أبحاث

النهضة الإسلامية في المجتمع المعاصر

العدد 28

إن النهضة الإسلامية في المجتمع المعاصر، بصفتها كموضوع، تعد بمثابة وصفاً لكم، وآمالكم، وأمانيكم، وواقعكم سواء باعتباركم أعضاءاً حاليين في ذلك التنظيم الدولي، أي اتحاد الطلبة المسلمين باعتباركم خريجيه، كما سوف تصبحون جميعاً عندما ترجعون إلى أوطانكم وبلدانكم. وأنه لمن المحرج أن أناقش معكم وصفاً لأنفسكم ولكنني سوف أحاول مع ذلك.

إن الملاحظة الأولى التي أود أن أقدمها هي أن كلمة النهضة تعد بمثابة تسمية خاطئة. فإن كلمة Renaissance هي كلمة فرنسية تعني البعث، وإذا نظرنا إليها باعتبارها أسماً عادياً، فهي تعني تغيير جذري للغاية يصل إلى حد ظهور كائن جديد في تلك العملية. ولكنكم جميعاً ممثلون للنهضة الإسلامية ومع ذلك ليس ثمة واحد منكم قد تغير مثل ذلك التغيير الجذري حتى يمكن اعتباره كائناً جديداً. فإن الإسلام بداخلك لم يتغير، ولن يتغير بعون الله. وذلك في الحقيقة هو امتيازك. وعندما يعزى تعبير النهضة إلى الغربيين، فإنه يتلاءم معهم لأن هؤلاء الشعوب في يوم ما كانوا يونانيين، ورومانيين. لديهم دين ومذهب كان في أول الأمر يونانياً ثم إغريقياً أو يونانياً –رومانيا، وعندما انتصرت المسيحية في نهاية القرن الثالث، فإنه قد تم محو تلك العصور القديمة اليونانية –الرومانية.

وهي قد مرت بعملية تغيير وتحول تأوج في أغلاق أكاديمية أثينا في القرن السادس. ومنذ ذلك الوقت يصف المؤرخون الغربيون الغرب باعتباره «العصور المظلمة» ويعني ذلك انقضاء العصور القديمة التقليدية. ولقد حلت المسيحية محل الخرافات، والأفكار، والقيم، والمبادئ اليونانية الرومانية. ولقد كانت المسيحية، طبقاً لنظرة المؤرخين فيما بعد، توصف بأنها «مظلمة» بسبب تعارضها مع الحياة، ومع الإنسان، ومع العقل.

وعندما أتى المسلمون إلى أوروبا، سواء في سيسيلي أو جنوب إيطاليا، أو أسبانيا أو جنوب فرنسا، وابتدأوا في طرق أبواب الغرب، صحا الغرب من غفوته. ولقد كان أول وأهم تأثير للإسلام على الغرب هو مصالحته، باعتباره إيماناً، مع العقل. ولقد تعلم الغربيون الأساليب الإسلامية للنقاش من أجل تأييد الإيمان، وفي خلال حوالي قرن ابتدأوا في اعتناق العقلنة الإسلامية للدين بالنسبة للمسيحية.

ولقد اكتشفوا أرسطو في تلك المسيرة، ومن هناك ابتدأوا في البحث عن المصادر اليونانية التي تعرفوا فيها على أصلهم هم أنفسهم قبل المسيحية. ولقد أدركوا لأول مرة ضياعهم من خلال المسيحية، وابتدأوا في تبديل بعض الأفكار وتغيير بعض الأفكار الأخرى بمعاونة الثقافة اليونانية –الرومانية القديمة. وسرعان ما استوعبت المسيحية نظام الأفكار العقلانية. ولقد كانت النتيجة، أي السكولاستية، عقلانية وإنسانية للغاية، وتؤكد الحياة بدلاً من انكارها. ولقد كانت تلك هي كيفية وسبب ظهور نهضة الغرب.

ولقد كانت نهضة الغرب تتسم بنفس المبدأ النهائي الذي ألهم العصور القديمة اليونانية – الرومانية، أي أن الإنسان هو مقياس كل شيء. وذلك هو السبب في أن التعبير الأيديولوجي عن النهضة يعد إنسانياً.

ولقد أدت تلك الفلسفة الإنسانية إلى خلع إله المسيحية واستبدلته بالإنسان. ومن ثم فإن تعبير النهضة، أي Renaissance لا ينطبق علينا. ويجب أن نستبدله بالتعبير العربي الذي يتفق مع حقيقة موقفنا، أي النهضة، ومن ثم نتحدث عن (النهضة الإسلامية) بدلاً من Islamic Renaissance وتشتق كلمة النهضة كما نعرف من أصل عربي يعني الارتفاع. ولكن الشيء الذي يرتفع يبقى كما هو. وأن الأمر هو فقط أن ذلك الشيء، سواء كان طفلاً أم مجتمعاً، كان في وقت ما غير عملي، وغير فعال، وغير قادر على تطبيق قدراته الكامنة بالنسبة للمشاكل التي تواجهه، ولكنه فيما بعد، أي في إطار النهضة، حاز نفس الشيء أو الكائن على تلك الكفاءة وأصبح قادراً على استخدام قوته الكامنة.

وبالمعنى الحرفي، تعني النهضة تطبيق القدرات الكامنة في الطفل على الحياة الواقعية. وينطبق ذلك على المجتمع الإسلامي تماماً. وأن مجتمعنا في الوقت الحالي يمر بعملية نهضة. ولكن الشيء ذاته، أي الأمة وديانتها، وهي الإسلام، لا تزال كما هي. ولكن قدراتها الكامنة كانت غير فعالة. لقد كان المسلمون، باعتبارهم بمثابة مجتمعات أم أفراد، غير قادرين على التعرف على –إذا تجاوزنا عن ذكر استخدام- قواهم ذاتها. ولكن المسلمين الآن، في إطار النهضة يستطيعون التحكم في مصيرهم ويوجهون تطورهم بنفسهم. لقد أدركوا قدراتهم الكامنة، وابتدأوا في تطبيقها على مشاكلهم الحالية.

ولكن العالم المسلم المعاصر يعد أكبر من أن يسمح لنا بمسح لجميع حركات النهضة التي تظهر فيه. ولقد أخبرنا بالأمس أن الحركة الوهابية، والسنوسية والمهدية وحركة التجديد في جنوب آسيا جميعها لا تزال حية، وأنها لم تذو أو تصبح مجرد شيء تاريخي. وسوف نضطر في تلك المعاينة أن نأخذها في اعتبارنا مثلها مثل الحركات الأخرى. ولقد أخبرنا أحد محدثينا بالأمس أن الحركة تعد ميتة إذا لم تحز على أية تأثيرات. وبالتأكيد ليس ثمة واحد منا يود ادعاء أنه ليس ثمة آثار لتلك الحركات الأربعة. فهي جميعاً حية بيننا، بل أنه حتى ثمة كثير منا يدعون أنهم أتباع، أو متعاطفون مع، أو عاملون فعليون في واحدة أو أخرى منها. أما الحركات الأكثر حداثة التي تكون النهضة الإسلامية فإننا نستطيع تمييزها فقط من الناحية الجغرافية.

وإن واحدة من أقدم المعارك التي شنها المسلمون ضد العدوان المسيحي الاستعماري وأكثرها سفكاً للدماء هي معركة شعب الملايو في جنوب شرق آسيا. ولكننا دائماً ما ننسى هذا الفصل الخاص بالنهضة الإسلامية عندما نأخذ في اعتبارنا الحركات الإسلامية الحديثة.

ومع ذلك فإن المعركة مستمرة حتى يومنا هذا. ولقد حصل شعوب ماليزيا وأندونيسيا على الاستقلال، ولكن ذلك لم يحدث بالنسبة للمسلمين الذين سيطروا على الفليبين في يوم ما وأسسوا مدينة مانيلا باعتبارها «مأمن الله». لقد ابتدأت معركتهم في القرن السادس عشر مع ظهور البرتغاليين على المسرح. ولقد كانت بلدتهم تعاني من الخراب، وقد تم إرغام شعوبهم على اعتناق المسيحية. وفي الوقت الحاضر، ثمة جزء منهم فقط لا يزال باقياً في جزء من بلدتهم – ولكنهم لازالوا يناضلون من أجل إسلامهم.

وفي إيران أيضاً، ابتدأت المعركة بالشاه إسماعيل، واستمرت لمدة أربعة قرون حتى يومنا هذا. على ذلك المسرح المعقد للعالم العربي، لا يستطيع أحد إنكار أهمية حركة النهضة تلك على جميع الجبهات والتي ابتدأها تقي الدين أحمد ابن تيمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.

وفي الحقيقة أنني لازلت أحاول استكشاف فكرة واحدة في جميع تراث حركات الإصلاح في الإسلام لم ترد في عمل ابن تيمية. وأن هذا الشخص العظيم الشامخ، الذي ظهر في حوالي نهاية القرون المظلمة، يعد بمثابة ختامها العظيم. ولكنه يعد أيضاً بمثابة المشد الأعظم في العصر الحديث.

ولقد تضمنت رؤيته كلا من الماضي والحاضر على جميع الجبهات –الدينية، والقانونية، والثقافية، والاجتماعية، وفي الحقيقية العسكرية. ولقد استطاع بمجهوده الخاص إنشاء جيش من المصريين ووضع نهاية لمسيرة التتار عبر سوريا وفلسطين. ولقد توقفت غزوة التتار أخيراً بمقتضى الموقف الذي اتخذه الجيش الصغير الخاص بابن تيمية في عين جالوت بفلسطين. وباتباع ابن تيمية والاستلهام بأفكاره ظهرت الحركة تحت قيادة محمد بن عبدالوهاب في بلاد العرب. ولا يجب أن نطلق على تلك الحركة اسم «الوهابية»- فإن تلك بمثابة تسمية خاطئة ثانية- بل يجب أن نطلق عليها الاسم الذي أطلقه عليها مؤسسها، أي «السلفية».

ولقد كانت في الحقيقة سلفية، أي أنها كانت تقليدية بالمعنى التام للكلمة. ولكننا يجب أن نميز بينها وبين الحركة التي قامت تحت قيادة جمال الدين الأفغاني وتلميذيه، محمد عبده ورشيد رضا.

وفي غرب أفريقيا، منذ حوالي مائة عام أو أكثر، تم شن حركة أخرى بواسطة عثمان دان فوديو. ولقد حملت أيضاً اسم الوهابيين في غرب أفريقيا. ويجب ألا ننسى حركات شمال أفريقيا، وهي التيجانية، أو حركة السودان، وهي المهدية. وأخيراً يجب ألا ننسى الجزء التركي من الإمبراطورية العثمانية الذي كان يزخر بحركات الإصلاح على مدى المائتين وخمسين عاماً الماضية، والذي كان قد مر بالفعل بتجارب عملية في جميع الخطوات التي مرت بها حركات الإصلاح الأخرى. وأننا لا يمكننا تمييز جميع تلك الحركات بمقتضى مضمونها. فإن أهدافها الدينية تعد تقريباً متماثلة في كل مكان. وأننا نستطيع التمييز بينها فقط بمقتضى أسمائها الجغرافية وتوزيعها الأقليمي.

ولقد شهد المسرح فيما بعد حركات مثل الإخوان المسلمين وجماعة الإسلام، ولقد كانت الأولى في العالم العربي، والثانية في جنوب آسيا، إلى جانب المحمدية وشركة الإسلام في أندونيسيا، واتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا، وتعد جميع تلك الحركات بمثابة مكونات النهضة الإسلامية في الوقت المعاصر. وأنه لمن المستحيل تقريباً أن نتحدث بإيفاء عن جميع تلك الحركات في أي استعراض لها. ولذلك فإن الاختيار يعد حتمياً. وأن خطتي تتضمن وضع قليل من الأسئلة المنظمة حول تلك الحركات وتقييمها على أساس إجاباتها عن تلك الأسئلة. ومن المحتم أننا سوف نضطر إلى التعميم. ويجب أن نضع في أذهاننا أنه ليس ثمة تعميم وليس له أي استثناء. ولكنه من الممكن أن نبتدئ بتقييمنا للحركات الحديثة عن طريق ملاحظة الأحوال التي ينطبق فيها التعميم على أفضل وجه، وتلك التي ينطبق فيها على أقل صورة.

وفيما يتعلق بمقياس التقييم، فلنعد إلى التحليل الطبيعي لنهضة الطفل. وتماماً مثلما نتساءل بالنسبة لنهضة الطفل، إلى أي مدى أصبح مدركاً لقدرته الكامنة، وأصبح قادراً على تطبيقها لتحقيق الغاية التي تعلم أن يدركها بعقله ويجلها بقلبه، نستطيع أن نتساءل بنفس الأسلوب بالنسبة لكل حركة. إلى أي مدى مكنت المسلمين من التعرف على هبتهم الإسلامية؟ إلى أي مدى نجح التعليم الإسلامي الذي غرسته؟ إلى أي مدى مكنت المسلمين من إدراك غاياتهم الإسلامية؟ إلى أي مدى مكنت الشعوب المسلمة من تطبيق الرؤية التي منحتها لهم في حياتهم الخاصة؟.

إذا كان المقياس الأول للتقييم يتعلق بالعقل والمعرفة، فإن الثاني يؤكد العمل. وتماماً كما نقول أن الطفل قد نمى إلى الحد الذي مكنه من تعلم كيفية التغلب على مشاكل بيئته وحل مشاكله، فإننا يجب أن نسأل إلى أي مدى استطاعت الحركة المعنية تمكين أتباعها من معالجة علل وأمراض المسلمين في هذه البلدة؟ وأخيراً، فإن المقياس الثالث يعتبر النتيجة النهائية ويهدف إلى تقييم قيمتها بالمقارنة مع ما يجب أن يكون طبقاً لما قدرته الحركة في إطار الإسلام ونحن نهدف إلى سؤال كل حركة، ونستطيع هنا أيضاً أن نفعل نفس الشيء فنقول: إلى أي مدى حاز المجتمع المسلم على التعليم، وحل مشاكله، وأصبح مدركاً لمثله العليا؟ إلى أي مدى تمكن أتباعها من الإيفاء بتصورها الذي يعد أيضاً بمثابة تصور الإسلام، أي تحقيق وعد الله على الأرض؟ إلى أي مدى استطاعت أن تجعل تاريخها وتاريخ الإسلام بمثابة مشيئة الله المحققة على الأرض؟.

فلنبتدئ بالمقياس الأول، أي ذلك المقياس الخاص بالتعليم الإسلامي. إن التعليم يتكون من ثلاثة عناصر: الأدب، والمدارس والتمثيل. وأنني أعني بالأدب كل من التمثيليات الشفهية والكتابية الخاصة بالتراث الإسلامي المعدة من أجل تمكين مسلمي البلدة من ملائمتها لأحوالهم مرة أخرى. وأن الاناس الذين لا يستطيعون القراءة (بالمفهوم الواسع بصرف النظر عما إذا كانوا يقرأون بأعينهم أم بأذهانهم) ليس من الممكن اعتبارهم بجدية في العالم في الوقت الحاضر.

ويعد مثل ذلك الأدب الذائع بمثابة وسيلة المسلم إلى مثله العليا وأهدافه الإسلامية الجماعية. فلنلق نظرة على تلك الحركات ونسأل أنفسنا، أي من تلك الحركات تحوز على المرتبة الأولى في تحقيق تلك الغاية؟ إنكم سوف تصابون بالدهشة عندما أخبركم أن الحركة السنوسية هي التي تستحق الجائزة الأولى، بالرغم من حقيقة أنها قد تمت بأكملها قبل ظهور مؤسسات النشر والطباعة. لقد كان المجتمع الذي سارت فيه السنوسية بمثابة مجتمع شفهي. وهي لم تحقق مكاسبها عن طريق القتال أو الصراع، بل عن طريق الاقناع المحض، عن طريق الكلمة اللفظية أو الشهفية.

ولقد جعلت السنوسية قاعة المحاضرات بمثابة مركز كل زاوية، ومركز كل قربة قد تسللت إليها أو سيطرت عليها. ولقد كان الاستماع إلى الشيخ، وإلى رسالة الإسلام طبقاً لتصويرها من خلال عقل شيخ الزاوية، بمثابة الغذاء اليومي الذي يقدم للأعضاء عديداً من المرات على مدى النهار والليل. ولقد كانت حياة المسلم في الزاوية السنوسية تنظم بصرامة. ولقد تخصص الجزء الأكبر منها في تلقين، وتعليم وجهة النظر الإسلامية.

وإنني لست على معرفة بأي حركة قد استغلت الكلمة الشفهية من أجل تعليم ونشر الرسالة لأعضائها بذلك الكمال، والتصميم والنظام فيما عدا حركة النبي محمد عليه السلام في مكة والمدينة ويجب أن نتذكر الخطبة الشفهية تعد بمثابة الأسلوب الإسلامي الرئيسي للاتصال. ولقد استمرت ذلك الأسلوب حتى يومنا هذا بالرغم من حقيقة أن دور الطباعة والنشر متوفرة لدينا وتزخر البلدان بالراديو والتلفزيون.

إن أكثر من ثلاثة أرباع العالم المسلم يعدون أميين ولا يمكن الوصول إليهم من خلال الكلمة المكتوبة. ولكن آذانهم معتادة وعلى استعداد دائم للإصغاء للكلمة الملفوظة. وفي أي مكان سواء في المقهى، أو صالونات الأغنياء، أو في القرية بالجلوس على الأرض، أو الميادين العامة أو المضافة (دور الضيافة)، ونجد المسلم هو المستمع المباشر. ونجده في المسجد، بين الصلوات أو في صلوات المساء يعد بمثابة تلميذ مستمع على أفضل صورة.

وتعد خطبة الجمعة بالنسبة له بمثابة المأدبة الروحية الرئيسية في الأسبوع التي يتم فيها إعادة صياغة، وفحص، وبلورة جميع ما سمعه خلال الأسبوع بأسلوب موثوق به. ويعد المسلم مدمنا تماماً على الاستماع إلى الأفكار المصاغة في كلمات وقابلاً تماماً للتأثر بقوة الكلمة الملفوظة، حتى أن اسلافه الميسوبوناميين قد اعتادوا تعريف الأذن وليس العقل أو القلب أنها بمثابة موضع الروح والذكاء والشخصية. ويتفق ذلك تماماً مع حقيقة الإسلام الغير قابلة للجدال أن الوحي، أي كلمة الله أو أمره، تعد بالنسبة لنا بمثابة كلمة ملفوظة تم نقلها للبشر عن طريق التلاوة أو القراءة.

أن كلا من الحركة السلفية لمحمد بن عبدالوهاب وحركة عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا تعدان مختلفتين كثيراً عن السنوسية. فبالرغم من نجاحهما في السيطرة على الدولة فإن استغلالهما للكلمة الملفوظة لم يكن منظماً أو كثير الحدوث. ولقد كان الدليل على ذلك هو أن الحركات التي أسسوها من خلال استغلال الوسائل الشفهية كانت هزيلة في الحقيقة.

وفيما يتعلق بالكلمة المطبوعة، فإننا يجب أن نضع الحركات العربية على القمة فإنه ليس ثمة شك أن ذلك القسم المتحدث بالعربية من الأمة قد استغل دور الطباعة والنشر أقصى استغلال حتى الآن. وأن المكتبة العربية تعد بدون شك أكثر المكتبات امتلاءاً إذا قارناها بغير ذلك من اللغات الإسلامية وأن أرففها لا تزخر فقط بكتب التراث التقليدي، بل أنها تزخر أيضاً بالأدب المعاصر إلى جانب الصحف والمجلات والكتيبات في كل نوع. وهنا تحوز النهضة العربية على المرتبة الأولى. أما جميع الحركات الأخرى فتأتي في مرتبة أبعد من ذلك بكثير.

ومنذ عهد قريب للغاية، حاز العالم المسلم على أسلوب جديد يتضمن قدرة كامنة هائلة، وهو الراديو والتلفزيون. ولسوء الحظ أن ذلك الأسلوب الجديد يظل بمثابة ملكية للدولة في جميع أنحاء العالم المسلم فليس من الممكن الاستفادة منه من أجل غاية الإسلام لو لم تكن الدولة ذاتها قد اتخذت الإسلام بمثابة غايتها وسبب وجودها. وكما نعرف جميعاً، فإن ذلك الوصف لا ينطبق على أي دولة، بالرغم من جميع الادعاءات القائلة بعكس ذلك.

وأن المقياس الثاني لتقييم الحركات الحديثة هو النظام المدرسي. ولكن الصورة تعد محزنة حقيقة على تلك الجبهة. فإنه ليس ثمة حركة منها قد حققت شيئاً حقيقياً. فإنه ليس ثمة واحدة قد حققت أمر الإسلام فيما يتعلق بالمدارس. ويتضمن النظام المدرسي المؤسسات التعليمية للأطفال، والكليات للبالغين، والمراكز التعليمية المستمرة لهؤلاء الذين ليسوا في الكليات. ولكنني قد رأيت مناظرا أسرت قلبي ورفعت روحي في دولة لا تتم إدارتها بواسطة الحركة الإسلامية، وهي أندونيسيا. وأن للحركة المحمدية مئات من المدارس والكليات التي يتم تمويلها بواسطة المجتمع ولا تقوم الدولة بتقديم أي نوع من العون لها، وهي ليست بمدارس تقليدية معتادة، بل أنها بمثابة مشاة معتادة، وتزود بهيئة تعليمية مثل المدارس الحكومية المعتادة. وأن لشبه قارة جنوب آسيا عديداً من المدارس التي تستمر على النمط التقليدي. ولكن تلك المدارس لا تنتمي أو يمكن إنسابها إلى أي من تلك الحركات.

وكم كنت أتمنى لو كانت جماعة الإسلام قد قامت بإنشاء مثل تلك المدارس في باكستان أو للأقلية المسلمة في الهند، أو كان الإخوان المسلمون في مصر، أم أينما هم الآن، قد قاموا بإنشاء مثل تلك الكليات. ولكن الحقيقة المحزنة أنهم لم يفعلوا ذلك. وحتى تلك الحركات التي استولت على الحكومة في المنطقة التي ظهرت فيها (مثلا المملكة العربية السعودية)، لم تستطيع بعد تقديم النظام التعليمي الشامل الذي تطالب به الحركة الوهابية المتولية الحكم. إن نظامنا التعليمي في جميع أنحاء العالم المسلم يعد في الحقيقة جديراً بالرثاء. فهو يقصر كثيراً عن بلوغ الهدف الإسلامي في جميع النواحي. وعلى هذه الجبهة تحقق جميع حركاتنا درجات مختلفة من الفشل، وليس النجاح.

وإن المقياس الثالث هو التمثيل، ونعني بذلك بناء مجتمعات حقيقية تعد حياتها المشتركة إلى جانب الحياة الشخصية لأعضائها بمثابة تحقيق لمبادئ الإسلام. وإذا قمنا بتطبيق ذلك المقياس، سوف نجد إن جميع الحركات الحديثة تعد فاشلة. فيما عدا السنوسية! هي الوحيدة التي سعت بجدية لإعادة صياغة المجتمع على نمط الإسلام ونجحت في ذلك إلى حد كبير. إن الحياة في الزاوية السنوسية، التي احتوت على القرية بأكملها، أو أصبحت هي ذاتها بمثابة القرية، كما عنيت أن تكون، كان يتم نسجها على الإسلام، محتضنة ممارساته ومبادئه الأخلاقية.

ولقد تمت صياغة الجدول اليومي حتى يتلاءم مع المنهج الإسلامي. ولم يكن المسجد مجرد المركز المادي للزاوية ومقر الحياة الدينية للأعضاء، بل إنه كان بمثابة مقر الشورى أو الحكومة الخاصة بالقرية، وبمثابة مدرسة للصغار والكبار. ولقد كانت الزاويات أو القرى السنوسية بمثابة القلب النابض للحركة، وأيضاً للحياة الاجتماعية، والزراعية، والصناعية والعسكرية واستراتيجية التكاثر.

ولكنها لسوء الحظ قد تم تدميرها بواسطة القوى الاستعمارية الغازية. ولكن الحركة الوهابية، في محاولة جديدة بعد الحرب العالمية الأولى، قد ابتدأت سلسلة من المجتمعات الجديدة تسمى «الإخوان». ولكنها كانت قليلة للغاية ولم تنجح بسبب أساسها القبلي، وانشغالها بالأمور السياسية الداخلية بدلاً من الأمور الإسلامية. أما جميع الحركات الأخرى، بما في ذلك الحركة الغير دينية التي يعتبرها بعض الناس ذوي العقول الملتوية بمثابة جزء من النهضة العامة، فهي قد فشلت في خلق أو إدماج نفسها في مجتمع جديد.

ومن المحزن أن نلا0حظ في هذا الصدد أن العالم المسلم بأكمله، على مدى المائتين عاماً الماضية، لم يقم بإنشاء مدينة جديدة واحدة فيما عدا إسلام آباد (باكستان)، ولا قرية جديدة واحدة عدا تلك القرية التي تطلبها سد أسوان العالي. ولكن أيا منهما لم تكن بمثابة تطبيق خطة إسلامية. وأنه من المأساوي أنه لم تستطيع حركة واحدة أن تقيم مجتمعاً نموذجياً، بالرغم من أن ذلك يعد بمثابة مطلب عاجل وبالرغم من الإغراء والوضوح الساحق الذي يحوز عليه مجتمع النبي عليه السلام.

إن المجتمع الإسلامي المثالي في المدينة –يتضامنه المشترك على جميع الجهات وفي جميع الأوجه- يعد قبل كل شيء بمثابة الغذاء الأولى الذي اعتمدنا عليه في نمونا في مرحلة الطفولة إلى الإسلام. ومع ذلك، فإنه لم يتم إهمال مثل ذلك المثل الأعلى في أي وقت مثلما تم إهماله في العصر الحديث.

وإذا كانت تلك المقاييس الثلاثة المتمثلة في الأدب، والنظام المدرسي، والتمثيل تعد بمثابة أساليب ملائمة، فإننا لا زلنا يجب أن نتحدث عن مضمون النهضة. فإننا يجب أن نطرح السؤال بالنسبة لأي حركة إسلامية نقوم بدراستها: إلى أي مدى يعد مضمون الإسلام ذاته بمثابة مضمون الحركة؟ إلى أي مدى تم تحقيق أو تعليم ذلك المضمون في المدارس على جميع المستويات، وإلى أي مدى تم احتواؤه في التشريع، وتطبيقه في الحكومة والحياة الاجتماعية والشخصية في هذه الحركات؟.

إن الإجابات لواضحة. لقد استطاعت قليل من تلك الحركات بصفة جزئية أن تحقق ذلك الهدف الضروري. ونستطيع القول أن الحركة الوهابية، على سبيل المثال، قد تفوقت على جميع الحركات الأخرى في تأكيد التوحيد، وأن الحركة السنوسية قد تفوقت على جميع الحركات الأخرى في تطبيق المبادئ الإسلامية على مواد واهتمامات الحياة اليومية. ونستطيع أن نذكر بفخر أن الحركة السنوسية كانت مهتمة بتزويد وتصنيع الأسلحة، واستطلاع وتخصيب الأراضي الزراعية، بقدر اهتمامها بالشئون الدينية والتعليمية.

ولقد حاولت الحركة السنوسية تحسين الزراعية ونوعية الماشية قبل العالم الغربي بوقت طويل. وأن الحركة المحمدية في إندونيسيا أيضاً قد أبلت بلاءاً حسناً في هذا الصدد. ولكن الإنجاز الإجمالي لجميع الحركات يعد جزئياً ولم تصل أي منها، بل حتى لم تحاول التعبئة العامة من أجل التحويل الجذري للمجتمع. ولقد كانت النهضة الإسلامية في العالم العربي مشوشة ومتكافئة الضدين. فهي قد كانت متذبذبة بين الإسلام والعربية المتباعدة عن الإسلام. وأننا بالطبع لا نستطيع أن نبخس تقدير النفوذ الاستعماري في إخراج جميع الحركات الإسلامية عن خطها، لو لم نقل القضاء على تأثيرها أو تدميرها.

وأخيراً، يجب أن نقول كلمة عن تلك الحركة ذات البراعة الفائقة، أي الحركة التركية التي تعد متعارضة مع الإسلام بأسلوب صريح. ولقد كانت في الواقع ذا مضمون مزدوج: وهو تحرير المجتمع من آثر الإسلام، وإضفاء السمة الأوروبية عليه. وهي قد نجحت في جعل الناس على جهل بتراثهم ذاته وتباعدهم عن تيارات الفكر الإسلامي السائد، في حين أنها قد أضفت على جزء صغير من سكانها الحضريين مظهراً اصطناعياً كاذباً من السمات الغربية. ويرجع الفضل إلى الدنيوية الساخرة لمصطفى كمال أتاتورك، أننا الآن نستطيع القول عن حق أن حركات البعث في العصر الحديث قد عرفته كل من الناحيتين الإلهية والشيطانية.

أما المقياس الثاني للحكم فيتعلق بتطبيق الإسلام على مشاكل الحياة، والتاريخ. ويؤدي ذلك إلى طرح السؤال.. إلى أي مدى نجحت النهضة الإسلامية في تمكين المسلمين من حل مشاكلهم، والتعرف على العلل، والتعرف على العلاج وتطبيقه.

إن المشاكل الرئيسية للعالم المسلم تعد خمسة مشاكل. وإن ماهيتها لم تكن ابدا بموضع جدال بين المتخصصين في الإسلام في العصر الحديث. وهي: الصوفية، التقليد، الاستعمار، الفرقة والدنيوية وهي تعد جميعها بالطبع متداخلة وتعزز إحداها الأخرى. وإننا لا نعني بالصوفية التقوى أو الروحانية الخاصة بالإسلام، بل إننا نعني الشعوذة التي تتنكر تحت ذلك الاسم والتي تستعيض عن المعرفة العقلانية بالكشف وتأييده للكرامات، والتوكل، والقسمة، والغناء، والذكر، والتآخ! إن إتباع الحال أو الوحدة الصوفية مع الله من خلال الغشية التي يدخل فيها الفرد بإرادته الذاتية، إلى جانب وحدة الوجود الصوفية قد أدت إلى طمس أفكار الإسلام الأخلاقية.

إن الصوفية تعد في تعريفها ذاتانية، وتستطيع أن تؤدي فقط إلى الأخلاقيات الفردية التي تعد بالضرورة متعارضة مع الحياة، أي زاهدة في الحياة. أما التقليد فهو بمثابة الإتباع السلس للأسلاف: وتتمثل صفاته في الموضوعية، والخمول، والكسل، والبلادة وحالة من التشتت. ويأتي الاستعمار، الذي ليس بحاجة إلى التعريف، في المرتبة التالية. وايا كان شكله أو اسلوبه –فهو يتخذ شكلاً جديداً كل يوم- فهو يعد بمثابة قوة شيطانية هائلة تعمل ضدنا.

وأخيراً، فإن انقسام المجتمع المسلم على نفسه، إلى جانب الدنيوية –أي نشوء الشخص والقيم الاجتماعية في موضع آخر غير القرآن والسنة، قد أدى إلى ظهور مشكلة ذات بعد خطير. كيف نجحت حركات نهضتنا في التعرف على تلك العلل ووصف العلاج المناسب لها؟

لقد قاومت الوهابية الصوفية من الخارج، أما السنوسية فقد قاومتها من الداخل. ولكن المهدية لا تستطيع أن تتقدم بمثل ذلك الإدعاء، نظراً لأنها قد شكلت نفسها باعتبارها بمثابة جماعة منظمة أخرى تتكافأ مع جماعات الصوفية التي اتهمتها بالفشل. ولقد حاول سيرهندي إصلاح الصوفية من الداخل، وحاول شاه ولي الله ذلك من الخارج ولكن بقليل من النجاح.

وفيما يتعلق بالمعركة ضد التقليد، فيمكننا القول أن جميع الحركات قد أبلت بلاءاً حسناً. لقد قبلت جميع مدارس الإصلاح فتح أبواب الاجتهاد وإنكار التقليد، فيما عدا الحركة الوهابية في بعض المناسبات. ومما يعد بمثابة حقيقة معروفة أن القادة الوهابيين قد رفضوا التماشي مع الانجازات العملية التي اعتنقها الجيش التركي وجيوش محمد علي.

وفيما يتعلق بمقاومة الاستعمار، فقد أبلت جميع الحركات بلاءاً حسناً وقد استشهد الكثيرون منهم في تلك العملية. وتعد كل من السنوسية والمهدية بمثابة مثلين. وفيما يتعلق بالفرقة فقد فشلت جميع الحركات فيما عدا اتحاد الطلبة المسلمين. وإنني لست على معرفة بأي حركة قد اتسعت لتمتد وراء حدود الأرض التي ظهرت فيها، أو قد تضمنت في عضويتها أعداداً كبيرة من المسلمين المختلفين عرقياً ولغوياً. فإن الإخوان المسلمين لم يتعدوا نطاق الدول العربية. ولم تتخط جماعة الإسلام حدود شبه قارة غرب آسيا. ولم تسر المحمدية إلى أبعد من إندونيسيا وهكذا.

لقد كانت جميع الحركات حازمة في مقاومة الدنيوية. ولكننا يجب أن نضع في أذهاننا أن الدنيوية لا تزال معنا وأنها تنمو بمعدل أسرع من نجاح النهضة الإسلامية في مقاومتها. وحتى في المملكة العربية السعودية فإن الدنيوية لا تزال في مسيرتها، ويجب أن نتوقع أن يأتي لنا العقد التالي بمعركة قاتلة بين جميع الحركات الإسلامية والدنيوية.

وفي الختام، فلنطبق المقياس الثالث وهو لأي مدى نجحت حركات النهضة الإسلامية في الإيفاء بالقوة الكامنة للإسلام؟ ويجب أن نتذكر أن القوة الكامنة للإسلام تعني ما يلي:

أولاً: اشتمال العالم: فإن الإسلام ليس لنا وحدنا. أن الإسلام ليس للعالم المسلم فقط: فإن الإسلام معد للإنسانية بأجمعها. ما هو مدى اقتراب أي حركة تحت دراستنا من النجاح في جعل الإسلام يشمل الأرض؟ وإذا طبقنا مثل ذلك المعيار، فسوف تبدو انجازات المسلمين حقيقة هزيلة للغاية.

ثانياً: أن الإسلام معد للإيفاء بالحاجات المادية لجميع البشر. لقد وضع الله البشر على الأرض ليقوموا بإعادة بنائها طبقاً لنمطه أي ليجعلوا هذه الأرض بمثابة جنة، وحديقة، تنتج ما يكفي للإيفاء بحاجات البشر المادية. وبتطبيق ذلك المعيار، فإن الحكم علينا سوف يكون بشعاً. فإننا نحن المسلمين في العالم نعد بمثابة مثل للفقر والبؤس.

ثالثاً: أن الإسلام يود منا أن نحقق الإيفاء الروحي في الفرد والمجتمع. ونحن باعتبارنا أفراداً وأشخاصاً في البشرية فإن من المتوقع منا أن نخطط مسيرة الحياة حتى نملأ العالم بالعباقرة، والأبطال، والقديسين. وباعتبارنا بمثابة مجتمع من البشر، فإنه من المتوقع منا أن نعيد تشكيل أنفسنا حتى نكون جديرين، ومن ثم نحقق وصف الله لنا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)

هل ينطبق ذلك الوصف الإلهي علينا؟ هل يعد صحيحاً بالنسبة لحقيقتنا الواقعية؟ هل نحن أمة وسط، الوسط، والمعيار الذي أمرنا الله أن نكونه؟ هل نجرؤ أن نترك النبي عليه السلام يحكم على حقيقتنا الحالية؟ ما هو حكم التاريخ بالنسبة لنا؟

فلأختتم بالملاحظة أن الوقت قد حان. وأن جميع ديانات العالم تمر بانبعاث. وفي الحقيقة ثمة نوع من الروح والنشاط يحث ضمير الرجال والنساء في كل مكان، كما لو كان ثمة شيء ينشد بث النشاط في العالم البوذي، والعالم الهندوسي، والعالم المسيحي، والعالم اليهودي، بل حتى الصهيونية، التي تعد بمثابة العدو الرئيسي للبشرية. وأن ذلك النشاط العام يعد بمثابة علامة على استعداد الإنسان للنظر في ملائمة الدين، ومن ثم نداء الإسلام. وليس ثمة نداء يمكنه النجاح لو لم يكن صحيحاً، ولو لم يعد بالسعادة ويضمن تحقيقها والإيفاء بكل من الحياة الدنيا والآخرة. ولكن ما هو الدين وما هي الأيديولوجية التي تقدم مثل ذلك الوعد؟ في أي من الديانات نجد التوافق التام، والملائمة التامة بين مطالب التاريخ، ومطالب الرقي، ومطالب المستقبل وبين التراث الديني. أين؟ في أي من الديانات عدا الإسلام؟ إن الإسلام فقط هو الذي يخبرنا أنه يجب تحقيق الحقيقة المطلقة ذاتها بواسطتنا على الأرض وليس في مملكة خيالية أخرى، وأنها يجب تحقيقها في التاريخ بواسطتنا. فقط الإسلام! فقط الإسلام هو الذي يؤكد قيمة الإنسان، ولا تعتبره «منحل الأخلاق» بل تعتبره بمثابة خليفة الله على الأرض.

هل تعلمون أن الاصطلاحات الدينية في الإسلام لا تتضمن حتى تعبيراً مضاهياً للتعبير اليهودي المسيحي «التخليص»، لأن الإسلام يعتبر حياة الإنسان على الأرض بمثابة شيء إيجابي، ولا ينظر إلى الأحداث الماضية، بل ينظر إلى الأمام من أجل تحقيق الإرادة الإلهية في المستقبل بالمفهوم التاريخي العالمي الحقيقي، والسعادة الحقيقية والإيفاء بذات البشرية في التاريخ. وإن أقرب اصطلاح إسلامي للتعبير عن ذلك هو الفلاح الذي يعبر عن ذلك التأكيد والإيجابية الدنيوية. إن الإسلام فقط هو الذي يتوجه للمجتمع وليس للفرد. وإن الإسلام فقط هو الذي يتحدث عن الأمة، النشطة والمسؤولة والفعالة في التاريخ.

وعندما يتحدث المسيحيون عن الكنيسة، فهم يعنون هيئة روحية، ليست في هذه الحياة، بل أنها تنتمي لحياة أخرى. وأن الإسلام فقط هو الذي يتحدث عن أمة تعد بمثابة قوة في التاريخ. وأن الإسلام فقط هو الذي يعد عالمياً. إن فكرة اليهودية عن «الناس» تتمثل في أنهم بؤساء وغير جديرين لأنها تقتصر من الناحية البيولوجية على جزء صغير للغاية من البشرية. ولكن الإسلام يطالبنا باشتمال الأرض، وتوسيع حدود أخوته حتى تشمل كل إنسان مفرد على الأرض، كل رجل، وامرأة وطفل.

فلنثبت جدارتنا بالإسلام، وننقل رسالته للبشرية مثلما فعل نبينا عليه السلام على أحسن وجه. فلنثبت جدارتنا بذلك التراث الذي أودعه الله في أيدينا. وحقيقة، أن هذا التراث يعد بمثابة سعادتنا، وفخرنا! ولكنه يعد في نفس الوقت بمثابة حكمنا وسوطنا!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر