أبحاث

مدمن الكحول، هل يستطيع الإسلام إنقاذه؟

العدد 32

مقدمة: في عام 1975م قدمت بحثا في مؤتمر ICAA بالبحرين تحت عنوان: “إدمان المسكرات وعلاج المدمنين المسلمين” ولقد كان هدف تلك الدراسة هو إظهار كيفية نجاح الإسلام في التخلص من ذلك الاعتماد الوبائي على الكحول بين المسلمين في القرن
السابع بالمدينة. لقد حاولت أن أحلل العوامل الاجتماعية، والنفسية والروحية التي ساعدت على تحقيق ذلك التغيير الذي لا مثيل له في اتجاهه وتأثيره، في جماعة من العرب وكان الإدمان الوقائي للمسكرات والإفراط في تناولها يعد عرفا من أعرافهم وضرورة نفسية في حياتهم.

ولقد عقدت مقارنات بين العقوبات الإسلامية ضد تناول المسكرات وبين أساليب العلاج النفسي والاجتماعي للمدمنين في الوقت الحاضر، اختتمت ذلك البحث بمناقشة الإمكانية الهائلة التي لا يزال الإسلام يمتلكها لمحاربة الاعتماد على الكحول والمخدرات في البلدان الإسلامية.

إن الأثر الروحي والنفسي للإسلام على المرضى العاديين، بما في ذلك المعتمدين على المخدرات والكحول، يفوق كثيرا ما يعتقده المعالجون النفسيون الغربيون ومقلدو الغرب. ومن خبرتي مع العديد من المرضى أدركت أن المصدر الرئيسي بالذنب والقلق الذي يبديه الكثير من المرضى المسلمين يعد في تحليله النهائي متداخلا كثيرا مع صلتهم بالله عز وجل. ولقد قمت بتقديم أمثلة واقعية في دراستي المشار إليها نابعة من سجلات المرضى تأييدا لذلك المضمون. وسواء كان المريض المسلم يشعر بأنه مذنب أم بأنه ضحية، فإن وجود الله سبحانه وتعالى وتأثيره على عباده سواء عن وعي منهم أو بدون وعي يعد ظاهرة ساحقة يجب ألا يغفل عنها الأطباء النفسيون في العصر الحديث.

ولقد تناولت بالنقاش كيف يستطيع العلاج النفسي المتجه وجهة إسلامية أن يستغل ذلك الشعور بالذنب المتجه وجهة دينية، عن طريق تعزيزه أو إنقاصه، لمساعدة المريض المدمن على إخراجه من ذلك المأزق.

ويستطيع القارئ من أجل استكمال مناقشة تلك الآراء أن يرجع إلى كتابي “الإسلام وإدمان المسكرات” الذي يقوم على أساس دراستي التي قدمتها في مؤتمر البحرين. ولقد تم نشره في الولايات المتحدة بواسطة دار نشر الأميركان تروست مع تقديم خاص من ICAA. ولقد تم ترجمته أيضا إلى الأوردية في باكستان وتتم ترجمته إلى العربية في السعودية.

وتعتبر هذه المقالة استكمالا لنفس الدراسة، ولكن باعثها الأساسي في حقيقته هو أن معظم المعالجين والأطباء النفسيين المسلمين يغفلون عن دور الإسلام في مساعدة المرضى مدمني الكحول، خاصة هؤلاء المرضى الذين لا يزالون في المراحل المبكرة للإدمان وفي هذا الصدد لا نتمالك من الشعور بخيبة الأمل تجاه المعالجين النفسيين الذين يميلون إلى العقاقير أو إلى العلاج النفسي في كافة دول العالم الإسلامي.

وبالنسبة للمجموعة الأولى من المدمنين فإن مريض الكحول يواجه مجموعة من الأعراض المثيرة للاضطرابات الشخصية، البيولوجية أو الموروثة. ومن ثم فلا يوجد من يستطيع أن يفعل شيئا حيالها، حتى الطبيب النفسي. فأنت لا تملك تغييرا لشخصيته… ولا يسعك أن تغير موروثاته، وثمة كثيرون من الأطباء النفسيين لا يزالون يتمسكون بذلك الافتراض الذي لا تؤيده نتائج الأبحاث حيث فشلت دائما في تصوير الشخصية قبل إدمان الكحول.

ويبدو أن السبب هو أن ذلك يعد بمثابة تفسير مريح للغاية لهؤلاء المعالجين النفسيين الذين يميلون تجاه العقاقير.

ونتيجة لانشغال هؤلاء الأطباء النفسيين بالأعراض وبخلفيتها الطبية، فإنهم فشلوا حتى في رؤية المريض المعتمد على الكحول باعتباره إنسانا، هذا إذا تجاوزنا عن ذكر رؤيته كإنسان مسلم تتقرر جميع القوى المحركة لشخصيته، سواء كانت ذات سلوك سوي أو غير سوي، بواسطة معتقداته الإسلامية. وكثير من هؤلاء الأطباء النفسيين أصبحوا هو أنفسهم منقادين إلى وصف العقاقير باعتبارها وسيلة فعالة للتعزيز النفسي، وهم لذلك يقدمونها بصفة عامة سواء كانت مفيدة أم حيادية أم ضارة. وحتى من وجهة النظر الطبية، تشير الأبحاث إلى أن استخدام المهدئات بالنسبة لمدمني الكحول الذين لم يتخلوا عنه تماما يعد ضارا يؤثر بشكل خطير في الشفاء. ذلك أن المهدئات تؤدي إلى إعاقة بناء الشخصية والتلبد وتحول حافز المريض من الرغبة في الشفاء إلى رغبة في تحقيق الراحة الفورية من التوتر.

ومن الناحية الأخرى، فإن معظم المعالجين المسلمين الذين يميلون إلى العلاج بالطب النفسي يدركون مشاكل المريض من مجال رؤية محدودة للغاية وغير مؤكدة حتى من وجهة نظرعلم النفس الغربي. وهم قد ينسون تماما أن مدمن الكحول المسلم يعتقد بعمق أنه خاطئ لانتهاكه أحد تعاليم الإسلام. إن وضع تلك الحقيقة البسيطة في اعتبارنا يعد أكثر فائدة في توجيه العلاج النفسي الاجتماعي مما تتبعه مدرسة العلاج النفسي الغربية.

وفي هذا الصدد، يمكن لعلماء النفس بصفة خاصة أن يتسببوا في ضرر حقيقي، فإن البعض منهم يستجيب لعقدة النقص مثل غير الأطباء في فريق الطب النفسي الذين يتمسكون بأسلوب مغالى فيه من أساليب علم النفس الدينامكي. ليس من الغريب أن نجد بعضهم يتمسك بشدة ببعض المفاهيم العتيقة الخاصة بفرويد والتي بمقتضاها يعتبر الاعتماد على الكحول بمثابة رغبة جنسية مكبوتة تبدي نفسها في الإشعاع الفمي الذي يتبدى في السلوك المتمثل في الشراب، وإن مرضهم ليس أكثر من الجنس المكبوت. وهم يستخدمون أساليب ابرازيه غير ملائمة مثل اختيار نقطة الحبر ادورشاخ لتشخيص الاضطرابات النفسية لمرضاهم مدمني الكحول وعلاجهم نفسيا. ويدعون إن مثل ذلك العلاج يحقق الانضباط النفسي لأنه يعين مدمن الكحول على الكشف عن الدوافع اللاشعورية للشراب ومن ثم على فهم ذاته. كما يدعون أن هذا البحث عن الدوافع اللاشعورية يكون ميسرا بتناول المريض للمسكرات نظرا لأن الشراب يظهر ويكشف عن الشخصية الحقيقية.

ومن المرجح أنه في هذا المجال يمكن أن يؤدي المعالج، الذي يميل إلى التحليل النفسي، إلى أكبر ضرر. لقد أظهرت البحوث الحديثة في هذا المجال بوضوح أن مثل تلك الأساليب الكاشفة النقاب للعلاج النفسي لديها تأثير مضاد في تشويش ردود فعل مدمن الكحول بالنسبة للواقع سواء كانت ردود الفعل ثمالة أم في حالة تملكه لقواه العقلية. وإن الاتجاه اللافرويدي الأكثر فائدة والأكثر معقولية هو مساعدة المريض أن يترك الأفكار اللاشعورية النائمة في سكونها ويعالج مشاكله المباشرة. وبدلا من ادراك فشل تلك الأساليب العلاجية التي تعمل على كشف النقاب، فإن الكثيرين من علماء النفس يرجعون ذلك الفشل للخاصية السيكوباتية المضطربة والمريضة اجتماعيا والتي تعد مألوفة وغير قابلة للعلاج للشخص المعتمد على الكحول.

وثمة معالجون آخرون يتأثرون بالسلوكية، ويركزون على التخلص من أعراض “سلوك تناول المسكرات” عن طريق التكييف الكيمائي أو الكهربائي المنفر. ولكنهم في حماسهم للإشباع الدقيق للأساليب “العلمية” الخاصة بالإثارة والاستجابة لبافلوث أو سكينر فإنهم يفشلون في إدراك الخلفية الثقافية للمريض المسلم، وأكثر من ذلك، لعلهم لا يمنحونه الوقت الكافي للتعبير عن مشاكله الحقيقية.

الدراسة الحالية: إن هذه الدراسة تأمل أن تصور بدقة تاثير الإسلام في معاونة المسلمين المعتمدين على الكحول في ضبط أنفسهم. وهي عبارة عن بحث تمهيدي يقوم على أساس استفتاء قصير لواحد وثلاثين سودانيا من الذكور، الذين يعيشون في العاصمة، والذين كانوا في يوم ما من مدمني الكحول أو ممن يتناولونه بإفراط، ثم امتنعوا عن المسكرات منذ ذلك الحين. وفي هذا الزمن القصير البسيط وضعت الأسئلة لإيضاح الكيفية التي أصبح بها الشخص مدمنا ولأي فترة من الزمان؟ وما الذي جعله يلجأ للشراب في المرتبة الأولى؟ وإذا ما كان قد حاول الامتناع عن الشراب وفشل قبل الامتناع النهائي وما الذي جعله يفشل في رأيه؟ ولأي فترة من الزمان نجح في تحقيق ضبط النفس؟ وما هي الأعراض التي مر بها خلال فترة تناوله المسكرات؟ وخلال الامتناع؟ وفيما بعد ذلك؟ وما الذي جعله ينجح بصفة نهائية في الامتناع عن المسكرات؟ (على أن ترتب تلك العوامل طبقا لأهميتها النسبية) ولأي فترة؟ وإذا ما كان قد مر بأية اضرابات عصابية أو ذهنية قبل لجوئه للشراب؟ أو خلاله؟ أو بعده؟ وإذا ما كان أي عضو في عائلته أو لا يزال يعاني من الاضطراب العصبي؟ أو معتمدا على الكحول أو العقاقير؟ وإذا ما كان قد نشد عون طبيب نفسي أو معالج إسلامي للتغلب على ذلك الاعتماد؟ وإذا كان الأمر كذلك هل قدم أي منهما أو كلاهما أي عون؟ وما هي المشاعر الإيجابية التي تكونت لديه بعد تحقيق ضبط النفس؟ وما هي النصيحة التي يقترحها لزملائه من مدمني الكحول أو من يتناوله بإفراط والذين يعانون مثل تلك المشاكل.

وبالرغم من أن الهدف الأساسي من ذلك الاستفتاء هو إظهار دور الإسلام في معونة المعتمدين على الكحول حتى يحققوا الضبط النفسي، فإننا نأمل أن النتائج سوف تشير أيضا لعوامل نفسية اجتماعية أخرى قد أثرت على هؤلاء السوادنيين موضع الاختبار ودفعتهم إلى الاعتماد على الكحول ثم الامتناع عنه.

لقد تم إجراء ذلك الاستفتاء بواسطة الكاتب وبعض المساعدين من جامعة الخرطوم. ولقد قام المساعدون بسؤال أقاربهم وأصدقائهم الذين عرفوا بإفراطهم في الشراب والثمالة أو هؤلاء الذين أصيبوا بأمراض خطيرة نتيجة تناولهم المستمر والمغالي فيه للكحول والذين استطاعوا بعد ذلك ضبط أنفسهم. لقد كان من المحتم علينا أن نتبع هذا الأسلوب لأن مسشفيات الأمراض النفسية في العاصمة ليس لديها سجلات لمرضى الكحول الذين تماثلوا للشفاء. فليس اهتمامنا فقط بهؤلاء الذين أدخلوا المستشفيات. ولكنه لم يكن من الصعب العثور على هؤلاء المعتمدين على الكحول الذين تماثلوا للشفاء، نظرا لأن الشخص الذي يقبل أن يكون موضع الاختبار يعطينا بصفة عامة أسماء وعناوين أشخاص مماثلين كانوا رفاقه في الشراب. لقد كانت اجابة الاستفتاء دائما تجربة شيقة بالرغم من أن كثيرا من الأشخاص رفضوا أن يكونوا موضع الاختبار، وكانوا هم وأقاربهم يجدون فكرة الاستفتاء بأكمها مهينة للغاية.

“إنني لم أقرب الكحول منذ 15 عاما وأنا الآن شخص محترم- لماذا تنقبون في الماضي البشع؟ من ذلك الشخص الآثم الذي أخبركم عني؟” أما الأشخاص الذين قبلوا الإجابة على  الاستفتاء فقد كان يطلب منهم أيضا أن يحددوا تاريخ إفراطهم في الشراب وتاريخ إدمانهم له.

النتائج:

العينة: لقد كان متوسط سن الأفراد هو 47 عاما تتراوح بين 21 و 70 عاما. وكانوا من جميع مناطق وطبقات المجتمع السوداني فقد كان تسعة منهم موظفين حكوميين، وخمسة من العمال المهرة، واثنين من المدرسين، واثنين من الطلبة، وترزي، وجزار، وطباخ، وتاجر، وخادم منزلي، واثنين من السائقين، واثنين مديري مدرسة، وأربعة مهنيين، من بينهم طبيب، ومهندس وخبير في صيد الأسماك.

ومما يبدو لنا من هذه العينة الصغيرة أن الاعتماد على الكحول، على الأقل في العاصمة السوادانية، لا يرتبط بأي طبقة أو مهنة معينة.

ما الذي جعلهم يلجأون إلى الشراب؟

لقد كان السبب الرئيسي الذي ذكروه، شأنهم شأن المعتمدين على الكحول في كل مكان، هو تأثير الجماعة والاقتداء بها. ومن بين الواحد وثلاثين شخصا موضع الاختبار ذكر اثنان وعشرون منهم أنهم تناولوا شرابهم الأول عن غير رغبة في حفلة زفاف أو في اجتماع مع أصدقاء يتناولون الشراب حيث استسلموا تحت تأثير الضغط الاجتماعي. وجميع هؤلاء الأشخاص لم يذكروا أية اضطرابات عصابية أو ذهنية قبل أن يصبحوا مدمنين.

ومن بين التسعة الباقين، بدأ ستة منهم في الشراب من تلقاء أنفسهم. ومن تلك الجماعة، ذكر أربعة منهم أنهم كان لديهم بعض ردود الفعل العصابية قبل أن يتناولوا الكحول وكان واحد منهم يشكو من الفصام. ولقد قال جميع هؤلاء الأشخاص أنهم قد ابتدأوا في الشراب بمفردهم لتخفيف التوتر ونسيان وجودهم ذته، وملء حياتهم الخاوية واكتساب الثقة في المناسبات الاجتماعية والحفلات. أما الشخص الأخير في هذه المجموعة المكونة من ستة أفراد الذي لم يخطر بأي اضطراب نفسي قبل الشراب فقد تناول كأسه الأول من الكحول  كعلاج لليرقان. لقد قدمت له هذه الوصفة بواسطة صديق بعد أن فشل كل من الطب الحديث والبدائي في تحقيق الشفاء العاجل.

أما الثلاثة أفراد الباقين فقد بدأوا في تناول الكحول حين كانوا أطفالا صغارا. وقد كان اثنان منهم يعيشان قرب الحانات السودانية البلدية حيث يتم تخمير البيرة المحلية. ولقد تمكنا بكيفية ما من الحصول على حصتهم اليومية منذ الطفولة المبكرة. وسرعان ما تحولا كلاهما إلى الأشربة الأكثر غلاءا والتي يوجد بها الكحول بكمية أكثر تركزا حالما استطاعا الحصول عليها. أما الثالث فقد اعتاد شراء شراب قوي لأقاربه من البالغين الذين كانوا كثيرا ما يقيمون حفلات شراب في منزله. ولقد اعتاد هو وأصدقائه الصغار الفضوليين أن يشربوا ما بقي في زجاجات وأكواب البالغين. وقد أصبح هذا الشخص مدمنا للكحول في سن مبكرة للغاية.

كم من الوقت ظلوا يتناولون الشراب؟

لقد كان المتوسط 23 عاما، ابتداء من عامين حتى أربعين عاما. ويبدو أنه ليس ثمة فارق في هذا الصدد بين هؤلاء الذين كانوا مضطربين نفسيا قبل الاعتماد على الكحول وهؤلاء الذين لم يصابروا بمثل تلك الاضطرابات.

كم من الوقت ظلوا ممتنعين عن المسكرات؟

إن الحد الأدنى بالنسبة لأي شخص ليتم ضمه إلى العينة كان عاما واحدا. ولقد كان ثمة أربعة أفراد فقط هم الذين امتنعوا عن المسكرات لمدة  عام واحد. أما الباقون فقد كان المتوسط بالنسبة لهم هو ثمانية أعوام بحد أقصى ثلاثين عاما.

الجدول 1

ما الذي جعل الأفراد يتناولون شرابهم الأول

السبب  عدد الأشخاص  النسبة المئوية

الضغط الاجتماعي للمجموعة   22     71%

تخفيف التوتر   5      16%

اكتساب الثقة في النشاطات الاجتماعية  1      3%

كأطفال فضوليين يقلدون البالغين        3      10%

هل حاولوا الامتناع عن الشراب قبل محاولتهم الناجحة؟

من الهام أن نلاحظ أن جميع الأفراد أما أنهم حاولوا الامتناع عن تناول الكحول كلية 25 فردا (80%) أو أنهم قد خفضوا استهلاكه إلى حد كبير جدا 6 أفراد (20%) خلال شهر الصيام الكريم رمضان. أما هؤلاء الذين فشلوا في التوقف تماما خلال الشهر بأكمله فقد ابتدأوا في الامتناع عن المسكرات لمتوسط 3 إلى 10 أيام. ويبدو أن تلك الجماعة المكونة من ستة أفراد قد تدهورت كثيرا واضطرت للشراب من أجل تخفيف الاهتياج النفسي المتزايد. ومع ذلك، فإنهم قد تناولوا فقط قليل من الكحول خلال الليل وحافظوا على الصيام خلال اليوم.

أما عشرة من هؤلاء الذين ظلوا على امتناعهم عن المسكرات خلال شهر رمضان سنويا فقد ظلوا على ذلك الامتناع بعده آملين تحقيق الانضباط النفسي ولكنهم انتكسوا. وفي هذه المجموعة كان متوسط فترة الامتناع عن المسكرات في شهور رمضان المتتابعة قبل امتناعهم النهائي حوالي ثلاثة أشهر ونصف ابتداء من شهر ونصف إلى ثمانية أشهر. ولقد تمكن ثلاثة أشخاص من العينة من تحقيق الضبط النفسي النهائي أثر شهر الصيام.

إن هذه النتيجة التي تظهر لنا أهمية رمضان في معاونة المسلمين على الخروج من إدمانهم ليست بغريبة. وإنه من المألوف تماما أن نسمع أشخاصا يرغبون في التوقف عن الشراب أو التدخين فينتظرون شهر رمضان. ويعمل بعضهم على تقوية ارادته عن طريق التعهد (القرآني) أنه لن يقرب الكحول أو السجائر بعد انتهاء الشهر. وإن كلا من الصيام، والصلوات الجماعية في الليالي الطويلة وجو التقوى العام يجعل من شهر رمضان قوة روحية دافعة مؤثرة للغاية على هؤلاء الذين يداومون على ذلك.

وإلى جانب رمضان، كان وجدنا في العينة 12 شخصا لم يحاولوا التوقف عن الشراب قبل امتناعهم النهائي. أما الباقون، فقد كان منهم 18 شخصا حاولوا التوقف لعديد من المرات ولفترات تختلف من أيام قليلة إلى ثلاثة أسابيع. ولقد نجح واحد منهم فقط في الشراب، لمدة 11 شهرا قبل انتكاسه.

ما الذي جعلهم ينتكسون بعد محاولتهم للامتناع عن تناول الكحول؟

إن الإجابات لهذا السؤال تختلف. لقد تم تدوين الإجابات تم ترتيبها طبقا لتكرار ذكرها. ولقد كان أكثر الأسباب المبلغ عنها هو القلق، والتوتر، والوحدة. يليها الضغط الاجتماعي لرفاق الشراب. ثم ضعف الإيمان والإراداة يليها متاعب التهاب المعدة و المتاعب المعوية، ثم الأرق وأخيرا وجود مشكلة ملحة في المنزل أو العمل. ولقد ذكر واحدا منهم سببا شيقا، وهو أن طبيبه قد نصحه بالعودة إلى البيرة الوطنية المعتدلة من أجل مساعدته في التغلب على مشكلة الكلية.

الجدول 2

لماذا انتكس الأشخاص بعد الامتناع المؤقت عن المسكرات؟

السبب المبلغ   عدد البنود التي تم ذكرها        النسبة المئوية

القلق، والتوتر والوحدة   8      29%

الضغط الاجتماعي للرفاق       6      21%

ضعف الارادة   5      18%

اضطرابات المعدة والاضطرابات المعوية 3      11%

الأرق   3      11%

وجود مشكلة ملحة في المنزل أو العمل  2      7%

نصيحة طبيب  1      3%

ما الذي جعلهم في نهاية الأمر يحققون الضبط النفسي؟

نأتي الآن إلى أهم مسألة في استفتائنا. ما هو السبب، طبقا لوجهة نظر هؤلاء الأشخاص، الذي جعلهم ناجحين في الامتناع عن المسكرات في نهاية الأمر. لقد طرحت تلك المسألة كسؤال مفتوح ولقد تم توجيه معاوني البحث لتدوين كل ما يقال. وبعد ذلك، طلب منه أن يدون العوامل التي ذكرها طبقا لتأثيرها النسبي في معاونته على التوقف عن الشراب.

وسرعان ما اتضح لنا أنه كان ثمة ستة استجابات ممكنة اشتملت جميع العوامل المبلغ عنها. ولقد ذكر عامة أفراد العينة واحدا أو اثنين أو ثلاثة من تلك الاسباب الستة. أصر الكثيرون منهم على عامل واحد فقط ورفضوا اعتبار أي بند آخر حتى عندما كان الممتحن فيما بعد يقرأ لهم القائمة الكاملة بالستة أسباب.

ومن ثم تم تدوين الإجابات على أساس حد أقصى 3. وعلى أساس أن العامل الذي حاز على المرتبة الأولى –أو أقصى الأهمية- قد حصل على ثلاثة نقاط، والعامل الذي حاز على المرتبة الثانية قد حصل على نقطتين، والذي حاز على المرتبة الثالثة حصل على نقطة واحدة. وجاءت الأسباب الستة طبقا لأهميتها النسبية كما يلي:

الحافز الإسلامي، العوامل الصحية، الضغوط العائلية، العوامل الاقتصادية، ظهور قوة الارادة، تجنب المواقف الجارحة.

الحافز الإسلامي للامتناع عن المسكرات: إن العامل الذي اعتبرته الأغلبية العظمى أكثر العوامل أهمية كان التغلب على الشعور بالذنب والاثم من وجهة النظر الإسلامية. حيث اعتبر اثنا عشر فردا من العينة إن ذلك هو الحافز الوحيد الحقيقي الذي يكمن وراء امتناعهم عن المسكرات.

ومن الهام أن نلاحظ أن حوالي ثلاثة من هؤلاء الأشخاص كانوا مدمني كحول إلى حد كبير والذين عانوا من أعراض سيكولوجية وفيسيولوجية قاسية مثل التليف الكبدي والهذيان. “لقد رأيت أشخاصا قادمين نحوي ومعهم مشاعل لاحراقي” هذا ما قاله الشخص الذي كان يعاني مما بدا في شكل البطاح الفولي، “ولقد أصبت بهلع شديد”. إننا لا نستطيع إلا أن نستقصي العلاقة بين ذلك الهذيان وشعور الشخص بالذنب الذي يعاقب بنار جهنم.

ومن الغريب أن نجد مثل هؤلاء الأشخاص، الذين لا يعتبرون شواذ والذين بالرغم من أن الكحول يضر بصحتهم، إلا أنهم لا يبالون كثيرا بنصح الطبيب وتحذيراته. ومع ذلك، عندما يتكون لديهم معنى جديد لحياتهم فإنهم سرعان ما تنموا لديهم قوة الإرادة للامتناع عن الأشربة الكحولية.

أما بالنسبة لبقية الأشخاص في تلك المجموعة الذين اعتبروا العاطفة الإسلامية هي السبب الوحيد لضبط النفس، فإننا نشعر أن استجابتهم معقولة أكثر. وكما ذكرنا من قبل، فقد حقق ثلاثة أشخاص ضبط النفس بعد مرور شهر من الامتناع عن المسكرات وذلك من وحي شهر رمضان. وقد أبلغ شخصان آخران عن امتناعهما عن المسكرات بعد قضاء الحج. ولقد امتنع واحد منهم عن تناول الكحول، وعن التدخين، والقهوة. ولا بد أن البند الأخير يعد نوعا من العقاب الذاتي.

وثمة شخص آخر حقق ضبط النفس بعد أداء العمرة. لقد كان موظفا حكوميا في السابعة والثلاثين من عمره. وهذا ما ذكره كسبب لامتناع عن الكحول: “لقد استطعت بكيفية ما أن أتوجه إلى مكة لأداء العمرة. ولقد وقفت بجانب الكعبة، وأقمت الصلات وغيرها من المناسك وواجهت نفسي بمشكلاتي… لقد منحتني هذه العمرة الهاما روحيا مكنني من مواجهة مشاكلي بدون العودة إلى الكحول..”.

لقد ابتدأ هذا الرجل في تناول الكحول عندما كان في العشرين من عمره واستمر في الشراب بافراط لمدة 10 سنوات، كان يعتبر في الخمس سنوات الأخيرة منها مدمنا. ولقد قام برحلته إلى مكة منذ سبع سنوات ومنذ ذلك الحين لم يقرب الكحول أبدا.

وإلى جانب هؤلاء الاثنى عشر شخصا الذين يعتقدون أن الحافز الإسلامي هو السبب الوحيد لامتناعهم عن المسكرات، فإن عشرة آخرين ذكروا أن الباعث الإسلامي هو العامل  الأساسي ولكنهم ذكروا أيضا سببا أو اثنين آخرين يعدان أقل في الأهمية بالنسبة لهما. هناك ثلاثة أشخاص آخرون اعتبروا الحافز الإسلامي ذا أهمية ثانوية. ولقد اعتقد اثنان منهم أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد “المخاطرة الصحية”. أما الشخص الثالث فقد وصفه في المرتبة الثالثة بعد العوامل الاقتصادية والصحية. ولقد كان في العينة بأكملها خمسة أشخاص فقط ذكروا أن الحافز الإسلامي ليس له قيمة حقيقية في معونتهم على الامتناع عن المسكرات. ومن هؤلاء، ذكر ثلاثة أن العامل الاقتصادي كان السبب الوحيد في حين أن اثنين اعتبرا وجود تجربة جارحة هي السبب الوحيد.

ومع ذلك، فإننا نشعر، على الأقل بالنسبة للحالتين الأخيرتين، أن تفسير الجرح قد تأثر بالاتجاهات الإسلامية للشخص كما سوف نرى فيما بعد. وقد يكون من الهام أن نلاحظ أن المهنيين الخمسة في عينتنا قد ذكروا أن العامل الإسلامي كان ذا أهمية رئيسية في معاونتهم على الامتناع عن المسكرات.

وباستخدامنا نظامنا الخاص بمنح ثلاثة نقاط للبنود التي تعطي أقصى الأهمية، ونقطتين للبنود التالية لها في الأهمية. ونقطة واحدة للبند الذي يحوز على المرتبة الثالثة، فإن الحافز الإسلامي للامتناع عن المسكرات قد حاز على مجموعة نقاط بلغت 65 نقطة.

المخاطرة بالصحة:

لقد كانت حقيقة أن الكحول قد أصبح خطرا شديدا بالنسبة لصحة بعض الأشخاص وأصبح تهديدا حقيقيا لحياة آخرين، تعد بمثابة السبب الثاني في الأهمية للامتناع عن الكحول. ومع ذلك لم يعتبر أي شخص الخطر الصحي أو الخطر على الحياة سببا وحيدا للامتناع. ولقد اعتبر ثلاثة أشخاص ذلك العامل بمثابة السبب الرئيسي ومن بينهم واحد قد أصيب بمرض خطير وأودع المستشفى لعدة شهور. اعتبر خمسة أن المخاطرة بالصحة تأتي في المرتبة الثانية واعتبرها اثنان في المرتبة الثالثة. ومن ثم كان اجمالي النقاط هو 21 نقطة للعامل الصحي.

الأوجه الاقتصادية:

“لقد امتنعت عن الشراب لأنني كنت مدمنا”…. “لقد أصبح لي أطفال أكثر. ولقد اضطررت للامتناع حتى أستطيع أن أعولهم”…. “لقد فقدت وظيفتين بسبب الشراب. ولم يكن لدي أي مصدر آخر للدخل”.

كانت تلك هي الإجابات النموذجية فيما يتعلق بالعامل الاقتصادي. وكما ذكرنا من قبل فإن ثلاثة من العينة الذين اعتبروا العامل الاقتصادي هو السبب الوحيد للامتناع عن الكحول. وثمة شخص رابع اعتبروه في المرتبة الثانية كما أن أربعة آخرين اعتبروه في المرتبة الثالثة. وبذلك كان اجمالي النقاط 15 نقطة للعامل الاقتصادي.

الضغوط من العائلة ومن المجتمع ككل:

لقد حاز ذلك البند على المرتبة الرابعة. كان اجمالي نقاطه 13. ولقد كان ثمة شخص واحد اعتقد أنه السبب الرئيسي. وأعطوه أربعة آخرون المرتبة الثانية، واثنان المرتبة الثالثة.

ومن الهام أن نلاحظ أننا لا نستطيع وضع حد فاصل واضح بين ضغوط العائلة والمجتمع بالنسبة للامتناع عن الكحول وبين الحافز الإسلامي.

ونظرا لأن المجتمع مسلم، فإن الأقارب والأصدقاء بدون شك سوف يستخدمون تلك العواطف الإسلامية لاقناع شارب الخمر بأن يعود إلى ضبط النفس. ولقد بذلنا مجهودا لتمييز بينهما في الاستفتاء.

ومع ذلك، فقد كان من السهل أن ندرك الفارق بالنسبة لمعظم الأشخاص. إن الحوافز الإسلامية تعد بمثابة الهام روحي ذاتي تختلط فيه المشاعر النموذجية بالذنب والاثم باعتبارهم مسلمين قد ارتكبوا معصية من جهة مع الشعور المقابل بحب الله والأمل في رحمته اللانهائية وغفرانه من جهة أخرى. كما أن ضغط العائلة والمجتمع يتبر بمثابة حافز خارجي من أجل التكيف. وبالنسبة لكثير من الأشخاص فإن الضغط المباشر من العائلة يعد عاملا سلبيا لا ايجابيا فيما يتعلق بالامتناع عن الكحول… “عندما يعنفني والدي أو زوجتي ويقولون لي أن أنضج وأتوقف عن الشراب، فإنني أخرج وأغرق نفسي في الكحول” بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، فإن الحافز الإسلامي وضغط العائلة لا يختلطان. بل إنهما متعارضان.

قوة الارادة

“إنني فقط قد نمت لدي ارادة قوية” لقد كان ذلك هو بلاغ ثلاثة أشخاص وضعوا قوة الارادة في المرتبة الأولى. وبالرغم من أن جميعهم قد ذكروا عوامل أخرى لها أهمية ثانوية فإنهم قد أصروا بشدة أن قوة ارادتهم كانت السبب الأول. ومن ثم فقد كان اجمالي النقاط 9.

التجارب الجارحة:

كان قليل من الأشخاص هم الذين امتنعوا عن الشراب بطريقة فجائية بعد مرورهم بتجربة جارحة. وبالرغم من أن اثنين قد ذكروا ذلك بصفة خاصة فأعطيا ذلك البند 6 نقاط، إلا أن تاريخ بعض الذين اعتبروا الحافز الإسلامي بمثابة العامل الأول من الممكن أيضا أن يعتبروا أنهم قد توقفوا بعد صدمة تجربة جارحة. على سبيل المثال قد امتنع واحد منهم عن الكحول بعد حادث سيارة خطير، وآخر بعد الوفاة المفاجئة غير المتوقعة لأحد أقاربه. ونظرا لأنهم قد مروا بنوع من التحول الديني والروحي بعد الصدمة، فإن هؤلاء الأشخاص اعتبروا العامل الإسلامي هو السبب الرئيسي وليس الصدمة في حد ذاتها.

ومن الناحية الأخرى، فإن الشخصين الذين ذكرا الصدامة بصراحة باعتبارها السبب الأول للامتناع عن الكحول من الممكن أيضا أن ننظر إليهما في ضوء الحافز الإسلامي. فإنه قد ألقي القبض على أحدهما مع بعض أشخاص آخرين مشبوهين في قضية قتل بإحدى الحانات المحلية. ومع أنه كان يفرط في الشراب إلا أنه كان مهذبا ومحترما في الحي الذي يعيش به. وقد جعلته المعاملة السيئة التي تلقاها في قسم البوليس وفي المحاكمة العلنية يشعر باحباط إنساني وكشفت عن سره أمام أطفاله وعائلته. وبالرغم من ظهور براءته فإنه قد رفض أن يقرب الشراب الآثم مرة أخرى.

أما الشخص الآخر فقد قام بتحطيم بعض الممتلكات الخاصة بشخص فقير في احدى فترات ثمالته في منتصف الليل. وفي اليوم التالي شعر بالذنب الشديد والغضب الشديد من نفسه. ولقد أخذ على نفسه عهدا بألا يشرب ثانية.

وبالرغم من أن كلا هذين الشخصين يدعيان أن ضبطهما للنفس لم يتم بمقتضى الحافز الإسلامي، فإننا نستطيع أن نرى بوضوح أن رد الفعل المتسم بالشعور بالذنب، والخجل والغضب المغالى فيه الموجه تجاه الذات يعد في حد ذاته نتاجا للنشأة الإسلامية المبكرة.

وبالرغم من حقيقة أنه ينظر للصدمة النفسية بصفة عامة باعتبارها تجربة سيئة أدت إلى صدمة، فإن القصة التي رواها واحد من الأشخاص المسنين للكاتب –والذي آثر أن يكون الإسلام هو السبب الوحيد لتحقيقه ضبط النفس- من الممكن في الحقيقة أن تعتبر بمثابة قصة مسلم استجاب بطريقة إيجابية “لصدمة إيجابية” لقد كان متعاقدا على توريد الأطعمة والأشربة لحفلات الزفاف وغيرها من الحفلات الكبيرة. كان معروفا تماما بإفراطه في تناول الكحول يوميا. وكثيرا ما كان يحدث أن يحمله مساعديه إلى منزله في حالة من الغيبوبة. ولقد استمر ذلك لمدة 20 عاما رزق خلالها بخمسة بنات. كان يتمنى أن يرزق بولد. وعندما رزق أخيرا بولد، مر بشكل فجائي بصدمة إيجابية شعر فيها كيف أكرمه الله وأضفى عليه حبه ورحمته بالرغم من سوء سلوكه. ولقد بلغ ابنه الثلاثين من عمره الآن. ويعد تاريخ ميلاده بمثابة التاريخ الذي أغلق فيه أباه زجاجة الكحول الأخيرة إلى الأبد.

هل كانوا مصابين بأي اضطراب نفسي قبل أو خلال الفترة التي داوموا فيها على الكحول، أم بعدها؟

كما ذكرنا من قبل، فقد كان ثمة أربعة أشخاص عصابيين قبل البدء في الشراب وكان واحد فقط مصابا بالفصام.

ولقد ذكر اثنا عشر شخصا أنهم قد أصيبوا بالاضطراب النفسي في خلال الفترة التي داوموا فيها على الكحول. ومن هؤلاء ذكر ثمانية أنهم قد عادوا مرة أخرى للشراب بعد سنوات قليلة من امتناعهم. ومن الناحية الأخرى ذكر شخصان أنهما قد أصيبا بنوع من العصاب بعد امتناعهم.

وسوف نتناول تلك الناحية بتفصيل أكثر عندما يتم توجيه ذلك الاستفتاء إلى عينة أكبر.

ما هي المشاعر الإيجابية التي تكونت لديهم بعد تحقيق ضبط النفس؟

إن العبارة التي قام كثير من الأشخاص بترديدها هي “إنني أشعر كما لو ولدت من جديد” “إنه شعور يشبه البعث” “إنني أشعر كما لو كنت مقيدا بسلاسل ثقيلة تحررت منها” وبالرغم من أن مثل تلك التعبيرات من الممكن أن تكون نتاجا للبلاغة العربية إلا أن كثيرين من الذين تم سؤالهم قد عبروا عن اعادة الميلاد بشكل ما. وإن التعبير الذي كان كثيرا ما ذكر فيما عدا تلك التعبيرات العامة كان يتمثل في الشعور الروحي الإيجابي العظيم بالتحرر من وزر ارتكاب الإثم مع الشعور بالتقرب من الله.

ولقد ذكر كثير من الأشخاص، الشعور بالأمن النفسي، والاحترام الذاتي والتحرر النسبي من التوتر. أما بالنسبة للنواحي الخاصة بالتحسن البدني، مثل ازدياد الشهية، والتخلص من متاعب الجهاز الهضمي والمتاعب المعوية والصداع، فإنها قد ذكرت بصفة أقل. أما بالنسبة لتحسن المركز الاقتصادين فقد ذكر إلى أقل حد.

وجود أي عضو من عائلتهم مضطرب نفسيا أو مدمن أو مفرط في الشراب:

نظرا لأن مفهوم العائلة في السودان من الممكن أن يكون واسعا للغاية، فإنه في الحقيقة قد اقتصر على هؤلاء الذين يعدوا بمثابة أقارب مباشرين. لقد ذكر خمسة أشخاص أن لديهم أقارب كانوا أو لا يزالون مضطربين نفسيا. ونظرا لأن تلك الدراسة تعد دراسة تمهيدية تم تناول عينة صغيرة بها، فإننا لم نتعمق في نوع الاضطراب أو ما فعلوه بالنسبة له. ومن بين هؤلاء الخمسة، ذكر أربعة منهم أنه كان لديهم أقارب مدمنين أيضا ولكننا لم نتعمق في معرفة ما إذا كان المدمنون هم نفس الأشخاص الذين كانوا مضطربين نفسيا.

ولقد ذكر أربعة أشخاص آخرون أنه لم يمكن ثم اضطراب نفسي بل كان إدمان كحول ومخدرات في العائلة (اثنان يدمنان الخمر واثنان يدمنان المخدرات). ومن ذلك نجد أن إجمالي المدمنين يصل إلى 8 بالمقارنة مع 5 مضطربين نفسيا. وبالنسبة للأقارب المدمنين ذكر واحد فقط أنه أب. أما بالنسبة لجميع الباقين، فإن مدمني المخدرات والكحول كانوا إما أخوة، أو أولاد عم من الدرجة الأولى، أو أولاد الأخ أو أولاد الأخت. ولم يذكر أي إدمان بين الإناث.

ما هي النصائح التي يقترحونها لمعاونة زملائهم مدمني الخمر؟

إننا لندهش كثيرا لنفاذ بصيرة بعض هؤلاء الذين امتنعوا عن الخمر تجاه المشاكل الفريدة التي يعانيها المدمنون في السودان. ولكن ضيق الوقت والمجال لا يسمحان لي بأن أتناول ذلك بالتفصيل ولكنني آمل أن أقوم بعلم دراسة أكثر شمولا عن ذلك الأمر في المستقبل.

ولقد كان معظم التوصيات التي اقتبسناها ذات طبيعة إسلامية “يجب أن يعودوا إلى الإسلام” “يجب أن يحتقروا أنفسهم وألا يستسلموا لليأس … إن الله يغفر الذنوب جميعا” ولقد اقترح 11 شخصا عبارات مماثلة ويعتبر الاقتراح التالي مألوفا بالنسبة لتكراره فقد قدمه 8 أشخاص. “يجب أن يتفادوا أصدقاء السوء واجتماعات الشيطان”. وفي تلك المجموعة، تقدم اثنان بالنصح لمدمني الخمر بأن يجدوا أنشطة بديلة. كأن يرتادوا دور الخيالة مع رفقهاء جديدين أو أن ينموا اهتمامهم بكرة القدم.

أما الاقتراح الذي جاء في المرتبة الثالثة بواسطة خمسة من الأشخاص، فهو يتمثل في النصيحة بالتدريب على قوة الإرادة. وثمة بعض اقتراحات أخرى ذكرها شخص أو شخصان هي، أنهم يجب ألا يتناولوا ا لخمر خلال النهار، بل بعد صلاة العشاء، “يجب ألا يشربوا وهم جائعين”، يجب أن يبدأ امتناعهم عن طريق التخفيض التدريجي لاستهلاكهم اليومي، وليس الامتناع المفاجئ، “يجب أن يبدأ امتناعهم عن طريق التحول إلى البيرة المحلية والأشربة التي تحوي على نسبة أقل من التركيز الكحولي”.

ولقد كان ثلاثة منهم متشائمين، “ليس ثمة شيء من الممكن أن يقنع مدمن الخمر. “ليس ثمة نصيحة تعد مناسبة للجميع. فهناك اختلافات فردية كبيرة بين المدمنين”.

هل نشدوا عون الطبيب أو معالج مسلم من أبناء البلدة؟

لقد ذكر اثنان وعشرون من العينة المختارة أنهم لم يذهبوا إلى مستشفى للعلاج النفسي أو لمعالجين تقليديين لمعاونتهم على الخروج من إدمانهم ومن بين التسعة الباقين، كان ثمة أربعة نشدوا عونا من كلا الطرفين. ولقد توجه ثلاثة منهم إلى المعالجين الوطنيين بعد أن فشلوا في تحقيق أي فائدة من العلاج النفسي في حين أن الرابع قد حقق الضبط النفسي النهائي عن طريق التوجيه لكل من المعالجين المحدثين والتقليديين في نفس الوقت.

كان ذلك الشخص موظفا حكوميا قد أدى استمراره في إدمان الشراب إلى فقدانه لوظيفته. وهو الآن عامل ماهر. ولقد ذكر أنه بالرغم من أن المهدئات التي ذكرها له الطبيب كانت ذات فائدة، إلا أنه لا يزال يعتقد أن القيمة الحقيقية جاءت من بركات الشيخ التقي. فقد شرب “المحاية”، أي مياه غسيل حبر الآيات القرآنية المكتوبة على لوحة خشبية. ولقد جلس في هدوء أمام المعالج المسن المؤثر الذي كان يهمس بالدعاء له. ولقد ذكر أنه شعر بهدوء عميق بعد تلك الجلسات. وهو لا يزال يذهب إلى شيخه من وقت لآخر.

ومن بين الثلاثة الآخرين، توجه اثنان إلى المعالجين الوطنيين فقط من أجل ارضاء أمهاتهم الملحات. ولقد تحسن واحد منهم كثيرا وحقق ضبط النفس لمدة أسابيع قليلة ولكنه انتكس ثانية. أما الثاني الذي ذهب لمرات قليلة فلم يذكر أي تحسن. أما الثالث الذي ذهب من نفسه بعد فشل العلاج الحديث فقد امتنع أيضا عن تناول الخمر عدة أسابيع قبل الانتكاس.

وبالنسبة للخمسة الباقين، فقد حصل واحد منهم على العون من طبيب نفسي وحقق ضبط النفس النهائي. أما الأربعة الباقين فقد ذهبوا إلى معالجين وطنيين. ولقد فشل واحد منهم في الحصول على أي مساعدة، وامتنع اثنان منهم ولكنهما انتكسا فيما بعد وكان واحد منهما، وهو طبيب، قد حقق ضبط النفس التام بعد العلاج الديني التقليدي.

ومن الهام أن نلاحظ، أنه عكس الرأي الشائع، فإن الأشخاص الذين اختاروا طواعية عون المعالجين التقليديين لم يكونوا من الطبقة العاملة. فقد أظهرت عينتنا الصغيرة أنهم جميعا كانوا من ذوي الرواتب، فهم ناظر مدرسة وموظفون في الدولة، وطبيب، بل في الحقيقة طبيب متخصص.

والنتيجة الهامة لذلك الاستفتاء هي، أنه على الأقل في العاصمة، قد أصبح معظم مدمني الخمر مبتعدين عن الأشربة الكحولية خارج اطار المساعدة الصحية.

ونظرا لصغر العينة، فليس هناك مجال لإقامة المقارنات بين المعالجين الوطنيين والمحدثين، ولكنه قد يكون من الهام ألا نختم ذلك القسم من المقالة بدون أن نذكر باختصار قصة الطبيب المتخصص الذي امتنع عن الخمر بعد العلاج الديني التقليدي.

وهو الآن في الثامنة والأربعين من عمره. ولقد داوم على الشراب بكثرة شديدة لمدة 23 عاما. وفي الفترة الأخيرة بدأت الخمر تسبب له مشكلة حقيقية في مهنته. وبصفته طبيب فمن المؤكد أنه قد جرب عقاقير مختلفة لتخفيف أعراضه بدون نجاح.

وذات يوم في شهر أغسطس 1973م اقترح عليه أخوه وهو مهندس معروف ولا يزال مريدا مخلصا لشيخ صوفي مشهور، أن ينشد النصح من الشيخ التقي، ولقد قبل ذلك في الحال وسافرا سويا إلى الشيخ. وعندما سأله الشيخ، هل تريد الامتناع حقيقة يا ولدي؟ أجاب الطبيب “نعم يا مولانا” بالرغم من أنه قد أحضر معه سرا خمسة زجاجات من الخمر في حقائبه. ثم قرأ الشيخ “ومريضه” الفاتحة ثم أعطى الطبيب فيما بعد “المحاية” والبخور وطلب منه الحضور للصلاة اليومية.

ثم روى لي الطبيب “لقد توجهت إلى غرفتي في الليل وأخرجت واحدة من الزجاجات من حقيبتي. ولقد ملأت كأسي ولكنني وجدت صعوبة شديدة في اكماله. لقد شعرت بالتوتر والغثيان. وكان من المستحيل بالنسبة لي أن أكمل الكأس الثانية، الذي كان بمثابة الكأس الأخير من الخمر الذي صببته لنفسي أو لأي شخص آخر. وبعد أيام قليلة أخذت مخزوني من الخمر وألقيت الزجاجات الثمينة في المرحاض.

وفي أواخر أغسطس 1973 قمت بزيارة شخصية للشيخ من أجل جمع معلومات حول العلاج التقليدي ضمن لجنة متخصصة من منظمة الصحة العالمية كنت عضوا بها ولقد قابلت ذلك الطبيب هناك. وأخبرني ببقية قصته. ومن معرفتي الشخصية بالطبيب والتحيز الغربي بمقتضى تدريبي كنت في شك عظيم بالنسبة لنجاح ذلك العلاج. لقد كان يعني من ارتجاف واضح وكان يبدو عليه أنه يعاني من الجوع والأنيميا. قلت لنفسي حينئذ أنه بدأ العلاج فقط منذ وقت قصير ورغم ذلك يبدو في تلك الصورة، فما الذي سوف يحدث له عندما يمارس الامتناع الحقيقي.

ولقد رأيته مرة أخرى عام 1977م، كان يبدو شخصا صحيحا ورعا ولقد تشرب كثيرا من التأثير الروحي للشيخ. إن أربعة أعوام من الامتناع والعيش كمسلم ورع من الممكن حقيقة أن تفعل كثيرا لمدمن الخمر.

توصيات:

إن جميع الوصايا الرئيسية التي أستطيع تذكرها بعد كتابة هذه المقالة أو تلك التي كانت في ذهني بالفعل قبل مباشرة تلك الدراسة قد ذكرها 31 شخصا في عيننتنا. هل من الممكن أن يكون الإسلام ذا فائدة لمدمني الخمر من المسلمين؟ إنني على ثقة أنه إذا تم شن حملة طويلة المدى تتجه وجهة إسلامية بواسطة الدولة والمهنيين وغيرهم من الأطراف المهتمة بالأمر في الدولة، فإن مشكلة إدمان الخمر والاعتماد عليه لن تكون بعد ذلك ذات أهمية خطيرة. ولكنني سوف أقتصر على قليل من الوصايا التي تنبع بشكل منطقي من تلك الدراسة ومن كتاباتي السابقة حول الإسلام وإدمان الخمر.

1- الحاجة إلى وجود علاج نفسي-اجتماعي يتجه وجهة إسلامية:

من الواضح أن الإسلام كأسلوب للحياة يلعب دورا رئيسيا للغاية في التطور العاطفي، والاجتماعي والشخصي للإنسان المسلم، ومن ثم تصبح حقيقة مأساوية أن يستمر المعالجون النفسيون المسلمون في استخلاص نظرياتهم وممارستهم من فرويد، أو أدلر أو بافلوف أو سكنير. ولكنه من الممكن تكييف النواحي المفيدة لمثل تلك المفاهيم الغربية في العلاج وادماجها –في شكل جديد تماما- مع العلاج الإسلامي. وإنني قد قدمت بالفعل مبادئ مثل ذلك العلاج في كتابي “الإسلام وإدمان الخمر” وفي مقالة قدمتها في المؤتمر السنوي لاتحاد العلماء المسلمين في الولايات المتحدة وكندا. وإنني سعيد الآن لأنني علمت أن ثلاثة من المسلمين الأمريكيين، وهم طبيب نفسي، وعالم نفسي، ومستشار قانوني قد اتخذوا خطوة أبعد في هذا المجال ويقومون بتطوير علاج نفسي إسلامي مكتمل.

إن النقاش القائل بأن المسلم الذي يصبح مدمنا للخمر يعد آثما في نظر الإسلام ومن ثم كيف يستطيع الإسلام معاونته، في حين أنه يجعله يشعر بالذنب ليس بنقاش صحيح. لقد رأينا كيف استطاعت الغالبية العظمى من الأشخاص الذين كانوا سابقا آثمين أن يحققوا الضبط النفسي من خلال نفس الأساليب الإسلامية.

وإنني أعتقد أن كثيرا ممن يطلق عليهم “المسلمون الآثمون” يكونون في الحقيقة حافزا إسلاميا قويا ساكنا وكامنا للتغيير بالرغم من تصرفهم المصطنع، اللا إسلامي.

وفي هذا الصدد، فإن قصة أحد الأشخاص في هذه الدراسة تعد مثلا جيدا. إنه الآن يعمل مديرا لإحدى الكليات. ولقد عرف بنوبات عنف خلال فترات ثمالته. ولقد كان أيضا تابعا مخلصا لماركس وعندما كان يشرب –إلى حد الثمالة دائما- كان يلقي المحاضرات حول فلسفته ويهاجم العقيدة الإسلامية بصراحة. في إحدى فترات ثمالته، صدمته سيارة نقل ثقيل وأدت إلى كسر ساقه بشكل خطير، وسرعان ما فسر ذلك، مثلما يفعل جميع المسلمين، أنه عقاب من الله لسلوكه الآثم. وتحول عن تناول الكحول “والإلحاد المفترض” إلى التقوى والصلاة. وفي الحقيقة فإن الإسلام ذاته يمهد  الطريق لمثل تلك التحولات الفجائية. فإن بساطة الإيمان بوحدانية الله، والتأثير القوي للوحي القرآني، والشخصية القوية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، والاعتقاد في ضرورة نقاء الإنسان والسهولة العظيمة التي يمكن بها غفران أية ذنوب بدون أي وسيط بين الإنسان وبين الله عز وجل، تعد جميعها بمثابة عوامل هامة تجعل الناس يتحولون بسهولة من إدمان الخمور إلى التصوف. ونظرا لأن الشيوخ الصوفيين والمعالجين التقليديين يستطيعون رؤية نقاء المسلم من خلال أفعاله الظاهرية الآثمة، فإنهم يستطيعون اكتساب حب مثل هؤلاء المدمنين ويغيرونهم بشكل واقعي. ومن الناحية الأخرى، فهنالك كثيرا من الشيوخ التقليديين الذين ينظرون إلى المظهر الخارجي بصفة رئيسية ومن ثم يخيفون مثل هؤلاء الناس بلعنتهم لهم.

ولقد استطاع الكاتب “الطيب صالح” أن يصور تلك الطبيعة القابلة للتغيير لمدمن الخمر المسلم بشكل جيد جدا في قصته “عرس الزين”. وهكذا، فإنني هنا أوصي بتطوير علاج نفسي- اجتماعي جديد يأخذ بجميع تلك العوامل في الاعتبار.

2- التعاون بين العلاج التقليدي والحديث:

وإلى أن يظهر ذلك العلاج الإسلامي للوجود، وإلى أن يتم تطويره، فإن للعلاج النفسي الحديث يجب أن يستفيد مما يستطيع أن يفعله المعالجون التقليديون. وأيضا يجب أن يتعلم مثل هؤلاء المعالجين متى يرسلون مدمن الخمر إلى العيادات من أجل معاونته على تفادي الأعراض الخطيرة للمنع قبل أن يواصلوا معه علاجهم الديني.

وإنه حتى من المرغوب فيه بالنسبة لكل عيادة أن يكون لديها معالج ديني على أساس العمل جزءا من الوقت. إن العالم المسلم يتكون غالبا من مجتمعات يسود فيها نظام سلطة الأب، التي تتأثر كثيرا بصورة الأب القوي المحترم الذي تسيطر عليه الحوافز الأخلاقية. ومن ثم فإن حقيقة أن كثيرا من الأطباء النفسيين هم في نفس الوقت من شاربي الخمر، تضعهم –وذلك أقل ما يمكننا قوله- في موقف سيء بالنسبة لعلاج المدمنين. على سبيل المثال، فإن واحدا من الأشخاص الذين أختبرتهم أنا شخصيا في هذه العينة قد ضحك عندما سألته إذا ما كان قد توجه إلى طبيب نفسي لمعاونته على الخروج من حالته المتأخرة لإدمان الخمر. وقد أخبرني أن زوج  أخته طبيب نفسي ولكنه لم يعمل على مساعدته لأنه هو نفسه كان يعاني من الوحدة وقد اعتاد أن يأتي كل ليلة للشراب معه. إن وضع المعالجين الوطنيين أفضل كثيرا في هذا الصدد ويجب الإفادة منهم.

وقبل كل شيء، فإننا لاعتبارنا عاملين في الصحة العقلية الحديثة قد حققنا قليلا من النجاح في ذلك المجال، وخاصة بالنسبة لتطبيق العلاج النفسي، لذلك يجب أن نكون أكثر تواضعا. وإن تفسير الظواهر الروحية الأخرى التي لا تبدو قابلة لفهمنا بأنها ذات “أثر ضئيل” يعتبر تفسيرا غير علمي أو على الأقل، غير عادل. لقد حقق علم النفس بالفعل نتائج في التخاطر مثل الإدراك الخارج عن الحواس والحركة النفسية التي كانت تعتبر حتى وقت قريب بمثابة تدجيل تام. ومن الممكن أن يتم قبول الظواهر التي يستخدمها بعض معالجينا الموهوبون في المستقبل.

ومع ذلك، إذا اعتبرنا الأمر من وجهة النظر العملية فقط، فإنا يجب أن نتعاون مع العلاج التقليدي. وحتى إذا كان ثمة أشخاص في العاصمة يتوجهون إلى المعالجين التقليديين أكثر من الأطباء النفسيين، فإن العلاج التقليدي بالتأكيد سوف يكون له قصب السبق بين الطبقات الريفية.

3- الإفادة من شهر رمضان:

إنني أتساءل ماذا حدث في مكان ما في أوروبا، فلنقل انجلترا، ووافق جميع مدمني الخمر طواعية أن يمتنعوا عن الشراب تماما لمدة شهر كامل. وأن يخفض الذين لا يستطيعون الامتناع تماما استهلاكهم إلى الحد الأدنى خلال الليل. ما الذي سوف يفعله العلماء، والأطباء النفسيون؟ إنني على ثقة أننا سوف نمر بدراسات في مجلة علم النفس البريطانية وغيرها من المجلات بالنسبة لما يمكن أن يفعله العاملون في الصحة النفسية وغيرهم من العلماء أو بالنسبة لما فعلوه من أجل أن يجعلوا هؤلاء المدمنين يستمرون في ضبط النفس الذي حققوه بعد اتمام الشهر. وإنه لمن المحزن حقيقة أن نرى أنه يتم التغاضي عن مثل تلك الفرصة الهائلة في شهر رمضان كل عام بواسطة المسلمين العاملين في مجال الصحة النفسية في جميع أنحاء العالم الإسلامي. إننا نوصي بالاستفادة من شهر رمضان في العلاج الفردي وعلى المستوى الحكومي من أجل علاج وإعادة تعليم المدمنين والذين من الممكن أن يصبحوا مدمنين.

4- الإفادة من الحج والعمرة:

إن حوالي مليون من المسلمين يتوجهون كل عام إلى الحجح في مكة المكرمة ويعودون وقد تطهروا من العوامل الدنيوية المفسدة. وكما رأينا فإن بعض مدمني الخمر يعودون وقد حققوا ضبط النفس. كما يتوجه كثيرون إلى مكة من أجل العمرة. ويجب الإفادة من مثل تلك الرحلات من أجل العلاج والمنع على المستوى الفردي والدولي.

5- الحاجة إلى جماعات إسلامية:

إنه مما يثير الدهشة أنه بالرغم من أن المسيحيين لا يعتبرون الشراب باعتدال بمثابة إثم، فإن A.A بمقتضى التجربة المحضة قد أصرت على الامتناع وقد نجحت إلى حد كبير في مجهودها المتجه وجهة دينية. إن تأثير الجماعة في جعل الأشخاص يلجأون إلى الشراب وفي جعل الممتنعين يرتدون لا يحتاج إلى أي نقاش أبعد من ذلك. إننا في حاجة إلى جماعة إسلامية من الممتنعين لمعاونة الناس على الامتناع عن الخمر والاستمرار في ذلك الامتناع. نحن في حاجة إلى جماعات إسلامية للعون في ذلك.

6- الثقافة الإسلامية وتدريب الصغار:

نظرا لأن الإسلام يمكنه أيضا أن يقوم بالكثير بالنسبة للمنع، فإنه من الهام أن نحذر من الأخطار والآثام الخاصة بالأشربة المسكرة في أساليب التعليم الإسلامية للأطفال في جميع الأعمار. وإن تلك الأساليب التعليمية يجب إدماجها ضمن مواد أخرى مثل العلوم والاجتماعيات ويجب أن يتم تصويرها بأساليب سمعية بصرية جذابة.

وأبعد من ذلك، فإن التنظيمات الإسلامية المتطوعة من أجل الشباب من الممكن أن تكون فعالة للغاية في مساعدتهم في بناء شخصية قوية وإيجاد البدائل الأخلاقية الصحية للخمور والمخدرات.

أما بالنسبة لمشكلة تقديم الكحول، مثل البيرة الوطنية إلى الأطفال الصغار فإنه يجب على الدولة والمجتمع ككل، أن تتخذ إجراءات لمنعها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر