أبحاث

الشباب من الاغتراب إلى البناء

العدد 35

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى

(1)

مدخــل

أبدأ بحديث شريف رواه الإمام أحمد في مسنده، أن أعرابياً سأله: يا رسول (صلى الله عليه وسلم)، أخبرني عن الهجرة، إليك أينما كنت؟ أم لقوم خاصة؟ أم إلى أرض معلومة، إذا متُّ انقطعت؟ فسأل ثلاث مرات ثم جلس. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيراً ثم قال أين السائل؟ قال: هو ذا حاضر يا رسول الله. قال : الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثم أنت مهاجر، وإن مت في الحضر (1).

ويمثل هذا الحديث الشريف المحور الرئيسي لما أود أن أدير من حديث وحوار حول الاغتراب والبناء في المجتمع الإسلامي المعاصر ودور الشباب فيه:

(2)

تحليل

فالسؤال كان عن الهجرة. والهجرة «موقف» من المجتمع والحياة: هي انتقال فكري ونفسي يصحبه –أحياناً– تغيير موقع العمل. ولقد بدا هذا في صورة الهجرة في حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والأنبياء من قبله، فالهجرة اغتراب يهدف إلى الأفضل:

هاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة. وهاجر أصحابه من قبله إلى الحبشة إلى حين، ثم اتجهت هجرتهم إلى المدينة وارتضاها الرسول وصحبه والأنصار قاعدة للإسلام.

وارتباط الهجرة بالنية من ناحية، والعمل الإيجابي من ناحية أخرى يتجلى في الحديث الشريف:

إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى، فمن كان هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كان هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ماهاجر إليه. (متفق عليه، عن عمر بن الخطاب).

وهذا الحديث- حديث الهجرة والاغتراب– هو الذي اختاره الإمام البخاري ليفتتح به كتابه الجامع الصحيح. وفي الحديث ثلاثة عناصر أساسية:

1-    موقف فكري عقائدي.

2-    تركٌ موقع، به أسلوب حياة لا يتلاءم مع الموقف.

3-    انتقال إلى موقع جديد، يشارك فيه الفرد مع الجماعة، في بناء حياة جديدة، يتحقق فيها الهدف المرجو، كله أو بعضه.

وبالربط بين الحديثين يبدو أن الهجرة لا يشترط فيها دائماً تغيير الموقع المادي، بالرحيل عنه إلى موقع جديد، وإنما يستطيع الإنسان أن يهاجر وهو في مكانه: أن يهاجر فكريا، وأن يشارك حيث يكون، في بناء حياة جديدة. بعبارة أخرى تستطيع أن تلخص الأمر كله في كلمات ثلاث : فكر. ترك. مشاركة. ولنتناول كل واحدة منها بشئ من التفصيل، مع الاستعانة بأمثلة من تاريخ الإسلام وحياتنا المعاصرة.

(3)

الفكر والحركة في صدر الإسلام

آفاق ثلاثة :

ولكي يكون الإنسان-أي إنسان- موقفه، لا بد له من دراسة واعية لأبعاد القضية التي بين يديه أو الحياة التي يحياها، ثم يستطيع بعد هذا أن يمارس الترك – وهو والفكر يمثلان الاغتراب، ثم يمارس المشاركة، وتمثل البناء الإيجابي على هدى.

في تتابع مستمر بين الترك والمشاركة، سصعد به الفرد والمجتمع إلى آفاق أوسع من الحياة: كلما أدرك أفقا هاجر منه إلى أفق أعلى «وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى» (النجم : 42)

ولنأخذ مثالاً من صدر الإسلام لنربطه بحياتنا المعاصره:

نموذج من الهجرة النبوية :

حمل الرسول عليه الصلاة والسلام أمانة الدعوة إلى الله «اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقْ» (العلق 1). ومن بعدها نزل قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرْ قُمْ فَأَنْذِرْ» (المدثر : 1). واتسعت دائرة المسئولية: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينْ»(الشعراء : 214).

وحدث الحوار، ثم الصراع – بينه وبين قومه – في مكة، واشتد الإيذاء، فقال لأصابه «أو خرجتم إلى أرض الحبشة. فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد. وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه» (2).

هناك مبررات الخروج من مكة، ومبررات الهجرة إلى الحبشة. وهي هجرة هادفة وموقوفه. فهي أرض صدق وإيواء. ولكنها لا تصلح أن تكون منطلقاً للدعوة. ولهذا جاء هذا القيد «حتى يجعل الله لكم فرجاً».

ويختلف هذا الهدف عن الهجرة إلى المدينة ومقوماتها. فكان مما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار:

«أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فقال البراء بن معرور:

نعم، والذي بعثك بالحق نبيا لمنعنك مما نمنع منه أزرنا» واعترض القول أبو الهيثم ابن التيهان:

–         يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالاً وإنا لقاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله ثم قال:

–         بل الدم الدم. والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم. أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم (3).

فالهدف الجديد هو «اختيار» موقع قاعدة الإسلام في الجزيرة العربية، حيث قام الإسلام، لتظل الدعوة عربية المهد والانطلاق، ثم لتحقق عالميتها بعد استقرارها العربي الأول.

الهجرة بهذا عمل بمقدار: مصدراً وهدفاً ومستقراً.

لو تعمقناها لوجدنا فيها اللقاء بين العقيدة والفكر من ناحية والعمل والحركة بشقيها من ناحية أخرى. حركة «من» موقع، وحركة «إلى» موقع.

العدل في الحكم على المواقف:

وقد استحضر الصحابة عند هجرتهم من مكة، ما يحببهم فيها، وما دعاهم إلى الهجرة منها، في توازن تجلى في أروع صورة في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام مناجيا مكة وهو مهاجر إلى المدنية :

–         أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إلىَّ. ولولا أن المشتركين أخرجوني لم أخرج منك.

وفي هذا نزل قول الله تعالى:

«إنَّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلى مَعَاد * قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُبِين»(القصص : 85)(4)

ويتجلى حب مكة فيما وصفتها بها أن المؤمنين عائشة، بعد هجرتها إلى المدينة:

–         ما رأيت السماء أقرب إلى الأرض بمكان كما رأيتها في مكة، وما رأيت القمر أضوأ بمكان كما رأيته في مكة (5).

وأمضى الرسول سبع سنوات في المدينة ثم عاد إلى مكة معتمراً، ثم جاءها في غزوة الفتح في العام الثامن، ثم جاءها في العام العاشر حاجاً.

ونقف عند خطبتين للرسول صلى الله عليه وسلم أولاهما عند فتح مكة والثانية في حجة الوداع :

1-    كان من قوله في الأولى على درج الكعبة:

«ألا أن كل مأثره كانت في الجاهلية ودم تحت قدمي هاتين، ألا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحج. ألا اني قد أمضيتهما لأهلهما كما كانا».

(أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر)

ومن قوله في خطبة الوداع الجامعة:

–         «ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة. وربا الجاهلية موضوع» وبدأ بما لأهله بوضع دم ابن ربيعة بن الحارث وربا العباس بن عبد المطلب.

(أخرجه مسلم عن جابر)

وفي أداء الحج أمر الرسول قريشا أن تفيض من عرفات لا من المشعر الحرام كما كانوا يفيضون في الجاهلية، وذلك لكيلا يتميز بعضهم على بعض. وفي هذا نزل قول الله تعالى:

«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفِرُوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيم»(البقرة : 199).

ونهاهم عن التفاخر بالآباء والأنساب وأن يتجهوا إلى ذكر الله في هذه الأيام المباركة:

«فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آبَاءِكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرَاً»(البقرة : 200)(6).

بناء المجتمع الجديد:

ويبدو هذا المنهج أيضا في بناء مجتمع المدينة: أقر الإسلام فيه أوضاعاً، وبدَّل أوضاعاً. واعتمد على ركيزة الإيمان ووضوح الفكرة، وإيثار العدل والاتزان:

«ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَقْوَى»(المائدة : 8).

بدأ بتأكيد الإخاء بينهم، ومحاربة أية بادرة لشق الصف الإسلام. ومع تركيز الإيجابيات كالصلاة والزكاة، تدرج في تحريم السلبيات كالربا وشرب الخمر. و «التدرج» من الأصول المرعية في التشريع الإسلام.

وتنوعت مواقف الإسلام أمام العقبات، وإن ظل الهدف واحداً: لقي عقبات من الكفار واليهود والمنافقين. أزاح العقبات حينا. أخر الاصطدام بها حينا. التف حولها حينا. وهو يقوم بهذا في تخطيط ومرونة تحتفظ بأصول الإسلام وتستجيب في ذات الوقت لحاجات الحياة ومتغيراتها.

وبهذا كان البناء عملاً نامياً، آخذاً في الاتساع مدركاً نبض المجتمع، وجوانب القوة والضعف فيه، ومدى احتماله. وقد تطور هذا المدى مع خطوات تكوين قاعدة الإسلام في المدينة.

هذه جولة سريعة في الآفاق الثلاثة : الفكرة. الترك. البناء، وجوانب من تطبيقاتها في العهد النبوي.

حروب الردة (التحدي الأول في عهد الخلافة الراشدة )

وقد تجلى استيعاب المجتمع الإسلامي الأول لهذه التجارب – أول ما تجلى– بعد رحيل المصطفي عليه الصلاة والسلام في حروب الردة. وفي تلك الحروب تلاقت الفكرة بالعمل في وحدة عضوية، كانت التثبيت لوجود الإسلام وقيامه. فلقد قررت حروب اليمامة مصير الإسلام، واستشهد فيها من الصحابة أكثر مما استشهد في جميع غزوات الرسول، وقتل فيها من الطرف المقابل أكثر مما قتل في جميع الغزوات.(7)  ومن حروب الردة، وبقيادة الذين حملوا مسئوليتها ومن معهم من المؤمنين، شق الإسلام طريقة إلى خارج الجزيرة العربية، ناشرًا أنواره في أرض فارس والروم.

ولولا هذا الترابط الوثيق بين الفكر المبدع والعمل المنظم في صدر الإسلام، ما تكوّن التاريخ الإسلامي، ولا قامت الحضارة الإسلامية. وهل كان هذا غير رحلة من الاغتراب إلى المشاركة؟ هذا إذا استخدمنا مصطلحات العصر الذي نعيشه.

وإلى تحدياته ننتقل :

(4)

مجالات التحدي المعاصر

ومن أبرز الظاهرات – المتوازية والمتفاعلة – التي يشهدها عالمنا الإسلامي، كما تشهدها كثير من الشعوب النامية، والتي سبقتنا على الطريق :

  1. الرجوع إلى الأصول الحضارية الذاتية، أو زيادة الوعي بها.
  2. زيادة الوعي بالآفاق الجديدة التي تقابل الإنسان المعاصر، وبخاصة في المجال العلمي والتقني.

الأصول الذاتية الحضارية:

وفي عالمنا الإسلامي يتباين هذا الموضوع إلى الأصول الحضارية الذاتية قوة وضعفاً، وشمولاً وتحديدًا، وحكمة وتقليدًا. ومن أقصى المغرب العربي، إلى جزائر المحيط الهادي، وفي قلب العالم الجديد بشقيه الأنجلوسكسوني واللاتيني، نشهد درجات متباينة من هذا الرجوع أو زيادة الوعي:

1-  في أقصى تطرفه الموضوعي: انعزال عن المجتمع، مادي ونفسي، ولجوء إلى الجبال والكهوف، وزهد في ممارسات المجتمع اليومية، وإدانة لنظامه التعليمي، أدت إلى أن ترك بعض الشباب المؤمنين بذلك، جامعاتهم ومدارسهم والدوائر الحكومية التي يعملون فيها، ومارسوا حرفاً يدوية بسيطة وتجارة محدودة المدى.

2-  وفي الطرف المقابل، نفر من الشباب أعطوا أنفسهم الحق في مراجعة شاملة للتراث كله، عقائد وعبادات وأخلاقيات ومعاملات، حتى أصبح الدين عند أصحاب هذا الموقف الأخيرًا أمرًا فردياً، وعلاقة بين الإنسان وخالقه، وأعطوا للفرد عندهم حق تحديد مداها وشمولها.

3-  ووصل بعض هذا إلى ما تتخذه بعض الحكومات الإسلامية من مواقف، وما تسنه من تشريعات تحكم بها على الإسلام، وتتحكم فيه : قبولاً وتعطيلاً ورفضاً، وهي – فيما بينها – ليست على كلمة سواء في اتباع الإسلام فكرًا وعملاً.

4-  بل إنك في القطر الواحد، وفي ظل الحكومة الواحدة تجد التباين العملي في قبول الإسلام بين إقليم وإقليم، ومدى القدرة على إبداع الصيغ التطبيقية لما تقبله من فكر إسلامي.

وليس هذا البحث مجالاً واسعاً للتعمق في هذه الدراسة، ولكن أكتفي بالقبول بأهمية دراسة العلاقة بين موقع القطر أو الجزء من القطر، وبين خطوط ومراكز التأثير العالمية المعاصرة.

وحتى في المناطق الإسلامية التي تتفق موقعاً، نرى تباينها في مدى التأثر بثقافة، ويخضع هذا –في بعض جوانبه– للتفاعلات الحضارية بين هذه المناطق، وبقية أجزاء القطر من ناحية، وجيرانها المسلمين وغير المسلمين من ناحية.

ويبدو هذا إذا رجعنا – كنموذج – إلى بعض الحركات الإسلامية الرئيسية في القرن التاسع عشر: الوهابية في شبه الجزيرة العربية، والمهدية في سودان وادي النيل، والسنوسية في ليبيا وامتدادها في بعض الأقطار المجاورة.(8)

فأمام الضغوط الخارجية اضطرت كل منها إلى أن تتخذ قاعدة داخلية، بعيدة بقدر الإمكان عن التأثير الخارجي، وتستطيع فيها – إلى أبعد مدى ممكن– أن تحمي نفسها. فارتبطت الوهابية بنجد، ثم انطلقت منها إلى بقية أجزاء الجزيرة العربية.

وتراجعت المهدية إلى كردفان، ثم انطلقت منها إلى ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، وحاولت بعد هذا الزحف شمالاً إلى مصر. واضطرت السنوسية إلى الإيواء الجنوبي، بعيدًا عن المؤثرات الخارجية ما استطاعت لتحاول الانطلاق بعد هذا شمالاً، ولتسطيع من معاقلها أن تستمد عوناً من جيرانها المسلمين.

ومع أن كلا من هذه الحركات الثلاث كانت لها شرايينها التي تربطها بالجبهات البحرية المفتوحة على العالم الخارجي، كاستناد الوهابية في مرحلة الانطلاق الأولى إلى القاعدة الكويتية، ومحاولات المهدية الارتباط بكل من النشاط السنوسي والقاعدة المصرية، والروابط بين السنوسية وجيرانها وبخاصة مصر، إلا أن كلا منها – في الظروف التاريخية للقرن التاسع عشر – اضطرت إلى أن تتخذ لها درعاً صلياً من الصحراء أو القلب القاري، تحتمي فيه، ثم تنطلق منه.

ومع أن كلا من الحركات الثلاث تركت طابعها على القاعدة القطرية التي قامت فيها، إلا أن مدى التأثير يتباين فيها – ولا زال– بين المناطق الداخلية والمناطق الساحلية.

وحتى الآن نرى الفروق الواضحة في الجزيرة العربية بين القلب المحافظ، والأطراف الأشد احتكاكاً بالعالم الخارجي: فالطابع العام في نجد يختلف في بعض خصائصه الحضارية عن دول الخليج العربي، وعن الموانىء والمدن الساحلية السعودية على البحر الأحمر.

والمدن الإسلامية على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط فيما بينها من حيث التأثيرات الخارجية: إنجليزية وفرنسية وإيطالية وأمريكية. وإن مدن الساحل الإفريقي العربي على البحر المتوسط – في عمومها – تختلف عن الأجزاء الداخلية الأكثر محافظة: صعيد مصر، جنوب ليبيا، وجنوب تونس، مناطق جبال الأطلس والأجزاء الصحراوية في دول المغرب العربي بعامة.

وفي عصر الطيران وثورة الاتصال، تقاربت المسافات، وتيسر انتقال المؤثرات الفكرية والمادية، إلا أن هذه العوامل في عمومها تتأثر بالخصائص الحضارية لكل قطر وإن تنوعت البيئات الحضارية في داخله.

نمو التراث :

وكما نجد هذا التباين في المواقف، من الأصالة والذاتية الحضارية، نجده أيضاً من معطيات الآفاق الجديدة التي تقابل الإنسان المعاصر وبخاصة في المجال العلمي والتقني.

وقبل الانتقال إلى هذين المجالين (العلمي والتقني) لنا وقفة عند مضمون الذاتية الحضارية. فهذه الذاتية – عند تكوّنها – تشمل جانبي الفكر والعمل، ثم يصبح الاثنان تاريخاً وتراثاً. بعبارة أخرى: ما كان عند حدوثه «عملاً وتطبيقاً» أصبح عند دراسته اللاحقة، فكرا وتراثاً. وبهذا يتضخم التراث دائما: بأصوله التي قام عليها، والإضافات الفكرية والتطبيقية التي جاءت تعبيراً عنه. فما كان حاضرًا، وأصبح تاريخاً.

العبير الجديد :

تأسيسًا على ذلك لا بد للحاضر الفكري من تعبير عملي، كما كان للفكر – في أصالته تعبيراته العملية – وهذا التعبير العملي هو التصوير الحي لمدى ما  نستوعب ونحتفظ من تراث، وما فينا من طاقة الإحاطة بمجريات الأحداث في عصرنا، وأبعاد مسئوليتنا وقدرتنا الحقيقية على التعبير عنها.

وهنا يبرز التحدي الكبير أمامنا بعامة، وأمام الشباب الإسلامي بخاصة:

ما هي قدرتنا على إبداع حاضر ومستقبل جديد تتوفر فيه الميزات التالية:

1-    لا يغرق في طوفان من محاولات الدفاع عن الماضي وتمجيده.

2-    لا يستنزفه الهجوم على التراث وتدميره.

3-  لا يفقد ذاته في تقليد لحضارة الغرب – وهي الحضارة التي لا تزال غالبة حتى الآن – ولا في الانطواء عنها، فيحرم نفسه من معطياتها وهي كثيرة.

4-    أن يجد لذاته تعبيرًا جديدًا مثمرًا مضافاً إلى جهود سابقة، متفاعلاً مع جهود قائمه.

(5)

نماذج تطبيقية

ولسنا وحدنا الذين نعاني من تشييد المعبر بين الخصوصية الحضارية، وآفاق المعرفة المعاصرة من أجل حياة جديدة. وليس شبابنا وحدهم الذين يمرون في هذه التجربة. ومن الخير أن تكون بين أيديهم تجارب شعوب أخرى، تبذل الجهد – كل بأسلوبه – لتحقيق التقدم والتوازن في هذه الحياة، دون خضوع للنموذج الغربي ولا انطواء عنه ولا عن غيره.

التجربة اليابانية (9):

وقد تكون التجربة اليابانية أكثر ما تحتاج منا إلى دراسة عميقة، هي وبعض التجارب الغربية كالنموذج الألماني والسويدي.

ومن نافلة القول، أن نتذاكر الفرق بين الدراسة والتقليد وحرية الاقتباس. فبعد الحرب العالمية الثانية بذل المعسكر الغربي – وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية – جهودًا دائبة في دراسة المجتمع الياباني.

كانت جهودًا علمية متخصصة :

–    كيف استطاعت اليابان في تلك الفترة القياسية  – من منتصف القرن التاسع عشر- أن تحقق التقدم العلمي والتقني الذي هدد – قبل الحرب العالمية – معاقل الصناعة الغربية، وكوّن جهازه الحربي، وأصبح أخطر قوة حضارية في القطاع الشرقي من المحيط الهادي، حتى أقلق الغرب المقابل في المحيط الهادي ؟ وكان إحساس الولايات المتحدة أشد من إحساس حليفاتها ولهم مصالحهم ومعاقلهم في الشرق الأقصى.

والذي يعنينا هنا الضربة العنيفة، وغير المسبوقة، وهي إلقاء القنبلة الذرية الأولى على هيروشيما في ذلك اليوم الرهيب من تاريخ الإنسانية : 6 أغسطس 1945، وما أعقبه من هجوم روسي سارعت معه الولايات المتحدة يوم 9 أغسطس إلى إلقاء قنبلة ذرية ثانية على نجازاكي حسمت الحرب وحققت لها السبق في احتلال اليابان التي أعلنت استسلامها.

– هل كان الأمر تسابقاً بين قوى ثلاث: من يصل قبل الآخر إلى اليابان؟ الولايات المتحدة. الاتحاد السوفيتي. الصين؟

– هل كان تحسباً لقيام نوع من التعاون – أو على الأقل التفاعل– بين الصين واليابان: هذه بامتدادها الأرضي الذي يجعلها تقرع أبواب الغرب الشرقية في وسط آسيا، حيث منطقة من أخطر مناطق الصراع العالمي المستقبلة بين الصين بأعدادها المتزايدة، وليس لها إلا أن تمتد غرباً، والاتحاد السوفيتي وليس له إلا أن يمتد شرقاً؟.

– هل كانت ضربة من الجنس الأبيض – تمثله الولايات المتحدة الأمريكية – للجنس الأصفر ممثلاً في أكبر قوة متقدمة فيه وهي اليابان؟.

– هل كانت ضربة من العالم المسيحي الغربي موجهة إلى العالم البوذي المنطلق في الشرق الأقصى؟.

كل هذه الاحتمالات تناولها الباحثون بالدراسة، ولكن الذي نقف عنده الآن هو الصدمة النفسية والحضارية التي منيت بها اليابان.

والذي يعنينا أيضاً، كيف تناولت العقول الأمريكية الحياة اليابانية بالدراسة والتشريح والتحليل، تمهيدًا لإعادة تكوينها وصياغتها من جديد، لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

والذي يعنينا أكثر، كيف استطاعت اليابان أن تنهض من حطام وغبار وإشعاع القنبلة الذرية، ومن بين الجراح والآلام في عام 1945، لتستطيع قبل أن يمضي أربعون عاما أن تكوّن قوة اقتصادية، استطاعت – بكل اقتدار – أن تهدد من جديد – ودون قوة عسكرية – معاقل الحضارة الأوروبية، وبخاصة في المجالين العلمي والتقني، وتفوقت في الالكترونيات والإنتاج الميكانيكي بنوع خاص، حتى ارتفعت معدلات البطالة في غرب أوروبا واهتزت وسقطت فيها حكومات، وزاحم الإنتاج الياباني الإنتاج الأمريكي في عقر داره، وفي أسواقه التقليدية.

لقد حرّمت الولايات المتحدة على اليابان أن تعيد بناء جهازها العسكري، بينما نشطت كل من القوتين الأعظم – الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة– في بناء ترسانتها الذرية، وما حولها من أسلحة جوية وبرية وبحرية. ولم يكن أمام اليابان لتحيا، إلا التفوق العلمي والتقني.

أقول «التفوق». ومر التطور اليابني في مراحل انتقل بها من التقليد، إلى المشاركة، إلى الابتكار، إلى السبق وكسب الثقة العالية في انتاجه، إلى مزاحمة الغرب في أسواقه وهز قوائم اقتصاده.

مقارنة :

وهنا وقفة :

جزء غير قليل من ثروات العالم الإسلامي ذهب ولا يزال إلى التسليح. وأصبح لكل دولة جيشها. وله مصدر أسلحته. والمصادر متعدده. ومع هذا التعدد أذكر أسلوب الغرب في مد الطرق الحديدية في إفريقية حيث تعددت السعات بين القضبان بحيث يتعذر على القاطرات والمركبات أن تنتقل، أن تنقل من قطر إلى قطر، لتظل القارة ممزقة. ولا تستطيع التعاون، وهو الأمر الذي تجتنبه الخطوط الحديدية في أوروبا.

وأمامنا أكثر من تجربة كانت تستطيع الجيوش العربية أن تتعاون فيها بفاعلية، أو بفاعلية أكثر. ولكن تعدد أنظمة التدريب، وتنوع مصادر وأنواع الأسلحة، ولكل منها تدريب خاص، أثبت وجود فجوة واسعة بين التوقيع على معاهدات الدفاع المشترك، وتطبيق ذلك عمليا، عند اشتداد الحاجة إليه. بل في أكثر من مناسبة كان الصراع بين العرب والمسلمين شديدًا. واتجه السلاح إلى صدر الأخ – أخ الجوار والوطن والعقيدة– متدفق الطلقات كأنه شلال دم، وكان شحيحاً على العدو الحقيقي الذي انتزع الأرض من تحت الأقدام، ودفع أهلها إلى شتات جديد.

مزيد من المقارنة :

فالقانون على صناعة الأسلحة وتطويرها – كاليابان– حرمتهم القوى الكبرى من ذلك، وغير القادرين على صناعتها، وفرتها بين أيديهم وأغرت بينهم العدو – وكثير من دول العالم الثالث نموذج لذلك– واستطاعت هذه الدول الكبرى أن تمتص جانباً كبيرًا من الطاقة الحيوية للدول النامية ومن بينها العالم الإسلامي. بينما أمنت تهديد الدول القادرة على منافستها عسكرياً كاليابان. وبدلاً من أن تتجه الطاقات في العالم الثالث إلى التنمية، اتجه جزء كبير منها إلى الصراع الداخلي والصراعات الإقليمية وهي آخذة في النمو، وقودها الثروات والشباب.

طاقات التنمية بين التجمع والتشتت:

إن الدول القادرة على التأثير العالمي تستند جميعاً إلى قواعد الأمن من الأرض والبشر والموارد الطبيعية والتمويل والمستوى العلمي والتقني:

1-  وقد تجتمع هذه العناصر أو معظمها في إطار سياسي واحد. والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي نموذج لذلك.

2- وقد تجتمع العناصر في مجموعة من الدول المتجاورة، التي لا تستطيع واحدة منها –بمفردها- أن تقف بين القوتين الأعظم. ولكن تستطيع مجتمعه أن تقف، وغرب أوروبا نموذج لذلك.

3- وقد تتوفر بعض هذه العناصر، وتحتاج الدولة إلى استيراد بقيتها من الخارج: كاليابان، في حاجتها إلى الموارد الأولية والطاقة.

4- وقد تتوفر كثير من هذه العناصر في مجموعة من الدول المتجاورة، التي تحتاج إلى تعاون كبير فيما بينها، لحسن استخدام هذه الموارد، واستكمال ما ينقصها منها، بالجهد الدائب في المجال العلمي والتقني: والعالم الإسلامي نموذج لذلك.

إن قدر العالم الإسلامي أن تتعاون دوله. ففي كل منها واحدا أو أكثر من عناصر الانطلاق. ولن تستطيع واحدة – بمفردها– أن تحقق الانطلاق في عصر التجمع, وإذا كان غرب أوروبا لم يجد أمامه إلا أن يجتمع، وهو بلا شك – يسبقنا كثيرا في المجال العلمي– أفلم يأن لنا أن نحاول صيغة من صيغ التجمع، وتخطيط استغلال الموارد المشتركة، وتكوين الإطارات العلمية، وهي أمور يلتقي عندها أمر الدين بضرورة الحياة والتقدم؟.

أعـــــود فأقول:

هذا هو التحدي الكبير الذي يلقاه هذا الجيل والأجيال المقبلة. وأن الضياع أو التخلف، أو الحاجة إلى التنمية، أو الضعف، أو الاغتراب ..

لك أن تتخذ من الأسماء – في سلبيتها – ما تشاء .. تحتاج منا إلى عبور نصل به إلى الشاطىء الآخر: شاطىء المشاركة الإيجابية بين الحاكم والمحكوم. ويسبق المشاركة ويواكبها حوار خصب تنضج به الرؤية، حتى نسير باقتناع في خط إيجابي من الاغتراب إلى المشاركة في صناعة الحياة.

(6)

وأمرهم شورى بينهم

من الاغتراب إلى المشاركة :

ذكرت بعض آفاق الحوار الذي ينبغي أن يدور أولاً فيما بين الشباب، وثانياً بين الشباب والسلطات. بعبارة أخرى : أن يكون للحوار مساران: أفقي بين الشباب، ورأسي بين الشباب والأجهزة التشريعية والتنفيذية.

ولقد ذكرت أمثلة من التجارب والمعاصرة، لأفتح الطريق إلى القضايا التي تقابل شبابنا في مسيرته إلى مستقبله.

ومع تعدد المداخل التي يمكن أن تسلكها الدراسة والحوار إلا أن هناك هدفاً لا أظن أننا نختلف فيه وهو أن يجمع تكوين الشباب وإعداده لمستقبله بين العقيدة، والقدرة على المشاركة الإيجابية في الإنتاج :

والأمران مترابطان ومتكاملان، كيف ؟

ذلك لأنهما يبدءان بتغيير جذري في نظامين أساسيين من نظم حياتنا، أولهما: الدعوة الإسلامية، والثاني: التربية والتعليم، بحيث يصبح النظامان تيارا واحدا، يمثله الجيل المرتقب: المغترب المشارك المبدع بإرادة حرة.

وإذا كان المنتظر من الذين يرسمون خطط البناء الاجتماعي أن يقدموا تصورا متكاملا، نابعا من الحوار مع الشباب، ودراسة ظروف المجتمع داخليا وخارجيا، وإدراك أبعاد المستقبل، فإن المنتظر من الشباب أن يشارك في إقامة هذا التصور وأن تتاح له فرصة المشاركة فيه، وأن يمارس – في تدرج– أعباء القيام به. وهذا الأمر ليس باليسير، لأنه تغيير يشمل حياتها اليومية، الخاصة والعامة، وعلاقاته الاجتماعية، وبناءه الفكري، والكثير من عاداته في الصبر على العمل والدأب فيه، والإحساس بكرامته والرغبة الصادقة في الإبداع.

بين الحرية والنظام:

على أن بناء هذا الجيل لا يحمل أي معنى من صب الأفراد في قوالب جامدة في ظل نظام شمولي. فللشباب أن يختار وفق مواهبه الطبيعية دون أن يفرض عليه المجتمع فبدأ اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً يعوقه عن متابعة التحصيل، أو قيدًا فكرياً يدفعه بعيدًا عما يحسن القيام به.

الأمر لقاء – أو حوار – بين قدرات الفرد وحاجات المجتمع. لقاء يتحقق به ما يسميه علماء أصول الفقه «فروض الكفاية»، وذلك بتعريف الشباب بالتخصصات العلمية التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي وتشجيعه عليها.

نموذج من الغـــــرب:

ومن قريب كنت أقرأ بحثاً للأستاذ اليوت سيف عنوانه «هل تجرؤ على وضع منهج جديد لجيل جديد ؟».(10)

ومحور البحث قضية أساسية لخصها في قوله «في اعتقادي أن المسألة الهامة التي يجب أن تشغل بال القائمين على التعليم في حقبتنا التاريخية هذه، هي القيام بالتعريف بما يجب أن تفعله المدارس من أجل أن تمنح الأطفال القدرة على العريش في مستقبل حياتهم. ولقد كانت أبناء الصيادين يتعلمون فنونه على أيدي كبارهم .. أما في العالم اليوم الشديد التعقيد فقد تبدل كل شىء إلى درجة أضحت معها الغايات التربوية من التعليم المدرسي محاطة بالغموض. ثم اقترح في بحثه عشر طرائق تعين المدرسة على إعداد الشباب للحياة :

1-    الاستيعاب والتمكن التقني.

2-    ممارسة الحياة التعاونية – ودعم روح الفريق.

3-  المهارات الأساسية للمحافظة على البقاء: أنشطة اللياقة البدنية. الإسعافات الأولية. مبادىء الصحة النفسية. مبادىء الكهرباء الميكانيكية إلخ …

4-  تطوير مهارة الاختيار المهنى .. كمثال ذكر أن قاموس أسماء المهن الذي صدر في أمريكا عام 1977 به معلومات عن عشرين ألف حرفة مستقلة.

5-    التعلم الذاتي ويقصد به التعليم المستمر وقدرة الفرد على متابعة ذلك.

6-  مهارات التفكير والابتكار في حل المشكلات واتخاذ القرارات. وذلك بالعناية بإبراز المشكلات وحلولها، دون اعتماد الدراسة على مجرد التحصيل أو حتى «حفظ» الحلول.

7-    التواصل: والمقصود به مهارات القراءة وأجهزة الاعلام والقدرة على الإصغاء والتركيز والتلخيص والمفاوضة الخ …

8-  المواطنة المحلية والمواطنة العالمية– عن طريق دراسة القضايا القومية والعمالية ( مشكلات المحافظة على البيئة. التلوث. الغذاء الخ …)

9-    التربية الأخلاقية. والموازنة على مصالح الفرد والأسرة والمجتمع.

10-  الاهتمام بالإنسان.

ثم ذكر نماذج مما تستطيع المدرسة أن تقدمه في هذا المجال عن طريق الممارسات العملية والنماذج والتفاعل مع البيئة :-

ومن الشـــرق:

وفي اليابان هناك لقاء قوي بين التقاليد العريقة القومية والصناعة الحديثة والدين. العمل عندهم عبادة. والمحافظة على الآلات ونظافتها وصيانتها عبادة. لا اضراب. لا تعطيل. المصنع وعائده يرجع إلى ذلك الذين يعملون فيه. ومع ارتفاع الدخول استطاع الياباني أن يحافظ على حياة فيها بساطة ونوع من التقشف. وانعكس حبه للحياة، حبا للإنتاج فيها، حتى مع تقدم السن، ما دام قادرا على العطاء. وأن نفس الدقة والجمال الذي ينظم به الياباني حديقته الصغيرة أو أماكن الزهر في بيته، أو يتناول به فنجال الشاي في تقاليد مرعبة، انتقلت من حياته الخاصة إلى الحياة العامة، اتقانا لصناعة الالكترونيات والسيارات ..

(7)

اقتراحات عملية

ليست أحلامـــا:

قصدت من هذه الجولة الواسعة، بامتدادها الرأسي في تواريخ الإسلام، وامتدادها الأفقي في الحضارة المعاصرة، ومشكلات الدول المتقدمة منها والنامية، أن نتذاكر معا جوانب من أبعاد المشكلة التي نقابلها. وأن الطريق من الاغتراب إلى المشاركة ليس قريبا ولا ذلولاً.

فما من شعب سار في هذا الطريق إلا دفع الثمن من دمه وعرقه وفكره، ولا يزال يدفع، وإلا زاحمه على الطريق من هو أشد منه قوة. فما أبرز اقتراحاته هذه المسيرة من الاغتراب إلى المشاركة ؟

1-العقيدة :

مع الإحساس بالاغتراب لا بد من إحساس بالاطمئنان والأنس. مصدره الأكبر معرفة الله والعودة إليه «ألاَ بِِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوب» (الرعد : 28). هذا الذكر مصاحب للإنسان في خلوته مع الله، وعمله، ولقاء خصومه في ساحات القتال، وفي التغلب على المشكلات في محاريب العلم.

يقول الله تعالى :

«يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون» «الأنفال :45»

ويقول تعالى :

«إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار» ( آل عمران : 190 – 191)

لا بد من عقيدة يستند إليها الإنسان في حياته، تمده بالطمأنينة وتعينه على مشقة الطريق. وما من حضارة معاصرة، إلا واستندت إلى عقيدة، أنزلها الله، أو صنعها لها حكماؤها ومفكروها. وقد يتباين مدى التمسك بها، ولكنك تحس وجود هذه العقيدة : كتراث، أو دافع، أو هذه الآفاق جميعاً.(11)

2-الممارســـة:

ويأتي التركيز على إيجابية الربط بين العقيدة وواقع الحياة. فلا يتحول الإسلام إلى مجرد جدل لفظي، أو وعظ سطحي، أو إعجاب بأمر مضى، كما يقف التراجمة أمام الآثار القديمة يتحدثون عن مجد لا يستطيعون الإضافة إليه.

تقوى هذه الصلة بأن تستند إلى الأسوة الحسنة التي تبدأ من المنزل، وتستمر في الحياة والمدرسة والمؤسسات العامة.

لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يمارس بنفسه ما يدعو الصحابة إلى عمله: شاركهم في الدعوة والهجرة وبناء المسجد والمغازي، وتحمل آلام الجوع وأحسن إلى الضعيف واليتيم. وبهذا كانت حياته – عليه الصلاة والسلام – قرآناً حيًّا.

3-موازاة العصر وسبقه:

والعمل والممارسة قطرات من الجهد تتجمع نهرا، له تيار واندفاع وضعاف ومجرى وهدف. وهنا تبدو ضرورة التنسيق بين جهود الفرد وجهود الجماعة :

أن يحس الفرد بذاته وبمكانه في مجتمعه وبمسئوليته فيه. فيزداد تآلفه مع مجتمعه، ثم تعاونه معه في السير الصاعد به إلى الأمام، فإذًا المجتمع في اغتراب إيجابي يتجه إلى الأفضل.

وما ينبغي أن يحدث الاغتراب فيما بين الشباب. فهنا مجال الألفه التي منّ الله بها على أصحاب المصطفي عليه الصلاة والسلام :

«وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم»  (الأنفال 62 ، 63)

ومع هذا التأليف تحس غربتهم عن مكة، وانعزالهم عنها – وهم فيها– قبل الهجرة. وكيف يمنّ الله عليهم بألفه بعد خوف كان صورة من الاغتراب:

«واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون» (الأنفال : 26)

4-اعداد مناهج التطوير:

ويبدو التعاون بين الأفراد والمؤسسات والدولة في إعداد مناهج التطوير التي تحقق هذه الأهداف. وهي بدورها تحتاج إلى صبر في التنفيذ وإيمان به، وإعادة صياغة القوانين التي تحكمه في المدرسة والمؤسسات العامة، والمفاهيم الأساسية التي ينبغي تثبيتها كركائز لهذا الجيل. ومن أبرز هذه الركائز نظرته المتوازنة التي تجمع بين ولائه الوطني والعربي والإسلامي والإنساني، في دوائر آخذة في الاتساع تتعاون ولا تتصادم، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. مع التركيز على أن التجمع العربي والإسلامي ضرورة حياة وليس نوعا من الترف الفكري أو السياسي. وخيرا نفعل لو استطعنا أن نضمن مناهجنا جانبا من التصورات العربية والإسلامية، التي تؤكد التعاون ضرورة ومصيرا، مع المحافظة على الكيانات الوطنية.

ويرتبط بهذا تيسير التحرك بين هذه الأقطار ودعم المشروعات المشتركة، والمعاملة السمحة التي يلقاها العربي أو المسلم في أي قطر عربي أو مسلم يزوره أو يعمل فيه. مع التركيز على دعم ما يجمع بين الأفكار والعقول والقلوب، واجتناب ما يدعو إلى الفرقة وزرع الأحقاد. فأحيانا يلجأ الذين يعجزون عن البناء إلى الهدم، والذين لا يتحملون مسئولية التفاؤل بالمستقبل والإقبال على المشاركة فيه، إلى النقد السلبي به تبرير السلبية والعجز.

5-مكتبة الشباب:

ونحن محتاجون إلى مكتبة متكاملة للشباب، تعالج قضاياه وتكون منبرا للحوار الخصب، ونفتح له الأبواب والنوافذ إلى تراثه والعالم من حوله ليشارك بالفكر والكلمة واليد في صناعة الحياة، وتعينه على تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة التي سادت حياتنا المعاصرة.

لا زال الكثيرون ينظرون إلى العمل اليدوي والتقني أنه دون العمل الفكري. ولا زالت المعاهد التقنية تقبل الطلاب بشروط لا تقبل بها المعاهد النظرية. ولا زال الطلاب يحبون – بعد حصولهم على المؤهل الجامعي أو التخصصي – أن يعملوا في المكاتب المغلقة، ودوائر الحكومة، دون العمل في مجالات الإنتاج المباشرة والتطبيقية : الزراعة – الصناعة – المعامل – معاهد البحوث إلخ …

كل هذه المشكلات تتناولها أولاً عقول، وتمارسها أيد ويتكون بها جيل جديد.

إن هذه الهندسة الاجتماعية منهج يسلكه من يريد بناء الحياة. فالمعيار هنا ليس مجرد حكم أخلاقي، ولكنه أيضاً طريق نجاح أو فشل. أقصد أننا لو تراخينا في ذلك وأخذ به أعداؤنا في بناء أجيال جديدة من شبابهم على الخشونة وحياة الشظف والمعاناة في المزارع الجماعية، وما يعدونهم به عقليا من مواد علمية وثقافية، حتى استطاعوا بناء الجيل الذي اصطدم بنا في أثر من حرب قريبة.

ذلك لأن بناء الأجيال أخطر من أن يترك للصدف والنمو العشوائي. وإذا كانت كل مهنة تحتاج إلى تكوين عقلي وجسمي له مواصفات خاصة، فإن مسار النهضة – في مجموعه – ينبغي أن يتوفر فيه المقومات التي تؤهله لتحقيق أهدافه، وهي أهداف تنمو مع مسار الحياة، وتتعقد أساليب الوصول إليها. وإذا تيبست المدارس والجامعات وتخلفت عن نبض الحياة في تسارعه، أخرجت أجيالاً عاجزة عن السعي، سلبية الاغتراب.

6-تنسيق البحوث والتخطيط بين الدول العربية الإسلامية :

وممّا يزيد من إحساس الشباب بإيجابية عطائه لمجتمعه وعقيدته، أن يتم هذا في إطار علمي منظم. ولنضرب لذلك أمثلة :

فالدول المتقدمة والنامية الحريصة على جهود أبنائها، تربط بين ما يقومون به من بحوث علمية وبين احتياجات الوطن وعلاقاته الداخلية والخارجية، بحيث لا تضيع البحوث هدرًا، ولكن تدخل في تنظيم كبير يعود خيره على البلاد، ويصبح ذا فائدة في الخطط الخمسية أو العشرية المقبلة. ويتم الحوار بين الأجهزة التنفيذية والتخطيطية حول البحوث الأساسية والتطبيقية وبحوث التنمية والتطوير، بحيث تصبح الجهود المبذولة استثمارا حقيقيا تبدو آثاره في المستقبل القريب أو المتوسط أو البعيد، وفق طاقات الدولة المادية والبشرية.

حتى الدراسات الدينية والأدبية دخلت ذلك المجال، مستفيدة من طرق البحث الحديثة ووسائل تجميع وحفظ واستعادة المعلومات، بحيث أمكن توفير الجهود المبذولة وتوجيه الطاقات البشرية ليكون لها أفضل عائد.

المعلومات التي كان الباحث يجمعها في شهور أصب، بالأساليب الحديثة، من الممكن أن تتوفر له في يوم أو بعض يوم. وبهذا استطاع الإنتاج النوعي أن يزداد عندما سيطر الباحثون على الأساليب العلمية الكمية في تنظيم المعلومات.

فإذا انتقل هذا من المستوى الوطني إلى المستوى العربي والإسلامي، وأمكن أن ننسق الخطط البحثية بين الدول الإسلامية في المجالات المتنوعة المتكاملة، لكنا على الطريق نحو عمل عربي وإسلامي كبير يستطيع شبابنا فيه أن يكون أكثر ثباتاً على طريق المستقبل.

وأذكر أنه عندما تقرر إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي الأول في الرباط (ديسمبر1969) أن نشط بعض الباحثين في إعداد وتقديم هذه البحوث. شهدت هذا في مؤتمر القمة الإسلامي الثاني في لاهور عام 1974، ومؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد بعده في كوالالمبور في نفس العام. ولكن يبدو أن العقول لم تكن مهيأة لقبول الآمال  الطموحة التي عبرت عنها المشروعات، ولا الميزانيات الكبيرة التي اقترحت وقتئذ، مما دعا إلى إعادة النظر في المشروع كله، والاكتفاء بمشروعات جزئية محدودة. ودائما الفكر والأمل والممكن وبين الواقع، وأن نحسن الاستفادة من الأجهزة القائمة، وأن ندعمها بالفكر والعون، وأن يجد فيها شباب الباحثين مجالات للابداع والتعاون وتنظيم فرق العمل بكل ما تحمل من أخلاقيات البحث العلمي من الدأب ونكران الذات في سبيل المصلحة العامة والتواضع وإتقان القيادة والزمالة والإصغاء، والتوجيه والتنفيذ.

7-الصبر على مسئوليات البناء:

وحين نرسم صورة الغد الذي نريد، ونبذل الجهد في تحديد مواقع الأفراد ومسئولياتهم فيها، فلن يتركنا أعداؤنا دون زرع الألغام في الطريق، ومحاولة صرفنا عن هذا الهدف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

وأقرب الأمثلة على ذلك مواقف الدول الكبرى ومواقف إسرائيل من مظاهر اليقظة العربية والإسلامية ومحاولات ضربها: (12).

1- ضرب المفاعل الذري العراقي في 7يونيو 1981.

2- تخفيض المعونات لوكالة غوث اللاجئيين تضييقاً على الفلسطينيين، عندما رأت الوكالة أن المدارس تخرج أجيالاً قابلة للذوبان في الشعوب الأخرى كما أرادت لها أن تكون.

3- منع التكنولوجيا المتقدمة عن الشعوب العربية والإسلامية أو وضع العراقيل في سبيلها، ومن أقرب الأمثلة على ذلك ما يلقى المفاعل الذري الباكستاني من عقبات،لم يلقها المفاعل الهندي ولا الإسرائيلي.

4- مد إسرائيل المنتظم والمتزايد بأحدث الأسلحة التي تضمن لها التفوق العسكري على العرب حولها، وإحاطتها بإطار منزوع السلاح.

5- إغراق العالم الإسلامي بسيل لا ينقطع من الصراعات الداخلية، ومن أقربها الحرب العراقية – الإيرانية، فضلاً عن الصراعات الداخلية العرقية والطائفية والمذهبية والدينية. وهذا كله يدخل في المخطط الكبير لتفتيت الدول العربية والإسلامية القائمة وبخاصة ما كان منها حول إسرائيل.

6- الحملات المكثفة لامتصاص ثروات العالم الإسلامي والعالم الثالث بعامة -بالإضافة إلى الصراعات الداخلية- في الاستهلاك الترفي والمكيفات.

ومن أبرز مظاهر ذلك ما تقوم به شركات السجائر من دعاية قوية في العالم الثالث لترويج إنتاجها بعد أن انصرف عنه العالم المتقدم عندما تأكد فيه ارتباط التدخين بالسرطان وغيره من أمراض القلب والشرايين والصدر.

وصفوة القول: أننا بحاجة إلى يقظة فكرية نبصر بها صورة الغد، ومواقع الزلل، وإلى عقيدة تعيننا على أعباء الطريق، وقوة على مراجعة حساباتنا، وإلى تعاون بين الشباب، وبينه وبين المسئولين، في فترة مصيرية من حياتنا، نسأل الله العون فيها، على أن نعبر عن إيماننا به- سبحانه- بالعلم والعمل والتخطيط والصبر على مسئوليات التنفيذ.

الهـــــوامـــــــــــــــش

(1) أعلام الموقعين لابن القيم 4: 273 – 274 ط. دار الفكر – بيروت

(2) تاريخ الطبري :2: 230 – 331 ط. دار المعارف- القاهرة.

(3) تاريخ الطبري:2: 362 – 363، في عرضه بيعة العقبة الأولى، والثانية وشروط بيعة العقبة الأخيرة، ثم نزول الأمر بالقتال والاذن بهجرة المسلمين إلى المدينة.

والمقصود من قوله صلى الله عليه سلم: الدم الدم والهدم الهدم: من طلب دمكم فقد طلب دمي. ومن أهدر دمكم فقد أهدر دمي. والهدم بالتحريك: القبر والمنزل. أي أقبر حيث تقبرون. وأنزل حيث تنزلون.

(4) تفسير ابن كثير في شرح قوله تعالى «إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد معلوم«. وأورد عدة أقوال عن ابن عباس رضي الله عنه منها: لرادك إلى الجنة، لرادك إلى مكة كما أخرجك منها.

(5) انظر مادة «مكة« في معجم البلدان لياقوت.

(6) تفسير ابن كثير الآيات 199-200 من سورة البقرة لبيان ما أدخل الإسلام من تعديل على مناسك الحج في عرفات والمشعر الحرام.

(7) تاريخ الطبري:3: 294-297.

(8) آثرت اختيار أمثلة من القرن التاسع عشر في العالم الإسلامي، حتى لاتكون المعاصرة حجاباً يحول دون الرؤية الدقيقة. ومن النماذج نستطيع أن نتبين العناصر التي يريد البحث إبرازها في القضايا المعاصرة، لتكون خلفية مجرد خلفية عند تقييم المواقف واختيار الحلول.

(9) انظر عرضاً لهذه الاجراءات في المرجع الآتي

Guy wint (Editor):

Asia Handbook، Penguin

Ref. Book، 1966

في الفصل الخاص باليابان كتبه ريتشارد ستوري

( . Richard story)

ص222 – 242، وبه قائمة مراجع أكثر تفصيلاً. وقد عني البحث بما بعد القنبلة الذرية وإجراءات الجنرال ماك آرثر ص203-231 في محاولة إعادة صياغة العقلية اليابانية وتدخله في مناهج تدريس التاريخ ومحاربته للتقاليد اليابانية العريقة كنظام الساموراي (المحاربين) إلخ.. .

(10) اليوت سيف: هل نجرؤ على وضع منهج جديد لجيل جديد؟ أنظر الترجمة العربية للبحث في:

الثقافة العالمية – العدد – 4 – السنة الأولى- المجلد الأول –مايو 1982م من ص28 -49. تصدر كل شهرين عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.

Elliot seif: Dare we build a new Curriculum for a New Age?

FUTURICS، Vol.2 no pp 107/ 119 ،1981.

(11) كمثال (1) المسيحية البروتستانتية في غرب أوروبا، وتلتحق بها المسيحية الكاثوليكية في جنوبها- (2) مذهب الزن (Zen ) في بوذية اليابان.

وهي تحاول الآن تنسيق العلاقة بينها وبين الكونفوشية فيما حولها من القواعد الحضارية الجديدة في الشرق الأقصى.

(3) الشيوعية في الاتحاد السوفيتي. أما القاعدة الأمريكية ففي جذورها أوروبية مسيحية، ثم أصبحت أقوى من الأصل الذي انطلقت منه، ويحاول الأصل الأوروبي أن يثبت استقلاله وفاعليته إلى جوارها متحرراً- ما استطاع- من السيطرة الروسية والأمريكية.

(12) نشرت جريدة الوطن (الكويت) في عددها الصادر يوم السبت 9 أكتوبر، الأحد 10 أكتوبر 1982 الترجمة العربية من الدراسة الإسرائيلية الهامة: استراتيجية إسرائيل في الثمانينات. أعدها بالعبرية أوريد بيتون المستشار السابق لوزير الحرب الإسرائيلي وأحد المسئولين في قسم الدراسات بالموساد (المخابرات الإسرائيلية)- ثم أعاد نشرها بالإنجليزية إسرائيل شاحاك الأستاذ بالجامعة العبرية. وتقوم هذه الاستراتيجية على تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية ودينية وعرقية، وإعادة توزيع السكان في داخل إسرائيل مع سيطرة كاملة على الضفة الغربية. والمهم: أنه ما من دولة إلا وتخطط للمستقبل وتحدد مجالات أنشطتها فيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر