أبحاث

قضية العلم والمعرفة عند المسلمين

العدد 39

لقد كانت خلافة آدم وبنيه فى الأرض، واسجاد الملائكة له إجلالاً خلقه الله فيه من عقل ذى قدرات علمية وإدراكات معرفية، وما أبدعه الله فيه من قلب مملوء بالمشاعر الفياضة والأحساسيس اللطيفة، (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة).

(البقرة/31)، وكان التوجيه الإلهي لرسولنا صلى الله عليه وسلم بدوام طلب الزيادة من العلم فى قول الحق تبارك وتعالى (وقل رب زونى علما) (طه/114)، وأتْباع رسول الله وأمته قاطبة موجه إليها هذا الأمر إلى يوم القيامة. وأما ورثة رسول الله المخلصون وهم العلماء فإنهم يدركون الدلالات البينات من القرآن على ما فيه من سعادة الدنيا والآخرة (بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم )(العنكبوت/49)، ومن ثَمَّ فلقد رفع الله شأن المؤمنين العلماء فى درجات الحياة الباقية حين قام ولم يزل قائلا سبحانه (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (الجادلة/ 11).

ولما كان الأمر كذلك فإن موضوع بحثنا هذا لهو أشرف موضوع وأعظمه، ولعل ذلك يتضح بجلاء فى فصوله التى تصل إلى خمسة، هى: الأول فى رفعة العلم ومكانة أهلة، والثانى فى مناهل العلم المتنوعة، والثالث فى مجالات العلوم المختلفة فى المنظور الإسلامى، والرابع فى جوانب المنهج الإسلامى للعلوم المقصودة، والخامس فى حتمية ارتباط العلم بالدين وجريمة الفصل بينهما .

(الفصل الأول)

رفعة العلم ومكانة أهله

يقول الحق جل وعلا (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم)(آل عمران/18)، هكذا يشهد الله سبحانه أولى العلم على أجلً مشهودٍ عليه وهو توحيده، وهذا يدل على فضل العلم وعلو منزلته من وجوه عدة (1) منها:

أشهد الله سبحانه نفسه ثم خيار خلقه وهم الملائكة والعلماء من عباده، وفى هذا فضل لا يدانيه فضل، حيث اقترنت شهادة العلماء من البشر بشهادة المولى عز وجل وكذا بشهادة الملائكة على أعظم مشهود له، وفى هذا تزكية لهم وعلو قدر وإقرار بأنهم عدول خلقه أى أزكاهم وأعلاهم وأجلهم . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله، ينفون عنه تحريف الغالمين وانتحال المبطلين وتاويل الجاهلين) .

جعل الله سبحانه بمقتضى النص القرآنى السابق شهادة علمائه من عبادهِ حُجة على المنكرين لوحدانيته، فكأنما العلماء بهذا أدلة لله على آيات توحيده، وكفاهم بهذا شرفاً وعظمة فى الدنيا والآخرة .

كما يلاحظ أن (و)قد ربطت بين الله وبين الملائكة وبين العلماء من عباده البشر وهذا يدل دلالة قوية على شدة ارتباط شهادتهم بشهادته، وأن الله سبحانه يجرى ما شهد هو به عن نفسه على ألسنتهم، وكفاهم بهذا فخرا.

فهؤلاء العلماء من البشر شهدوا بواحدانية الله وأفردوه بكل صفات الجلال والجمال وأعلنوا إقرارهم هذا فتبعهم الناس على نهجهم، فكان لهم مثل أجرهم.

يقول الحق تبارك وتعالى (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين يعلمون والذين لا يعلمون) (الزمر/9)، ويقول أيضا (لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنّة) (الحشر/20)، وبذلك يكون الله قد نفى التسوية بين أهل الجنة وبين أهل النار، وفى ذلك غاية الفضل والشرف لأهل العلم والعالمين فى حقله .

كما أن الحق جلَّ وعلا يقرر فى موضع آخر فى كتابه الكريم (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) (الرعد/19)، فأهل الجهل عميان، كما وصفهم الله فى مواضع أخرى بأنهم صم بكم عمى فهم لا يفقهون.

يقول الحق تبارك اسمه (فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون) (النحل/43). وأهل الذكر هم أهل العلم، فنعرف الأمر الإلهى بالرجوع إليهم وسؤالهم فى أمور ديننا وأمور دنيانا، كُلَّ منهم حسب ما أوتى من سعة أفق فى المجال من مجالات العلم .

يقول الله سبحانه (بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلاَّ الظالمون) (العنكبوت/49)، وفى هذا مدحوثناء لأهل العلم ومنقبة لهم ومفخرة، حيث أنهم أهل لثبات العقيدة وإبراز آيات الله للبشر والدعوة إليها .

ويكفى العلم شرفاً أن يُوصى الله سبحانه وتعالى خاتم رسله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يطلب العلم على الدوام (وقل رب زدنى علما) (طه/114)، والله سبحانه هو المصدر المباشر لعلم النبى عليه الصلاة والسلام .

رفع الله أهل العلم درجات، فقال (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعلمون خبير) (المجادلة/11)، ولقد أخبر الله برفع الدرجات فى كتابه العزيز فى أربعة مواضع، منها هذا الموضع، وموضع لأهل العمل الصالح، والرابع لأهل الجهاد، وبالنظر فيها جميعا نجد أن رفعة الدرجات تعود كلها إلى العلم والجهاد اللذيْن بهما قوام الدين .

أخبر الله سبحانه وتعالى بأن أهل العلم هم أهل خشيته لأنهم أقدر الناس على معرفته ومعرفة جلاله سبحانه (إنما يخشى الله من عباده العلماءُ) (فاطر/28)، ثم يبيّن ما أعدّه لهم من جزاء فيقول (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه) (البينة/8) .

يعلى الله سبحانه قدر العالمين لأنهم أقدر الناس على فهم أوامره وأمثاله التى يضربها للبشر فى القرآن (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالِمون). (العنكبوت/43)، ذلك لأن العالِم كلما عمق علمه ازدادت معرفته بالله وإدراكه لمقاصد آياته وأسرار كنها، حتى أنه رُوِىَ أن بعض السلف الصالح كانوا يقرءون القرآن فيمرون على مَثَلِ من أمثاله المضروبة فيه فيحاولون فهمه فإن عجزوا عن إدراكه بَكَوْا على عجزهم عن الفهم الذى أخرجهم من دائرة العالمين الذين أشارت إليهم الآية السابقة .

معنى (الحكمة) باختصار هو إصابة الحق والعمل به، وهى مهمة العلم الذى يَرْدُفُهُ صالح العمل، ولقد أخبر الله سبحانه بأن من يُؤْتَ الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) (البقرة/269) .

إن فضائل الله على عباده العلماء كثيرة ومنها أنه يَسَّرَ لهم العلم فمنحهم القدرة على إدراكة ووهبهم سبيل الغوص فيه، وأعظم مخلوق وهبه الله هذه المواهب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) (النساء/13)، كما أنه سبحانه يذكّر عباده المؤمنين بهذه النعمة ويأمرهم بشكرها (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمون الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون) (البقرة/151) .

فى قصة خلق آدم يقول الحق تبارك وتعالى (وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتعجل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون .وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) (البقرة/30- 32). وفى هذا النص القرآنى بيان لفضل العلم ورفعة شأنه على التفصيل التالى:

عندما قال الله سبحانه للملائكة (إني أعلم ما لا تعلمون) مجيبا عن سؤالهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، فهو سبحانه الذى يعلم بواطن الأمور وحقائقها ممَّا لا قِبِلَ للملائكة بعلمه، فكان أنْ خلق الله خليفة من طين هو آدم ورفعه على الملائكة المقربين، ومن ذريته أيضا مَنْ هو كذلك، وهم الرسل والأنبياء والشهداء والصديَقونَ والصالحون و….ولقد ظهرت الخاصيّة التى ميَّز الله بها خليفته – وهى العلم – حينما أمره الله بذكر أسماء الملائكة (يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم)، وأصبحت صفة العلم هى الصفة المميزة له عن سواه، وهكذا لا يتميز الإنسان إلا بما أوتى من علم .

من المعلوم أن العلم نور يقذفه الله فى قلوب عباده الذين عرفوا أنفسهم فعرفوا ربهم فأحسنوا خلافتهم المنوطة بهم فى الأرض، وهذا النور هو القاشع لظلام الجهل والماحى لظلمات الغرور وسائر ضروب الآفات والأمراض، إذاً فالعلم بحقًّ هو اكسير الحياة الذى افتقده إنسان فإنه يفتقد الحياة نفسها، فهو ميّت فى صورة حى (أومَنْ كان مَيْتًا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها) (الأنعام/122)،(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم) (الحديد1/2)،. (الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (البقرة/257).

كفى العلم شرفاً أنه طلب الأنبياء من الله سبحانه، فهو المصدر الأعلى والأعظم للعلم، فهذا يوسف عليه السلام يقول الله على لسانه (رب قد آتيتنى من الملك وعلّمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين) (يوسف/101)؛ وهذا يعقوب عليه السلام يذكره الله بأنه ذو علم أفاضه الله عليه (ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شئ إلاّ حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف/68)؛ وهذا داود وسليمان (وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين *ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يُسَبَّحْنَ والطير وكنا فاعلين* وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسهم فهل أنتم شاكرون)(الأنبياء/78- 80)،

وفى قصه موسى مع العبد الصالح التى فَصَّلَتْها سورة الكهف دليل واضح على سمو العلم ورفعة مكانة العلماء وعظم قدرهم، فموسى نبى ورسول وكليم الله ورغم ذلك يرتحل طلبا للعلم من عَبْدٍ وَهَبَهُ الله من علمه (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنى مما عُلَّمتَ رشدا) (الكهف/65)؛ ثم يمتن الله على نبيه عيسى بن مريم عليهما السلام فيقول (وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل…) (المائدة/110)؛ ثم يأمر الله رسوله محمداً صلوات الله وسلامه عليه أن يلتمس العلم بالدعاء (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رَبَّ زدنى علما) (طه/114).

يقسم الله سبحانه بأن الناس كلهم خاسرون إلا هؤلاء الذين وصفهم فى صورة العصر حيث يقول:(والعصر* إن الإنسان لفى خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (سورة/ العصر)، فكمال الإنسان يتحقق بخطوات أربعة: معرفة الحقيقة والعمل بها، ثم تعليم العلم لمن لا يعلم، ثم الصبر فى طلبه، وكذا العمل به، وعلى تعليمه من لا يعلمه. مما جعل الإمام الشافعى رضى الله عنه يقول عن سورة العصر:لو فَكّرَ الناس كلهم فى هذه السورة لكفتهم (أى لحققّت غرضهم والمطلوب منهم فى دنياهم) فنهاية الكمال أن يكون الإنسان كاملا فى نفسه ثم مكمَّلا لغيره، فكماله فى نفسه يتحقق بإصلاح قوتيْن: قوة علمية بالإيمان، وقوة عملية بالأعمال الصالحة، وتكميله غيره يتحقق بتعليمه إياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم وعلى العمل.

ولقد امتن الله سبحانه على عباده بفضل العلم الذى أودعه قلوبهم وعقولهم فأقسم بآلة العلم ورمزه وهى القلم، وقَسَمُهُ إنما هو تشريف للمقسوم به (ن والقلم وما يسطرون)(القلم /1)، ثم هو سبحانه يوجه إلى وسائل العلم وهى القراءة حين يقول فى أول وحى أنزله على خاتم رسله (اقرأ باسم ربك الذى خلق) (العلق/1) .

أما سُنَّةُ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فزاخرة بالنصوص التى تأمر بالعلم وتحضّ عليه وتعلى قدرة ومكانة أهله، تسوق منها:

ورد فى الصحيحين من حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه معاوية: (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين)، حيث أن خير الدنيا وخير الآخرة مجموعات فى الفقه فى الدين، وفقه دين الله هو العلم به .

ورد فى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مثل ما بعثنى الله به من الْهُدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قلبت الماء فأنبتت الكلاً والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماءّ ولا تنبت كلاً، فذلك مثل مَنْ فقه فى دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعلّم، ومثل مَنْ لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذى أْرْسِلْتُ به)، فى هذا الحديث الصحيح نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسّم الناس من حيث انتفاعهم بالعلوم ثلاثة أقسام: قِسْم تلقّى العلوم فأثمرت فيه فعمق فهمه لها حتى انتشرت على من حوله من اخوانه وانتشرت فى العالمين، وقسْم حفظ العلم وضبطه ولم يرزقه الله القدرة على فهمه وفقهمه فلم يتمكن من فهم معانيه ففقد القدرة على الاستنباط منه ولكن الناس منه، وأما القسم الثالث فهو أولئك الذين لم يجد العلم إلى قلوبهم وعقولهم سبيلا. ولقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والهدى بالغيث العاطل من السحاب لوجود الشبه بينهما وهو الإحياء، وأما العلم والهدى فهو غذاء الأبدان اللإحسان والحيوان، وأما العلم والهدى فهو غذاء الروح والعقل والوجدان وبه يتم عمران الدنيا وصلاح أمرها، هكذا نجد الرسول ينبّه إلى شرف العلم وفضله، وشقاء مَنْ ليسعوا من أهله، كما يدلنا الحديث إلى ضرورة العلم للناس كضرورة الغيث للأرض .

ورد فى الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب وهو متوجه إلى سفر:(لأن  يهدى – الله – بك رجلا واحدا خير لك من حُمَرِ النَّعِم)، فعمل العالم فى هداية الناس ذو شأن عظيم عند الله حتى ولو اهتدى شخص واحد بعلم بعلم هذا العالم فذلك خير له من متاع كثير فى الدنيا، فما بالك بمن تهتدى به طوائف كثيرة من الناس.

ورد فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من دعا إلى هُدَىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آيام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا). هكذا يدفعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن نكون مهتدين وأن نكون أيضا هداة وقدوة صالحة وأسوة طيبة دالّين على الخير ووسيلة إلى الحقُ .

روى الترمذى عن أبى أمامة الباهلى قال: ذُكِرَ لرسول صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عالم والآخر عابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت فى البحر، لُيصَلَّون على معلمى الناس الخير) وصلاة الله رحمة بالعبد، وصلاة الملائكة وغيرهم استغفار للعبد وطلب الرحمة من الله له .

روى أبو داود والترمذى من حديث أبى الدرداء رضى الله عنه قال: (مَنْ سلك طريقا يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وان الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وان العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتان فى الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لو يورثوا دينارا ولا درهما وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)، ولهذا الحدبث شرح وتفضيل يضيق المقام هنا عن إيراده أو حتى إيجازه فمن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب (مفتاح دار السعادة) لابن أبى جمرة، وغيرهما من ذخائر العلماء المسلمين.

ورد فى صحيح البخارى من حديث عثمان بن عفان رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه) وتعلُم القرآن هو فهمه وإدراك مدلولاته وأحكامه، ويحتاج ذلك إلى ارتقاء الإنسان فى علوم أساسية كثيرة من لغة وأحكام وتشريع وقصص وأمثال ومعارف كونّية وغيرها .
روى الترمذى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع) ذلك لأن طلب العلم وتعليمه ضرب من ضروب الجهاد .

روى الترمذى وغيره عن أبى سعيد عن النى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة) ولهذا كان أئمة الإسلام إذا قيل لأحدهم: إلى متى تطلب العلم؟ يقول: إلى الممات.

روى الترمذى أيضا عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها) والكلمة الحكمة يقصد بها العلم، وضالة أى وسيلة، وفيه أمر باستخدام العلوم النافعة من أى وجه يمكن الحصول عليها.

روى الترمذى أيا عن أبى سعيد أنه كان يحتفى بطلاب العلم الوافدين فى طلبه ويقول: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الناس لكم تُبَّع، وان رجالا يأتوكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً) .

روى الترمذى أيضا عن سخبرة* عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:( من طلب العلم كان كفّارة لما مضى) أى أن سعيه فى طلب العلم النافع يكفّر عنه ذنوبة الماضية .

روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبى العلاء عن الحسن: (من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحى به الإسلام، فبينه وبين الأنبياء فى الجنة درجة النبوة).

روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ( يجمع الله تعالى العلماء يوم القيامة ثم يقول: يامعشر العلماء: إنى لم أضع علمى فيكم إلاّ لعلمى بكم، ولم أضع علمى فيكم لأعذبكم، أذهبوا فقد غفرت لكم).

روى أبو الموصلى فى مسنده من حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال :(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

روى ااطبرانى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوزن مدام العلماء بدماء الشهداء يوم القيامة) .

روى الطبرانى أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ساعة عالم متكئ على أريكته ينظر فى علمه خير له من عبادة مائة عام)، والمقصود بالعبارة هنا النوافل.

روى أصحاب السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن علم فقد جهل).

روى الطبرانى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إذا طلع علَّى يوم لم أزداد فيه علما يقربنى من ربى، فلا بورك لى فى طلوع شمس ذلك اليوم) .

حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يَبْلُغُهُ شيئا من علم أن يبلِّغه غيره من المسلمين، فقال فيما رواه البخارى فى صحيحه: (ليبلّغ الشاهد الغائب، فان الشاهد عسى أن يبلغ نت هو أوعى منه) فرُبّ غائب أوعى من شاهد .

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تعليم العلم للناس، روى الدارمى فى سننه: (تعلّموا العلم وعلّموه للناس) .

وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ثواباً عظيماً يعود على المسلم من جرّاه بذله علمه للناس فقال فيما رواه ابن ماجه فى سننه: (ان مما يلحق المؤمن من عمله عِلْماً علّمه ونشره)، وأيضا ما رواه ابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً ثم يعلمه لأخيه المسلم)، وفى رواية أخرى: (من علّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل) .

وفضَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم والسعى فى تحصيله على العبادات النافلة فى قوله الذى رواه ابن فى سننه: (ولئن تغدو فَتَعَلْمَ باباً من العلم، عُمِلَ به أو لم يُعْمَلْ، خير من أن تصلى ألف ركعة) .

أما الأخبار والآثار الواردة عن سلف الأمة وأئمتها فى فضل العلم وأهميته وضرورته فكثيرة نقتطف منها :

روى الخطيب عن أبى هريرة أنه قال: لأَنْ أَعْلَمَ باباً من العلم فى أمر أو نهى أحبّ إلىّ من سبعين غزوة فى سبيل الله. والمقصود الجهاد بدون علم يقينى، لأن الأعمال بدون علوم تقوم على أساسها خسران ووبال.

روى الخطيب أيضاً عن أبى الدرداء أنه قال: مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة. وقيام الليلة هو احياؤها بالعبادات .

ولقد صرح أكثر الأئمة أن أفضل أحوال المسلم بعد أداء الفرائض المكتوبة عليه هى طلب العلم وتعليمه وإبراز جوانب عظمة الإسلام فيه، فهذا عمر بن الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين يصرّح بأن لولا ثلاثة لما رأى لبقائه فى الدنيا من خير: الصلاة والعلم والجهاد، وهذه أمور اجتمعت فى الصحابة .

فى رواية الخطيب وأبى نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل أنه قال: تعلَّموا العلم فإن تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يحسنه صدفة، وبذله لأهله قرية، به يُعْرَفُ الله، وهو الأنيس فى الوحدة، والصاحب فى الخلوة، والدليل على السراء، والمعين على الضراء، والوزير عند الأخلاّء، والقريب عند الغرباء، ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم فى الخير قادة وسادة، يُقْتدَىَ بهم، أدلة فى الخير، تُقُتَصُّ آثارهم، وتُرْمَقُ أفعالهم، وترغب الملائكة فى خُلْتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها. والعلم حياة القلوب من العمى، ونور للأبصار من الظُلَمِ، وقوة للأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدراجات العلى، التفكر فيه يُعْدَلْ بالصيام، ومدارسته بالقيام وهو إمام للعمل والعمل تابعه، يلهمه السعداء، وَيُحْرَمُهُ الأشقياء.

قال محمد بن الفضل الزاهد: ذهاب الإسلام على يدى أربعة أصناف من الناس: صنف لا يعلمون بما لا يعلمون، وصنف يعلمون بما لا يعلمون، وصنف يمنعون الناس من التعلم.

أما عن الصنف الأول(مَنْ له علْم ولا يعمل بمقتضاه) فهو وبال على الأمة، والصنف الثانى(مَنْ يعمل بدون علم) فهو وبال على نفسه وعلى مَنْ يقتدى به، وهذان الصنفان حَذّرَ منهما السلف الصالح: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، أما الصنف الثالث: فهم كالدواب السائمة، وأما الصنف الرابع: فهم نواّب الشيطان فى الأرض وهم الذين يثبّطون عزائم الناس عن طلب العلم ويحطّمون هممهم فى السعى لتحصيله ويعرقلون مسيرة كل عقلية شابة وثّابة فى مجال البحث والتنقيب فى كافة مناحى العلوم .

ورد عن جماعة من السلف الصالح قولهم أن بقاء الدين والدنيا فى بقاء العلم،وبذهاب العلم تذهب الدنيا والدين، لأنّ قوام الدين والدنيا إنما هو العلم .

اذا كان الدين غذاء الروح فالعلم غذاء العقل ولا غنى لأحدهما عن الآخر لأن العقل والروح فى الجسم متكاملان، وفى ذلك يقول الإمام الغزالي: (ان الدين دواء والعلم غذاء، وليس الدواء بمغن عن الغذاء، وليس الغذاء بمغن عن الدواء). ويقول جمال الدين الافغانى:( ان الدين أول معلم،وأرشد أستاذ، وأهدى قائد للأنفس إلى اكتساب العلوم والتوسع فى المعارف، وأرحم مؤدب، وأبصر مروّض، يطبع الأرواح على الآداب الحسنة والأخلاق الكريمة، ويقيمها على جادة العدل، وينبّه فيها حاسة الشفقة، خصوماً دين الإسلام، فهو الذى رفع أمة كانت من أعرق الأمم فى التوحّش والقسوة والخشونة، وسما بها إلى أرقى مراقى الحكمة والمدنية فى أقرب مدة (2)) أوضح علماء الأمة وسلفهم الصالح ومنهم الإمام البخارى (بأن العلم قبل القول والعمل)، ويعلل ذلك فيقول: لان العلم شرط فى صحة القول والعمل فلا يعتبران إلاّ به، فهو متقدم عليهما لانه مصحح للنية المصححة للعمل، ويسترشد على ذلك بقول الله عز وجل (فاعلم أنه لا اله إلا الله) (محمد/19) فقدم العلم على الشهادة (3).

العلم أفضل ما طَلَبَ وَجَدَّ فيه الطالب، وأشرف ما كسب واقتناه الكاسب، وطُلاَّبُ العلم إن كانوا من أقل الناس سعة عاشوا كراماً، وإن كانوا من أوساطهم ساروا دواماً، وإن كانوا من خيارهم صاروا نجوماً وأعلاماً، ذات يوم سئل الإمام على رضى الله عنه: أيهما خير العلم أو مال؟ فأجاب: العلم خير من المال، ولان العلم يحرسك وأنت تحرس المال، ولان العلم ميراث الانبياء والصالحين، والمال ميراث الجامعين، والكانزين، ولان العلم حاكم والمال محكوم عليه، ولان العلم يزكو ويزيد بالانفاق، والمال ينقص بالنفقة ويضيع بالاسراف، ثم قال منشداً:

ما الفخر الاّ لأهل العلم إنَّهُمُ على الهدى لمن استهدى أدلاُء وقَدْر كُل امرئٍ ما كان يُحْسِنُهُ والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم تعش حيًّا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء بهذه الآيات من كلام رب العالمين، ومن حديث سيد المرسلين، ومن أقوال الحكماء وكلام العلماء، انكشف الغطاء وزيح الستار، ووضح أن الإسلام دين أساسه الإيمان وجوهره العلم، وأن الحقيقة التى لا خفاء فيها هى أن الدين مَبْنِى على العلم والفكر، العلم لكى يلقى الاضواء فيكشف الأسرار ويستبطن الأغوار ليضع يده على مفاتيح الأشياء فيجعلها تخضع له وتذعن لأمره، والفكر لكى يستقبل معطيات العلم ويصهرها فى بوتقيه ويوجه إليها عيوناً باصرة، فإذا بها تستحيل إلى مزج فيه روح الإبداع، ويبدو عليه جلال اليقين (4).

أما السنن العلمية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الاهتمام بالعلم وتكريم أهله، فكثيرة نسوق منها ما أقامه الرسول من سبيل للتعليم الجماعى فى الدولة الإسلامية، وذلك فى أعقاب غزوة بدر الكبرى التى انتصر فيها المسلمون نصراً عزيزاً مؤزراً(5)، لما كانت القراءة والكتابة أداة العلم ووسيلة المعرفة وكان للعرب معرفة بهما كغيرهم من أمم الأرض ولاسيما فى مكة أم القرى التى كانت مدينة تجارية واقتصادية ترتحل قوافلها شمالاً إلى الشام وجنوباً إلى اليمين، والتجارة تتطلب خبرة الكتابة ومعرفة بالحساب، كان حرص النبى صلى الله عليه وسلم على هداية الأمة وارشادها إلى الطريق الحق وتعريفها بأحكام الله وشرعه فقد كان حريصاً  على استنقاذ هذه الأمة من أميتَّها وجهلها حتى تنهض بالمسئولية المنوطة بها، وهى دعوة البشرية وهدايتها، فهى الأمة التى أعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون رائدة العلم والمعارف، لهذه الدواعى كلها اغتنم الرسول انتصار المسلمين فى بدر ووجود الأسرى القرشيين وأغلبهم يعرف القراءة والكتابة، فجعل فداء الأسير منهم أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، فكان ذلك أسلوباً تعليمياً حصيفاً وانطلاقة ليصبح المسلمون فى الأجيال اللاحقه أرباب علوم وفنون يعمرون الدنيا بآفاقها بعقولهم الفتية التى تشع علماً ومعرفة وعمراناً وحضارة .

ومن مكافحته صلى الله عليه وسلم للأمية أنه خطب ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً، ثم قال:( ما بال أقوام لا يُفَقَّهوُنَ جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم، ولا يتفقّهون ولا يتّعظمون؟ والله ليعلمُنّ قوم جيرانَهم ويفقَّهوُنهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلَّمْنَ قوم من جيرانهم ويَفْقَهُونَ ويتَعظون، أو لأعلجلنهم بالعقوبة). ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: مَنْ ترونه عنى بهؤلاء؟ الأ شعريون، فهم قوم فقهاء ولهم جيران جفاة من أهل المياه والأعراب، فبلغ ذلك الأشعريين، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يارسول الله: ذَكَرْتَ أقواماً بخير وذكرتنا بشرٍّ فما بالنا؟! فقال: (ليعلمنَّ قوم جيرانهم وليفقهنهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم، وليتعلَّمْنَ قوم من جيرانهم ويتعظمون ويتفقهون، أو لأعاجلنهم العقوبة فى الدنيا، فأعاد قوله عليهم وأعادوا قولهم: أمِهْلناَ سنة، فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويفطّنوهم، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:(لُعِنَ الذين كفروا من بنى إسرائْيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون) (المائدة/78، 79) والحديث أخرجه الطبرانى(6) .

فى هذه الحادثة أمور يجب التنبيه اليها والتنبيه عليها هى:

1-لم يقّر الرسول صلى الله عليه وسلم قوماً على الجهالة بجانب قوم متعلمين.

2-اعتبر بقاء الجاهلين على جهلهم وامتناع المتعلمين عن تعليمهم عصيانا لله.

3-بل اعتبر ذلك أيضا(عدوانا) يوجب اللعنة والعذاب.

4-واعلن الرسول الحرب والعقوبة العاجلة على الفريقين تخويفاً لهم حتى يهموا وينتبهوا.

5-ثم اعطاهم مهلة سنة واحدة للقضاء على آثار الجهالة.

وهذه الحادثة تدل دلالة واضحة على محاربة الرسول- وَمِنْ بعده تابعيه المخلصين – لكل أشكال الأمية والجهالة، وتضع مبدأً عاماً هو الأخذ بكل وسائل العلمْ والبحث عنه وتجشَم العثار فى سبيله إن لزم الأمر وحتمت الضرورة.

بل لا نغالي إذا قلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنح الأوسمة والدرجات العلمية للمتفوقين فى العلوم، ويكَرم الممتازين من المتعلمين – رجالاً ونساء – فها هو ذا يمنح معاذ بن جبل درجة الامتياز فى الفقه حيث يقول: (أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) رواه ابن ماجه ويمنح زيد بن ثابت درجة الامتياز فى علم الميراث حيث يقول: (أفرضكم زيد بن ثابت) رواه ابن ماجة، ويمنح أبا عبيدة بن الجراج درجة الامتياز فى علم القضاء حيث يقول: (أقضاكم أبو عبيدة) رواه ابن ماجه(7).

ولقد وصل اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم إلى أنه فَضَّلَهُ على مجالس الذكر والدعاء، حيث دخل عليه الصلاة والسلام ذات مرّة المسجد فرأى مجلسين أحدهما يدعون فيه الله ويرغبون إليه، والآخر يعلّمون فيه الناس، فقال( أما الأوّلون فيسألون الله تعالى، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما الآخرون يعلّمون الناس وإنما بُعِثْتُ معلّماً)(8) .

وموقف الإسلام من العلم – أو العلوم عامة – يتّضح من موقف علمائه المجتهدين فى كل حقبة من تاريخه الذى تعاقبت به الأجيال بين القوة والضعف والتقدم والتأخر والنشاط والجمود، وفى ذلك يقوم العقاد(9): فقد مرت بالأمة الإسلامية عصور مختلفة جهلت فيها الإسلام نفسه فجهلت فضل العلم كما جهلت فضل الدين، ولكن الإسلام لم يَخْلُ قط تاريخه بين المشرق والمغرب من أئمة مجتهدين استمدوا حرية الفكر من ينبوع تلك القوة الحيوية التى لا تستنزفها المحن والطوارق، فحفظوا رسالة هذا الدين ولا فرق بينها وبين رسالة العلم فى مقصد من مقاصده، وأوجْبوا على المسلم أن يتعلم حيث وجد العلم وأن ينظر إلى الحكمة كأنها هى ضالته يعنيه أن يبحث عنها ويجدها (وأينما وجدها فهو أحقّ بها) كما تعلّم من رسول الله .

وأعتقد الأئمة المجتهدين جميعاً أنهم يؤدون أمانة الكتاب فى حثهم جماعة المسلمين على طلب المعرفة حيثما وجدوها. فكل معرفة صحيحة فهى معرفة قرآنية إسلامية على اختلافهم فى تفسيرها والنسبة إلى الكتاب الكريم بين فئة ترى أن المعرفة محتواة فيه إجمالا وتفصيلا.

وروح الإسلام فى العصور الأخيرة ظاهر فى موقف المسلمين من العلوم الحديثة كظهوره فى موقف الأئمة المجتهدين الذين حفزوا قواهم إلى الإقبال على تلك العلوم والتبسّط فيها واعتبار العلم بها أمراً من أوامر القرآن الكريم. فإن العلوم العصرية عُرِفَت باسم العلوم الأوروبية يوم كانت أوروبا كلها حرباً على العالم الإسلامى تُغِيرُ على بلاده وتستذل شعوبه وتقوض ما قام فيهم من دولة وسلطان وتعض على البقية الباقية حيث تخلفت للدولة والسلطان بقية تمانع فى التسليم والاستسلام. فكان خليقاً بهذا العداء أن يتمثل فى نفوس المسلمين عداء لكل وارد من القارة الأوروبية وكل منسوب إلى الأوروبيين المعتدين، ولكن علوم الحضارة الأوروبية لم تجد من المسلمين بَعْدَ المقاومة الطبيعية التى تخلقها المفاجأه أو المصادقة الأولى الاّ كُلَّ ترحيب وتقدير، ولعلهم – بعد تلك المصادقة – كانوا بحاجة إلى التحذير من الإفراط ولم يكونوا يوماً بحاجة جدية إلى التحذير من الأعراض والانقباض والتفريط فى تحصيل ما استطاعوه من معارف القوم، كأنها ضالة مرتقبة هم أحق بها ممن يعتدى بها عليهم ويسومهم من أجلها التسليم والاستسلام. أه .

فى هذا المقام يجعل بنا الاشارة إلى أمرين هما: المسلمون هم رواد البحث العلمى فى نشأته، وتعمير الأرض من أهداف الأنسان المسلم.

أما عن المنهج التجريبى فى البحث العلمى فهو منهج علماء المسلمين الذين ساروا فى العلم بكل دروبه فبرعوا وذاع صيتهم وتلقفت أوروبا مؤلفاتهم وآراءهم ونسجت عليها حضارتها، صاغ علماء المسلمين هذا المنهج فى وقت كان الظلام الدامس يخيّم على أوروبا، وكان العلم قبلهم والذى أخذوه من اليونات يحلق فى أجواء الفلسفة أكثر مما يلجأ للتجريب (10).

ولكن يتوجيهات القرآن والسنة وبتحفيز الدين لهم ساروا وبرعوا وأبدعوا. وأما الأمر الثانى وهو أمر تعمير الأرض من أهداف الأنسان المسلم، فإن الله سبحانه حين طلب منه أن يعمرها فإنه يسرَّ له السبيل إلى تحقيق ذلك إلْهاما وتلقينا ومحاكاة، وجعل الله هذه المهمة من عبادة الناس له، فما هى إذاً الأصول للتمكّن من عمارة الأرض؟ هى خمسة (11)، أولها: الإيمان بالغيب بإرادة الله، وثالثها: أن كل شئ بِقَدَرِ معلوم، ورابعا: ان الوسيلة للعلم هى من آيات الله وهدايته، وآخرها: أن الله سخّر لنا من خلقه ما ييسرِّ لنا ما خُلِقْناَ له .

وختاماً، فإن د. خليل(12) يؤكد أن كلمة (العلم) وردت فى القرآن الكريم مراراً كمصطلح على (الدين) نفسه، الذى علمه الله أنبياءه عليهم السلام.. على النواميس التى يسيّر الله بها ملكوته العظيم.. على الحقائق الكبرى الموجودة عند الله فى (أم الكتاب)، وكإشارة إلى القيم الدينية التى نزلت من السماء فى مقابلة الأهواء والظنون البشرية، ومن ثم يغدو العلم الدين سواء فى لغة القرآن، إنِ كلمات الله سبحانه تعلمنا هذه الحقيقة، وتبصرنا بمواقع العلم والدين الفسيحة، الممتدة، المتداخلة، كما أراد لها أن تكون، لا كما يريد لها الوضعيُّون الذين يسعون جهدهم للفصل بين الكلمتين:

(ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير) (البقرة/120)، (والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) (آل عمران/7)، (مالهم به من علم الاَ اتباع الظن) (النساء/157)، (وقال انما العلم عند الله وابلغكم ما أرسلت به) (الأحقاف/23) .

(الفصل الثانى)

(مناهل العلم المتنوعة)

العلم الكامل لله العلى القدير، فهو سبحانه علام الغيوب، وانما أذن لنا بالتعلم والتماس العلم منه سبحانه وهذا فضل كبير منه على عباده، يقول الحق تبارك وتعالى:(وعلّم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم) (البقرة/31/32)، ويقول ايضا: (…ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء…) (البقرة/255)، (قل إنما العلم عند الله، وإنما أنا نذير مبين) (الملك/26)، (الذين يحملونالعرش ومنحوله يسبحون بمحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (غافر/7) ، ثم يقول الحق: (الله الذى خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، يتنزّل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علماً) (الطلاق/12).

لقد عدد الله مصادر العلم وفروعه ليسهل على البشر الانتفاع به والاستزادة منه، كما أنه سبحانه خّصَّ بعض البشر بعلوم دون سواهم وخص آخرين بعلوم أخرى، كما يَنْبُغُ انسان فى علم غير الذى ينبغ فيه غيره، ولذلك حكمة بالغة هى أنْ يتكامل الناس ويحتاج بعضهم إلى بعض فيتآلفون ويترابطون, وبذلك تحقق وحدة الجنس البشرى (13)، هذا بالنسبة للأفراد، أما بالنسبة للجماعات والأمم، فقد كانت الأمم قديماً تبرع فى علوم غير تلك التى تبرع فيما أمم أخرى، فنجد أن القوم الذين أْرسل فيهم موسى عليه السلام كانوا بارعين فى السحر، واليونانيين براعوا فى الفلسفة والحكمة، والعرب برعوا فى الشعر والبلاغة، والمصريين القدامى برعوا فى الطلب والتحنيط والعمارة، والآشوريين برعوا فى رصد السماء وظواهرها .

ويمكننا أن نعدد مناهل العلم كالآتى:

(أ)العلم التلقائى.                       (ب)العلم التلقينى.

(ج)العلم اللّدنَّى.

(أ)العلم التلقائى:

وهو ا يقصد بالفطرة التى فطر الله الناس عليها، والسليقة التى يولد بها الطفل وغيره من المخلوقات الحية، يولد فينمو فيعرف كيف يأكل وكيف يدافع عن نفسه وكيف يتآلف مع بنى جنسه وكيف يتعامل مع المحيطين به من إنس وحيوان ونبات وجماد، مستخدماً فى ذلك الملكة العقلية التى خلقها الله وأودعها فى جسده، ومستعملاً نظره وسمعه وحسه، وسالكاً طريقة بالتجربة والاختيار. وأول مثال على ذلك هو ما تعلّمه قابيل حين قتل أخاه هابيل، فلما كانت هذه أول جريمة قَتْلِ تُرتكب على ظهر الكوكب الأرضى لم يعرف قابيل كيف يدفن جثة أخيه، فبعث الله غرابا يوارى أمامه جثة غراب آخر، فنظر قابيل إلى سلوك هذا الغراب وتعلم منه سيدنا إبراهيم ذلك الذى اهتدى أن للكون إلها غير الظواهر الكونية التى لاحظها وراقبها ووجد أنها فى تبدّل وتغيّر وعدم قرار ففطن أن للكون إلها لا يعتريه التبديل أو التغيير لأنه الخالق لكل شئ القائم على تربيته القيّوم على رعايته .

ثم الكون كله ملئ بالأمثلة البشرية والحيوانية التى توضح أشكال الفطرة التى أودعها الله عقولها، وهى فى حد ذاتها نوع من العلوم، كما أشرنا سابقاً .

(ب)العلم التلقينى.

وهو ما يمكن للانسان أو الحيوان أن يكتسبه من غيره عن طريق التعليم بالنسبة للانسان والحيوان، وعن طريق التعليم والتعلم بالنسبة للانسان فقط، فأما التعليم فهو تلقين شخص لآخر، بطريقة ما، معارف معينة تنَطبع فى ذاكرة المتعلم، وأما التعلّم فهو عملية الاكتساب الذاتى للشخص نفسه بدون مساعدة شخص غيره .

وأول مثال لهذا النوع من العلم ما بثه جبريل فى النبى صلى الله عليه وسلم حين كان يأتيه فى غار حراء بالوحى الإلهى من السماء. ثم الأمثلة بعد ذلك أكثر من الحصر والعدّ، فكل علم يتحصل عليه الانسان بنوع تدريب أو تجربة أو تدريس أو تزويد أو نظر فهو علم تلقينى.

وفى هذا النوع من العلوم يتفرق أناس على آخرين، ويلمع نجم أشخاص فى بعض جوانبه، ويبرق آخرون فى جوانب غيرها، فمن بارع فى الأدب، ومن بارع فى الطلب، ومن بارع فى الهندسة، ومن بارع فى علوم الانسان، ومن بارع فى العلوم الفلك والطبيعة، ومن بارع فى التأليف، ومن بارع فى…. الخ، كُلَ حسب ما آتاه الله من قدرات عقلية وحسب ما هيئه له من طرق تحصيل لما بلغ فيه من براعة .

وهذا النوع من العلم إذا تعمق فيه الانسان دون أن يلتفت إلى أن الله هو الذى يسّر له طرق التحصيل، وهو الذى مِنْ قَبْلُ خلق له آلة التفكير، وهى العقل، فإنه منزلق لا محالة فى مهاوى الضلال حتى يسير دون هداية الإيمان أو ترشيد الدين، وهذه سُنّة الإلحاد التى يسير فى ركبها الملحدون الذين ينكرون وجود إله فى هذا الكون، خلقه ويقوم على رعايته ويحفظ ويدير أموره، فعلى كل انسان مستقيم الفطرة سليم العقل كريم السجايا أن يعلم، علماً يقينياً، أن فوق كل ذى علم عليم، وأن العلاّم الأكبر هو الله، هو الذى خلق العلوم وعنده خزائنها، ويكشف للانسان منها بقدر ما يشاء وكيفما يريد سبحانه وتعالى، (سبحانك لا علم لنا الاّ ما علمتنا) (البقرة/32).

(ج)العلم اللّدُنَى :

قبل تفصيل هذا القسم من العلوم يجب التعرّف على أنواع الغيوب أى الأمور المغيبة التى لا يراها الانسان بعينه أو يسمعها بأذنه أو يلمسها بحواسه الجسدية، فالغيب أنواع(14): (أ)غيب يأذن الله سبحانه وتعالى له بالإنبلاج والظهور بإحدى طريقيين: يبذل مجهود الباحثين وراء أحد أسرار المخلوقات، والسبيل فى هذا هو المقدمات والنتائج، فيظهر بجهد الباحث سرُّ من الأسرار كان فى عالم الغيب فأذن الله له بالظهور بقدر معين وبشكل محدد وفى زمان معلوم. وكل بحوث العلماء هى من هذا النوع. أما الطريقة الثانية فهى ظهور سر لظاهرة ما أو نتيجة يتحصل عليها الباحث خلال بحثه دون أن يكون قد خطط منهجه للحصول عليها هى بالذات، فيأذن الله لها بالانبلاج فى غضون بحث هذا الباحث الذى له وجهة أخرى فى بحثه .

(ب)غيب شاءت حكمة الله أن يظهر تأييداً لرسله ومبعوثيه، ومن قبيله معجزات الانبياء والرسل التى تحدث لهم أو تحدث على أيديهم، فهذا النوع من كشف الأمور المغيبة أنما هو فيض جود لا بذل مجهود، وفى هذا الشأن يقول الحق سبحانه (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد الاّ من ارتضى من رسول).. (الجن/26).

ومن هذا النوع يكون العلم اللدنى وتكون المكاشفات والكرامات وما شابه ذلك.

(ج)غيب استأثر به الله سبحانه وتعالى، لم ولن يعلم به أحد من خلقه إنس أو جن أو ملائكة، مهما أوتى الخلق من أسباب العلوم وارتقاء المعارف، تلك هى مفاتيح الغيب، وهى خمسة حددها قول الحق سبحانه (ان الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما فى الارحام، وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا، وما تدرى ارض تموت،ان الله عليم خبير) (لقمان/34) (*).

يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالى: انّ شأنى فى تحصيل العلم من طريقين، أحدها التعلم الانسانى، والثانى التعلم الربانى. فأما الطريق الأول فعهود ومسلكه محسوس يقرّ به جميع العقلاء، وأما التعلم الربانى فعلى وجهين: أحدهما من الخارج وهو التحصيل بالتعليم، والآخر من الداخل وهو الاشتغال بالتفكير، والتفكر فى الباطن بمنزلة التعلم فى الظاهر، فان التعلم استفادة لشخص من الشخص الجزئى،يس والتفكر استفادة النفس من النفس الكلى (ولعله يقصد بذلك الله سبحانه)، والنفس الكلى أشد تأثيرا وأقوى تعليماً من جميع العلماء والعقلاء، ويسمَّى الغزالى العلم الذى يحصل عن الطريق الربانى الباطن (العلم اللّدنّى)، وهو عنده عبارة عن سريان النور الإلهى (15) .

ويقول الهروى فى منازله (16) (باب العلم): قال الله تعالى: (وعلّمناه من لدنّا علما) (الكهف/65). فالعلم ما قام بدليل ورفع الجهل، وهو على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: علم جلّى يقع به العيان أو استفاضة صحيحة أو صحة تجربة قديمة. الدرجة الثانية: علم خفىّ ينبت الأسرار الظاهرة من الأبدان الزكية بماء الرياضة الخالصة ويظهر فى الانفاس الصادقة لأهل الهمة العالية فى الاحايين الخالية فى الأسماع الصاغية، وهو علم يظهر الغائب ويغَّيب الشاهد ويشير إلى الجمع. الدرجة الثالثة: علم لدنى إسناده وجوده، وإدراكه  عيانه، ونعته حّكمه، ليس بينه وبين الغيب حجاب .

ويقول الطوسى فى لُمَعِهَ(17)فى معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا…)، ان الله تعالى خص النبى صلى الله عليه وسلم بعلوم ثلاثة: (أ) علم يُيَّنَ للخاصة والعامة (من الناس): وهو علم الحدود والأمر والنبى. (ب) علم خُصِّ به قوم من الصحابة دون غيرهم: وهوالعلم الذى كان يعلم حذيفة بن اليمان رضى الله عنه(العلم بأسماء وصفات وسمات المنافقين) حتى كان يسأله عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع قدرة وفضله ويقول: ياحذيفة، هل أنا من المنافقين؟ وكذلك روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين باباً من العلم لم يعلّم ذلك أحد غيرى .

(ج)علم خُصَّ به صلى الله عليه وسلم لم يشاركة فيه أحد من أصحابة: وهو العلم الذى قال: (لو تعلمون ما أعلم.. الحديث). ثم يقول: وعلوم الشريعة على أربعة أقسام: علم الرواية.. وعلم الدراية… وعلم القياس والنظر.. وعلم الحقائق والمنازلات.. وهو علم القلوب أو علم المعارف أو الأسرار أو علم الباطن أو.. يعنى(العلم اللدنى) .

(الفصل الثالث)

(مجالات العلوم المختلفة فى المنظور الإسلامى)

ان لكلمة (العلم) مدلول تطور مع مرور الزمان(18)، فقديماً كان مدلول هذه لكلمة هو العلم القائم على الشرائع الدينية، وكان الفقهاء وقتئد هم العلماء وحدهم أما مدلول العلم حديثاً فهو واسع شامل إذ ظهرت جماعة من وقت قريب تُطْلِقُ على عصرنا الحديث أنه عصر العلم والعمل، ويقصدون بذلك أن العلم بمفهومه المعاصر هو العلم الطبيعى القائم على دراسة ما فى الكون من مواد وعناصر وكائنات لها خصائها الذاتية ونواميسها التى تحكمها، من كيمياء وفيزياء وميكانيكا وغير ذلك من علوم الطب والاحياء والفلك وما يتضمنه ذلك من حقائق كونية، وأن العمل فى اطار هذا المفهوم للعلم هو تطبيق العلم عملياً باستعمال الأجهزة والأدوات والوسائل الأخرى الحديثة من مختبرات ومراصد وتجارب واستنباطات منطقية وغير ذلك .

ويواضح الإمام ابن القيم (19)أنواع العلوم ومجالاتها فى الإسلام فيشير إلى أن العلم المفروض- على كل مسلم ومسلمة – تعلّمه ضربات: (أ) ضرب منه فرض عْين: لا يسع مسلما جهله، وهو أنواع: (1) علم أصول الإيمان الخمسة: الإيمان بالله وملائكة وكتبة ورسله واليوم الآخر، فإن لم يؤمن بهذه الخمسة لم يدخل فى الباب الإيمان ولا يستحق اسم المؤمن. (2)علم شرائع الإسلام واللازم منها وعلم ما يخص الشخص من فعلها، كعلم الوضوء والصلاة والصيام والحج والزكاة وتوابعها وشروطها ومبطلاتها. (3)علم المحرمات الخمس التى اتفقت عليها الشرائع وهى قول الله تعالى(قل إنما حرم ربى الفواحشما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغر الحق وأن تشركوا بالله ما ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا علمون) (الأعراف/33). (4)علم أحكام المعاشرة والمعاملة بين الشخص وأسرته وفيما بينه وبين جتمعه. (ب) وضِرْبٌ منه فرض كفاية: وهو كل ما مِنْ طبَّ ورياضيات وهندسة ومساحة وفلاحة وحياكة وحدادة وصناعة وتجارة وعلوم أخرى لا يدرى عنها وقته شيئا، كلها علوم لا بد وأن يقوم بها نفر من الأمة حتى تسير أحوال المعيشة على خير ما يرام داخل الأمة وفى تعاملها مع غيرها من الأمم.

ويقول الأستاذ عطا(20): وموضوع العلوم نفع الإنسان فى ذاته، وفى مجتمعه: فى الدين والدنيا والأخرة، وإذا نظرنا إلى تكوين الإنسان وجدناه جسدا وروحا، ووجدنا أن الله أقام الجسد بمقّومات هى الماديات – من الغذاء واللباس والمسكن والمنكح وما أشبه ذلك – وأقام الروح والعقل بالعلم والمعرفة، فكان من الضرورى اللازم أن يتوازن الجانبات حتى لا يطغى جانب على آخر فتختلّ حياة الإنسان… ثم يقول: وجميع العلوم النافعة مندوب إليها، كالزراعة والتجارة والحدادة، وصناعة السلاح والتنقيب عن المعادن والثروات فى باطن الأرض وغيرها.

ويقول الإمام البنّا(21).: وكما تحتاج الأمم الى القوة كذلك تحتاج إلى العلم الذى يؤازر القوة ويوجّهها أفضل توجيه، ويمدها بما تحتاج إليه من مخترعات ومكتشفات… ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين، بل أوصى بهما جميعا، حيث جمع علوم الكون فى آية واحدة، وحث عليها وجعل العلم بها سبيل خشبيه وطريق معرفته قال تعالى:(ألم أن الله أنزل من السماء ماء- وفى ذلك إشارة إلى الهيئة والفلك وارتباط السماء بالأرض – فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها – وفى ذلك إشارة إلى علم النبات وغرائبه وعجائبه وكيميائيه – ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود – وفى ذلك إشارة إلى علم الجيولوجيا وطبقات الأرض وأدوارها وأطوارها – ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) – وفيه إشارة علم البيولوجيا بكافة أنواعة (فاطر/27).

فهل ترى هذه الآية غادرت شيئا من علوم الكون؟! ثم يردف الله ذلك بقوله:(إنما يخشى الله من عباده العلماءُ) (فاطر/27)، أفَلَسْتَ ترى من هذا التركيب العجيب أن الله يأمر الناس بدراسة الكون ويحضهم على ذلك، ويجعل العارفين منهم بدقائقه وأسراره هم أهل معرفته وخشيته؟ .

أما عن فَهْمِ حَديثٍ عنها الفقهاء قديما فإنَّ الأستاذ الغزالى(22) يوضح ذلك بقوله: إن فرض العين قد يتناول أركان العبادات من صلاة وزكاة، وأركان الأخلاق من صدق وحياء، وقد يتناول ترك الكبائر من ربا وخنا، وهذه أمور ترتبط عادة بالضمير الفردى والسلوك الشخصى. أما فرض الكفاية: فإنه قد يتصل بحراسة الامن، والقضاء بين الناس، والقيام بشتى المناصب، وإجادة الفنون والصناعات التى ينهض بها عمران الأمة وتحيا بها النفوس.

فهل فرض الكفاية – وذاك خطره – يكفى فى وضفه أن يقال فى حقه: إذا قام به البعض سقط عن الباقين؟!!

إن المجتمع الإنسانى كيان متشابك المصالح، والناس ما يستغنى بعضهم عن البض الآخر، والأجهزة الإدارية والثقافية والصحية والاقتصادية والعسكرية فى بنيان الأمة تشبه الأجهزة العصبية والهضمية والتنفسية والدورية فى الجسد الإنسانى، ومن هنا فإن فروض العين والكفاية تتداخل فى الحياة العامة تداخلا تاما ويتوازع الاهتمام الدينى عليها كلها فلا يدع شيئا منها.

إن فرض الكفاية هو فرض عين، كل شخص فى الأمة مسئول عنه أمام الله، إذا لم يتوفر من الناس من يقومون به ويؤدونه على خير وجه. إن الله لا يقبل نافلة حتى تُؤدَّى الفريضة، والفريضة المطلوب أداؤها يستوى أن تكون فريضة عينية أو كفائية. وإذا كان التَّنقَّل يعجز الإنسان عن إحسان واجب فلا داعى لهذا التنقّل، ولْنضرب على ذلك مثلا: إذا كان صوم التطوع يعجز المدرس عن تصحيح ورقه إجابة تصحيحاً دقيقا فلا داعى له أن يصوم، وكذلك كل مسلم يؤدى عملا فهو مطالبٌ بأن يتقنه ويحسنه فإذا كان اتقانه وإحسانه يتطلبات منه بذل الجهد والوقت مما يضيق معه القيام ببعض النوافل والقربات إلى الله فإنّ إتقان العمل وإحسانه هو عبادة إلى الله ،فَكُلَّ متخصصّ وكل صاحب علم وكل صاحب عمل عبادتُهُ الأولى هى هذا التخصص أو ذاك العلم أو ذلك العمل، حتى يعلو صرح هذه الأمة وتسدد ثغراتها وتلتئم جروحها .

ويذهب الشيخ سعيد حوى(23)ما ذهب إليه الشيخ محمد الغزالى فيقول: يعتبر الإسلام كل علم يحتاجه المسلمون فرض كفاية حتى لو احتاج المسلمون لصناعة إبرة ولم يوجد بينهم من يحسن صناعتها فكل المسلمين آثمون، لو أردنا أن نطلق هذا المبدأ فماذا نفعل؟ المفروض أن نحصى كل العلوم التى يحتاجها المسلمون فى الزراعة، فى الصناعة عسكرية ومدنية، فى… إننا نجد آلاف العلوم على الأقل كلها يُعتبر فريضة كفاية على الأنة الإسلامية، وليس فرض الكفاية أن يوجد الرجل الذى يعرفه، بل أن توجد المجموعة التى تغطى احتياجات الأمة، يعنى لا يكفى أن يوجد المختص فى الذرَّة ثم لا تقوم صناعة ذرَّة حتى يسقط الإثم، فلا بد أن يوجد المختصون ولا بد أن تقوم الصناعة، عندئذ يسقط الإثم عن بقية المسلمين .

وإذا سألنا حجة الإسلام الإمام الغزالى عن هذا الأمر فإنه يجيب يقوله(لو كان عند غير المسلمين علم أو اختراع ليس عند المسلمين أحسن منه وأفضل، فإن المسلمين آثمون محاسبون على تقصيرهم) (24)

يوضح شمولية القرآن – ذلك الكتاب الخالد – واحتواءه لقوانين عمارة الدنيا وقوانين عمارة الآخرة أحد المسلمين(25) حيث يقول: إذا كان القرآن أساساً كتاب نور وهداية احتوى من المبادئ السامية والمثل العليا ما تصح به النفس البشرية وتتطهَّر وتبلغ القمة فى السمو الروحى، فإنه كذلك قد احتوى من الأصول الكلية ما يصلح لهم فى كل زمان وفى كل مكان فاحتوى من الآيات الكونية ما ينبَّه الأذهان ويوجّه النظر إلى البحث والتنقيب واستكناه حقائق الأشياء واستكشاف أسرار الكون وتطبيقها فيما ينفع الناس، واستغلال ثروات الأرض وما أودعها الله من كنوز وقوى كونية، فيقول الحق جل جلاله (ما فرطنا فى الكتاب من شئ) (الأنعام/38)، فالعلم إذاً فى القرآن يشمل كل أنواع العلوم والمعارف.

ويقرر الدكتور الراجحى(26)، فى معرض كلامه عن ضرورة العلوم الكونية والاعتراف لكل صاحب تخصص بفضله ودوره فى حياة الأمة،أن الدراسات الدينية والمدنية والإنسانية والمادية والعملية من طب وفلك وهندسة وطبيعة وجغرافيا وكيمياء ونبات وحيوان وما شابه ذلك، كلها مجالات وتخصصات تتكامل وتتعاون، وتشبه أن تكون أنغاماً حلوة فى موسيقى الوجود الإنسانى الذى يسعى لتحقيق معنى خلافته عن الله فى الأرض .

ثم يوضح الدكتور القرضاوى(27) تنوّع علوم القرآن إلى خمسة هى:

أولاً:إشارة القرآن الكريم إلى التخطيط فى السياسة الاقتصادية التموينية فى الخطة الخمس عشرية عند تصوير قصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام .

ثانياً:استخدام الرسول أسلوب الإحصاء فى حصر المسلمين فى المديتة المنورة. كما روى ذلك الإمام البخارى، وكان العدد حينذاك خمسمائة وألف .

ثالثاً: دعوة كل صاحب عمل إلى مزاولة عمله بحرية وانطلاق حين قال رسول الله فى مسألة تأثير النخل: (أنتم أعلم بشئون دنياكم) .

رابعاً: دعا الرسول إلى حرية الفكر حين قال: (الحكمة ضالة المؤمن أنى وَجَدَهَا فهو أحقُّ الناس بها)، ثم:

خامساً: أشار القرآن إلى أهمية الصناعة ودورها فى الحياة وكان من الأنبياء والرسل مَنْ هم ذوو صناعات كأبى الأنبياء إبراهيم الذى رفع قواعد البناء للكعبة، ودتود صانع الدروع، وسليمان يسيّل القطر يتقدير الله، وتعليم ذى القرنين إقامة السدود .

ويؤكد الدكتور التفتازانى(28) بأننا يجب ألاَّ نفهم العلم فى الإسلام على أنه العلم بأحكام الدين وآدابه فقط، وأنه لا شأن للإسلام بالعلم الكونى أو العلم المادى، فإن مثل هذه النظرة خاطئة، وذلك أن الإسلام جاء شاملا لكافة ضروب النشاط الإنسانى، ومنها البحث الكونى، وقد أمر الإنسان يعتبر هذا الكون المسخر له، ولا سبيل إلى إلا بتطوير إمكانياته من حيث العلم بمخلوفات الله وكيفية تسخيرها لمنفعته .

ويوضح العقاد(29) أن العلم الذى أمر به القرآن الكريم هو جملة المعارف التى يدركها الإنسان بالنظر فى ملكوت السموات والأرض وما خلق من شئ…. ويشمل الخلق هنا كل موجود فى هذا الكون ذا حياة أو غير ذى حياة… (أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ) (الأعراف/185)وغير ذلك من آيات كثيرة فى سور القرآن الكريم .

فالعلم فى الإسلام يتناول كل موجود، وكل ما يوجد فمن الواجب أن يُعْلَم، فهو علم أعم من العلم الذى يُرَادُ لأداء الفرائض والشعائر، لأنه عبادة الصلاة والصيام- فقط – إذْ أن خير عبادة لله أن يهتدى الإنسان إلى سِرِّ الله فى خلقه وأن يعرف حقائق الوجود فى نفسه ومن حوله .

وختاماً فالعلم بكل فروعه التخصصية، وخاصة العلوم التطبيقية، هو من أخطر أسلحة هذا العصر التى يفتقر إليها العالم العربى والإسلامى فى مواجهة تحديات أعدائه وتفوقهم فيه بمسافة طويلة، فالأمة الإسلامية فى أمسِّ الحاجة إلى نوابغ متخصصين وخبراء عباقرة، من خيرة أبنائها المسلمين، من ذوى الغيرة على الدين والأمة، بقدر حاجاتها إلى دعاة مخلصين واسعى الثقافة.

ولن نستطيع أن نواجه تيار الغرب إلا بتيَار أقوى منه، يرفعنا إلى مستوى علمهم المتقدم وكفاءة اقتصادهم، إلى جانب البعد الروحى المفقود عندهم والذى تمّيزنا به (30).

الفصل الرابع

جوانب المنهج الإسلامى للعلوم المقصودة

لكى يكون العلم – أىّ علم – من جملة العلوم المحمودة والمعارف والبحوث المطلوبة التى دفع الإسلام إلى العمل فيها والارتقاء بها،يجب أن تتوفر فيه عدة ضمانات أو سمات بارزة بل أساسية وحتمية، نذكر منها ما يلى:

(1)الإثراء الإيمانى:

لا بد أن يكون العلم الذى يتزود به المسلم لمعرفة قدرة الله تعالى وعظمته، وأنه الواحد الأحد الفرد الصمد، وأنه الذى له وحده الخلق والأمر والتدبير للملك والملكوت، وأن كل ما عداه ومَنْ عداه فهو مخلوق له(31)، ولا بد أن يوصل هذا العلم إلى أن الكون مخلوق بحكمة الله وتحكم صيرورته نواميس وضعها الله فيه وصيَّرها فى شتى جوانب الحياة، وبذا يتأكد لدى المسلم – ثم بعده يؤكد هو – أن الكون لم يُخلفْ عبثاً أو لهواً، وإنما كل شئ عند الله سبحانه بمقدار، ثم يتأكد لديه أيضا أن الله لم يخلق هذا الكون ثم يتركه هملاً بل هو قيوم على كل كبير وصغير فيه يحفظه ويلهمه أسباب حياته التى قدرها الله له .

(2)نفع العلم وعدم الإفساد به:

على أى مشتغل بأحد فروع العلم أو بأحد فنونه أو فى أحد مجالاته، أن يبحث أولاً عن أهداف هذا العلم، أهو علم نافع؟ أم هو من قبيل العبث وإضاعة الوقت أو الجهد أو كليْهما؟ ينظر المسلم إلى علمه فإذا وجده غير مؤدٍّ إلى إصلاح الحياة وإسعاد الناس أة السعى إلى تحسين جوانب المعيشة البشرية على ظهر الكوكب الأرضى، فعليه أن يتوجه إلى ما ينفع نفسه ومجتمعه وعالمه، وبالطبع ما يرضى ربه وإلهه سبحانه وتعالى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يتعوّذ من علم لا ينفع. ثم لنا فى لطائف سنته الشريفة عظات فقد مرَّ يوما فرأى حشدا من الناس يلتف حول رجل، فسأل عنه فقيل إنه رجل يجبيد القول فى الأنساب والشعر، فأجاب الرسول بأنّ ذلك علم لا ينفع وجهل لا يضر .

والإفساد بمعناه العام مذموم أيما ذم، واستعمال العلم فى غير الوجه السليم مذلوم بنص القرآن الكريم حيث يقول الحق تبارك وتعالى (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام* وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد* وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (البقرة/204 -206)، بل يحذر سوء استخدام عمله حتى من غيره إذ يعلمه له ولا يطلعه على الأسلوب الأمثل لاستعماله .

ونأتى لسؤال ملحّ هو هل يجب ربط العلم بالتكنولوجيا (وهى التطبيق العملى للعلم واستخداماته)؟ وهل من الضرورى ربط الأخيرة بالأخلاقيات الإنسانية وتحقيق المثل العليا؟؟(32). ان التفكر فى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (اللهم إنى أسألك علما نافعا) وفى دعائه (اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع) ليؤكد على ضرورة نفع العلم للإنسان وتحقيق آماله فى حياة رغيدة، وهذا ما أشرنا إليه آنفا، ولا بد من وجود عناصر هذه السلسة متضامئة متحدة، فالعلم يجب الإفادة منه (التكنولوجيا) والاتجاه العام لكل من العلم واإفادة هو تحقيق القيم الرفيعة والمثل العليا التى جاء بها الشرع الإسلامى الحكيم، وأىُّ خلل فى هذه السلسلة يؤدى لا محالة إلى اضطراب حياة البشر .

(3)خطر ولوج الأمور الغيبية:

على رجال العلوم الكونية والمدنية أن يحذروا الكلام فى أمور خطيرة لا فكاك للإنسان من التسليم بصدقها ووقوعها ما دام القائل هو أصدق القائلين، وهو الله سبحانه والمبلّغ هو الصادق الأمين، وهو رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز لرجل من رجالات العلوم الدينية أن يهجم أو يخبط أو يخلط فى أمور الغيب والمسائل الغيبية من غير برهان مبين ومن دون طائل وراء ذلك. وإذا جاز له التعرض للمعجزات الإلهية (33)فلا يفصّل فى أمورها إلا بما يؤدى فقط إلى إظهار عظمة ما فيها من أوجه الإعجاز أو لتقريبها إلى أذهان الناس .

والتعرض للأمور الغيبية موضوع من الخطورة بمكانٍ ومن ثم يحسن أن نفضل فيه الكلام بعض الشئ، فالله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه العزيز (وعنده مفاتح الغيب لا يعملها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين) (الأنعام/59)، ومقاتيح الغيب إشارة إلى الغيب المستور وهو ما استأثر الله سبحانه به فلا يمكن وصول أى مخلوق إليه، روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) (لقمان/34) .

أ-علم الساعة:

متى تقوم قيامة هذه الدنيا؟ سؤال ليس له جواب، وذلك لأن الله سبحانه أخفى هذا الموعد إخفاءً تاماً عن جميع مخلوقاته بكل أصنافها من جِنِّ وإنسِ وملائكة، فالكل لا يعرف متى يُبْعَثُ من قبره أو متى يقف يوم المشهد العظيم أو متى تأتى تلك اللحظة الحاسمة، ووصلت درجة الإخفاء حتى قال الحق جل وعلا (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) (طه/12) أى أكاد أخفيها عن نفسى، فكيف يعلم بها أحد غيرى؟!!! وفى هذا التعبير مبالغة شديدة فى أمر إخفاء ميعاد يوم القيامة، وأنه لمن المعلوم أن القيامة إذاً تأتى فجأه وتقوم بغتة، وذلك بالنص القرآنى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها غند ربى لا يجلّيها لوقتها إلا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حَفِىِّ عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الأعراف/187). وإذا كان العلم الحديث قد وضع حسابا تقديريا لبداية خلق الأرض فإنه عاجزٌ لا محالة عن تقدير عمر الدنيا ونقطة النهاية لها مهما بلغ التقدم العلمى فى الأجهزة ومهما ارتقت وسائل الحسابات والتقديرات الزمنية فى أنحاء العالم، ذلك لأن الذى يعطى العقل البشرى هذه القدرة على الاختراع والابتكار والاكتشاف إنما هو الخالق العظيم وهو ذاته الذى أخفى علم الساعة وستر موعد قيامها .

ب-إنزال الغبث:

رغم أن الله سبحانه قد وَكَّلَ أحد ملائكته بسوْق الرياح وتحريكها فإنّ ذلك المَلَك غير قادر على علم شئ إلاّ بعد صدور الأمر الإلهى له وتعريفه مراد الحق تعالى، ويجرّنا هذا إلى علم الأرصاد الجوية فى عصرنا الحالى، وعن ذلك نقول أن الإنسان الحديث بوسائل تقدمه وتقنيّته لا يمكنه أن يحرك سحابة من طريقها الذى حدده الله ويجعلها تمطر فى مكان آخر.

وحين يقول الله سبحانه (هو الذى جعل الشمس ضياءً والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) (يونس/5)، (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا) (الإسراء/12). فالله جلت حكمته تفضل على خلقه بأن جعل لهم الكواكب منازل وآفاق تنتقل فيها، وجعل الليل والنهار، متعاقبين، كل ذلك لحساب الأيام والليالى والشهور والأعوام، وكل ذلك وما يتعلق به أمور صالحة للبشر وإقامة الشعائر من صلاة وحج وزكاة ومعاملات بين الناس من هنا فإن علم الفلك( astrology)يختلف اختلافا كليا عن علم التنجيم والبروج (astronomy) ذلك لأنه يقوم على معلومات مبينّة على قوانين ويعتمد على مقدمات علمية وعلى تحركات الرياح، ويستخدم آلات حساسة لقياس الظواهر الجوية، وحين يقول الحق جلا وعلا (قل انظروا ماذا فى السموات والأرض) (يونس/10) فإنه يدفعنا إلى دراسة سائر أجرام السماء من نجوم وكواكب وأقمار ومُذَنَّبات وشُهَب، أما أمور التنجيم والكهانة من عرافة وضرب وَدَعٍ وخَطِّ رملٍ وقراءة كفِّ وفنجان وورق كوتشينة فهى أمور ظنية اتخذها المحتالون حرفةً للكسب غير المشروع نهانا الإسلام الحنبف عنه بل دعى إلى محاربته بكل أشكاله .

ج-علم ما فى الأرحام :

إن ما وصل إليه الطب الحديث فى مجال علم الأجنة من حيث تعريف الجنين المستقبل ذكر أم أنثى؟ ما إلاّ أمر احتمالى حتى الآن وليس بالأمر القطعى، فكم من حالة أتت بما يخالف التقارير الطبية الخاصة بالجنين، وإذا سلّمنا أنّ تقدم الطب المستمر سوف يؤدى فى المستقبل إلى معرفة نوعية الجنين فإنه عاجزٌ لا محالة عن معرفة ما فى الأرحال من هيئة الجنين ومصيره شقىٌّ أم سعيد؟ أو جزئية من جزئيات حياته الدنيا والتى سوف يخرج إليها بعد تمام نضجه.

د-علم الأرزاق والمعايش ومجريات الحياة كلها.

هـ-علم الآجال والأعمار وأماكن خروج الأرواح من أجسادها .

كل هذه أمور يطول شرحها وليس هنا مكانها .

بقى لنا جانب الأمور الغيبية أن نقول: كيف أن الإيمان بالغيب ضرورة عصرية؟: ان الإيمان بالله ذاتا وصفاتا وأفعالا دون أن تراه، والإيمان بمخلوقات الله كالملائكة والجن دون أن نراها، والإيمان بالكتب والرسالات السماوية دون أن نرى نزولها أو نعاصر عهدها، والإيمان بالقيامة والآخرة والبعث والنشور والجزاء والعقاب والجنة والنار، وغير ذلك من الأمور المغيبة عنا، كله من الأمور التى لا بد من التصديق بها لذى كل عقل راجح ونفسية سوية، وإذا كان الإيمان بالغيب أصلا من أصول الفطرة الإنسانية فإنه فى عصر التقدم العلمى وفى عالم المدينة المعاصرة أشد طلبا وأعظم خطرا، فى حياة البشر وسلامة النفوس مما يعتربها من جنون وصرع وأدْوَاءٍ تتولد يوما بعد يوم، فإذا كان عصرنا هو عصر الفتوحات العلمية والكشوف الكونية، عصر يزن فيه الناس أمور الحياة بالمقاييس المادية، فإنه نفسه الذى تاه فيه العلماء عبر سنين مضت بين التحدى للقدرة الإلهية وبين الاختيال بقدرات العقل البشرى، فكان ما كان من الأمراض بكل أنواعها نفسية وجسدية وعقلية والمشكلات بكل أنواعها اجتماعية واقتصادية وصراعات سياسية، والقلق والاضطراب الذى يسود كل ناحية فى عالم الأرض اليوم، إلاّ أنه من الإنصاف القوم بأن نفراً من العلماء قد عاد إلى سعة الإيمان ورحابة الإسلام ووجد فيه يغيته وراحة نفسه وعظمة الدستور، ولا يزال نفر آخر يثوب إلى رشده ويدخل فى دين الله ذلك الذى يحقق للإنسان الاستقرار النفسى ولن يحقق شئ آخر ذلك الأمل المنشود فى عالم اليوم وغدا، وليْعلم علماء الكشوف ورجال البحوث أن فى العالم أمور لن يستطيعوا سبر غورها أو معرفة كنمها، إلاّ أن النتائج العلمية ضرب من ضروب الغيب الذى أذن الله بانبلاجه فانبلج على أيدى الباحثين، وحكمة الله تقتضى ذلك خدمةً للبشر واستمرار لصالح الإنسان، وكل ما تأذن القدرة الإلهية فى كشفه إنما يُعَدُّ من عالم الشهادة إثْر ظهوره، أمّا عالم الروح والجن والملائكة فأمور سيظل الواهمون يلهثون وراءها دونما طائل أو ثمرة إلا ضياع الأوقات والجهود والأعمار وستظل حقائق الأشياء الغيبية تتحدى العقول البشرية إلى أبد الآبدين .

(4)الأمانة العلمية:

لقد وجّهت السنّة النبوية الشريفة النظر إلى ضرورة توخِّى الأمانة فى العلم وعدم الخيانة فية(34)، والخيانة فى العلم تتسع لتشمل السرقة فيه، مثل أن يسند الإنسان لنفسه ما ليس له، أو الدسّ عليه، مثل أن يدخل الإنسان على العلم ما ليس بحق، أو تشوية الحقائق، بقصد ترجيح رأى خاص أو نشر مذهب معين، وفى ذلك يقول نبى الإنسانية ومعلم البشرية صلى الله عليه وسلم: (تناصحوا فى العلم، فإنَّ خيانة فى العلم أشد من خيانة فى المال)، ويقول فيما رواه الشيخان والترمذى من طريق عبد الله بن عمرو: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا، أو أفرادا قادة – جُهَّالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلوا). وقال فيما رواه أبو داود وابن ماجه من طريق أبى هريرة: (مَنْ أفتى، بغير علم كان إثمه على مَنْ أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) .

(5)التميّز بالشخصية الإسلامية:

على العالم المسلم، أو المسلم الذى يشتغل بأحد فروع العلم أن يعمل فى أحد مجالاته، وأن يحتفظ دائما بالشخصية الإسلامية، فلا يذوب فى شخصية أخرى غربية عنه أو ينجرف فى تيارات مناوئة للهدف الأساسى من وراء العلم – والذى أوضعناه سابقا – وهذا لا يعوق انخراط العلماء المسلمين فى علومهم أو احتكاكاتهم بغيرهم من علماء أو الأخذ بما انتهى إليه الآخرون غيرهم وإنما ليكن فى كل خطوة من خطوات الحياة العلمية ضابط وصمام أمن هو الالتزام بروح الشريعة والحفاظ على جوهر الدين الإسلامى .

(6)عدم الاغترار بكثرة العلوم أو غزارة المعارف:

يحارب الإسلام الغرور العلمى، ويعتبر ذلك أوَّل الوهن والتدنَّى إلى الفناء العلمى(35)، فمهما أُوتى الانسان من علم فهو قليل أو أقل من القليل فخزائن العلم عظيمة واسراره كثيرة، وليتذكر العالِم دوماً قول الله سبحانه: (وما أوتيتم من العلم الا قليلاً) (السراء/85)، وأن الرسول صلى لله عليه وسلم يقول: (لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه عَلَمِ فقد جهل) (أصحاب السنن)، ويقول أيضاً: (إذا طلع علىَّ يوم لم أزود فيه علما يقربنى من ربى، فلا بورك لى فى طلوع شمس ذلك اليوم) (الطبرانى) .

(7)الإخلاص لله تبارك وتعالى:

إخلاص العبد لله فى كل ما يأتى وما يدع وهو مخ العبادة وجوهر الإسلام وكل عَمِلِ خلا من الإخلاص كان لغير الله أىْ خارج عن دائرة العبادة التى من أجلها خلقنا الله (وما خلقت الجن والانس الاّ ليعبدون) (الذرايات/56)، أما الرياء فمن الأمراض الخطيرة التى يجب على المسلم عامة وعلى العالمِ خاصة أن يفتش عنه ليقى نفسه منه أو يتعقّبه ليبرأ منه، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى.. الحديث)، ويقول: (من تعلّم علماً لغير الله، اذْ أراد به غير الله، فلْيتبوأ مقعده من النار)، ويقول أيضا: (مَنْ طلب العلم ليجارى به العلماء – أو ليجارى به الفقهاء – أو يعرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار) .

(8)إفتران العلم بالعمل والسلوك:

يقول العلماء فى جعل الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ (طريق) نكرة فى حديثه الشريف:(ما من رجل يسلك طريقاً يلتمس فيه علماً الاّ سهل الله له طريقاً إلى الجنة ومن بطأ به علمه لم يسرع به حسبه)، فالنكرة هى الأمر الذى يعمّ ويشمل جميع أفراد الكلمة، نكّر (طريقاّ) ليشمل العلوم الدنيوية والأخروية فالعلم فى الإسلام يُطْلَبُ به العمل، ويظهر أثره فى النفس، فهو والسلوك متلازمان (36)، فإذا كان العصر الحديث قد انتهى إلى أن الثقافة هى التى تشمل جميع الأمور الفكرية والسلوكية، ويظهر أثرها فى المجتمع، فهذا هو تعريف العلم من أول ساعة فى الإسلام، ولهذا فان النبى عليه الصلاة والسلام يبيّن ذلك الأثر فى النفس وفى المجتمع فيقول: (مثل ما بعثنى به الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها بقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائقة أخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه ما بعثنى الله به ). وفى ارتباط العلم بالسلوك يقول الخلفية الثانى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ فسأل الناس عن ذلك فقال: زلة عالم، وجدال منافق بالكتاب، وحُكمُ الأئمة المضلّين .

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارمى فى سننه: (تعلّموا فإذا علمتم فاعملوا)، ويقول أيضا فيما رواه الدارمى ايضا: (تعلموا العلم وانتفعوا به، ولا تتعلموه لتتجملّوا به) .

وسوف يحاسب المرء يوم القيامة عن استخدامات علمه الذى عَلِمَهُ، وفى هذا الشأن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارمى فى سننه: (لا تزال قَدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسألُ عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه). وفى هذا الشأن أيضاً يقول الحق جل جلاله: (ياأيها الذين آمنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون، كَبُرَ مَقْتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) (الصف/3).

كل هذا مبنى على أساس الجمع أو الربط بين نظرية المعرفة ونظرية السلوك أو بين المعرفة والعمل بها أو بين العقيدة والعمل بمقتضاها (37) .

(الفصل الخامس)

(حتمية ارتباط العلم بالدين وجريمة الفصل بينهما )

وضح فى الفصل الأول احترام الدين للعلم وتوقير أهله وإجلالهم بكل وسائل الإجلال، وكذلك فإن الإسلام لم ولن تدانيه شريعة فى عنايته بالعلم وبالمعرفة ذلك الذى جعل العلم والتأمل والبحث من أعظم القربات إلى الله سبحانه. ووضح فى الفصل الثانى بيان الفروع العلمية والمجالات البحثية التى أشار إليها القرآن ودعا إلى الغوص فى أعماقها والنهوض بالبشرية عن طريقها. إذاً لا صحة أبداً مجالٍ من الأحوال للافتراء الذى يقتربه بعض أرباب الانعزال والحجر العلمى فى أن الدين لا علاقة له بعلوم الدنيا ومعارفها، ثم لا وجود أيضا للزعم بأن الدين هو علة التأخّر الذى أعترى المسلمين فسبقهم غيرهم من الماديين فى مجالات العلوم وبحوثها، فإنّ العلّة فى ذلك فى المسلمين أنفسهم، أولئك الذين الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، بَعُدُوا عن الدين الصحيح فسُلبت البلاد من بين أيديهم، وحّرَّفَ بعضهم بعض المفاهيم فإذا بأمم الأرض تنهش عظامهم، وتُوِقعُ بهم الدوائر .

ولعلّ من الجدير الاشارة إلية أن العلم يدعو إلى الأيمان يدعو إلى العلم، ومن الدلالات الحديثة على ذلك دراسة إحصائية بالآلات الحاسبة الإلكترونية!computers(أجراها أحد العلماء المسلمين (38) نسوق منها ما يتعلق بموضوعنا تحت عنوان (الجذور الثلاثية المعتددة الورود فى القرآن الكريم) :

وفى المرتبة الخامسة يأتى الجذر (آمن) ومشتقاته بتردد (879) مرة، ومعنى هذا أن (الإيمان) يأتى فى المرتبة الأولى بالنسبة للأفعال غير المساعدة فى القرآن الكريم، وهذا له معنى كبير، فكأنّ الله سبحانه وتعالى قد أراد أن يوضح للإنسان دور الإيمان فى تكوين الإنسان الصالح .

ثم يأتى فى المرتبة السادسة الجذر (علم) ومشتقاته بتردد (854) مرة، وفى هذا دلالة واضحة جلية على أن (الإيمان) يسبق (العلم)، ولكن نظراً لتقاريهما فى التردد – يقصد فى الورود فى القرآن – فهناك ارتباط وثيق بينهما فكما أن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لبنى البشر أهمية (الإيمان) فى حياة الانسان، فإنه أيضاً قد أوضح أهمية (العلم) فى بناء الإنسان .

والارتباط بين المعنيين يأتى فى أن الانسان فى بحثه عن الحقيقة يجب أن يؤمن – أولاً – ثم يستخدم العلم الاستخدام السليم لتقوية وتعميق هذا الإيمان. أما إذا لجأ إلى العلم للبحث عن الحقيقة قبل أن يؤمن فلن يصل إلى الراحة النفسية مهما تعمق فى العلم .

ولقد أورد أحد الكتّاب المسلمين (39) ما جاء فى كتاب (الإسلام والقرن العشرين) للمرحوم عباس محمود العقاد قوله: فى هذه الفترة – يقصد أوائل القرن العشرين – كان الإسلام كما يفهم الجهلاء، والجهلاء هم الأكثرون فى سائر الأمم، مزيجا من الخرافة والشعوذة والطلاسم والأوهام وعبادة الأوهام، اصطبغ فهمهم للدين بصبغة الجهل والتخريف وطلبوا الخلاص من غير بابه، وتوسلوا للعمل فيه بغير أسبابه، واتهموا الناصحين، وأسلموا القيادة للمدجّلين والمحتالين، وفى هذه الفترة كان بعض أدعياء المعرفة الدينية يحكم بكفر القائلين بدوران الأرض ولا يتردد فى تفكير مَنْ يسميها بالكرة الأرضية، وفى هذه الفترة كان طلاب الفتوى يسألون عن الكبريت هل يجوز مَسَّه وهل يجوز قدح – أى إشعال – النار منه وطبخ الطعام على تلك النار .

ثم يقول الكاتب: إن الصورة تغيرت فَصَحَتْ تلك الشعوب الإسلامية من غفلتها العميقة حين هيأ الله لها عددا قليلا من المفكرين والمصلحين والدعاة هزوها وأيقظوها وكان أعظمهم وأعمقهم تأثيرا جمال الدين الأفغانى، وخاصة خلال إقامته فى مصر، ومن بعده صفوة من تلاميذه وأتباعه يتقدمهم الشيخ محمد عبده، فانتقل العالم الإسلامى نقلة واسعة أشبة بالثورة الشاملة فى خلال قرن واحد من الزمان هو هذا القرن الرابع عشر الهجرى .

لقد هبت ريح عاصف من أجواء الغرب المادى منذ زمن ليس بالقريب، هبت تلك الريح لِتُذْهِبَ معها طرفاً من المفاهيم الإسلامية الصحيحة وترسّخ بدلاً منها مفاهيم مريضة وأفكار عليلة وسموم ناقعة، فكانت فكرةُ ترابط الدين والعلم وتوطّدها فى عقول المسلمين كما أمر الإسلام ودعى إليها، كانت الفكرة الأصلية من جملة ما أطاحته هذه الريح العاصف، ثم نشأت أجيال المسلمين على خلو ساحة الدين من بعض مفاهيمه فأصبحوا يفهمون دينهم على أنه – كما وجدوه – مبتوراً من بعض الأطراف غير قادر على مواكبة ركب المدنية والتقدم العلمى والعمرانى. تلك الفرية التى وفدت على العالم الإسلامى قذف بها الغرب الذى نشرها أولا فى ربوعه وبين أناسه، ولهذه الفرية جذور وأسباب يحسن بنا إيرادها بنوع إيجاز لا يخل بما نريد توصليه إلى المسلم المعاصر .

فى القرون الوسطى من التاريخ الميلادى ورطت الكنيسة الغربية نفسها فى ورطة كبرى أدت إلى طهور ما انتشر من علمانية ومادية وشيوعية وإلحاد، ذلك أنها فرضت حجراً صارماً على كل مَنْ له فكْر أو رأى، وناصبت كل صاحب علم ونظر أشد العذاب والعداء، ولما كان للكنيسة فى هذه الآونة سلطانا على الحُكّام والأباطرة فإنها تأمر هؤلاء بقتل أو تشريد أو سجن كل مَنْ لا ترضى عنهم، وأول طائقة فى هؤلاء كانوا العلماء والباحثين وكل ذى فكر وعلم ونظر، فحرّمت على الناس البحث والنطق والتأمل والاستنتاج (40)، وقالت بملء فمها (أطفئ مصباح عقلك واعتقد وأنت أعمى ولا تستدلّ)، ثم أنشأت الكنيسة محاكم التفتيش (41) لتبحث عن أصحاب النظريات والعلوم والمفكرين وتجمعهم وتنزل بهم أشد ألوان العذاب والتقتيل، وكان جاليليو جاليلى الإيطالى واحداً من الذين حكمت عليهم الكنيسة بالإعدام .

وإذا أردنا معرفة قصة صراع الكنيسة الكاثوليكية بأوربا مع العلم واضطهاد رجاله وتقتيلهم فلنا أن تجتزىء مقتطفات من دراسة  د/العُمَر القيمّة (42): رأى وايت    (1918-1832)White Andrew Dickson)

أن الشائع فى الفكر المسيحى المبكر هو أن الدمار لا بد آت على الأرض قريبا وأن أرضا وسماوات جديدة ستخلف الأرض التى نعيش عليها وأن علم الفلك – إذا ما قال بغير ذلك – باطل كغيره من العلوم الأخرى التى أدانتها الكنيسة ولعتنها .

وكانت النظرة إلى علم الفلك عموماً أنه دراسة عقيمة ولا يُرْتَجَى منها نفع، إذْ ما عسى أن تكون فائدة علم يَدْرِسُ أمراً مآله الفساد وماذا عسى أن تكون جدوى دراسة نظام كونى ناقص سرعات ما يحل محلّة نظام أفضل منه وأنفع؟ ولعل القديس أوغسطين (354- 430م) قد عبّر عن هذا الرأى خير تعبير عندما رأى بأنه سواء كانت الأرض مركز السماء أو كانت فى هذا الجانب من السماء أو ذاك فإنّ ذلك لا يضير ولا يجدى نفعا، وكانت نظرة رجال الدين إلى أجرام السماء ونجومها مختلفة، فمنهم من قطع بأن تلك الأجسام إنما هى كائنات حية ولكل منها روح خاصة به، بينما قال آخرون بأنها موطن الملائكة، وبيوت سكناها، وذهب طائقة أخرى إلى أن النجوم كائنات روحية تسيّرها الملائكة كيف تشاء، وأنها – أى النجوم – لا سلطان لها على مجرى الأحداث فى الأرض وإنما حسبها أن تشي إليها وتدل على زمن حدوثها .

وكانت تعاليم الدين عندهم تقول بأن السماء قبة صلبة تحيط بالأرض وأن الأجسام السماوية مصابيح معلقة فى السماء .

هكذا إذاً نرى أن تركيب الكون على هذا النحو كان مزيجا من بعض التعاليم الدينية التى عمد رجال الكنيسة على دمجها بنظريات بطليموس، فكان النتاج عبارة عن جملة آراء حول الكون لم يسمح الآباء المسيحيون بمناقشتها أو التشكك فى صحتها. غير أن هذه النظرة إلى الكون لا تعدو جانبا واحدا فحسب، إذْ كانت هناك – قبل شيوع نظرية مركزية الأرض – نظرية أخرى تقول بمركزية الشمس (Heliocentric)، فلقد افترض فيثاغورس (Phthagoras) فى القرن السادس قبل الميلاد – وتلاه فى ذلك فيلولاوس (Philolaus)– قيام حركة للأرض والكواكب حول كرة من النار مركزية، ثم ما أن مضت ثلاثة قرون على ذلك حتى أتى أرسطارخوس (Aristarchus) (القرن الثالث قبل الميلاد) ليؤكد – على على نحو دقيق – أن ما كان فى السابق مجرد فرض،… شهد بعد ذلك مناخ الفكر بزوغ عهد جديد، وتوالت على ميادين المعرفة اصلاحات طفيفة، كان نصيب الرياضيات فيها وافراً، فتوالت دراسة الأجسام السماوية واستمر رصد حركاتها حتى كُتِبَ للبولندى نيقولا كوبر نيكوس (Copernicus     Nicholas) (1473- 1543م) أن يطلق نظريته الشهيرة التى تقول بدوران الأرض والكواكب حول الشمس لا العكس كما الرأى سائدا قبل ذلك .

عمل كوبر نيكوس أستاذا فى روما، وظل يكتم علْمه، فالناس يتمسكون بالقديم، ونظريات عصره تقصر على ما ورثه الخلف عن السلف وكانت آراء الكنيسة وتعاليم الكتاب المقدس هى دستور الحياة والفكر وكل شئ تقريبا. نعم لقد يجرؤ كوبرنيكوس – إذا تغاضى رجال الكنيسة قليلا – على التصريح بأفكاره كما لو كان ذلك من فعل الخيال أو شطحات فكر لا يسندها دليل ولكن الأمر يقف عند هذا الحد ولا يتعداه إذْ محال على كوبر نيكوس أن يصرّح بنظريته تلك كما كانت حقيقة علمية، ولا يستطيع هو أن يطالب الناس بالأخذ بها وترك ما كانوا به يؤمنون. وما أن وثق كوبرنيكوس من صحة نظريته حتى شعر أنه لا أمان له فى روما فآثر العودة بعد ذلك إلى بولندا مسقط رأسه. ولم يكن مناخ الفكر فى بولندا آنذاك بأفضل من نظيره فى روما، الأمر الذى حال دون إعلان كوبر نيكوس لنظريته الشهيرة، وظل مدة أخرى تقارب الثلاثين عاما وهو عاجز عن التصريح بها علانية وإن كان يدْكرها بين حين وآخر إلى أقرب المقربين إليه. وإذا لم يجد كوبر نيكوس مفرَّا من كسر جدار الصمت بعد أن لم يعد الأمر يحتمل مزيداً من التأخير نراه يهدى كتابه حول (دورات الأجسام السماوية)(Revolutions Of The Heavenly Bodies) إلى البابا نفسه. ولكن حكاية الانجاز العلمى الكبير الذى تحقق بظهور النظرية الفلكية الجديدة لا تنتهى عند هذا الحد – كما رأى وايت– بل لعله من الواجب أن نذكر بأن مقدمة الكتاب التى كتبها أوسياندر (Osiander) صديق كوبر نيكوس الحميم – كانت تشير إلأى أن النظرية لا تخرج عن كونها فرضا، وأن الكتاب لم يجرؤ على التصريح بأنها حقيقة ثابتة. ولقد أفادت هذه الملاحظة التى صيغت ببراعة هدفا محدودا إذ لم يشأ رجال الكنيسة أن يزيدوا الطينة بلة فيعارضوا ما جاء فى الكتاب ويحّرموا تداوله وذلك باعتبار أن ما جاء فى الكتاب لا يخرج عن كونه فرضا أو وجهة نظر، وأن الأمر لا يزيد على ذلك مطلقا، ولأن النظرية أخذت على أنها فرض فحسب فإن الكنيسة سمحت أيضا بأن يدرّسها بعض الأساتذة لطلابهم بموجب ذلك الفهم. هكذا جرت الأمور حتى سنة 1616م حين ثارت الكنيسة عندما آمن جاليليو (Galileo) (1564 -2642م) بنظرية كوبر نيكوس وأخذها على أنها حقيقة ثابتة لا مجرد فرض. ولم يكن تأييد جاليليو لنظرية كوبرنيكوس مجرد نزوة فكرية، بل لقد درس الأمر بعناية واستعمل المنظار المقرّب (التلسكوب) فى بحثه ودراساته، فثبت له بعد ذلك أن ما قاله كوبرنيكوس صحيح وأن الفرض حقيقة، من هنا رأت الكنيسة أن خطراً داهما بات يهدد سلطانها فبادرت إلى التصدّى لأفكار جاليليو وحرمّت تداول كتاب كوبرنيكوس حتى يتم تعديل بعض العبارات التى وردت فيه على نحو تكون النتائج التى خَلُصَ إليها كوبرنيكوس متفقة مع النظام الفلكى القديم، عند بطليموس، ولعل أكبر شاهد على ثورة الكنيسة إزاء نظرية  كوبر نيكوس ومساندة جاليليو لها أن منعت هذا الأخير من تدريس نظرية سلفه أو مناقشتها، كما منعت إلأى جانب ذلك تداول الكتب التى كانت تشير إلى حركة الأرض ودورانها. ولقد بلغ فعل الكنيسة أقصاه عندما كانت قراءة كوبر نيكوس من شأنها أن تعرض صاحبها للّعنة والمطاردة. وهكذا نرى كيف تمت عملية الإرهاب الفكرى التى جرت الكنيسة على اتَّباعِها، وكيف أنّ أفكاراً عظيمة ظلت خبيسة أصحابها ولم يكتب لها أن تشيع بين الناس لأن الناس ظلوا يقدسون الماضى كانت كل نظرية جديدة بموجب رأى الكنيسة آنذاك – بدعة، وكانت كل مخالفة لتعاليم الكتاب المقدس كفرا وإلحادا وتحريفاً بحق الله وتعاليم السماء، فلا يحق لكوبر نيكوس أو جاليليو أو أى فرد يظن أنه قد عرف شيئا جديدا أن يعمل فكره فى مجرى الأمور، كلا، ولا يحق لأىّ مفكّر أن يعلن رأيا يخالف الموروث، بل عليه أن يسلّم بالقديم حتى ولو يقبل ذلك .

لقد بلغ تأييد – العلماء – للنظرية حدًّا سارع فيه جيوردانو برونو    Bruno)(Giordano (حوالى 1548- 1600م) إلى التصريح علانية بصحة النظرية وبأنها حقيقة واقعة، فما كان من رجال الكنيسة آنداك إلاّ أن طاردوه فى كل مكان، وبلغ به التمرد والتذمر من دورهم أن راح يندد بهم علانية ويفضح تهافت أفكارهم ودناءة أساليبهم، ثم قُبِضَ على برونو فى مدينة البندقية وأودع السجون لمدة ستة أعوام حُرِقَ بعدها حرقا وهو حىّ … وما كانت نتيجة الاضطهاد والارهاب فى نهاية المطاف إلاّ أن طُمست أفكار جاليليو ووضعت دونها حجب فها هو رجل الكنيسة الدومينيكانى كاسينى (Caccini) يدعو المناصرين لأراء جاليليو إلى الابتعاد عن النظر إلى السماء بقصد معرفة المزيد من حقائق علم الفلك لأن فى ذلك جُرْمَا عظيما، وكان هذا يرى أيضا بأن علم الهندسة من عمل الشيطان وأن الرياضيات حصلية فكر الملحدين. أما الأب لورينى (Lorini) فقد صرح بأن مذهب جاليليو كفر وأن فى تعاليمه إلحاداً وأنّ جزاءه القتل لا محالة . وما كان من أسقف منطقة فيسول (Fiesole) إلا أن راح يهاجم نظرية كوبرنيكوس ويسفّه آراء جاليليو،ثم راح يهينه علنا ويطلب محاكمته. ولا يفوتنا هنا ذكر جانب آخر من هذه المأساة وهو أن الهجوم الذى شنه رجال الكنيسة على النظرية الفلكية الجديدة لم يكن مقتصرا على رجال الكنيسة الكاثوليكية المتعصّبين، بل لقد نسج البروتستانت على منوالهم وجروا مجراهم على حدًّ سواء. ولا ننسى هنا مثول جاليليو أمام محكمة التفتيش (Inquistion)مرتين فى روما كان يرضخ كل مرة لشروط الكنيسة وأوامرها، وظل يعيش فى جو من الإرهاب حتى كاد أن يتخلى عن مبادئه العلمية، وبلغ بمحكمة التفتيش آنداك أن ألْومت جاليليو بالتبليغ عن كل فرد أو عالِم يجده مؤيدا لبدعة حركة الأرض .

اتنهى هذا الجو الملتهب وخلصت هذه الحرب الشعواء بأن ثار العلم وثأر لكرامته المجروحة، فحطّم أبواب السجن الذى صُنِعَ فى أوربا باسم الدين المسيحى، وكانت ردة الفعل العنيفة فظهرت النظريات الإلحادية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، للانتقام من الدين، فهذا بيكون يقول، وقيداً يجب كسره، ولقد بلغ العلم من الغرور درجة إنكار بعض العلماء لوجود الله سبحانه، أمثال هيوم وميل وجوليان وهكسلى وبرتراند وغيرهم، وبعض الزعماء السياسيين أمثال كارل ماركس ولينين وخلفائهم .

والحقيقة كما يراها د. حسب النبى (43) أن هذا الرد العنيف كان مُسْتَنِدًا إلى وضع دينى جائر مضاد للعلم من جهة الكنيسة الأوروبية، ومستمدا من الأعصاب الثائرة بسبب الاقطاع الفاسدة ولكن الغريب أن نغمة الإلحاد ما زالت تُوَجَّه حتى اليوم ويحاولون تصديرها بشتى الطرق وبين الفينة والأخرى – إلى العالم الإسلامى، ولكنهم يجب أن يعرفوا أن الإسلام دين العلم والعلماء، وأن القرآن ذو أسلوب علمى فى كل ما جاء به .

ثم نسوق الآن لعالم من علماء أوروبا فى الطب والفلسفة ومقارنة الأديان هو الدكتور موريس بوكاى(44) فى كتابه الذى طبع عدة مرات بالفرنسية وترجم وطبع بالانجليزية عدة مرات أخرى، ثم ترجمته إلى العربية وطبعته دار المعارف بمصر، يقول فى باب (القرآن والعلم الحديث): لم تكن العلاقات بين الأديان – يقصد الشرائع المتعددة، ذلك لأن الدين واحد منذ خُلق آدم حتى يوم القيامة وهو إسلام الوجه لله – والعلوم متماثلة فى كل الأماكن وعبر مختلف الأزمنة، الأمر الذى لا جدال فيه هو أنه ليست هناك أية إدانة للعلم فى أى كتاب مقدس من كتب أديان التوحيد، ولكن عمليا، علينا أن نعترف بأن العلماء قد لاقوا مصاعب جمة من السلطات الدينية لبعض الأديان: ففى الوسط المسيحى وعبر قرون كثيرة بادرت سلطات مسئولة، ودون اعتماد على أية نصوص حقيقية للكتب المقدسة، بمعارضة تطور العلم. اتخذت هذه السلطات ضد العلماء الذين كانوا يحاولون تطوير العلوم الإجراءات التى نعرفها، تلك التى دفعت بعض العلماء الى المنفى تلافيا للموت حرقاً أو إلى طلب المغفرة بتعديل مواقفهم وبالتماس العفو، وفى هذا الشأن تُذكر دائما قصة جاليليو الذى حُوكم لأنه استأنف مكتشفات كوبرنيك الخاصة بدوران الأرض …. أما الإسلام فعموما كان الموقف إزاء العلم مختلفا، إذ ليس هناك أوضح من ذلك الحديث الشهير للنبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول: (اطلبوا العلم ولو فى الصين)، أو ذلك الحديث الآخر الذى يقول (طلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة)، هناك أمر رئيسى: القرآن، كما سنرى فيما بعد فى هذا الجزء من الكتاب –  ولا يزال الكلام لموريس بوكاى – إلى جانب أنه يدعو إلى المواظبة على الاشتغال بالعلم، فإنه يحتوى أيضا على تأملات عديدة خاصة بالظاهرات الطبيعية وبتفاصيل توضيحية . تتفق تماما مع معطيات العلم الحديث . وليس هناك ما يعادل ذلك فى التوراة أو الإنجيل .

ومع ذلك فمن الخطأ أن نعتقد بأنه لم يكن هناك فى أى عصر من تاريخ الإسلام مسلمون اتخذوا موقفا آخر إزاء العلم، فمن الثابت أنه قد أسئ فى بعض العصور فَهْمُ واجب التعليم وتعليم الآخرين، وأن فى العالم الإسلامى، كما فى العوالم الأخرى، حاول البعض إيقاف التطور العلمى، ولكن علينا أن نتذكر أن فى عصر عظمة الإسلام أى بين القرن الثامن والقرن الثانى عشر من العمر المسيحى وعلى حين كانت القيود على التطور العلمى فى بلداننا المسيحية أنجزت كمية عظيمة من الأبحاث والمكتشفات بالجامعات الإسلامية، فى ذلك العصر كان الباحث بهذه الجامعات يجد وسائل ثقافية عظيمة، ففى قرطبة كانت مكتبة الخليفة تحتوى على أربعمائة ألف مجلد، وكان ابن رشد يعلّم بها وبها أيضا كان يتم تناقل العلم اليونانى والهندى، والفارسى، لهذا السبب كان الكثيرون يسافرون من مختلف بلاد أوروبا للدراسة بقرطبة مثلما يحدث فى عصرنا أن نسافر إلى الولايات المتحدة لتحسين وتكميل بعض الدراسات ولكم هى كثيرة تلك الخطوطات القديمة التى وصلت إلينا بواسطة الأدباء العرب ناقلة بذلك الثقافة إلى البلاد المفتوحة …. !! ولكم نحن مدينون للثقافة العربية فى الرياضيات (فالجبر عربى) وعلم الفلك والفيزياء (البصريات) والجيولوجيا وعلم النبات والطب (ابن سينا) إلى غير ذلك .

لقد اتخذ العلم لأول مرة صفة عالمية فى جامعات العصر الوسيط الإسلامية فى ذلك العصر كان الناس أكثر تأثرا بالروح الدينية، مما هم عليه فى عصرنا الحالى …!! ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يكونوا فى آن واحد مؤمنين وعلماء، كان العلم ألاّ يكفّ عن أن يكون كذلك.

كانت البلاد المسيحية فى تلك الفترة من القرون الوسطى فى ركود وتزمّت مطلق، توقف البحث العلمى ليس بسبب التوراة والإنجيل، وإنما علينا أن نكرر ذلك – بأيدى هؤلاء الذين كانوا يدّعون أنهم خُدّام التوراة والإنجيل . وبعد عصر النهضة فى أوروبا كان رد الفعل الطبيعى أن يأخذ العلماء ثأرهم من منافس الأمس، وهذا الثأر مستمر حتى اليوم، لدرجة أن التحدّث حاليا فى الغرب عن (الله) فى الأوساط العلمية يعتبر فعلا علامة على الرغبة فى التفرد (العزلة)، ولهذا الموقف تأثيره السئ على العقول الشابة (والمسلمة منها أيضا) التى تتلقى تعليمنا الجامعى .

إن نظرة فى تاريخ العلم والدين تطلع صاحبها على اتفاقهما فى الهدف وصدورهما من مصدر واحد (45) …، بل يبدو ايضا أن بداية رحلتْيهما كانت واحدة مع خلف الإنسان الأول …..، وكما كانت البداية واحدة كانت المسيرة واحدة فى تواكب وتحالف على طول التاريخ البشرى الذى يؤكد أنهما كانا دائما متداخلين متوافقين يؤيد كل منهما الآخر ويسانده – وهذا هو الذى يجب أن تتحلّى به الكشوف الحديثة والقائمين بها – وكلاهما يهدف إلى هدف واحد وهو سعادة البشرية وتوفير الحياة الكريمة لها .

ولقد ذهب الإمام محمد عبده قديما (46) إلى ما وصل إليه موريس بوكاى حديثاً حيث قال: رفع الإسلام بكتابه المنزل ما كان قد وضعه رؤساء الأديان من الحجْر على عقول المتدينين فى فهم الكتب السماوية، استئثارا من أولئك الرؤساء بحق الفهم لأنفسهم، وضنًّا به على كل مَنْ لم يلبس لباسهم ولم يسلك مسلكهم لنيْل تلك الرتبة المقدسة، ففرضوا على العامة أو أباحوا لهم أن يقرءوا قطعَا من تلك الكتب، لكن على شريطة أن لا يفهموها ولا أن يطيلوا أنظارهم فيما ترمى إليه، ثم غالوا فى ذلك فحرموا أنفسهم أيضا مزية الفهم إلا قليلا ورموا عقولهم بالقصور عن إدراك ما جاء فى الشرائع والنبوات، ووقفوا كما وقفوا كما وقفوا بالناس عند تلاوة الألفاظ تعبداً بالأصوات والحروف، فذهبوا بمحكمة الإرسال – إرسال الرسالات من السماء إلى الأرض – فجاء القرآن يلبسهم عَارَ ما فعلوا، فقال: (ومنهم أميُّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانىَّ وإنْ هم إلاّ يظنون) (البقرة/78)، (مثل الذين حُمِّلُوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) (الجمعة/5) .

ثم يلخّص لنا الإمام عبد الحليم محمود (47)– قدس الله سره – هذا الذى ندور فيه فيقول: إن الكنيسة – الغربية – فى فترة من فترات حياتها تبنت آراء أرسطو، لقد تبنتها فى الطبيعة وتبنتها فيما وراء الطبيعة (Metaphysics)، وما كانت آراء أرسطو فى يوم من الأيام دينا، وكان للكنيسة فضلا عن ذلك آراء أمنت بها، تتعلق بالعالم الطبيعى لا أساس لها من الحق، ولا تستند إلى علم يقينى – ولا تمت إليه بصلة – إنما هى شائعات اتخذت طريقها إلى العقائد، وما كانت إلا أساطير. وحينما بدأت النهضة – فى أوروبا – وحينما بدأ تطبيق المنهج الاستقرائى منهج التجربة والملاحظة، تبيّن العلماء من خلال المراصد والمعامل، ومن نتائج التجارب والملاحظات، أن آراء أرسطو فى الطبيعة لا تخلو من خطأ، وأخذوا يعانون هذه الأخطاء المرة بعد المرة.

وكانت الكنيسة حينئذ مسيطرة على أوروبا، وكانت محاكم التفتيش قائمة على قدم وساق تنكل بكل منحرف عن تيار الكنيسة. وبدأ إذاً التنكيل بالعلماء، يأخذ مجراه، فى صورة قاسية بشعة، لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية. ولكن العلماء لم يثنهم ذلك عن البحث والدراسة وإعلان النتائج والإسفار عن الحقائق، فلما رأت الكنيسة ذلك زاد غيظها وزادت حدتها، وكان لها فى كل يوم فريسة وكان للعلم فى كل يوم شهيد، كثير شهداء العلم كثرة جعلت الناس يعتقدون أن بين الدين المسيحى والعلم تعارضا وتضاربا واختلافا… انه إذا كانت فكرة التعارض بين الدين والعلم نشأت فى أوروبا للأسباب التى ذكرناها، فإنه ما كان يجب أن تُنْقَلَ إلى الشرق وتُناقش فى الأجواء الإسلامية، فإن الإسلام نشأ كما رأينا حليفا للعلم، حاثا عليه، موجبا له، مشيدا به إلى درجة لا يدانيه فيها غيره. ولا يفوتنا فى هذا المقام أن نعرض لقضية خطيرة لها دور أساسى فى إذكاء هذه الفكرة، تلك هى قضية (العلمانية)(Secularism) فنقول (48). ان (العلمانية) تضيع العلم – المرتبط بالعالم وبما هو واقعى ومدنى – تضيعه مقابلا بل ونقيضا لـ (الدين)… وذلك لنشأنها وتبلورها فى بيئة حضارية شهدت صراعا شهيرا ومريرا بين (الدين)، كما قدمه اللاهوت الكنسى الكاثوليكى فى أوروبا، وكما تصوره الرأى الرسمى للكنيسة الكاثوليكية، وبين (العلم) الذى تأسست على قواعده النهضة الأوروبية الحديثة. وبصرف النظر عن الموقف الجوهرى للديانة المسيحية وعن الظلم الذى ألحقته التفسيرات الكنيسة برأى المسيحية الحقة فى (العلم) فالأمر الذى لا شك فيه أن عداء (الدين) لـ (العلم) والصراع بينهما هو(خاصية كاثوليكية – أوروبية)، ولا وجه للشبة بين المقدمات والملابسات التى أثمرت هذا العداء وهذا الصراع وبين واقع الإسلامى ومذاهبه فى هذا الموضوع.  فالإسلام لا يمد نطاق (علوم الوحى والشرع) إلى كل الميادين الدنيوية، التى ترك الفصل فيها والتفسير لـ (علوم العقل والتجربة الانسانية) ومن ثم فلقد تآخى فيه (العلم) و(الدين) و(العقل)، و(النقل)، و(الحكمة) و(الشريعة)، و(الدنيا)، و (الآخرة)، عن طريق تحديد الميادين لكل نمط فكرى – لانشاء نظرة تكاملية – لتهذيب الانسان وتطوير حياته، باعتبار هذا التهذيب وذلك التعبير غير ممكنيْن دون الاستعانة بـ (الاقطاب) المتعددة فى ظواهر الفكر والحياة… وليس بقطب واحد من الظاهرة الواحدة…

ويتأكد اخنصاص (العلمانية) بالواقع الاوروبى، ما استقرت عليه المسيحية فى نظام (الكهانة، الكهنوت)، ذلك النظام الذى يجعل بين الإنسان العادى وبين ربه وسيطاً هو (رجل الدين)، (الكاهن)، الأمر الذى جعل هناك (طبقة) أو (فئة) احتكرت (الرأى الرسمى) للدين، بل وحق الحديث بإسم السماء!!.. وما استتبع ذلك من اضفاء (القداسية) على هؤلاء الرجال والمؤسسات التى أقاموها لهذا الدين !!.. وتلك أمور لم يعرفها الإسلام، بل هو ينكرها ويشن عليها حرباً شعواء .

ونرى أن نُنْهِى هذا الفصل بحصر جملة من الأسباب التى أدت إلى وجود الفجوة المفتعلة بين الدين والعلم كما يلى :

(1)من أهم أسباب رواج هذه الشائعة انتشار الإلحاد واستئساد الملحدين، ذلك لأن هؤلاء لا يجدون ما يستندون إليه فى نشر أفكارهم الخبيثة وآرائهم المسلمومة غير الدعاية والشائعات بين ضعاف الإيمان وعديمى الثقافات العريقة المرموقة، فهم ليس لديهم أدلة أو براهين قاطة يبرّرون بها أفكارهم الإلحادية . ومن ثم فإننا نجد لفكرة تعارض الدين مع العلم رواجاً فى الأزمنة التى ينتشر فيها الإلحاد (49) .

(2)ومن هذه الأسباب سَعْىُ بعض العلماء – ونحن نخلع عليهم هذا اللفظ تجاوزاً – لا كتساب شهرة وذيوع صيت وذلك على حساب مخالفة الإجماع، حتى ولو كان ذلك باعتناق آراء يعتقدون هم فى سريرتهم بفسادها .

(3)عاشت الشعوب الإسلامية فترات طويلة من حياتها مُسْتَعْمَرة، وكان الاستعماردائما يقدّم لها ما يعمل على إبقائها متخلفة تابعة له فى كل قطاعات الحياة، ومن أجل ذلك دأب على ترسيب ركائز خاصة فى عقول أبنائها ومنها الخنوع والاستكانة بدعوى التسليم للقضاء والقدر والنظر إلى الدين على أنه جملة شعائر تُوْدَّى فى دور العبادة فحسب، وعلى أن العاملين فى حقله مبتورى الفكر محدودى الثقافات، وتكثر فيهم العاهات، هكذا صور الاستعمار ودأب على تدعيم هذه الصورة فى عقول أبناء الشعوب – خاصة الإسلامية منها – ليضمن بقاء سيادته ودوام تبعية الدول المستعمرة له .

(4) كان المنهج العلمى الذى ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة عليه، ثم مِنْ بعدهم تربى عليه جيل التابعين، ثم جيل تابعى التابعين، هو حرية الفكر وتوقّد العقل والاجتهاد، والنظر وعدم التقليد الاّ بدليل أو من رسول الله مباشرة، وفَهْم الاتباع على أنه اقتداء ببرهان لا لشخص المقلِّدِ وانما لما معه من قوائن وشواهد فى أية مسألة، ونشأت المدارس الفكرية فى عهود التابعين وتابعيهم فكانت مدرسة الحديث ومدرسة الرأى وغيرها حتى ولدت العبقريات الفذة فى كافة علوم الدين والدنيا على السواء، ولكن حدث أن ران على الأمة بعد القرن الثامن الهجرى سحاب التقليد وضغوط المذهبية الضيقة فوجدنا المؤسسات العلمية بدل أن تنمو توقفت حتى أنه فى عهد الخلافة العثمانية حدث أن أغلقوا باب الاجتهاد وأمروا الناس أن يلتزموا بالفقه الحنفى(50)، ولذلك وجدنا فكر الأمة الإسلامية يقف ويجمد، ومن هنا وجد الغرب المسيحى الصليبى فرصته السانحة فدخل إلى المسلمين وهم على هذا الركود الشديد، فوجدنا مثلاً جامعة كجامعة الأزهر – آنذاك – تقف عند حد المتون، وتقف عند حد الجمود، بينما المستعمر ينتهز الفرصة فيؤسس المؤسسات العلمية المدنية ويترك الأزهر على حاله، ثم ينشئ مؤسسات تعليمية غربية تعطى للمسلمين الشكل ولا تعطيهم الجوهر من أى شئ . ومن هنا نما فى الأمة الإسلامية سُلَّمان تعليميَّان، السلم المدنى الذى لا يرتبط بالإسلام ولا بقيمه ولا بأخلاقه ولا بعقائده ولا بفكره، والسلم الدينى وهو جامد متحجر يعيش فى فكر عقيم هو فكر المتون والتعقيد اللفظى، فأصبح كل ما عند العالِم المسلم هو الفخر بالصدر الأول والسلف الصالح، ولكنه عاجز عن أن يلج فيتكلم عن واقعه أو يعالجه ويسعى فى إبراء أمراضه .

(5) ومن هذه الأسباب سبق الدين إلى إبراد حقائق قبل أن يصل العلم إليها، مثال ذلك الآية القرآنية الكريمة (وإذا البحار سجرت) (التكوير/6) والآية (والبحر المسجور) (الطور/6)، فلقد وقف العلم أمامها موقفاً مضطرباً حيث أن من المؤكد علمياً أن الماء يطفئ النار، فكيف يمكن أن يصبح الماء ناراً ؟! انه يستحيل حدوث ذلك . ولكن بعد عشرات المئات من السنين، وبعد طفرته الكبرى ووثبته العالمية أثبت امكانية تحول الماء إلى نار، حيث يوجد فى جوف البحار عنصر الايدروجين الطليق (Free  hydrogen)، وهذا الايدروجين يختلف عن ذلك المعروف حيث أن ذرته ثقيلة عنه، والايدروجين الطليق هذا إذا تحطمت ذراته تحت ضغط كهربائى عالمى جداً أو بفعل حرارة قوية طارئة – أو انفراد ذرات الهيدروجين من الماء حينما تفرز ذرات الاكسجين منه بفعل الظروف المشار إليها فان هذا الايدروجين يشتعل حيث أنه غاز ملتهب، وهكذا يتحول البحر إلى تنير هائح بالنار .

(6) ومن هذه الأسباب قصور العلم عن إدراك بعض الحقائق التى جاءت بها الشرائع السماوية، ومحاولة الانسان عرض غيبيات الشرائع على مقاييس العلم، وهو عندما يحدث ذلك قد يضل تفكيره، فانه لو حاول تحديد الروح مثلا بمقاييس الطول والعرض والامكان المرئى واللون والرائحة و …. فإنه لابد واصل إلى كفر، أو على الأقل إلى زعزعة نفسية تؤدى إلى حيرة فى صدق الغيبيات وقل مثل ذلك فى أمور مثل الآخرة والقيامة والحساب ثواباً وعقاباً .

(7) ومن هذه الأسباب انتشار نظريات عن الخلف والحياة على أيدى توماس هكسلى وداروين وغيرهما، تلك التى أعترف أصحابها بخطئها – تصريحاً أو تلميحاً – أو على الأقل عدم قيام الدليل على صحتها، فإن البعض سعياً وراء الجديد حتى ولو كان خطأ – يرددون ويناقشون ويؤديون مثل هذه النظرية .

(8) ومن هذه الأسباب محاربة رجال الدين فى العصور القديمة العلم خوفاً على سلطانهم الذى كانوا يفرضونه على الناس، فأظهروا أن العلم لا يتفق والدين على الرغم من أن الدلائل التاريخية القديمة تؤكد أن الدين والعلم متداخلان حتى أن كل عالم اشتهر فى فروع العلوم المختلفة، انما كان من دعاة الدين، بل وكان يتخذ الدين سبيل البحث العلمى والعلم سبيل تأييد الدين على الرغم من هذا كله جاء رجال الدين فى هذه الآونة لينظروا إلى العلم والعلماء نظرة توجّس وخيفة انقاذاً لمناصبهم ومراكزهم ومصادر ثرائهم .

(9) ومن الأسباب تمسّك رجال الدين بمعتقدات ليست من الدين بحال من الأحوال، وكلما وضّح العلم الحديث عدم صحتها ازدادوا هم بها تمسكاً ولها تعصباً، فظهر الدين – حيث هم رجاله – وكأنه معارض للعلم مناوئ له، وتوضيح ذلك هو آراء بطليموس فى تصور الأرض والكون والتى تبنتّها الكنيسة ثم مجئ العلماء وثبوت خطأ هذه الاراء ومن ثَمَّ محاربة الكنيسة لهؤلاء العماء ومَنْ بعدهم من رجالات العلم والبحث الكونى .

(10) ومن هذه الأسباب اندساس بعض الاسرائيليات فى تفاسير القرآن الكريم بدون عمد أو بعمد وخبث، فإذا بتفسيرات عليلة لبعض مسائل وأمور آيات القرآن، وبذلك استطاع خصوم الإسلام أن يشيعوا فى الناس أن الاعتماد على القرآن فى المسائل العلمية يوضح أنه ليس معجزة نظراً لتصادمه مع هذا المسائل أو عدم القول بها قولاً حقاً – وهم يعتمدون على ما أدخل فى تفسيرات القرآن من أوهام وخبائث اسرائيلية ولم يعتمدوا على القرآن ذاته .

(11) ومن هذه الأسباب محاولة القائمين بالتفسير القرآنى – ونركز على القرآن لانه دستور هذه الأمة ومنهاج حياتها – الكلام فى تفسير آيات لم يصل العلم الحديث إلى كشوف توضح معانيها وتجلى مقاصدها، أو الكلام فى مسائل قرآنية لم يصل علمهم ولا ثقافاتهم إلى فهم المقصود منها، وأيضاً محاولة الاجتهاد بالرأى فى تفسير آيات سياقها لا يستقيم وهذا الرأى الذى يرونه، ثم أيضاً مغالاة بعض العلميين فى تفسير آيات معينة وتحميلها مالا تتفق وسياقها .

(12) ومن هذه الأسباب كذلك تصدر بعض الأفراد للقيام بالتفسير الكامل للقرآن، وهذه من المخاطر الكبرى على الكتاب العزيز، حيث أن الفرد الواحد لا يمكنه – مهما كانت طاقته ودرجة علمه – الاحاطة بالتفسير لكل آية من آيات القرآن دون مراجعة أهل التخصص فى كل فرع من فروع العلوم ومجالات المعارف، والرجوع إلى المحاولات السابقة للتفسير، إذ كيف يمكن لفرد واحد أن يجمع بين كل علوم الفقه، والأدب، واللغة، والبيان، والنحو، والتشريع، والاجتماع، والاقتصاد، والزراعة، والصناعة، والكيمياء، والفيزياء، والحيوان، والنبات، والاحياء الدقيقة، وعلوم الخلية، وعلوم البحار، والجغرافيا، والتاريخ، والقصص، والوراثة، والفلك، والجيولوجيا، وغير هذه العلوم، كيف لواحدٍ فقط الإلمام بهذه العلوم حتى يمكنه القيام وحده بتفسير آيات القرآن كله وقد عالجت كثير منها ميادين تلك العلوم وولجت مجالاتها .

ويوضح لنا الشيخ الحسينى (51) أنه يجب على صاحب العلم الصحيح أن يكون أول مسيرته فى الحياة الدين ثم نهاية هذه المسيرة هى الدين أيضا فيقول: الموضوع : حيث يؤكد أنه لا خلاف بين الدين الحق والعلم الصحيح، فالقرآن يصرح بأن الدين أول العلم وآخره، فهو أول العلم من حيث أنه أول آمر به ومنبِّه عليه وجاث على فضله ومبين لشرفه ورفعة أهله . وأوليات العلوم والمعارف إنما جاءت على ألسن الرسل، وأنفع الحكم المنورة للعقول مستمدة من أحاديث الانبياء وكلامهم وما أوحى إليهم من عند ربهم . والدين آخر العلم لأنه النتيجة الغائية لكل عالِم نبيل أو فيلسوف محقّق قد تصفح أعيان – أى جواهر – الكائنات بنزاهة واخلاص فأرشد إلى عللها ومصادرها ومصيرها وتوحدت فى نظره القوة الخالفة والعظمة المدبرة التى تسوس مخلوقاتها وتكلؤها وتعمل على اسعادها، هذا ما لم يَدْعُ طلب العلم إلى الالتواءات المادية، فهو ان انتكس فانه لا يرى فى الكون الا ظواهر المادة .

وإذا كان غرض العلم الحقيقى إصلاح الحياة وتضامن أهل الانسانية وإسعادهم وتآخيهم، فهو مرشد إلى ما أرشد إليه الدين من قبل، وحينئذ لا يكون ثمة خلاف بين الدين والعلم، اللهم إلا أسبقية الدين للعلم فى هداية أفراد الخليقة إلى ما ينفعهم ويوجب لهم السلام والتضامن، والجرى مع العلم إلى ما يقربه من الحقائق الكونية . أما إذا كان غرض العلم المزعوم، جحود الحق والإلحاد بالخالق وافساد النفوس وتضليل الأفكار وتقسية القلوب وتخليتها من عوامل الشفقة والرحمة والعطف، والمروءة وحب الخير، فهذا العلم حقاً لا يتفق والدين فى طريق، لا من حيث ضعف نتائج الدين ومكانة ذلك العلم، ولكن من حيث أن مثل هذا العلم لا يكون علماً صحيحاً، وإذا لم يكن علماً صحيحاً فهو باطل، والباطل لا يماشى الحق فى سبيل أبداً .

(13) ومن العلماء (52) من يرى أن ادّعاء دول الكفر ومَنْ يسير فى ذيولهم بأن العلم ذو طبيعة إلحادية، أو ضرورة فصل العلم عن الدين على أقل تقدير، يرى أنهم يستندون على دعائم أو أمور هى :ــ

أـــ ادعاء أن هذا الكون ليس له خالق وأنه وُجِدَ وسوف لا ينتهى، والتأكيد على أن فكرة الخلق فكرة غير علمية .

ب ـــ البحث عن محاكاة نماذج الطبيعة من خلال معطيات (أى ماديات محسوسة) موجودة، وتجنب الحالات الغيبية، واقتفاء أثر السبب والمسبب الذاتى فى المادة باعتبار غياب تأثير قوة الله سبحانه .

ج ـــ ادعاء أن الطبيعة ذات خاصية مادية بحتة لدرجة تؤدى إلى انفصالها تماماً عن علم القيم الأخلاقى .

وفى مناقشته لهذه الإدعاءات ودحضها نقتطف ما يلى :

أما أن الكون ليس له خالق، وأن الخلق قضية غير علمية، فإن بداية الخلق ونهايته أمر مفروض مسلّم به، وطالما أن الأمر لا يمكن إجراء تجارب عليه فكيف يستنتجون النتائج ويسنّون عليها قوانين ثم يسمونها قوانين علمية (53) .

وبمعنى آخر فهل يمكن للعلم أن يؤدى دوره دون الاعتراف بوجود الله ؟! انه يستطيع ذلك إذا كان يبحث فى شئ أو أمر مُدْرَكٍ مُحَسِّ فى الطبيعة فى معزل عن بقية الأمور والأشياء الأخرى، ويحصر أمامه معملياً السبب والفعل والنتيجة، أما المفهوم الأشمل للعلم فهو محاولة الأنسان تفهّم البيئة العالمية الشاملة المحيطة به، وهنا لابد للعلم أن ينظر إلى عناصر الكون ومحتوياته نظرة كلية غير متجزئة فأجزاء الطبيعة تسير فى تناغم وانسجام، وهنا لابد للعلم من الإذعان بوجود قدرة خفية تهيمن على مقدّرات الأحداث وتشهد التغيرات الواقعة وتدفعها إلى نتائجها وفق إرادة عليا يقف الأنسان أمامها مشدوها مذهولا .

وأما المقولة الثانية، فالرد عليها يشمل ثلاث دعائم :

(1)تجنب الأمور الغيبية أمرمفروغ منه، ذلك لأنها أمور لا يمكن اخضاعها للتجارب المعملية، فهى أمور معنوية، فالبحث فيها غير منطقى، والإسلام لا ينظر إلى تسبيب الله سبحانه للأحداث فى مجرد التغيرات المادية فقط، ولكن يؤكد أن حدوث الأحداث يتم بإرادة الله نتيجة التقاء عدد غير محدود من الأسباب والمسببات فى نقطة محددة من الزمان والمكان، ربما يستطيع شرح أو إدراك كيفية تجمّع ذلك الكم من الأسباب لينتج الحدث، انها إدراة الله .

(2)يفترضون أن تسبيب الله سبحانه للأسباب لابد وأن يكون له مظهر مادى .

ومن المعروف أن أية سلسلة من الأسباب المترابطة لابد وأن تبدأ بسبب رئيسى وتسعى إلى غاية لتحققها، وكلا الأمرين لا يمكن اخضاعه للتجارب المعملية، بل هما سنة الله فى خلقه .

(3) يعتبرون أن الغرض من التغيير الناشئ عن تسلسل الأحداث هو نهايتها الحتمية لا أكثر من ذلك . ولقد تصدى علماء الإسلام المخلصين فى دحض هذه الدعوى وعلى رأسهم الإمام الغزالى فى (تهافت الفلسفة) وأكد بالبرهان والحجة أنه(ليس من الضرورى أن يتبع التابع البمتبوع)، بما ينفى فكرة أو نظرية الحركة الآلية الذاتية فى محتويات الكون وأحداثه، ثم جاء علماء الغرب بعد الغزالى بألف سنة ليقولوا ما أكده، وأوضحه هو من قبل .

ولدحض الادعاء الاخير فإن التقدم من العلم إلى التكنولوجيا ومن الأخيرة إلى تحقيق الرغبات الانسانية، ومن الأخيرة إلى تحقيق المثل العليا، يعتبر هو التسلسل المنطقى الذى رسمه لنا الله سبحانه وتعالى .فكما أن من الضرورة ربط الاثنين بالأخلاق والقيم، وكل كسر لهذه السلسلة يؤدى إلى خلل فى الحياة الأنسان بل اختلال فى توازن البيئة .

(الهوامش)

(1)ابن القيم (أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبى بكر): مفتاح دار السعادة ومنشور العلم والادارة .ط 3 مكتبة حميدو بالاسكندرية، 1979.

(2)الشحات (على أحمد): مكانة العلم والعلماء فى الإسلام. ط دار احياء الكتب العربية بمصر 1982، ص 33، 34 .

(3)العسال (الدكتور أحمد): ضرورة تحرير الجامعات ومراكز البحث العلمى ومناهج التعليم من رواسب التبعية الثقافية والفكرية لابراز الشخصية الإسلامية فى ميادين العلاقات والانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . قضايا الفكر الإسلامى المعاصر. الندوة العالمية للشباب الإسلامى بالرياض 1973 ص 73 .

(4)سلامة (د. عبد الفتاح محمد): العلم فى مدرسة القرآن. الوعى الإسلامى بالكويت 17 (197) 1981، ص 35 .

(5)الطويل (د. السيد): أول حرب على الأمية . اللواء الإسلامى، 1(23) . ط  دار مايو بمصر، 1982 .

(6)عقليى (محمد هشام خطاب): أمة الإسلام والعلم – 2. منار الإسلام بالامارات العربية، 3(9) 1983 ص 101 .

(7)نعيم (حسانين): الإسلام يدعو إلى العلم .الوعى الإسلامى بالكويت، 18(9) 1982 ص 78.

(8)تدمرى (د . عمر): العلم ومكانة العلماء فى الإسلام . الفكر الإسلامى – بيروت، 12(8) 1983 ص 97 .

(9)العقاد (عباس محمود): التفكير فريضة إسلامية .ط دار الهلال بمصر – بدون تاريخ .

(10)قطب (الاستاذ محمد): تعقيت فى ندوة (ضرورة تحرير الجامعات ومراكز البحث العلمى ومناهج التعليم من رواسب التبعية الثقافية والفكرية لابراز الشخصية الإسلامية فى ميادين العلاقات والانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) .الندوة العالمية للشباب الإسلامى بالرياض. 1973 ص 96 .

(11)راشد (الدكتور محمد إسماعيل): من الأصول الإسلامية للعلم والتعليم . الإسلام والحضارة ودور الشباب المسلم . الندوة العالمية للشباب الإسلامى بالرياض 1979 . 2279 .

(12)خليل (د. عماد الدين): حول إعادة تشكيل العقل المسلم . كتاب الأمة (4) قطر 1983ص 60 .

(13)عمارة (على زين العابدين محمد): الانسان لغز ومعجزة . ط دار التفسير بالزقازيق، ط 1، 1982، ص 71 وما بعدها .

(14)الشعراوى (الإمام محمد متولى): من الاحاديث الشفهية فى التلفزيون المصرى، صيف 1982 .

(15)الغزالى (أبو حامد محمد بن محمد بن محمد): الرسالة اللدنية .ط القاهرة 2328 هـ . ص 23، 24 .

(16) الحسينى (الاستاذ محمود أبو الفيض المنوفى): كتاب التمكين فى شرح منازل السائرين . ط دار نهضة مصر بالقاهرة 1969. ص 195 – 198 .

(17)الطوسى (أبو نصر السراج): اللْمَع. تحقيق وتقدير د/عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور . ط دار الكتب الحديثة بمصر 1960 .ص 455 – 457 .

(18)إبراهيم (محمد إسماعيل): القرآن وإعجازه العلمى .ط دار الفكر العربى بمصر 1977 .

(19)إبن القيم (أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبى بكر): مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والادارة . ط مكتبة حميدو بالاسكندرية. ط 3، 1979 .

(20)عطا (عبد القادر أحمد): هذا حلال وهذا حرام. ط دار الاعتصام بمصر، تاريخ فراغ المؤلف من تأليفه 1975 .

(21)البنا (الإمام الشهيد حسن): مجموعة الرسائل – رسالة نحو النور .ط دار الشهاب بالاسكندرية . بدون تاريخ .

(22)الغزالى (محمد): مشكلات فى طريق الحياة الإسلامية . سلسلة كتاب الأمة بقطر (1)، 1982 .

(23)حوى (الشيخ سعيد): منطلقات إسلامية لحضارة عالمية جديدة . كتاب (الإسلام والحضارة ودور الشباب المسلم)، ج 2، منظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامى بالرياض، 1979، ص 746 .

(24)محمد (طارق عبد المنعم): نظرات فى الحضارة الإسلامية والأوروبية .منار الإسلام، 1(9) 1983، ص 32 .

(25)السيد (السيد على): مكانة العلم ومنهاجه ومجالاته فى القرآن ط الادارة العامة للثقافة بالأزهر الشريف، 1959.

(26)الراجحى (الدكتور عبد الغنى): موقف الإسلام من العلوم الكونية والمادية. منبر الإسلام بمصر 38 (10) 1980 .

(27)بدر (أحمد عبد اللطيف): عرض لدراسة (الدين فى عصر العلم) للدكتور يوسف القرضاوى . لواء الإسلام بمصر . 43 (10 -11) 1980 .

(28)التفتازانى (الدكتور أبو الوفا): موقف الإسلام من البحث الكونى . منير الإسلام بمصر 39 (8) 1981 .

(29)العقاد (عباس محمود): التفكير فريضة إسلامية .ط دار الهلال بمصر . بدون تاريخ .

(30) عبد الخالق (الاستاذ محمد فريد): أساسيات فى موضوع الإسلام والحضارة ودور الشباب. كتاب (الإسلام والحضارة ودور الشباب المسلم) ج 2. منظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامى، 1979 ص213 .

(31) علم الدين (الاستاذ محمد): العلم فى نظر الإسلام . الوعى الإسلامى بالكويت . 12 (142) 1976 ص 62 .

(32) الفاروق (د. إسماعيل): الإسلام والمدنية – قضية المعرفة. المسلم المعاصر، 9(36) 1983 ص 11 .

(33) محمد (د. عبد الحافظ حلمى): العلوم البيولوجية فى خدمة تفسير القرآن الكريم . عالم الفكر بالكويت، 12 (4) 1982.

(34) نوفل (عبد الرزاق): السنّة والعلم الحديث. ط دار الشعب بمصر، 1974 .

(35) عطوة (الاستاذ حسين عرابى): العلم بين منهج الإسلام والنبوات السابقة. الوعى الإسلامى بالكويت، 15 (173) 1979 ص 61 .

(36) العسال (الدكتور أحمد): ضرورة تحرير الجامعات ومراكز البحث العلمى ومناهج التعليم من رواسب التبعية الثقافية والفكرية وإبراز الشخصية الإسلامية فى ميادين العلاقات والانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . قضايا الفكر الإسلامى المعاصر. الندوة العالمية للشباب الإسلامى بالرياض، 1973،ص 73 .

(37) يالجن (د. مقداد): جوانب التربية العقلية والعلمية فى الإسلام . المسلم المعاصر،31، 1982، ص 70 .

(38) موسى (الدكتور على حلمى): استخدام الالات الحاسبة الالكترونية فى دراسة الفاظ القرآن الكريم . عالم الفكر بالكويت، 12(4) 1982 .

(39) الكاتب (عبد الحميد): الصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار المصرية 30/8/1980 .

(40) الراجحى (الدكتور عبد الغنى): الأرض والشمس فى منظور الفكر الإسلامى . ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر 1981 .

(41) التفتازانى (الدكتور أبو الوفا): الانسان والكون فى الإسلام . ط دار الثقافة للطباعة والنشر بمصر 1975 .

(42) العمر (د. عبد الله): ظاهرة العلم الحديث – دراسة تحليلية وتاريخية. عالم المعرفة بالكويت (69)، 1983 . ص 35 وما بعدها .

(43) حسب النبى (د. منصور): الكون والإعجاز العلمى للقرآن . ط دار الفكر العربى بمصر، 1981، ص 23 .

(44) بوكاى (الدكتور موريس): دراسة الكتب المقدسة فى ضوء المعارف الحديثة . تعريف وطبع دار المعارف بمصر 1978 .

(45) الشريف (الدكتور محمد إبراهيم): بين الدين والعلم والزعم بتعارضهما . منبر الإسلام بمصر 38 (11) 1979 .

(46) عبده (الإمام محمد): رسالة الوحيد . تحقيق د. محمد عمارة . دار الهلال بمصر، 355،1980 .

(47) محمود (العارف بالله الإمام عبد الحليم): موقف الإسلام من العلم والفن والفلسفة . ط دار الشعب بمصر، 1979 .

(48) عمارة (الدكتور محمد): الإسلام بين العلمانية والسلطة الدينية . سلسلة (أربعة عشر قرناً من الإسلام على ارض): 5 ط 1، دار ثابت بمصر، 1982 .

(49) نوفل (عبد الرزاق): بين الدين والعلم . ط دار الشعب بمصر . ط 2 بدون تاريخ .

(50) العسال (الدكتور أحمد): ضرورة تحرير الجامعات ومراكز البحث العلمى ومناهج التعليم من رواسب التبعية الثقافة والفكرية لابراز الشخصية الإسلامية فى ميادين العلاقات أو الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . قضايا الفكر الإسلامى المعاصر . الندوة العالمية للشباب المسلم بالرياض، 1973 ص 79 .

(51) الحسينى (محمود أبو الفيض المنوفى): أصالة العلم وانحراف العلماء (موسوعة وحدة الدين والفلسفة والعلم) . ط دار نهضة مصر للطبع والنشر بمصر، 1969 .

(52) الفاروق (د. إسماعيل راجى): الإسلام والمدنية – قضية العلم . المسلم المعاصر 9 (36) 1983 . ص 13 وما بعدها .

(53) أنظر لمزيد من التفصيل: خان (وحيد الدين): الإسلام يتحدى . ترجمة ظفر الإسلام خان، ط 7 المختار الإسلامى، بمصر 1977، ص 260 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر