيزياء تتعلق بسبق المسلمين إلى اكتشاف فكرة الجاذبية التي تنسب إلى نيوتن وحده رغم اعترافه بأنه اعتمد على آراء ونتائج الكثير ممن سبقوه. وقانون الجذب العام لنيوتن كما نعرفه اليوم يشرح حركة الكواكب في مسارات دائرية تقريباً حول الشمس بفرض أن جذب الشمس وكواكبها هو السبب في تلك الحركة الدائرية، كما أن تطبيق هذا القانون صحيح على كل الأجسام الموجودة في الكون في حدود معينة. وينص هذا القانون على أن كل جسم في الكون يجذب أي جسم آخر بقوة تناسبه طردياً مع حاصل ضرب كتلتي الجسمين وعكسياً مع مربع المسافة بينهما، ويعرف ثابت لاتناسب بثابت الجاذبية العام.

ونظراً لأن عملية إحياء التراث الإسلامي لم تنشط إلا منذ عهد قريب نسبياً، فإن كثيراً من النظريات العلمية ظلت منفصلة عن أصولها وجذورها الضاربة في أعماق التاريخ إلى أن هيأ الله لها من يكشف عن حقيقتها وأسرارها. واستطاع الباحثون في تراثنا الإسلامي أن يثبتوا مآثر عدد من علماء المسلمين في بلورة أسس علم الميكانيكا ومفهوم الجاذبية، نذكر منهم ما قاله البيروني في رده على المعترضين على دوران الأرض حول نفسها والمعتقدين بأن الأرض لو دارت لطارت من فوق سطحها الأحجار واقتلعت الأشجار، فأكد أن الأرض تجذب ما فوقها نحو مركزها. فقد جاء في كتابه «القانون المسعودي» أن «الناس على الأرض منتصبوا القامات على استقامة أقطار الكرة، وعليها أيضاً نزول الأثقال إلى أسفل». كما أن أبا الفتح عبدالرحمن المنصور الخازني من علماء القرن الثاني عشر الميلادي، والمعروف «بالخازن» عرف أن الأجسام الساقطة تنجذب في سقوطها نحو مركز الأرض وفطن الإمام الرازي إلى تعميم فكرة الجاذبية على جميع الأجسام الموجودة في الكون وذلك عندما تحدث عن انجذاب الجسم إلى مجاوره الأبعد45.

ومرة أخرى نقول: لو لم يكن كتاب الجوهرتين العتيقتين للهمداني مفقوداً في عصر البيروني والخازن والإمام الرازي لنسب إليه الفضل الأول في فهم تأثير الجاذبية فهماً علمياً سليماً، يختلف عن فهم أرسطو القائم على الوحشة الطبيعية التي تدفع بالأجسام نحو الأرض مثلما يدفع الحنين طفلاً إلى أمه، ويتفق مع المفهوم السائد حالياً، وذلك بنص قوله: «فمن كان تحتها – أي الأرض – فهو في الثبات في قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليه. فهي بمنزلة حجر المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب. فأما ما كان فوقه فإن قوته وقوة الأرض تجتمعان على جذبه وما دار به فالأرض أغلب عليه بالجذب»46.

والكشف عن هذا النص للهمداني لا يقلل أبداً من شأن البيروني والخازن والإمام الرازي وغيرهم، ولكنه يؤكد سلامة منهجهم ويعزز وجهة نظرهم ويزيد من فارق سبقهم على إسحق نيوتن قرناً من الزمان.

خاتمة:

لقد حاولنا من خلال هذه الدراسة المتواضعة أن نلقي بعض الضوء على أحد علماء الحضارة الإسلامية الموسوعيين الذين لم ينصفهم المؤرخون حق الإنصاف، أو ركزوا على جانب من عبقريتهم العلمية دون الاهتمام بالجوانب الأخرى وإذا كانت هذه الدراسة قد أظهرت سبق الهمداني إلى الكثير من الآراء والنظريات العلمية في مجال فلسفة العلوم ومناهج البحث العلمي وعلوم الكيمياء والفلك والرياضيات والجيولوجيا والفيزياء، في ضوء ما هو معروف من مؤلفاته، فإننا نرجو أن يكون هذا منطلقاً لمزيد من الدراسات التي نقوم بها مستقبلاً بإذن الله، أو يقوم بها غيرنا من أجل صياغة ترجمة متكاملة لهذا العالم المسلم الكبير، وتكثيف الجهود للبحث عن مؤلفاته المفقودة، فإن الحصول عليها خيراً كثيراً.

الهوامش

1)    لاحظنا أن البعض يخلط في التسمية والنسب بين قبيلة هَمْذان اليمنية وبين مدينة هَمَدَان الفارسية (انظر على سبيل المثال: د. حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، الجزء الأول، الطبعة التاسعة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1979، ص 596). ولذا لزم التنويه.

2)    راجع في ذلك على سبيل المثال: مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد 26، الجزء الثاني، الكويت، رمضان 1403هـ / يوليو – ديسمبر 1982م، ص709. وأيضاً: الجغرافيا العربية في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (الثالث والرابع الهجريين)، تأليف س. م. ضياء الدين علوي، تعريب وتحقيق د. عبدالله يوسف الغنيم ود. طه محمد جاد، جامعة الكويت، الكويت 1980م، ص 91.

3)    د. يوسف محمد عبدالله، ترجمة الهمداني، مجلة الإكليل، العدد الأول، السنة الثانية، وزارة الإعلام والثقافة، صنعاء، صيف 1402هـ / 1982م، ص 55.

4)    كتاب «المقالة العاشرة من سرائر الحكمة» للسان اليمن أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني، نسخه وعلق عليه محمد بن علي بن الحسين الأكواع الحوالي، ص 96. وهو بدون تاريخ، إلا أن المقدمة (ص 15) والخاتمة (ص 126) تشير إلى الفراغ من نسخه في شهر إبريل سنة 1978م.

5)    نفس المرجع السابق ملحق المقدمة، ص19. وقد ذكر أن السبب في عدم معرفة تاريخ مولد الهمداني قبل ذلك يرجع إلى عدو وقوف المؤرخين عليه ممن تقدمهم، أو على تلك المقالة العاشرة التي رمزت إلى مولده وحبسه ومحنته، ولم يفهم المؤرخون هذه الرموز، أو ظنوا أنه عنى بها غيره.

6)    راجع في ذلك: د. يوسف محمد عبدالله، المصدر السابق.

7)    تسنى للهمداني أن يتلقى العلم في مكة عن بعض علماء البلدان الإسلامية الوافدين لأداء فريضة الحج أو للمجاورة، مثل الخضر بن داود الذي ذكره الهمداني في «شرح قصيدة الدامغة» وأبي علي الهجري الذي أشار إلى الهمداني في «النوادر والتعليقات» وغيرهما. رراجع: د. يوسف محمد عبدالله، المرجع السابق.

8)    ذكر الهمداني في مؤلفاته أسماء الكثير من علماء عصره مثل أبي عصمة وحبش ومحمد أبي عمر وأبي معشر وغيرهم، كما ذكر اسم «وردان» على أنه أعلم من دخل اليمن من أهل العراق (انظر المقالة العاشرة، ص88، 89، 101).

9)    د. يوسف محمد عبدالله، المصدر السابق، ص59. وقد كان مألوفاً في ذلك العهد أن يبدأ العلماء دراستهم على أيدي من سبقوهم من العلماء الثقات، فقد أخذ الدينوري (المتوفي عام 895م) كثيراً عن ابن السكيت وابنه ودرس على علماء الكوفة والبصرة، وقرأ البوزجاني (940 – 998م) على عمه المعروف بأبي عمر المغازلي، وقرأ ثابت بن قرة (835 – 900م) على محمد بن موسى بن شاكر، وتدرب البيروني (973 – 1048م) على يد أستاذه أبي نصر منصور بن علي بن عراق.. وغير هؤلاء كثير.

10)                      المقالة العاشرة من سرائر الحكمة، المقدمة ص21.

11)                      تنسب الترجمة الأولى لكتابي «أصول الهندسة» و«المجسطى» إلى الحجاج بن يوسف بن مطر (786 – 835م)، تنسب إلى حنين بن إسحق (810 – 873م) ترجمة كتاب «الأدوية المفردة» وكتاب «البرهان» الذي قال عنه: انني جبت في طلبه أرجاء العراق وسوريا وفلسطين ومصر ولم أظفر إلا بما يقرب من نصفه في دمشق. أما كتاب «السند هند» فهو من أوائل الكتب القديمة التي ترجمت في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور الذي تولى الخلافة من عام 754م حتى وفاته عام 775م، حيث طلب من عالم هندي جاءه ضمن وفد زار بغداد عام 771م أن يملي خلاصة لكتاب السند هند بالعربية، ثم أمر أبا اسحق إبراهيم بن حبيب الفزارى (المتوفي عام 796م) بأن يستخرج منه كتاباً تتخذه العرب أصلاً في حساب حركات الكواكب وما يتعلق بها. وتجدر الإشارة إلى أن الكتب القديمة عموماً كانت تترجم وتنقل بأكثر من مترجم، ولهذا كانت النسخ مختلفة باختلاف المترجمين، بل إنها كانت أحياناً تختلف لدى المترجم نفسه مثلما فعل الحجاج بن يوسف بن مطر عندما نقل كتاب «أصول الهندسة» لإقليدس مرتين: الهاروني (نسبة إلى هارون الرشيد وفي أيامه) ثم المأموني (نسبة إلى المأمون وفي أيامه).

12)                      انظر دراسة المستشرق السويدي كريستوفر تول بعنوان “AL-Hamdani as a scholar”ضمن أعمال الندوة العالمية في الذكرى الألفية للهمداني في الفترة من 19 – 25/10/1981 بجامعة صنعاء، الجمهورية العربية اليمنية.

13)                      ابن القفطي، أخبار الحكماء، ص113، طبعة دار الآثار، بيروت (بدون تاريخ).

14)                      ورد هذا النص لمحمد بن نشوان بن سعد الحميري المتوفي في أوائل القرن السابع الهجري في مقدمة الجزء الأول من الإكليل ص81 في معرض مدحه للهمداني ومدح كتبه (انظر: المقالة العاشرة من سرائر الحكمة، المقدمة ص7)، وقد أخذنا النص المذكور من كلمة د. يوسف محمد عبدالله في افتتاح ندوة الهمداني بجامعة صنعاء في 19/10/1981.

15)                      اهتم عدد من المحققين المعاصرين بإعادة صياغة ترجمة الهمداني وتقييم مسار حياته ودراسة سيرته، من بينهم محمد بن علي الأكوع وحمد الجاسر ويوسف محمد عبدالله ومحمود إبراهيم الصغيري ومحمد محمد الشعيبي والمستشرق السويدي كريستوفر تول، كما كتب «أوسكار لوفجرن» مادة الهمداني في دائرة المعارف الإسلامية.

16)                      أتيح لصاحب هذه الدراسة أن يحضر هذه الندوة وأن يطلع على أعمالها، وخاصة فيما يتعلق بالآراء والنظريات العلمية للهمداني ودورها في بلورة أصول المنهج العلمي التجريبي للعلوم الطبيعية في عصر النهضة الإسلامية. وقد شارك بسلسلة من المقالات عن «دور العرب في تقدم العلوم والتكنولوجيا» نشرتها جريدة الثورة اليمنية خلال فترة الندوة وأشار فيها إلى أن لسان اليمن يستحق بأن يلقب أيضاً «بعقل اليمن» لما له من دور بارز في إثراء العلوم العقلية في عصره (راجع: د. أحمد فؤاد باشا، التراث العلمي للحضارة الإسلامية، ط2، ص153 وما بعدها، القاهرة 1984).

*) لاحظنا وجود أخطاء كثيرة في هذه النسخة سواء بالنسبة لبعض أسماء الأعلام أو بالنسبة لبعض الحروف المستخدمة في حساب الجمل وما يقابلها من أرقام. وأسلوب العرض في رأينا، من حيث تحديد الجمل والفقرات، لا يعكس حقيقة ما هو معروف عن لسان اليمن من رصانة الأسلوب وسحر البيان. ومثل هذه الأخطاء تعزى إلى النساخ أو الطباعة. ونحن نرى ضرورة إعادة طبع هذه المقالة لتلاقى هذه وتقديم شروح تفصيلية لما فيها من مصطلحات علمية.

**) ربما يكون هذا المؤلف للهمداني غير مؤلف آخر أشار الهمداني نفسه إليه في المقالة العاشرة من سرائر الحكمة في ص121 بقوله: «… وأما إقامة الطالع في أيام السنة ولإقامة الساعات على ساعات القبة فقد جمعت هذا الباب في كتاب تنبيه الزيج…». وإذا صح هذا الاستنتاج من جانبنا فإن مؤلفات الهمداني يزداد عددها لتبلغ 23 كتاباً وفقاً لما ذكره محمد محمد الشعيبي في مقدمة تحقيقه لكتاب الجوهرتين العتيقتين، صفحة د، وإن كان لم يورد قائمة تفصيلية بأسماء مؤلفات الهمداني كلها. راجع: كتاب الجوهرتين العتيقتين، المائعتين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، للحسن بن أحمد الهمداني، تحقيق وإعداد محمد محمد الشعيبي، سلسلة «من التراث اليمني الإسلامي» (بدون تاريخ).

17)                      د. أحمد فؤاد باشا، فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي، دراسة تحليلية مقارنة في المنهج العلمي، مجلة المسلم المعاصر، ع 49 (1987)

18)                      ابن خلدون، المقدمة، المطبعة الأدبية، بيروت (1900م (الباب السادس في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الأحوال ص429 – 588).

19)                      مقدمة، ابن خلدون، المرجع السابق، ص478.

20)                      د. أحمد فؤاد باشا، فلسفة العلوم بنظرة إسلامية، ص47، القاهرة 1984.

21)                      راجع في ذلك دراستنا: «ابستمولوجيا العلم ومنهجيته في التراث الإسلامي» ضمن أعمال ندوة قضايا المنهجية في الفكر الإسلامي، قسنطينة – الجزائر 9 – 12 سبتمبر 1989.

22)                      كتاب الجوهرتين العتيقتين، المائعتين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، تأليف أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني، إعداد وتحقيق محمد محمد الشعيبي، من التراث اليمني الإسلامي، الطبعة الأولى (بدون تاريخ)، من صفحات 3، 5، 7.

23)                      قِران الكوكب يعني وجوده مع الشمس في خط نظر واحد. وقد احتوى كتاب «السند هند» على مقدمة في تحركات الأجرام السماوية وطلوع ومغيب البروج محسوبة على أساس دورات زمنية تقدر بآلاف السنين، وقد أطلق على هذه الدورات نظام «الكلبا»، حيث يعتقد أن الشمس والقمر والكواكب كانت في بداية العالم مجتمعة على خط واحد، وأنها سترجع إلى نفس الوضع في نهاية العالم (راجع: الجغرافيا العربية، المرجع السابق، ص41).

24)                      المقالة العاشرة من سرائر الحكمة، مرجع سابق، ص91.

25)                      كتب كثير من علماء المسلمين عن التنجيم دون الاعتقاد فيه، فقد ألف البتاني «شرح أربع مقالات لبطليموس» تناول فيها مسائل التنجيم وتأثير النجوم على الحوادث الدنيوية، وألف البيروني كتاب «التفهيم لأوائل صناعة التنجيم»، فالموضوع ذو جانب تعليمي من الناحية الفلكية على ما يبدو.

26)                      المقالة العاشرة من سرائر الحكمة للهمداني، ص92.

27)                      كتاب الجوهرتين العتيقتين، ص41.

28)                      المرجع السابق ص5.

29)                      المرجع السابق، ص4.

30)                      عبدالمجيد عبدالرحيم، مدخل إلى الفلسفة بنظرة اجتماعية، القاهرة 1976.

31)                      انظر كتاب الجغرافيا العربية، مرجع سابق ص52، 53.

32)                      لمزيد من التفصيل انظر من مؤلفاتنا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية، وفلسفة العلوم بنظرة إسلامية، وأيضاً دراستنا «نحو صياغة إسلامية لنظرية العلم والتقنية، مجلة المسلم المعاصر، ع 45 (1988).»

33)                      ابن خلدون، المقدمة، ص 478 – 489.

كان القدماء يطلقون على النجوم الثابتة في السماء كما تراها العين اسم «الكواكب الثابتة» لتمييزها عن الكواكب السبعة السيارة حول الأرض وهي الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشترى وزحل.

وكان يطلق على الكواكب الخمسة الأخيرة اسم «الكواكب المتحيرة» نظراً لأنها تتحير في السماء بتقدمها على الشمس حيناً وتأخرها عنها حيناً. ويتقدم بعضها على بعض ويتغير موقعها في السماء بين النجوم بين حين وآخر، وتكون حركتها في اتجاه واحد فتسمى الحركة المستقيمة، ثم لا تلبث أن تغير اتجاه الحركة عائدة إلى الجهة المضادة وذلك هو الرجوع. ولم يكن معروفاً لدى القدماء ما نعرفه الآن من حركة الأرض والكواكب حول الشمس، وأن الكواكب أجرام مظلمة تستمد ضوءها من الشمس. كما يطلق «الأوج» على أبعد نقط الكوكب أو النجم عن الأرض، و«الحضيض» على أقربها.

أما الزيج، ويجمع على أزياج وزيجات، فيعني في اللغة: خيط البنّاء، وهو المطمر (انظر لسان العرب)، واللفظ معرب من اللغة البهلوية (أي الفارسية القديمة) ويعني السدى الذي ينسج فيه لحمة النسيج، ثم أطلقته الفرس على الجداول العددية المتشابهة خطوطها الرئيسية لخيوط السدى.

34)                      يطلق الفلكيون اسم «دائرة البروج» Eclipicعلى منطقة دائرية في الكرة السماوية (قبة السماء)، حيث ينقسم فلك البروج إلى أربعة أجزاء يحتوي كل منها على ثلاثة أقسام تحمل أسماء صور الكواكب: فالصاعد الشمالي يحتوي على الحمل والثور والجوزاء، والهابط الشمالي يحتوي على السرطان والأسد والسنبلة (أو العذراء) والهابط الجنوبي يحتوي على الميزان والعقرب والقوس، والربع الصاعد الجنوبي يحتوي على الجدي والدالي والحوت. وتمثل أرباع فلك البروج على الترتيب فصول الربيع والصيف والخريف والشتاء، حيث تبدو الشمس وكأنها تقطع كلاً من هذه البروج مرة واحدة كل عام.

35)                      المثلث الكروي هو مثلث مرسوم على سطح كرة بحيث تكون أضلاعه على شكل أقواس من دوائر عظمى، ويعبر عن طول ضلع المثلث الكروى بقيمة الزوايا المقابلة له عند مركز الكرة.

36)                      كلمة أسطرلاب بالاغريقية تعني «أخذ النجوم»، وكان الأسطرلاب الذي وصفه بطليموس على شكل كرة من حلقات، وأجرى العلماء العرب عليها تعديلات موسعة، فصنع إبراهيم الفزارى (المتوفي عام 796م) الأسطرلاب ذات الحلق. كما استعمل العرب الأسطرلاب المسطح، أو ذات الصفائح، وأسطرلاب البيضة أو القبة السماوية، وجهاز الربع (أي ربع الدائرة)، والبسيطة (الساعة الشمسية) وغيرها. راجع في ذلك كتاب الجغرافيا العربية، مرجع سابق، ص 109 – 114، ص213 وما بعدها.

37)                      كتاب الجوهرتين العتيقتين، نسخة كريستوفر تول، الباب 43.

38)                      كتاب الجوهرتين العتيقتين، نسخة كريستوفر تول، الباب 52.

39)                      الجغرافيا العربية، المرجع السابق، ص 137 وما بعدها.

40)                      د. صلاح الدين الشامي، الإسلام والفكر الجغرافي العربي، منشأة المعارف، الإسكندرية 1978.

41)                      انظر كتاب الجوهرتين العتيقتين، المرجع السابق، المقدمة.

42)                      محمود إبراهيم الصغيري، الهمداني والريادة العربية في علوم الأراضة، مدخل تاريخي، مجلة الإكليل، العدد الأول، السنة الثانية، صنعاء 1982، ص 133.

43)                      كتاب الجوهرتين العتيقتين، ص 111.

44)                      المرجع السابق، ص 117.

45)                      راجع مؤلفنا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية، فصل الفيزياء، ص ص 67 – 93.

46)                      كتاب الجوهرتين العتيقتين، ص

انظر أيضاً: محمود إبراهيم الصغيري، مكانة الهمداني في تاريخ تطور مفهوم الإنسان لظاهرة الجاذبية، مجلة الإكليل، العدد الخامس، ص 141، صنعاء، سبتمبر 1981.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر