أبحاث

الغزو الثقافي في المجال التاريخي

العدد 47

أسباب الغزو الثقافي في تاريخنا:

  • كثيرة هي الغارات التي شنت – ولا تزال – على تاريخنا الإسلامي، وقديمة – أيضاً – هي هذه الغارات وموصولة تتدافع حلقاتها في سلسلة يأخذ بعضها في خناق بعض… وتعود هذه الغارات قديمها وحديثها لأخطاء أساسية…
  • وأخطاء تتصل بسيطرة (المذهب) على (المنهج) و(الولاء المسبق) على (الحقيقة الموضوعية)…
  • وأخطاء تتصل (بمخططات موصولة) تهدف إلى القضاء على عظمة تاريخ هذا الدين وعظمة حضارته.
  • وأخطاء تتصل (بأحقاد موروثة) نشأت منذ ظهر الإسلام على هذه الأرض واستطاع ببساطته وملائمته للفطرة ووضوح حقائقه العقيدية والتشريعية والأخروية أن يغير مجرى التاريخ وأن يعيد رسم خريطة العالم، وأن يتسم ذووه ذروة الحضارة ولقد قام تاريخ هذا الإسلام وقامت حضارته فوق الساحة نفسها التي كانت لعقائد أخرى – بطبيعة الحال – فكأن هذا مبعث أحقاد لدى أصحاب هذه العقائد.
  • وأخطاء تتصل بأسباب أخرى كثيرة لكنها – في معظمها – تلتقي عند نقطة (الصراع الحضاري) الذي يعني (تشويه) تاريخ هذه الأمة والانتقاص من قدر تجربتها في التاريخ ودورها في الحضارة ويعني – أيضاً – طمس (العوامل) التي جعلت هذه الأمة تثب هذه الوثبة العظمى في التاريخ.. حتى أصبحت مكتبة الحاكم المستنصر بالله بن عبدالرحمن الناصر تضم أربعمائة ألف مجلد بينما كانت أكبر كنيسة في أوروبا –أو مكتبة عامة – لا يزيد ما تمتلكه من كتب عن (192) كتابا.
  • فكيف حدث هذا القفز الحضاري الهائل؟
  • وكيف استطاع جيل الصحابة الذي نشأ في صحراء العرب الوثنية بصفة عامة أن يصنع هذا التحول الحضاري الخطير الذي لم يتكرر في التاريخ!!
  • لقد كانت أحداث المائة الأولى من عصور الإسلام من معجزات التاريخ والعمل الذي عمله أهل المائة الأولى من ماضينا السعيد لم تعمل مثله أمة الرومان ولا أمة اليونان قبلها ولا أمة من الأمم بعدها.. أما جيل الصحابة – فإنهم جميعاً كانوا شموساً طلعت في سماء الإنسانية مرة ولا تطمع الإنسانية بأن تطلع في سمائها شموس من طرازهم مرة أخرى[1].

إن تلك المعجزة التي صنعها (القرآن) و(التربية المحمدية) لحرية في نظر أعداء الإسلام، بحرب دائمة لمحو اشعاعاتها، ولصرف المسلمين عن التعلق بها والدوران في فلها، وعن الاعتقاد بأن آخرهم  لن يصلح إلا بما صلح به أولهم.

  • إن نماذج أبي بكر وعمر وعثمان وخالد والزبير وطلحة وأبىّ وعمرو بن العاص – وهلم جرا – يجب أن تفسر مواقفها تفسيراً يجعل وراء ظاهرها باطناً سيئاً يجردها من عنصر (الإخلاص) ويجب أن تكون فترة (السيرة) كلها بدءاً من صاحب الرسالة العظمى – عليه الصلاة والسلام – هدفاً رئيسياً للشبهات والطعنات والتماس التبريرات المغلوطة لكل مواقف اجتهادية.
  • وبعد الراشدين يأتي الأمويون الذين تلقفوا الراية، وساحوا بها في الأرض فاتجهوا غرباً حيث أتموا فتح المغرب (86هـ) الذي كان قد توقف بعد معركة ذات الصواري (35هـ) وفتحوا الأندلس (92هـ) واتجهوا شرقاً ففتحوا ما وراء النهر بقيادة الملهب بن أبي صفرة ومحمد بن القاسم الثقفي ومسلمة بن عبدالمالك…

وكما لم تنج السيرة والعصر الراشدي من ترصد هؤلاء وكما لم ينج الأمويون – من باب أولى – فقد نالت سهام هؤلاء من العباسيين وكانت السهام الموجهة إليهم أكثر…، لأن عمرهم قد امتد، وخلفائهم كانوا كثرا… وبالتالي فإمكانية التصيد والتشويه تمتد إلى أطول مساحة ممكنة!!

وهكذا تتوالى الحلقات، بحيث يراد لأمتنا أن تنتهي إلى الاقتناع بأن تاريخها وحضارتها لا يستحقان منها كل هذا الولاء، وبأن الانتماء إلى غيرهما لن يؤدي إلى خسارة كبيرة بل ربما يؤدي إلى بعض مكاسب (الحداثة) و(المعاصرة)!!

المنهج المنحرف في معالجة تاريخنا:

والغريب أن هؤلاء يضعون لتشريح تاريخنا (منهجاً خاصاً) – وصولا إلى إدانته – فبينما يعالجون تاريخهم، وتاريخ كل الأمم الأخرى بمقياس قريب من ((الواقعية)) و((الموضوعية)) لدرجة أنهم تواضعوا على التفرقة بين الالتزام العام والحياة الشخصية، فإنهم يعمدون إلى محاكمة تاريخنا وكأنه تاريخ ملائكة ليسوا من البشر إنهم يريدون منهم أن لا يختلفوا في الرأي ولا يجتهدوا في الوصول إلى ما يؤمن كل منهم أنه الحق.. أنهم يريدونهم قوالب مصبوغة في قالب واحد دون أدنى تعبير عن العقل الخاص والرؤية الخاصة. والحقيقة أننا نحن المسلمين ساعدنا على شيوع هذا المنهج.. فقد تحدث كثير منا عن هذا التاريخ بطريقة أسطورية فبدأ هذا التاريخ وكأن الذين عاشوه يجب أن لا تكون لهم أية اجتهادات مرجوحة، بل كلهم يجب أن تكون كل اجتهاداتهم راجحة – وهو أمر لا يستقيم ومنهج الحياة – ولقد صرفنا هذا المنهج عن التحليل الموضوعي الكريم في إطار الأدب الإسلامي الذي علمنا اياه نبينا عليه الصلاة والسلام.

  • وقد أدى هذا إلى موقفين: موقف قبول كامل لهذا التاريخ دون الاستفادة من بعض الجوانب السلبية البشرية التي هي ضرورة في الاجتماع البشري.. وموقف آخر تمثل في رد فعل يذهب إلى رفض هذا التاريخ مستجيبا إلى أية دراسات تتلفع برداء العلمية والعملية في تحليل التاريخ، وتعمد إلى بث الشبهات والافتراءات.. وتضخم الاجتهادات البشرية المخلصة، فتحولها إلى أخطاء وكبائر…!!

وأياً كان الأمر – فقد كان هذا الموقف – من الأعداء والبسطاء مظهراً من مظاهرالمنهج المنحرف في معالجة تاريخنا، وهو مظهر سار في تاريخنا كله حتى اليوم.. فنحن لازلنا ننظر إلى مصلحينا أئمتنا في العصر الحديث بالمنظار نفسه.. فجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده – مثلاً – يتواطأ كثيرون على إدانتهما وقد بذل أحدهم عمره – عن حسن قصد – وهو الدكتور محمد محمد حسين – رحمه الله – في ترصد حياتهما وتأويلها – دائماً – لغير صالحهما… وكان على رأيه آخرين – من المفكرين، ومنهم الدكتور علي سامي النشار، والأستاذ محمد عطية خميس المحامي – رحمهما الله – ولازال على هذا الرأي كثيرون في الجزيرة العربية ومصر حتى اليوم!!

وقد التقى مع هذا الرأي (واستثمر الكتابات الإسلامية فيه) الدكتور لويس عوض الذي يمثل قلعة من قلاع الصليبية في مصر.. والرجل الذي يرفض كل ما هو إسلامي وعربي.. ويحارب على صفحات صحفنا المصرية والعربية في سبيل هدفه، ويأخذ من أموالنا مكافآت سخية كفاء عمله الآثم وهكذا التقى البسطاء مع الأعداء.. في نموذج حديث كذلك.

وفي المقابل وجد آخرون لا يسمحون بتشريح حياة الأفغاني ومحمد عبده بالمبضع البشري الذي يرصد الحسنات والسيئات ويوضح الظروف المحيطة بالاجتهادات الخاطئة!!

وإذا ما تركنا هذا المظهر من مظاهر الانحراف – فإننا نجد مظاهر أخرى ساعدت على الانحراف عن المنهج الصحيح في معالجة تاريخنا.

  • ومن هذه المظاهر الاختلاف الأساسي في النظرة إلى الإنسان ومقوماته بين المسلمين وغير المسلمين.. فغير المسلمين قد ألفوا النظر إلى الإنسان وحركته وحروبه وتضحياته وإقامته للمذاهب والدول بمنظار مادي بحت، انطلاقاً من تركيزهم على الجانب المادي في الحياة واستهانتهم بالجانب الروحي والأخلاقي فيه، ولهذا فهم يفسرون حركة الحياة بالعامل الواحد المادي أو الاقتصادي ويكادون يغفلون دور العناصر الأخرى.

وبعضهم يدين ((شبنجلر)) و((توينبي)) لاعتمادهما نزعة غيبية في تفسير التاريخ ولا يتصور هؤلاء كيف أن أبابكر يتبرع بكل ماله وكيف أن صهيبا ترك لأهل مكة كل ثروته وقال له الرسول: ((ربح البيع)).. فهم من عالم آخر بعيد لا يستطيع منه أن يدركوا هذا المستوى الغريب، وهم لذلك يلتمسون كل ما يظنونه يخدمهم لتغيير حركة الفتوحات الإسلامية تغيرات مادية أو اقتصادية بل أنهم أرادوا لظهور الإسلام نفسه أن يكون قد ظهر لعوامل اقتصادية أو لانصاف بعض الطبقات!!

هذه الاستجابة الناقصة هي أول ظاهرة تتسم بها البحوث الغربية عن الموضوعات الإسلامية ذلك أن هناك عنصراً ينقص الطبيعة الغربية – بصفة عامة – لادراك الحياة الشرقية بصفة عامة والحياة الإسلامية على وجه الخصوص.. عنصر الروحية الغيبية وبخاصة في العصور الحديثة بعد غلبة النظريات المادية والطريقية والتجريبية على وجه أخص – وكل ما كانت هذه الموضوعات الإسلامية ذات صلة وثيقة بالفترة الأولى من حياة الإسلام كان نقص الاستجابة إليها أكبر في العقلية الغربية الحديثة.[2]

وبالإضافة إلى هذا فقد درج أكثر المستشرقين الباحثين في التاريخ الإسلامي على الخضوع لميزان الهوى، واللجوء إلى كتابات من سبقوهم من المستشرقين وكأنها (المصادر الأصلية) والاعتماد على الأفكار الكنيسيّة عن الإسلام، تلك التي سيطرت على الفكر الغربي في العصر الوسيط والحديث وأكثرهم يعمل في دوائر مهمتها الحرب على الإسلام والمسلمين ويقومون بأبحاث موجهة أصلاً لتحقيق أهداف هذه الدوائر، وبالتالي فهم يصنعون في أذهانهم فكرة معينة ويبدأون في تصيد الأدلة لإثباتها، وحين يبحثون عن هذه لا تمهم صحتها بمقدار ما يهمهم إمكان الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصية، وكثيراً ما يستنبطون الأمر الكلي من حادثة جزئية أو أنهم يدخلون بشخصياتهم وآرائهم وأهوائهم الخاصة فيفسرون الحوادث ويناقشون النصوص، ويحللون القضايا والشخصيات الإسلامية على ضوء وجهة نظرهم، ويطلون من نافذتهم الخاصة فيلقون ظلالاً معينة تغير معالم الصورة الأصلية. ومن هنا يضربون في متاهات أملاها عليهم الهوى والغرض، رغم ما توفر لهم من الامكانات العلمية بالحصول على المخطوطات الثمينة من تراث الإسلام، التي كان من شأنها أن تهديهم إلى الفكرة السليمة عن الإسلام والمسلمين[3].

ويشير الدكتور جواد علي إلى أن المستشرق كيتاني كان يعتمد منهجاً معكوساً في البحث يذكرنا بكثير من المختصين الجدد في حقل التاريخ الإسلامي والذين يعملون وفق منهج خاطئ من أساسه إذ أنهم يتبنون فكرة مسبقة ثم يجيئون إلى واقع التاريخ لكي يستلوا منها ما يؤيد فكرتهم ويستبعدوا ما دون ذلك، فلقد كان كيتاني ذا رأي وفكرة، وصنع رأيه وكوًّنه في السيرة قبل الشروع في تدوينها فلما شرع بها استعان بكل خبر من الأخبار ظفر به ضعيفها وقويها، وتمسك بها كلها ولا سيما ما يلائم رايه، ولم يبادر بالخبر الضعيف بل قوّاه وسنده وعدّه حجة، وبنى حكمه عليه. ومن يدري فلعله كان يعلم بسلاسل الكذب المشهورة والمعروفة عند العلماء ولكنه عفا عنها وغض نظره عن أقوال أولئك العلماء فيها، لأنه صاحب فكرة يريد إثباتها باية طريقة كانت، وكيف يتمكن من إثباتا وإظهارها وتدوينها ان ترك تلك الروايات وعالجها معالجة نقد وجرح وتعديل على أساليب البحث الحديث[4].

وترد في ختام كتاب ايتن دينيه (الشرق كما يراه الغرب) بعض الآراء حول هذا المنهج حيث يقول:

لقد أصاب الدكتور سنوك هير غرنجة بقوله: (أن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية مقضى عليها بالعقم إذا سخرت لأية نظرية أو رأي سابق).

ويعقب صديقنا الدكتور عماد الدين خليل على هذا الاتجاه الملحوظ في الفكر الاستشراقي بقوله: ونحن نستطيع أن نحصل على عشرات بل مئات من هذا (الانتقاء الكيفي) أو التفسير الاختياري للنصوص التاريخية في كثير من كتب المستشرقين وبخاصة أجيالهم السابقة.

فبرو كلمان على سبيل المثال لا يشير إلى دور اليهود في تأليب الأحزاب على المدينة ولا إلى نقض بني قريظة عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أشد ساعات محنته، ولكنه يقول: (ثم هاجم المسلمون بني قريظة الذين كان سلوكهم غامضاً على كل حال) ويتقاضى لإسرائيل ولفنون عن حادثة نعيم ابن مسعود في معركة الخندق كسبب انعدام الثقة بين المشركين واليهود ولعله يريد أن يوحى بذلك ان اليهود لايمكن أن يخدعوا!!

ومثل هؤلاء أيضاً وأولئك الذين يسقطون على التارخ الإسلامي أهواءهم المذهبية فهم منطلقون ايضاً من خلفية فكرية قهرية معتسفة تلوي عنق الحقائق كرها حتى تصبح هذه الحقائق خادمة في بلاط (الاشتراكية) مرة و(الليبرالية) مرة أخرى ويصبح عمر وأبو ذر يساريين وعثمان وعبدالرحمن بن عوف يمنيين اقطاعيين ويصبح هناك صراع بين اليمين واليسار في الإسلام[5] وقد لجأوا في سبيل تكييف الوقائع حسب أهوائهم – إلى الاعتماد على الاراء والتحليلات الضعيفة، وعمقوها وجعلوها هي الحق، وسواها باطل كما رجحوا آراء المارقين والمنحرفين واعتبروهم الفلاسفة والمفكرين الممثلين للإسلام، وفي مجال التاريخ رجحوا آراء أصحاب الوفد الباطنية وأصحاب النزاعات الفوضوية والالحادية وجعلوهم (المعارضة الفورية) لسيادة التيار الإسلامي المحافظ والممثلة للشعب المسلم.

ومن مظاهر المنهج المنحرف الذي يلتزم به أقطاب الغزو الثقافي لتاريخنا ما يعمد إليه أكثر لمستشرقين من أسقاط المنطق الوصفي العلماني، والرؤية البيئية المعاصرة للمناهج الغربية على الوقائع والأحداث الإسلامية الماضية فلقد راى المستشرق المسلم دينه – على سبيل المثال – أنه من المتعذر إن لم يكن من المستحيل، أن يتحرر المستشرقون من عواطفهم وبيئتهم ونزعاتهم المختلفة وأنهم لذلك قد بلغ تحريفهم لسيرة النبي والصحابة مبلغاً يغشى على صورتها الحقيقية من شدة التحريف فيها، ورغم ما يزعمون من أتباعهم لأساليب النقد البريئة ولقوانين البحث العلمي الجاد فأنا نلمس من خلال كتاباتهم أن محمداً يتحدث بلهجة ألمانية، إذا كان المؤلف ألمانياً، وبلهجة ايطالية إذا كان الكاتب ايطالياً وهكذا تتغير صورة محمد بتغير جنسية الكاتب، وإذا بحثنا في هذه السير عن الصورة الصحيحة فإنا لا نكاد نجد لها من أثر. ان المستشرقين يقدمون لنا صوراً خيالية هي أبعد ما تكون عن الحقيقة وهكذا تتعدد (المظاهر) التي ادت الى انحراف المنهج لدى طبقات كثيرة من هؤلاء الذين يشتغلون بمعالجة قضايا تاريخنا الإسلامي وحضارتهم الإسلامية…

وكلها مظاهر منبعها الجهل في الأقل، والحقد في الأكثر والبعد عن المنهج العلمي السليم في كلا الحالين.

تاريخنا والغزو التنصيري والعلماني:

دأبت الدوائر الكنيسية والغربية بصفة عامة على الاشتغال بتاريخنا وحضارتنا بطريقة مكثفة.. ولو حصرنا عدد المشتغلين بالتاريخ الإسلامي وتراث الإسلام من هؤلاء لوجدناهم أعداداً غفيرة، وقد تتلمذ على أيديهم من المسلمين كثيرون، كما تتلمذ على أيديهم بعض النصارى العرب الذين خانوا حضارتهم العربية والإسلامية، ولم يكونوا في مستوى النضج الحضاري الذي مثله الشاعر اللبناني (بشارة الخوري) أو السياسي الوطني المصري (مكرم عبيد) الذي كان يقول: (أنا مسلم وطناً مسيحي ديناً).. وكان من أسوأ هؤلاء وأجرأهم على الدعوة للتغريب والتنصير الكاتب سلامة موسى والمؤرخان جورجى زيدان وفيليب حتى ثم تلميذهما (لويس عوض) !!

وقد تعاون المستشرقون والمستغربون معاً على تشويه تاريخنا، ولهم في ذلك خطوط فكرية ثابتة… نستطيع أن نلمّ بأهمها على النحو التالي:

  1. التركيز على فترات الخلافة بين المسلمين وتوسيع دائرة الحديث عنها، والاغضاء – بالتالي – عن المساحات الأخرى الكبيرة المتألقة.
  2. القول بأن فترة الالتزام بالإسلام لا تعد وأن تكون فترة العصر الراشد.
  3. إثارة العنصريات وتعميقها بين العرب والبربر والأتراك والفرس بهدف إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين، وهم يتذرعون لذلك بإحياء النزعات والخلافات بين هذه العناصر الإسلامية.
  4. محاولة إبراز كلمات (العروبة) و(العرب) و(الفكر العربي) و(الحضارة العربية) بغرض إثارة الشعوب الأخرى التي ساهمت في صنع الحضارة الإسلامية وتأليبها ضد العرب.
  5. إبراز دور الأقليات غير المسلمة وتحريكها ضد الأمة.. والزعم بانها أقلية ظلمت وانتهكت حقوقها.
  6. كراهية كل الدول والجماعات التي أنقذت المسلمين ووقفت ضد الزحف الصليبي مثل المماليك والأيوبيين والعثمانيين، ويفوز العثمانيون بالنصيب الأوفر من حقد هؤلاء لاعتبارات كثيرة.
  7. محاولة إرجاع ما يوجد من صور النهضة في الحياة الإسلامية إلى الاحتلال الأوروبي، مثل الحملة الفرنسية على مصر، وبعثات محمد علي إلى أوروبا.
  8. تمجيد كل الذين خانوا الإسلام وحاربوه مثل مصطفى كمال أتاتورك في تركيا وأكبر شاه في الهند وغيرهما… وفي المقابل الانتقاص من قدر المجاهدين والمصلحين وتلفيق التهم ضدهم.
  9. التشكيك في التراث الحضاري للمسلمين بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة على الحضارة الهلينية، وأن المسلمين – بالتالي – لم يكونوا إلا نقلة ومترجمين لفلسفة تلك الحضارة، ولم يكن لهم إبداع فكري ولا ابتكار حضاري[6]
  10. تشويه منصب الخلافة الإسلامية ورميه بأبشع الصفات وإعلان حرب دائمة عليه حتى بعد زواله… وأليس عجباً أن تكون اتفاقية كرزون المبرمة ضمن مؤتمر لوزان (24يوليو 1924) متضمنة في بندها الأول: (الغاء الخلافة الإسلامية نهائياً من تركيا) وفي بندها الثاني أن تقطع تركيا كل الصلة بالإسلام!! أليس هذا التدخل في الشؤون الداخلية شيئاً سافراً لعداء لا يشبه إلا تدخل أمريكا أمام أعيننا في شؤون بلد عربي وارغامه على إلغاء تطبيق الشريعة… وتهديد الآخرين الذين يفكرون في السير في هذا الطريق.
  11. تشويه تاريخنا الحديث بطريقة مزرية، وقد ذكرنا أن الدولة العثمانية باعتبارها البلد الذي قام بالدور الأساسي في حماية المسلمين في القرون الخمسة الأخيرة قد فازت بأكبر نصيب من هذا الهجوم التنصيري.
  • وقد وصل الأمر بهذا الغزو الثقافي المشين أن اعتبر الوجود الإسلامي التركي الذي حمى الشاطئ المغربي كله، وضد الغزو الأسباني الزاحف بعد سقوط غرناطة، وأدخل الرعب في قلوب الأوروبيين وجعلهم يقفون في موقف الدفاع لأربعة قرون..

… أقول لقد اعتبر هؤلاء المنقذين الأتراك (استعماراً) وحتلالاً واعتبروا الحركات العلمية للصليبية الدولية ومحافل الماسونية التي باعت فلسطين – حركات تحريرية ثورية!!

واعتبار الأتراك مستعمرين أمر ترفضه طبيعة الأخوة الإسلامية ولئن كان بعض الولاة الأتراك قد أخطأوا في حق العرب… فإن كثيراً من (الحكام العرب) الذين حكموا بعد الترك قد أجرموا في حق شعوبهم… وقد كان الولاة الأتراك في جملتهم أفضل كثيراً من الذين حكمونا في عصور استقلالنا العظيم (!!) ومع ذلك – وبالإضافة إلى الأخوة الإسلامية – فنحن نتسائل:

–         هل كانت تركيا دولة استعمارية؟

ولكي نجيب – علمياً على هذا السؤال لابد لنا من أن نتفق على معنى (استعمار)… الاستعمار تاريخيا – حالة معينة من التطور الاقتصادي.. تقف في قمة التطور الرأسمالي.. فهل كانت الدولة العثمانية واقفة واقفة هذه القمة؟ بالطبع لا.. لقد كانت أفقر من بعض البلاد التي يقال أنها خاضعة لها، والعلاقة الرسمية الوحيدة التي كانت تربط مصر – مثلاً – بتركيا هي الخطبة للسلطان، وحق السلطان في تعيين الوالي.. الوالي الذي لا يملك من الأمر شيئا، والذي كان المماليك والعلماء – بل والعامة يملكون عزله في أي وقت، ودون إبداء الأسباب – وقبل الغزوة الفرنسية استقل مملوك فعلا بمصر (علي بك الكبير) ولولا خيانة زوج ابنته له لما استطاع العثمانيون مواجهته.. بل إن المماليك ظنوا أن الغزوة الفرنسية كانت بتدبير من السلطان العثماني، وواجهوا مندوبه البائس في مصر باتهامهم هذا[7] فهل جاء نابليون الغازي لتحرير مصر من الأتراك المستعمرين؟ أليس هذا القول من اللعب بالألفاظ أو اللعب بعقولنا؟ ومن كان يحكم مصر في ذلك الوقت.

وهكذا يمضي الخط التنصيري والتغريبي حاملاً معول الهدم في تاريخنا.. فهذا (دومينيك سورديل) صاحب كتاب (الإسلام)[8] يعالج تاريخنا وكأنه يعالج حركة وثنية غامضة ويقول عن الرسول (إننا لا نعرف الكثير عن شخصية محمد قبل تبشيره بالإسلام، ولا نعرف بالتأكيد إلا تاريخ هجرته من مكة إلى المدينة) مع أن حياة الرسول قبل البعثة أوضح حياة بالنسبة لكل العظماء والأنبياء… وحياته في مكة تكاد تعرف يوما بيوم.. ويستمر (دومينيك) في تشويه حروب النبي وفي تشويه تاريخنا كله.

وفي كتاب آخر يحمل الإسم نفسه، وقد ألَفه (هنري ماسيه) تتتابع الأخطاء نفسها عن حياة النبي وتطور الحياة الإسلامية والنظر إلى محمد على أنه ليس ليس نبياً وعلى أن القرآن من صناعته[9] وأما (أ- س- ترتون) صاحب كتاب (أهل الذمة في الإسلام)[10] فقد عمد إلى تشويه التسامح الإسلامي، فيصور (الأقباط) في مصر والشام على أنهم مضطهدون طيلة العصر العباسي وما تلاه… وهو يجعل المسلمين دائماً سبب أية فتنة طائفية تقع، مع أنه لا يملك إلا الاعتراف بطغيان الأقلية الصليبية واستبدادها وفي كثير من الأحايين.

ويأتي (كارادوقو) الفرنسي صاحب كتاب (مفكرو الإسلام)[11] ليسير على الدرب نفسه ويصف الخلفاء بما ليس فيهم، فالمنصور العباسي كان منجماً، و(أم الرشيد) قامت بوضع السم للهادي أخي الرشيد حتى يخلو الأمر لابنها ويصور الخليفة هارون الرشيد – شأنه في ذلك شأن جورجى زيدان وغيره – بالصورة نفسها التي صورتها ألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني للأصفهاني: بل إنه ليكابر ويقول بأن روايات ألف ليلة ذات طابع تاريخي وهو يتمادى في تخبطه فيرى أن هرورا سياف الرشيد كان يقطع الناس إربا لأقل هفوة ويرى أن البرامكة قد نكبهم الرشيد ظلما، وربما أن هناك زواجا إسمياً تم بين (العباسة أخت الرشيد) وبين جعفر البرمكي وهي الأسطورة التي نسج حولها أوهامه (جورجى زيدان).. وحتى (المأمون) جعله (كارادوقو) محباً لعادات الفرس السامانيين، وأما صلاح الدين الأيوبي فكان عند (كارادوقو) مرائياً نفعياً يتظاهر بأنه سنى غيور.. والويل (لمحمد الفاتح) لأنه بطل إسلامي وفاتح عظيم ولهذا يعتبره كارادوقو – لهذا الحب – متقلب الخلق عنيفاً جافاً!!

وبالإضافة إلى هذا الحشد الغريب من الافتراءات يضيف كارادوقو[12] (صراحة) أخرى حول المؤرخين العرب المسلمين المعتمدين لديهم. أي لدى المستشرقين فيقول: إن مؤرخي الشرق الإسلامي لا يتمتعون بالشهرة في الغرب، والمؤرخون الذين عرفوا في الغرب ليسوا مسلمين إن المؤرخين المعروفين لديهم هم (جرجس، ابن العميد الملقب بالمسكين (ت 1273 م) والشماس القبطي بطرس الراهب وبطريرك الإسكندرية المشهور (يوتخيوس)، واليعقوبي ابن الصبرى أما عشرات المؤرخين الموثقين المسلمين بدءا من مؤرخي السيرة والمغازي ومرورا بالطبري وابن الأثير وحتى المقريزي وابن كثير وابن خلدون، وغيرهم فهم غير معروفين في الغرب).

ولهذا فإن (كارادوقو) نفسه لم يقدم من بين مؤرخي الشرق الإسلامي المعاصرين إلا (جورجى زيدان) ذلك المعول الهدام في تاريخنا، والذي ثبت ولاؤه المطلق للمحافل الماسونية وللتوجيهات الاستشراقية، والذي قام بتحريفات فاحشة في تاريخنا في تلك السلسة التي سماها (روايات تاريخ الإسلام) (!) وتاريخ الإسلام منها براء!!

والحق أن كل ما كتبه المؤاف من مدح لجورجى زيدان يؤكد المنهج الذي أشرت اليه سابقا، وهو المنهج الذي يمدح المفسدين (كهولاكو وأكبر) ويذم المصلحين كصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح.

لكننا لا نغفل هنا لمحة للمؤلف تضم إلى لمحاته (الصريحة) السابقة وهي لمحة تؤكد رأينا في جورجى زيدان – أن يؤسف لموت (زيدان) ويشير إلى أن المستشرقين فقدوه منذ زمن قليل، فكأنه يعتبره – وهو عربي – مستشرقاً وهذا ما نميل إليه.

لقد كان – بحق – كارل بروكلمان (ولد في ألمانيا عام 1868) واحداً من المفكرين الذين بذلوا جهداً كبيراً في مجال التاريخ الإسلامي والأدب العربي، فكتاباه تاريخ الشعوب الإسلامية وتاريخ الأدب العربي من أهم الكتب التي ألفها المستشرقون ومن أخطاها لدى القارئ العربي – لكن (بروكلمان) على الرغم من هذا لم يستطع التخلص من المناخ نفسه الذي يفرض (الفكرة السائدة عن الإسلام) على المستشرقين…

فبروكلمان في (تاريخ الشعوب الإسلامية يعتبر الحجر الأسود وثنا يعبده المسلمون)[13] ويقول أن النبي اعترف بثلاثة آلهة في الكعبة في سنواته الأولى[14] ويتهم النبي بأن صلته بالوحي كانت صلة ظنية احتمالية[15]!!

ويرى أن القرآن قد انبثق عن اليهودية والنصرانية وكيفه محمد تكييفا خاصا وفقا لحاجات شعبه الدينية[16]… ويرى أن الرسول أرضى اليهود بتشريع صيام رمضان[17] ويتهم خالد بن الوليد بقتله مالك ابن نويرة من أجل زوجته، وفق الرواية الكاذبة التي أشاعها بعضهم[18]… ويرى أن ثراء عثمان غفر له عند الرسول النقص في كفاءته الشخصية[19] ويصف المغيرة ابن شعبة بأنه انتهازي لا ذمة له ولا زمام[20] ولفظ في قضية العباسة أخت الرشيد وفق المنهج المنحرف نفسه[21].

ونتابع صفحات هذا الغزو التنصيري لتاريخنا، فنجدها عند جل المستشرقين من أمثال لامنس، وموير، ومرجليوت، وتولد كه، ودوزي، وكيتاني، وماريسه وغولد زيهر وإسرائيل ولفنون (اليهودي) وغيرهم.

وحتى بعض المستشرقين الكبار المشهورين بشئ من اليدة والإنصاف.. لم تخل كتاباتهم من سقطات كبيرة، فغوستاف لوبون صاحب كتاب (حضارة العرب) عاش يؤمن بأن غير الأوروبي في مستوى (القرد) مهما تعلم وتحصل على الدكتوراه في الحقوق والأدب[22] وأرنولد توينبي يعتبر عودة الإسلام لقيادة الحضارة من الأخطار الضخمة وتمنى أن لا يحدث ذلك[23]. بيد أن (فيليب حتى يعتبر من أكثر من احتشدت كتبهم بالافتراءات في نطاق التاريخ الإسلامي، مع محاولة أن يظهر بروح علمية منصفة – وتقديمه كثيرا من كلمات المدح للحضارة الإسلامية).

ومشكلة فيليب حتى (ونحن نقدمه نموذجا للمستغربين من العرب النصارى) أنه لبناني الأصل ينتمي أصلا لحضارتنا وقد تفيأ ظلالها، لكن بعد أن تخرج من الجامعة الأمريكية ببيروت سنة 1908 ذهب إلى أمريكا حيث حصل على الدكتوراه (1915) وعاش في أمريكا بعد ذلك متدرجا في الوظائف الجامعية، وحصل على الجنسية الأمريكية وأصبح مستشارا في معاهد الاستشراق وأجهزة الاستخبارات ورئيساً لقسم اللغات الشرقية… ومن خلال كتبه (أصول الدولة الإسلامية) و(سوريا والسوربون) و(تاريخ العرب) و(الموجز) و(المطول) و(أصول الشعب الدرزي وديانته) و(تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين) استطاع أن يبث كثيراً من الأفكار المزيفة حول تاريخنا، ولم يكن أميناً في تقديم حضارتنا للأوروبيين…

إن (حتى) ينفي كل معجزات الرسول ما عدا القرآن، ويقول أن القرآن لم يعترف إلا بهذه المعجزة الوحيدة[24] مع أن القرآن والحديث أكد وجود معجزات أخرى للرسول كانثقاق القمر، والإسراء والمعراج، ونبع الماء من بين أصابعه ومعجزة الغار، وسراقة، وغيرها. ويتهم (حتى) الصحابة (باتفاق) على موضوع ((السقيفة)) فيقول: (ولعل مبايعة أبي بكر كانت مطابقة لمشروع دبر قبل ذلك بينه وبين عمر وأبي عبيدة[25] وهو اتفاق وهمي اخترعته عقول مريضة ولم يقم عليه أي دليل، وقد رد عليه كل الذين كتبوا بإنصاف في تاريخ الإسلام وفي النظريات السياسية الإسلامية.

ويتكلم عن سياسة عمر في إدارة الدولة فيرى أن عمر وضع الدستور الفكري الاشتراكي الذي جعل للعروبة سمواً، وللمؤمن العجمي درجة أسمى من غير المؤمن.

وأقل ما يرد به على هذا الادعاء سلوك عمر نفسه، وتهديد أحد الصحابة له بتقويمه بالسيف لو وجدوا فيه اعوجاجاً… فهل هذا يتناسب مع الحكم العسكري الاشتراكي فضلاً عن استعمال كلمة (اشتراكية) المعاصرة اسقاط فاسد على تركيبة حضارية مختلة تماماً لها أصولها ونظمها المتكاملة. ويغزو (حتى) الحماسة البريئة في الفتوحات إلى الدافع الاقتصادي[26] وهذا أمر منتظر من (حتى) الذي أراد بمشيئته أن ينتمي إلى حضارة مادية فهو لن يستطيع فهم الدوافع الروحية… أما الجزية فقيمتها المادية تنفي هذا، وقد كان المسلمون يردونها حين يعجزون عن الدفاع عن أهل الذمة… وقد رد على هذه الشبهات (توماس أرنولد) في كتابه (الدعوة إلى الإسلام)…

وبما أننا لا نستطيع – في هذه العجالة – مناقشة (حتى) في كل آرائه، لأن المناقشة الصحيحة لها تستوجب صفحات طويلة، بينما المناقشات العابرة تضر بالقضية… فنحن – بالتالي – سنشير إلى بعض أغاليطه… ونعتقد أن أكثرها من الوضوح بحيث يدرك حقيقته جمهور المسلمين، فضلاً عن المختصين…

يرى (حتى) أن المشكلة الأولى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت في التخلص من منافسيه في الوظيفة الكبرى (الخلافة) وعلى رأسهم طلحة والزبير اللذان كانا يمثلان الحزب الملكي… وقد انضمت عائشة إلى صفوف المتمردين ضد علي في البصرة[27]

ونحن – فقط – في هذا المقام – يخيل القارئ إلى ما كتب في هذا الموضوع في الطبري وابن الأثير، وأبي بكر بن العربي صاحب العواصم في القواصم، والذهبي صاحب طبقات الحفاظ والدكتور إبراهيم شحوط في (أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ)… فهذه الدراسات وغيرها كثير – قد عرضت لهذه القضية بحياد وموضوعية يستحقان التنويه.

ولم تكن الدولة الأموية لتمر دون تعريض سواء في شخص معاوية رضي الله عنه أم في خلفائه… وقد زعم (حتى) أن عبدالملك بن مروان قد ابتنى في بيت المقدس الصخرة وكان غرضه أن يحول إليها أفواج الحجاج من مكة والتي استقر فيها منافسه ابن الزبير[28].

وأظن أن هذا الادعاء يكشف جرأة (حتى) بطريقة مزرية.. فعبدالملك بن مروان فقيه عابد ناسك (كما وصفه ابن حجر والكتبى وابن الأثير وابن كثير) وقد احتج بقضائه الإمام مالك في الموطأ… فكيف يتسق هذا مع هذا الكفر الذي يرميه به – بلا سند – المؤرخ (حتى)؟!

وهو يتهم عبدالمالك وابنه الوليد وهشاما بتناول الخمور[29] معتمداً على (الأغاني) الذي لم يقصد به صاحبه أن يكون تاريخياً… لكن (حتى) وأمثاله يصورون – بالقوة – على أن يكون الأغاني وألف ليلة وليلة هي المصادر التاريخية التي يتكئون عليها… فأي منهجية هذه ترى؟!

وفي حديثه عن الدولة العباسية ينتهي إلى السقطات نفسها التي انتى إليها غيره من المستشرقين مثل قصة العباسة وعلاقتها بنكبة البرامكة[30] وهلم جرا.

وهكذا يتضح لنا خيوط الهجمة التنصيرية والعلمانية على التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية والهدف الأساسي الذي تسعى اليه هذه الهجمة هي فك الارتباط الروحي والوجداني والعقلي الذي يربطنا بهذا التاريخ ولا سيما بفترة الاجتماع التشريعي فيه، وهي فترة الرسالة والراشدية ومتى ما تم هذا.. فإن تجريدنا من بقية صور انتمائنا للإسلام تصبح أمراً سهلاً ميسوراً.. وهذا هو هدفهم الكبير!!

تاريخنا والغزو الماركسي:

عندما نجحت الثورة البلشفية سنة 1917 في الوصول إلى الحكم فيما عرف باسم (الاتحاد السوفيتي) وقامت على أثرها حركة (ماوتسي تونج) في الصين كان ذلك كافياً لدى كثيرين من الدول النامية كي ينظروا باعجاب إلى هاتين التجربتين.

وقد ساعد على هذا الإعجاب تلك الكراهية التي كانت قد تأصلت نحو الدول الغربية الاستعمارية التي تمثل القوى المناهضة (في حدود مصالحها!!) – على المستوى الظاهري الرسمي على الأقل – للكتلة الشيوعية… ومع الانبهار بدأ الكثيرون ينظرون إلى هذه القوى الجديدة على أنها المخلص من الاستعمار التقليدي وبدأت جماهير كثيرة من المثقفين تقرأ الفكر الماركسي بعين منبهرة كليلة عن كل عيب… بل وبدأت قلة تدعوا إلى ضرورة – بل حتمية – السير في الطريق نفسه الذي سار فيه الروس والصينيون… وبدأوا يتعيرون المناهج الشيوعية في تحليل حركة الحياة وفي التفسير الاقتصادي للتاريخ.

ولم يقف أمر التورط في استعارة هذا المنهج عند حدود الذين تمركسوا فحسب، بل إن هذا المنهج قد رشح في كتابات غيرهم من الذين يمكن اعتبارهم أنصاف متمركسين.. أو أقل من ذلك!! وعند هؤلاء وأولئك كان ثمة تركيز واضح على عدد من المبادئ أهمها:

  1. رفض التفسيرات الغيبية (وهم يستعملون كلمة غيبية تمويهاً وبديلاً لكلمة الدينية أو الإسلامية).
  2. رفض أن يكون للدين تشريعات دنيوية والتركيز وفق فهم خاص على حديث: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم…)).
  3. التركيز على تشريح مجتمعاتنا الإسلامية في التاريخ في صورة صراع طبقات أو في صورة محافظين وثوريين.. وأغنياء وفقراء.. ويمين ويسار.
  4. التركيز على التفسير الواحدي للتاريخ (العامل الاقتصادي الأوحد) تقريبا فالعوامل الأخرى تكاد تكون عوامل ثانوية.
  5. لصق الدين بالرجعية والتخلف والعمالة للأثرياء.

وفي كتابات كثيرين سيطرت نغمة أن الإسلام دين الفقراء، ودين الحرية، ودين المساواة، ودين العدل الاجتماعي، وبدأوا ينبشون تاريخنا ليكتشفوا – وفق أسلوب فرض المذهب على المنهج – كل الشواهد التي تؤكد نظريتهم.. وبدأوا يحللون الأحداث التي وقعت في عهد عمر وعثمان وعلي ومعاوية.. إلى أن وصلوا إلى تاريخنا الحديث تحليلاً يخدم نظرتهم المبدئية المنطلقة من المادية التاريخية وقد التقوا مع العلمانيين في تضخيم المشكلات والخلافات التي وقعت بين المسلمين بحكم أنهم بشر، وقد استثمروها لخدمة أفكارهم أسوأ ما يكون الاستثمار فالفتنة الكبرى (وهي كبرى في رأيهم وليس في رأينا…!!) أصبحت طبقة عازلة عن رؤية عظمة تاريخنا وحضارتنا، وأصبحت بيت القصيدة في دراسات هؤلاء!!! ولم تعد صراعاً على فقه الطوائف الإسلامية لأسلوب الحكم أو خلافاً غذّاه خصوم الإسلام، بل أصبحت حركة ثورية ذات محتوى اقتصادي واجتماعي يقف منها (عثمان بن عفان) رمزاً للقوة التقليدية المحافظة على مصالح الطبقة الثرية والنظام الإقطاعي ويقف فيها أبو ذر والثائرون، رمزاً للقوة التقدمية المناضلة!!

لم ينج طه حسين – مع ميوله الليبرالية – من هذه الآفة، فوقع في (الفتنة الكبرى) على شئ من هذه التفسيرات… وذلك عندما نظر إلى مقاومة قريش للرسول على أنها ليست مقاومة لعقيدة التوحيد أو للدين، وإنما هي مقاومة لدعوة – مساواة السادة بالعبيد ولمبدأ عدم التفرقة بين الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء.

وبعد طه حسين – انهمرت سيول الكتابات الشيوعية في لبنان ومصر وسوريا والعراق وبعض بلاد الخليج العربي، وبعض بلاد المغرب العربي، ولا تكاد تخلو بلد من المتأثرين بهذا المنهج اليساري. بل لقد ظهرت مدرسة تحاول استخدام منهج ملفق يسمى (باليسار الإسلامي) يركز وجود المكافحين ويكتشف العناصر الاقتصادية والمادية في تراثنا وتاريخنا.

ومع بداية الستينات من هذا القرن الميلادي – أي منذ ربع قرن تقريباً – تمكنت هذه التكتلات من التعبير عن نفسها من خلال أبرز المواقع تأثيراً متلفعة بنوع من الشيوعية المعدلة…

وفي مجلة الكاتب – المصرية – استطاع رئيس تحريرها الماركسي (أحمد عباس صالح) أن يوجه المجلة وجهة يسارية ثابتة، وقد كتب فيها سلسلة مقالات تحت عنوان (الصراع بين اليمين واليسار في الإسلام) عالج فيها الأحداث التاريخية في عهد رسول الإسلام والخلفاء الراشدين… مقسماً هذا الجيل الإسلامي الفذ إلى يمين ويسار متصارع… دون أن يلتفت الكاتب إلى أن هذا الاسقاط (المصطلحي) الحديث الخاضع لتطورات مجتمعات معينة من الخيانة للمنهج العلمي اسقاطه على عصور مختلفة وعلى مجتمعات ربما لم تعرف مصطلح (الطبقية) بهذا المعنى الذي عرفه تطور المجتمعات الأوروبية ومع ذلك فمن أجل (المذهب) لا خير في أن يذهب (المنهج العلمي) إلى الجحيم!!

ولقد بلغت الجرأة المسفة بالكاتب إلى أن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم (زعيم اليسار) فهو في رأيه – (زعيمه وواضع مبادئه الأساسية) ويعلق أحد الكتاب الإسلاميين[31] على هذه الفرية الهابطة بقوله: ولكن كيف قبل الرسول (اليساري) هؤلاء اليمينيين في صفوف الإسلام وكيف أثنى عليهم وبشرهم بالجنة؟

لقد كان بين السابقين إلى الإسلام أبوبكر وعثمان وعبدالرحمن ابن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، كما أسلم علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وأسلم بعد ذلك خباب ابن الأرت وعمار بن ياسر وصهيب وبلال…

وهكذا سبق للإسلام أغنياء وفقراء، أقوياء وضعفاء، أحرار وموالى، عرب وعجم، تجار رأسماليون وعمال محترفون… فأين كان اليمين في هؤلاء؟ وأين الوسط وأين اليسار؟ وكيف أغضى زعيم اليسار عن وصولية اليمينيين؟ أو كيف تقبل اليمينيون ثورية اليسار[32]؟

وأيضاً كيف كان هؤلاء على عهد الرسول كتلة واحدة يضحى غنيهم بماله لفقيرهم ويشتري غنيهم بماله العبيد، ويرفض أحدهم ثلاثة أضعاف الربح في تجارة قدمت له، ويهبها لله: أي للفقراء والمساكين صدقة لله مؤثرا ما عند الله؟

أليس من الهبوط العقلي – باسم المذاهب – أن ينسج بعضهم خيالات يخلعها على الآخرين حتى ولو لم تكن هذه الخيالات بنت بيئتهم أو مناسبة لحقيقتهم؟!!

ويمضي الكاتب – دون اعتبار للمنهج – لتصنيف الصحابة إلى يمين ويسار، وإلى رمي اليمين من الصحابة (وزعيمه عثمان، وعبدالرحمن ابن عوف، ,طلحة) وغيرهم من التآمر على اليسار لدرجة أنه حملهم مسؤولية قتل عمر ابن الخطاب الذي جعله الكاتب زعيم الوسط الذي انتهى ثوريا… ولهذا قتل بمؤامرة يمينية أدانها أبو لؤلؤة المجوسي…

وهو تحليل متهافت يعتمد على أوهام مختلفة اختلافاً لكي يستفيد منها صاحب (المذهب) على حساب أية (منهجية علمية)… أما أبوذر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما – فهما أبرز زعماء اليسار… وبعد جهاد ومعاناة نجح اليسار في تولي السلطة عندما وصل علي إلى الحكم!!

وهكذا نجد أسلوباً فجاً في تشريح الوقائع، وهو أسلوب لسنا بسبيل الرد عليه فلقد عالجته دراسات كثيرة وأصبح الآن كلاماً ممجوجاً لعل أصحابه أصبحوا يخجلون منه…

لكن هذا الغزو المادي لتاريخنا – في كل مراحله ولا سيما الفترة الأولى – ظهرت له تكتلات متعددة متعاونة مستخدمة قدرتها الجلية، ومستخدمة الثقافة التقليدية التي حصر كثير من أصحاب الاتجاه الإسلامي أنفسهم فيها.

والحقيقة أن غزو (التفسير المادي) لتاريخنا، لم يقف عند حدود الماركسيين وحدهم، ولا عند حدود اليساريين الذين يقولون أنهم يرفضون الماركسية في العقيدة ويقبلونها في الرؤية للتاريخ.. وإنما تجاوز الغزاة هؤلاة إلى قطاع كبير من المؤرخين الذين أصبحوا – بحسن نية غالباً – يركزون على تأثير العوامل الاقتصادية، ويبالغون في قدرتها، حتى لتكاد العوامل الأخرى العقيدية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها من العوامل الفاعلة في التاريخ تتضاءل أمام هذا التركيز على دور العامل الاقتصادي.. مع أن التاريخ يمدنا بعشرات من الحركات التي ضحى الناس فيها بحياتهم وأموالهم وأوطانهم في سبيل القيم الأعلى للإنسان في هذه الحياة… وبالطبع لايعني هذا – من جانبنا – إنكاراً لدور العامل المادي أو تقليلاً لشأنه!!

تاريخنا والتفسيرات القومية:

لقد تعرض تاريخنا كما تعرضت كل قيم حياتنا – لتغيرات قومية منحرفة كل منها يحاول كسب كل المعالم الوضيئة في تاريخنا لحساب قومه، ورمى الأقوام الآخرين الذين أسهموا في صناعة الحضارة الإسلامية بكل الأخطاء… فقومه – وحدهم – هم المبدعون، وإليهم ينسب كل الفضل، بينما الأقوام الآخرون هم الخاطئون في كل موقف، ولا فضل لهم في هذا التاريخ ولا هذه الحضارة الإسلامية… ونكتفي في هذا المقام بضرب بعض النماذج لنعرف كم كانت هذه التفسيرات القومية متجنية وبلهاء.

إن فتح المسلمين للمغرب والأندلس كان فتحاً إسلامياً، ولم يكن فتحاً عربياً (قومياً)، ذلك لأن من أبسط الأمور البديهية أن القائمين بها كانوا من جيل التابعين (ومنهم صحابة) ولم يكن يحرك هؤلاء إلا الإسلام، وقد كان الأعجمي الصالح عندهم أفضل من العربي الكافر والفاسق حتى ولو كان هذا العربي عم النبي عليه الصلاة والسلام.

ومع هذه البديهية فثم حقائق أخرى تاريخية تدين تشريح الفتح الإسلامي للمغرب بمبضع قومي عربي أو غير عربي…

إن الفتح الإسلامي للمغرب لم تستقر أقدامه ويدخل مراحل حاسمة من الفتح إلا بمساعدة عناصر غير عربية، فمن المعروف أن فتح المسلمين للمغرب هو أطول الفتوحات الإسلامية، وقد تعرض للانتكاسات في عدد من المواقف، فقد قتل عقبة بن أبي نافع وصاحبه أبوالمهاجر دينار، وذلك سنة (64 هـ) وقد قتل زهير بن قيس البدوي سنة (69 هـ) ونلاحظ أن مقتل زهير كان بعد أكثر من أربعين سنة من بداية الفتح، فالحالة كانت كما نرى غير طيبة، لكن أقدم الفتح في الحقيقة لم ترسخ على نحو مؤثر إلا من خلال عدد من المواقف أهمها:

  1. سياسة أبي مهاجر دينار في تأليف البربر مما جعل كسيلة زعيم البرانس يسلم، فيسلم قومه البرانس لإسلامه وبواسطة مساعدتهم دخل أبومهاجر دينار أرض الجزائر حتى تلمسان ولم يكن أحد قبله قد استطاع دخول الجزائر أي أن أبي المهاجر فتح الجزائر بواسطة الجزائريين البرانس أنفسهم.
  2. سياسة حسان بن نعمان في تأليف البربر بعد أن هزم في موقعة الأوراس أمام الكاهنة، ومن ثم سخط البربر عن الكاهنة بعد أن أحرقت مزارعهم، وانضمامهم جماعات وأفراد إلى حسان، حتى أولاد الكاهنة أنفسهم، مما مكن حسانا من هزيمة الكاهنة سنة (80 هـ) في موقعة قابس.
  3. وأيضاً فإن حسانا – إلى جانب استعانته بالبربر ضد الكاهنة فقد استعان بهم في تحضير البلاد، كما أنه استجلب إلى المغرب ألف أسرة مصرية (حرفية) للنهوض بالصناعة في البلاد

فالفتح الحقيقي للمغرب كان بواسطة أجناس إسلامية متعددة على رأسها أصحاب البلاد أنفسهم فكيف يسمى بالفتح العربي للمغرب إذن؟!! إنه فتح إسلامي وكفى!!

وأما فتح الأندلس فقد كان إسلامياً حتى بلغة الإحصاء، فإننا لو أحصينا الجيش الفاتح الذي ذهب مع طارق بن زياد (البربري).. سواء السبعة آلاف الأولى أم الخمسة الملحقة بها فسوف نجد أن معظم الجيش ليس عربياً إلا إذا كانت كلمة العروبة مرادفة لكلمة الإسلام حسب الاستعمال التجوزى الكريم في حضارتنا قبل أن تظهر لعنة القومية التي تحارب الإسلام وتتنكر له باسم العروبة عند العرب والطورانية عند الترك والفارسية عند الفرس.

ولو استعرضنا تاريخ الأندلس فسوف نجد أن العرب كانوا كغيرهم لهم أخطاؤهم وحسناتهم… وقد دخل زعمائهم في صراع مرير على الحكم، متلفعين برداء العروبة المستعلية مثل بن أبي حاتم، ويوسف الفهري، وبقية الولاة الذين ظهروا في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، ولعل مذابح الحكم الربضى (180 – 206 هـ) البشعة للمولدين أبناء البلاد الأصلاء لن تشرف كثيرا المتمسكين بأمجاد النزعة القومية كما أن الفتنة الطائفية (299 – 422 هـ) التي كانت من أسباب سقوط الأندلس، والتي سقطت فيها طليطلة قلب الأندلس… هذه الفتنة تحمل فيها العرب كغيرهم أوزار الاغتصاب والنهب والاستهانة بالدماء ولم يقدموا نموذجاً أفضل من غيرهم، وقد كادت الأندلس تسقط لولا أن قيض الله لانقاذها رجالاً من صميم صنهاجة المسلمة العظيمة (البربرية) – ومن ناحية الأصل بقيادة البطل العظيم يوسف بن تاشفين رضي الله عنه وعمر ابن عمه العظيم أبي بكر ابن عمر اللمتونى!!

إن الاعتزاز القومي باسم العروبة لن يخدم العرب ولا المسلمين، وإن من شأنه دفع الأجناس الأخرى للبحث عن دورها في الحضارة الإسلامية مع أن الدور كان مختلطاً لا فضل فيه لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ومن الصعب توزيع هذه الأمجاد، لأن الآباء لم يتركوها بطريقة تقبل القسمة، ولأنهم لم يقوموا بها لكي نتوزعها نحن، بل قاموا بها حسبة إسلامية خالصة بصورة تعاونية تكاملية… وأيضاً لقد قاموا بها لنضيف إليها لا لنتقاتل عليها. وإن استعمال المصطلحات الشعوبية ليست في مصلحة الأمة العربية، ولقد استطاع أعداء الإسلام من مستغربين ومتمركسين استغلال هذه النزعة فحاولوا فصل العرب عن المسلمين بمبضع الاستعلاء الكذوب!!

إن مجال حصر التجنيات القومية عن تاريخنا تمتد إلى كل أجزاء هذا التاريخ وحضارته فأصحاب المنظار القومي لم يستحوا عن طمس الحقائق وتلوينها بمنظارهم القومي، حتى شخصيات الصحابة والتابعين، وحتى صلاح الدين الأيوبي الكردي وسيف الدين قطز المملوكي، والسلطان عبدالحميد تركي، كل هؤلاء يقومون بمقياس شعوبي فيحاول بعضهم سرقة أمجادهم لحساب العرب ثم مع ذلك لا يستريحون إليهم – حتى مع حسناتهم – لأنهم لم يكونوا في النهاية عربا.. وحتى موقف السلطان عبدالحميد رضي الله عنه من فلسطين والذي كان من أشرف المواقف في التاريخ الحديث حتى هذا الموقف يهال عليه التراب، ولا يكاد يذكر، ويصور السلطان عبدالحميد بصورة مزرية لا تليق بعظمته وسمو دينه.

إن النظرة القومية لتاريخنا – بخاصة – نظرة عمياء ظالمة عنصرية لا تخش الله ولا يهمها الحقائق الموضوعية… وإن خطرها في تأجيج الفتن كبير، وأنا لا أبرئ أصحابها من الخضوع للأهداف التمزيقية حتى ولو لم يحسوا بذلك.

إن الحضارة الإسلامية وتاريخها ميراث لكل المسلمين لا يمكن تقسيمه، ومن أراد الرفعة فليتقدم بهذا التراث مضيفاً اليه وبانياً فوقه. أما الذي يريد التمزيق واغتصاب حقوق إخوانه وشركائه في صناعة هذه الحضارة فهذا في حقيقته عدو مبين لهذه الخصائص العظيمة المتكاملة التي صنعها كل مسلم عربياً كان أو مولى، تركياً أو بربرياً أو فارسياً، فكلهم ساهم فيها باسم الإسلام، وكلهم أرادها إسلامية، ويجب أن تبقى – وسوف تبقى بإذن الله – إسلامية إلى يوم القيامة.

والله الهادي إلى الصواب


[1]العواصم من القواصم المقدمة بقلم العلامة محب الدين الخطيب.

[2]الشهيد سيد قطب: في التاريخ فكرة ومنهاج ص 161 – دار الشروق.

[3]عماد الدين خليل: دراسات تاريخية 161 نشر المكتبة الإسلامية.

[4]عبدالكريم باز: افتراءات فيليب حتى وكارل بروكلمان ص 25 نشر دار تهامة – السعودية.

[5]مقالات لكاتب شيوعي يدعى أحمد عباس صالح نشرت بمجلة الكاتب تحت هذا العنوان.

[6]عبدالكريم علي باز: افتراءات فيليب حتى وبروكلمان.

[7]محمد جلال كشك (ودخلت الخيل الزهر) انظر عرضا له لكتاب العقل المسلم للدكتور عبدالحليم عويس.

[8]نشر دار المنشورات العربية – بيروت – (ترجمة خليل الجر).

[9]نشر محمد جواد مغنية الترجمة د/مصطفى الرافعي.

[10]نشر دار المعارف  بمصر ترجمة د/حسين حبش.

[11]ترجمة علي زعيتر نشر بيروت (الدار المتحدة للنشر).

[12]انظر في الكتاب السابق صفحات: 13، 14، 15، 19، 24، 38، 47، 742، 83، 84، 88 وما بعدها.

[13]افتراءات فيليب حتى وكارل بروكلمان.

[14]المرجع السابق ص 95.

[15]المرجع السابق ص 100.

[16]المرجع السابق ص 104.

[17]المرجع السابق ص 105.

[18]المرجع السابق ص 115.

[19]المرجع السابق ص 120.

[20]المرجع السابق ص 123.

[21]المرجع السابق ص 121.

[22]انظر نظريته تلك في كتابه: السنن النفسية لتطور الأمم وفلسفة التاريخ.

[23]انظر الصفحة الأخيرة من كتابه (الإسلام والغرب والمستقبل)

[24]تاريخ العرب المطول 1/177 نقلا عن (افتراءات فيليب حتى – عبدالكريم باز ص 45)

[25]المصدر السابق ص 47.

[26]المصدر السابق ص 52 ، 55.

[27]المرجع السابق ص 61.

[28]المرجع السابق ص 76.

[29]المرجع السابق ص 78.

[30]السابق ص 86.

[31]انظر التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التغير – الدار الكويتية ص 108.

[32]المصدر السابق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر