أبحاث

الآراء النفسية عند مسكويه

العدد 32

مقدمة:

مسكويه هو أحمد بن محمد بن يعقوب : و (مسكويه ) هو لقبه (عبد العزيز عزت 1946., ص81) . وهون لقب بالمعلم الثالث, حيث لقب الفارابي بالمعلم الثاني, لأنه خليفة المعلم الأول أرسطو (ابن خلدون , 1329 هـ, ص537). ومسكويه هو المفكر الإسلامي الأول في اليدان العملي للأخلاق . وأغلب الظن أن مسكويه ولد عام 325 هـ (عبد العزيز عزت, 1946,ص79).

وقد ولد في مدينة (الري) وهي مدينة فارسية مشهورة ظهر فيها كثير من المفكرين مثل محمد بن زكريا الرازي (توفي 320هـ ) والفخر الرازي (توفي 606 هـ) وهي مدينة طهران اليوم (بارتولد BARTOLD , 1942, ص73).

أما عن كنيته فهي أو على , ولعل اختيار هذه الكنية يتفق وما لمسكويه من التشيع لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه (العاملي , 1938 , ص10, ص144). وعاش مسكويه في أصفهان ومات بها في صفر 421 هـ (16 فبراير 1030م) (الزركلي, 1945 , ص 204- 205).

ويقول ابن الخطيب في مقدمة (تهذيب الأخلاق) لقد قرأت – فيما قرأت – أبوابا من هذا الكتاب برمتها في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي, فظننت – بادئ ذي بدء – أن ابن مسكويه توفي ي عام 421هـ في حين أن الغزالي قد توفي عام 505 هـ فيكون أبن مسكويه أسبق من الغزالي , وبذلك يكون الغزالي هو الناقل عن ابن مسكويه , وكفاه ذلك فخراً, ومحمده ( ابن الخطيب في مقدمة تهذيب الأخلاق).

 

النفس عند مسكويه:

يتكون الإنسان عند مسكويه من نفس وجسم , ولا حالا من أحوال الجسم , ولكنها شيء آخر , مفارق للجسم بجوهره, وأحكامه, وخواصه (مسكويه ,1959, ص4) والدليل على ذلك (أن كل جسم له صورة ما , فإنه ليس له صوره أخرى من جنس صوره, إلا بعد مفارقته الصورة الأولى مفارقة تامة … فالشمع إذا قبل صورة نقش في الخاتم , لم يقبل غيره من النقوش إلا بعد أن يزول عنه رسم النقش الأول … ونحن نجد أنفسنا تقبل صورة الأشياء كلها, على اختلافها من المحسوسات , والمعقولات, على التام والكمال, من غير مفارقة للأولى, ولا زوال رسم , بل يبقى الرسم الأول تاما, كاملا, وتقبل الرسم الثاني أيضا تاما كاملا . ثم لا تزال تقبل صورة بعد صورة , أبدا دائما من غير أن تضعف , أو تقصر, في وقت من أوقات عن قبول ما يرد , ويطرأ عليها من الصور (مرجع سابق , 7- 8).

والدليل أيضا على أن النفسي مغيرة للجسم (أنها تتصور الشيء وضده, كالبياض والسواد, والروائح والطعوم , وتزداد بتحصيلها للمعلومات العقلية قوة عل قبول غيرها . وقوة الجسم لا تعرف العلوم إلا من الحواس, ولا تميل إلا إلى المحسوسات, ولكن النفس كلما تحللت من الحواس , ازدادت كمالا . وانصراف النفس عن الأمور واللذات الجسمانية يدلنا دلالة واضحة على أنها من جوهر أعلى وأكرم جدا من الجسم) (طهارة النفس, ص 2-3) (وأيضا فإن الحواس تدرك المحسوسات فقط, ولكن النفس تدرك أسباب الاتفاق والاختلاف التي من المحسوسات . وهي معقولاتها التي لا تستعين عليها بشيء من الجسم ولا آثار الجسم) ( مسكويه , 1959, ص8).

(والنفس بطبيعتها , تواقة إلى المعرفة , وتكذب الحواس, فتميز منها الصادق والكاذب) (مسكويه , طهارة النفس , ص3).

أي أن الإنسان عبارة عن نفس وبدن (والنفس تحرك البدن , والإنسان إنسان بنفسه وبدنه معا, والجسم والنفس متصلان ومتعاونان , وكثيراً ما يظهر أثر أحدهما في الآخر, فإن الأحوال النفسية تغير مزاج البدن ومزاج البدن أيضا يغير أحوال النفس. (مسكويه وأبو حيان التوحيدي, 1051 , ص232).

قوى النفس الإنسانية :

يرى مسكويه أن الناظر في أمر هذه النفس وقواها يتبين له أنها تنقسم إلى ثلاثة:

  • القوى التي بها يكون الفكر والتمييز , والنظر في حقائق الأمور . وقد أطلق عليها مسكويه القوة العاقلة وأوضح أن فضيلتها الحكمة.
  • القوة التي بها يكون الغضب , والإقدام على الأهوال, والشوق إلى التسلط والترفع, وضروب الكرامات. وقد أطلق عليها مسكويه القوة الغضبية أو السبعية ووضح أن فضيلتها الشجاعة.
  • القوة التي بها تكون الشهوة وطلب الغذاء , والشوق إلى الملاذ التي في المآكل والشارب والمناكح وضروب اللذات الحسية. وقد أطلق عليها مسكويه القوة الشهوانية أو البهيمية وأوضح أن فضيلتها العفة .(مسكويه , طهارة النفس ورقة 36).

والإنسان صار إنسانا بأفضل هذه النفوس أي العاقلة (مسكويه ,1959. ص47). وأوضح مسكويه أن النفس البهيمية معنا من أول النشوء ومع الولادة , ولذلك كانت قوتها أشد, ويظهر أثر النفس المميزة بقوة العقل من بعد قليلا قليلاً إلى أن يقوى في وقت البلوغ. وإن طبيعة النفس البهيمية الانقياد للناطقة (العاقلة). (ولوا أن ذلك في جبلتها وطبيعتها وهو قبول التربية لكان تكليفا بخلاف ما في الطبع) (مسكويه وأبو حيان التوحيدي, 1951, ص 149-150). ويقسم مسكويه هذه القوة من حيث قبول التربية (الأدب) أقساما ثلاثة :

  • الكريمة الأدبية بالطبع وهي النفس الناطقة (العاقلة).
  • العادمة للأدب وهي مع ذلك غير قابلة له وهي النفس البهيمية .
  • التي عدمت الأدب ولكنها تقبله , وتنقاد له , وهي النفس الغضبية التي وهبنا الله إياها لنستعين بها على تقويم البهيمية التي لا تقبل الأدب.

(مسكويه , 1951, ص53)

والنفس في الحقيقة واحدة وإن تعددت قواها ووظائفها وتسمياتها, فهي أسماء تقع على نفس واحدة , بحسب أفعالها المختلفة : فإن فعلت في الجسم الغذاء سميت نباتية وشهوانية, وإن فعلت الحس والحركة سميت حيوانية غضبية , وإن فعلت التمييز والتفكير سميت ناطقة (مسكويه, طهارة النفس, ورقة 35).

ويقسم مسكويه النفس العاقلة إلى :

  • عقل نظري يسهل إلى الإنسان تحصيل العلوم والمعارف المختلفة.
  • عقل عمل يساعد الإنسان في تنظيم الأمور وترتيبها.

(مسكويه , 1959, ص 47- 48)

(وحسب دراسات النفس بهذا الوضع يقسم مسكويه الفضائل تقسيما أساسه أفلاطوني , لأنه يعتمد على تمييز قوى النفس الثلاثة, وليس على الانفعالات والأفعال كما نجده عند أرسطو, ولهذا كان عدد الفضائل الأساسية محدودا وهي الفضائل الأربعة الكبرى, نردي بذلك الحكمة والشجاعة والعفة والعدل. ولكن تسميته لأجزاء تقسيمه العام أرسططالسيسة , فهو يسمي هذه الفضائل الأربعة , الفضائل الخلقية الإنسانية , ويضيف إليها – كما يفعل أرسطو – الفضائل النظرية التي تخص العقل في وظيفته التجريدية (عبد العزيز عزت, 1946, ص275).

الفروق الفردية عن مسكويه (مراتب الناس في قبول الآداب):

يقول مسكويه (1959 , ص34 – 35) (أما مراتب الناس في قبول هذه الآداب التي سميناها خلقا, والمسارعة إلى تعلمها, والحرص عليها, فإنها كثيرة , وهي تشاهد تعاين فيعم , وخاصة في الأطفال , فإن أخلاقهم تظهر فيهم منذ بدء نشأتهم , ولا يسترونها بروية , ولا فكر – كما يفعل الرجل التام – الذي انتهى من نشئه وكماله , إلى حيث يعرف من نفسه ما يستقبح منه فيخفيه بضروب من الحيل والأفعال المضادة لما في طبعه.

وأنت تتأمل من أخلاق الصبيان, واستعدادهم لقبول الأدب, أو نفورهم عنه , أو ما يظهر في بعضهم من القحه, وفي بعضهم من الحياء. وكذلك ترى فيهم من الجود, والبخل, والرحمة, والقسوة, في قبول الأخلاق الفاضلة, وتعلم معه أنهم ليسوا على رتبة واحدة, وأن فيهم المواتي , والممتنع , والسهل السلس, والفظ العسر, والخير والشرير, والمتوسطون بين هذه الأطراف في مراتب كثيرة لا تحصى.

وقد أوضح مسكويه أن هناك فروقا فردية بين لمتعلمين من حيث تقبلهم لمختلف العلوم والآداب:

  • فبعض التلاميذ عندهم قدرة قوية وصادقة على التخيل, فهم يصلحون للعلوم التي تحاج هذا التخيل.
  • وآخرون منهم يتميزون بالتفكير الصحيح, فتناسبهم الدروس التي تحتاج صحة التفكير.
  • وفريق ثالث من المتعلمين يتميزون بالتفكير الجيد , بالإضافة إلى قدرتهم على الحفظ.
  • وفريق رابع منهم يجمع كل الصفات السابقة وهم قليلون (وقد يقصد بهم العباقرة).
  • والفريق الأخير الذي لا تتحقق فيه واحدة من الصفات السابقة, وهم لا يصلحون لتعلم العلوم (وقد يقصد بهم فئات التخلف العقلي). . مسكويه , الهوامل والسوامل , ص 165 – 166).

هذا من ناحية الفروق بين الأفراد, أما الجماعات والأمم, فيرى أنها تتفق في تفكيرها الجماعي, ففضيلة الصدق في القول مثلا تتفق عليها كل الأمم. وكذلك الشجاعة العدل ..الخ.

يقول مسكويه (المقصود أن تعلم أن عقول الأمم كلها تتوافر على طريقة واحدة, ولا تختلف باختلاف البقاع, ولا تتغير بتغير الأزمنة, ولا يردها واد على الدهور والأحقاب) ( مسكويه, 1952, ص59).

النمو النفسي للطفل:

يرى مسكويه أن (نفس الطفل) هي حلقة بين نفس الحيوان ونفس الإنسان العاقل, أي عندها ينتهي أفق الحيوان ويبتدئ أفق الإنسان, وهي تسير في تطورها وفق ما يلى:

  • هي في أولها ساذجة من غير نقش ( مسكويه, 1959, ص58). وهي مستعدة للتربية , وصالحة للعناية ولا يجب أن تهمل (مسكويه, طهارة النفس, ورقة 40).
  • تظهر فيها القوة البهيمية وقد ضمنها مسكويه ما يلي :
  • تظهر قوة الإحساس باللذة والألم.
  • تتولد فيها قوة تشتق من الأولى, ولكنها أكثر حده, هي قوة الشهوات.
  • تبزغ ي أفق نفس الطفل, قوة تدفعه إلى تحقيق ما في نفسه, وأن يلتمس مختلف الوسائل والسبل لفعل ذلك وهي قوة الشوق.
  • تتدرج نفسه في نمو ملكاتها إلى قوة التمثيل التي تساعده على أن يرسم لنفسه صورا معينة, هي بمثابة مشالات يتشوق إليها (مسكويه, 1959, ص57 – 58).
  • بعد هذه القوة العامة البهيمية التي تهتم بالغذاء, وبكل ما يساعد الإنسان في حياته الدنيوية, تظهر في نفس الصبي القوة السبعية ويسميها مسكويه قوة الغضب, بدفع الطفل بها عن نفسه ما يؤذيه , مرة بنفسه إذا استطاع, وأخرى بوالديه بالبكاء إن عجز. (مسكويه, طهارة النفس ورقة 39 والتهذيب ص 58).
  • ثم تظهر فيه قوة أرقى مما تقد , هي قوة التمييز, وهي القوة التي تميزه عن غيره من سائر الموجودات باعتباره إنسانا, وهي قوة العقل وأول مظهر لها عند الطفل هو الحياء ( مسكويه, 1959, ص58) . ويعرف مسكويه الحياء بأنه ( الخوف من ظهور شيء فيبح من الطفل, وهو الإحساس بالجميل والقبيح وإيثاره الأول على الثاني, ويرى أن هذه القوى, تتسلسل , وسابقها ضروري للاحقها , وكلها لازمة ليصل الطفل إلى حياة الفضيلة( عبد العزيز عزت, 1946, ص 342).

وحياة الفضيلة عند الطفل لها شرطان : شرط نفسي وشرط اجتماعي , أما لأول فيتلخص في الانطباع على الخير بالسليقة, بظهور الحياء والإطراق إلى الأرض (مسكويه, 1959 ص58) . أما من كان وقحا بطبعه كان مثله كالخنزير الوحشي لا يطمع في رياضته, لأن نفسه العاقلة تصير خادمة لنفسه البهيمية, ولنفسه الغضبية (المرجع السابق, ص67).

أما الشرط الاجتماعي فيتلخص في إبعاد الصبي عن رفاق السوء, ومخالطة الفاسدين بطبعهم, لأن المخالطة تفسد بالمقارنة والمداخلة (المرجع السابع, ص59). هذا من جهة ومن جهة أخرى مصاحبتهم للأخيار وأهل الحكمة, فإن المثل الصالح , والفعل الصالح مع الأخيار, يقوي النفس, ويشجعها على الفضائل (مسكويه, 1952, ص 286). وأيضا إبعاد الأطفال من حين إلى حين عن محيط الأسرة, أي المحيط الذي يجدون فيه عادة كثيرا من العطف والتنعم إلى محيط آخر, يشعرون فيه بشيء من الجفاء والخشونة, وعدم التواكل والاعتماد على الأهل (عبد العزيز عزت, 1946 , ص342).

الذاكرة والتحصيل:

يقول مسكويه (أما العلوم والمعارف, فالإنسان يحصلها في شبيه بالخزانة له , يرجع إليه متى شاء , ويستخرج منه ما أراد : أعنى القوة الذاكرة التي تستودع الأمور التي تستفاد من خارج , أعني من العلماء والكتب , أو التي تستفاد بالفكر والروية من داخل ) (مسكويه وأبو حيان التوحيدي, 1951, ص173).

ومعنى ذلك أن مسكويه قسم التحصيل إلى قسمين:

  • تحصيل للعلوم من الخارج وهو في ذلك يستخدم الحواس ويخزن هذه العلوم في الذاكرة, وهذا ما يوضحه مسكويه في موضع آخر بقوله (فما يأتيها (النفس) من الحس فإنها تخزنه في شبيه بالخزانة لها أعني موضع الذكر) (المرجع السابق , ص111).
  • تحصيل للعلوم من الداخل باسترجاعها من العقل, وتكرار تصوره لها , حتى تنطبع في ذهنه , ولذا فإن العلم فينظر مسكويه يحتاج إلى كثرة التدريس لأنه في أول الأمر يحصل منه الشيء الذي يسمي (تحالا) , ثم بعد ذلك بالتكرار يصير (ملكة ) ثابت (المرجع السابق, ص 111).

علم النفس العلاجي عند مسكويه:

قسم مسكويه في كتابه (التهذيب) علم النفس العلاجي إلى قسمين :  قسم يبغي حفظ صحة النفس, وإبقائها سليمة , بعيدة عن الأسقام, فمهمته المنع, وينظر إلى المستقبل. والآخر ينبغي خلاصها, بشفاء ما قد ينتابها من الأمراض حتى تعود إلى صحتها, وتستقيم حياتها بعد أن ساءت وفسدت, ومهمة هذا القسم الإنقاذ, وينظر إلى الماضي وهو يسمي القسم الأول (تهذيب الأخلاق) ويسمي القسم الثاني (تطهير الأعراق) (مسكويه, 1959, ص204 -205) وهو لا يضع علاجه النفسي لكل الناس , لأن نفوسهم تختلف , ويرى أن طبائعهم تنحصر في ثلاثة أنواع (وهو يتأثر في هذا بجالينوس) . فهناك قوم خيرون بطبعهم, وهؤلاء قليلون , ومن الناس من طبع على الشر , فهم لا يعرون طريق الفضائل والخير, ومن الناس من هو وسط بين هؤلاء وأولئك , يميلون تارة إلى الخير وتارة إلى الشر, حسب الظروف والتأثيرات التي يخضعون لها. (المصدر السابق, ص38 – 39).

والعلاج النفسي في نظر مسكويه لم يوضع لأصحاب الشر, فهؤلاء لا سبيل إلى علاجهم, فهؤلاء لا سبيل إلى علاجهم, وإصلاح نفوسهم, فلقد تأصل فيهم الشر , وهو ملازم لهم دائما أبدا. وهو كذلك لم ينشأ للخيرين بطبعهم, فهم يأتون الخير دائما بمحض سليقتهم , ولا سبيل إلى فسادهم.

ولما كان المتوسطون يترددون بين الخير والشر, وكانت طبائعهم قلقة لا تلبث على حال معينة, وجب أن يوضع لهم علاج نفساني , يطبق في جزئه الأول (أي لحفظ الصحة النفسية) إذا مالوا نحو الخير, وفي جزئه الثاني (أي لشفاء أمراضهم النفسية) إذا اتجهوا نحو الشر. (المرجع السابق ص 205).

أما عن (تهذيب الأخلاق) وهو الجزء الأول من العلاج النفسي عند مسكويه فهو يتناول أمرين هامين:

الأول : تهذيب الغايات التي يسعى إليها الإنسان , وهي اللذات الجسمية , واللذات المادية, بإحلال غايات أخرى , بموضوعاتها تتناسب وقدر الإنسان باعتباره كائنا عاقلاً, هي حب العلم والإقبال على الفضيلة.

ثانيا : تهذيب الملكات النفسية التي تساعد الإنسان على مقاومة عناصر البهيمية , والترقي في مراتب السعادة. (المرجع السابق ص 204).

ويرى مسكويه أن الإنسان بفطرته يميل إلى اللذات الجسمية,ولكنه يعتبر أن الإسراف فيها, مضر كل الضرر, ويؤدي إلى الخلاعة والعبث والاضطراب, ولهذا وجب أن يكتفي بالقدر الضروري الصالح, الذي لا ينتج عنه السوء.

والسبب الأساسي في الإقبال على هذه اللذات هو معاشرة أهل السوء, ولهذا وجب البعد عن مخالطتهم وعدم القرب من مجالسهم. ولهذا أيضاً, وجب على من يريد حفظ صحته أن يركن إلى غاية تتفق وطبيعته الخاصة, أي طبيعة العقل والتفكير , وهي محبة العلم , لأن النفس متى تعطلت وعدمت الفكر, والغوص وراء المعاني, تبلدت وتبلهت , وانقطعت عنها مادة كل خير. وإذا ألفت الكسل وتبرمت بالرواية, واختارت العطلة, قرب هلاكها , لأن في عطلتها هذه , انسلاخا عن صورتها الخاصة بها , ورجوعها منها إلى رتبة البهائم, وهذا هو الانتكاس في الخلق. (المرجع السابق ص 208)

وهذا بعكس من يقبل على العلم , فإن ذهنه يتفتح, ويستقيم نظره في أمور دنياه, ويمكنه أن يبلغ كماله وسعادته.

والإنسان قد لا يقبل على اللذات بالفعل, وإنما يأتيها في نفسه, بإثارة ذكرياتها إليه , وتحريك الذاكرة نحوها لتغمر النفس, فيسودها الاضطراب , لأن هذه قوى ترتبط كل الارتباط بالجسم والمادة, ولا منفعة منها إلا إذا سادها العقل, فتحريك هذه الذكريات , يجعل النفس تشتاق إليها اضطربت واختل توازن قواها, ويمثل مسكويه من يفعل ذلك بمن يثير بهائم جامحة, ويهيج سباعا ضارية. (نفس المصدر , ص216) ولهذا اوجب أن ينبعثا بالطبيعة , وحينئذ يجب أن يتدخل الفكر لمحو علتيهما, مع تقدير ما يسمح به لهما في الأمور الضرورية , وعليه فاللذات الماضية , إثارتها تزعج النفس , ويجب على العالق ألا يعيدها , وإنما يبحث عن سبيل إبعادها, وإذا تطلبت الطبيعة أحيانا أن تثار, فليأخذ الإنسان منها بالقدر المعقول للضرورة الصالحة, لأن من أستعمل النفس الناطقة في خدمة عبيدها , فقد عكس والوضع الطبيعي لقوى الإنسان, ووقع الظلم على نفسه , وكان جائرا على ذاته (المرجع السابق, ص216 – 217).

وهناك من الناس من يضع لنفسه غاية تتعلق باللذات المادية واللذات الخارجية الاجتماعية, كالغناء , والثروة , والجاه, والزينة والمواكب (المرجع السابق ص 211), ولكن هذه غاية ثانوية , لأنها لا تدوم , وأثرها عارض زائل, وصاحبها كثير الخوف, قلق النفس, مجهد البدن.

ويذكر مسكويه , أن كثيرا من الملوك الذين يحوزون كل هذه النعم, لا ينعمون السعادة الحقة , التي هي السعادة النفسية الداخلية, وإنما هم دائما في هم وغم. ولهذا ينصح مسكويه بأن يقنع الإنسان في الأمور الخارجية, وأن يكتفي بالنعم النفسانية , التي هي في ذواتنا , فيه ترتقي بنا رويدا رويدا إلى كمالنا الخاص والعام.

وأما عن (تطهير الأعراق) وهو الجزء الثاني من العلاج النفسي عند مسكويه: فإن مسكويه يفترض وجود أمراض نفسية, يصح أن تنتاب الإنسان, وأن هذه الأمراض لها أسباب نفسية, إذا عرفا أمكن أن تشفى النفس, ومسكويه في ذلك قد سبق ياسبرز JESPERS  في تأكيده على صدور ما هو سيكولوجي عما هو سيكولوجي (ياسبرز JESPERS , 1963) . كما أنه سبق كل المعالجين النفسيين في تأكيدهم على أهمية الاستبصار بالنسبة للعملية العلاجية. وأمراض النفس فيما يرى مسكويه هي رذائلها , وهو يحددها بثمانية :

التهور – الجبن , الشرة – الخمود , السفه – البله , الجور – المهانة.

وهي أطراف  الفضائل الكبرى أي :

الشجاعة – العفة – الحكمة – العدل.

لأن مسكويه يعرف الفضيلة – كما نجد ذلك عند أرسطو – بأنها وسط قويم بين حدين متعارضين.

وأسباب الأمراض النفسية :عند مسكويه, هي شهوات النفس الجامحة المختلفة, ويرى مسكويه أن أهماها ثلاثة:

الغضب – الخوف – الحزن . (مسكويه, 1959, ص21)

أما عن الغضب فيعرفه مسكويه بأنه حركة للنفس , يحدث بها غليان دم القلب , شهوة للانتقام , فإذا كانت هذه الحركة عنيفة, ثار الغضب وأضرمها , فاحتد غليان دم القلب, فامتلأت الشرايين والدماغ دخاناً مظلما مضطربا, يسوء منه حال العقل , ويضعف فعله.

لذلك فإن الغضب يعمي الإنسان عن الرشد, ويصمه عن الموعظة , بل تصير الموعظة في تلك الحال سببا للزيادة في الغضب, ومدة للهب والتأجج . وليس يرجي له في تلك الحال حيلة. ( المرجع السابق, ص 225).

ويرى مسكويه أن الغضب في مبدأ أمره ليس واحدا في كل الناس, وإنما هو يختلف حسب المزاج الخاص . فمن كان مزاجه عنيفا حارا. كان الغضب إليه أسرع , أما صاحب المزاج الهادئ فحاله على العكس, وهذا في أول الغضب وبدئه, ولكن الحال تكاد تتقارب عند كل منهما, إذا أشتد واحتدم.  ويعتقد مسكويه أن النفس إذا استشطت غضبا, فليس يرجى إخمادها , وتهدئتها . ولهذا كان علاج الغضب في مبدئه لا بعد قيامه.

والغضب في نظر مسكويه, بعيد عن أن يسمى رجولة , لأنه ليس به أي سعة من الشجاعة. والغضب ليس بدرجة واحدة عند الرجال والنساء , وليس بدرجة واحدة بالنسبة للسن والطبع, فمسكويه يرى أنه يعظم في النساء عنه في الرجال , لحدة في شعورهن. وفي الصبيان لأن صغر عمرهم يجعلهم أسرع وأميل إلى الغضب من الرجال. والشيوخ كذلك أكثر غضبان من الشبان . لضعف أعصابهم, وتبلبل أفكارهم وتعلقهم بتافه الأمور. والغضب أكثر عند المرضى منه عند الأصحاء, ويكثر أيضا عند أصحاب الشره , إذا تعذر عليهم الحصول على ما يشتهون , فالبخيل إذا فقد شيئا من ماله, تسرع إلى الغضب على أصدقائه ومخالطيه. وتوجهت تهمته إلى أهل الشقة من خدمه وأهل منزله.

والغضب في نظر مسكويه هو أعظم الشهوات التي تنغص على الإنسان حياته وتوجد الاضطرابات فيها, وتدفعه إلى الشرور والاكتئاب. ولهذا وجب أن يقاومه بمقاومة عوامله, وهي نظر مسكويه :

(العجب , والافتخار , والمراء , واللجاج , والمزاح , والتيه , والاستهزاء , والغدر , والضيم , وطلب الأمور التي فيها عزة وتتنافس فيها الناس , ويتحاسدون عليها , وأخيرا شهوة الانتقام).

فإذا أمكن الإنسان أن يبعد عن نفسه هذه العوامل , قل غضبه , وهدأ باله , ولم يتعرض لتلك النتائج السيئة (المرجع السابق , ص 226-227).

ولذا وجب على الإنسان أن يقهر غضبه بحلمه , ويتمكن من التمييز الصحيح, النظر السليم , فيما يهاجمه من المكارة, حتى يحكم أساليب الانتقام بالقدر المعقول, فلا يصيبه منها أذي. فالحلم هنا هو الفضيلة المطلوبة , وهي في هذه الحالة صحة النفس.

وهناك بعد الغضب نوعان من شهوات النفس يدفعان إلى الرذيلة, ويسببان مرض النفس, ولكنهما أخف وطأة من الأول وهما الخوف والحزن.

أما عن الخوف فيعرفه مسكويه يقوله (إذا كان الغضب هو حركة للنفس عنيفة قوية, يحدث منها غليان دم القلب , شهوة للانتقام , فيصبح الجبن هو سكون للنفس عما يجب أن تتحرك فيه , وبطلان شهوة الانتقام) (المرجع السابق ص 238) . ويرى مسكويه أن للخوف كما للغضب نتائج سيئة , تؤذي النفس , وتؤدي إلى أقبح النتائج في حياة الإنسان . منها مهانة النفس , وسوء العيش وطمع طبقات الأنذال وغيرهم من الأهل والأولاد , وقلة الثبات والصبر في المواقف التي يجب فيها الثبات , وهو أيضا سبب الكسل , ومحبة الراحة, واللذين هما سبب كل رذيلة, ومن لواحقه الاستخذاء, والرضي بكل رذيلة, والدخول تحت كل فضيحة في النفس والأهل والمال, وسماع كل قبيحة فاحشة من الشتم والقذف , واحتمال كل ظلم من معامل , وقلة الأنفة مما يأنف منه الناس.

ولهذا وجب أن يقوم الإنسان هذا الضعف النفساني , لأنه ليس بضعف متأصل في النفس, وإنما يمكن معاجلته والوصول إلى صحة النفس المطلوبة.

وعلاج الخوف – في نظر مسكويه – على ثلاثة أنواع :

أولاً : مقاومة الكسل : بأن يوقظ الإنسان نفسه بإثارة نشاطه الخاص, لأن القوة الغضبية كامنة فيه بالفطرة ، ولكن ينقصها المران، وعادة التحقق بالفعل . وهي بهذا الحالة تشبه النار تحت الرماد، إذا انقشع عنها ظهرت حرارتها وبان لهيبها. ويذكر مسكويه ( أنه حكي عن بعض المتفلسفين أنه كان يتعمد مواطن الخوف ، فيقف فيها ، ويحمل نفسه على الخاطرات العظيمة بالتعرض لها، ويركب البحر عن اضطرابه وهيجانه ليعود نفسه الثبات في المخاوف . ويحرك منها القوة التي تسكن عند الحاجة إلى حركتها ، ويخرجها عن رذيلة الكسل ولواحقه ) (المرجع السابق  ، ص 239 – 240).

وما يذكره مسكويه في ذلك هو نفس ما توصل إليه المحللون النفسيون في علاجهم للخوف من ( تعريض المريض للمواقف المرهوبة) (محمد عبد الظاهر الطيب ، 1977 ، ص 62) وهو أيضا نفس ما توصل إليه المعالجون السلوكيون من علاج بالغمر FLOODIGN في علاج المخاوف المرضية (فولبه WOLPE  ، 1958).

ويرى مسكويه أنه بمثل هذه المحاولات تثار الشجاعة التي تمثل صحة النفس في هذه الحالة . وعن تأكدها يجب على الإنسان المحافظة عليها دون أن يبالغ فيها بالذهاب إلى الطرفين، التهور ، أو الجبن.

ثانياً : ترك لتشاؤم : واللجوء على عكس ذلك إلى الظن الجميل والأمل القوي، لان توقع المكروه ، وظن السوء بالمستقبل والخوف من وقوعه عاجلا أو آجلاً ، منن شانه أن ينغص على الإنسان حياته ، خاصة وأن أمر المستقبل بيد القدر.

ثالثاً : يجب أن نتروى ، ونتحاشى سوء الاختيار في الأمور الممكنة ،فننظر إلى عواقبها، ولا نقدم عليها إلا بعد تأن وتفكير، أما بالنسبة للأشياء الضرورية ، فيجب على النفس أن تتحمل ضرورات طبائع الأشياء وإن كانت غير سارة.

ويعرض مسكويه لنوع معين من الخوف، هو خوف الموت ، ويرى أنه الجهل بمعرفة الموت على حقيقة أمره.

والموت في نظر مسكويه شيء يدل على عدل الخالق في خلقه ( مسكويه، 1959، ص250).

ويعطي مسكويه للخوف من الموت سبعة أسباب هي :

  • الجهل بالموت على حقيقة أمره.
  • الجهل بمصير النفس.
  • الجهل ببقاء النفس.
  • الظن بأن للموت ألما عظيما غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه ، وكانت سبب حلوله.
  • الاعتقاد بأن هناك عقوبة تحل بالإنسان بعد موته.
  • أن الإنسان يكون متحيرا لا يدري على أي شيء مقدم بعد الموت.
  • أن الإنسان يأسف على ما يخلفه من المال والمقتنيات . (المرجع السابق ، ص 243).

وقد عالج مسكويه كل واحد من هذه الأسباب كما يلي :

  • من جهل الموت ولم يدر ما هو على حقيقته، فذلك أن الموت ليس بشيء أكثر من ترك النفس استعمال آلتها وهي الأعضاء التي يسمي مجموعها بدنا. وأن النفس جوهر غير جسماني، وغير قابلة للفساد، وهي تخالف جوهر البدن بذاتها وخواصها وأفعالها وآثارها، فإذا فارقته بقيت البقاء الذي يخصها وخلصت من اضطراب المادة وسعدت السعادة التامة.
  • وأما الجهل بمصير النفس ، فإن من يهاب الموت يعتقد أن جيمه إذا انحل وبطل تركيبه فقد انحلت ذاته وبطلت نفسه، وفي هذا جهل ببقاء النفس ، فهو لا يخاف الموت على الحقيقة , وإنما يجهل ما ينبغي أن يعلمه، فالجهل هو سبب الخوف. والموت شيء اعتباري ، يجب ألا يخشاه الجهال لأنهم أموات بالفعل ، ويجب ألا يخشاه الحكماء لأنهم يتحكمن في مشاعرهم فلا يثير فيهم هذا الخوف.
  • أما الجهل ببقاء النفس، فإن النفس بانحلال الجسد بالموت ، لا تنحل ، ومن اعتقد هذا فهو جاه ليهاب الموت. والإنسان الذي تعشق نفسه أن تلتصق ببدنه وألا تفارقه ، نجده دائما في خوف من فراقها ، ونجده في غاية الشقاء لأنه لا يريد لنفسه مستقرها الطبيعي ، وهو الخلاص من البدن والارتقاء إلى عالم الأرواح, وإنما يطلب المستحيل بدوامه عالقة بالبدن.
  • أما الظن بأن للموت ألما عظيما غير ألم الأمراض التي تمهد له فهذا وهم باطل ، ويجب أن يعالج، لأن الألم يكون عادة للحي ،والحي هو القابل أثر النفس، وأما الجسم الذي ليس فيه روح فإنه لا يألم ولا يحس، فإذن الموت الذين هو مفارقة النفس للبدن لا ألم له, لأن البدن ، إنما كأن يألم ويحس بأثر النفس فيه، فإذا صار جسما بلا روح فال حس له ولا ألم.
  • أما خوف الموت لأجل العقاب الذي يوعد به ، فينبغي أن يبين للخائف أنه ليس يخاف الموت ، بل يخاف العقاب، والعقاب إما يكون على شيء…..

باقي بعد البدن، ومن اعترف بشيء باق بعد البدن، هو لا محالة معترف بذنوبه التي يستحق عليها العقاب، فهو إذن خاف من ذنوبه وجب أن يحذرها ويجنبها، وهي تصدر عن الرذائل وعليه فالخائف من الموت على هذه الطريقة، هو الجاهل ما ينبغي أن يخاف منه , وخائف مما لا أثر له , ولا خوف منه. وعلاج الجهل هو العلم ، لان الحكمة تنقذنا من هذه الآلام والظنون الكاذبة التي هي نتائج الجهالات.

  • كذلك من تهيب الموت ، فهو لا يعلم ماذا يكون مصيره بعد الموت . ولكن هذا خوف لا مبرر له , ومصدره الجهل بطبائع الأشياء، وعلاجه هو العلم حتى يهتدي الإنسان وتطمئن نفسه.
  • ومن الناس من يهاب الموت ويحزن لأنه سيترك وراءه أبناءه وأهله، وسيحرم مما يملك من متاع الدنيا، ولكن مثل هذا الرجل ، يجب أن يعلم أنه يتعجل الخوف والألم ، فطبيعة هذه الأشياء زائلة ، وأنه لابد من مفارقتها يوما ما ، وخوفه وألمه لا يجدي شيئاً، ويفرض على نفسه الغم والكآبة ، بدون مبرر معقول . (المرجع السابق ص 246 – 253).

وهكذا نجد مسكويه في علاجه لخوف الموت يستخدم الإقناع العقلي والاستبصار بحقيقة الموقف المرهوب، وهو ما يستخدمه المعالجون النفسيون المحدثون على اختلاف اتجاهاتهم العلمية وفنياتهم العلاجية كجانب من جوانب العلاج النفسي، وإن كان أصحاب اتجاه العلاج العقلاني النفسي ( إليس   ELLIS ، 1977).

وبعد علاج الخوف عامة، وعلاج خوف الموت خاصة ، يتحدث مسكويه عن علاج الحزن لأن الحزن بعد الغضب والخوف, سبب قوي من أسباب أمراض النفس.

ويعرف مسكويه الحزن بأنه الم نفساني ، وهو ف نظره شيء عارض ، وليس بحالة طبيعية متأصلة في النفس، وهو يتأثر في هذا (بالكندي) في كتابه (دفع الأحزان) فهو يراه دخيلا على الإنسان ويفرض على نفسه فرضا, لأن الحزن على موت الأعزاء من الأقرباء والأصدقاء، ليس بواحد عند سائر الناس، وهم مع اختلاف درجات هذا الحزن يعودون إلى حالتهم الأولي، أن عاجلا أو آجلا من السرور والاغتباط ، وهذا الاستقرار يؤكد أن الحزن غير طبيعي ، بل هو وقتي غير دائم.

وللحزن أسباب تثيره ، ولكنها إذا عرفت وأمكن حصرها ، وجب علاجها ، فهي ليست مستحيلة مستعصية على الإصلاح. زمن هذه الأسباب :

  • فقدان الإنسان محبوباته ومطلوباته، والحزن على هذه الأشياء عيب في نظر مسكويه، لأنها أشياء لا تثبت على قرار.
  • طمع الإنسان في اقتناء الفانيات، بحيث أنه إذا أمتلك شيئاً منها لا يكتفي ولا يقنع ، وإنما يرجو المزيد ، وهو في هذا السبيل يصادف المتاعب والآلام . ولهذا وجب الأخذ منها بمقدار الحاجة ، فالقناعة بما يمتلك الإنسان فضيلة لازمة.
  • الحسد , ويعرفه مسكويه بأنه حالة نفسية ينعدم فيها العقل، فيطمع الإنسان فيما لا مطمع فيه ، لأن الحسود يجب أن يستبد بالخيرات من غير مشاركة الناس. والحسد في نظر مسكويه ، أقبح الأمراض النفسية ، لأن صاحبه يحب الشر لأعدائه، ولأصحابه على السواء، فالحسود يريد بحسده وسوء قلبه حرمان الناس من حق امتلاك الخيرات. (مسكويه 1959 ، 254 – 257 ).

ويمكننا القول بان العلاج النفسي الذي يعرضه مسكويه يرتكز على العلم , فنحن نجده يذم الجهل، ويحبذ العلم والحكمة عندما يقول القوة العاقلة ، ومسكويه عندما يقول القوة العاقلة , يقصد الإرادة, ولهذا فهو يقول (أما أفعلاه (الإنسان ) وملكاته التي يختص بها من حيث هو إنسان، وبه تتسم إنسانيته وفضائله فيه الأمور الإرادية ، التي تتعلق بها قوة الفكر والتمييز … والخيرات هي الأمور التي تحصل للإنسان لإرادته وسعيه في الأمور التي لها أوجد الإنسان ، ومن أجلها خلق ، والشرور هي الأمور التي تعوقه عن هذه الخيرات بإرادته وسعيه أو كسله وانصرافه) (المرجع السابق ، ص 13 – 14 ).

وعليه يتضح أن الإنسان مسئول عن كماله ومسئول عن نقصه ، فهو إذا شاء ارتقى في درجات السعادة ، حتى يبلغ السعادة القصوى ، وهو الذي يقرر كذلك انحطاط نفسه إلى مصاف الحيوان ، إذا قلب الوضع الطبيعي ، وجعل قوة العقل تخضع لما دونها من القوى الأخرى (عبد العزيز عزت ، 1946 ، ص 338).

ومسئولية الإنسان تكون أمام نفسه، لا أمام مخلوق سواه ، فهو الذي يشرع لنفسه ، ويتحمل تبعات هذا التشريع حسنة كانت أم سيئة ، وهذه المسئولية وفق في الحياة , وبلغ السعادة لأنها متيسرة يمكن الوصول إليها , وإن لم يدركها كان شقيا غير موفق في عالم الشهادة . (مسكويه ، 1959 ، ص 98).

 

المراجع :

  • أبن خلدون (1329هـ ) المقدمة . مصر.
  • بارتولد (ترجمة ) حمزة طاهر (1942) تاريخ الحضارة الإسلامية . مصر .
  • الزركلي (1954) . الإعلام . القاهرة : مطبعة كوستاتوماس وشركاه.
  • العاملي . (1946) . أعيان الشيعة . دمشق.
  • عبد العزيز عزت . (1946) أبن مسكويه : فلسفته الأخلاقية مصادرها . القاهرة : مكتبة مصطفى البابي الحلبي .
  • محمد عبد الظاهر الطيب . (1977) العصاب القهري وتشخيصه باستخدام اختبار تفهم الموضوع . طنطا : مكتبة سماح.
  • مسكويه وأبو حيان التوحيدي. (1951) الخوامل والشوامل . القاهرة . مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.
  • مسكويه (تحقيق) . عبد الرحمن بدوي (1952) . الحكمة الخالدة (جاويدان خرد) . القاهرة : مكتبة النهضة المصرية .
  • مسكويه . (1959) تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق . القاهرة : مطبعة صبيح.
  • مسكويه (بدون تاريخ) طهارة النفس. مخطوط مصور رقم 417 . حكمة وفلسفة. القاهرة : دار الكتاب المصرية.
  • مسكويه ( بدون تاريخ) رسالة في جوهر النفس . مخطوط مصور ضمن مجموعة لقم 26064 مكتبة جامعة القاهرة.
  • ELLIS, A. (1977). REASON AND EMOTION IN PSYCHOTHERAPY. N. J. THE CITADEL PRESS.
  • JASPERS, K. (1963). GENERAL PSYCHOPATHOLOGY. TRANSLATED BY HOENIG J. AND HAMILTION, M. W. MANCHESTER: MANCHESTER UNIVERISTY PRESS.
  • MARGOLIOUTH, K., S. (1921) THE ECHLIPSE OF THE ABBASIDE CLIP HATE, OXFORD, VOL 7. INDEX.

WOLPE, J. 1958 PSYCHOTHERAPY BY RECIPROCAL INHIBITION. STANFORD: STANFORD U

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر